الخاتم عدلان ... بكت أقلام

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 01:00 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة الراحل الاستاذ الخاتم عدلان(Khatim)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-25-2007, 11:57 AM

أبو ساندرا
<aأبو ساندرا
تاريخ التسجيل: 02-26-2003
مجموع المشاركات: 15493

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الخاتم عدلان ... بكت أقلام

    كتب / محمد النعمان

    ثمَّ إنك لن تكونَ "خاتمَ" رُسُـلِنا إلى الفكرةِ البديلة. محمد النعمان


    لقد عاش غيرك – يا سيدي الخاتمُ – أرذلَ الخياراتِ وأسهلها ، ليكون له أن يموتَ في أرذل العمر.

    أمّا أنتَ فقد اخترتَ – إمتثالاً للتاريخيِّ في الواقع ، وللعقلانيِّ في الذات – أن تعيش شرطَ اليساريِّ القاسي ، في غربته وتجلده ، في صدقه وتنسكه ، في نقده للذات كما في انكشافه المريع ِ ، أيضاً ، لقمع السلطةِ وبطشها.

    وقد اسـتطعتَ – في ثباتٍ ومثابرةٍ – أن تمنحَ فضاءنا السـياسيَّ شاكلة ً راسخة من جسارةِ الفكرةِ وبسالةِ الفعل وجدارةِ الإنتماء إلى خيار ٍ نظيف.

    وها أنتذا تذهبُ في ريعان العمر ، ومجـده.
    فإن كنت قد مِتَ في ربيع المنافي – يا خاتمُ - فإنّ الذي قتلكَ ويقتلنا ، بالحقِّ ، لهو صيفُ هذا الوطن المختطف ، وسيفُ جلاديه المقدَس.

    لقد كنا ، بالطبع ، نتوّقعُ موتك المعلن ، لكننا أيضاً لم ننتظره.

    وكيف كان لنا أن نتقبّـل مستبسـلينَ ذلك المعنى الفظَّ في موتك وأن نعترفَ مستسلمينَ بأن اليسـار ، الضئيلَ في كَمِّه والمتشـظي في فعـله ، كان – في واقع الأمـر – على وشـك أن يخسـرَ ، برحيلكَ ، جـيلاً كامـلاً كـان أن أودع مبلـغَ تحصيله المعرفيّ وزبدة بصـيرته السـياسية في ذهـنك الوقّـاد ثم بعثك إلى الناس نظيفاً ، عفيفاً وجسوراً على النحو الذي صرت إليه؟

    حين إلتقيتك قبل شهـور قـليلةٍ ، هنا بواشـنطون ، كنتَ – كعادتكَ – واضحَ الذهن ، عاشـقاً لأرضك لا مسـاوماً في معاركها التأسيسية ، رائياً دون توهُّم ٍٍ أو انفصام ومنفتحاً على الآخر كندٍّ سياسيٍّ دون شهوةٍ في استقطابٍ مقيت.

    ثمّ رأيناك أيضاً وأنت تعلن – من موقعك كمفكر ٍ عضويّ – أن البروتوكولات التي تمَّ توقيعها بين الحركة الشعبية وإنقلابيي الإنقاذ إنما تتجاوز ، بفحوى بنودها الموقعة ، طرفيّ ذلك التوقيع وتتعدى مصالحهما المحدودة كتنظيمين سيتقـلدان السلطة حصراً. ففي حدود القراءة التي تبنيت نشرها على الناس ، فإن تلك البوتوكولات تنطوي على كسبٍ جذريّ ستشمل نتائج تطبيقاته كافة قطاعات الشعب السوداني.

    كنت تتلفت قلقاً وأنت تبحث عما يرشح ويؤهل القوي الإجتماسياسية التي ينبغي أن تقع على عاتقها مهامُ إنفاذ ما اتفق عليه وأعباءُ حراسته بصمامةٍ واقتدار ، وذلك ضمن مشروع ٍ شامل للتحوّل الإجتماعيّ في السودان.
    تلفتَ ملياً ، يا سيدي ، ولم تستثن ِ أحداً من قطاعات القوى الحديثة وطلائعها.

    ثمّ إنه لم يرعبك أبداً مصطلح العلمـانية ، كما ظلّ يفعل بغيرك الأباطيل.

    فقد تكرّس في خطابك كمصطلح ٍ طلق ومفهوم ٍ ثرٍّ لا يتلجلج كما هو شأنه في سيرك السياسةِ المحترفة.
    لقد ذهبت واضحاً لا متفاصحاً ، يا سيدي ، إلى أن الدولة العلمانية هي شرط الوحدة الموضوعيّ كما إنها هي الضمانة المؤسسية التي تكفل تحقيق تلك القيم التي من شأنها وحدها الاستجابة لتطلعات الشعب السودانيّ في تعدده وتنوعه الإجتماثقافيّ.

    لقد كرّست - يا خاتمُ – عمرك القليل لخدمة قضايا اليسار لأنك قد رأيت باكراً إنها هي ما بمقدوره أن يلبي الطموحات التاريخية لشعبك.
    فإن كنت قد فعـلت ذلك يا سـيدي طوعاً وإختياراً ، فإنه لن يكون لأحـدٍ أن يقول الآن إنك قد "أفنيتَ" عمراً عمـيقاً في الدفاع عن مبادئك والزودِ عن حقِّ ممارستها.
    من كان مثلك ، يا سيدي ، لا ينقضي بالموت فتنفد صلاحيته تماماً.

    لإنْ كنت "خاتماً" ، ذلك الذي ذهب متوّجاً بمحبتنا وبإحترام غريمه وجلاده معاً
    فاسمح لي أن أقول لك بأنك سوف لن تكونَ "خاتماً" لرسل هذا الشعب الذي أبدعك فأبدعتَ ، له وبه ، موقفاً حازماً وفعلاً عارفاً وفكرةً بديلة.
    وما من أحدٍ بيننا سيبتدر درساً تاريخياً في مسائل الثورة والتحوّل إلا وألفاكَ متجذّراً في واعيته ، واضحاً فيها كعلامـةٍ فارقة.

    فلك أن تذهبَ ، إذن ، يا خاتمُ ، حيث شئتَ أو شاءَ غيرك
    فإنك قد كنتَ ، بالحقِّ ، ذلك اليساريّ الضخمَ
    الذي امتحنه شعبه في أسوأ أحوال تاريخه اضطراباً وردّة ،
    وامتحنته المعرفة في أكثر لحظاتها تحوّلاً وارتباكاً ،
    لكنه – من بعدُ – لم يتراخَ و لم يسقط.


    نعمان


    ------------------------------------------------------------------------
    كتب / أبوساندرا
    إنها الكائنات استضافتك في خدرها
    قمر العشية يصطفيك
    وتحتويك لدى البكور
    خيوط فجر وشحتك بضوئها
    شمس النهار على جبينك لؤلؤة
    وعلى ذراعك يستريح النيل
    من عنت المسيرة في الهجير

    من يا ترى يبكي لديك عليك
    من؟
    ومن يعزي فيك ... من؟

    من يا ترى يبكي لديك ...عليك ...من ؟

    حق لجيلنا ان يفاخر فقد أهدته الأيام فرصة العمر عندما تفتح وعيه في أعقاب هزيمة يوليو الأليمة في العام1971 ، وكانت البلاد يومها تنؤ تحت ثقل ديكتاتور متهور ، وكان حزبنا مثخن الجراح ، وفي ربقة الحزن واليأس سطع فجر الأمل في جامعة الخرطوم ، فتى أسمر غض الاهاب ،
    عميق الفكر ،
    رصين العبارة
    ، باسق الوعي ،
    شاهق الشجاعة ،
    صارم الوضوح ،
    كنا نسعى اليه من أطراف المدينة المكلومة بغياب فرسانها ونجوم لياليها ونداوتها ونواديها ومنتدياها بالرحيل الفاجع لعبدالخالق محجوب ورفاقه شفيع الطبقة وفارس الغابات جوزيف ، كنا نسعى اليه في قهوة النشاط التي خط فيها تاريخآ مجيدآ ومواقف جسورة وناصعة ، لكي نلتمس منه الأمل واليقين بيوم نصر قادم نسد فيه الدين ، كنا نخط خطواتنا الأولى في المدارس الثانوية في العام 73/74 وخطواتنا الأولى في درب العمل السياسي والإلتزام مدفوعين ومتأثرين بالبطولة والجسارة التي أبداها شهداء يوليو من القادة والضباط والجنود ، ألهمتنا مأثرتهم وأهدتنا البوصلة محددة لنا إتجاه يممنا شطره ونتسائل مفاخرين مع علي عبدالقيوم:
    {أي المشارق
    لم نغازل شمسها
    ونميط عن زيف الغموض خمارها
    أي المشانق
    لم نزلزل بالثبات وقارها
    أي الأناشيد السماويات
    لم نشدد لأعراس الجديد
    بشاشة أوتارها

    كان هناك الخاتم ، شامخ و واضح وملهم ، ألهمنا -نحن ذلك الجيل المحظوظ- وأهدانا الأمل والبشارة والثقة في قدرة حزبنا على تجاوز المحنة ومن ثم يسهم مع جماهير الشعب وقواه الحية في إقتلاع عرش الطاغوت في مارس إبريل 1985

    ومن بعد ظللنا نتابع ونطالع مساهماته الغنية بالفكرة والحكمة في الميدان وفي الشبيبة وفي الندوات الجماهيرية والمغلقة وفي دور التحالف ، فقد كان هناك معبرآ بلسان مبين وبقلم أكثر قدرة على الإبانة عن خطنا ورأينا وموقفنا

    تواصلنا معه ومحطناه إحترام وتقدير لم ينتقص منه موقفه من الحزب ، وجادلناه في قراره في حوار مفتوح وعبر الإتصال ، إحترمنا خياراته وإحترم رأينا و أذكر حواري معه في هذا الموقع وصبره عندما وصفته بالإستعجال مشيرآ لما قاله { والحزب أخذ ببعض منطلقاتي} مؤكدآ له أنه لو واصل لأخذ الحزب بكل منطلقاته فإن حركة التغيير سوف تمضي نحو غاياتها ولن يصح إلا الصحيح يومها قال لي { أخشى عليك يا صديقي } وتمنى أن نواصل مابدأه
    لا أعرف في تاريخ الحزب تسامح مع مغادريه خاصة لو نشطوا ، إلا في حالة الخاتم عدلان حيث لم يفقد إحترام غالبية أعضاء الحزب وأعرف أن بعض الزملاء القياديين إحتفوا به عند عودته الأخيرة للوطن وبادلهم التقدير والأحترام.


    -----------------------------------------------------------------------------------
    كتب / ودرملية
    ها الحزن قد طالتنا اوتاره لتعزف الحانه الباكية علي مدامعنا العليلة..
    اورايتم كيف كان هذا المساء سقيما..
    سماءه ظلماء ..ونجومه شحيحة بالضياء ..
    تشق عتمته اصوات مكلومة ونبرات غائصة في البكاء ..
    بكاءا شجيا..
    شيء ما سطيع لمع علي صفحته التعيسة فجأة..علي حين برق..
    برق مودع في مساء حزين .. بلغنا ان أفل النجم الثاقب ..
    وبكيت بحرقة .. كونه نبيل .. متسامح .. وفوق كل ذلك ذو اخلاق .. اخلاق عالية حتي السماء..
    بكيت بحرقة ..كونه طيب .. ثاقب الرؤي ..نامت بين اضلعه قضية وطن وامة فتوسدها بحنو الآله وشق الطريق .. طريق لم يمشيه سواه ..
    ارايتم كيف كانت الفجيعة ..
    ولا نقول الا مايرضي الله ..
    (انا لله وانا اليه راجعون )
    له الرحمة والمغفرة ونسال الله ان يتقبله قبول الشهداء الطيبين

    -----------------------------------------------------------------------------------

    و أبوبكر الأمين :
    لكن المنيَّةَ أسرعُ
    أبو بكر الأمين
    عند الساعات الأولى من صبيحة 23 ابريل الجاري ووسط الأسرة والأصدقاء توقف بمدينة لندن خفق قلب المفكر والكاتب والمناضل والأستاذ والصديق والزميل الخاتم عدلان والذي ظل يصارع داء عضالاً في أعقاب زيارة مرهقة قام بها للولايات المتحدة الأمريكية.
    لقد اختطف الموت من بيننا محارباً بيِّن المكانة ومصارعاً من وزن غير هين في حقل الفكر
    والسياسة على طريق الأحلام الكبرى في العدالة الاجتماعية والديمقراطية والسلام.
    وقع رحيل الخاتم بقسوة على الجميع وران الحزن العميم وسط أسرته وأهله وأصدقائه وزملائه ومعارفه وقرائه ومحبيه ولم يكن رحيل الخاتم خسارة لتنظيمه السياسي لوحده لكن الخسارة
    الفادحة لحقت بمجمل الساحة الوطنية كلها. وعلى نحو عميق يفتقده الشيوعيون السودانيون الذين ترعرع الفقيد وسط صفوفهم الكفاحية وقضى القسم الأعظم من عمره السياسي بينهم
    كادراً مميزاً ومحترماً يشار إليه بالبنان.
    وكان الخاتم ينطوي على ذلك السر المسمى بالكاريزما والذي يجذب إليه خلق الله وكان ذلك
    بيِّناً سواء في الأوساط الطلابية أو في هيئات الحزب الشيوعي أو هيئات حزبه القيادية أو في
    السجون ووحشة المنافي البعيدة أو في الشتات.. فمن الذي يستطيع أن ينسى كل ذلك.
    من يستطيع أن ينسى الخاتم الخطيب المفوه الذي يشد الانتباه إلى قوله بامراس الحقائق
    ومنطقها العنيد كاشفاً فاضحاً ومعبئاً، ومن سينسى الخاتم السياسي من الطراز الفريد الذي رمى بسهامه مباشرة على حدق الشمولية في نضال مرير ومثابر ضد ثلاثة من أبشع أنواع
    الدكتاتوريات التي تربعت على صدر الوطن، ومن سينسى الخاتم الكاتب المترجم الذي خاض غمار معاناة الكتابة في محبة الوطن فلم تنطفئ له نار ولم يفتر له شوق وهو يصعد كما قال (جبل الكتابة الشاهق) ليصل فيه للقمم المنيرة بياناً وشفاءً. وفي الحق لم يكن هناك من كان قادراً على أن يجعل هذا الفارس يترجل عن مواهبه العديدة وعن مشروعه سوى الموت اللئيم.
    قل لي بربك كيف نبكيك دون استدعاء الذكريات الممتدة في المنشط وفي المكره حين كان رفاقك
    يقتحمون الساحات بالهتاف ويضعون الصدور على فوهات البنادق.. ولايزالون على عهدهم
    القديم. فمن الذي لايحكي عنك خبراً وقصة وطرفه، كثيرة هي الحكاوي يا فقيد لكن لن أنسى يوم قلت لي: سيقتلنا الستالينيون! واشهد أمام الغابة والصحراء انك كنت تمحضهم مقتك الشديد فهل بربك كنت ترضى أن جاء ذكرك محض دموع؟
    أوَ كنت ترضى أن تمضي دون أن نطور أطروحة حولك؟
    قد كان عمرك كله يجري على مدار الاطروحات، وان كنا دخلنا الحزب جميعاً من أبواب مختلفة
    رغم أن السياسة وحدها تكفي على قول لعبد الخالق، فقد كان خروجنا من أبواب مختلفة كذلك ولان أوان التغيير قد حان وذهب كل إلى الحق الذي يراه حقاً لامراء فيه، وذلك في طبيعة
    الأشياء، لكن هناك من وضع صِواع الخصوم في أمتعتنا وما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين، فهل المكان الذي خرجنا منه كان هو الحزب حقاً؟ هل ترحلنا عنهم أم كان الرحيل رحيلهم؟ أكان ذلك حزب عبد الخالق والشفيع وجوزيف وهاشم أم كان شيئاً آخر لا في العليق ولا اللجام؟ ثم لماذا اخفوا عنا وصية عبد الخالق الذي كان يحب ويقرب الأذكياء إلى مواقع القيادة
    ويجيد تربية الكادر ولعلك كنت تحظى لديه بموقع أثير وقد كان يتطلع إلى مستقبل للحزب يراه في امكانات كادره المتميز.
    هذا حديثي لك أخصك به وليمتنع الواشون والمخترقون وعملاء الأعداء والأنبياء الكذبة الذين شملوك في جردة التصفية مع ارث عبدالخالق وجوزيف والشفيع وهاشم. فهل تريد أن تمضي دون
    ان نطور حولك أطروحة؟ وهل حقاً كذب التاريخ مشروع الماركسية للتغيير الاجتماعي؟
    وهل قضى عليها منهجاً في التفكير العلمي؟ وهل باستطاعتنا أن نخلع طريقة تفكيرنا وننقض
    لحمتها وسداها، نخلعها كمثل قبعة احتراماً وتجلة لمسير الرأسمال العولمي العوير؟ وماذا في
    قولك انك يممت مصلحة الشعب وحقه في العيش بسلام وكرامة وعدالة الم يك ذلك جزءاً من مشروع الماركسية للتغيير الاجتماعي؟
    آه لم يكتمل الحديث بيننا...
    كنت أود القول أن المؤسسة التي خرَّجتنا لم تستنفد أغراضها بعد, لكنها تنتظر الشيوعيين كي يعودوا لتصدر الكفاح الثوري وقيادة التغيير من بعد أن يهزموا أنبياء التيار اليميني التصفوي المخادع والذين كنت تكن لهم الاحتقار اللازم، نعدك بمواصلة هذا الاحتقار.
    بالله كيف تلقَّى الكثيرون الخبر.... كيف تلقاه محجوب شريف وكيف تلقاه محجوب عباس كيف تلقاه محمد سليمان ومحمد بيرق والقائمة تطول لتشمل كل أولئك الذين كانوا معك وقد أصبحت الآن في
    قائمة الفقد الجلل قائمة أحزان الوطن: من علي عبد اللطيف حتى علي فضل ومن الماظ حتى
    عبد الله أبكر ومن التجاني حتى الدوش ومن الخليل حتى مصطفى ومن شيبون حتى شكاك فقد كنا
    نريدهم أجمعين وكنا نريدك أيضا..
    لكن المنيةَ أسرعُ­ على قول المتنبي
    (وعلى أكف صحبه قضى) على السكة الوعرة (وكان في المقدمة) ورحل دون أن يرى (ألفاً من الشموس مقبلة) على قول ود المكي
    ولم يعش هناءة السلام
    ولا رحابة الديمقراطية
    ولا قرة عين العدالة لكنه تمتع
    بالقدلة الطليقة بالطريق إلى كل تلك القيم النبيلة غير هياب ولا وجل
    وستبقى ذكراه حية ملهمة وباقية
    فعليك غفران الله ورحمته ماءً ثلجاًَ وبرداً
    وصبراً جميلاً عميماً.

    الاضواء 25 ابريل 2005

    -------------------------------------------------------------------------------------------

    ونجم الدين محمد نصر الدين

    الخاتم عدلان ......الهرم الخاتم
    بقلم/ نجم الدين محمد نصر الدين

    أطارت إلينا الأنباء أشأمها وأشقها علي النفس وهو انتقال الروح " النسمة" للأستاذ الخاتم عدلان إلي باري "النسم" تزامن ورود ذلك مع ظهيرة حامية الغيظ – وشمس تكاد تفور ..وسماء توشك ان تمور , وهكذا الدهر غرسان طعمه الأخيار، وعطشان شربه الأحرار – كما قال ابن المقفع ..وهو ليس من أولئك الذين هم أحرار عصبه أو قبيله – بل أحرار العالم بأسره كان علماً مفرداً.. وعلامة وعالماً كاملاً...حمل لواء الاستنصار للضعفاء والمنافحة عن حقهم ...واحد ممن أوقدوا شموع و مشاعل وأضواء الاستنارة – والتفوا حوله – باذلين النفس والنفيس – خرجوا من الدنيا كما دخلوها خفافا إلا من إيمانهم بما دافعوا عنه ووقفوا حياتهم عليه – وافنوا في سبيله عمراً.
    كان صميماً... هميماً... عليماً.... بصيراً وقف علي المحجة البيضاء وخط الاستقامة – حتي أضحي عموديا في وقفته تلك....يرعى الاختلاف مع الأخر ويحترمه ويوفر له كافة سبل تأكيد ذلك وتأطيره لم يضن علي أحد بمثل هذه الرعاية ....ان ضن عليه البعض بها حد نفيه – لم يجمعنا حزب أو تنظيم أو خلية ولكن قبل كل ذلك إخاء الانسانية ورعاية وتقاسم الحلم بمجئ زمن المستضعفين . وعصرهم وإنجازو إقامة الاشتراكية – ألكبري – والتي حتماً ستسود العالم بسائر جنباته ذات يوم ... وتنتشر ألويتها رغم احتدام الصراع..لتسكن اثر ذلك روحه الحّوامة ويستريح جسده في مرقده الأبدي ...فبفقده فقد الادب وكذلك الثقافة وحتي حسن الإدارة السياسية, والوطنية الحقة والإنسانية النبيلة احد دعاتها وحدأة ركبها ... ولا عزاء لأي من هولاء فيه ..ان تأتي لنا عنه صبرٌ و سلوان و بعض عزاء بالسير في دربه وركابه وإثره ، كان مثالاً ونموذجاً للالتزام حين كان ملتزماً – حالة كاملة من العمل الدؤوب والنشاط والأفكار المرتبة والمجادلة عن معرفة تامة وبالحسني ، يُوقد تقابة اركان النقاش في أوائل السبعينيات ومنتصفها في الجامعة بكل أقسامها – فيتدافع الناس بالمناكب ويلتفون حوله ويحيطون إحاطة السولر بالمعصم ، سعياً لإيقاظ وتنمية المدارك والاغتراف من المعين المبذولة فيه المعارف...كان التزامه صادقاً أمينا قوياً غير ذي ريب وكذلك اعتزاله واختلافه واستقالته ...إذ بيّن وأفاض في أسبابها موكداً كامل احترامه لما ترك والذى كان قد اختط من طريق للسير فيه، اكتشف بعد ثلاثة عقود من المسير غير المنقطع والأكلاف العالية التي سدد......انه ليس هو المفضي لما سعي لتحقيقه فأعلن ذلك بالشجاعة نفسها التي كانت تغذي سيره ......دون متاجرة أو تفريط في الوطنية التي وسمته ....طوال عمره فان اختلف البعض في هذا او قبوله ، فهو من مؤكدات الصيرورة والحيوية والحراك الجيد – والتحسس المتصل للإجابة علي الأسئلة ألكبري ....كان يصدح برأيه بعد ذلك في أمهات القضايا وهموم الأمة ...سعياً لتوطين الشفافية والطهارة وعفة اليد وإرساء قيم كل ذلك حد التطرف واللجاج وعدم المساومة في أى مستوي من مستوياتها – كما أورد في مقاله الذي اختط للإمام الصادق الصديق- عقب الملاسنة الحامضة التي أثارها السيد رئيس حزب الأمة "الإصلاح والتجديد" واتهامه الغليظ لابن عمه بأنه نال من مائدة النظام الإنقاذي المسمومة مأكلها والمشارب، طبقاً وصمت "الإمام الذي إثره وقتها علي الحديث تقية أو لعله إن أحسنا الظن إطفاء لنيران لا يريد لها تأجيجا ..إلا ان المقال قد عبر تعبيراً كاملاً علي الإصرار والمضي في درب التحقق من درء مثل هذا حتى ولو كان شبهة . كان قلماً رشيقاً وكاتباً مغنية كتاباته عامرة بالإشباع الروحي وحسن العبارة والارتفاع عن السوقية في العرض ...والكتابة والنأي بالنفس عن الابتذال في الطرح أو الأفكار، حين إرسالها بالقلم السيّال الذي كان له، تقرأ فيسري ما كتب إلي نفسك سريان البيانو إلي الروح وتنثال الأفكار أليك في ترتيبها حاملة كل ما يود إيصاله فتظفر عند فراغك من قرأته بالحسنيين – إمتاع وإفادة.. هذا علماً بان جل ما يسطّر لهو من السهل الممتنع _ تلك السهولة التي تغريك بالتقليد فتصطدم بالامتناع "ظنين النسب" _ وهذا هو سر الإبداع الذي ما انفكينا نبحث عن مفتاحه. كنت اقرا ما يكتب بشغف ونهم شديدين واتسقط كتاباته حد البحث عن الشظايا واعيد قرآتها مثنى وثلاث ورباع واجتر كل ذلك اغوص فيه اتامله وأُبحر .......انه كان حرباً متصلة وبلا هوادة علي الشمولية أمايوية –كانت ام إنقاذية ....إيمانه بالديمقراطية كان عميقاً عمق إيمانه بدكتاتورية الطبقة العاملة وقت ان كانت هي ما يملا جوانحه بلا انقسام ... وهكذا دوما ً كان بعيد عن السطحية فيما يؤمن به أو يقله أعماراً " للغبينة المُبررة للدواس" كما يقول أهلنا الفور ولقد كان له من هذا نصيباً وافراً كبيراً..ان القلب ليوجف والعين تدمع وأنا حقاً للفراق لمحزونون فالفقد جلل والكسر لا يجبر – إذ انه فقد الأبناء في شرخ الشباب – وهذا فقد وطنه له ، فلقد كان ابناً باراً به من البر فى غاية ...وانه كما قال الإمام الصادق الصديق في نعي الدكتور أبو سليم "ندعو ان يمتع الله الأستاذ الخاتم بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر " وذلك عند رثائه له وفى معرض دعوته للمنادة بأدعية أُخرى غير الدعاء التقليدي بإبدال الأهل بخير منهم والدار بغيرها ، فهولاء هم الأهل الذين أحب وسعي لإسعادهم ، وهذه هي الدار التي عمل علي أعمارها ونمائها وتقدمها ...آملين ان نكون قد فدنا من تجربته وما ترك بيننا فلقد كان "شريفاً أوقد ناراً ثم مضي" ...فلعلنا نأنس ناره هذه ونأتي منها بقبس.....


    --------------------------------------------------------------------------------------------
    و رقية وراق :
    في رحيل الخاتم عدلان
    كم قلب يوشك أن يتوقف _ فجيعة _ عن الخفقان!

    كيف تهاوى علي عرش الأمل في نجاتك يا خاتم فملأ بغبار الارتطام المخيف دار الصداقة والمعزة والالفة ?
    كيف شغلتني الضحكة المجلجلة والصوت الملئ بصاحبه الذي يملأ العين ويفيض _ عن الزلزلة ?
    بم أعتذر للحزن عن استبعادي لزيارة أبدية المدى منه هذه المرة ?
    يا خاتم
    هذا النبأ..
    دخان حريق
    تتقاصر معه الأنفاس..
    وينعجن من حدائده القلب
    حتى يقطر زيته أو دمه ..
    في معصرة اللوعة
    وفجيعة البركان
    فرد لنا الخفقان يا خاتمنا ..
    رد لنا الخفقان .


    ------------------------------------------------------------------------------------------
    و أحمد ضحية :
    الخاتم عدلان .. في رحاب الله
    في وداعة الحزن: مرثية , لضياء نجم بعيد ..

    احمد ضحية [email protected]

    "الحزن لا يتخير الدمع ثيابا -

    كي يسمى بالقواميس بكاء - الصادق الرضي .

    اخي وصديقي/ عبد الوهاب همت

    اخي/ امجد ..

    اعلم ان حزنكما على الخاتم , لهو كبير .. نوع من ذلك الحزن الشقي , الخاص . المحاصر بالصمت والاشواق . ولا املك سوى ان اقول لكما : كيف يموت ميلاد وجيل - وكل العزاء لنا جميعا . فالرجل مضي كما يليق بالفرسان النبلاء , متعاليا على الالم , كما كان يفعل دائما في مجابهة الجراحات عميقة الغور , وما اكثرها . مضت روح الخاتم , تحلق , كما يحلق باشق في سماء بعيدة , وهو ينشر جناحيه , لتظلان ارض البلاد الكبيرة , في هذه المرحلة الدقيقة التى تمر بها , في تاريخها , الذي لا يخلو من غموض والتباس . يسألها على ضوء " نيفاشا " انجاز عهد التغيير , الى الافضل . الى معنى الكرامة الانسانية . التغيير الذي ظل ينشده دائما ...

    رحل الخاتم عدلان , في هذا الشهر المجيد , شهر ابريل المجيد بكل ما يحمل من دلالات نهوض جماهيري , ومعلم معنوي بارز في تاريخ شعبنا . كأن القدر قد اختاره للرحيل , طي هذه الدلالات والمعاني العميقة , في هذا الشهر الذي يرتبط مضمونه بفحوى المشروع الجماهيري , الذي ظل يطرحه وينافح عنه حتى الرمق الاخير . كمخرج لازمة بلادنا .. رحل الخاتم عدلان اذا في ابريل مؤكدا على " مأساة النرجس وملهاة الفضة " : (جبل على بحر ,

    وساحل للانبياء ..

    وشارع لروائح الليمون , لم تصب البلاد باى سوء ..

    هبت رياح الخيل , والهكسوس هبوا , والتتار مقنعين ,

    وسافرين . وخلدوا اسماؤهم بالرمح او بالمنجنيق .. وسافروا ..

    لم يحرمو "ابريل" من عاداته: يلد الزهور من الصخور ,

    ولزهرة الليمون اجراس . ولم يصب التراب بأي سؤ .

    اى سؤ , اي سؤ بعدهم , والارض تورث كاللغة , هبت رياح الخيل ,

    وانبثق الشعير من الشعير .

    عادوا لانهم ارادوا واستعادوا النار في ناياتهم , فاتى البعيد ..

    من البعيد , مضرجا بثيابهم وهشاشة البلور , وارتفع النشيد ..

    على المسافة والغياب . باى اسلحة تصد الروح عن تحليقها ؟!..

    في كل منفى من منافيهم بلاد , لم يصبها اى سؤ ..

    صنعوا خرافتهم كما شاءوا , وشادوا للحصى الق الطيور .. وكلما

    مروا بنهر ... مزقوه واحرقوه من الحنين .. وكلما - مروا بسوسنة بكوا

    وتساءلوا : هل نحن شعب ام نبيذ للقرابين الجديدة ؟- محمود درويش )...

    رحل الخاتم عدلان كنجم ساطع , يلقي بضياءه البعيد , هاديا من خلفه في المسيرة . استمرار العهد لاجل حياة افضل , لكل الناس . . في ذروة الصمت والاختباء , في الاوكار السرية تحت الارض , , في فترات " النضال السري " , ابى الرجل الا ان يعلن عن نفسه , رافضا ان يكون كالسوس او الارضة , سمة الابنية العتيقة والاساليب القديمة , صارخا في هذا الصمت , باستنتاجاته النظرية , في تغيير واقع شعبنا . ومضى تحاصره الهواجس والظنون , من مدمنى الهتاف , وعاشقي الرجم بالغيب , احفاد السحرة والمنجمين القدامى والجدد. مضى محاصرا بالعوائق , تتناهبه السهام , وتنتاشه العقبات . ولم يتوقف ابدا . فقد كان البحر امامه , والعدو من خلفه . ولا سبيل سوى التزود بالنضال النبيل . فهكذا عاش , وهكذا مضى , وهكذا رحل . وفي نفسه شىء مما قاله حميد " ملعون الحزب , اللم سلاحو وخيلوا تناهد .." ..

    انها حال الغرباء , فطوبى للغرباء !. اينما حلو , يظلون ملحا للمكان , ومتى غادروا تظل رائحة المسك فيهم تضوع في الفضاءات التى برحابتهم .. طوبى لهم ..

    في نقده لقوى السودان القديم , فتح الخاتم الوعي على عوالم تتشابك .. تأتلف او تتصارع .. تتلاقى او تتناثر .. تتنامي كفنتازيا ناهضة في الخيال , اكثر من كونها واقعا ملموسا ظل شعبنا يعيشه بكل مراراته وفداحته , لكنها للاسف فداحة واقع ومرارات معاشة , حية , تمشي بيننا , كانها تخرج من اطار المعنى , الى اطار المادة الملموسة , في اجساد الناس ووجوههم التى اختطت الفجيعة والبؤس , ولكنهم يحلمون , ولن يكفوا عن الحلم , بواقع افضل يستهله السلام . فهكذا كان الخاتم وسيظل في هذه الوجوه شيئا من أحلام كبيرة , عبر عنها لتتحقق ذات يوم , دون شك , باصرار الناس / الخاتم .. وارادة الناس / الخاتم ..فالخاتم ظل ضميرا جمعيا في خطواته اكثر من كونه فردا ..

    وبادراكه لهذه الفنتازيا العجيبة التى ظل يعيشها شهب البلاد الكبيرة منذ 1956 حتى الان , وتحاصره لتحدد خطاه , حاجبة عنه ضؤ الشمس , ممسكة بتلابيب شروعه الى الغد , رغم انفه , ومع سبق الاصرار والترصد , بهذا الادراك تبدى نقده لهذه " الحالة " / " الظاهرة " الغريبة , الطارئة على التاريخ الانساني , تبدى عن خارطة لطريق جديد . , قوامه روح الاخاء , التسامح , وقيم المحبة والسلام . .. كل ذلك على قاعدة التنمية , والمواطنة . ومضى بهذا الشروع الجديد , يحاول اتقاء ضربات شبكات المصالح , في عالم قديم كقواه السياسية . يتهالك . ويتهاوى ...

    ومع بواكير اكتمال مشروعه " حركة القوى الجديدة الديموقراطية / حق " , بدات خطورة هذا العالم المتهاوي , واضحة للعيان , ولا تخفي على ذي بصيرة . هذا العالم الاخطوبوطي , الناهض في " الشراكات الذكية المزعومة " وشبكات المصالح المتقاطعة والمتوازية والمتهاوية .. هذا العالم المنهار الذي وصفه بانه كبيارة السوكي , ولكن ثمة وجود لما يشبه ثمرة المانجو , ففي تاكلها وتعفنها , تنبت شجرة المانجو , سامقة ..ومن كل التمزقات الكبيرة تولد المشاريع الحقيقية التى يفيد الناس من تجربة التمزقات التي سبقتها ..اذن كان الرجل نافذ الرؤي والرؤيا , وهو يتفقد تاريخ ومواجد ومواجع البلاد الكبيرة ..

    اننا لم نفقد سياسيا عاديا اشقاه حبه لبلاده , فحسب . بل فقدنا ايضا مفكرا سياسيا نبيلا , في زمن عقيم , هيمن عليه حراس النوايا , وملاك الحقيقة المطلقة , من عقائديى اليسار واليمين الكهنوتي , والمزعومين تحت لافتات الاكاديميين والمجتمع المدني ..مفكر ظل يرمي بالقفاز على وجه الاحكام المسبقة , والقوالب الجامدة , ويمتلك قدرة مدهشة في ترتيب الوقائع والاحداث , وصولا الى النتائج انطلاقا من مقدمات واضحة , ليمنحنا ومضات من مشروع نبيل ..

    لكن لم يرحل كنبي طريد , بل كطيف , يبقى في الاخرين الذين امنوا معه بضرورة التغيير الى الافضل . ما يخفف حدة الحزن داخلهم , ويجعل للاستمرار معنى . فالخاتم حياة مستمرة في اسرته الصغيرة , وعائلته الممتدة , واصدقاءه وقراءه , وكل الاحباب . فالميلاد لا يموت , والجيل لا يموت , والنجوم الكبيرة , مها غاصت في اعماق السما , يظل بريقها على السهوب , يضىء مشرعا الدروب والمسالك لفتح المدارك والوعي ..

    ولذلك كانت اسئلة الوجود الكبرى هي ما يشغل بال الخاتم , في خاتمة المطاف , اسئلة الموت والحياة والمصير الانساني .. والبقاء حيا في الاخرين ..

    الى جنات الخلد الخاتم عدلان

    وليكتب الله لاسرتك الصبر والسوان

    ولكل احبابك حسن العزاء .

    احمد محمد ضحية


    -----------------------------------------------------------------------------------------------

    دكتور آدم بقادي
    رثائية .. هذه كلمات للحزن والفرح والخاتم والوطن


    كان الخاتم بسيطا كالحقيقة، كان مدركا كالعارف، كان عطوفا ورقيقا كمن عرف معاناة الانسان .. هل نفرح لأنه عاش بيننا، ؟ أم نحزن لأننا فقدناه فى هذا المنعطف الخطير من تاريخ الوطن .. لو كان فى وطنى حزمة من أمثال الخاتم لكان الوطن فى مصاف الدول الكبرى .. كان متجردا، وكان مدركا وكان شجاعا، عاش ومات فقيرا الا من دريهمات عمل لها ساعات الليل والنهار .. لكنه مات غنيا بمحبة من عرفوه قبل أصدقائه وأهله .. من الصغار قبل الكبار، فقد كان رحبا كالوطن، وكريما كالعطاء ...

    هل نحزن لفقد الخاتم، أم نفرح لاقامته بيننا فى القلب والخاطر والذاكرة .. وفى الوطن الذى يحاول النهوض من جراحاته، وفى الكلمات والمواقف التى سجلّها بمعاناته لأجيال قادمة تتطلّع للحقيقة والمعرفة ..

    عندما نتحدث عن الراحل المقيم فنحن نصف الخاتم، فقد كانت حياته رمزا ومثلآ ومعنى، ولعل أروع ما قدمه كانت حياته السهلة الممتنعة .. ما كان يتحاشى الحقيقة حتى لو كانت عليه، كان منصفا وكان جسورا، وما كان يكابر أو يجادل ليسجل نصرا على حساب الحقيقة كما يفعل الكثيرون من ساستنا و‘مثقفينا‘، ممن أدمنوا مغالطة الواقع وتزويره ... ولعلها لم تكن مصادفة أن وجدت حركة حق نفسها مهاجمة من الحكومة والمعارضة معا .. لأن من يتوخى الحقيقة سيقف وحيدا، يعيش ويموت وحيدا – لأن عشق الحقيقة والتواؤم مع الذات لايتمشى مع النفاق، مجافاة الواقع والمتاجرة بالدين .

    كان الخاتم رفيق درب منذ أيام جامعة الخرطوم فى الستينات والسبعينات من القرن الماضى، وما أجمل الرفقة والرفاقية .. كان ماركسيا لا يشق له غبار، وكانت مساهماته حول تطبيق الماركسية على الواقع السودانى متفردة مما اثرى الواقع والنظرية.

    كان الخاتم منذ تلك الأيام البعيدة، القريبة أيام التكوين فى جامعة الخرطوم والجبهة الديمقراطية، عميق وبعيد الرؤيا، كان يختلف ولا يخالف أو يعادى. وقد أدت ثقافته المتقدمة الى العمل على تكوين حركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق) التى صارت ملاذا لكثير من الحادبين والمهتمين بشئون الوطن، الديمقراطية وحقوق الانسان. والتى نتوقع لها مساهمة كبيرة فى اثراء العمل السياسى وترشيده فى مقبل الايام.

    كان الخاتم وحتى آخر أنفاسه يعمل على تغيير نفسه وتطويرها باستمرار، متوائما مع ذاته، صوفى النزعة (وليس متصوفا) .... لقد ترك لنا ارثا لو تبصرناه، سيكون لنا زادا لسنوات طويلة قادمة ورؤى ستضىء مقبلات الأيام فى مسيرة الوطن صوب الديمقراطية.

    دعونا أيها الأحبة نحتفى ونحتفل بحياة الخاتم، ففيها الكثير الذى يستحق الاحتفاء والاحتفال، وفيها عطاء بلا ضفاف من اجل سودان جديد....

    أما الحزن فهو توأم الفرح الذى لا يستقيم بدونه .. وحزنى الشخصى أنى لا أستطيع أن أرفع سماعة الهاتف ‘لأتونس‘ مع الخاتم .. ألا ما أقسى الزمن والحياة والاشياء ... وقلبى، كل قلبى مع تيسير، حسام وأحمد وكل من أحب الخاتم وأدركه .. وعزائى للوطن الذى فقد أندر وأعزّ ابنائه المخلصين....

    آدم بقادى

    24 أبريل ‏2005‏

    الساعة الثالثة صباحا

    مانشستر بريطانيا


    --------------------------------------------------------------------------------------

    عفيف إسماعيل
    في رحيل الخاتم .. انٌه علي حق.... عفيف اسماعيل


    "ماذا لو عرفت ما كنت تعرفه مرة اخري"
    ألبير كامو

    تيار:

    برغم ما يوفره الحزب الشيوعي السوداني لكل كادره العامل به من تأهيل وإكتساب مهارات إضافية، وتنمية القدرات وتطويرها عبر دورات تدربية شاقة تاخذ أشكال مختلفة ومتعددة، علي حسب الحقل المحدد للكادر المعين. ظلت جبهة العمل الفكري من أشد الحقول وعورة، ولا يستطيع الوصول إليها والاستمرار فيها الا من له الذهنية النوعية التي تؤهله، من أوليات شروطها، مرونة التفكير وصرامته المنهجية في نفس الوقت، والقدرة علي التنظّم والتنظيم،والتفكر والتفكير،والابتداع والإبداع،والتخييل والخيال، والتجريب ، والتجريد بالخروج عن هذا الواقع المحدد ومن ثمة العودة إليه مرة اخري بكل أسباب الإلتصاق الإيجابي التي تفيد تفاعله، وتزيد من قوة الدفع الحركية نحو التقدم، ورسم أُطر نظرية تفيد دوران تلك العجلة إلي صيرورتها.

    خاض الخاتم عدلان في هذا الحقل الشائك باكراَ، لا يسنده غير ذكاء وقاد ينمو يوماً بعد يوم، كأنه مسافر في الزمن بمركبة تتوافر فيها كل قدرات الإستبصار العلمية المحفزة علي ضخ الجديد في عروق ومفاصل الافكار لتلاقح مع الواقع المعقد، تفعل فعلها خلف الأشياء، وتسنده تلك الريفية التي تنز من كل مسامه وملامحه، وقد وظفها فى فنون الأختفاء تحت الأرض دائما في سنوات الكرب الدكتاتوري المتلاحقة.
    ظل يرتقي خطوة بخطوة في السلم الحزبي، مخلفاً في كل مجال يعمل به بصمتة الثاقبة التي يراها حتي الأعمي.


    من دكتاتورية
    إلي
    آخري
    يتكاثر العميان بينا ولا نراهم،
    كأننا هم!

    وتمضي السنوات،، وتختل البوصلة بعد إنهيار التجربة التطبيقية في شرق اوروبا، ويقع العبء الأكبر علي عقول العاملين في الحقل الفكري للحزب الشيوعي السوداني، معظمهم ركنوا إلي السهولة ومشتقاتها، وغرقوا في تلك التفسيرية التبريرية التي لا تغوص إلي عمق أبداً، فقط تستكشف الظواهر وتحللها ولا تسنبط حلول لهذا السونامي الأممي المفجع، الذي طالت تداعياته حتي شقوق البحر الأحمر ففتك بالصبية عدن، واديس ابابا المشرقة برغم ضبابية سماواتها. وظل الحزب منهكاً من طعن وإستهداف دكتاتورية الجبهة القومية الاسلاموية يقاتل بعناد جريح لا فرق بين لون دماؤه ورايته، قلة من كانوا يعملون في الجبهة الفكرية ثابروا بدأب نميل يخطط كيف سوف يقضي الشتاء القادم الطويل!! وحاولوا ما استطاعوا تحويل التراب إلي تبر. في طليعتهم كان الخاتم عدلان، يطلق مساهماته في أدب الحزب الداخلي برنينها الخافت الذي يخصها، واطروحتها الثاقبة، وتفكيرها الأنيق الذي يليق بحدة المازق، ومنعطفة الشديد الانزلاق، ومنطقها البارد الذي يحدد مكامن الوجع ويقترح الحلول، التي تعالج مصهور الواقع البركاني ويتفاعل معها
    إلي
    ..
    ..
    آن آوان التغيير!!
    تلك المساهمة التي كانت اشبه بمن يرمي جبلاً في بئر، حركت سكون أوجاع مزمنة اخفتها مسكنات التبرير طويلاً، وصارت مثل ضرس فاسد نتقي آلامه بمضادات بدائية. تلك المساهمة المعرفية المستنيرة المستبصرة، اشعلت الجدل في كل اروقة الحزب عكس ما يريد له أباطرة الجمود، والحلول المستهلكة،خلخلت يقينية الماركسيين الإيمانيين، وفضحت زيف المتشدقين بإحترام الإختلاف وهم سوسه المستتر الذي ينخر في عظمة صراع الإفكار.
    عبر الخاتم عدلان إلي حيث اختار، متسلحاً بتاريخ نضالي انضجته التجارب، والجهد المعرفي المثابر، وإتساق وجداني مع طموحاته المشروعة من أجل تسيير قافلة الشعب السوداني بدون حادي ضليل، يدمن التكرار والفشل، ويتستر وراء غيوم الغبار الكثيف، ولا ير فئ الواحة، ويرمي بشعبه في العراء القاحل. من خلال تأسيسة لحركة القوي الجديدة واصل نضال المستمر، وسدد سهامة الفكرية في وجه الهوس الديني ودولته الفاجرة.
    وفي أروقة الحزب خرج المارد من القمم، ولا سبيل لإرجاعة مرة اخري إلا بالتحايل والإمتصاص التدريجي، ودارت الحوارات المستفيضة، بعضها كل مجسات للعضوية أكثر من حرية التفاكر وديمقراطيته في راهن عاصف، وكنت من خلالها أتشكك وأتسأل أكثر مما اجيب واقول:
    * في نشاطنا الطوعي من جاءنا طوعاً ، طوعاً يذهب. كما جاء.
    * هل نحن اوصايا علي هذا الشعب العظيم، كي نقرر بالإنابة عنه من هو الأصلح له؟ وحده هو الفصيل الأمين.
    * الخاتم عدلان بكل خبراته الفكرية هو اول من يعي بأن الاحزاب تنبت بالرغبات الذاتية،بضرورات موضوعية تنتجها حوجة واقعها لها،
    هل مازالت السياسة السودانية تحتاج للحزب يشغل منطقة الوسط الخالي؟. *
    * ثم، هل يخلع الخاتم عدلان جلده مثلما خلع قميصنا الحزبي الذي صار ضيقاً عليه؟
    أم يتواصل حلمة كإنسان بالعدالة الاجتماعية والتقدم، واحترام حقوق الإنسان. ويناضل ضد كافة أشكال الدكتاتورية.
    * أري برغم الخسران العظيم لكادر مثله، المستفيد الأول من خروج الخاتم عدلان هو الحزب الشيوعي السوداني نفسة ، ففي وسط عضويتنا التي هي نتاج طبيعي لملامح واقعنا السوداني، بكل أرثه والغث والطيب، فقد آن الآوان كي يجد الضجرون، او القلقون، ، او هواة طئ المراحل، او الذين صارت قدراتهم أكبر من طموحات الحزب الشيوعي السوداني، او الذي يؤمنون بذاتهم وحوصلت فوضي تصنيف الكادر قدراتهم اللا محدودة، الباب صار مشرعاً لهم بشرعية خروج هذا القائد العظيم للخروج معه، او في أي دروب يختارونها توصل إلي رفاة الشعب السوداني، والمسير به في دروب التقدم من زواية لانراها، ولا ندعي معرفتها كالمنجمون، وكلهم مهما تشتت بهم السبل هم أقرب إلينا من كل أحزاب اليمين وتكتيكاتها المرحلية معنا لمستقبل الوطن، هم زاد للتائه بين طرح الحزب الشيوعي السوداني وتاريخه المثقل بتركة الدعاية المضادة منذ ميلاده، وبين احزاب أخري لها رؤية تختلف عن زوايانا الحادة، وايسر لجيل من الناهضين من ارث البطولة والتقدم، ويصعب عليهم ولوج اروقة الحزب، بالبحث عن أوعية تحمل الملامح الجينية والخواص المشتركة للزود عن مكتسبات الشعب وحقوقه،يكفينا فقط ان تتجه الاجيال القادمة نحو فكرة التنظيم في كافة أحزاب التقدم، فالاحلاف للمجموعات ذات الخواص المتشابهه هي بذرة الغد في عالم اليوم.
    * نعم، لينين يقول "حين يسقط الشيوعي يسقط عمودياً" لكن هذا القول لا ينطبق علي الذين خرجوا قبل ان يسقطوا! الساقطون عموديا كثر وهم لا يدرون! فالساقطون عمودياً لا محال هم عبدة النصوص والاصنام التاريخية، الخاملون، العاطلون فكرياً، الإيمانيون، المتقاعسون ، المتبرمون، والذين يسندهم سنام تاريخي،المبتكرون لفنون التبرير. من أين جاء كل هولاء إلي حزبنا؟؟؟؟؟؟؟؟!! هم طليعة ابناء هذه التربة السودانية المسمومة بكل المتناقضات التي تنبت سنابل القمح تجاور العوسج، وعبر مسيرة طويلة للتخلص من كل الإرث السالب لتربية ملكاتهم، قد تستغرق عند البعض طوال عمره الحزبي وهم لا يدرون.
    * آن الآوان ان نتحدث عن سهم "المركزية الديمقراطية" الضاغط دائما إلي الأسفل كي يعود إلي حركته الطبيعية من اسفل إلي اعلي صعوداً وهبوطاً من غير من إختلال وتجاوز، ونصيرها "مركزية الديمقراطية"
    * دعوا القمح ينمو ، والناس تختار.
    بالمقابل
    كان الأصدقاء في "حق" من رفاق الأمس يجددون دعوتهم لي بآوان الرحيل من هناك، احترم مشروعية دعوتهم واقول لهم دائماً:
    فليكن بيننا اللإختلاف والأحترام، ودروب التقدم التي تحتاج لجهود غير متناحرة، فانتم علي حق، ونحن نظن ذلك ايضاً. وخير لكم ان تبعدوا من التجنيد من عضوية الحزب الشيوعي السوداني، لآن ما به من آفات ونقائص قد تجرثم مولودكم الرضيع الذي بدأ ينمي مناعته.اذهبوا حيث ما شئتم فلن تضلوا دروب الشعب ،ففيكم الخاتم.
    موج أخضر:

    في تلك الأيام الخضراء من الديمقراطية الثالثة،
    تم تكليفي من قبل دار التحالف الديمقراطي بالحصاحيصا للاتصال بـ الخاتم عدلان للتنسيق لندوة في ذكري ثورة أكتوبر الأخضر ضمن اسبوع ثقافي. فذهبت إلية قبل ثلاثة اسابيع من الموعد المحدد بدار الوسيلة، أخرج مفكرتة ودون عليها الموعد، وكنت قد إقترحت عليهم ان نذهب الساعة الحادية عشر صباحاً، كي يجد متسعاً من الزمن للراحة من رهق السفر بين مدينتين.
    وكنت هناك بعد ثلاثة اسابيع،
    وجدت مذكرة منه تفيد لظروف طارئة تخص عمله تم تأجيل موعد تحركنا إلي الحصاحيصا إلي الساعة الثالثة بعد الظهر. عندما إتصلت بالزميل" حسن وراق" الذي كان يعمل بوزارة التجارة قبل ان يطاله الصالح العام بعد إنقلاب الجبهة القومية الإسلاموية في 30 يونيو1989م، وهو من اصدقاء الخاتم عدلان جمعت بينهم سنوات طويلة من الإعتقالات في زمان دكتاتورية المشير الأمام جعفر نميري(69-1985)، وبينهم ايضاً الكثير من الملامح الذهنية، التي جعلت حسن وراق ضمن زملاء أخرين أبرزهم شقيقه المربي الجليل فاروق وراق وجعفر عبد الرازق بخيت، وعبد الكريم عبد النور، وفاروق أحمد ..و..و,..و..و..و...و...و وآخرين لم يحن آوان ان نذكر اسماءهم بعد، من ذوي السيرة ذات الاستقامة الوجدانية، والتي تحمل من المعاني الانسانية كل ما هو نبيل، كانت نضالاتهم وتجردهم وغيريتهم معبراً لجيل كامل من ابناء الحصاحيصا لعضوية الحزب الشيوعي السوداني.
    اخبرت حسن وراق بهذا التأجيل، فوجدت إنه يعرفه من الخاتم عدلان نفسه وبينهم نتسيق ان نذهب معاً في الساعة الثالثة.

    ثلاثتنا أجتزنا عنق الزجاجة بخروجنا إلي شوارع "الخرطوم 2" إلتفت الخاتم عدلان إلي وقال:
    - شكلك، يقول بانك يمكن ان تموت من الجوع قبل ان نصل الحصاحيصا.تذكرت حينها إنني لم اتناول غير الافطار الباكر قبل مغادرتي لمدينتي صباحاً، وطيلة مابعد منتصف النهار لم اشرب غير كوب عصير "العرديب" المثلج بالمحطة الأوسطي بـ "الخرطوم بحري".
    خلال وجبة الغداء سألني عن تصنيف الحضور المتوقع عن نسبة النساء، الشباب، والشيوخ فيه، وعدده، وعن موضوعات التي تحدثت فيها الكوادر المركزية التي زات المدينة من قبله، لخصت له قبل أن ننتهي من وجبة الغداء شفاهة كل ما سأل عنه.

