معاوية محمد نور- إستعراض وإستقصاء المثقف الحق

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 04:42 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-07-2010, 11:53 AM

قصي مجدي سليم
<aقصي مجدي سليم
تاريخ التسجيل: 03-09-2004
مجموع المشاركات: 1091

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
معاوية محمد نور- إستعراض وإستقصاء المثقف الحق

    عفوا سادتي..
    كان من المفترض أن ينزل هذا المقال هنا قبل دخول العام الجديد حتى يوافق مئوية معاوية نور.. ولكن ظروف فقداني لكلمة السر وتأخر إرسالي للأستاذ بكري وتأخر الرد بالتالي.. لكل هذا تأخر نشر المقال حتى الآن..على العموم فإن المقال قد نشر بالأحداث في العام السابق شهر ديسمبر.
    http://www.alahdath.sd/details.php?type=a&scope=a&version=18&catid=17
    ---------------------------------------------------------------
    لقد كان أكثر تلاميذي نجابةً ونبوغاً وذا مستقبلٍ واعد، صبيٌّ نحيل الجسم، وسيم الطلعة، يدعى معاوية نور.
    (إدوارد عطية)

    لو عاش معاوية لكان نجماً مفرداً في سماء الفكر العربي.
    (العقاد)
    أميز ما يميز معاوية عندي، هو أنه لم يحسّ بالدونية تجاه أحد من العالمين.
    (النور محمد حمد)

    إن الدخول في عوالم معاوية يقتضي تأدباً وتفهماً وصبراً ودقة لا أظن أن هذا المقال ولا عشرات مثله تتسع لهذا؛ ولكن حَسبُنَا أن نحاول في هذه البِركَة الساكنة أن نثير في شخصٍ ما رغبةً ما فيقوم ويفعل ما عجزنا عنه.
    في مقال له ممتاز الصنعة واللغة والموضوع تناول الأستاذ الفنان النور حمد جانبا من حياة وفكر معاوية نور(1909-1941-او ربما 1942)(1).. لم يقف المقال عند حد التعريف بمعاوية وأعماله كما يفعل الناس عادة، بل تناول المقال جانباً مهماً في علاقة المستعمِر بمستعمرِيْه وروح الدونية التي تصاحب المُستَعْمَر. وباستشهادات ذكية خَلُصَ المقال إلى ما يميز معاوية نور عند الكاتب.
    وما يميز معاوية عندي أنه، بالإضافة لبرءِهِ من عقدة الدونية التي أشار لها أستاذي الفاضل/ النور محمد حمد، فهو قد زاوج بين بغضه للاستعمار في شكله الاستغلالي وبين حبه للحضارة الغربية في شكلها الفني والأدبي والعلمي!؛ هذا التزاوج قد أنتج لنا الفنان المفكر المبدع، والثائر الرافض والوطني الغيور في بوتقة متوائمة قَلَّ أن تجدها في إنسان.
    ومعاوية الفنان قد قرأ وتثقف بثقافة عصره؛ ثم أنه ناضل من أجل أن ينال هذا التثقيف في بيئة لا شأن لها بالفكر ولا حاجة لها بالثقافة!!. قرأ وهو صبياً (برنارد شو، وأناتول فرانس، وجين أوستن، وأولدس هكسلي)(2) وغيرهم من الأدباء والمفكرين، فاستحق بجدارةٍ الإهتمام والملاحظة من أستاذه إدوارد عطية الذي التحق بالتدريس حوالي عام 1925م. فلَحِظَ في الصبي ما لَحِظ من ذكاء ونبوغ.
    ناضل معاوية حتى حقق رغبته وأقنع (خاله)، ربّ أسرته، بالسفر إلى بيروت للدراسة بالجامعة الأمريكية هناك بعد أن تخلى عن كلية الطب بالسودان. وبعد أن فرغ من دراسة الأدب الإنكليزي ذهب إلى مصر واتصل بالعقاد. ولقد حكى لي أستاذي المرحوم/ عمر علي أحمد التروِّس، ولقد كان عليه رحمة الله من المداومين على ندوة العقاد بالقاهرة، حكى لي عن أول لقاء جمع العقاد بأديبنا معاوية؛ كان العقاد يجلس في مكتبة ومعه مجموعة من أصدقائه وفجأة يدخل شاب في مفتتح الشباب وخواتيم الصبا، أسود اللون وسيم الطلعة، ويبدأ في انتقاء مجموعة من الكُتب. وعندما همَّ بالخروج نَدَه عليه العقاد قائلاً:
    - تَعَالَ يَلاَ.
    فذهب معاوية نحوه بثقة واعتداد، فأخذ العقاد من يديه الكتب وقلَّبها وقال:
    - مين بَاعْتَك بالكتب دي؟.
    أجاب معاوية بهدوء:
    - هذه الكتب لي.
    قال العقاد:
    - إنت تقرأ للكاتب ده؟ (ولوَّح بكتاب).
    قال معاوية وابتسامة في شفتيه:
    - قرأت له قبلها كتاب كذا وكذا وكذا وكذا.
    نظر العقاد الى أحدهم وقال:
    - قوم يا بغل، إجلس يابني.
    ***
    لقد بَهَرَ نُور معاوية كلّ من قاربه؛ لقد كان شهاباً يمضي بسرعةٍ فيغشي الأبصار، أو كما قال الأديب الفنان النور حمد: (خرج معاوية على الحياة الفكرية السودانية في عشرينات القرن الماضي كما الشهاب، متوهجاً، مندفعاً في قوة، وكما الشهاب أيضاً، انطفأ، وتفتت، وتناثرت طاقته الجبارة، في ظلمة السديم الشاسعة).
    وعندما يقرأ المرء موسم الهجرة إلى الشمال وينظر في الوصف الأريب لمصطفى سعيد ولعقله الذي يعمل كالمِدية الحادّة ثم يقرأ لمعاوية نور يجد تلك المدية العقلية حاضرة مع فارق الوعي الزائد الذي وائم، بكل بساطة ووضوح، بين المكتسبات البشرية الحضارية وبين الأخطاء الإستعمارية الكولونولية؛ فلم تأخذه العقدة ليقف حائراً متخبطاً بين رغبةٍ دفينة للإنتقام وبين حضارةٍ غربية يَنْهَلُ منها؛ فهو يرد على كاتب فاضل رأى أنه لا يمكن للعرب أن يعيشوا من مَنهَلِ الثقافة الغربية فقال له معاوية:
    (فليست هنالك حضارة غربية محضة أولاً ثم حضارة شرقية خالصة ثانياً. وليس من السهل أن نتكلم في شؤون الفكر والفن فنقول هذا لهذا وهذا لذاك. وإنما الثقافة تراثٌ إنساني ليس لإنكلترا أو النمسا أو الصين أن تستأثر به وتقول للآخذ منه “هذا لي، وليس لك فيه أي حق”).
    إلى أن يقول:
    (والثقافة حقٌّ مشاع، وليس لأيّ شعبٍ أن يستأثر بها. وهي حقّ الإنسان وحق الإنسانية وصلت إليه بعد تاريخ طويل من التضحيات وقيام مدنيات وإنهيار أخرى).
    إلى أن يقول:
    (فإذا فرغنا من هذا الذي نقرر، وددنا أن ننتقل إلى فكرة أخرى بديهية ولكنها في مصر تحتاج إلى تقرير وإثبات! وهي أن الآداب في، أية أمةٍ من الأمم، لا تنتعش ولا تثمر إلا تحت تأثير ثقافة أجنبية تخفزها. هذا ما حصل في العصر العباسي، وما حصل في عصر النهضة الأوروبية، وما يحصل كلّ يوم بين كل الشعوب. وهو ما يحصل في مصر الآن وما نود أن يحصل بصورة أتم وأجلى).
    إذن فمعاوية الدارس للغرب، ولأدبه وفنونه، لم يتعامل مع الأمر من منطلق الدونية أو الإنمحاق المُذهِب للكينونة البشرية؛ بل هو التفاعل الإنساني الذي يأخذ القيمة من الحضارة ويترك القشور مستلهماً التاريخ الإنساني الطويل وصراعه الممتد لإنشاء الإرث الإنساني ككل. هذا أكثر ما يُمَيِّز معاوية نور عن الحركة الفكرية والسياسية والفنية السودانية في تلك الحقبة التي عاش فيها، ولو صبر قليلاً لما وجد أكثرهم مثله.
    ما يميز معاوية أيضاً هو شجاعته منقطعة النظير، والتي سوَّلت له أن ينتقد من هم “أباطرة” في عالمنا العربي و”آلهة” تُعبَد ولا تمس؛ ولقد كان معاوية مدركاً لخطورة دوره لا مجرد متهور لا يعلم ما يصنع فيقول في مقاله أصدقائي الشعراء:
    (ولقد كان في نيتي ألا أتعرض لهذه الدواوين بخيرٍ أو شر، لأن نفوس الأدباء بمصر تضيق ذرعاً بالملاحظة والنقد، ولا تتسع الصدور لكلمة الحق، ويقل التسامح، وتغلق أبواب النظر وسعة الفكر ورحابة العطف الفكري. ولأن معظم من يكتب أو ينظم الشعر يعتقد أن الأدب نوع من الملكية الفردية يسوء صاحبها ألا نقول كلمة إطراء عن بضاعته).
    فهو هنا يعلم السايكلوجية المصرية وضيقها بالنقد والملاحظة.. أكثر من هذا فإنه لا تُغْلَق أبواب سعة الفكر فقط بل ضيق الفكر قد يُغلِق في وجهه أبواب الرزق أيضاً.. ولكن هل كان يأبه!! هل كان يكترث؟!! بالطبع لا؛ لقد وجَّه نقده “لناجي” و”للمهندس” ولكنه لم يكتف بهذا، بل امتد به النقد حتى طال “شوقي” و”المازني”، بل و”طه حسين” نفسه. وهل، مع هذا، كان مجرد يافع يحاول أن يصنع لنفسه مجداً بنقد الكبار؟!! بالطبع لا؛ فأنت عندما تقرأ نقد معاوية للمازني يروعك أمران:
    أولهما: سرقات المازني الأدبية التي تعصف به ككاتب فني.
    وثانيهما: سعة اطلاع معاوية التي لا تقف عند حد.
    يقول معاوية:
    (ويجب أن نقرر، ونحن نتحدث عن سرقات المازني، أن الأديب الذي يعثر له النقاد على أشياء كثيرة مسروقة تقل قيمته عندهم، والسرقة في الأدب داء. والمازني مصابٌ بهذا الداء، لا يستطيع أن يقرأ قطعة فكاهة جميلة “لمارك توين” أو هنري أو غيرهما من كتاب الفكاهة في أمريكا والمانيا وإنجلترا إلا ويركبه عفريته الذي استراح إلى كتفه، كما يقول، يغريه بسرقتها وادعائها لنفسه. ولا أدري كيف يستسيغ المازني ذلك وهو يعرف أن في البلاد أناساً يقرأون مثل ما يقرأ على الأقل، وهم لا بد عاثرون اليوم أو غداً على ما كتب وادعاه لنفسه!).
