"الراديكالية الرثّة" للرئيس جاكوب زوما إرث انظام التمييز العنصريّ، في مناخٍ من عدم المساواة الا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 09-02-2025, 02:30 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-19-2009, 02:28 PM

esam gabralla

تاريخ التسجيل: 05-03-2003
مجموع المشاركات: 6116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
"الراديكالية الرثّة" للرئيس جاكوب زوما إرث انظام التمييز العنصريّ، في مناخٍ من عدم المساواة الا

    "الراديكالية الرثّة" للرئيس جاكوب زوما

    إرث انظام التمييز العنصريّ، في مناخٍ من عدم المساواة الاجتماعية والديماغوجيّة العنصرية

    ميشال مْبَامْبي

    نقلآ عن لوموند دبلوماتيك

    "حكومةٌ لكلّ مواطني جنوب إفريقيا". هذا كان وعد جاكوب زوما بعد فوزه في انتخابات 22 نيسان/ابريل 2009 الرئاسيّة. ولكنّ صاحب الشخصية الكارزمية والغامضة، الذي يقود الآن القوة الاقتصادية الأولى في القارة السوداء، سيواجه مُجتَمَعاً ينخره عدم المساواة والجريمة. كما عليه أن يتعامل أيضاً مع الأزمة التي يمرّ بها حزبه، المؤتمر الوطني الإفريقي ، الذي تعصف به التوتّرات الداخلية.


    في 6 أيار/مايو عام 2009، اختارت جنوب إفريقيا على رأسها رجل السياسة الأكثر دهاءً والأكثر غموضاً في البلاد. فالسيّد جاكوب زوما، الرئيس الجديد للقوّة الاقتصادية الأولى جنوب الصحراء الافريقية، الشخصية المغامرة والبطل الشعبيّ والنموذج الرومانسي، يحرّك المشاعر بشكلٍ جنونيّ منذ أن أقاله رئيس الدولة ثابو مبيكي من منصب نائب الرئيس في العام 2005. فمن التُّهم التي وجّهتها إليه وقتها الحكومة الديموقراطية الأولى التي انتخبت في البلاد، تهمة الفساد لدى شراءٍ - موضع خلاف - لأسلحة [1].

    وإذ دافع عنه بضراوة أفضل محامي جنوب إفريقيا، فقد نجح في اعتماد كلّ الوسائل القانونية وشبه القانونية [2] لكي لا يضطر إلى الخوض في القضايا التي اتّهم بها أمام المحاكم. وفي حين أنّه زعيم الحركة المسمّاة "التجدّد الأخلاقي"، في إحدى دول العالم الأكثر عرضةً لمرض الإيدز، فقد برّئ فيما بعد من قضيّةٍ غامضةٍ تتعلّق باغتصاب فتاةٍ صغيرة .

    وقد ولد السيّد زوما في أسرةٍ فقيرة ومحافظة في كوازولو-ناتال، ثمّ تخلّى مبكّراً عن دراسته، لكي يخوض غمار النضال من أجل التحرير. وعلى غرار معظم الكوادر من جيله في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي أمضى سنوات طويلة في السجن على جزيرة "روبين" في عرض البحر مقابل مدينة الكاب. وعندما استعاد حرّيته عاود نشاطه لكن هذه المرّة في المنفى ضمن حركةٍ سرّية. وقد تمكّن، كرجلٍ قليل الثقافة إنّما ماكر وعملانيّ، من ارتقاء المراتب داخل الحزب، وكان عشيّة سقوط نظام التمييز العنصري يهتمّ بشبكات الاستخبارات.

    طريقة صعوده إلى الحكم كانت من أكثر القصص المراوغة في تاريخ جنوب إفريقيا الحديث. وجاءت نتيجة صراعات مريرة داخل حزب المؤتمر الوطني الافريقي، حيث أثار ترشيحه إلى منصب الرئاسة في كانون الأول/ديسمبر عام 2008 انشقاقاً في الحزب تشكّل بموجبه حزب "مؤتمر الشعب" COPE، بقيادة بعض الوجهاء السابقين الذين انفصلوا عن إدارة مبيكي [3]. وهكذا، راح كلّ فريقٍ، في المعركة التي دارت حينها بين مناصري السيد زوما ومناصري السيد مبيكي، يتّهم الآخر باستغلال الأجهزة السرّية وأجهزة أمن الدولة لأهدافه الخاصّة. حتّى أنّه لم تسلم أي مؤسّسة رسميّة أخلاقياً في هذه المواجهات. وإذا بجنوب إفريقيا تفقد الصورة المثالية التي طبعت السنوات العشر الأولى من عصرها الديمقراطي.