    بين مطبات طريق مدني- الخرطوم الشهير بـ"طريق الموت" كنا نتناول موضوعات عن أسماء القري والمدن بالجزيرة "حسن وراق" بحسه الفكهة كان يضيف معلومات طريفة عن كل أسم نتذكره، لم ادر حتي اللحظة هل هي حقيقة أم محض سخرية "آل وراق" وقدرتهم الفورية علي خلق النكتة والتعليقات الساخرة في كل المواقف، التي اشتهروا بها في الحصاحيصا، ثم عرج بنا الحديث عن إتحاد الشباب السوداني، الذي كان هو حقل عملي الفعلي واشغل فيه منصب سكرتير منطقة شمال الجزيرة، وعضوية اللجنة التفيذية علي مستوي السودان، نقلت له تلخيص لتفاصيل برامجنا لثلاثة شهور قادمات، ابرز ملامحها تنظيم مناشط تهتم بالفنون والرياضة، مثل تنس الطاولة، والكرة الطائرة،وبعث بعض الاشكال الرياضة المندثرة ذات الطابع الجماهير، ولها جذور في تاريخ المنطقة، ودورات للشطرنج، ورحلات تبادلية للمناشط تطوف كل قري المنطقة، بجانب البناء الفكري للعضوية عبر اكثر من وسيلة تخص هذه الفئة من المرحلة العمرية، ثم نقلت ملاحظاتي عن فقر جريدة الشبيبة لسان حال إتحاد الشباب السوداني، التي كان يرأس تحريرها في ذلك الوقت، وعن ضعف الموضوعات الجاذبة للشباب في هذه المرحلة العمرية، وجفافها الأكاديمي،وإنها نسخة مستنسخة من "الميدان" .تحدث هو عن شعار المؤتمر الأخير "نحو حركة شبابية غنية المحتوي، ومتعددة المنابر" كيف نحول هذا الشعار الشامل لبرامج عمل يومي مبتكر جاذب يلبي إحتياجات الشباب الحقيقية، وليس القفز بهم إلي أفق اوسع من خطوتهم لآن ذلك سوف يعود آجلاً بنتائج عكسية، وان لا ننظر فقط لإتحاد الشباب السوداني كإحتياطي نضالي للحزب الشيوعي السوداني، وحينها بالتأكيد سوف تنال جريدة الشبيبة بعض التحسن الملموس في طرحها اليومي.وروي حسن وراق جزء من بعض الطرف حول عمله في إتحاد الشباب السوداني، وملاحظاته علي الشبيبة الروسية(الكومسمول) حيث درس، وتفريخهم بشكل شائه وآلي لا ينتمي الى نموذج الدولة المنوط بها الريادة، وحضوره مهرجانات إتحاد الشباب العالمي "وفدي" وكيف عاصر هناك بعض التجارب البسيطة المعبرة، وحكي كمثال عن الوفد الممثل لإتحاد الشباب المصري، في احدي المهرجانات بكوبا الذين كانوا خططهم الأولية لعرض قضاياهم بأوارق تفصيلة مترجمة لعدة لغات، إلا انهم تخلوا عن كل بياناتهم حين ما اهتدوا لفكرة بسيطة معبرة عن معاناة شعبهم فقد قاموا برسم لوحة كبيرة "للسادات" بكل نيشاناته الحربية التي تزين حلته الزرقاء وجاءوا بأكبر برميل للقمامة في مكان المهرجان ووضعوها في الطريق المؤدي للقاعات والسكن في أن واحد،فصار كل المارة من الرفاق وضيوف المؤتمر يفضلون التخلص من مخلفاتهم في مزبلة "السادات"!!

    ثم تحول الحوار بعض ذلك إلي مناظرة بينهما حول الاوضاع الإقتصادية بعد الخروج المتعثر للبلاد من أعوام المجاعة،وشبح الحرب المسيطر الذي يجعل كل محاولة بناء هي خراب بشكل آخر في غياب التخطيط الإقتصادي السليم، وكان حسن وراق بموسوعيته الرقيمة وقدارته المذهلة علي الاستنباط يحدد مكامن الخلل وطرائق الخروج، وكأن الخاتم عدلان لايتفق معه كثيراً فيما ذهب إليه، فقط كل فترة واخري يسأله عن أحصائية رقمية يحفظها حسن وراق كانه يقرا من تقرير أمامه، وفجاة وجدنا أنفسنا امام مصنع الغزل و النسيج بوابة مدينة الحصاحيصا الشمالية، تبقي من الزمان المعلن للندوة ساعة ونصف، عندما اقترح حسن وراق ان يذهب الخاتم عدلان معه، لم أعترض، ظننت بينهم تفاصيل يريدان أن يكملاها معاً ، وسريعاً حسمت أمري بان هذا أفيد لكل الأطراف، وذهبت إلي دار التحالف، لاح القلق المبين علي أفراد مجموعة الحماية وسألني الزميل "........" أين الخاتم عدلان؟
    اخبرتهم بمكانه، فهرعوا مسرعين إلي هناك حانقين، وكنت أعلم ما ينتظرني من تقريع بعد يومين في الاجتماع الحزبي، حول التفريط والتساهل والإستهتار في "حماية" زميل مركزي.
    وكانت الندوة
    جموع غفيرة أكبر من توقعنا لها أتت لتستمع لهذا الرجل الساطع الأفكار، والجدل، وله سهولة تخصه في طرح اعقد القضايا بساطة وتحليلها، وكنت أكثرهم إستمتاعاً عندما إستعرض الخاتم عدلان تفاصيل الوضع الإقتصادي، وكان قد تخل عن كل ما كان يطرحه من إعتراضات علي رؤية حسن وراق ويردد كل فقرات كلامه بطرايفها وإحصائيتها الدقيقة، فادركت بان الرجل وهو يقود العربة، يقفز من مطب إلي مطب في شارع الموت ، كان ذهنية يعمل علي تنقية المعلومات وسط مرشحات للتصفية الدقيقة تخص ذهنه المتوقد الذي ينحاز إلي الرؤية السليمة عندما يستوثق من صحتها، ويترك بغير إعتداد ما كان يفكر فيه، وكل ما كان يدور اثناء طريقنا من الخرطوم إلي الحصاحيصا لم يكن للإستهلاك الوقت، بل كانت حصيلة تلك النقاشات موضوعات الندوة المثمرة وأكثرها حيوية.

    ومضت الأيام الخضراء بعد هطول الجراد الإسلاموي
    في سبتمبر من عام 1995
    كنت هناك في زنزانة ضيقة مع مجموعة من شرفاء بلادي،من الشيوعيين والديمقراطيين، ، عبد الكريم عبد النور، معروف علي أحمد، أزهري محمد علي، عبد الوهاب محمد صالح، المحبوب محمد الأمين، زروق الناجي، عبد الوهاب إبراهيم هنداوي، شقيقي الأكبر عاكف إسماعيل، وحسن وراق، بعد أن ضاقت بنا زنازين مشروع الجزيرة التي كانت اصلاً مخازن للبترول، والمواد السمية الكيماوية الحافظة للبذور قبل حلجها، تم ترحيلنا ليلاً إلي مدينة "تنبول" بشرق السودان،وغسل هواء"البطانة" الرطيب ما علق بالرئات من سموم تبقت فقط سمفونية السعال الجماعي التي كان يثيرها غبار العربة المكشوفة في طرقات غير
    معبدة.

    هكذا
    وجدنا انفسنا معتقلون في مخزن يخص الوحدة العسكرية لمكافحة التهريب بشرق السودان، حاولنا ان نجد لإنفسنا موضعاً بين جولات الفحم، والبصل، وبقايا ادوات مكتبية، واشياء كثيرة تعلن رائحتها عن إنتهاء صلاحيتها، إرتجلنا مواضع تكفي لجلوسنا بين هوام الأرض، والفيران المذعورة من هؤلاء الغرباء الذين يقلقون ليلها، وكان حسن وراق يطلق دعابته التي تخفف من وطء اللحظات المزرية عندما كان يصر علي مخاطبة الجميع بالقابهم العلمية والعميلة، وهو يوزع علي كل منا مكانه داخل الزنزانة، وتطال دعاباته حتي تلك الطريقة للتعذيب، التي كان يتم بها حجزي ليلاً في الايام الأولي، وهو عبارة عن دولاب حديدي بطول متر وثمانين سنتمتر، وعرض متراً واحداً وسمك لا يتجاوز خمسة وعشرين سنتمتر، كان ظهر الدولاب مغطى بحديد مصفح، واجهته الأمامية بقضبان ضيقة الفتحات،عندما كان يسألني كل يوم بعد مغيب الشمس
    - من سيكون رفيقك اليوم في "معروضات البطانة"!!
    أو
    - أحكي لنا مسلسل اليوم سريعاً قبل عرضك في" معروضات البطانة"، وكان يشير هنا إلي تلك الحكايات التي كنت أحكيها لهم لكسر الرتابة والإبتعاد ذهنياً عن إختناق الزنزانة، ولرفع الروح المعنوية، وذلك الدرس تعلمته مباشرة من حسن وراق في إعتقال سابق في أحد البيوت اللعينة بالمدينة، كنت قد بدأت الحكايات بإثناء عشر قصة قصيرة لماركيز بعد مغيب الشمس مباشرة يومياً ،في ذاك الوقت الحميم والمفضل لإجتماع الاسرة السودانية والتحلق حول حلقات المسلسل المصري، قبل إنتشار الاطباق الفضائية حتي علي سقوف البيوت الطينية، وقد عبر شاعر الشعب محجوب شريف عن هذا الوقت وخصوصيته للاسرة السودانية حين كتب:


    "اسمعنا ياليل السجون
    نحن بنحب شاي الصباح والمغربية مع الولاد
    والزوجة والأم الحنون
    والاصدقاء
    إلي اللقاء
    واللمة عند الامسيات
    والتكية جنب الاغنيات
    والقدله في السوق الكبير"

    وبعد ان توقفت الحملات التعذيب الليلة، وذات مساء، بعد أن قصصت عليهم "جئت كي اتصل بالتلفون" لماركيز ضحك شقيقي عاكف كثيراً وهو يهمس " هل اعدت كتابة هذه القصة مرة اخري بعد ماركيز" ضحكت لملاحظه الذكية، فهو الوحيد بينهم الذي قراء هذا الكتاب، فقد وجدتني أحكي مشروع سناريو مسرحي لنفس النص القصصي، قطع كتابته هذا الاعتقال.ثم تفرعت بنا الأحاديث والذكريات لأيام الفرقة المسرحية للجنة إتحاد الشباب السوداني بـ المايقوما واركويت وقد كان عاكف ممثلها الأول، ثم استرجعنا كل الانشطة الثقافية والسياسية في تلك الإيام الخضراء بالمدينة، فتذكرت سؤال مؤجل منذ سنوات، سألت حسن وراق عن تلك الامسية التي عطر الخاتم عدلان فيها مساء مدينتنا، وسألته تحديداً هل قام الخاتم عدلان بتدوين الاحصائية وبعض المعلومات الرقمية منك مرة اخري بعد ان افترقنا؟
    فأجاب حسن وراق بعد حدق بعيداً:
    - أبداً، بل تحدثنا في أشياء اخري لا علاقة لها بهذا الموضوع إطلاقاً، ثم بعد فترة صمت قال بصوت محزون، الخاتم عدلان عقلية فذة، له ذاكرة فوتورقمية مزدوجة،شديدة الحساسية لإلتقاط كل ما يهم الشعب السوداني!

    في الضفة الأخري:
    في المابين
    في فضاء منسوج من الفضة واللمعان الكثيف، في وسطه الوهاج كانت تطير فقاعة بلورية بحجم الكرة الأرضية والكواكب المجاورة لها، لونها يشف في أخر درجات الأخضر رهافة ، كأنها وحدة مصقولة في لوحة تشكيلي لا يؤمن بالسميترية ويجيد التنقيط الإنطباعي بالالوان المائية، في وسطها بالضبط في مكان يشبه جزيرة "توتي" ما قبل الخليقة كانوا هناك يتحلقون، دائرة من السمر الأبرار الميامين، عندما اقتربت اجنحة الخاتم عدلان البيضاء أكثر، إستبان صوت مالوف لديه يأتي من كل الاتجاهات، ينشد في تمازج متماهي مجتزاءت نصوص للأمام الشافعي وأبن عربي وحسن بيومي وكمال الجزولي:


    "غني عن الناس بلا مال
    وليس الغني إلا عن الشي لا به..
    لو عرفنا سبيلاً إلي الفراق
    لأذقنا الفراق طعم الفراق..
    تعالوا ايها الفقراء
    طارت بالنبا الريح
    والحق، الحق، أقول.."



    ابتسم الخاتم عدلان، وهو يري قامة مصطفي سيد احمد تشمح بزهوها الفاتن، وهو يغني بمصاحبة اوكسترا من العصافير النورية التي ترتدي قوس قزح وتعشش في شعره، وكتفيه وبين يديه ، وتشاركة العزف بإنسجام ينتمي إلي تلك الحظة.
    لحظة
    بلحظة
    تذكر ثواني العيد الاربعين للحزب الشيوعي السوداني، وعندما رفع راسه إلي أعلي، شاهد ما كان يفكر فيه معروضاً علي شريط سينمائي فوقه مباشرة. أمسكه مصطفي سيد احمد من كتفه الأيسر وقال له:
    - من فينا مصطفي الآن، من أين لك بتلك اليقينية المفرطة يا خاتم؟ وانت تختتم إحتفالات العيد الأربعين وتودع الجموع الوضيئة قائلاً لهم :
    - إلي اللقاء في العيد الخمسين!!!!

    عند أتم هبوطة الأخير إلي أعلي ، بهر عينيه سطوع إبتسامة محمود محمد طه الطيبة المتسامحة، فمثل بين يديه وقال له:
    - اعذرني يا ابتاه، لقد قارعت دولة الهوس الديني بعلمانيتي النبيه، لكنه الجسد تخلي عني.
    تخلي عني يا ابتاه.
    - لا عليك، يابني، معلمنا قديماً قال للأفكار أجنحة.
    إلتفت فوجد عبد الله السماني يتأهب لمعانقته، فتعانقا طويلاً ،وهمس له في أذنه
    - حروقي مازالت تحترقني، يا خاتم!!

    كان حسين الشريف وطه يوسف عبيد يضعان لمسة أخيرة مزدوجة للبوتريه لوجه الخاتم عدلان بدون نظارات وفي عينية بعض أصغاء. قربهما يتكئ عادل ميرغني يقرأ رواية لم تصدر بعد لـ صنع الله إبراهيم.
    تهلل وجه محمد الأمين وهو كعادته يلحق السؤال بالسؤال:
    - هل زرت "المناقل" قبل مجئيك إلينا؟ هل مررت بتلك السينما؟؟ هل تذكر عندما شاهدنا معاً فيلم "زد" ؟؟
    - وايضا اتذكر جيداً عندما شاهدنا معا " زوربا اليوناني و دكتور زيفاجو"
    عبر من امامه سريعاً صوت مصطفي الشيخ وهو يتمتم كدرويش:
    - مدوا النبراس، مدوا النبراس، مدوا.. وياتي الصدي من مكان مجيباً ، بصوت علي فضل
    - لا تتخلوا عن بسطاء الناس،الناااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااس

    - اقتربت منه سيده ابو القاسم، وهي تنثر في طريقها بذار لبلاب متعدد الالوان وسريع النمو.
    دنا منه شيبون وهو يمج من لفافة تبغ بلا رائحة، اخذ نصفها من عبد الرحيم ابوذكري وتمتم متوتراً:
    انتظرناك طويلا، لكن قل لي بخنجر من ..؟-
    عندما طافت رائحة صندل مهيمن تأكد بأن سعيد الشائب قريباً منه بدائرته المغنطيسية الصندلية التي تسبقه مجيئه دائماً، ولمحه هناك يضع يده علي اذنه اليمني كي يسمع بالآخري جيدة، ويتحدث بلا أسلاك مع شخصاً آخر في زمان آخر، متفقداً احوال الأخوان قارة، قارة!
    - التايه أبوعاقلة كانت تنصت بكل اشواقها لحديث مشترك بين أنور زاهر و عبد المنعم سلمان.. قربهما انصاف إبراهيم بحنو تنفض الثلج عن بال زهيراتها، تحادثها ، تحكي لها عن احلامها، ثم ترويها بماء معطر.

    - كان ميرغني محمود النعمان يتوكأ علي كتف عبد المنعم رحمة وهو مازال ويهتف من أجل الحرية، ومحمد عبد السلام يحاول ان يرتق ثقوب الرصاص علي جسده. ومن خلفهما نجم الدين جعفر ابكر آدم وخالد محمد نور يرددان الهتاف.
    وكانت مشاعر محمد عبد الله ترسم دوائرها معلقة في الهواء وتسبح متقافزة مثل دولفين من دائرة إلي اخري خلفها سعاد سلام محجوب قوليب وشقيقي علاء ينتظران دورهما.
    - علي عبد اللطيف واحمد الطيب زين العابدين و علي المك ومحمد عبد الحي والمجذوب، متشابكي الأيادي يسيرون وبينهما جدل سودانوي حميم، عندما أبصروا الخاتم عدلان قادم نحوهما ركضوا وإحتضنوه معاً في دائرة من الازرع الوارفة..
    لم يدر الخاتم عدلان في أي ساعة من اليوم هو! هناك ضوء خافت وظلال، لكن لاتوجد شمس أو قمر أو أو ثريات كهربائية، السماء نفسها لم تكن موجودة!

    من الافق البلوري المتماوج كانت هناك نجمة حمراء تطير حلزونياً علي عجل كي تدرك المكان ،وعندما اقتربت ترجل منها عبد الخالق أنيق حافي حالق، وضماك إلي صدره طويلاً ثم قال:
    - مرحباً بالرياحين، لمَ تعجلت الرحيل يا خاتم؟
    - إني علي حق!
    - أعلم إنه آوان التجديد، لكن لمَ تعجلت الرحيل؟
    - الطريق لم يعد يفضي إلي الحلم
    - أشهد إننا خسرناك مرتين
    مرتين!!
    - لست بخاتم للأولين، أراهم من بعدي قادمين،
    من
    ثورة
    إلي
    ثورة،
    يرفدون دروب التقدم بنجوم زرقاء.
    لست بخاتم لأحد!
    كانوا هناك جميعم ينظرونكَ القرشي، خليل فرح، جوزيف قرنق، صلاح بشري، أبوبكر راسخ، الدوش، إسماعيل عبد المعين، ود الزين، قاسم امين، محجوب سيد أحمد، نصر الدين عبد القادر، كثيرون، كثيرون تعرفهم ولا تعرفهم من مزارعو عنبر جوده،ضباط 28 رمضان، طلاب معسكر العيلفون الغرقي، قتلي دار فور، وبورسودان، وحلفا، وبور.. والمنسيون من ضحايا الالغام الارضية المنسية وعام المجاعة.
    كثيرون كثيرون كثيرون
    كثيرون كثيرون
    كثيرون
    ك
    ث
    ي
    ر
    و
    ن

    يريدون ان يحتضنوا اشواقهم فيكَ!
    ..
    ..
    حين لوح الخاتم عدلان بطفولية جزله بيديه الاثنين لجده عدلان، أمطرت فجأة بلا سحب رذاذاً ملوناً مثل العاب نارية، ثم إستحالت الزخات إلي سجادة محلقة مزركشة بزينة فارسية ، نزل منها الشيخ فرح ود تكتوك مد يده وصعد بالخاتم عدلان إلي بئر في الفضاء الطلق ووقفا علي فوهته، وقال بصوت نحيل:
    لقد قلت من قبل:

    آخر الزمان
    شيب الشبان
    وشيل السبحة بلا إيمان!

    وآخر الزمان
    السفر بالبيوت
    والكلام بالخيوط!

    لكنني لم أفكر أن أقول:

    آخر الزمان
    دس القوت
    وسرقة التابوت.
    ..
    ..
    جدتي شهرذاد بلون الأبنوس، حكاياتها لا تنتهي عن أول الزمان وآخر الزمن، وعن الآن.
    كانت عندما تبهظها اللغة وتريد ان تصف خسة ونذالة أحدهم تقول بصوت المشمئز :
    - إنه أقذر من سارق الأكفان!!


    -------------------------------------------------------------------------------------------
    بشرى الفاضل :
    مقال الثلاثاء
    الخطاب الذي لم يقله الخاتم عدلان
    أصدقائي في كل مكان
    ها أنذا أزين ما استطعت جدران قلبي لكم ديواناً قروياً مبذولاً دون استئذان.
    اتضح خلال الأزمة التي تعرضت لها أنكم أكثر مما كنت أتصور .جئتم إلى في وحشتي وأنا أصارع المرض من المدن النائية من قرى السودان المنسية من الجزيرة من دكة الجعليين من أم درمان و استراليا وكندا من أوروبا والخليج .من الشبكة الالكترونية ومن مقاهي النشاط وقاعات الجامعات . و من لندن جئتم زرافات ووحداناً تسبقكم أمنياتكم . من الغابات من الدعوات والقصائد ومن صوت طفلة وسط اللمة منسية
    بعد قليل سأدخل في غيبوبة فإن قمت من الكرى وعوفيت فمن أين لي بأيادٍ للمصافحة بعدد أياديكم ومن أين لي بقلب يسع رد الجميل عن المحبة التي طوقتموني بها. أدخل في النفق الآن وإن قضيت فلتكن بيننا الذكرى .
    لقد أثبتت حشودكم أنني كنت على حق. كان الإنسان الذي كنته طوال عمري يقول لي كن غيريا يفسح الناس لك في قلوبهم مساحات بقدر ما أغفلتها في خيالك من عدم الانشغال بقضايا الذات .ً
    خلال زيارتي الأخيرة للولايات المتحدة كنت أشعر بآلام باطنية شديدة لم اشهد مثلها من قبل تحاملت على نفسي لكن كانت للجسد أوامره . بعد الندوة الأولى قطعت البرنامج الذي أعددناه في أمريكا .بقية القصة فليروها لكم أصدقائي هناك.
    قال لي الطبيب الأمريكي الحاذق
    - سوري يا مستر عدلان . أنت مصاب بسرطان الكبد.
    وقع على الخبر كالصاعقة .سرطان؟
    وماذا سأقول لتيسير وولدي حسام وأحمد ؟وماذا اقول للباقر العفيف وعصام مصطفى وفيصل وقاسم وعدلان ووليد؟ بل ماذا سأقول للصديق النائي محجوب عباس ؟ ماذا سأقول لأم سلمة في البعيد البعيد بنت أمي وابي وأختينا صفية وعلوية اللائي بكين حين شاهدنني في يناير من العام الماضي بعد انقطاع عنهما دام لعشر سنوات؟ ماذا أقول لأبى الشيخ الهادي ملتقى الحكمة وأخوي صديق وناصر؟
    استغرب الطبيب حين رآني أتحاور معه حول انتشار المرض وتوقعات الحياة إذ ظن أن الجلد ورباطة الجأش لا صلة لهما بمواطن إفريقي من شاكلتي . وهو لا يدري أننا تدربنا على مثل هذه الشدائد وتوقع الموت في أي لحظة منذ أكثر من ربع قرن.
    أول مرة رأيت الموت محدقاً كانت في مظاهرات أكتوبر ونحن في الفصول الأولى بمدرسة مدني الثانوية . وآخر مرة حين دهست سيارة أخي خالد الكد. قبل خروجي من السودان عام 94 كان ثمن القبض على خمسة عشر مليوناً لكن التضخم جعل هذا المبلغ يبدو الآن ضئيلاً ربما كنت ألاقي حتفي حينها لو تم القبض علي في إحدى الزنازين بمصير مشابه لمصير على فضل المسمار في اليافوخ أو أبو بكر راسخ الطلقة في الصدر.
    وأنا عائد من المستشفى أحمل القرار الطلقة بموتي جرت في خاطري صور متتالية لمذابح الشجرة وسيرة استشهاد عبدالخالق محجوب مداعبته لحارس السجن عن متانة الحبل وهو ذاهب للمشتقة:
    - شوف حبلك دا متين ؟ أنا وزني تقيل
    كانت المراجل بدواخله تغلي لكنه كان ثابتاً كالطود . وليت السجانين كانوا يدركون فداحة ما يخسرون . صور لا حصر لها لمواطنين من بلدي وقفوا بشجاعة في مواجهة الموت لعل أبرزها صورة شهيد الفكر محمود الذي تدلى ببسالة منقطعة النظير وصعدت روحه وهو يبتسم .فهل تراني أخذل أيا منهم؟ ل.ا نحن لا نهاب الموت وسنثبت أننا كنا على حق حتى النهاية. كان الطبيب يواسيني بكلامه الذي يحاول أن يكون واضحاً ومع ذلك سألتني عيناه ألا تخاف الموت ؟وأجبتها بما قال المجذوب:
    أنا قلب الكون خفاقاً فما
    أرهب الموت إذا الموت ابتدر
    نقلة من علل مضنية
    لأمان الروح لي فيه وطر
    من أمريكا وضعت الخطة . سأتصل بأسرتي في لندن وأصدقائي وسأخفف عنهم وقع الخبر جرعة جرعة . سأكاشف زوجتي حين أعود وإذا قلت لعضوية حق هنا فسأطلب منهم عدم إفشاء الخبر حتى أصل إلى لندن. هذا ما فعلته. كانت أقسى اللحظات في حياتي حين قلت الحقيقة لزوجتي ولبعض أصدقائي وخففنا وقع الخبر على الطفلين. في لندن اتضح أن المرض انتشر بأكثر مما يمكن أن يحتويه العلاج وخلال شهر واحد وجلستين بالعلاج الكيماوي تغير لون بشرتي وخف وزني وأصبح صوتي واهناً كان على القتال في عدة جبهات فمن ناحية على مقاومة المرض بكل ما املك من تصميم وإرادة فأنا محب للحياة ومن ناحية أخرى علي تحمل آلام سرطان البنكرياس المبرحة بالمورفين وبالشكيمة ومن ناحية ثالثة على تخفيف الفاجعة على صغاري وزوجني كما على اتخاذ أساليب القديمة في لجم مشاعر أخي عدلان بالحزم فعدلان أصبح جزعاً تماماً حين بدأت افقد وزناً وأفقد الشهية للأكل. على تسرية هموم الآسرة والأصدقاء بونسات لا تنقطع حتى تنقضي هذه الأسابيع . صحيح إنني وجدت نفسيtrapped فمن كلام الطبيب البريطاني علمت أنني سأموت خلال أسابيع ولذا اصبح موتي بالنسبة لي ولزوجتي وللمقربين من أصحابي معلن عنه. الشهيد الذي يتقدم نحو المشنقة أمامه ساعات وعلى الرغم من فداحة الأمر بالنسبة له فإنها ساعات وتنقضي أما من يواجه موتاً كموتي فهو يموت كل يوم ولمدة أسابيع في محاولة للتماسك وحث الآخرين على عدم إبداء مشاعر الشفقة . كان على تهدئة خواطر الأصحاب ممن يتصلون عبر الهاتف وممن يفدون جماعات جماعات من سائر أنحاء بريطانيا وأوروبا. فكلهم كلهم أصدقائي.
    جاء بعض أصحابي ففوجئوا بأنني أصبحت ضئيل الحجم وأن صوتي أصبح واهناً فرحت أحكي لهم عن أنني بدأت أستعيد شهيتي للطعام .أنا متأكد من أن ذلك الشاعر السوداني اللندني الذي ينضج قصائده القصيرة دائماً على نار هادئة وقد جاء بصحبة صديقي الآخر الذي كم تبادلت معه الأفكار قد خنقتهما العبرة بعد ان غادرا من هنا كنت موقناً بان الشاعر احس بان هذا آخر لقاء بيننا. كان ذلك بائناً في عينيه. هل ترى يظن أنني لا أجيد التمثيل فأطمئنه حتى في مثل هذا الموقف؟ كان يمثل هذا الشاعر الهين حين ابتسم مودعاً ومشجعاً لكنه بكى بعد أن غادر خلف الباب مباشرة. أمنح زوجتي لقب فارسة. إنها فارسة في تقبل الفاجعة وفي ابتداع صيغة عزاء ما رأيت مثلها لطفلي الذين هما قطعة من روحينا معاً بحيث يتقبلان دون صدمة مسالة مرضي المداهم ورحيلي الوشيك.
    تذكرت مالك ابن الريب الشاعر اللديغ الذي رثى نفسه بعد أن أيقن أنه سيموت
    - فيا صاحبي رحلي ارفعاني لأنه
    - يقر لعيني أن سهيل بدا ليا
    وتذكر أهله إذ يبكون تذكر بكاء الجندريات
    - ومنهن أم وابنتاها وخالتي
    - وباكية أخرى تهيج البواكيا
    ها هي الغيبوبة تزحف أصحو فأتذكر الجميع ثم أغوص مرة أخرى الموت شئ آخر ينتقل المرء فجأة إلى حالة شعورية أخرى
    ها أنا أسمع صوت الباكية التي تهيج البواكيا يرتفع ويرتفع ليتي أستطيع أن أضمها وطفلينا في الحنايا. عدم القدرة على فعل شيء هو الجزء المأساوي للفراق.
    تماسكي تماسكي.
    تماسكوا جميعاً أيها الأهل والأحباب والاصدقاء يقول خاطري . تماسكوا جميعاً فالفقد مشترك.
    وداعاً.

    دخل الجسد في غيبوبته الأخيرة ثم همد.
    اصوات متداخلة وبكاء وصديق يقول من خلال دموعه وداعاً ايها الفقد الكبير وداعاً يا معمل الفكر التطبيقي المتحرك.أيها الجسد الذي تعذب كثيرا في طلاب روحه الوثابة ولترقد في سلام.
                  

04-25-2007, 12:07 PM

عاصم ابوبكر حامد
<aعاصم ابوبكر حامد
تاريخ التسجيل: 03-03-2006
مجموع المشاركات: 3017

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الخاتم عدلان ... بكت أقلام (Re: أبو ساندرا)

    العم ابوساندرا
    لك التحية

    الخاتم عدلان مجسد فيننا

    هو اب روحى لنا ...

    ربنا ارحمه واغفر له ...

    شكرا ابوساندرا
                  

04-25-2007, 12:12 PM

Rabab Elkarib
<aRabab Elkarib
تاريخ التسجيل: 10-15-2002
مجموع المشاركات: 1406

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الخاتم عدلان ... بكت أقلام (Re: أبو ساندرا)

    شعر صـلحـة الكارب


    مرثية الخاتم عدلان

    الليلــة القلم غلبو الكلام بالحيل
    والليـلة الفهم فارق نهـاى عديـل
    باكييـن الأصيـل سـيد الكتاب
    وفـاقدين البعرف الحرف والتشكييل

    تبكيك الحروف همزة و رفع وضمير
    تبكيـك المحافل وأهـل العلم وسبيل
    فاقداك العيون البتشابي دايرة الشـيل
    و فاقـداك الرموز الفي البلد دانقيـل
    و يبكيك الكبيـر يا ود البلد يا أصيل
    و باكياك البنات كاشفات سبيب الخيل
    تبكيك بلاد النيـل بيكيك مـوج هدير
    يبكيك زُلال في عيون
    تبكيك دروب وسبيل
    تبكيك دروب الحـي
    مـوية السبيل والسيل
    وغنى وحكاوي وضِي
    يبكِ سـرور وخليـل


    أمـا الحـروف أحـَي ناحـت أسـى وتاثيـر
    يبكنك بنـات الحـي أخـوات وَجـع تيسـير

    يبكيك خليج
    وبحـر
    وخيل
    ونيل نخيـل
    يبكـون صحـاب
    فقدوا الرفيـق يا زميل

    تبـكيك شمـس الصباح
    تبكـيك عـذوبة النيـل
    ،،،،،........،،،،،،


    شعر صـلحـة الكارب
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de