    أكثر من هذا، فإن معاوية يخبرك من أين أتى “طه حسين” بفكرة كتابه (في الشعر الجاهلي)، ومن أين أتى بـ(حديث الأربعاء)، وكيف لم يُوَفَّق شوقي في مجاراة شكسبير، وكيف أخذ “لاشين” مسرحية تشكوف –وأظن أن معاوية قد كان يقصد مسرحية “الدب” لتشيكوف- وحوَّلها لقصة بعنوان (لكنها الحياة)!!. والقائمة تطول ولا سبيل لحصرها اليوم.
    لهذا فعندما يتسائل كاتب مصري (لماذا لا نأخذ جائزة نوبل) فإن معاوية يمتلك الجواب برؤية علمية وصدق وصبر، يحكي له لماذا وكيف. وعندما يتسائل آخر (هل نعيش على موائد الغرب إلى الأبد) كانت إجابته حاضرة بـ(لا) ثم يردف: (ولكننا نسأل الكاتب الفاضل الذي أزعجنا بالحديث عن الحُطَيْئَة وأمثاله من الشعراء “هل نعيش على أدب العرب إلى الأبد؟” ذلك ما أود الجواب عليه! وليفهم، حضرة الكاتب الفاضل، أن الحديث عن الأدب العربي وفضله عن كل أدب وثقافة، هو حديث سطحيّ لا يدل على علم ولا بصر بحقيقة الأمور).
    لا؛ لم يهادن معاوية، فالفكر عنده التزام صادق وروح دائمة مشتعلة تُنَقِّح وتبحث وتُنَاقش، وهي مع هذا روح جادة ملتزمة بقضية الفكر وبقضية الأدب، هذا هو ما يجعلك تظن عندما تراه بأنه سيعيش إلى الأبد!! فكأنه خلاصة الحياة الفكرية ونهايتها لهذا تجده في تَجَدُّد مستمر وتطور لا يتوقف وكأنه يسير بك الى السرمد؛ هذا ما دفع العقاد للقول:
    (بكائي على ذاك الشبابِ الذي ذوى
    وأغصانه تَخْتالُ في الروض نامية
    تَبَيَّنتُ فيه الخُلد يوم رأيته
    وما بان لي أن المنيّة آتية).
    وأظن أنه، لولا معاوية الناقد، لما شَهِدَ وادي النيل عملاقيه (نجيب محفوظ) و(الطيب صالح).. فكلاهما –وبلا شكٍّ عندي- قد اهتدى بهديه في الإلتزام الأدبي، وامتثل له في النقد الفني، فنراهما يتركان ما ناشد به أن يُترَك، ويفعلان ما طَالَبَ به أن يُفعَل.
    ومعاوية هذا الذي نتحدث عنه لا يلاقي من الاجلال والإحترام حقه الكافي “كشأن العباقرة في بلادي” بل في بعض الأحيان تجد الإشارة له بصورة غير دقيقة؛ أكثر من هذا فإن كثيرين لا يعرفون من هو معاوية نور حتى!! وإن عَرِفُوا جَهِلُوا لَهُ أدواراً رياديةً في القصة والنقد!!.
    لقد كان معاوية هو الرايد الأول للقصة القصيرة (الناضجة) في الوطن العربي، والرايد الأوحد للقصة القصيرة التحليلية في العالم العربي وأفريقيا؛ فهل هناك من يبحث في هذا؟! وهل هناك من “يَفلِق” رأسنا كما يفعل المصريون بكُتَّابهم؟! بالطبع لا؛ هذي بلادٌ لو مرَّ مِنهَا نبيٌّ لما حَفِلُوا به!!.
    ومعاوية الوطني:
    فمعاوية ليس مجرد أديب-والسلام- إنه رجل مفكر في المقام الأول (كما أعدنا وكررنا ولن ننفك) رجل يمتلك رؤية لما يجب أن تكون عليه الأحوال.. فقط.. وربما.. أنه لا يعرف لهذه الرؤية سبيلاً واضحاً يهتدي به فهناك إشارات أن معاوية قد كان ذو ميولٍ ماركسيِّة إلا أنه تخلى عن تلك الميول لاحقاً، وفي أواخر سنين حياته، لصالح عقله الحر الذي لا يَكِلّ عن البحث والتنقيب –وإن صحت هذه الإشارات فإن معاوية يكون قد سجل موقفاً جديداً في الالتزام الفكري. لهذا فإن معاوية ما انفك معارضاً للسياسات الاستعمارية، فاهماً لأبعادها الاستغلالية، وكاشفاً لمخططاتها التوسعية (هذا مع تزامن فكري وفصلِهِ للجانب الايجابي في الحضارة الغربية كما أشرنا).
    ومعاوية لا تعجبه –بالطبع- الحالة السياسية العامة، ورغم أن الوقت لم يكن قد حان بعد لمواجهة الإستعمار الانكليزي بصورة ناضجة ومكتملة، إلا أن معاوية قد وَجَّه نقده للسياسات الانكليزية في السودان؛ خصوصاً في تخطيط المدن ومعالجة الفقر ونشر التعليم ورفضه للإدارة الأهلية فكانت سلسلة (ماذا في السودان). ولعل من الطريف أن مقالاً كتبه معاوية عن أمدرمان في أواخر العقد الثاني من القرن الماضي ينفع أن يُكتَبَ عن أمدرمان الآن، خصوصاً ما ذكره عن سوق العناقريب والمراكيب وعن البؤس والملاريا والفقر وسوء التخطيط، وكأن أمدرمان قد كُتِبَ عليها التهميش من الجميع.
    يغيظه أن يرى بلاده تعاني الفقر والمرض والجهل، وهو -مع هذا- ذو نزعةٍ اشتراكيةٍ واضحة، يؤلمه وجع الناس ويؤرق مضجعه البؤس والمعاناة؛ ففي مأساته (في القطار) صوَّرَ لنا، بطريقةٍ مريعة، أقصى درجات البؤس الانساني في صراعه المستمر من أجل البقاء مع أقصى درجات اللامبالة التي تُحَوِّلنا إلى كائنات غريبة لا تمتلك حتى الإحساس الحيواني المتبلد.. فصورة الأم وإبنها وهما يحاولان –دون جدوى- بيع شاييهما الذي أنفقا فيه قرشين، والموقف الدرامي المؤثر للأم وهي توبخ ابنها، ثم ذهابهما متعانقين باكيين يقابله بكل (جليطة):
    (وابتعد القطار رويداً رويداً، وصورة ذلك المشهد لا تفارق نظري، ونَغَمُ ذلك الجرس الصارخ المملوء لوعة وأسى (( شا... آآ..آي)) ما زال يرنُّ في أذني، وإذا بصراخ أفندية القطار يقطع علي تفكيري وذكراي فهو ينادي الجرسون (واحد بيرة، بس خلي الثلج يكون كثير شوية، فاهم!) وقام البعض يلبس ملابسه ويُصلِح من هندامه استعداداً لطعام العشاء، وقال أحدهم وهو يربط رباط الرقبة (يالله .. أيه ... يا ولاه.... آنت ليه ما جبتش الكرافتات الحرير؟ ابق ذكّرني علشان ما ناخذ دسته من دفس براين!!) وأتى من بعد ذلك خادم (الرستوران) مشيراً إلى أن طعام العشاء قد آن، فقام البعض في مشيةٍ متثاقلة كلها خيلاء وكبرياء، ورأينا هناك نفراً من الموظفين الانجليز وهم جالسون في غرفة الطعام، يتكلمون بسرعة، ويتبادلون النكات المضحكة ويدخنون. وكنت تسمع الأفندية من ركاب الدرجة الأولى والثانية وهم على مائدة الطعام الأنيقة ينادون بين حين وآخر ( واحد توست) بينما القطار في عَدوِهِ لا يلوي على شيء).
    هل هذه هي عوالم معاوية؟! بالطبع لا؛ فالشاب الذي قضى في الثانية (أو الثالثة) والثلاثين لم يَكُ سهل المراس، ولم يَكُ خامل النشاط، ولم يكُ قليل الانتاج.. ولو عاش، ربما، لكان كما قال العقاد في مفتتح المقال (نجماً مفرداً في سماء الفكر)!! لهذا فإن الدخول في عوالم معاوية يقتضي تأدباً وتفهماً وصبراً ودقّة لا أظن أن هذا المقال ولا عشرات مثله تتسع لهذا؛ ولكن حَسبُنَا أن نحاول في هذه البِركَة الساكنة أن نثير في شخصٍ ما رغبةً ما فيقوم ويفعل ما عجزنا عنه..
    هذا دون أن ننسى ما قام به أخيراً الأستاذ (السني بانقا) من دراسة طريفة نُشِرَت في كتابٍ صغير الحجم قدم له الأديب الراحل (الطيب صالح). وأيضاً لا ننسى جهد الأستاذين (الطاهر محمد علي و رشيد عثمان خالد) لقد كان الأول هو من أخرج أول مجموعة مقالات لنور صدرت حوالي عام 1970م، ورغم أن الأستاذ رشيد عثمان قد جَمَعَ مجموعته في فترةٍ متأخرة عن ذلك التاريخ (حوالي عام 1964م) إلا أنها لم تَرَ النور إلا في العام 1994م. لهذا فإننا قد نشأنا على مجموعة الأستاذ الطاهر، نتداولها وكأنها كتاب سري، ونحافظ عليها بأرواحنا، وكانت، على قلَّة ما فيها، تُمَثِّل لنا عالماً كاملاً..
    ولكن (تزداد قيمة نشرة الأستاذ رشيد لآثار معاوية نور أمام نشرة الطاهر في أنها لم تقتصر على الآثار الأدبية؛ بل أضافت مقالات سياسية في هجوم الاستعمار وضعها المحرر تحت باب “ماذا في السودان”.)(3) هذا بالإضافة لمجموعة الطاهر نفسها مضمنة فيها كل هذا في طبعة جديدة فخمة لم يأكل الدهر منها ولم يشرب، فهرعنا إليها بقوة، واقتنينا منها أكثر من نسخة (شَرْفَة مننا) وشوقاً لمعاوية الذي قرأنا له.
    معاوية المُحاوِر:
    هذا جانب من معاوية الأديب ومعاوية السياسي ومعاوية المفكر ومعاوية الناقد ومعاوية القارئ، لقد كان مُبَرِّزاً في كلّ هذا، ثم كان مبرزاً في جانبٍ آخر ألا وهو معاوية (المُحَاوِر)؛ فعندما زار الكاتب “أندريه موروا” مصر قال معاوية:
    (انتهزت فرصة زيارته لمصر – في شهر مارس الماضي - وطلبت منه أن أتحدث إليه في شئون الأدب والفن فأجابني إلى طلبي في أريحية وظُرف).
    لقد كان لقاءً رائعاً ذكيَّ الأسئلة والتتابع ولطيف الاجابات وعميق الأفكار؛ أكثر من هذا فإن معاوية قد أبان أوجُهَهُ العدّة في ذلك اللقاء، فتراه قد قرأ لأندريه مقالات يستشهد له بها في معرض أسئلته فيجيبه ذاك مبتسماً، وتراه ينقده في بعض ما قاله فيتجهَّم وجه أندريه لجدية الطرح ويوافقه في بعض الجوانب ويصحح ما يريد قوله بالضبط. وليس من سبيل غير أن أنقل لكم جانباً من ذلك الحوار الممتع:
    نور: أذكر أنني قرأت لكم في أحد أعداد مجلة الأتلانتيك الأمريكية خطاباً لصديق فرنسي يرغب في زيارة إنجلترا، تنصحون له وتحدثونه عن الخلق الإنجليزي. وقد قلتم لذلك الصديق في مقالكم المذكور في فكاهةٍ ظاهرة “أن الإنجليزي يدعوك لأن تزوره في كوخه الصغير في القرية الفلانية، فإذا ذهبت تجد ذلك الكوخ قصراً كبيراً!!. وأنك سوف تحبّ الكتب الإنجليزية أكثر من كل شيء آخر، ولكن إياك أن تتحدث عن حبك لها” إلى آخر ما قلت لذلك الصديق من هذا القبيل. فهل ترون في ذلك احتشاماً وتواضعاً أو هو نفاق وكبرياء؟.
    فابتسم وقال:
    إنني أذكر ذلك المقال جيداً. والاحتشام medesty ربما جاء من فَرطِ الضعف أو فرط القوة والطمأنينة، ومصدر احتشام الإنجليزي وعدم تحدثه عن ممتلكاته ومعارفه، بتأكيد وإلحاح، هو أنه شاعر بقوته، واثق من نفسه. وأغلب ما يكون الرجل الكثير الكلام، الكثير التأكيد، ضعيفاً غير واثقٍ مما يقول. فيلجأ إلى الحديث ليوهم نفسه بوجود ماليس له وجود. وعليه فأنا لا أرى في هذه الصفة أي نفاق أو كبرياء، وإنما أرى فيها احتشاماً وأدباً وقوة خلق.
    نور: أذكر أنكم عقدتم فصلاً خاصاً في كتابكم “نواحي الترجمة” عنوانه “الترجمة كتعبير ذاتي”(4) ومؤدى ذلك الفصل أن المؤلف يجب أن يأخذ حياة بطله إلى نفسه، وأن يُعَبِّر عنه بعد أن يرى رأيه، ويدير هواجسه في وجدانه وأفكاره في مطارح فكرة. أفلا ترون أن ذلك النهج حَرِيٌّ بأن ينأى بالمؤلف عن محجّة الصواب والوقائع، فيَضَع أشياءً وأفكاراً وعواطف لا أصل لها في حياة البطل أو هي لم توجد بذلك القدر وعلى ذلك الوجه؟.
    أندريه: ذلك صحيح، ولكنني لا أعني التعبير عن النفس حرفياً ولا أقول بوضع أشياء لا وجود لها فعلاً في حياة البطل، وإنما أقول بضرورة العطف وتفهم وجهة نظر من نترجم له.
    ثم استأنف حديثه قائلاً وقد بدت عليه علائم التفكير واستجماع الذهن: (ولكي تصبح الترجمة عملاً فنياً يجب على المترجم أن يلاحظ عنصر التناسب في تخطيط كتابه، وأن يجعله من هذه الناحية مفهوماً واضحاً من غير أن يُظهِرَ أثر الذهن الذي يُوَضِّح ويقوم بعملية التخطيط والتوزيع).

    هذا جانب آخر من جوانب معاوية. فهل يمكن استقصاء جوانبه؟.
    بالطبع لا..
                  

03-15-2010, 07:21 PM

Asaad Alabbasi
<aAsaad Alabbasi
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 1969

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معاوية محمد نور- إستعراض وإستقصاء المثقف الحق (Re: قصي مجدي سليم)

    الأخ قصي أهنئك على هذه المقالة الرصينة عن أهم نوابغ الفكر والأدب في بلادنا وقد هالني الجهد الذي بذلته وأنت تنتج هذه الكتابة التي نأت عن مواقع الزلل وتحصنت بالفخامة واتصلت عراها بدقائق علمية ونقدية وتتبع حصيف للمصادر المكتوبة وحسن إستغلال لمصادرك الشفهية ولا أدري كيف فلت هذا المقال دون أن يكون محل تعليق أو تعقيب أو مناقشة من أهل الأدب والنقد في هذا المنتدى وهم كثر. أعادني هذا المقال إلى خواطر أدبية ثرة وأوقع في نفسي أثرا بالغا وما كنت أتخلف عن التعليق عليه لولا أنني لم أقع عليه هنا إلا اليوم و حيث أنني لم أطلع عليه وقت نشره في صحيفة الأحداث.
                  

03-16-2010, 00:01 AM

قيقراوي
<aقيقراوي
تاريخ التسجيل: 02-22-2008
مجموع المشاركات: 10380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معاوية محمد نور- إستعراض وإستقصاء المثقف الحق (Re: Asaad Alabbasi)

    عالياً








    ------------

    يديك العافية استاذ / قصي ياخي
                  

03-16-2010, 05:52 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معاوية محمد نور- إستعراض وإستقصاء المثقف الحق (Re: قيقراوي)

    الحبيب، قصي...

    أشواق لا تحصى، كيفنكم..

    ما اسعدنا، أن نكون في حضرة معاوية نور
    تلك العبقرية السمراء، المبكرة، المتوهجة، فهما، وفنا، وذوقا..


    سعداء، بحروفكم عنه، والنور، وكل من يضئ جانب من تلك التجربة الفكرية، العظيمة، بل التجربة الحياتية العظيمة..


    صباح الخير..
                  

03-16-2010, 06:21 AM

محمد سنى دفع الله
<aمحمد سنى دفع الله
تاريخ التسجيل: 12-10-2005
مجموع المشاركات: 10986

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معاوية محمد نور- إستعراض وإستقصاء المثقف الحق (Re: عبدالغني كرم الله)

    معاوية نور
    نجم متالق في سماء الأبداع
    دائما وابدا


    لك التقدير والاحترام قصي اخي
    فمن يحتفل بمعاوية يحتفل بالثقافة المتوهجة السودانية
                  

03-16-2010, 06:37 AM

ندى عثمان حسن
<aندى عثمان حسن
تاريخ التسجيل: 11-20-2009
مجموع المشاركات: 875

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معاوية محمد نور- إستعراض وإستقصاء المثقف الحق (Re: محمد سنى دفع الله)

    Quote: وهل هناك من “يَفلِق” رأسنا كما يفعل المصريون بكُتَّابهم؟! بالطبع لا؛ هذي بلادٌ لو مرَّ مِنهَا نبيٌّ لما حَفِلُوا به!!.



    شكرً ياقصى , وأنت "تفلق" رأسنا بمعاوية نور
                  

03-16-2010, 07:30 AM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معاوية محمد نور- إستعراض وإستقصاء المثقف الحق (Re: ندى عثمان حسن)

    ياقصي..
    يسلم يراعك ويحفظك رب العباد
    محبتى
                  

03-16-2010, 07:45 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معاوية محمد نور- إستعراض وإستقصاء المثقف الحق (Re: محمد عكاشة)

    على سبيل التحية والمتابعة.
                  

03-16-2010, 08:25 AM

قصي مجدي سليم
<aقصي مجدي سليم
تاريخ التسجيل: 03-09-2004
مجموع المشاركات: 1091

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معاوية محمد نور- إستعراض وإستقصاء المثقف الحق (Re: عبد الحميد البرنس)

    أمر (غريب).. وعجيب..
    عندما كتبت هذا المقال في سودانيز أونلاين لم أدر أنه ثقيل الظل لدرجة بعيدة فهوى الى قاع المنبر كجلمود صخر (مفر مدبر)معا. ولم أتهم البورداب في هذا.. بل اتهمت نفسي وقلت لها: لابد أنكِ قد تقولت واستطلت فذهبت للحديث عن رجل ما كان لك أن تتحدثي عنه فليس لديك من المقدرة الفكرية ولا من سحر اللغة ولا من دقتها ما يعينك على ذلك!!
    قلت لها ذلك ونسيت المقال في قاع بحر عرمرم.. فيه الصالح والطالح، وفي باطنه مقالات لمنصور خالد ول ع ع ابراهيم، في باطنه مقالات لكمال الجزولي ول خالد المبارك في باطنه الصالح والطالح فلينزل الى العمق و(ليغطس حجرو) في أسفل سافلين..
    وفجأة رأيت تعليق صديقي أسعد.. وأسعد صاحب عين ناقدة فاحصة، يقبل الرأي الآخر وإن هاجمه، ويستعين بالإنسانية قبل العلم والنقد.. وهو مع ذلك ما جاملني في أمر وما جاملته في آخر فما بيننا أكبر من أن نتبادل التقريظ والمدح والثناء، كثيرا ما نقدت كتاباته في الصحف نقدا صارما تقبله وهو يبتسم ويصحح وينقح وهو الذي يكبرني بقرابة عمري.. وكثيرا ما أعجبت بكتاباته عن الهمباتة وعن الأدب فكان يسعد بذلك وكنت أسعد.

    ولم يقف الأمر عند هذا الحد فزادت سعادتي بدعاء قيقراوي بأن يعطيني الله العافية!! ولست أدري لماذا أستحق العافية وأنا أثقل عليكم بكتابة ثقيلة سقطت في ظلمات ثلاث.. فشكرا قيقراوي على الدعاء وليتك وجهته للطرفاء النجباء من ليس بتأتاء ولا فأفاء.

    ثم سعدت بأشواق صديقي القاص (كرم الله) ودهشت (وهو لا يجامل في أدبه) عن رؤيته للنور في كتاباتي.. ولعله نور معاوية قد بارك حول الأحرف فما صنعته عن أمري.

    وممثل ليس بثقيل الظل.. تعلمنا منه وعنه.. وهو مثقف بلا شك.. وهو من مدينتي ودمدني.. ومسمى بإسمها (السني) قد أثنى على أمري.. وأحترمه وقدّره!! وأنا أسعد.

    ولعن الله (السياق) يا ندى.. فلولاه لحقت مقولتك ولعدت لصوابي بعد سكرتي بين احبائي
    (شكرً ياقصى , وأنت "تفلق" رأسنا بمعاوية نور)
    بل شكرا لك أنت.

    وقرأت ما خطه صديقي عكاشة من دعوات (حبوبات) وعكاشة لمن لا يعرفه لا يستطيع الإبتسام حتى الآن، ولكنه يزرع الإبتسامة في فيه وقلب من يلاقيه.. فهو مِن مَن قيل عنهم (حبب الخير اليهم وحببهم في الخير).. يا صديقي خير.

    وآخيرا رأيت صاحب غربة قديمة، ويراع سنين، ونقد دقيق، وسرد حسن، يدلف الى هنا فيخف على الناس ما كتبت ويرتفع الآ أعلى..
    اللهم قد آمنت بهم فما اجتمعوا على باطل، وليس مثلهم من يجتمع عليه.. فلك الحمد من قبل ومن بعد..
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de