في سنة 1943م...محمد احمد المجوب... يكتب عن السودان الجديد...!

Quote: السودان الجديد بقلم الكاتب المعروف الاستاذ محمد أحمد المحجوب الماضي ! والحاضر ! والمستقبل تراث أجيال من الوراثة التكوينية والخلقية وجهاد السواعد القوية والافكار النيرة والعقائد الثابته والنفوس الطموحة في الماضي القريب وفي الحاضر المشاهد واِرهاصات المستقبل وتوق النفوس وتطلعها الي شمس الغد المنيرة ؛ كل تلك مجتمعة يتكون منها " السودان الجديد " هي لحمته وسداه ولا يمكن أن يتحقق وجوده الا اذا اِتفقت تلك الخيوط المختلفة ورتبتها يد صناع حذق ووضعتها علي منول الزمن لتخرج منها نسيجاً قوياً ومنسقاً فيه من الجمال والاتساق ما يجعله محبباً يتفاني أهله في سبيل بقائه والتمتع به في حرية وامان لا يكدرهم دخيل ولا يهددهم مغير. هذا هو السودان الجديد. وهذه أرضه السحرية جمعت كل عناصر البقاء من اراض زراعية خصبة وصحاري مد البصر يشع فيها القمر سلاسل نوره الفضي وغابات وادغال وجبال وتلال والنيل السعيد كسلك العقد يضم هذه اللاَلي والحزازات ويحي الموات ويزيل الجدب . اذا درسنا ماضينا اتضح لنا أنه لم يخل من مواقف البطولة الفريدة والجمال الرائع والحكمة الخالدة وحق علينا أن نقوي العزم ونحشد الجهود ونجند الكفايات لننفض الغبار ونزيل الاوساخ والوحل عن تلك الصورة الزيتية ونمعن النظر مرة أخري بقلوب متيمنة وفرحة لتطلعنا من جديد سمات تلك البطولة وقسمات ذلك الجمال وشوارد تلك الحكمة التي تالفت منها عظمة السودان القديم في اوج مجده وستتالف منها عظمة السودان الجديد. اما الحاضر ! تلك الاربعون عاماً التي قضيناها بعد سقوط ام درمان وقطعنا نصفها الاكبر او يزيد في التعليم واِكتساب المعرفة وشهدنا فيه الحرب العظمي بويلاتها وما تمخضت عنه تلك الحروب وشهدنا بعدها سلما مزعزعاً قذف بالعالم الي هذه الحرب الحاضرة . وقطعنا النصف الاَخر في محاولات النهوض نتحد اَونة وننقسم أخري نتحابب ونتحارب ونتهادن اِنما هو البوتقة التي يصهر فيها معدننا فاما أن نخرج من التجربة شعباً قوياً لا يميته التعذيب ولا تزيده النار الا قوة وصلابة والا كنا معدنا فاسداً يفني امام التجربة الاولي . وعلي ابناء السودان الحاضر الا يعوقوا سير السودان الجديد بخلافاتهم وحزازاتهم الشخصية عليهم أن يتفقوا في الهدف مهما اِختلفوا في الوسائل المؤدية اليه ولا يمكن أن يكون الهدف بلاد كهذه متعدداً انه واحد مفرد: التحرر والخلود. وكل سوداني يعمل لهذه الغاية مهما كانت وسائله علينا أن نحبه ونحترمه ونساعده. بقي المستقبل ! بقي الغد المامول.فهل نقنع بالحلم الجميل والخيال الاخاذ ؟ لا بد من عمل لنحقق الصورة في اذهاننا اولا ونخرجها الي حيز الوجود ثانياً . يخطيئ من يحسب أن المستقبل يقوم علي احتقار الماضي والاستهانة بالحاضر ؛ انمٌا المستقبل يبني بالاصلاح والحفاظ وعلينا ان نكون عاملين ومعاذ الله ان نكون من الهدامين. وماذا علمتنا حوادث الماضي في بلادنا وغير بلادنا ؟ وماذا علمتنا حوادث هذه الحرب في البلاد الاوربية وغير الاوربية ؟ ألم تعلمنا أن العدل أساس الملك وأن الوجود لا معني له بغير هذا العدل. ألم نفهم جلياً أن العدل يحتاج الي النظام والحفاظ علي الحريات وان هذه الحياة لاتوجد فيها السعادة والهناء الا اذا تمتع كل امريء بحرية التفكير والافصاح والاجتماع والحركة . الم يقنعنا منطق الحوادث أن المعرفة كالبهار للعدل ولجميع تلك الحريات . هذا هو السودان الجديد ولكن سبيلنا الي تحقيقة : الحفاظ علي ماضينا والرجوع اليه كلما احتجنا الي التشجيع ودوافع العمل ؛ واصلاح حاضرنا والتقدم به ؛ وتوضيح صور مستقبلنا والعمل علي تحقيقة ولكن عادلين كما نحب أن يكون الناس عادلين معنا ولنتمتع بالحريات الرئيسية التي يكفلها لنا القانون الطبيعي والقانون الوضعي كما نكفل لغيرنا التمتع بحرياتهم . وعلينا أن نتفاني في سبيل المعرفة والحكمة فلا يعقد الجهل بجهودنا ولا يطيش الحمق باحلامنا ؛ فنخلق بذلك سودان الغد الذي سيعمل مع كل شعوب العالم علي قدم المساواة في الحقوق والواجبات والتسامي بالبشرية نحو هدفها الاسمي. هذا هو السودان الجديد وهذه هي سبيله. فليعمل المفكرون والزعماء والمجاهدون صوب ذلك الهدف في تفكيرهم وقيادتهم وجهادهم ليربحوا رضاء الاَباء والاجداد في قبورهم وليضمنوا شكر الابناء والحفدة في غدهم محمد أحمد محجوب