|
صفوة في بلد طيره عجم (١) - رحل الأستاذ أحمد سليمان المحامي
|
د.محمد بدوي مصطفى
صفوة في بلد طيره عجم (١) رحل الأستاذ أحمد سليمان المحامي قال تعالى وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ صدق الله العظيم لقد انطفأت فجر الثلاثاء الموافق ٣١ من شهر مارس ٢٠٠٩ بمدينة فيشيتا بالولايات المتحدة الأمريكية منارة من منارات النيل الشامخة وشعلة من شعل السودان المضيئة. رحل رجل من ركائز الفكر العربي المعاصر وترك بصماته في كل المحافل الأدبية، الصحفية، السياسية الوطنية والدولية. الأستاذ أحمد سليمان سياسي محنك، دبلماسي من الدرجة الأولى، كاتب ضليع امتلك نواصي لغة الضاد وأجزل بفكره وبمداخلاته وكتبه في رحاب الأدب السياسي العربي والإفريقي بكل ما تحمل هذه الكلمات من معان."ومشيناه خطا" هذا المستند التاريخي القيم ما هو إلا جرعة في بحر زاخر تركه الأستاذ المحامي أحمد سليمان موثقا بذلك تاريخا حافلا ونضالا صارما ودأبا متواصلا خاضه بجرأة وحكمة مع الرعيل الأول مع رواد الفكر السوداني في زمن كانت تفتقد فيه البلد للفكر ولحرية التفكير والجهر بالرأي ولكل سمات الديموقراطية المعاصرة. للأسف لم يحظ الأستاذ من أهل الرأي العام العربي عامة والسوداني خاصة بالإهتمام ولم يعطوا لهذا المفكر الجليل حقه، فأين أنت يا عمر الجزلي وأين أسماء في حياتنا وأين التلفزيون السوداني وأين اذاعة أمدرمان في هذا. نحن نسمع في الإذاعة بلا اقطاع القوقوي، الأغاني، الطرب، النكات وسفاسف الأمور من ما تصبح الواطة إلى يسدل الليل أستاره علينا وننسى تاريخنا وقديمنا وتراثنا ومكتباتنا البشرية المتحرکة التي عزفت إجلالا وزهدا في أن تبادر بالإتصال برجالات الإعلام. وكما يقول الحكماء في بلادنا "من نسى قديمه تاه". فلقد بلغ السيل الذبى وطفح الكيل، أصحوا يا أهل الإعلام من سباتكم العميق وفيقوا من نوم لا يسمن ولا يغني من جوع فكري وثقافي. هلموا للإنتهال من منابعنا البشرية الدافقة وهلموا لتوطيد التأريخ السوداني الذي مازال في خطواته الأولى، خذوا العلم من العلماء ومن روادنا الذين بذلوا كل ثمين في الرفع من شأن وشأو بلاد المليون ميل مربع. رحل أحمد سليمان ولم يزخر من أهل السودان إلا القليل من علمه ولم يرشف الجيل الجديد البتة من كنوزه وحكمته وخبريه الدبلوماسية والسياسية المنقطعة النظير. هل تعرفونه وهل تذكرون جولاته وصولاته متنقلا من بلد إلى بلد حاملا وطنه في قلبه وطيبة أهله زادا وهو في وحدة إلا من كتاب؟ هل تذكرون توطيده للمناخ الحزبي في السودان وهل تذكرون وقفاته التاريخية في هيئة الأمم المتحدة مدافعا كالليث عن ترابه وعن ثقافته وعن أهلنا الكرام في كل أرجاء السودان؟ هل تعرفون عن وطنيته وعن حبه للتباين العرقي والديني من جوبا إلى وادي حلفا ومن بورتسودان إلى الجنينة؟ هل تعرفون حبه لدينه ولأهله الكرام في ربوع السودان الحبيب؟ كان منزله القائم بالمنشية منارة لكل راجل ومحتاج أتاه من كل فج عميق من جخانين السودان النائية. أنت تسمعه يتحدث بلسان حاله: - حبابك عشرة ومرحبا بك! أنت منو وكيف يمكن أن أساعدك؟ - أقعد والله لازم تتغدى معنا! - يا نعيمة يا سارة يا هدى، تعالوا سلمن على عمكن! حتى في كل بقعة من بقاع العالم حيث عمل سفيرا للسودان، كان قلبة مدخلا لكل حزن وصدره واسعا لكل ذل وحمق وبيته مفتوحا لكل مظلوم ومنهوك وابن سبيل. رحل أحمد سليمان تاركا لنا ولمن يعرفه من أهل السودان من المفكريين والسياسيين والدبلوماسيين والعلماء زخيرة نعتز بها. لكن يجب أن يقدر هذا الراحل الباقي حق قدره ونوظف من أبناءنا في الجامعات والمعاهد العليا دراسات عن أعماله وفكره ناشدين بذلك رصد مكتبة وثائقية لأعماله الثرية في دار الوثقائق المركزية. رحل الأستاذ أحمد سليمان ورحل الطيب صالح وصلاح محمد إبراهيم وبدوي مصطفى ومحمود الفضلي ويحيي الفضلي وكثير من رجالات الاستقلال الذين أعطوا وما فتؤا. لكن من يعرفهم من أبناءنا الآن. فهذا نداء لكل رجالات الوطن من السياسيين والدبلوماسيين ورواد الفكر في السودان ولكل حادب على مصلحته ورقيه وتقدمه أن توظف لهذا الرعيل الأول دراسات علمية وجامعية لرصد الكنوز الفكرية التي خلفوها لنا.
الا رحم الله الفقيد الباقي أحمد سليمان المحامي وألهم أهله وأحبابه وطلابه في كل بقعة من بقاع السودان الصبر وحب الخير له وأعانهم في بلوغ الضالة المنشودة في إنشاء مركز للدراسات الدبلوماسية والسياسية باسمه. والله على ما نقول وكيل.
لنا لقاء
د.محمد بدوي مصطفى الشيخ
|
|
|
|
|
|