العــــــــراق إلــــــــــي أيــــــــن ؟ بقلم الامام الصادق المهدي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 05:51 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-07-2009, 02:57 PM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
العــــــــراق إلــــــــــي أيــــــــن ؟ بقلم الامام الصادق المهدي

    ملفات الأهرام
    42544 ‏السنة 127-العدد 2003 مايو 31 ‏30 من ربيع الاول 1424 هـ السبت

    العــــــــراق إلــــــــــي أيــــــــن ؟
    بقلم : الصادق المهدي
    رئيس حزب الأمة السوداني



    ارتبك الرأي العام العربي الإسلامي في تصنيف ما حدث في العراق في التاسع من ابريل المنصرم‏,‏ فبعض الناس وأغلبهم عراقيون اعتبروا ما حدث شرا أخف من شر النظام المباد‏.‏ وآخرون اعتبروه من منطلق وطني وقومي وإسلامي شرا مستطيرا يلحق بنكبات الأمة‏,‏ ويرقي لمماثلة نكبة تأسيس إسرائيل في‏1948‏ م‏.‏

    هذا التصنيف للحدث أشاع إحساسا عميقا بالإهانة والمذلة لحق بسابقاته من النوازل التاريخية‏.‏ النوازل التي اختار كثيرون ألا يتعرضوا لحقيقتها باستخدام نوع من التخدير الجماعي مثلما كان الحال مع إعلام أحمد سعيد ومحمد سعيد الصحاف‏.‏ الإعلام الذي حاول امتصاص آلام الحقيقة بالوهم‏.‏ هذه الذهنية تحول الآن دون أي مناقشة موضوعية لحالتنا لأن حراس الوهم يتصدون لها تخوينا وتكفيرا‏.‏

    هل محتوم علي الموقف العراقي أن يحبس بين خيارين هما الاستسلام لواقع الهيمنة المرير وما يصحبه من إملاء أو الهروب منه بالوهم الذي لا يسمن ولا يغني من جوع هل من موقف آخر غير الاستسلام والوهم

    هاك الجواب عبر النقاط التسع الآتية‏:‏
    أولا‏:‏ الصراع التاريخي قد يكون بين حق وباطل وقد يكون بين حق وحق وقد يكون بين باطل وباطل‏,‏ وفي كل تلك الحالات فإن التدافع جزء من نظام الكون وسنة الحياة وهو أداة من أدوات حركة التقدم في التاريخ‏'‏ ولو لادفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز‏(‏ الحج أية‏40).‏

    وثانيا‏:‏ كانت السمة الغالبة للمسرح الدولي أثناء الحرب الباردة‏(1948-1991)‏ هي التوافق التام بين الهيمنة الغربية ونظم الاستبداد الداخلي في العالم الثالث‏.‏
    إرادة المعسكر الغربي كما يقررها‏(‏ الباب العالي‏)‏ البيت الأبيض تأمر فتطاع‏.‏ كانت نظم الطغيان غالبا بما في ذلك النظام العراقي المباد‏(1968-2003‏ م‏)‏ تعيش توافقا مع الهيمنة الدولية وربما لعبت دور كلاب حراسة لمصالحها‏.‏ لماذا نشأ تناقض بينهما

    ثالثا‏:‏ هناك أسباب عديدة أدت لذلك التناقض‏.‏ نبدأ بالحالة العامة وهي تتسلسل كالآتي‏:‏
    بلغت الحرب الباردة بعد التصعيد الحاد المتعلق بالصواريخ الكوبية في الستينيات حالة استقرار علي نوع من التعايش القلق ولكن في عام‏1977‏ كتب تقرير بعنوان‏'‏ الأزمة النفطية القادمة في الاتحاد السوفيتي‏'‏ جاء فيه‏:‏ أن الاتحاد السوفيتي يعاني من انحسار إنتاجه النفطي وسوف يصبح مستوردا للنفط مما سيدفع بالبلاد للتنافس للحصول علي نفط الأوبك في غضون السنوات القادمة‏.‏ وبعد عامين من هذا التقرير غزا السوفيت أفغانستان غزوا أعتبر خطوة نحو الاقتراب من حقول النفط في الشرق الأوسط‏.‏ لذلك أعلن الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في ذلك الوقت‏'‏ أية محاولة من دولة للسيطرة علي نفط الخليج سوف تعتبر تعديا علي مصالح الولايات المتحدة الحيوية وسوف تقاوم بكل الوسائل بما في ذلك القوة‏'.‏

    هذه الخلفية وهي مقلقة للدبلوماسية الأمريكية صحبتها صدمة أخري هي اندلاع الثورة الإسلامية في إيران‏'1979‏ م‏'‏ واستبدال شرطي الخليج الشاهنشاه بنظام إسلامي معاد للولايات المتحدة عداء بلغ قمته في أزمة الرهائن الأمريكيين‏.‏ كنت وعدد من الأصدقاء الوطنيين منهم الأخ أحمد مختار أمبو مدير اليونسكو يومذاك مشفقين علي ما قد تحمله الانتخابات الأمريكية القادمة بين كارتر وريجان‏,‏ وكنا نري أن انتصار ريجان سوف يكرس اتجاها أمريكيا يمينيا مؤذيا للعالم الثالث لذلك حاولنا العمل علي حل أزمة الرهائن سلميا بين كارتر والسلطة الثورية في إيران‏.‏ ولكن لأسباب لن أخوض فيها هنا أخفقت تلك المحاولات مما سهل مهمة انتصار ريجان في الانتخابات الأمريكية‏(1980‏ م‏).‏
    اتجهت السياسة الأمريكية في عهد ريجان إلي تصعيد غير مسبوق في مواجهة الاتحاد السوفيتي والتحدي الإيراني‏,‏ وفي سبيل ذلك تحالفت السياسة الأمريكية مع الغلو السني الإسلامي في حرب أفغانستان ضد السوفيت ومع الغلو القومي‏(‏ البعث العراقي‏)‏ في محاولة احتواء الثورة الإيرانية‏.‏

    صحيح أن للحماسة الإسلاموية والحماسة القومية مقومات أخري ولكن الدعم الأمريكي بالمال والتكنولوجيا ساهم في خلق نوعين من الدراكيولا‏(‏ صنيعه الكونت فرانكشتاين‏):‏
    دراكيولا إسلاموية قائمة علي اجتهادات مغالية في فهم الإسلام ومزودة بآلية قتالية عالية التدريب والتسليح ومزودة بأحدث وسائل القتال والاتصالات والمواصلات‏.‏

    ودراكيولا بعثية في العراق مزودة بدعم غربي ودعم عربي اعتبر أن دوره وقدراته تؤهله ليصبح الباب العالي في الخليج بعد أن تصور أنه انتصر في‏(‏ قادسية صدام‏).‏

    رابعا‏:‏ بعد نهاية الحرب الباردة في‏1991‏ م نشأت ظروف وضعت الغلو الإسلامي والغلو البعثي المحالفين للهيمنة الغربية في الثمانينيات في تناقض معها‏.‏ تناقض لعب العامل الإسرائيلي فيه دورا هاما‏.‏

    أ‏-‏تناقض الغلو الإسلامي مع الهيمنة الغربية راجع للطرفين‏:‏
    ففي الغرب نشأت تيارات عديدة بعد الحرب الباردة تعتبر العدو الاستراتيجي المقبل هو الحماسة الإسلامية بل جاء في رأي بعض مفكري الغرب أن الغرب محتاج لهذا العداء لتكريس هويته الحضارية وتشغيل صناعاته العسكرية‏.‏
    ولدي النشطاء الإسلاميين بدا الغرب المسؤول عن كافة المظالم التي يتعرض لها المسلمون في العالم كما صار واضحا أن نظم الحكم القمعية في بلدانهم مستمرة بالحماية الغربية‏.‏

    وفي مواجهة التسلط الإسرائيلي تحولت المقاومة العربية عامة والفلسطينية خاصة من التوجهات القومية واليسارية إلي التوجه الإسلامي بفعل حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي وغيرها‏.‏
    لذلك قامت إسرائيل بدور هام في التنبيه للخطر الإسلامي دور عزز التركيز عليه اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة‏.‏