    فهناك، بالإضافة إلى صلابة وإصرار هذه الشخصية، عواملٌ عديدة تفسّر انقلاب الرأي العام الأسود لصالحه، بعد أن كان متحفّظاً في البداية، ثمّ انتخابه رئيساً من قبل البرلمان في 2009 [4] بالرغم من الشوائب الفادحة ونقاط الضعف التي كانت لتشكّل في مكانٍ آخر معوّقات لا يمكن تجاوزها. ففي مجتمعٍ يُضفي وضعاً مميّزاً على ضحايا التاريخ، ويكنّ لهم تكريماً حقيقياً، ويدعو في كلّ مناسبة إلى غفران الخطايا والمسامحة والمصالحة، عرف السيّد زوما كيف يتلبّس ثياب الرجل البائس العادي الذي يواجه اضطهاد سلطةٍ شيطانيّة متطاولة، تعذّب على يد قضاءٍ مجرمٍ ينفّذ أوامر أميرٍ شريرٍ يتمثّل في شخصية الرئيس مبيكي.

    وإذ وظّف لمصلحته الأخطاء التي وقع فيها خصمه الرئيسي، فقد ساهم في عزله أكثر وأكثر حين اعتنق، من أجل ضرورات القضيّة، ثقافة "الراديكالية الرثّة" lumpen-radicalisme القديمة التي ميّزتلتاريخ النضالات والمنظّمات الشعبية في جنوب إفريقيا. كما قدّم نفسه على أنّه بطل الناس المهمّشين مع تزايد العاطلين عن العمل في سنوات حكم مبيكي، وعلى أنّه من سيعيد الثورة إلى الطريق الصحيح ويوزّع مكاسب التحرير على الجميع.

    وفي الواقع، كان تراجع شعبية السيّد مبيكي، في عهده الرئاسي الأخير، يتفاقم باطّراد في أوساط الطبقات الشعبية والمهمّشة. فعجز الحكومة أمام أهمّ كارثتين ضربتا بقوّة حظوظ الشرائح المحرومة في الحياة، أي الإجرام والإيدز، لم يساهم في توسيع الهوّة بين الحكم البيروقراطي من جهة والشعب من جهة أخرى وحسب، بل أنّه فتح الطريق أمام مساءلةٍ مؤذية لدولة القانون على أساس أنّ معظم الفقراء قد اعتبروا أنّهم "مخدوعون" بهذه الديمقراطية ذاتها.

    ولكي يمسك السيد زوما بزمام الحزب ويصل إلى المنصب الأعلى، استفاد من دعم تحالفٍ غريبٍ من النقابيين والشيوعيين، الذين كانوا يعارضون السياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي اتّبعها السيّد مبيكي منذ أواسط تسعينات القرن الماضي، وكذلك من الفطريين (nativistes) [5]. كما عرف السيد زوما كيف يحظى بتأييد المنظّمات الشبابيّة في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي والحزب الشيوعي، التي تحوّلت تدريجياً إلى ميليشيات مدنية قامت إحدى مهمّاتها على ترهيب المواطنين والتهجّم على شرعية المؤسّسات، القضائية منها على الأخصّ، والتي أحيت قسماً من اللغة الخطابية التي كانت رائجة في عصر النضال ضدّ نظام التمييز العنصريّ وأضفت صفة المناهض للثورة على كل من يتجرّأ على التشكيك في صفات السيد زوما الأخلاقية.


    زمرةٌ من المغامرين والمنتفعين

    كما أعادت هذه المليشيات المدنية الاعتبار للغة المؤامرات والخيانة، دون تردّد في التصريح برغبتها في "قتل" أو "تصفية" أعداء ثورةٍ راحت تجاهد لكي تخفي انحرافها القومجيّ البرجوازيّ الصغير؛ هذا الانحراف الذي اعتقد فرانتز فانون أنّه اكتشفه لدى الحركات الإفريقية المناهضة للاستعمار بمجرّد أن وصلت إلى الحكم وحلّت مكان أسياد الأمس البيض.

