Quote: للمكان روح.. وحين يفقد المكان روحه، يهرب الانسان، من المقابر! الهجرة – المشروعة وغير المشروعة – هي إذن، هروب من المكان الذي لم يعد بلا روح. حين يفقد المكان روحه، يضيق.. يضيق، ولو كان في اتساع صدر الحليم.. وحين يضيق المكان، يكون الهروب.. لعمرك، ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال، تضيق؟ من قال هذا البيت؟
لا، لا أذكره، ولا أريد أن أتذكره، ولو كنت أملك سلطة، لشطبته من ديوان العرب، ذلك ببساطة لأن أخلاق الرجال، لا تضيق، وانما تضيق البلاد، حين تفقد الروح! الأرواح، قد تأتلف.. وقد تختلف.. فكيف – وهي كذلك – ان تأتلف روح حي، مع روح ميت؟ كيف تأتلف روح انسان، بمكان،، مكان لا روح فيه؟ المكان الذي يفقد روحه، يصبح مثل الجثة: الرائحة لا تطاق، وباطن الأرض أشرف لها، وأشرف لأنوف الأحياء. وحدهم المجانين، الذين يمكن ان يعيشوا، ويتعايشوا، والرائحة رائحة جثة! الحياة، تعدي.. وكذا الموت.. والمكان الميت، ينقل العدوى للأحياء، والأشياء: الانسان يحس أنه يموت يوميا ألف مرة.. واليوم، يحس في المكان أنه يموت: لا صباح ضاحك، ولا نهار تجمله الشمس، ولا مساء، شفقه في لون خد الحبيبة الخجلي، ولا ليل يرجع اّهات القلب الحزين: اّاّاّاّه ، ياليل آه! للزمان روح، إذن.. وروح الزمان، حين لا تأتلف مع روح المكان، يصبح الاثنان بلا روح.. بلا روحين. أزيد إذن: الهجرة - المشروعة وغير المشروعة- هي هروب من المكان والزمان اللذين فقدا الروح.. الروحين. انها هروب من العدوى.. والموت يعدي كما الحياة! مناسبة هذا الحديث كله: الهجرة، تلك التي تتصاعد.. والمهاجرون، أولئك الذين يفضلون الموت في اليم، على الموت في المكان الميت.. والزمان المييت. يا اّاّاّه.. إذن، ما أكثر الأمكنة الميتة في هذا العالم، وما أكثر الأزمنة، وهذه الهجرة المتصاعدة تتصاعد،، تتصاعد في كل يوم جديد.. والمهاجرون غير المبالين بالريح، واليم، والبرد، وحراس الحدود بملامحهم الناشفة، يؤثرون – هكذا – الفرار من موت إلى موت.. وفي الفرار قد تلوح الحياة في مكان ما، في زمان ما.. مكان وزمان فيهما روح، فيهما روحان موتلفتان! هذا العالم، إذن، الذي يشغله البحث عن حل لمشكلة الهجرة، ينبغي أن يبحث في بدايات أسبابها.. والبدايات.. موت الزمان والمكان.. وليس بأية حال من الأحوال أخلاق الرجال، تلك التي لا تضيق، على الاطلاق! ((لعمرك، ما ضاقت بلاد بأهلها)) كذب الشاعر.. وكذب الغاوون، أولئك الذين مازالوا يرددون، شطر هذا البيت من الشعر، ويرددون ((ولكن أخلاق الرجال تضيق)! كذب الشاعر،، وكذب الغاوون،، اسألوا، الآن، مئات الالاف، من شباب السودان، الذين هاجروا، واسألوا مئات الالاف، من الذين ملأوا في هذا العام، وحده، أرانيك ( اللوتري)، واسألوا مئات الالاف من الذين، يحامون، في اليقظة والمنام، بالتشتيت،،والشتات! اسألوهم، واسألوني، واسألوا ذلكم الشاعرالهمام، الذي يؤسفني أنني ضيعت اسمه، ربما،عن قصد وسبق اصرار، سيبتسم في وجوهكم، ويرمي عليكم بجملته المشاغبة: تذكروا جيدا، أيها الغاوون، أن اعذب الشعر،،، أكذبه!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة