مقامـــات ... القـــرني

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 04:34 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-17-2009, 10:29 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مقامـــات ... القـــرني

    إخوتي
    عائض القرني
    أديب وخطيب وشاعر وواعظ
    تأسرك لغته الجزله وأسلوبه الرصين
    قرأت له - أخيراً - (لا تحزن) ثم (مقامات القرني)، فأردت أن يشارك من لم يقرأ له في الإطلاع على مقتطفات من بعض أعماله (مقامات القرني) ويمكن لمن يريد الإطلاع على المقامات كاملة تحت الرابط التالي
    مقامات القرني
    وإليكم

    مقـامَــــة الـتـوبـــــة
    ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ )
    ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي *** جعلت الرجا ربي لعفوك سلما
    تعاظمني ذنبي فلما قرنته *** بعفوك ربي صار عفوك أعظما



    يا باغي الخير أقبل ، فالباب غير مقفل ، يا من أذنب وعصى ، وأخطأ وعتى ، تعال فلعل وعسى ، يا من بقلبه من الذنوب جروح ، تعال فالباب مفتوح ، والكرم يغدو ويروح ، يا من ركب مطايا الخطايا ، تعال إلى ميدان العطايا ، يا من اقترفوا فاعترفوا ، لن تنسوا &#61533; قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا &#61531; ، يا من بذنب باء ، وقد أساء ، تذكر : (( يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء )) .
    أسقت بغي كلبا ، فأرضت ربّا ، ومحت ذنبا ، قتل رجل مائة رجل ، ثم تاب إلى الله عز وجلّ ، فدخل الجنة على عجل .
    لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه
    من جود فضلك ما علمتني الطلبا


    من الذي ما أساء قط ، ومن له الحسنى فقط ، ومن هو الذي ما سقط ، وأين هو الذي ما غلط ، يا كثير الأخطاء : أنسيت : كلكم خطّاء ، كم يقتلك القنوط كم ، وأنت تسمع : (( والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم )) .
    اطرق الباب تجدنا عنده *** بسخاء وببذل وكرم
    لا تقل قد أغلق الباب فلا *** تحمل اليأس فتلقى في الندم



    إذا أذنبت فتب وتندّم ، فقد سبقك بالذنب أبوك آدم ، ومن يشابه أباه فما ظلم ، وتلك شنشنة نعرفها من أخزم ، فلا تقلد أباك في الذنب وتترك المتاب ، فإن أباك لما أذنب أناب ، بنص الكتاب .
    أصبحت وجوه التائبين مسفره ، لما سمعوا نداء : لو أتيتني بقراب الأرض خطايا لأتيتك بقرابها مغفره ، اطرح نفسك على عتبة الباب ، ومد يدك وقل : يا وهّاب . أرغم أنفك بالطين وناد : رحمتك أرجو يا رب العالمين .
    إن جرى بيننا وبينك عتب *** وبعدنا وشط عنا المزار
    فالقلوب التي عرفت تلظّى *** والدموع التي عهدت غزار



    يا من أساء وظلم ، اعلم أن دمعة ندم ، تزيل أثر زلة القدم . أنت تتعامل مع من عرض التوبة على الكفار ، وفتح طريق الرجعة أمام الفجّار ، وأمهل بكرمه الأشرار . أنزل بالعفو كتبه ، وسبقت رحمته غضبه .
    والله ما لمحت عيني منازلكم *** إلا توقد جمر الشوق في خلدي
    ولا تذكرت مغناكم وأرضكموا *** إلا كأن فؤادي طار من جسدي



    اسمه التوّاب ، ولو لم تذنب لما عرف هذا الوصف في الكتاب ، لأن الوصف لابد له من فعل حتى يوصف بالصواب . ما تدري بالذنب ، محى العجب ، وبالاستغفار حصل الانكسار ، لكأس الاستكبار ، وصار الانحدار ، لجدار الإصرار .
    لا تصر ، بل اعترف وقر ، فإن طعم الدواء مُر ، وسوف تجد ما يسر ولا يضر ، واحذر الشيطان فإنه يغر .
    اطرق الباب فإنا فاتحون
    لا تغيرك على الصحب الظنون

    الاعتراف بالاقتراف ، طبيعة الأشراف ، قف بالباب ، وقل : أذنبنا ، وطف بتلك الديار وقل : تبنا ، وارفع يديك وقل : أنبنا ، ( أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ، سبحان من يغفر الذنب لمن أخطأ ، ويقبل التوبة ممن أبطأ .
    التوبة تَجُبُّ ما قبلها ، وتعم بركتها أهلها . يقول عليه الصلاة والسلام (( التائب من الذنب كمن لا ذنب له )) ، وهذا قول يجب أن نقبله ، فهنيئاً لمن تاب وأناب ، قبل أن يغلق الباب . التائب سريع الرجعة ، غزير الدمعة ، منكسر الفؤاد ، لرب العباد ، دائم الإنصات ، كثير الإخبات .
    للتائب فرحتان ودمعتان وبسمتان .
    فرحة يوم ترك الذنب ، والأخرى إذا لقي الرب ، ودمعة إذا ذكر ما مضى ، والثانية إذا تأمل كيف ذهب عمره وانقضى ، وبسمة يوم ذكر فضل الله عليه بالتوبة ، وهي أجلّ نعمة ، والأخرى يوم صرف عنه الذنب وهو أفظع نقمة .
    بشرى لمن عفّر جبينه ، وأشعل في قلبه أنينه ، وأضرم بالشوق حنينه ،التائب تبدل سيئاته حسنات ، لأن ما فات مات ، والصالحات تمحو الخطيئات .
    للتوبة أسرار ، ولأصحابها أخبار ، فالتائب يزول عنه تصيد المعائب ، وطلب المثالب ، لأنه ذاق مرارة ما تقدّم ، فهو دائماً يتندّم ، وهو يفتح باب المعاذير ، لمن وقع في المحاذير ، ولا يفعل فعل المعجب المنّان ، الذي قال : والله لا يغفر الله لفلان ، بل يستغفر لمن أساء من العباد ، ويطلب الهداية لأهل الفساد ، والتائب يطالع حكمة الرب ، في تقدير الذنب ، وأنه لا حول للعبد ولا قوّة ، في منع نفسه من الوقوع في تلك الهوّة ، فالله غالب على أمره ، بعزته وقهره ، والتائب ذهبت عن نفسه صولة الطاعات ، والدعاوى الطويلات ، والتبجح على أهل المعاصي ، وأصبح ذليلاً لمن أخذ بالنواصي ، فإن بعض الناس إذا لم يقع في زلّة ، ولم يذق طعم الذلة ، جمحت به نفسه الأمّارة ، حتى جاوز أطواره ، فكلما ذكر له عاص تأفّف ، وكلما سمع بمذنب تأسّف ، وكأنه عبد معصوم ، في حياته غير ملوم ، يحاسب الناس على زلاتهم ، ويأخذ بعثراتهم ، فإذا أراد الله تقويمه ، ليسلك الطريق المستقيمة ، ابتلاه بذنب لينكسر لربه ، وأراه ضعف قوته فيعترف بذنبه، فيصبح يدعو للمذنبين ، ويحب التائبين ، ويبغض المتكبرين .
    ومنها أن كأس الندم يتجرعه جرعة جرعه ، مع انحدار دموع الأسف دمعة دمعه، حينها ينال الولاية ، ويدرك الرعاية ، لأنه عرف سر العبودية ، ودخل باب الشريعة المحمديّة ، فإن ذل العبد مقصود ، وتواضعه محمود ، لصاحب الكبرياء المعبود .
    ومنها أنه يشتغل بالاستغفار ، عن الاستكبار ، فهو دائم الفكر في تقصيره ، مشتغلاً به عن غروره ، لأن بعض الناس لا يرى إلا إحسانه ، ولا يشاهد إلا صلاحه وإيمانه ، حتى كأنه يَمنّ على مولاه ، بطاعته وتقواه ، بخلاف من طار من خوف العاقبة لبه ، وتشعب بالندم قلبه ، فهو كثير الحسرات ، على ما مضى وفات ، وهذا هو حال من عرف العبادة ، وسلك طريق السعادة .
    واعلم أن لوم النفس على التقصير ، والنظر إليها بعين التحقير ، والإزراء عليها في جانب مولاها ، وعدم الرضا عنها لما فعله هواها ، يقطع من مسافات السير ، إلى اللطيف الخبير ، ما لا يقطعه الصيام ولا القيام ، ولا الطواف بالبيت الحرام ، فهنيئاً لمن على ذنبه يتحرق ، وقلبه يكاد من الأسف يتمزّق ، ودمعه على ما فرّط يترقرق .
    وقفنا على الأبواب نزجي دموعنا
    ونبعث شوقاً طالما ضج صاحبه

    أجمل الكلمات ، وأحسن العبارات ، لدى رب الأرض والسموات ، قول العبد : يا رب أذنبتُ ، يا رب أسأتُ ، يا رب أخطأتُ ، فيكون الجواب منه سبحانه : عبدي قد غفرت وسامحت ، وسترت وصفحت .
    إن الملوك إذا شابت عبيدهمو *** في رقهم عتقوهم عتق أبرار
    وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً *** قد شبت في الرق فاعتقني من النار


    عفّر الجبين بالطين ، وناد : يا رب العالمين ، تبنا مع التائبين ، اغسل الكبائر بسبع غرفات من ماء الدموع وعفرها الثامنة بتراب المتاب ، فهذا فعل من أناب ، حتى يفتح لك الباب . تأوّه المذنبين التائبين ، أحب من تسبيح المعجبين ، من قضى ليله وهو نائم ، وأصبح وهو نادم ، أحب ممن قضاه وهو مسبّح مكبّر ، وأصبح وهو معجب متكبّر .
    إذا أردت القدوم عليه ، توسل برحمته وفضله إليه ، ولا تمنن بطاعتك لديه، لا تيأس من فتح الباب ، ورفع الحجاب ، فأدم الوقوف عنده ، واخطب وده ، فإن من قصده لن يرده ، ما أحوج الجيل ، إلى آخر ساعة من الليل ، لأنها ساعة الهبات ، والأعطيات والنفحات ، إمام الموحدين ، يقول : ( وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ) ، فجعل غاية مناه ، أن تغفر خطاياه ، وأنت تُصِرّ ، ولا تُقِرّ ، وتحسو كأس الذنب وهو مُرّ ، فأفق من سبات اللهو ولا تكن من الغافلين ، وأكثر من ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ ).




                  

07-17-2009, 10:38 AM

saif massad ali
<asaif massad ali
تاريخ التسجيل: 08-10-2004
مجموع المشاركات: 19127

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقامـــات ... القـــرني (Re: كمال حسن)

    احسن الله اليك

    الحبيب كمال حسن

    حاجة في الصميم
                  

07-17-2009, 10:45 AM

فتحي الصديق
<aفتحي الصديق
تاريخ التسجيل: 06-17-2003
مجموع المشاركات: 6072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقامـــات ... القـــرني (Re: saif massad ali)

    العزيز كمال
    لك التحية..
    سمعت عن تلك المقامات كثيرا هنا حيث أقيم..تحدث عنها الكثيرون بحكم ما للرجل من مكانة بين قومه..لكن في الأسبوع الماضي قرأت مقالا كتبه أحد الصحفيين السعوديين عن تلك المقامات..وأدهشني تواضع كتابات الشيخ القرني حسب النماذج التي أوردها ذلك الصحفي السعودي..
    سأحاول ايراد ذلك المقال الذي نشر في صحيفة الحياة بالأسبوع الماضي..
                  

07-17-2009, 11:01 AM

فتحي الصديق
<aفتحي الصديق
تاريخ التسجيل: 06-17-2003
مجموع المشاركات: 6072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقامـــات ... القـــرني (Re: فتحي الصديق)





    مقامات القرني... وفاكهة الجنة!
    أحمد بن راشد بن سعيّد* - الحياة


    «وفي أواخر القرن التاسع عشر قضت المقامات نحبها، وأسلمت الروح إلى ربها فلم تقم لها قائمة، أو تلح لها بارقة، حتى كاد اسمها ينسى، وذكرها يمحى، حتى أطل علينا عائض القرني فبعثها من شتات، وأحياها من موات، كانت هامدة فأرسل عليها غيث الأدب، وودق العلم، فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج». بهذه الكلمات قدم الدكتور ناصر الزهراني كتاب «مقامات عائض القرني»، التي لم تصل في نظره حتى إلى مستوى مقامات بديع الزمان الهمذاني، صاحب الآيات، وسباق الغايات، كما يصفه مصيباً خلفه الحريري. يقول الزهراني إنها «تأليف جديد، وطرح فريد، وعمل مجيد»، ذلك لأنها «خرجت عن السياق، واختلفت في المذاق، فجاءت مناسبة لعصرها، ملائمة لوقتها».

    يمضي الزهراني مقدماً للشيخ عائض أكثر من تقديم (ثلاثة فصول: تقديم، عائض وأسرار النجاح، أنا وعائض). وفي الفصل الرابع، ينظم المقدم المعجب بالمؤلف أشد الإعجاب، بل المتيم بحبه قصيدة في زميله أسماها «ثورة الحب». وبالنظر إلى هذه المشاعر المتدفقة الصادقة، ولتأكيد المقدم أن «هذا الإبداع ظاهرة فريدة تستحق دراسة جادة، وتحليلاً مفصلاً، وتبياناً مكملاً». جاء هذا المقال محاولاً إلقاء الضوء على هذا الإنتاج للدكتور القرني.

    في البداية نتساءل عن فن المقامات وخصائصه في الأدب العربي. الدارسون للأدب يرجعون أصل كلمة «مقامات» إلى استخدام بعض العرب لها بمعنى «مجالس». ويبين البديع ذلك بنفسه، إذ يقول في المقامة الوعظية: «قال عيسى بن هشام: فقلت لبعض الحاضرين: من هذا؟ فقال: شخص قد طرأ لا أعرفه، فاسبر عليه إلى آخر مقامته، لعله ينبئ عن علامته». وربما استخدمت الكلمة للدلالة على الجماعة المقيمة بمكان ما. يقول زهير بن أبي سلمى: وفيهم مقاماتٌ حسانٌ وجوهُهُم/ وأندية ينتابُها القولُ والفعلُ/ وإن جئتَهم ألفيتَ حول بيوتهم/ مجالسَ قد يُشفى بأحلامها الجهلُ. وأغلب الباحثين ينسب جذور هذا الفن إلى ابن دريد الأزدي المُتوفى في بغداد سنة 321 للهجرة، والذي صنف مجموعة كبيرة من الأحاديث ألهمت كما يقال بديع الزمان مقاماته المشهورة، وشكلت الصورة الفنية الأولى لهذا الشكل الجمالي السردي الفريد في الأدب العربي (لم يصلنا من أحاديث ابن دريد إلا نماذج معدودة أوردها تلميذه أبو علي القالي في «الأمالي»).

    ويشير أبو إسحق الحصري في كتابه “زهر الآداب” إلى أن البديع لما رأى أن ابن دريد «أغرب بأربعين حديثاً، وذكر أنه استنبطها من ينابيع صدره، واستنتجها من معادن فكره، وأبداها للأبصار والبصائر، وأهداها للأفكار والضمائر، عارضها بأربعمائة مقامة تذوب ظرفاً وتقطر حسناً”. كان البديع إذاً المؤسس الحقيقي لفن المقامات (لم يصلنا من مقاماته إلا خمسون)، وقد جعل لها قالباً فريداً أصبح أنموذجاً يقتدى به أرباب هذا الفن. تبلورت المقامة اصطلاحاً بوصفها فناً نثرياً يتصدره راوٍ يروي الحكاية، وبطل محترف للتسول أو «الكدية»، ومن خلاله يعرض المؤلف مهارته اللغوية، ويشحذ خياله القصصي في قالب يغلب عليه طابع الفكاهة، وأسلوب السجع والبديع، ولا يخلو بالطبع من أهداف تعليمية، فأحاديث ابن دريد ومقامات البديع، كلها كما يؤكد العارفون بالأدب أنشئت لتعليم اللغة.

    وجاء أبو القاسم الحريري ناسجاً على منوال الهمذاني، وقد أقر بذلك قائلاً إنه يتلو «تلو البديع»، لكنه لن يكون «ضالعاً شأن ذلك الضليع»، لأن من يتصدى لهذا الفن بعد البديع «لا يغترف إلا من فضالته، ولا يسري ذلك المسرى إلا بدلالته». أتى الحريري بخمسين مقامة نالت شهرة واسعة، وحظيت بإقبال منقطع النظير من الأدباء والعلماء، وأقبل الوراقون في بغداد على كتابتها، وقيل انه وقع بخطه في سنة واحدة (514هـ، 1110م) على سبعمائة نسخة، ووفد عليه في البصرة جماعة من علماء الأندلس، فقرأوا عليه مقاماته التي صارت في ما بعد تدرس قروناً في الجامعات الأندلسية، وقد أحصى حاجي خليفة صاحب كتاب «كشف الظنون» أكثر من خمسة وثلاثين شارحاً لمقامات الحريري، كما ترجمها مستشرقون إلى لغات عدة.

    توالى بعد ذلك كتاب المقامات، لكنهم لم يبلغوا شأو الرائدين الهمذاني والحريري، وإن اتبعوا الأنموذج السردي ذاته، وخصائص المقامة عينها، من راوٍ وبطل، وحكاية تغلب عليها السخرية والظرف، وسجع وشعر ومحسنات بديعية. أبرز هؤلاء ابن الصيقل الجزري الذي اعترف بأنه يحذو حذو الحريري، واصفاً إياه بأنه «أوحد زمانه، وأرشد أوانه»، وأبو الطاهر السرقسطي التميمي الأندلسي، الذي أنتج خمسين مقامة عارض بها مقامات الحريري.

    وفي العصر الحديث برز من كتاب المقامات محمد المويلحي الذي ألف كتاب «حديث عيسى بن هشام»، والتزم فيه على وجه العموم بالنسق التقليدي للمقامات، وناصيف اليازجي الذي أنتج ستين مقامة على غرار مقامات البديع والحريري وضمنها كتاب «مجمع البحرين»، ومحمد فريد وجدي الذي أنتج «الوجديات» المشتملة على 18 مقامة أو «وجدية».

    لم يكن الذين نسجوا نسج شيخي المقامات (الهمذاني والحريري) يقلدون أو يحاكون الرجلين، ذلك لأن المقامات كما وضعا قواعدها ورسما ملامحها أصبحت مدرسة ذات قواعد وأنماط لا تعرف المقامة إلا بها. لقد شكل الأنموذج القائم على الراوي والبطل، والقصص القصيرة المشتملة على الاحتيال أو الفكاهة، والمترعة بالعبارات المسجوعة والصور البلاغية عموداً للمقامة يشبه البناء التقليدي للقصيدة، ومن ثم فلا يمكن إنتاج مقامة لا تستند إلى هذا العمود. إن مقامات الشيخين تحوي كنوزاً وثمائن لغوية وثقافية، بل تشكل منظومة تراثية لا غنى عنها لمن يريد سبر غور هذا الفن. ويستطيع الباحث أن يستكشف الكثير من خلال النزول إلى أعماق المقامات، وصولاً إلى الدلالات السيميائية لنصوصها. من أهم سمات المقامة أن المؤلف لا يتكلم باسمه، بل يجعل راوياً مثل «عيسى بن هشام» أو «أبو زيد السروجي» ينطق بالحكاية. تستهل المقامة أحداثها بلازمة «حدثنا....» وهو أسلوب يفتح للقارئ عوالم الدهشة والمتعة في آن. الحديث يرتبط عادة باللافت والمثير، وهو هنا حديث ترويه شخصية يجسد حضورها المستمر في بنية المقامات علامة سيميائية بارزة تبرز ثقافة السرد، وتجعل المشهد المسرود حافلاً بالألوان، محدثة أنساقاً لا متناهية من المفاجآت والتحولات. ليست المقامة نصاً ينسج البناء اللغوي فحسب، بل هو نص يخفي في مكنوناته الدلالات والإشارات، منطلقاً من سياق خرافي محض. يكشف التحليل السيميائي للمقامة كما عرفها الأدب العربي ارتباطها بالواقع الاجتماعي، والمعاناة اليومية، والتجارب الإنسانية، كالبحث عن الرزق، أو الاستجداء، أو الصعلكة، أو العلاقات الإنسانية، أو الاستمتاع بالحياة وملذاتها، أو الوعظ والتذكير بأيام الله. وبهذا شكلت المقامة شكلاً من أشكال الثقافة القصصية في الأدب العربي، له أنساق خاصة، وألوان بلاغية ارتسمت عبر قرون طويلة في تخوم السرد.

    أعلم أن هذه مقدمة طويلة وغير تقليدية، بالنظر إلى أن هذا المقال يعرض «لمقامات عائض القرني»، وليس لخصائص فن المقامات وتاريخه. ولكن هذا التأطير ضروري لفهم اعتراضي على تسمية إنتاج الدكتور القرني بالمقامات. أنشأ القرني ستاً وسبعين مقامة تفتقر إلى خصائص المقامات، إذ لم يكن هناك التزام براوٍ ولا بطل، واقتصر في إحدى وعشرين مقامة فقط، على نسبة الحديث إلى شخص يصفه أحياناً «بالراوي»، أو يطلق عليه اسماً يختلف من مقامة إلى أخرى. كما أن المقامة ليست قصة سردية؛ بمعنى أنها تخلو من «الحبكة» الدرامية، أو «الحدوتة» كما يقول المصريون. ليس شرطاً بالطبع أن تتناول المقامة موضوع الكدية أو «الشحاذة»، ولكن الطابع القصصي غاب عن مقامات القرني، وهو أبرز ما يعطي المقامة شكلها المعروف. وإذا بحثنا عن المتعة المتولدة من الدعابة والظرف والتي ارتبطت بهذا الفن، نجد أن القرني لم يول هذا الجانب اهتماماً يذكر، بل إن أغلب مقاماته ركزت على الوعظ (نحو ثلاثين مقامة هي وعظ مباشر، ومنها مقامة سماها «الوعظية» وكأن الأخريات لا علاقة لها بالوعظ، ولا تخلو المقامات الباقية من المحور ذاته). يغلب الطابع الخطابي على مقامات القرني، وأشعر وأنا أتصفح كتابه أنني أقرأ «خطباً منبرية» لا مقامات. وإذا أضفنا إلى ذلك ما اتسمت به المقامات تاريخياً من ثراء المفردات والعناية بالمحسنات واستدعاء الماضي بغرض تعليم الصغار وإبهار الكبار نجد حظ مقامات القرني متواضعاً في هذا الجانب. يبقى السجع هو القاسم المشترك بين إنتاج القرني والمقامة، لكن السجع الذي أورده القرني بعيد عن الانسياب، ومفتقر إلى التوازن، وحافل بالضحالة. لا يختلف السجع عن الشعر من حيث أن له إيقاعاً موسيقياً يغري المتلقي، ويطرب سمعه، والزائد منه على الحاجة، أو الموضوع في غير موضعه، يفقد السجع رونقه وجماله. ثم إن إلزام القرني نفسه بالسجع أثر في أسلوبه، فبدا في كثير من الأحيان متكلفاً، بل ركيكاً. يقول مثلاً في «المقامة الإلهية» مثنياً على الله تعالى: «عدوه مبتور، وخصمه مدحور، يسحق الطغاة، يمحق العصاة، يدمر العتاة، يمزق من آذاه». التكرار في هذه المقاطع السجعية لا داعي له، بل هو حشو، ويغني مقطع واحد عن بقية المقاطع، وهذا ليس السجع الصحيح سواء في الخطب أو المقامات، إذ لا بد أن تكون هناك مقابلة بين المقطعين، كأن يقول مثلاً: «يبعد من عصاه، ويدني من والاه». يقول ابن الأثير في «المثل السائر» إن من شرائط السجع «أن تكون كل واحدة من السجعتين المزدوجتين مشتملة على غير المعنى الذي اشتملت عليه أختها، فإن كان المعنى فيهما سواء فذاك التطويل بعينه، وكذلك فليكن السجع، وإلا فلا».

    ونتصفح مقامات القرني فنقرأ مثلاً في المقامة الحديثية: «ما أحسن الضم والعناق، لجملة حدثنا عبدالرزاق، كلما قلت أخبرنا علي بن المديني، حفظت ديني، سهمي لكل مبتدع يُسدد، إذا قلت حدثنا مسدد بن مسرهد.. أدمغُ كلَّ منحرف بذي، بسنن الترمذي، أنا في صباحي ومسائي، أدعو للنسائي». سأتجاوز الركاكة المزعجة حقاً في هذا النص، وأكتفي بالإشارة إلى عدم التوازن في المقاطع المسجوعة التي بدت متنافرة ومكسورة. مثلاً، كان يمكن للكاتب أن يقول: «كلما قلت: أخبرنا علي بن المديني، زاد إلى طلب العلم حنيني»، إذ أن جملة «حفظت ديني» لا تتسق إيقاعاً مع الجملة التي سبقتها. يحدثنا ابن الأثير عن هذا الجانب قائلاً إن «الأصل في السجع .. الاعتدال في مقاطع الكلام..». كما يحدثنا ابن حجة الحموي في «ثمرات الأوراق» عن ضرورة ألا تقصر الجملة أو تطول عن أختها كثيراً، «لئلا يبعد على السامع وجود القافية فتذهب اللذة». يضيف القرني قائلاً في «الحديثية»: «سافر أحمد بن حنبل من بغداد إلى صنعاء، يمتطي الرمضاء.. لأن الرجل مشتاق، وأحد العشاق، لذاك الترياق، من قوارير عبدالرزاق». لا بد أن نتحدث هنا عن التهافت والركاكة. ليس الشأن في السجع تواطؤ الفواصل على حرف واحد، كما يشير ابن الأثير أيضاً، ولو كان ذلك هو المراد لكان كل أديب سجَّاعاً، «بل ينبغي أن تكون الألفاظ المسجوعة حلوة حادة طنانة رنانة، لا غثة ولا باردة».

    يكاد يكون هزال الصياغة وتهالكها ينتظم معظم ما يصفه القرني «بالمقامات». يقول مثلاً في المقامة الأبوية: «وصونوا أنفسكم من سؤال الناس، واستغنوا عما في أيديهم باليأس». وفي مقامته الفضائية يقول: «يا من نشر على الشاشة قماشه، وبسط فراشه..احترم القبلة يا أبله، ولا تضع المصحف على طبلة، فإنه عادة نذلة، وقر الرسول يا مهبول، ولا تسخر من المنقول..». ترى، أي شيء هذا الذي خطته أنامل المؤلف، إنه بالقطع ليس سجعاً ولا شأن له بالمقامات، بل لا شأن له ألبتة بالفصاحة والبيان، وكأني أرى بديع الزمان يتقلب في قبره غضباً من نسبة عمل كهذا إلى الفن الذي أسس بنيانه.

    في المقامة البوليسية يقول القرني: «ولو لم يكن في البلاد بوليس وشرطة (ما الفرق؟)، لوقع الناس في ورطة.. ولقفز اللص من الدريشة، ولمل الناس العيشة....واعلم أن من الناس طائفة، ليست من ربها خائفة، لا تجدي فيهم النصائح، ولا يخافون الفضائح، وإنما ينفع فيهم عصا خيزران، كأنها ثعبان...». وفي المقامة الشبابية يقول: «أشغلونا بالتلفزيون، والتلفون، سيَّبونا في السكك مع شباب يهمزون ويغمزون.. علمونا سوء الأدب، وكثرة الضحك من غير سبب، وسرعة الغضب». في المقامة السياسية يقول: «بأي سياسة يشرد الشعب المسلم من فلسطين على الفور، بوعد بلفور..

    والعالم الإسلامي بارد جامد هامد، جاحد شارد خامد، لا يثور كأنه مغمور أو مغرور أو مسحور، ويحتل فلسطين اليهود، بلا حدود، ولا قيود، ولا شهود». في المقامة الأفغانية يقول: «الأفغاني في الغالب لا يسمع الأغاني، ولا تلهيه الغواني، لأنه مشغول بالمثاني، واستنباط المعاني.. الأفغاني إذا غضب أحرق مزاجه، ورمى علاجه، وذبح الرجال كذبح الدجاجة..لا تكلم الأفغاني وهو غضبان، ولا تمازحه وهو تعبان، ولا تصافحه وهو جوعان» (ترى هل الأفغاني بهذه الصورة، وهل ذبح الرجال بدم بارد صفة محمودة تستحق الفخر؟). يضيف القرني: «قبل القتال كان في أفغانستان عابدان، أي عابدون، وفي الحرب جاء مجاهدان، أي مجاهدون، وبعد الحرب ظهر طالبان، أي طلبة متعلمون، فهم في السلم عباد أولياء، وفي الحرب مجاهدون أشداء، وبعد النصر علماء حكماء». في مقامة النساء: «إذا رزقك الله ببنات، فإنهن من أعظم الحسنات، حجاب من النار، وحرز من غضب الجبار، فاحتسب النفقة فإنها صدقة، ولو أنه غرفة من مرقة.. وكفاك أن الرسول المشرِّع، رزق ببنات أربع» في المقامة الأميركية يقول القرني: «ملأنا الكروش، وشاهدنا الدشوش، وزينَّا الرموش، وجمعنا القروش.. أحببنا الكرسي، وعشقنا التبسي، وأدمنا الببسي، وتعلقنا بالتاكسي، نحن في الأسواق أمواج، وفي الشوارع أفواج، أموالنا في شراء الدجاج، وأوقاتنا ذهبت في الحراج، لما أتخمنا بالعصيدة، أصبحنا لا ننظم القصيدة».

    ليس هذا تكلفاً ولا تعسفاً فحسب، بل لو أن طالباً جامعياً قدم لأستاذه مثل هذا الكلام لكان بالرسوب حرياً. ما كتبه الدكتور القرني يمكن وصفه بأي شيء سوى المقامات. لكن الناشر العبيكان يقول في تقريظها إنه سعيد بنشر «هذا الأثر، لإحياء فن قد اندثر»، بينما يؤكد مقدمها الدكتور الزهراني أنها فاقت ما كتبه البديع والحريري؛ لأنها «مثل فاكهة الجنة ليس فيها مما في الدنيا إلا الأسماء».

    أكاديمي وصحافي سعودي.
                  

07-17-2009, 11:05 AM

فتحي الصديق
<aفتحي الصديق
تاريخ التسجيل: 06-17-2003
مجموع المشاركات: 6072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقامـــات ... القـــرني (Re: فتحي الصديق)

    Quote: في المقامة البوليسية يقول القرني: «ولو لم يكن في البلاد بوليس وشرطة (ما الفرق؟)، لوقع الناس في ورطة.. ولقفز اللص من الدريشة، ولمل الناس العيشة

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de