    وإلى هذه القوى المنظّمة أضيفَت جماعات من المغامرين وأصحاب المصالح والمشتغلين بالسياسة سعياً إلى الانتفاع وهمّهم الوحيد تبييض الأموال القذرة. وقد اتّهم عدد منهم بالفساد والتزوير وسائر المخالفات. وسعى معظمهم على الأخصّ إلى احتلال موقعٍ داخل الشبكات النافذة ودوائر الإثراء الخاص، الذي أصبح مٌمكناً بفعل السياسات التي وصفت بـ"التمييز الإيجابي" (Black Economic Empowerment - دعم السود اقتصادياً) [6].

    وحتّى وإن كان حزب المؤتمر الوطني الافريقي قد تراجع قليلاً بالنسبة إلى نتائج انتخابات العام 2004، فإنّ الرقم الذي حقّقه السيد زوما في الانتخابات العامّة التي جرت في نيسان/إبريل - أيار/مايو عام 2009 يؤكّد الموقع المهيمن الذي يشغله الحزب على الساحة السياسية. فالفضائح المتكرّرة والمخالفات المزمِنة وعدم الكفاءة اللافت والفساد الزاحف، كل هذا لم يكن كافياً ليفقده دعم الجماهير الفقيرة السوداء في المناطق الريفية وفي مدن الصفيح والمخيّمات المرتجَلة التي باتت تطوّق المدن الكبرى.

    لكن في النهاية وعلى مدى السنوات الخمس عشرة الأخيرة، تمّ بناء بضعة ملايينٍ من المساكن. ويستفيد حوالى اثنين وعشرين مليون شخص بطريقةٍ مباشرة أو غير مباشرة من مختلف البرامج الاجتماعية المخصّصة للمعوزين. وأصبح الحصول على مياه الشفّة حقيقةً بالنسبة إلى العدد الأكبر من المواطنين؛ وبالنسبة إلى هذه الجماهير الفقيرة يبقى حزب المؤتمر الوطني الإفريقي هو الأمل الوحيد للخروج من حالة البؤس هذه.

    إلا أنّ البطالة الكثيفة تبقى مستمرّة: فقد بلغت نسبتها رسمياً 34 في المئة من قوّة العمل. وفي الواقع شهد الاقتصاد تحوّلات، لدرجة أنّه بسبب عدم كفاية التأهيل بات هناك الملايين الذين لا يمكن بنيوياً تشغيلهم. أما مستويات الفوارق بين الفقراء (ومعظمهم من السود) والأغنياء فهي من الأكثر ارتفاعاً في العالم. فحوالي 60 في المئة من الشعب، وغالبيتهم من السود محدودي التعلّيم، يكسبون أقلّ من 42 ألف راند سنويّاً (5000 يورو)، بينما يحصل 2.2 في المئة على إيرادٍ سنويّ يزيد عن 360 ألف راند (37 ألف يورو) ويعيشون على الطريقة الغربية.

    وفي كلّ سنة يرتفع مجموع أعداد الوفيات، من ضحايا حوادث السير أو الجرائم من كلّ الأنواع والأيدز والسلّ ليزيد عن مائة ألف. وحالات الإجرام قائمة بشكلٍ ضاغطٍ يومياً لدرجة أنّ أيّاً شخصٍ يمكن أن يخسر حياته في أيّ وقت وأيّ مكان ولأيّ سبب كان. كما أنّ عدّة آلافٍ من النساء والفتيات يتعرّضنَ سنوياً لمختلف أشكال العنف الجنسيّ.

    وبفعل العنف الاجتماعي (السلب بقوة السلاح، الاغتصاب ومختلف الجرائم) أصبح قسمٌ من السكّان مسلّحاً بقوّة (حتّى بين الفقراء) أو إذا أمكنهم ذلك، يعيشون وراء المتاريس في جيوب مدينية محميّة [7]. وحتّى الآن لم يتمّ تسييس هذا العنف الاجتماعي؛ لكنّه يساهم بقوّة في بلورة ثقافة الابتزاز والاقتناص، ثم في تعميمها.

    وما بين العامين 1994 و2009، تعقّد توزّع الشرائح الاجتماعية في أوساط السوداء. فقد شكّل بروز شريحة وسطى، ثم برجوازية متواضعة واقعاً اجتماعياً رئيساً في السنوات الخمس عشرة الأخيرة. وقد تبيّن أنّ هذه البرجوازية السوداء، المتحدّرة من سياسة التمييز الإيجابي التي بدأت في العام 1994، طفيليّة لقسمٍ غير قليل منها.

    وبفضل مختلف الورش التي فتحتها الحكومة ومختلف الآليات التفضيلية، بات هناك نسيجٌ من الشركات السوداء في طريق التكوّن. كما أنّ نظام استدراج العروض يسمح لحزب المؤتمر الوطني الافريقي بأن يموّل عملية تشكّل شبكات زبائنيّة، مسهّلاً في طريقه عملية الإفساد التي، ولسخرية القدر، تتجاوز الانقسامات العرقية. فلم يعُد البيض والسود هم الذين يتواجهون وحسب في النزاعات الاجتماعية؛ فالانقسام الاجتماعي انتقل أيضاً حتّى إلى صفوف ضحايا التمييز العنصريّ سابقاً، إذ باتت العوامل الطبقية تُضاف إلى الانقسامات العرقية القديمة.

    في ظلّ هذه الظروف، تقوم استراتيجية حزب المؤتمر الوطني الافريقي على الحفاظ بأيّ ثمن على احتكار الهيمنة المعنويّة التي طالما مارسها على الأغلبيّة. ولأنّه عاجزٌ عن استئصال الفقر والحدّ من البطالة الكثيفة على المدى المنظور، فالحزب الحاكم يجهد منذ العام 1994 لكي يعمّم برامج المساعدات للأكثر حاجةً، وهو يسعى من جهةٍ أخرى إلى تسريع إغراء واستتباع الطبقات الوسطى السوداء الجديدة.


    انكفاء البيض على السواحل

    لكنّ استمرار البؤس وتنامي الفوارق الاجتماعية ودوام المسألة العرقية، كلّ هذا يشكّل خطراً محتملاً على هذه الهيمنة، التي بات من الصعب أكثر فأكثر إخفاء طبيعتها الطبقية. ومن أجل تعطيل إمكانية ان تصبح نقاط ارتكاز لأيّ معارضة محتملة، تقوم النخب الحاكمة بمصادرة هذه الموضوعات مسبقاً: فهي تستعملها لنفسها وذلك، في آنٍ معاً، لكي تزرع الحماس في قواعد حزب المؤتمر الوطني الإفريقي وتعطّل الانتقادات وتتخلّص من واجب تقديم الحسابات. وتسمح هذه الاستراتيجية للحزب بأن يجمع ما بين أعمال الإدارة الحاكِمة (لكن من دون مسؤولية) وأعمال محامي الشعب؛ وهذا يعني أنّ الحكم يتطلّع لكي يكون هو المعارض لذاته.

    وسياسة "الراديكالية الرثّة"، التي كانت نافعة في سنوات النضال ضد نظام التمييز العنصري، قد ظهرت مجدّداً في سياق صعود السيّد زوما إلى الحكم، ثمّ في سياق الحملة الانتخابية مؤخّراً. وهذا ينطبق أيضاً على خطاب العنف الثوري التي تطبّق على الخونة والأعداء الطبقيين. إذ باتت تنهض بهذا الإرث المنظمات النقابيّة الأهم في البلاد، وهي مؤتمر نقابات جنوب إفريقيا (Cosatu)، ومنظّمات الشبيبة في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي والحزب الشيوعي. وهم لا يستهدِفون فقط أحزاب المعارضة السياسية، بل أيضاً بعض فروع الحكم الدستوري نفسه، على غرار المؤسّسات القضائيّة.

    ومن المستهدفين بذلك أيضاً بعض الشخصيات المستقلّة التي تنتقد صفات السيّد زوما الأخلاقية (مثل الأسقف ديزموند توتو، عميد جامعة جنوب افريقيا بارني بيتيانا أو رسّام الكاريكاتير جوناثن شابيرو) وحتّى مختلف الجمعيات وعالم وسائل الإعلام.

