التخطيط الاستراتيجي في السودان

Quote: التخطيط الإستراتيجي في السودان د. طه بامكار التخطيط العادي يعني استشراف المستقبل وتحديد المسارات والاتجاهات والوسائل والأهداف..... والتخطيط الاستراتيجي يعني إنتاج المستقبل المختار والمحدد سلفا، وكلمة استراتيجي هي إنجليزية وتعني (.(Charting a road map to work out the vision والتخطيط الاستراتيجي نقيض المصادفة والتخمين الاعتباطي والتلقائية والارتجال، ولا يمكن جني ثمار التخطيط الاستراتيجي بالطريقة التي يمارس به التخطيط هنا في السودان.... ويعني هذا أن التخطيط الاستراتيجي يحتاج الي ابتداع مناهج مواكبة لتنزيل الأفكار والخطط علي ارض الواقع، ويحتاج الي معايير إحصائية كمية وكيفية لا تتوفر هنا في السودان ، ويحتاج الي قدرات عالية الكفاءة في أدوات التقييم والرصد والمتابعة. هذه المعايير غير متوفرة في السودان..... السودان المتوثب للانتفاض في شرقه وغير متوافق في وسطه، ويمور مورا في جنوبه وغربه..... التخطيط الاستراتيجي يحتاج الي استقرار سياسي ونظام حكم راشد ودولة مؤسسات.... يحتاج الي حكم قانون يطال كل من يمس بالثوابت الوطنية... لم يمارس تخطيط استراتيجي حقيقي في العالم إلا في السياسة الأمريكية التي ساهمت استراتيجيا في تغيير النمط الاستهلاكي للغذاء في العالم حيث اصبح القمح الأمريكي محور الغذاء في العالم.... وبهذه السياسة وبهذا التخطيط المنهجي الاستراتيجي تمكنت أمريكا من التأثير في القرار السياسي لكثير من الدول العربية ومنها السودان..... تغيير النمط الاستهلاكي في الغذاء هدف استراتيجي مدعوم بخطة إعلامية استراتيجية جعلت الشعوب لا تقبل غير القمح غذاءً ..... بهذا تكون الاستراتيجية الأمريكية تجاوزت الحكومات الي شعوبها وأي حكومة لا توفر هذه السلعة في الغذاء يكون مصيرها الفشل....... من أكبر نقاط الضعف في ممارسة التخطيط هنا في السودان هي أن الذي يخطط والذي ينفذ التخطيط هو جهة واحدة وبالطبع هذه الجهة هي المتنفذين في الحكومة....... والحكومة دون قرار مؤسسي تتبناه جهات مستقلة أو إدارات تملك قرارها لا يمكن أن تنفذ خطة قصيرة المدى ناهيك عن تخطيط استراتيجي.... كلمة الاستراتيجية استهلك معناها وابتذلت في الدول النامية... التخطيط الاستراتيجي لا يتم إلا في دولة تتيح حريات واسعة........ التخطيط الاستراتيجي علي مستوي الدولة يكون له هدف أو هدفين بعيدين علي الأقل ولا يتم تحقيق هذه الأهداف إلا باستصحاب كل الطاقات..... وهنا في السودان لا يمكن تحقيق تخطيط استراتيجي إلا بمشاركة فاعلة من قبل منظمات المجتمع المدني........ وبمشاركة فاعلة من قبل كل الولايات حيث يمكن أن تقوم كل ولاية بدورها فيما يليها في الخطة التي تساهم في تحقيق الهدف الاستراتيجي.... والهدف الاستراتيجي الذي تتبناه الاستراتيجية ربع القرنية هو هدف سامي وهادف وقاصد ولكنه سجين التنظير الذي يموت بين سطور صفحات الاستراتيجية.... الممارسة اللامنطقية واللاموضوعية للسياسة والاقتصاد تتنافى وتتقاطع مع الإطار النظري للاستراتيجية..... الهدف الذي ترجوه الاستراتيجية هو (أمة واحدة ذات رسالة خالدة)... ولكن الممارسة تقول غير ذلك والنتائج البعضية غير ذلك... اتسعت دائرة الحرب رغم انف الاستراتيجية ورغم انف نيفاشا التي اعترف نائب رئيس الجمهورية بفشلٍ بعضيٍ فيها.... نيفاشا لم ولن تحقق السلام لأنها أبرمت بعيدا عن الشعب السوداني واستأثر بنورها ونارها الشركيين ولهما أن يتحملا الفشل والنجاح......ونيفاشا هذه نموذج للتخطيط غير الاستراتيجي.... نعود ونقول ونؤكد أن الممارسة التخطيطية في السودان تحتاج الي مراجعة شاملة وصريحة وجريئة.... إذا راجعنا نشأة ممارسة التخطيط في السودان نجد أن هنالك عدم استقرار في تبني الدولة للمؤسسة التخطيطية في الفترة من 1964 - 2009. نشأة الجهاز الفني المركزي :- نشأ هذا الجهاز ابتداءً كقسم من أقسام وزارة المالية والاقتصاد باسم قسم الإنشاء والتعمير. وبدأ يشرف على مجهودات التنمية التي بدأت عام 1946م في صورة برامج تنموية ، وفي عام 1961م تم ترفيع قسم التعمير إلي سكرتارية التخطيط الاقتصادي برئاسة نائب لوكيل المالية والاقتصاد . وفى عام 1963م أعيد تنظيم وزارة المالية والاقتصاد فأصبح بها قسمين الأول مصلحة المالية والثاني مصلحة التخطيط الاقتصادي ويرأس كل مصلحة وكيل يعمل مباشرة مع وزير المالية والاقتصاد. وفي عام 1966 أعيد توحيد مسئولية وزارة المالية والاقتصاد تحت وكيل واحد، فذابت تلك الاستقلالية التي تمتعت بها مصلحة التخطيط الاقتصادي. وفى العام 1969م ولأول مرة كونت وزارة منفصلة للتخطيط أنيطت مسئولياتها لوزير مختص بشئون التخطيط القومي . وفي العام 1973م تم تقليص الوزارة إلى مجلس للتخطيط القومي وأوكل أمرها إلى مفوض عام التنمية بدرجة وزير دولة وتحت إشراف وزير المالية والاقتصاد الوطني . وفى عام 1975م تم تعديل اسم مجلس التخطيط إلى مفوضية التخطيط وتولى أمرها مفوض عام التخطيط بنفس الدرجة والمستوى السابقين . وفي العام 1976 تحولت المفوضية إلى وزير دولة للتخطيط تحت مسئولية وزير المالية والاقتصاد الوطني وفي العام 1977 رفع جهاز التخطيط المركزي مرة أخرى إلى وزارة التخطيط القومي، وفي العام 1982 دمج جهاز التخطيط في وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي وأصبح أحد وكالات وزارة المالية الثلاث. ساهم هذا التأرجح في عدم تنفيذ الخطط وعدم استقرار السياسات التنموية... وكل الممارسات العملية للتخطيط في السودان تؤكد أننا لا نمارس تخطيط عادي ناهيك عن التخطيط الاستراتيجي.... مناقشة الإيجابيات والسلبيات في ممارسة التخطيط هنا في السودان توضح لنا بجلاء أننا نكاد نكون علي حافة الهاوية وأننا نخدع أنفسنا بتنظير لا يتبعه تطبيق أو تنفيذ، أو بالأحرى ما يتم إنفاذه من الخطط غير الذي تم التخطيط له. أمم مثلنا في استقلالهم السياسي وأقل منا في الثروات والموارد خطوا خطوات عملاقة في التخطيط وتنفيذ التخطيط.... هاهي ماليزيا أصبحت قبلة العالم في السياحة وأصبحت مطاراتها وفنادقها مضرب مثل في الإدارة الممتازة التي تلتزم الشفافية والمحاسبية والمشاركة...