    ب‏-‏ أما تناقض الغلو القومي مع الهيمنة الدولية فعائد لإحساس القيادة العراقية بأن دورها في احتواء الثورة الإسلامية في إيران يبرر امتثال دول الخليج العربية لها ويبرر حصولها علي معاملة خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية خصوصية سوف تستمر مع استمرار النظام الثوري الإسلامي في إيران لأن آخر ما تريده أمريكا هو إضعاف النظام العراقي في وجه إيران‏.‏
    هذه الذهنية هي التي مهدت لغزو العراق للكويت في‏(1990‏ م‏)‏ وصنع المواجهة الحادة بين حلفاء الأمس التي أدت لعاصفة الصحراء‏(1991‏ م‏).‏

    خامسا‏:‏ الحزب الجمهوري الأمريكي هو حزب الأولوية الأمنية في الولايات المتحدة ومنذ عهد الرئيس ريجان تنامي عامل ديني في السياسة الأمريكية‏..‏ هذان العاملان تحالفا مع اللوبي الصهيوني ليدفعا بالتوجه الجمهوري الأمريكي نحو يمين متشدد يمين يري أن انتصار الغرب في الحرب الباردة يؤهله لتشكيل العالم وفق رؤيته وإخضاعه لمصالحه‏.‏
    هذه الاتجاهات عززت موقف المرشح الجمهوري في الانتخابات عام‏2000‏ م وجسدها انتصار الرئيس بوش الابن‏.‏ وربما اتجهت السياسة الخارجية الأمريكية اتجاها أكثر تشددا في عهد كلنتون ولكن دون مغالاة‏.‏

    ثم وقع حادث‏2001/9/11‏ فغير كيمياء السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية‏.‏ داخليا فرضت الولايات المتحدة إجراءات متشددة في تقييد الحريات العامة وخارجيا قررت سياسة فرض الهيمنة الأمريكية الأحادية والمبادأة العسكرية الاستباقية وكلاهما توجه جديد في السياسة الدولية‏.‏
    لقد كان حادث‏2001/9/11‏م أفضل حجة للتشدد اليميني الأمريكي وأقوي حجة للتحليلات الإسرائيلية وأقوي دافع لإعلان حرب عالمية علي الإرهاب تقودها الولايات المتحدة وتنفرد فيها بتعريف ما هو الإرهاب وبتحديد من هم رواده وباختيار مواجهتهم بالأسلوب الذي تراه‏.‏ وفي ظل خطر الإرهاب الحقيقي والوهمي صنف كل عنف سياسي لا ترضاه الولايات المتحدة وحلفاؤها إرهابا وصارت كل دولة لا تقبل القيادة الأمريكية في السياسة الدولية حليفا محتملا للإرهاب ومصدرا محتملا لأسلحة الدمار الشامل النووية والبيولوجية والكيميائية ومزودا محتملا بها للحركات الإرهابية‏.‏

    هذه الوقائع خلقت في الولايات المتحدة مشاعر قوية جدا بالخوف والخطر مشاعر غذتها فظاعة أحداث‏2001/9/11‏ م وعززها الإعلام‏.‏ فقد كتبت في الصحف الأمريكية عشرة آلاف مقالة حتي الآن وثلاثون كتابا تحلل الإرهاب‏(‏ الإسلامي‏)‏ وتنذر بخطره‏.‏
    هذه الثقافة صنعت رأيا عاما عزز موقف الرئيس بوش الذي لم يصل للرئاسة إلا بقرار المحكمة العليا الأمريكية لأنه لم يفز بالأغلبية في الانتخابات‏.‏ لكن قيادته للولايات المتحدة في اتجاه هجومي متشدد رفع شعبيته إلي أعلي درجة‏.‏ إن لموقف الرئيس بوش المتشدد أسبابا أخري سنذكرها لاحقا ولكن لهذا السبب السياسي وزنه الخاص في بلاد يعتمد فيها انتخاب الرئيس علي الانتخاب الدوري‏.‏

    سادسا‏:‏ تحليل الموقف من الحماسة الإسلامية وأنشطتها أدي لإقناع الولايات المتحدة أن العنف السياسي الإسلامي ضدها راجع لثقافة معينه في العالم الإسلامي ولمذاهب إسلامية معينة وأن جزءا من أسباب العنف السياسي ضدها راجع لرفض كثير من الشعوب الإسلامية لحكوماتها واعتبار الولايات المتحدة حاميا لهذه الحكومات‏.‏ بدا واضحا لكثير من الأمريكيين إن إصلاحا سياسيا وثقافيا وتعليميا واقتصاديا في العالم العربي والإسلامي ضروري لتجفيف بعض مصادر العنف السياسي‏.‏
    هذا التحليل الذي جهر به كولن باول وزير الخارجية الأمريكي في محاضرة في معهد التراث كما ردده ريتشارد هاس رئيس قسم التخطيط السياسي في الخارجية الأمريكية أبرز تناقضا حادا بين الولايات المتحدة والنظم الحاكمة الصديقة لها في العالم العربي والإسلامي‏.‏
    لقد أصبحت الدعوة للديمقراطية بهذا الفهم إحد مطالب الأمن القومي الأمريكي‏.‏

    أما بالنسبة للعراق فينبغي أن ندرك ماهية الحرب التي انتهت في‏9‏ إبريل‏2003‏ م بين حلفاء الأمس‏(1979-1990)‏ أعداء اليوم‏(2003).‏
    الحرب علي العراق لم تكن حربا دينية فأهم القيادات المسيحية في العالم أدانتها ولم تكن حربا حضارية‏,‏ فكثير من مراكز الحضارة الغربية بل وكثير من القوي الشعبية في بلدان التحالف الغازي أدانتها‏.‏
    هنالك أسباب سياسية واقتصادية واستراتيجية للحرب لا يتسع المجال لسرد تفاصيلا‏.‏

    سابعا‏:‏ هكذا صار الهدف الديمقراطي في العالم العربي والإسلامي مهما جدا للأمن القومي الأمريكي ولمصداقية السياسة الأمريكية‏.‏
    ولكن الكراهية الواسعة للموقف الأمريكي سوف تجعل القوي السياسية التي سوف تكسب الانتخابات الحرة في العالم الإسلامي والعربي معادية لأمريكا‏!‏ فما العمل قال ريتشارد هاس رئيس قسم التخطيط السياسي في الخارجية الأمريكية‏:‏ علينا أن نقبل النتائج الديمقراطية دون تحفظ حتي إذا كانت ضدنا‏.‏

    ولكن من المعقول أن نفترض أن الولايات المتحدة تريد أن تؤدي الديمقراطية إلي انتخاب قوي سياسية موالية لها‏.‏
    إذا استرجعنا تجربة الاستعمار في آسيا وأفريقيا فإننا نجد أن مختلف الدول الاستعمارية نقلت السلطة لقوي سياسية وطنية عبر آليات ديمقراطية وأنها في كل الحالات كانت تسعي لتتولي السلطة قوي سياسية موالية لها ولكنها اضطرت أن تقبل نقل السلطة عبر الانتخابات الحرة لقوي سياسية معادية لها‏.‏ لذلك انتقلت السلطة لأمثال نكروما في أفريقيا ونهرو في آسيا‏.‏

    والتجربة السودانية مليئة بالعبر فالجمعية التشريعية جهاز أقامه المستعمرون في السودان وقاطعته بعض الأحزاب وخاضه حزب الأمة وفي مرحلة لاحقة اختلفت الإدارة البريطانية مع حزب الأمة حول قانون الحكم الذاتي الذي حاولت الإدارة إسقاطه وحرص حزب الأمة علي إجازته فأجيز بصوت واحد‏.‏ أي أن الجمعية التشريعية مع تمثيلها الناقص ديمقراطيا تحولت لأداة مناقضة للإدارة البريطانية في السودان‏.‏ وفي مرحلة ثانية عندما احتد التناقض بين الإدارة البريطانية في السودان بسبب التحول في موقف الحكومة المصرية لصالح الاتفاق مع القوي السياسية السودانية سيما حزب الأمة فإن الإدارة البريطانية في السودان شجعت قيام الحزب الجمهوري الاشتراكي كحليف سياسي لها فما نال شيئا يذكر في الانتخابات العامة بل سارع الخطي نحو الفناء السياسي في ظل الممارسة الديمقراطية السودانية‏.‏
    النتيجة هي أن القوي الاستعمارية إذا أقامت آلية ديمقراطية حقيقية فإنها تفاجأ بنتائج انتخابية معادية‏.‏

    ثامنا‏:‏ أن الدعوة الأمريكية للديمقراطية في العراق وفي العالم العربي والإسلامي عامة تواجه برفض من بعض الأوساط‏:‏ هنالك من يرفضها كرها في أمريكا وشكا في نواياها بما تظهر من انحياز لإسرائيل وازدواجية المعايير‏.‏ وهنالك من يرفض الديمقراطية مبدئيا لأنها منافية للإسلام وقد شرحنا مواقف هؤلاء في دراسات عديدة وفندناها وآخرهم الشيخ محمد الطبأ طبائي‏.‏
    ولعل أهم الرافضين للديمقراطية هم أولئك الحكام الذين يعتبرونها مهددة لسلطانهم‏!‏ لماذا اضطرت أمريكا للدعوة للديمقراطية مع أن هذه الدعوة ستكون علي حساب نظم صديقة لها في المنطقة؟‏..‏ لقد كان الموقف الأمريكي مطمئنا إلي وجود حكام طغاة يقهرون شعوبهم ويمتثلون لإرادتها وهذا وضع مريح فلماذا تخلت عنه ؟‏.‏

    لقد عددنا الأسباب والمستجدات التي دفعت بالموقف الأمريكي نحو الديمقراطية مع كل ما فيه من مخاطر‏.‏ ستحاول الولايات المتحدة أن تحقق الهدفين معا وهما الديمقراطية وأن تأتي بأصدقاء للسلطة‏.‏
    ولكن منذ بداية التجربة الأمريكية في العراق اتضحت بعض المعالم‏,‏ أرسلت الإدارة جارنر العسكري السابق واتضح عجزه في التعامل مع الحالة العراقية بعد الحرب فأرسلوا بالمر الدبلوماسي السابق والتعديل فيه دلائل تراجع من أسلوب الإملاء لأسلوب الإقناع‏.‏ هذه واحدة‏.‏ ثم اتضح أن وزارة الدفاع الأمريكية قد أعدت أحمد الجلبي كرجل أمريكا في العراق علي خلاف رأي وزارة الخارجية التي أوصت بالحياد بين القوي السياسية العراقية‏.‏ لقد اتضح أن رعاية وزارة الدفاع الأمريكية لأحمد الجلبي قبلة موت حاول بكل الوسائل التخلص منها بإعلان أنه لا يسعي لدور تنفيذي في حكم العراق في هذه المرحلة‏.‏ وهناك الموقف الأمريكي المنحاز لعبد المجيد الخوئي وقد أدي لتصنيفه أداة أمريكية مما أودي بحياته‏.‏ ونفس العوامل حاصرت فتوي المرجع الشيعي الشيخ السجستاني الذي أفتي بدعم قوات التحالف ثم غير موقفه‏.‏ ولدي عودة الشيخ محمد باقر الحكيم الذي اتخذ موقفا مستقلا من الإدارة الأمريكية اتضحت قوة هذا الفصيل الشيعي‏.‏

    لأسباب عديدة سوف تلجأ الولايات المتحدة للديمقراطية ولا معني للطعن في الديمقراطية فلا بديل لها ولكن الموقف الوطني المجدي في العراق هو‏:‏

    أ‏.‏ المطالبة بالحريات العامة وبانتخابات نزيهة مراقبة دوليا‏.‏
    ب‏.‏ تكوين تنظيمات سياسية وطنية ديمقراطية إسلامية معتدلة أي أحزاب سياسية راشدة لخوض الانتخابات وكسبها وهزيمة القوي السياسية غير الوطنية‏.‏

    تاسعا‏:‏ السؤال المهم الذي يواجه القوي الوطنية والإسلامية والديمقراطية العراقية هي‏:‏ متي يتم إجراء التحول الديمقراطي في العراق‏.‏
    إن النظام البعثي في العراق يمثل تشويها للفكر البعثي وتسلطا فكريا سياسيا عشائريا استبداديا اغتصب السلطة وحقق لنفسه تمكينا واسعا رأسيا وأفقيا ولا يرجي أن يذوب تلقائيا‏.‏

    المطلوب برنامج اقتلاع يضاهي حالة التمكين التي كانت قائمة‏.‏ وإلا فإنه قادر علي الانتعاش من جديد في ظروف الحرية المتاحة‏!‏ فما العمل؟ السؤال كيف‏:‏ يتم هذا الاقتلاع هل يمكن أن يقوم الحكم الأجنبي بالاقتلاع دون أن يؤسس تمكينا أجنبيا بديلا؟‏.‏
    هل القوي الوطنية العراقية مستعدة الآن لإدارة البلاد وتحقيق الاقتلاع ثم غرس البديل الديمقراطي عبر الانتخابات العامة الحرة؟ هل تضع الإدارة الأجنبية الدستور أم القوي الوطنية وحدها قادرة علي ذلك؟

    ينبغي أن يكون المطلب الوطني العراقي هو نقل الإشراف علي البلاد بسرعة للأمم المتحدة لتشرف علي مهام إدارة البلاد وحفظ الأمن والحماية من تدابير النظام المباد ووضع الدستور الديمقراطي لحكم البلاد واختيار التوقيت المناسب لتطبيع الحياة السياسية في العراق‏.‏ وطبعا سوف يكون للولايات المتحدة دورها في هذه الإجراءات عبر الأمم المتحدة لا منفردة هي وحلفاؤها في الحرب‏.‏
    إننا إذ نحمل النظام المباد في العراق مسئولية الخراب الفكري والسياسي والثقافي والاقتصادي والبشري الذي لحق بالعراق الشقيق ينبغي ألا ننسي أنه لم يكن معزولا في عمله بل كان لكثير من الدول دور في دعمه والتحالف معه كما كان لكثير من التيارات الإسلامية والقومية لشتي الأسباب دور في مساندته‏.‏ إن علي جميع الذين أيدوه وآزروه الآن محاسبة أنفسهم والاندفاع في مشروع المولد الجديد للعراق تكفيرا عن مساعدة ذلك النظام الفاشي الكريه في تعذيب أهل العراق‏.‏

    إذا اختارت الولايات المتحدة أن تفرض إدارة امبريالية في العراق وأن تنفرد بالشأن العراقي فإنها سوف تواجه مقاومة واسعة وفاعلة وسوف تناقض المطلب الديمقراطي فتهزم معنويا قبل هزيمتها السياسية المحتومة أمام المقاومة الوطنية القومية الإسلامية الديمقراطية الدولية المحتومة‏.‏
    سواء أقدمت الولايات المتحدة علي الديمقراطية في العراق أو أحجمت عنها فإن النصر سوف يكون حليف الشعب العراقي والخيار الديمقراطي‏.‏ والشعوب أقدر كثيرا في محاربة استعمار خارجي منها علي محاربة استعمار داخلي لاسيما والاستعمار الخارجي اليوم مشدود لقيم وممارسات ليبرالية لا يستطيع التخلي عنها تماما مما يجعل سلاح النضال الشعبي فعالا في مقاومته بل يجعل شعب البلد المستعمر نفسه حليفا لنضال الشعوب المستعمرة‏.‏ هذا بينما الاستعمار الداخلي يعب بلا حياء وبلا حدود ولا روادع ولا كوابح من خلق أو مبادئ يعب من تراث القيصرية والكسروية القمعي القديم وينهل من أساليب الستالينية والفاشستية الحديثة في ممارساته لحكم الشعوب التي تخضع لسلطانه الغاشم لذلك قال شاعر الثورة الفلسطينية الموهوب‏:‏
    كل الأرض العربية محتلةإلا الأرض المحتلة‏.‏

    وفي الختام أقول‏:‏
    إن كارثة العراق لم تبدأ بالاحتلال الأجنبي‏.‏ كان الاحتلال الأجنبي آخر حلقة في سلسلة من النكبات بدأت بإقامة حكم الفرد الذي استغل شعارات وتنظيمات حزب البعث ليقيم تسلطا عشائريا أذاق الشعب العراقي جهنم قبل يوم النشور‏.‏ وفي سبيل دعم سلطانه سخر البلاد لأجندات أجنبية وخاض بها مغامرات حربية سفكت الدماء وأتلفت الأموال سفكا وإتلافا‏.‏
    الحالة العراقية كما هي الآن يمكن أن تؤدي لانهيار الدولة الوطنية واندلاع فتن طائفية وإثنية لا تبقي ولا تذر انحدارا إلي أسفل سافلين‏.‏

    إرادة الهيمنة الدولية سوف تحاول جعل العراق نسخة جديدة من الكمالية‏(‏ نسبة لكمال أتاتورك‏)‏ رغم أن الشعب التركي نفسه قد تجاوز تلك التجربة الإستلابية‏.‏ سوف تحاول بعض القوي الإقليمية أن تجعل من عراق ما بعد الحرب نظاما شموليا مدجنا يعزف اللحن الشمولي الشائع في المنطقة‏.‏
    ولكن ظروفا داخلية وخارجية يمكن أن تجعل الحالة العراقية فرصة تاريخية لتجربة جديدة ذات عائد إيجابي في كافة مجالات الأداء العام‏.‏ تطلعا لهذه الفرصة ينبغي السير علي هذه الخطي‏:‏

    أولا‏:‏ أن تتنادي القوي السياسية العراقية لملتقي جامع للقوي الإسلامية والوطنية والقومية والكردية واليسارية لتكوين جبهة عريضة تتفق علي رؤية موحدة للمرحلة القادمة‏.‏ هذه الرؤية المشتركة توجب‏:‏
    أ‏.‏التخلي عن المواقف الاستئصالية ورفض الشوفينية القومية والثيوقراطية الإسلاموية والوصاية الأجنبية‏.‏
    ب‏.‏كل العوامل ترشح الحركات والمنظمات الإسلامية للقيام بدور كبير في العراق‏.‏ إذا أدركت القوي الإسلامية الشيعية والسنية أن الظرف الوطني والدولي والمصلحة الإسلامية نفسها توجب اتخاذ نهج إسلامي معتدل يتجنب حزازات الماضي ويستصحب الديمقراطية ويعطي أولوية للمصلحة الوطنية فإنها سوف تحقق لدينها ووطنها نفعا لا يقدر بثمن‏.‏

    ثانيا‏:‏ لا يرجي للوفاق الوطني أن يتحقق أو يستمر إذا لم تحسم بعض القضايا المتعلقة بالهوية الدينية والإثنية والثقافية وهي قضايا لا تحسمها الأغلبية الانتخابية بل توجب الاعتراف المتبادل والتعايش السلمي إنها قضايا الاعتراف بالتعددية الدينية والمذهبية وحقوق أصحابها كأساس للتعايش والتسامح ومنع الفتن‏.‏

    ثالثا‏:‏ بعد الاتفاق علي تجنب الفكر الاستئصالي والاتفاق علي احترام الهويات الدينية والثقافية يتفق علي النهج الديمقراطي كوسيلة لتحقيق الحكم الصالح القائم علي المشاركة والمساءلة والشفافية والتداول السلمي للسلطة ويحدد بموجبه الدور الدستوري والقانوني للقوات المسلحة والشرطة والأمن بما يكفل استمرار الالتزام الديمقراطي ويجنب البلاد المغامرات الانقلابية‏.‏

    رابعا‏:‏ وبعد الاتفاق علي النهج الديمقراطي أساسا للحكم الصالح ينبغي الاتفاق علي مرحلة انتقالية تطبق برنامجا انتقاليا يحقق تطبيع الحياة في البلاد ويحدد الدور المؤقت لسلطة الاحتلال والانتقال لإشراف الأمم المتحدة وكيفية ممارسة الدور الوطني أثناء الفترة الانتقالية ووضع دستور البلاد الديمقراطي وتحديد كيفية إجازاته ووضع قانون للانتخابات وتحديد موعدها ونهاية الفترة الانتقالية‏.‏
    هذه القضايا هي التي تشكل تحديات للحركة السياسية العراقية لكي تحسم رؤاها وتوحد كلمتها حولها ولا تعزل من مشروع الوفاق الوطني أو التعاهد الوطني العراقي إلا أصحاب المواقف الاستئصالية‏.‏ وفي سبيل ذلك ينبغي الاتفاق علي معادلة للتعامل مع حزب البعث‏,‏ فالبعث مجني عليه مثل كافة وجوه الفكر السياسي العراقي الأخري‏.‏

    ولكن سدنة النظام المباد الذين ارتكبوا جرائم قهر وجرائم حرب وجرائم ضد الدين وضد الوطن وضد الإنسانية هم الذين ينبغي عزلهم عزلا تاما ومحاسبتهم محاسبة عادلة‏.‏

    خامسا‏:‏ إن علي دول الجوار للعراق واجبا مهما هو ألا تسمح لنفسها بالخوض في الشأن العراقي لتحقيق مكاسب ذاتية أو لتصفية حسابات معينة‏.‏ إن استقرار ووحدة العراق وحسن الجوار معه من مصلحة دول الجوار‏,‏ لذلك عليها أن تتفق علي الامتناع من استغلال الاضطراب في العراق والعمل بكل الوسائل وبشفافية علي تشجيع الوفاق الوطني والتحول الديمقراطي في العراق‏.‏
    إن للجامعة العربية ومؤتمر الدول الإسلامية دورا مهما في هذا الصدد فالواجب أن يعملا علي دفع دول الجوار للعراق في هذا الطريق وأن يعملا بكل إمكاناتهما بما في ذلك التوسط بين الأطراف العراقية لتحقيق الوفاق الوطني‏.‏

    سادسا‏:‏ إن دور الولايات المتحدة وبريطانيا والحلفاء مهم في هذه المرحلة‏.‏ هنالك اتجاه الهيمنة وهو الآن الغالب وله دعاته‏.‏ وهنالك اتجاه آخر أكثر واقعية وأكثر استنارة‏.‏
    إن نجاح مشروع الوفاق الوطني العراقي والدور المنشود للجامعة العربية ولدول الجوار سوف يؤدي لدعم الموقف الواقعي المستنير والعكس صحيح‏.‏

    إن التخلص من مطالب الهيمنة الدولية يتحقق إذا واجهت مقاومة قوية وطرح بدائل ناجحة‏.‏
    المقاومة القوية الواعية والبديل الوطني المنشود وسلوك دول الجوار المسئول وكذلك مواقف الجامعة العربية ومؤتمر الدول الإسلامية كفيلة باستقطاب دعم دولي قوي لصالحها وعزل برنامج الهيمنة حتي داخل الولايات المتحدة وبريطانيا ولكن في غياب مقاومة قوية وبديل ناجح فإن أصحاب مشروع الهيمنة سوف يجدون أقوي مبررات لمشروعهم‏.‏

    سابعا‏:‏ ومثلما يتفق العراقيون علي ميثاق أو تعاهد وطني شامل ينبغي أن تتخذ الأمم المتحدة قرارا يبرمج الإشراف علي العراق الحر ويحدد آلية ذلك الإشراف ويحدد دور التحالف المؤقت وأوقاته بما في ذلك موعد جلاء قوات التحالف وما يحل محلها إلي أن تقوم الأجهزة الوطنية الدفاعية والشرطية والأمنية‏.‏
    هذا بديل للاستسلام وللوهم نسهم به مع الأشقاء في العراق تطلعا لمستقبل أفضل ولصفحة عطاء جديدة‏

    http://www.ahram.org.eg/Archive/2003/5/31/FILE10.HTM
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de