    وقد كشفت الانتخابات الأخيرة في النهاية وجود ثلاثة توجّهات طويلة الأمد، يمكن أن تترك أثراً كبيراً على مستقبل تجربة جنوب إفريقيا. الأوّل يتمثّل بخروج الأقليّات التقدميّة من السكان البيض من حزب المؤتمر الوطني الافريقي، تلك التي تغلّبت منذ العام 1994 على الأحكام المسبقة العنصريّة وصوّتت إلى جانب الغالبية السوداء. أمّا التوّجه الثاني فيأتي من تمزّق الأحزاب الإقليمية الصغيرة، وتبلور ثم تمحور الناخبين حول كتلتين متميّزتين نسبيّاً ذوي دلالتين عنصريّتين: من جهة غالبية سوداء تتكوّن قاعدتها بشكلٍ أساسيّ من جماهير الفقراء؛ ومن جهة أخرى تحالف الأقلّيات البيضاء والخلاسيّة والهندية الميسورة نسبيّاً.

    يضاف إلى ذلك عملية التقسيم البطيء الجارية في البلاد؛ إذ تتطوّر مرحلة جديدة من الهجرات الداخلية والخارجية؛ ومن نتائجها إعادة تمركزٍ جغرافيّ للسكّان البيض، وظهور حالات خللٍ جديدة في التوازنات بين المناطق الساحلية (الوطن الجديد للبيض) والمناطق الداخلية (بلاد السود). ففي مواجهة المدن المطوّقة بالجماهير المتزايدة من السود الفقراء (وبعضهم وافدٌ من بلادٍ مجاورة)، هناك نوعان من الهجرة في أوساط البيض. فهناك أوّلاً الانكفاء نحو السواحل وخصوصاً في مقاطعة الكاب الغربية، ثم الهجرة إلى أستراليا أو نيوزيلندا أو إيرلندا أو كندا.

    هكذا سمح انكفاء البيض إلى السواحل والتحالف السياسي القائم بينهم وبين المولّدين، للتحالف الديمقراطي (بقايا الأحزاب العنصرية القديمة والليبرالية البيضاء) بأن يجتاح مقاطعة الكاب في الانتخابات الأخيرة، جاعلاً منها المنطقة الوحيدة في البلاد التي لا تخضع لتفوّق حزب المؤتمر الوطني.

    لكن بدلاً من تحويل المقاطعة إلى مختبرٍ فعليّ لديموقراطية ما بعد المرحلة العنصرية، وإلى محطّة تجارب لتداولٍ ممكنٍ للسلطة، يشير كلّ شيءٍ إلى أنّ التحالف الديمقراطي وزعيمته، السيّدة هيلين زيل، يسعيان إلى جعلها المستعمَرة البيضاء الأخيرة في القارّة. ولا يعني هذا بالضرورة انتزاع المواطنة السياسية من السود، بل القيام، من وراء بهارج الليبرالية والدفاع عن العقلانيّة التكنوقراطية، بتطبيق صيغةٍ إصلاحيةٍ استعمارية، كان نظام التمييز العنصري عاجزاً عن إنجاحها كونه كان مغلقاً على ذاته بالأحكام المسبقة. هكذا ورث الرئيس زوما دولةً ضعيفة. ولا تسمح الظروف الدولية أبداً بانعطافات كبيرة في السياسة الاقتصادية، رغم الحاجة إلى ذلك من أجل مواجهة الفقر المستشري والمظالم. ويكمن التحدّي الأكبر في إعادة تأهيل كتلة "غير القابلين للتوظيف"، هؤلاء الذين يغذّون موكب المهمّشين.

    ويشكّل انفجار الإجرام، أكثر من أي عاملٍ آخر (إذ يمكن التحدّث على بثّ الاجرام المتنامي في النظام الاجتماعي)، إضافةً الفساد المستشري، أكبر التهديدات المباشرة للنظام السياسي الدستوريّ. وليس من شأن التحوّل الديموقراطي المجمّد في الأمور الأساسية، إلاّ أن يفاقم من هذا الخطر. فمنذ العام 1994، لم يكن النظام السياسي أبداً عرضةً "لإلغاءٍ للعنصرية" بشكلٍ عميق. ولا تتوجد في الآونة الحالية أيّة بدائل في الأفق. وبالرغم من الصراعات الداخلية في حزب المؤتمر الوطني الافريقي، فإنه يبقى في الواقع حزباً مهيمناً. وشيئاً فشيئاً، ستتميّز المصالح الموضوعيّة للطبقة الحاكمة الجديدة والطبقات الوسطى السوداء عن مصالح الطبقات الدنيا، تلك الحاضنة الفعلية للقوى الديماغوجية والمأخوذة بسراب "الرجل القويّ".

    هذا التسلّط الذي يمارسه حزب المؤتمر الوطني الافريقي على الحياة السياسية والمؤسّساتية، وحتّى حالة اللبس التي تمّ خلقها بين الحزب والدولة، بعيداً من أن يكونا مصدر استقرار، يشكّلان تهديداً محتمَلاً للديمقراطية ودولة القانون. في حين من المستحبّ إيجاد توازنٍ سليم بين الحزب الحاكم وقوى المعارضة. وليست إعادة التوازن هذه ممكنة إلاّ إذا وضعت المعارضة حدّاً لتشرذمها. وعندها ستنفتح الطريق لإعادة تشكّلها حول حزبٍ يجب أن يتشكّل حُكماً من تحالفٍ متعدّد الإثنيات ومتعدّد الأعراق من أجل فرض عمليّة تداول السلطة. والحال أنّ تطوّراً من هذا النوع لا يمكن تصور قيامه من دون تحوّلاتٍ ثقافيةٍ عميقة وكذلك في الروح الشعبية "المغذّية العنصرية" التي ما تزال تطبع الحياة السياسية في البلاد في أوساط كلّ الفرقاء.

    كما يتطلّب هذا التطوّر من ناحيةٍ أخرى إصلاح القانون الانتخابي بما يجعل انتخاب رئيس الدولة يتمّ مباشرةً من الشعب، وانتخاب النواب يجري في دوائرٍ محدّدة بشكلٍ دقيقٍ، تتمكّن من محاسبتهم فيما بعد. وفي غياب هذه التحوّلات، هناك خطرٌ ألاّ تحقّق جنوب إفريقيا أيّ تطوّرٍ نحو مسار "الدولة الديمقراطية" المثلى لما بعد النظام العنصريّ.

    * أستاذ التاريخ والعلوم السياسية في جامعة فيتفاترساند في يوهانسبرغ؛ من مؤلفّاته التي ستصدر قريباً: Le Sujet de race. Contribution à la critique de la raison nègre, Fayard (Paris), en 2009.

    [1] تورّطت في هذه القضية المجموعة الفرنسية "تاليس".

    [2] في تموز/يوليو عام 2008، صرّح السادة زويلينزيما فافي، رئيس مؤتمر النقابات الجنوب إفريقية Cosatu، وجوليوس ماليما، رئيس عصبة شبيبة الحزب، وبوتي ماناميلا الأمين العام للشبيبة الشيوعية، وكبار المسؤولين في جمعية قدامى الكفاح المسلّح، أنّهم "مستعدون للقتل والموت من أجله".

    [3] حصل حزب مؤتمر الشعب (COPE) على 027 311 1 صوتاً (ما نسبته 7.42 من المقترعين) وعلى ثلاثين مقعداً في الانتخابات العامة في 22/4/2009.

    [4] في جنوب افريقيا البرلمان هو الذي ينتخب الرئيس. وعليه فإنّ فوز حزب المؤتمر الوطني الافريقي في الانتخابات التشريعية (65.9 في المئة من المقترعين) قد سمح للسيّد زوما بأن يصبح رئيس الدولة بحصوله على 277 صوتاً في البرلمان مقابل 47 صوتاً.

    [5] الفطريّة nativisme هي إيديولوجيا تمجّد التباين والتنوّع وتناضل من أجل الحفاظ على العادات والهويّات التي تعتبر مهدّدة. وفي منطق "الفكر الفطري"، أنّ الهويات والنضالات السياسية تختزل على أساس التمييز بين "من هم من هنا" (السكان الأصليين) و"الذين وفدوا من مكانٍ آخر" (الطارئون). وينسى الفطريون أنّ العادات والتقاليد التي يمجّدونها، في أشكالها المنمّطة، كانت غالباً من ابتكار المرسلين والمستعمرين، وليس السكان الأصليين أنفسهم.

    [6] اقرأ: يوهان روسّو: "توظيف منصف في جنوب إفريقيا"، لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية، آيار/مايو 2007، http://www.mondiploar.com/article96...

    [7] اقرأ: فيليب ريفيير: "عندما يطالب الإفريقيّون الجنوبيّون بسقفٍ يسكنون تحته"، لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية، نيسان/إبريل 2008، http://www.mondiploar.com/article19...[/B]
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de