رحيل كلود ليفي ستراوس: آخر الإثنولوجيين الكبار

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-08-2024, 10:13 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-04-2009, 02:45 PM

ناظم ابراهيم
<aناظم ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 3734

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
رحيل كلود ليفي ستراوس: آخر الإثنولوجيين الكبار

    كلما غادَرنا مفكر أو كاتب كبير، تساءلنا: هل من الضرورة كتابة شيء عنه؟ وهل يجدي ذلك؟ بصرف النظر عن نشر الخبر وإحاطة الناس به. وإذا كان ما تبقى من كبار فلاسفة فرنسا ومفكريها قد رحلوا واحدًا بعد الآخر، وما زالوا ينصرفون، فقد دفنا منهم في السنوات القليلة الأخيرة عددًا مهمًّا، مثل بيير بورديو وجاك ديريدا وغيرهما... أما اليوم فقد حان دور رحيل المفكر الكبير كلود ليفي ستراوس، فلقد استسلم لنداء الموت الذي طالما درسه، وفك طلاسمه المُشْكِلة على الإنسانية على مر العصور. واضح أنه بلغ مئة سنة من عمره، ومنعته الشيخوخة والوهن اللذان يصاحبهما من المشاركة في الحياة الثقافية الفرنسية منذ زمن. غير أن ذلك لم يحل دون أن يخفق حضوره الدائم في كل آن. كما تم الاحتفاء به في السنة الماضية، عقب ربيعه المئة، على الرغم من اعتذاره عن حضور تلك النشاطات. وخصصت كبريات المجلات ملفات عن حياته وأعماله وعن صدى آرائه الفكرية. في الوقت الذي صدر بعض من كتبه التي اختارها بنفسه عند دار لابلياد العتيقة، ويكون بذلك ، بعد جوليان غراك، ثاني من تخرج له تلك الدار أعماله وهو لا يزال على قيد الحياة.
    ولد كلود ليفي ستراوس في اليوم الثامن والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر سنة 1908 ببروكسيل، من أب فنان ورسام اسمه رايمون ليفي ستراوس. وناضل في صفوف الحزب الاشتراكي ما بين سنتي 24 و1925. وبعدما حصل على دبلوم في القانون، أعد دبلوم دراساته العليا في الفلسفة حول موضوع "المسلمات الفلسفية للمادية التاريخية"، قبل أن يصير مبرزًا في الفلسفة فيما بعد.
    وقد وقع في يده، بداية ثلاثينيات القرن الماضي، كتاب مهم، وكان حينذاك مدرسًا في إحدى الثانويات، اسمه "المجتمع البدائي" لصاحبه روبير لووي، وخرج من قراءته باكتشاف سيقوم بدور مركزي في تكوينه وعطائه الفكريين فيما بعد: اكتشاف الإثنولوجيا!
    غير أن سفره إلى البرازيل، بدعوة من سيليستان بوغليه مدير المدرسة العليا للأساتذة بساو بولو، ليدرس بها العلوم الاجتماعية هو ما أثر أكثر في مساره العلمي والعملي، كما ذكر ذلك في مداراته. لأنه سيتمكن فيما بعد من معاينة حياة هنود البورورو، وغيرهم من هنود الأمازون، الذين سوف يخصص لهم دراسات شاملة وكثيرة، سواء في "الأنثربولوجيا البنيوية" أو في "الفكر البدائي (البري؟)" (وليس المتوحش بالمعنى الحرفي، ما شجبه المفكر بنفسه عندما أعلن أن ما سماه بالفكر البدائي هو شكل من أشكال الفكر ويتواجد في ذات كل منا). مثلما عمد إلى دراسة اللغة والرموز والأساطير، وبنيات القرابة

    ونكاح الأقرباء والبنيات الاجتماعية الأخرى من زواج وتبادل النساء، ومن عطاء وحضور المقدس والموت في حياة تلك الشعوب. مادام تعريفه المفضل للإثنولوجيا يتركز في كونها مبحثًا يسعى إلى فهم الإنسان، ويضيف كي لا يظل كل ما يمت بصلة إلى الإنسان مجهولاً لدينا وغريبًا عنا. ووضع من هذا المنطلق نظرية عامة عن تمفصلات الرمزي والجسد والاجتماعي.
    وكان كلود ليفي ستراوس من مطوري البنيوية في فرنسا بأن وظفها في التحليل الإثنولوجي والأنثربولوجي، بل إنه من جعلها مبحثًا قائمًا بحدّ ذاته. منذ أن أخذ مبادءها عند اللغوي جاكوبسون عندما لاقتهما ظروف الحرب في الأربعينيات في أميركا، إذ فر إليها هربًا من حكم فيشي رفقة أندريه بروتون وفيكتور سيرج (الشيوعي المعروف).
    وشغل لدى عودته إلى فرنسا بعد تقليده بمهام رسمية حول الثقافة والتي استقال منها سريعًا، كرسي الأديان المقارن للشعوب التي لا تعرف الكتابة في المدرسة العليا، والذي خلف فيه مارسيل موس. كما أنه أسس مجلة مهمة ما تزال تصدر حتى اليوم هي "مجلة الإنسان".
    سيعمد ستراوس إلى استحداث تحليل بنيوي لأساطير الهنود، موضحا بأن البنيوية تعلي من شأن الكل في العلاقة مع الأجزاء، ومن شأن الروابط في العلاقة مع العناصر. وإذا تعرض تفكير كلود ليفي ستراوس إلى سوء فهم أحيانا، فإن ذلك راجع إلى الضجة الكبيرة التي أحدثها الناس بخصوص البنيوية، بأن حولوها إلى شيء أسطوري، فإنه لم يرضَ حينها قط أن يربط اسمه، كلما ذكرت، إلا بإميل بينفنيست اللغوي وبالمؤرخ جورج ديموزيل. موضحًا، في سمته المعروف عنه وفي لغته المنتقاة بعناية بأن"البنيوية ليست فلسفة وإنما هي مجرد منهج في التحليل ليس إلا". وأبان من خلال استعماله لتلك الأداة أن الإنسانية تشترك في خاصية بنيوية هي وحدة نفسية تصدر عنها الكثير من الدوافع لدى كل شعوب الأرض. عمد أيضا إلى استخلاص ذلك من خلال الحكايات الشفهية القصيرة التي جمعها وحللها تحليلاً بنيويًا، ما سمح له فيما بعد أن ينتقد الروسي فلاديمير بروب، القريب من الشكلانيين، والذي كانت له رؤية أخرى في تناول هذا التراث الحكائي. من هنا يتبين سعي كلود ليفي ستراوس إلى نبذ الفواصل بين الناس، إذ أسقطت بحوثه الجدار الفاصل بين ما يسمى بالحضارات البدائية والحضارة المتطورة. كما يعارض كذلك كثيرًا فكرة أن للمجتمعات البدائية علاقة بالطبيعة أكثر منه بالثقافة.
    اعترف كثير من المثقفين بأنهم اكتشفوا كلود ليفي ستراوس من خلال كتابه الذي لا تؤدي مع ذلك "مدارات حزينة" ترجمة جيدة لعنوانه. وأكاد أجزم أن لا أحد يعرف ستراوس قبل 1955 تاريخ صدور المدارات، بالرغم من أنه سبق أن ناقش منذ 1949 أطروحة دكتوراه مهمة جدًا حول بنيات القرابة. لقد طلب منه جان مالوري إذن أن يكتب نصًّا حول سفره وإقامته بالبرازيل، لكي يدشن بنشره سلسلة "الأرض الإنسانية" التي أحدثها حينها عند دار نشر بْلون. ما أجاب عنه كلود بالقبول، لأنه رأى في ذلك فرصة كي ينتشل من الضياع جزءًا من النص الذي بدأه لدى عودته مباشرة من البرازيل، والذي كان بالنسبة إليه مشروع رواية فاشلة، عاد إليه وواصل الكتابة حول الموضوع، لنحصل بعد أربعة أشهر فقط على الكتاب الجميل الذي ما يزال متألقا حتى الآن، وظل يطبع، إن أمكن القول، بلا هدنة. أبقى كلود ليفي ستراوس على العنوان بخصوص مشروع الرواية وبالفصل المسمى "غروب الشمس" الذي يقع ما بين ص65 و74 من طبعة "الأرض الإنسانية".
    يتميز الكتاب بجمالية أسلوبية قل نظيرها، وبهم معرفي ظاهر، في الوقت الذي يتعلق فيه الأمر بكتابة ذاتية عن سفر حقيقي في الزمن والمكان، وإن قال كلود ليفي ستراوس بأنه يكره السفر والمسافرين بهذا المعنى. ألم يسبقه منذ القرن السادس عشر، إلى الرسو على ضفاف البرازيل رحالة فرنسي (مستكشف) يدعى جان دوليريه؟ بلى. لقد اعترف ستراوس بأنه قرأ الكتاب الذي أنجزه هذا الرجل عن سفره قبل أن يحط رجله على تلك الأرض الأمازونية.
    تأسفتْ حينها لجنة غونكور عندما ظهر الكتاب، لأنه ليس رواية وإلا لمنحت له الجائزة بالإجماع. ليس لأنه مكتوب فقط بشكل جيد ومسبوك، لأن كل مؤلفاته تقريبًا كانت كذلك، ولكن لأنه نص ذاتي وحر لم تثقله المفاهيم والمناهج والجداول التي لا يستحملها من ليسوا مختصين. إنه نص سلس، يزخر بالتفاصيل والأوصاف الدقيقة، سواء بكل ما رآه في تنقلاته أو بما فكر به أو جال لحظة في خلده.
    لم تكن المدارات هي التي ولجتُ بها عالم كلود ليفي ستراوس، ولكنني قرأته بعدما قرأت بعض كتبه الأخرى. ومازلت أشعر بأنه قد تهاوى نوعًا في الفصلين الأخيرين منه. فبالرغم من كون الحقيقة سليلة بعض فقراته، غير أنه ظل فيه نوعًا رهين النظرة الكولونيالية الضيقة. سواء تعلق الأمر بالإسلام والمسلمين، (فيها حديث عن البرقع!) (زيارته لكشمير، البنجاب والباكستان) أو بفرنسا، التي فرضت وصاية (بقوة الحديد والنار) على كثير من شعوب الأرض لزمن.
    لقد رحل الرجل بعدما اخترق قرنا بأكمله، وأذكر أنه قال بمناسبة ميلاده التسعين، وهو غير متحمس إلى الاحتفال به، مادام نوعا من الاقتراب من القبر، بأنه يستحضر الكاتب الفرنسي أناتول فرانس الذي قال يوما بأنه كان من الأجدر أن يكون مجرى الحياة بالمقلوب، أن نولد شيوخا وأن ننحدر تدريجيا في العمر، ما قد يمنح له متعة وقيمة أكبر. وأذكر بهذه المناسبة حسين مروة في الحوار الذي خص به عباس بيضون "ولدت شيخا لأموت صبيا" بالرغم من أن حسين مروة يحيل أكثر إلى سيرورته الفكرية.
    لن نعرف كما يلزم في هذه العجالة بكل تفاصيل إرث الرجل. لذا يبقى القول بأن رحيل كلود ليفي ستراوس يعتبر مناسبة كبيرة للتمعن في منجزه الفكري المثير للجدل. قالت فرنسواز إيرتييه التي خلفته منذ سنة 1982 في إدارة مختبر الأنثربولوجيا الاجتماعية في كوليج دو فرانس، بعد إعلان موته من طرف ناشره والأكاديمية الفرنسية والمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية بأن نجوما كثيرة تلمع لأنها تحمل لنا بالتأكيد شيئا جديدا، ولكن كلود ليفي ستراوس، كما قالت، فقد جاءنا بطريقة هامة لفهم العالم وتحليله، وأضافت أنه إنسان متفرد. كما أشاد فيليب ديسكولا، من مختبر الأنثربولوجيا الاجتماعية أيضا، بأهمية عمل الرجل العلمي ومواقفه المدافعة عن الثقافات الأخرى وعن الأنواع (الطبيعية والحيوانية)، وأضاف بأنه كان يرى دائما في الأنثربولوجيا سلاحًا نقديًا مهمًّا ضد الأفكار المسبقة، وخاصة منها العنصرية والعرقية. في حين أعلنت دينا ريبار من المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية أن كلود ليفي ستراوس يعتبر أبًا لكل العاملين في هذا المجال في فرنسا، كما قد يعد بعض الأجانب من صلبه.
    لم يمت الرجل لأن هناك باحثين كثر يواصلون رسالته العلمية، في الوقت الذي يحاصر فيه هذا التخصص، أمثال غودولييه، تيستار، سكيبلا (الذي أنجز عنه كتابًا مهمًا) وآخرين.
    من أهم كتبه:
    _البنيات الأساسية للقرابة.1949. (رسالة دكتوراه).
    _العرق والتاريخ. 1952.
    _مدارات حزينة. 1955.
    _الأنثربولوجيا البنيوية. 1958.
    _الطوطمية اليوم. 1962.
    _الفكر البدائي (البري). 1962.
    _الميثولوجيات في أربعة أجزاء. من 1964حتى 1971.
    _الأنثربولوجيا البنيوية 2. 1973

    ايلاف


                  

11-04-2009, 05:01 PM

الفاضل يسن عثمان
<aالفاضل يسن عثمان
تاريخ التسجيل: 04-17-2008
مجموع المشاركات: 3279

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحيل كلود ليفي ستراوس: آخر الإثنولوجيين الكبار (Re: ناظم ابراهيم)



    ناظم

    تشكر علي ايرادك،لجزء من سيرة مستحدث البنويه في عالمنا
    كلود ليفي شتسرواس،الذي رحل من دنيانا،مخلفا ذاك الزخم
    الهائل حول اطروحاته وافكاره.
    وشتسرواس يتسم بجراءة الاطروحات والاستنتاجات،والتي
    تتسلسل في خارطة كنتوريه تطوريه،يصعب معها دحضهااو انتقادها.
    ولا اعتقد بان احدا من المفكريين الاثنولوجيين،او المهتمين بالجنس البشري
    نال حظوة وجراءة الافكار كما نالها المفكر شتسرواس.
    رغم عدم غزارة انتاجه الكتبي،لكن رغم قلتها،بها كل
    استنتاجاته وبحوثه،والتي مازال يغرف من معينها الباحثين
    والاثنولوجين،والمهتمين بالنوع البشري.

    دمت يا صديقي ناظم،هكذا دائما ما تتحفناببوساتك النوعيه
    في الشكل والمضمون

    مدتي
                  

11-04-2009, 05:26 PM

خدر
<aخدر
تاريخ التسجيل: 02-07-2005
مجموع المشاركات: 13188

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحيل كلود ليفي ستراوس: آخر الإثنولوجيين الكبار (Re: الفاضل يسن عثمان)

    شكرا يا ناظم علي إيراد الخبر
    و لو تصدق .. طللت طيلة الـ 12 عام السابقات انتظر كتاب جديد له قبل
    موته و اظني سأستمر الان في إنتظار نشر مخطوطات لم تنشر من قبل له
    وداعا ابو البنيوية وداعا ليفي اشتراوس
                  

11-04-2009, 10:53 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحيل كلود ليفي ستراوس: آخر الإثنولوجيين الكبار (Re: خدر)

    Quote: ولكن كلود ليفي ستراوس، كما قالت، فقد جاءنا بطريقة هامة لفهم العالم وتحليله، وأضافت أنه إنسان متفرد. كما أشاد فيليب ديسكولا، من مختبر الأنثربولوجيا الاجتماعية أيضا، بأهمية عمل الرجل العلمي ومواقفه المدافعة عن الثقافات الأخرى وعن الأنواع (الطبيعية والحيوانية)، وأضاف بأنه كان يرى دائما في الأنثربولوجيا سلاحًا نقديًا مهمًّا ضد الأفكار المسبقة، وخاصة منها العنصرية والعرقية. في حين أعلنت دينا ريبار من المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية أن كلود ليفي ستراوس يعتبر أبًا لكل العاملين في هذا المجال في فرنسا، كما قد يعد بعض الأجانب من صلبه.


    عزيزى ناظم
    تحية وتقدير
    اشكرك على هذا العرض الجيد ، انوى ان اعرض بعض النصوص من المدار الجزين فى بوست مشابه وسأقوم ايضا بعرضه هنا لمناقشة الاقتباس اعلاه
    لك ولجميع من بطرفك كل الود
                  

11-05-2009, 00:32 AM

ناظم ابراهيم
<aناظم ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 3734

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحيل كلود ليفي ستراوس: آخر الإثنولوجيين الكبار (Re: طلعت الطيب)

    طلعت سلامنا لك والاسره

    ليفى شتراوس باحث لا مثيل له فى العلوم الانسانيه له وسائل متفرده فى الحفر والتنقيب فى المجتمعات الانسانيه

    طلعت اهديك مقال مهم وجدته فى احدى الدوريات

    ستراوس الفيلسوف الذي أعاد الاعتبار للفكر البدائي






    عبداللّطيف الوراري
    .1
    عن المائة عامٍ وعام، يرحل المفكِّر الفرنسي كلود ليفي- ستروس[1908 ـ 2009م] عن عالمنا. وقد ذاع صيت الرجل في المنتصف الثاني من القرن العشرين باعتباره رائد البنيويّة وعالم الأنثروبولوجيا الذي قادتْهُ مغامرات فكره إلى استكشاف الآليّات الخفية للثقافة عبر سبل متنوّعة ومتضافرة من العمل المُضني، وهو ما أتاح له فهْمَ قطاعٍ مهمّ من تلك الآلة الرمزية المتعاظمة التي تنغلق على مجموع خطط الحياة البشرية، من العائلة إلى المعتقدات الدينية، ومن الأعمال الفنّية إلى آداب المائدة. ولقد مرّ، بعد ذلك، حينٌ من الدهر لم يُسمع شيءٌ عنه، وظلّ في صمت مطبق، حتى اعتقد الكثيرون أنّه غادرنا، إلى أن أفاقوا على أصداء الاحتفال الكبير الذي خصّته به فرنسا لمرور مائة عام على ميلاده. وكان ليفي- ستروس، بسبب تذمّره ممّا يحدث حواليه، يقول: "إنّا نعيش في عالم لا أنتمي إليه منذ زمن. إنّ العالم الذي عرفته وأحببته كان يتضمن ملياراً ونصف المليار نسمة، وعالم اليوم يتألف من ستة مليارات نسمة. لم يعد هذا العالم عالمي".

    .2

    بدأ ليفي- ستروس حياته العملية بدراسة علم الإثنيات، قبل أن تغيّر مكالمة هاتفية مسار حياته وتجلب له حظّاً وشهرة وافرين، وهو يتلقى ذات صباح من أيام خريف 1934م عرضاً من مدير دار المعلمين العليا بباريس للعمل كأستاذ علم الاجتماع في جامعة ساو باولو البرازيلية. وهكذا، مثلما يحكي ذلك في سيرته الفكرية "المدارات الحزينة" الصادرة 1955م، بدأت أهمّ تجربة في حياته، وهو يتولّى مهامّ استكشافية إثنوغرافية في "ماتو غروسو" وفي غابات الأمازون، ويلتقي قبائل هندية تعيش في مجتمعات يقال عنها "بدائية" حيث وصف، بشكل رائع، حياتها وعاداتها ومعتقداتها دوّنها في تقييداته المسمّاة "الحياة العائلية والاجتماعية عند هنود نامبيكوارا". وقد حمل من رحلاته الإستكشافية بالبرازيل بين عامي 1935 و 1939م علماً غزيراً وجزءاً لا يُقدّر من ذاكرة الهنود وحياتهم وأساطيرهم اليومية. وبسبب قوانين حكومة فيشي المعادية لليهود، صرف ليفي ستراوس من الخدمة طبقاً للقوانين العنصرية التي سنّتها، وانتقل لاجئاً، برفقة العشرات بمن فيهم شاعر السوريالية أندريه بروتون، إلى أمريكا حيث عُيّن أستاذاً بالمدرسة الجديدة للبحث الاجتماعي بنيويورك [1942 ـ 1945]، وفيها عاش "مرحلة هامة من العمل الفكري العميق" بجوار علماء أنثروبولوجيا لامعين، مثلما التقى بالعالم اللغوي رومان ياكبسون الذي استمع إلى دروسه، وتأثّر به، قائلاً:"كنت أمارس البنيوية دون أن أدرك ذلك، وقد أفادني ياكبسون عن وجود منهج علمي قائم". وبعدما وضعت الحرب أوزارها، التحق بالمركز الجامعي للبحث العلمي بباريس. وبعد توالي دراساته الرائدة في الأنثروبولوجيا والإشعاع الذي تركته في زمنها، جرى انتخابه بالكوليج دوفرانس في كرسي الأنثروبولوجيا الاجتماعية عام 1959م، وبالأكاديمية الفرنسية عام 1973م.
    ترك كلود ليفي- ستروس كتباً كثيرة خلخلت جزءاً مهمّاً في مفاهيم العلوم الإنسانية، من أهمّها: "البنيات الأساسية للقرابة"1949م، وفيه يدرس المبادئ التي يقوم عليها نظام القرابة وقوانينها، متوقّفاً عند مسألة الانتقال من الطبيعة إلى الثقافة، أي هذه الحياة التي تدور على تبادل الممتلكات والنساء والرسائل. و"الأنثروبولوجيا البنيوية" 1958م، الذي رفضته دار غاليمار بذريعة أن فكر الكاتب "لم يبلغ بعد مرحلة النضج"، وهو مجموع مقالات عالج فيها ليفي- ستروس أنساق القرابة والعلاقة بين اللسانيات والأنثروبولوجيا، وبنية الأساطير، ووضعية الأنثروبولوجيا في العلوم الإجتماعية، والسحر ومكان الرمزية فيه. وفي الجزء الثاني، الصادر عام 1973م، يمسك بطريقة في التحليل سعت إلى التأكيد على البنى المخبأة للظواهر الإنسانية، انطلاقاً من فرضية أن "الطبيعة الحقيقية تظهر في البداية من خلال العناية المبذولة للتهرب من إبرازها"، متطرّقاً إلى النزعة الإنسية والنقد الأدبي وكتابات روسو وفضل دوركايم على الأثنولوجيا. و"الفكر البدائي"1962م، الّذي أظهر فيه الكاتب أن فكر "البدائيّين" لا يختلف في طبيعته عن فكر الإنسان المتحضّر، وكلّ ما في الأمر أنّ منطلق "الفكر البدائي" يحوِّل خصائص الواقع، متوجّهاً بالنقد إلى سارتر. و"الطوطمية اليوم"1962م، وفيه يعرض لمختلف النظريات في تفسير الطوطمية، واجداً في تطبيق عالم الحيوان والنبات والجماد على المجتمع وأنظمته مفتاح تفسيره للطوطمية على الخصوص، ومبيِّناً أن الطوطمية ليست سوى وهم من ابتداع الغربيّين الذين لم يفهموا ما تقوم به "الطوطمية" من دوْرٍ تصنيفيّ. إلى جانب ذلك، كرّس مشروعه العلمي في تحليل "الميثولوجيات" بأجزائه الأربعة الممتدّة بين 1964م و1971م، بدءاً من "النيّء والمطبوخ" الذي بحث فيه الانتقال من الطبيعة إلى الثقافة عبر اكتشاف نار الطبخ، ومروراً ب"من العسل إلى الرماد" الذي حلّل فيه تقابلاً ثانياً، هو التقابل بين العسل والتبغ، من حيث أن أحدهما يكمل الأول، فالأول قبل الطبخ والثاني بعده، و"أصل آداب المائدة" الذي بيّن فيه كيف أنّ الانتقال إلى الثقافة يتجلّى في الأساطير بواسطة أخلاق تتعلّق بآداب المائدة وتربية النساء والزواج، وانتهاءً ب"الإنسان العاري" حيث تتجلّى الطبيعة في العري، بينما يتمّ الانتقال إلى الثقافة عن طريق التبادل التجاري.


    3.
    وكان الراحل كلود ليفي- ستروس مديناً لثلاثة مجالات علمية في بحثه عن البنية الخفية التي يمكن بها تفسير الظواهر، هي: الجيولوجيا، الماركسية والتحليل النفسي. تبيّن هذه الثلاثة أن الفهم يتمّ بإرجاع نمطٍ من الواقع إلى نمطٍ آخر، وأن الواقع الحقيقي ليس أبداً هذا الواقع الظاهر. مثلما أنّ حدوسه الأولى ازدادت دقّةً واتّخذت لغة يقينيّة وصبغة علمية عندما تعرَّف، عن كثب، على أثنولوجيا مارسيل موس الذي أحدثت دراسته عن "العطاء" لدى الشعوب البدائية ثورةً في الفكر الأثنولوجي، وعلى اللسانيات البنيوية التي أفادته في دراسة الظاهرات المجتمعية، كما على الرياضيات الحديثة التي أفادته، بدورها، في معالجة مشاكل القرابة بواسطة نظرية المجموعات، وفي تحليلاته للأساطير الطويلة والدقيقة للغاية بواسطة الرموز الرياضية.
    ومثلما يبدو من أبحاثه، كان يريد أن يجعل من الأثنولوجيا علماً يتميز بالدقة اللازمة لنشأة العلوم، وتكون بذلك، أيضاً، نموذجاً للعلوم الإنسانية الأخرى، لا سيّما وأنّها تجد في البنيوية سندها الابستيمولوجي ومنهجها العلمي الذي يسعى إلى التبسيط والتفسير، ويبني النماذج، ويقوم بالتجريب، كما أنّه قادرٌ على التوقع. ولا نستغرب، في هذه الحال، أن يقول ليفي ستراوس أنّه "لا يوجد في فرنسا إلّا ثلاثة بنيويّين حقيقيّين، هم بينفنيست ودوميزيل وأنا. ولا يدخل الآخرون في هذا العدد إلّا بفعل ضلال". ويقصد بالآخرين:جاك لاكان، وميشال فوكو ولويس ألتوسير. وتجلّى التحليل البنيوي، عنده، في مجالين كبيرين، فقد تعلّق بأنساق القرابة أو الأنساق التصنيفية من جهة، والأنساق الأسطورية من جهة أخرى. وطالما ردّد أنّ الفكر البنيوي يبحث باستمرار عن التوفيق بين المحسوس والمعقول، كما لفت إلى أنّ البنيوية قد أعادت للغائيّة مكانتها، وردّت إليها اعتبارها من جديد بعد أن ساد الفكر العلمي المتشبّع بالنزعة الآليّة والتجربيية. وبسبب من الطابع الأكاديمي والسجالي الغنيّ لعلمه، لم يسلم كلود ليفي- ستروس من انتقادات معاصريه, منهم من يرى أنّه لا يلتزم في شأن مصادره بالدقّة الكافية، فهو قادر دائماً على أن يعثر بالضبط على ما يبحث عنه، ومنهم من قال إنّ ممارسته للجدل هيغليّة أكثر منها ماركسية، ومنهم من عاب عليه نكرانه للتاريخ الذي لا يجعل له في ما يكتبه سوى مكانة لا تذكر.
    برحيل كلود ليفي ستراوس يفقد الفكر الإنساني واحِداً من مغامريه الكبار، الذي ثار على تقاليد البحث العلمي، وأقام لوحده مدرسة في بحث تلك الآلة الرمزية المتعاظمة التي تنغلق عليها الحياة البشرية، من العائلة إلى المعتقدات الدينية، ومن الأعمال الفنّية إلى آداب المائدة. ولن تشغل صوَرُه الصفحات الثقافية لكُبْريات الصحف والمجلّات لأيّامٍ وأسابيع تنعيه إلى قرّائه المنتشرين في المعمورة فحسب، بل سوف تبقى صورَتُه كمفكّرٍ إشْكاليّ راسِخةً في ذاكرة الأرض لسنواتٍ طِوال إلى جانب إخوته الإشكاليّين فرويد وفوكو وبارث وبورخيس ودريدا، تمثيلاً لا حصْراً. وسوف يكون من المفيد أن يعود المرء، اليوم، إلى "المدارات الحزينة" سيرته الذاتية في الحياة والفكر، ليعلم أيّة "ضريبة رمزية" تلك التي أدّاها ليفي ستراوس من متاع روحه وجسده في عصْرٍ مضطربٍ ولولبيٍّ، حتّى يستحقّ كل هذا الاحترام وهو يُغمض عينيه عن شعلة هذا الكون.



                  

11-05-2009, 00:19 AM

ناظم ابراهيم
<aناظم ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 3734

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحيل كلود ليفي ستراوس: آخر الإثنولوجيين الكبار (Re: خدر)

    خدر سلام

    كان كاتبا بمعنى الكلمه

    تقديري
                  

11-05-2009, 00:04 AM

ناظم ابراهيم
<aناظم ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 3734

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحيل كلود ليفي ستراوس: آخر الإثنولوجيين الكبار (Re: الفاضل يسن عثمان)

    الفاضل مودتى

    هى المغرب وبيئتها المتفتحه علمتنا ان نعرف شتراوس وجاك دريدا وفوكو وان نعجب حتى بجان جينيه ونحب عربده شكري وجنوحه

    سلام لكل الدراري
                  

11-05-2009, 00:32 AM

Emad Abdulla
<aEmad Abdulla
تاريخ التسجيل: 09-18-2005
مجموع المشاركات: 6751

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحيل كلود ليفي ستراوس: آخر الإثنولوجيين الكبار (Re: ناظم ابراهيم)

    صرح آخر يهوي ..
    وداعا ليفي شتراوس .


    شكرا ناظم و عظيم أسفي على الفقد
                  

11-05-2009, 04:08 AM

ناظم ابراهيم
<aناظم ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 3734

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحيل كلود ليفي ستراوس: آخر الإثنولوجيين الكبار (Re: Emad Abdulla)

    عماد عبدالله

    مائه عام وعام قليله لرجل يحاول ان يصيغ عالما جديدا

    مودتى
                  

11-05-2009, 02:39 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحيل كلود ليفي ستراوس: آخر الإثنولوجيين الكبار (Re: ناظم ابراهيم)

    The brotherhood of man acquires a concrete meaning when it makes us see, in the poorest tribe, a confirmation of our own image and experience, the lesson of which we can assimilate, along with so many others. We may even discover a pristine freshness in these lessons. Since we know that, for thousands of years, man has succeeded only in repeating himself, we will attain in that nobility of thought which consists in going back beyond all the repetitions and taking as starting –point of our reflections the indefinable of man’s beginnings . being human signifies, for each one of us, belonging to a class, a society, a country, a continent and a civilization; and for us European earth dwellers, the adventure played out in the heart of the new world signifies in the first place that it was not our world and that we bear responsibility for the crime of its destruction ; and secondly , that we will never be another New World: since the confrontation between the Old World and the new makes us thus conscious of our selves, let us at least express it in its primary terms – in the place where, and by referring back to a time when our world missed the opportunity offered to it choosing between its various missions.

    عزيزى ناظم
    اعلاه قطعة من مذكراته الشهيرة (المدار الحزين) Tristes Tropiques سأعود اليها بالتعليق المناسب
    واشكرك على المقال الجيد بعاليه ، لنجعل من هذا البوست محاولة لفهم من هو كلود ليفى شتراوس وما هى البنيوية وما علاقته بما بعد الحداثة ...
    وهل فهم الرجل (مجرد سفسطة يسار) ام انها اضافة حقيقة لمقاهيمنا حول الديمقراطية التعددية (وهو يشكل ما اعتقده) وبالتالى اغناء هذه المفاهيم من كونها مجرد انتخابات حرة , بمعنى اخر نحاول ان نكسوها دما ولحما ...

    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 11-05-2009, 02:56 PM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de