بثت إحد المحطات الإذاعية نقلا حيا لحفل تقديم جائزة الأديب االسوداني العالمي الطيب صالح (عليه الرحمة) من نادي الشرطة ببري. و لقد دبجت ليلتها كلمات رصينات و ألقيت خطب فارهات و قدم الموسيقار حافظ عبدالرحمن فاصلا من الخطب و الموسيقى. و لنا في ذلك الأمر رأي و شأن...
إستهل الموسيقار حافظ عبدالرحمن وصلته ببعض من الكلمات باللغة الإنجليزية وألحقها بترجمة فورية لها بما معناه: أن هذه المساحة من الزمن و المسرح هي لك كاملة (للموسيقار) فهيا، قدم نفسك. الموسيقار حافظ عبدالرحمن ليلتها.... قدم نفسه فقط و إستغل المساحة و المسرح و الزمن المتاح عبر الأثير للتسويق و الإعلان المجاني لنفسه و لموسيقاه و إستعراض جولاته العالمية و علاقاته مع المهمين من المسئولين فقط.. ثم في كلمة أخري إرتجلها الموسيقار حافظ عبدالرحمن من ضمن فاصل الخطب تحدث فيها عن كيف أنه كان قد خاطب ألف من الأمريكان وسعتهم قاعة شهيرة في العاصمة الأمريكية واشنطن بعد أن إستأذن من سعادة السفير (فلان الفلاني) و حين أبان فكرته من مخاطبة الأمريكان أتى موضوع المخاطبة مغايرا لموضوع الحفل و ظهر لي أن الهدف من وراء ذلك كان هو فقط ذكر إسم العاصمة الأمريكية و إسم سعادة السفير في هذا الحفل و على موجات الأثير، ثم ان الموسيقار في كل خطبه تلك الليلة حرص أن لا يتحدث عن صاحب الجائزة و لا عن المناسبة و لا عن المحتفى بهم تلك الليلة.
صاحب المناسبة الطيب صالح كان هو الذي إبتدع نظرية: (أن الإمعان في المحلية و تجويدها ثم الإبداع فيها هو التميز و هو الطريق للعالمية). و يظهر جليا أن الموسيقار قد إستفاد من نظرية صاحب المناسبة بوعي أو بغير وعي لأنها (أي النظرية) كانت هي السبب في نقله من محليته إلى المستوى القومي و لكنه في تلك الليلة قد أهمل جزءآ مهمآ جدا من النظرية أعلاه و هو جزء التجويد. و بان أيضا أنه قد سقطت من ذاكرة الموسيقار(سهوا أو عمدا) أن فصيلة آلته معروفة جدا و يختزنها وجدان هذه الأمة منذ زمن سحيق ممعن في القدم على المستويين التقليدي (الزمبارة) و الفني (ريكوردر، بيكلو و فلوت). و على المستوى الفني كانت قد تمت تغذية ذاكرة و وجدان الأمة السودانية بكثير من المؤلفات و الزخرف و الزينة و الألوان على الكثير من الألحان، كانت قد أضافته و لا زالت شخصيات فذة و فنانة سبقت الموسيقار في التجويد و العزف و الإبداع على كل آلات هذا الفصيل و على مستوى عال جدا .
فصيل آلة الموسيقار حافظ عبد الرحمن يعتمد في إصدار الصوت على إنقسام الهواء في نقطة معينة ما بين الأنبوب الأسطواني المكون لجسم الألة و خارجها. ثم يتم تشكيل ذلك الصوت داخل الأنبوب عن طريق أخرام إنتظمت جسم الأنبوب و في هوائيات أخرى على مجموعة من الأنابيب أسطوانية الشكل تختلف طولآ و عرضآ كآلة (البان فلوت). و يتمتع هذا الفصيل من الهوائيات بمدى واسع و ممتد ما بين الغلظة و الحدة، تعابيره ثرة و أخيلته كثيرة يبلغها و يتسيد فيها المجود المجتهد من عازفى هذا الفصيل. و يعتمد المبدع المجود في عزف هذه الآلات على جهازه التنفسي ثم على التقنية السليمة للتنفس داخل الآلة (الأنبوب) و إدخال الروح فيها (روح عازفها) ثم بعد ذلك على تجويف الفم و اللسان و الأسنان و الشفتين زما و إنفراجا ثم الأنامل و التي تشكل السحر كله.
المعزوفات التي قدمت في ذلك الحفل نقلت من بيئة محلية عاش و ترعرع فيها المؤلف حافظ عبدالرحمن فأثرت وجدانه فتأثر و إنفعل بها ثم قام بنقلها فوصلت إلينا فزادت حصيلتنا من الثقافة الموسيقية السودانية المتنوعة و المتعددة لذلك الجزء العزيز من الوطن. في هذه الجزئية بان جليا تأثر الموسيقار حافظ عبدالرحمن بنظرية صاحب المناسبة الأديب الأريب الطيب صالح. أي أنه قد إتبع حيلة إبداعية كانت قد جربت من قبله و نجحت و بلغت بصاحب المناسبة و الجائزة مبلغا كبيرا و هي إتباع المحلية للتميز. و إجتهد حافظ عبدالرحمن كثيرا و إتبع أساليب متعددة و ذكية في تسويق و نشر نفسه و موسيقاه، نجح هنا و أخفق هناك، و لكن نحفظ له أجر المجتهد الجرئ الجاد في نشر موسيقاه الآليه البحته.
أعيب على الموسيقار حافظ عبد الرحمن إخفاقه في مسألة التجويد و التي هي جزء هام و عامل أصيل في نظرية صاحب المناسبة لبلوغ النجاح و الفلاح، إذ أتت أصوات آلاته جافة من غير روح أو حس في تلك الليلة الكبيرة. و قد فلتت أصوات هنا و هناك لا تربطها أدني علاقة أفقية لحنية كانت أو رأسية هارمونية أو متقاطعة بينية و لا تجريدية حتى. وقد نقلت إلينا موجات الأثير الأوركسترا و هي تائهة و كأنها في واد آخر لا تربطها بحافظ و آلاته أدني رابطة و لاعلاقة آداء.
هذه واحدة من مصائب الآداء و النقل المباشر الحي في السودان إذ غالبا ما تخفق أجهزة الصوت و مهندسيها (إذاعيا ولا تغطية داخلية) في الإتفاق على و النجاح في إخراج، مستوى معقول و متوازن للصوت و الآداء الموسيقي. و تضيع مجهودات كبيرة يبذلها أهل الموسيقة في المران و التجويد سدا. و نصيحتي هي أن الإحترافية في مثل هذه أمور تعني الإنتباهة الكاملة و السيطرة المبدعة على كل الأمور و أن لا تترك الأشياء لعوامل الصدفة و ضيق الإمكانيات.
ليس هنالك ضرر في أن يتفاعل و يتعامل الفنان مع جمهوره و الحديث لهم و معهم مقدما موسيقاه، عنوانها و مناسبتها شارحا لهم تفاعلاتها و ألوانها و مقدما المفيد. و نحب أن نؤكدهنا و بشدة أنه لا حجر على أحد في ذلك. و لكن ما ذهب إليه الموسيقار حافظ عبدالرحمن ليلتها، و هي ليلة بعنوان، كان من الأجدى له الحديث تحت العنوان فهو له معه أمر و شأن و نحن نثق في قدرته على البيان..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
Azhari Nurelhuda
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست