رسالة مفتوحة الى غازي صلاح الدين (1-4) .. وقفة مع النفس: هل نرغب في العيش سويا؟

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 10:54 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-13-2009, 09:19 PM

Deng
<aDeng
تاريخ التسجيل: 11-28-2002
مجموع المشاركات: 52545

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
رسالة مفتوحة الى غازي صلاح الدين (1-4) .. وقفة مع النفس: هل نرغب في العيش سويا؟


    دكتور/الواثق كمير


    محتويات الرسالة:
    أولاً: مأزق التباعد بين مواقف الشريكين والاستقطاب السياسي
    ثانياً: مسئولية قيادة الانتقال : نحو تطوير الشراكة
    ثالثاً: إشراك كافة القوى السياسية السودانية في بناء المستقبل
    (خطوات مطروحة)
    رابعاً: إشكالية الدين والدولة الجدل حول القانون الجنائي
    خامساً: هل هناك فرصة لمصالحة تاريخية ..؟
    ...............................................................................
    عزيزي د. غازي
    سلامات من تونس الخضراء
    تهدف رسالتي هذه إلى فتح حوار حقيقي حول مواضيع مؤرقة تستحق النقاش وجديرة بالتأمل العميق والتفكير بعيد النظر، وتطرح قضايا متداخلة ووثيقة الصلة بما نمر به من ظروف صعبة في طريق طويل وشاق نحو بناء الدولة السودانية الحديثة! وهذه القضايا، في ظني، هي تعبير عن وتجسيد للأزمة السياسة العامة، وما يحيط بها من مآزق تبعث على القلق في ما يخص إمكانية العبور نحو غد أفضل على خارطة طريق التحول نحو بناء دولة المواطنة السودانية القوية التي نفخر بها ونعتز بالانتماء لها جميعا إسلاميين كنا أم علمانيين، شماليين أو جنوبيين، وبغض النظر عن «أصلنا وفصلنا» أو لوننا «أصفر» كان، أم «أخضر» أم «أسود»!
    لم يكن اختياري لك لمثل هذا التفاعل عشوائياً، إنما مقصوداً لأسباب موضوعية، وأيضا ذاتية، فموضوعياً، أنت تتبوأ مواقع قيادية سياسية في الحزب الحاكم ورئيس لكتلته النيابية في المجلس الوطني، والمكلف بمتابعة ملف دارفور والعلاقات السودانية الأمريكية، ومستشار لرئيس الدولة على المستوى التنفيذي. وذاتياً، لي معك تجربة في اللقاء الوحيد الذي جمعنا بمكتبك بالخرطوم، فقد استمعت لي جيداً وتوصلنا إلى فهم مشترك حول عدد من القضايا المتصلة بحرية التعبير والنشر وإعلاء قيم الحوار. وأنا من جانبي لا أخاطبك بصفتي عضواً في مجلس التحرير الوطني للحركة الشعبية أو قيادياً بها (كما يحلو للبعض) أو مروجاً لسودان جديد، فحسب، بل كسوداني أتاح له وطنه فرصة للتعليم العالي وقدر من المهارة والخبرة تفرض علىَّ أن أشارك في صنع مستقبله وأن أعبر عن خوفي وقلقي على مصيره وبلدنا يمر بأدق ظرف وأحرج الأوقات وبأهم نقطة تحول في تاريخه ليكون أو لا يكون! فوحدة السودان، سواء على أسس جديدة أو قديمة، أضحت مهددة وفى خطر عظيم أكثر من أي وقت مضى، بصورة لم يعد يجدي معها نفعا تكرارنا لـ «الوحدة الجاذبة»، في غياب تام للحوار الجاد حول المعنى الحقيقي لهذه العبارة!
    حقيقة ربما لا يعلمها كثيرون هي أن اهتمامي بقضية الوحدة بين الشمال والجنوب لم يكن وليدا لتأسيس الحركة الشعبية أو مشروع السودان الجديد الذي بشر به زعيمها الراحل د. جون قرنق في 1983، إنما بدأ إنفعالى بقضية الجنوب منذ عام 1975، أي قبل أن تكون الحركة أو مشروعها موجودا. وللمفارقة، لم تكن لي أية خلفية سياسية دفعتني لهذا الاهتمام، بل كان المدخل هو دراستي لعلم الاجتماع بجامعة الخرطوم. فقد اخترت لموضوع رسالة الدكتوراة القيام بدراسة مقارنة بين العمال اليدويين في صناعة البناء، وجلهم من قبيلة النوير بجنوب السودان، والعمال من ذوى الأصول الشمالية والعاملين بالمصانع في المنطقة الصناعية بالخرطوم بحري، في سياق تحليلي لنمط التنمية غير المتكافئة بين الشمال والجنوب. وقد تعلمت كثيرا من هذا البحث، خلال مدة امتدت لأكثر من (10) أشهر قضيتها في عمل ميداني مع النوير في عمارات «الرياض» ومع الشماليين بالمنطقة الصناعية، فتوصلت إلى نتائج جعلتني أقع في أسر فكرة عظيمة لبناء دولة وأمة سودانية منيعة (السودان الجديد)، ومشروع إنساني لا يحتكره حزب أو تمتلكه فئة!
    أولا: مأزق التباعد في مواقف الشريكين والاستقطاب السياسي
    تشاكس الشريكين والاشتباك بينهما أضحى مشهداً مألوفاً في الساحة السياسية السودانية منذ «قولة تيت» من عملية إنفاذ اتفاقية السلام الشامل في 2005، وصل حد انسحاب وزراء ومستشاري الحركة الشعبية من حكومة الوحدة الوطنية في أكتوبر2007 ، احتجاجاً على ما وصفوه بتلكؤ المؤتمر الوطني في الإيفاء بمستحقات الاتفاقية، والذي بدوره يرفض هذا الاتهام بشدة وعادة يرجعه لما تعانيه الحركة من وهن تنظيمي وانقسام داخلي. ليس ذلك فحسب، بل لم يسلم المشهد السياسي من توتر ملحوظ في العلاقة بين الشريكين والقوى السياسية المعارضة والساخطة (بالطبع ما عدا أحزاب «الشبكة» أو «التوالي» التي تقف بقلب وعقل واحد مع المؤتمر الوطني)، من جهة، وبينها وبين كل شريك على حدة، من جهة أخرى. تسبب هذا التجاذب متعدد الوجوه والاتجاهات في خلق وضع سياسي محتقن تصاعدت وتائره بشدة في الأسابيع الماضية، خاصة في أعقاب إعلان جدول الانتخابات والبدء في الإيفاء بمستحقات التحول الديمقراطي بإيداع مشروعات القوانين البديلة والأسلوب العنيف الذي صاحب عرض وجهات النظر (قانون الصحافة، القانون الجنائي)، وتداعياته الخطيرة خارج قبة البرلمان. وفوق ذلك، جاء اتهام الحركة الشعبية لشريكها في الحكم بتدبير وتمويل ملتقى كنانة لبعض الأحزاب والشخصيات الجنوبية بقصد شق صفوف الحركة، وهو الاجتماع الذي أسفر حقيقة عن تكوين ما سمى بـ «الحركة الشعبية- للتغيير الديمقراطي».
    أربعة أحداث متتالية أسهمت في تفاقم الاحتقان السياسي الماثل أولها: الخلاف حول التعداد ورفض الحركة الشعبية الاعتراف بنتائجه المعلنة، وثانيها: الاشتباك الذي حدث بينك وبين د. بيتر أدوك في إحدى جلسات مؤتمر الإعلاميين بالخارج تعبيراً عن خلافات الشريكين وإعادة تبادل الاتهامات بصورة حادة حول مسؤولية التعثر في تنفيذ الاتفاقية وعدم جدية كل طرف في الإيفاء بمستحقات التحول الديمقراطى، ثالثها: اكتشاف عبوات ناسفة بدار الحركة الشعبية-قطاع الشمال بأركويت، ورابعها: ولعله أهمها كـ (القشة التي قصمت ظهر البعير) هو اجتماع «تحالف المعارضة» الذي دعت فيه الأحزاب المشاركة بتشكيل حكومة انتقالية قومية تشرف على الانتخابات المقبلة بافتراض أن حكومة الوحدة الوطنية الحالية ستفقد شرعيتها في يوليو 2009 بحكم اتفاقية السلام الشامل التي حددت هذا التاريخ لإجراء الانتخابات العامة، كما طالبت بإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات لضمان حريتها ونزاهتها، وإلا أن أحد خياراتها قد يكون مقاطعة هذه الانتخابات. ذلك إضافة إلى عزمها للاتفاق على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية. ولعل ما «زاد الطين بلة» هو مشاركة الحركة في اجتماع المعارضة، مقروناً بدعوتها لمؤتمر موسع بجوبا (لم تستثن منه المؤتمر الوطني) لمناقشة كافة القضايا الوطنية والاتفاق على تكوين لجنة للمتابعة وتحديد الأجندة. فقد خلق هذا التحرك من جانب المعارضة حالة من الاستقطاب السياسي الحاد، إذ قابله المؤتمر الوطني بهجوم عنيف على لسان عدد من قياداته وصموا الخطوة (خاصة الدعوة للحكومة القومية) بالمؤامرة لتغيير النظام قبل الانتخابات، وتنفيذ لسيناريو ترسمه دول أوروبية بغرض تأجيل الانتخابات، ووصفوا المتشككين في نتائج التعداد السكاني بأنهم «ينعقون بما لا يعلمون» وأن مثل هذا الحديث دليل على عدم استعداد الأحزاب المشاركة في الاجتماع للانتخابات، ومعتبرين مشاركة الحركة الشعبية في لقاء المعارضة مخالفاً لروح الشراكة لتنفيذ اتفاق السلام. وختامها مسك، فكأن الشريكين قد حملا معهما خلافاتهما إلى واشنطون إذ تبادلا الاتهامات خلال منتدى داعمي اتفاقية السلام الشامل، وعادا إلى البلاد وعلاقتهما أشد توتراً مما جعل الوضع السياسي العام يبدو أكثر قتامة، فأصبح الحديث عن الانفصال يتصدر الأخبار والأعمدة، وحتى «القعدات» وجلسات «الونسة».
    إننا نعيش مناخاً سياسياً متأزماً، استقطاباً وتجاذباً بين كافة القوى السياسية، ومرشح للتصعيد إن أضفنا ملفات أخرى أكثر سخونة (أبيى، قانون الأمن الوطني، قانون الاستفتاء، ترسيم الحدود، المشورة الشعبية لجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق)، بينما جهود تسوية الأزمة في دارفور ما زالت تراوح مكانها. حقيقة، هذا هو المشهد الذي يلحظه ويراه كل مراقب حصيف ماثلا أمام أعينه، ولا تستقيم معه أية مكابرة أو إنكار! ويسفر الاستقطاب عن وجهه في حشد كل شريك لقدامى الحلفاء أو الموالين، في مؤتمر صحفي بغرض خوض معركة غامضة المعالم ومجهولة الأهداف، بدأت بكيل الاتهامات وتبادلها بين كل طرف والآخر. وبلغت الخصومة بالشريكين حدا دفعت رئيس الجمهورية نفسه، وبصفته رئيس الحزب الحاكم، بتصويب انتقادات لاذعة للحركة الشعبية متهماً لها بممارسة الحكم عبر استخباراتها العسكرية في الجنوب، وأنها تحظر الممارسة السياسية للأحزاب، بما فيها المؤتمر الوطني، بينما تمارس عملها بحرية في الشمال رغما من حديث قيادات الحركة عن القوانين المقيدة للحريات، متوعدا معاملتها بالمثل.

    سببان رئيسيان يفسران هذا الوضع المتفجر، أولهما يتصل بالعلاقة بين شريكي الحكم وما يواجه كل منهما من تحديات داخلية وموقفهما من اتفاقية السلام الشامل، وثانيهما العلاقة بين الشريكين من جهة، والقوى السياسية «المعارضة» من جهة أخرى.
    إن التحدي الأكبر يتمثل في أن اتفاقية السلام الشامل جمعت في الحكم بين حزبين يملكان رؤى مختلفة جذرياً لتطوير البلاد، كما أن غياب التوافق على برنامج سياسي يحكم الفترة الانتقالية قد تسبب في تفاقم الخلافات بينهما. ففي الحقيقة، لا يوجد برنامج وطني أو (سياسات قطاعية) متفق عليه بين الشريكين، أو بينهما وبين كل القوى السياسية، تلتزم الحكومة بالتقيد به في سياق تنفيذ اتفاقية السلام الشامل. وهو أمر أغفلت الاتفاقية الإشارة إليه بصورة مباشرة، مما يعده المؤتمر الوطني كسباً ونصراً يتيح له تمرير سياساته دون نص يتقيد به الحزب. وربما يكون هذا وراء التوتر الملحوظ في العلاقة بين الشريكين واتهام كل منهما للآخر بالتلكؤ والمماطلة في تنفيذ الاتفاقية، إذ لا توجد مرجعية أو إستراتيجية واضحة المعالم لسياسات الحكومة يحتكمان إليها. ولذلك دائما تجد الحركة الشعبية نفسها مطالبة بأن تبصم بالموافقة على برامج وسياسات الشريك النافذ في الحكم، والذي لا تعوزه الأغلبية لإجازتها. وهى حيال ذلك قليلة الحيلة ولا تملك إلا التذمر والاحتجاج.
    فالمؤتمر الوطني حريص على متابعة تنفيذ سياساته بواجهة حكومة الوحدة الوطنية، ويستخدم في ذلك وسائل شتى، حتى في الوزارات التي تتبع للحركة الشعبية من خلال سيطرة الحزب على الجهاز التنفيذي، بينما كل منهما يجابه مشاكل داخلية تعيق عملية التنفيذ من خلال بناء شراكة صادقة و فعالة، دون حاجة لتصفية خلافاتهما عبر وسائل أخرى. فلم يعد سراً أن هناك بعض المنتقدين للاتفاقية في داخل المؤتمر الوطني نظراً لاعتقادهم أنها منحت الحركة الشعبية (والجنوب) أكثر من ما تستحق، وعلى وجه الخصوص ما وفرته لها الاتفاقية من مساحة واسعة للتحرك في شمال السودان، مما يشكل تهديداً لسلطة الحزب الحاكم، كما ينتابهم شعور بالقلق من الاتجاه الذي تسير فيه البلاد بما لا تشتهى نفوسهم.
    والحركة الشعبية، من جانبها، تعانى من صعوبات مركبة في سياق الانتقال من الحرب إلى السلام، خاصة بعد الرحيل المفاجئ والمفجع لزعيمها د. جون قرنق، تتمثل في مواجهة تحولات ثلاثية المسار: من حركة عسكرية إلى حزب سياسي، ومن حركة تستند إلى قاعدة إثنية - إقليمية إلى تنظيم قومي، ومن المعارضة إلى المشاركة في الحكم. القلقون من تمدد الحركة شمالاً من عضوية المؤتمر الوطني يقابلهم الراغبون من منسوبي الحركة الشعبية ممن يميلون للتخلي عن الشمال والتقوقع في الجنوب، وتدل الشواهد أن الفريقين يشدان من أزر بعضهما البعض، ويتودد كل فريق، ويخطب ود الآخر!
    أما السبب الثاني لهذا الوضع السياسي المأزوم فهو أن كل القوى السياسية الأخرى، خصوصاً التي كانت مشاركة في حكم البلاد قبل «الإنقاذ»، تذوقت وتشعر بمرارة الإقصاء والاستبعاد عن المفاوضات التي أفضت إلى اتفاقية السلام الشامل. هذه القوى تتوق وتتطلع إلى المنافسة على السلطة كأي حزب سياسي في سياق الترتيبات الدستورية التي أرست قواعدها الاتفاقية، والتي باركتها هذه القوى، وإن أبدى البعض تحفظاته عليها، كخارطة طريق يمهد للانتقال إلى ديمقراطية تعددية حقيقية. إن الأحزاب غير المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية تتطلع إلى أن «يستمع» لها الشريكان، ولا «يسمعاها» فقط، وأن يوليا تشخيصها للأزمة وتوصياتها للعلاج ما تستحقه من اهتمام، ويشركاها في اتخاذ القرارات الوطنية المصيرية، بدلا عن وضع مختلف أشكال العراقيل في طريق مشاركاتها ومبادراتها للحل. وتنبئ أحداث كثيرة بضلوع المؤتمر الوطني في محاولات لاستمالة بعض قيادات وشق صفوف الأحزاب الأخرى بدون استثناء، طالت حتى شريكه في الحكم. وأبلغ شاهد على هذا النهج هو ابتهاج قطبي المهدي، أمين أمانة المنظمات بالمؤتمر الوطني، بانشقاق لام أكول وإعلانه عن ميلاد حزبه الجديد، فعلى حد تعبيره فإن «بروز كيانات جديدة وقيادات مثل دكتور لام أكول سيعزز التعاون بين شركاء الاتفاقية ويفرز المزيد من الاستقرار في العلاقات الشمالية الجنوبية وتنفيذ اتفاقية السلام، مبيناً أن الحركة الشعبية تفتقر للقيادات الناضجة وان الفشل الذي لازمها في حكم الجنوب جعل القواعد فاقدة الثقة في قدرة قيادات الحركة». ولكن، هذا لا يعنى تجاهلاً، بل يجب الاعتراف بأن تماسك أي حزب سياسي أو تعرضه للانقسام تظل في المقام الأول مسؤولية الحزب نفسه وقياداته!
    والأهم، ما هي رؤية النخب الجنوبية لمستقبل «دولة» جنوب السودان، خصوصاً لمنسوبي الحركة الشعبية من ذوى الميول الانفصالية، وهم الذين ظلوا يرددون رؤية السودان الجديد لما يفوق العقدين من الزمان؟ فإنه لمنطق هزيل أن تختزل هذه النخب مشروع السودان الجديد بحجة تطبيقه على الجنوب فقط، فرؤية السودان الجديد لا تستقيم إلا ببناء دولة المواطنة في السودان ككل، فهي لا تقبل القسمة على اثنين أو أكثر!


    http://www.rayaam.info/News_view.aspx?pid=578&id=43602
                  

07-13-2009, 10:02 PM

صديق عبد الجبار
<aصديق عبد الجبار
تاريخ التسجيل: 03-07-2008
مجموع المشاركات: 9434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة مفتوحة الى غازي صلاح الدين (1-4) .. وقفة مع النفس: هل نرغب في العيش سويا؟ (Re: Deng)

    Quote: أما السبب الثاني لهذا الوضع السياسي المأزوم فهو أن كل القوى السياسية الأخرى، خصوصاً التي كانت مشاركة في حكم البلاد قبل «الإنقاذ»، تذوقت وتشعر بمرارة الإقصاء والاستبعاد عن المفاوضات التي أفضت إلى اتفاقية السلام الشامل. هذه القوى تتوق وتتطلع إلى المنافسة على السلطة كأي حزب سياسي في سياق الترتيبات الدستورية التي أرست قواعدها الاتفاقية، والتي باركتها هذه القوى، وإن أبدى البعض تحفظاته عليها، كخارطة طريق يمهد للانتقال إلى ديمقراطية تعددية حقيقية. إن الأحزاب غير المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية تتطلع إلى أن «يستمع» لها الشريكان، ولا «يسمعاها» فقط، وأن يوليا تشخيصها للأزمة وتوصياتها للعلاج ما تستحقه من اهتمام، ويشركاها في اتخاذ القرارات الوطنية المصيرية، بدلا عن وضع مختلف أشكال العراقيل في طريق مشاركاتها ومبادراتها للحل. وتنبئ أحداث كثيرة بضلوع المؤتمر الوطني في محاولات لاستمالة بعض قيادات وشق صفوف الأحزاب الأخرى بدون استثنا.


    العزيز المخلص دينق .. لك التحية والشكر الجزيل على رفعك لهذه الرسالة الهامة ....

    " أبوفواز "
                  

07-14-2009, 02:26 PM

بدر الدين اسحاق احمد
<aبدر الدين اسحاق احمد
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 17127

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة مفتوحة الى غازي صلاح الدين (1-4) .. وقفة مع النفس: هل نرغب في العيش سويا؟ (Re: صديق عبد الجبار)

    عناوين ذات طبيعة سياسيــة يصــعب فى ظــل الانتماء والاستقطاب السياسي الوصول فيها الى


    رؤى مشتركة فى ظل التخندق خلف الرؤى الاحاديــة للاحزاب ...


    دينـق ( اقرأ الموضوع دا بعــد نزع قبعة (جنوب / حركة شعبية / دين ...)


    غايتومرات كدا بتنقل مواضيح كويسة


    Quote: محتويات الرسالة:
    أولاً: مأزق التباعد بين مواقف الشريكين والاستقطاب السياسي
    ثانياً: مسئولية قيادة الانتقال : نحو تطوير الشراكة
    ثالثاً: إشراك كافة القوى السياسية السودانية في بناء المستقبل
    (خطوات مطروحة)
    رابعاً: إشكالية الدين والدولة الجدل حول القانون الجنائي
    خامساً: هل هناك فرصة لمصالحة تاريخية ..؟
                  

07-15-2009, 12:24 PM

Deng
<aDeng
تاريخ التسجيل: 11-28-2002
مجموع المشاركات: 52545

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة مفتوحة الى غازي صلاح الدين (1-4) .. وقفة مع النفس: هل نرغب في العيش سويا؟ (Re: بدر الدين اسحاق احمد)

    Quote: العزيز المخلص دينق .. لك التحية والشكر الجزيل على رفعك لهذه الرسالة الهامة ....

    " أبوفواز "



    الاخ العزيز أبوفواز.

    شكرا لأهتمامك ومرورك .

    دينق.
                  

07-18-2009, 04:14 PM

Dr.Elwathig Kameir

تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 31

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة مفتوحة الى غازي صلاح الدين (1-4) .. وقفة مع النفس: هل نرغب في العيش سويا؟ (Re: Deng)

    شكرا للأخ دينق على رفعه للرسالة/المقال وشكرا جزيلا للأخوان بدر الدين وأبو فواز وصديق عبد الجبار على التعليق، وحتى تكتمل ملاحاظتكم وابتدار حوار جاد حول ما طرحته الرسالةن سأرسل لكم الحلقات تباعا!

    لكم الشكر مرة أخرى

    واثق كمير
                  

07-18-2009, 07:58 PM

Mohamed Elboshra

تاريخ التسجيل: 08-04-2003
مجموع المشاركات: 816

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة مفتوحة الى غازي صلاح الدين (1-4) .. وقفة مع النفس: هل نرغب في العيش سويا؟ (Re: Dr.Elwathig Kameir)

    الاخ دينق والمتداخلون
    تحياتي
    Quote: حركة عسكرية إلى حزب سياسي، ومن حركة تستند إلى قاعدة إثنية - إقليمية إلى تنظيم قومي، ومن المعارضة إلى المشاركة في الحكم. القلقون من تمدد الحركة شمالاً من عضوية المؤتمر الوطني يقابلهم الراغبون من منسوبي الحركة الشعبية ممن يميلون للتخلي عن الشمال والتقوقع في الجنوب، وتدل الشواهد أن الفريقين يشدان من أزر بعضهما البعض، ويتودد كل فريق، ويخطب ود الآخر!

    و
    Quote: أما السبب الثاني لهذا الوضع السياسي المأزوم فهو أن كل القوى السياسية الأخرى، خصوصاً التي كانت مشاركة في حكم البلاد قبل «الإنقاذ»، تذوقت وتشعر بمرارة الإقصاء والاستبعاد عن المفاوضات التي أفضت إلى اتفاقية السلام الشامل.


    السبب الثاني لهذا الوضع السياسي المازوم وهو استبعاد القوى السياسية الاخرى(التجمع الوطني انذاك) فقد كان (استبعاده) في مصلحة المؤتمر الوطني وبتواطوء (الحركة الشعبية) والتي لم تصر على (اشراك) التجمع في المفاوضات بدعوى ان (الحكومة) لن تقبل وان (الدول الغربية) الراعية للاتفاق غير (راغبة) في اشراك (القوى السياسية) الاخرى وكان ذلك في ضرر الحركة. والكثير من افراد التجمع لديهم احساس ان الحركة استغلت و استعملت (التجمع) كحصان طروادة لتجد (القبول) في الشمال وتجلي ذلك في ضرية (همشكوريب) والتي حاولت الحكومة استقلالها ضد الحركة (يدافع ديني) ولكن تبني التجمع لتلك الهجمات اسقط كرت اللعب على العامل الديني ضد الحركة باعتبارها حركة (كافرة) وهاجمت (الخلاوي). وقد ذكر عرمان في ندوة بلندن بعد نيفاشا ان الحركة لن تقاتل بالنيابة عن (الاخرين). ولكن هذا التجاهل في اشراك (القوى السياسية) هو سبب ضعف الحركة الان امام المؤتمر الحاكم اليوم والذي استفرد بالحركة واصبحت الحركة دون (سند)قوي يقف معها في حال تشدد وتصلب المؤتمر الوطني حيال بعض القضايا . وكذلك اهمال الحركة للمشاركة في الاعلام (بنفس النسبة) اعطي المؤتمر الوطني الفرصة الكاملة لعرض القضايا من وجهة نظره للمواطن البسيط الذي قد لا يزال ينظر للحركة كما صورها له نفس النظام في بداية التسعينات.



    ودالبشرى
                  

07-19-2009, 06:39 AM

Deng
<aDeng
تاريخ التسجيل: 11-28-2002
مجموع المشاركات: 52545

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة مفتوحة الى غازي صلاح الدين (1-4) .. وقفة مع النفس: هل نرغب في العيش سويا؟ (Re: Mohamed Elboshra)

    Quote: شكرا للأخ دينق على رفعه للرسالة/المقال وشكرا جزيلا للأخوان بدر الدين وأبو فواز وصديق عبد الجبار على التعليق، وحتى تكتمل ملاحاظتكم وابتدار حوار جاد حول ما طرحته الرسالةن سأرسل لكم الحلقات تباعا!

    لكم الشكر مرة أخرى

    واثق كمير


    د. الواثق.

    نحن في إنتظار بقية أجزاء المقال .

    دينق.
                  

07-19-2009, 10:03 AM

عبدالله احيمر

تاريخ التسجيل: 02-24-2008
مجموع المشاركات: 3012

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة مفتوحة الى غازي صلاح الدين (1-4) .. وقفة مع النفس: هل نرغب في العيش سويا؟ (Re: Deng)

    وقفة مع النفس: هل نرغب في العيش سويا؟
    رسالة مفتوحة الى غازي صلاح الدين (2-4)



    خطوة ثانية لإشراك القوى السياسية:
    المشاركة في تنفيذ اتفاقية السلام

    مع أن مسؤولية تنفيذ اتفاقية السلام الشامل تقع على عاتق الشريكين، إلا أنه من الضروري إشراك وانخراط اللاعبين الآخرين لضمان التنفيذ الأمين للاتفاقية. فبقية القوى السياسية، خاصة الأحزاب التقليدية التي كانت في السلطة أبان فترات التحول الديمقراطي السابقة (1953، 1964، 1985)، لم تمر بتجربة مماثلة تكون فيها إدارة الانتقال خارجة عن سيطرتها. ومما يعقد الوضع شعور بعض هذه القوى بأنها مطالبة فقط بالبصم على الاتفاقية والمساعدة في تنفيذها بدون أن تكون مشاركة في محادثات السلام، مما دفع بها للدعوة إلى «مؤتمر جامع» للتوافق حولها. صحيح أن الاتفاقية تتضمن آلية للمراقبة، مفوضية التقدير والتقييم، إلا أن عضوية المفوضية وسلطاتها وطبيعتها الدبلوماسية تضع العديد من العراقيل في سبيل كشف الخروق من قبل الطرفين والتوصل للحلول المناسبة. كما أن المفوضية تركز على إجراءات التنفيذ والمخرجات الأولية (outputs)، في ضوء الجداول الزمنية المحددة، دون أن تنفذ إلى الأثر التراكمي (impact) على الهدف الأساسي للاتفاقية المتمثل في تعزيز البناء الدستوري لدولة المواطنة الذي يعطى وحدة السودان الأولوية. فموضوع الوحدة يحتاج للمتابعة الأمينة والتقييم الموضوعي لما اتخذه، ويتخذه، الشريكان من خطوات ايجابية في هذا الشأن.

    ففي ظل هذه التحديات التي تواجهها عملية تنفيذ الاتفاقية، لماذا لا يبادر الشريكان بإنشاء «منبر قومي أهلي» تشترك فيه القوى السياسية والمجتمع المدني (الحديث والتقليدي) كآلية غير رسمية لمراقبة سير، وتحديد العقبات التي تعترض تنفيذ الاتفاقية، مع ابتداع الحلول التوافقية التي ترضى الجميع؟ أليس هذا أجدى من الاعتماد فقط على دعم وسند الدول الراعية للاتفاقية، أو الخارج عموما؟ قد حان الوقت لإشراك القوى السياسية الأخرى، لضمان التنفيذ الأمين للاتفاقية، والاعتراف بدورهم المهم كمساهمين أصيلين (stakeholders) في عملية بناء السلام. الشكل الذي يتخذه المنبر، إن كان في هيئة مجلس استشاري أو لجنة موسعة (على غرار لجنة الحكماء) وصلاحياته، وعضويته، يمكن التداول بشأنها بين الشريكين، من جانب، وبينهما وبين القوى السياسية، من جانب آخر. أما عضوية المنبر فيمكن أن تترك للقوى السياسية، إضافة للشريكين، بحيث تقوم بترشيح شخصيات، حزبية كانت أم مستقلة? طالما حازت على موافقة الجميع، ومشهود لها بالموضوعية والنزاهة، على أن يستمر المنبر حتى نهاية الفترة الانتقالية. ولا تتناقض هذه المبادرة مع، أو تنتقص من، مهام أو أهداف مفوضية التقدير والتقييم، بل هي خطوة لتجاوز الاستقطاب السياسي الراهن وتحقيق التقارب بين الشريكين وكافة القوى السياسية وإشراكها في الحوار الوطني حول تصورات حل الأزمة الوطنية.

    خطوة ثالثة لإشراك القوى السياسية:
    الحكومة الانتقالية
    إضافة إلى الرد الغاضب، وما حمله من سخرية، على اجتماع «تحالف المعارضة» الأخير، أبدى المؤتمر امتعاضه من مشاركة شريكه في الحكم في هذا اللقاء، خاصة والتحالف أعلن عن انتهاء شرعية حكومة الوحدة الوطنية الراهنة بحلول 9 يوليو 2009، الموعد الذي حدده الدستور الانتقالي لقيام الانتخابات، مطالبا بتكوين حكومة «قومية انتقالية» تفي بمستحقات، وتشرف على هذه الانتخابات لضمان حيدتها ونزاهتها. وجاء الرفض القاطع لهذا المقترح سريعا وعلى لسان عدد من قيادات المؤتمر الوطني، رغما عن ترحيبهم وسعادتهم لتصريح سكرتارية الحركة الشعبية الذي نفى موافقتها على الدعوة لقيام مثل هذه الحكومة. وسبب آخر لغضبة المؤتمر الوطني من شريكه في الحكم هو مشاركته في اجتماع سيناقش مسألة الاتفاق على مرشح واحد للرئاسة ضد مرشح المؤتمر الوطني في الانتخابات المرتقبة، كما صرح الناطق باسم التحالف، مما جعل البروفسير إبراهيم غندور، أمين التعبئة السياسية بالمؤتمر الوطني، يسارع بالقول بأن الفريق سلفا كير، رئيس الحركة الشعبية، يساند ويدعم ترشيح المشير البشير، لانتخابات رئاسة الجمهورية. وهو تصريح سارع بنفيه، مستخدما مفردات ساخرة، ياسر عرمان، نائب الأمين العام للحركة لشعبية. في اعتقادي أن المؤتمر الوطني قد حمل اجتماع المعارضة، وما ورد خلاله من تصريحات، أكثر مما يجب و»أداه توم وشمار» كمن يخلق من «الحبة قبة». لماذا؟:
    1) الاجتماع لم يترك أي انطباع بأن المجتمعين قد تراضوا على مناقشة أو التوافق على مواضيع بعينها، خاصة مع الحركة الشعبية التي لم تشترك فيه إلا بدافع التعرف على يدور في عقول ويعتمل في نفوس المعارضين، ممن تربطها معهم علاقات قديمة، على أن تقوم لجنة مصغرة بتحديد والاتفاق على أجندة لقاء جوبا الذي دعت إليه.
    2) لا أشك في حرص الحركة الشعبية على المضي قدما في الشراكة مع المؤتمر الوطني، رغم ما يعتريها من عقبات وما تعترضها من مطبات، في التنفيذ الكامل لاتفاقية السلام الشامل، كمرجعية لمشروعية حكمها للجنوب ومصدر لما تحقق من مكتسبات كبيرة للجنوب.
    3) على المؤتمر الوطني أن يكون مطمئنا (ويضع في بطنو بطيخة صيفي) بأن الحركة لن تقبل بأن يتحول الاجتماع المرتقب في جوبا إلى منبر لمراجعة الاتفاقية على غرار «المؤتمر الجامع» الذي ظلت بعض القوى تدعو له. فللحركة موقف ثابت من أي تحرك يهدف إلى إعادة التفاوض حول اتفاقية السلام الشامل. كما أنه من غير المرجح أن توافق الحركة على مقترح المعارضة بتشكيل حكومة قومية لإدارة ما تبقى من فترة انتقالية قبل الانتخابات، وقد عبرت قياداتها عن رفضها لهذا الاقتراح في أكثر من مناسبة.
    4) ضعف حجة تحالف أحزاب المعارضة التي تفيد بعدم دستورية حكومة الوحدة الوطنية بحلول يوليو2009. فمد أجل الحكومة حتى فبراير 2010 يجئ كنتيجة طبيعية ومنطقية لتأجيل الانتخابات بحسب قرار المفوضية القومية للانتخابات (وهو الأمر الذي كان حريا بالمعارضة الطعن في دستوريته). و يبدو أن المعارضة لم تحسب خطواتها جيدا قبل إعلانها لموقفها على الملأ، مما جعله يبدو مرتبكا ومربكا. فالفتوى بعدم شرعية الحكومة، ولو جازت بمنطق عدم الالتزام بالموعد الأصلي للانتخابات، كان يجب أن لا تقتصر على حكومة الوحدة الوطنية وحدها بل تتعداها للطعن في دستورية كل الترتيبات الدستورية القائمة على الاتفاقية والدستور لتشمل حكومة جنوب السودان ومجلسها التشريعي، والحكومات الولائية، والمجلس الوطني، والمجالس التشريعية الولائية، طالما جميعها من المفترض أن ينتهي أجلها في يوليو 2009! فما هو، إذن، المسوغ الدستوري لبقائها؟ أم هل تطمح المعارضة أيضا في تغييرها بمنطق قومية التشكيل؟ ولمزيد من الإرباك في موقف المعارضة، وفى قراءة خاطئة للدستور الانتقالي، صرح مبارك الفاضل، رئيس حزب الأمة-الإصلاح والتجديد (في ندوة لحزبه بمنطقة الهدى بولاية الجزيرة)، أن الحكومة الحالية «سيصبح رئيسها رئيسا بالوكالة حسب المادة 55/2 من الدستور الانتقالي». فالمادة 55 من الدستور تختص بتأجيل انتخابات رئيس الجمهورية، وتنص فقرتها 55/1 على أنه «عند تعذر انتخاب رئيس الجمهورية لأي سبب حسبما تقرره المفوضية القومية للانتخابات وفقاً لقانون الانتخابات، يتعين على المفوضية تحديد موعد جديد لإجراء الانتخاب بأعجل ما تيسر، شريطة ألا يتجاوز ستين يوماً من اليوم الذي كان مقرراً فيه إجراء الانتخابات»، وتليها الفقرة 55/2 التي تنص على أن «يستمر رئيس الجمهورية شاغل المنصب، رئيساً بالوكالة، لحين إجراء الانتخابات المؤجلة وتمتد فترته تلقائياً لحين أداء الرئيس المنتخب اليمين الدستورية». فما علاقة تعذر انتخاب رئيس الجمهورية، والذي ترك تقرير أمره لمفوضية الانتخابات، بعدم دستورية الحكومة طالما توافق الشريكان، بحكم نصوص الدستور، على تأجيل الانتخابات مما يعنى صراحة شرعية كل الترتيبات الدستورية القائمة إن لم ينص الدستور خلافا لذلك؟
    5) الخلاف يجب أن لا يتركز حول مواقيت الانتخابات، وبالتالي الجدل حول دستورية الحكومة أو انتهاء أجلها، بل أن ينصب على القضايا التي تقف في طريق الوصول للتوافق الوطني لإكمال مهام الفترة الانتقالية في سياق الحفاظ على الترتيبات الدستورية القائمة وتجنب انهيار الوضع الدستوري، الذي يستمد مشروعيته من اتفاقية السلام الشامل. فهل يقصد الداعون لحكومة قومية (أو حكومة تكنوقراط) أن يعاد التفاوض والتوصل لبناء دستوري جديد؟ أم سيعهد للحكومة المقترحة مهام تنفيذ الاتفاقية بعد فشل الشريكان في أدائها؟ وما هي السبل والوسائل التي ستنتهجها المعارضة في إقناع الشريكان للتخلي طواعية، عن السلطة أو إقصاءهم عنها في حالة رفضهما؟ هل ستلجأ للمحكمة الدستورية، أم ستقود الثورة أو الانتفاضة لإسقاط الحكومة الراهنة؟ إن دعوة تحالف المعارضة بعدم دستورية الحكومة سيفتح صندوق «باندورا» كما جاء في الأسطورة الإغريقية، والذي ما أن تم فتحه، بدافع الفضول، حتى انطلقت منه كل الشرور والرزايا! ومن جانب آخر، أفلا نستخلص الدروس ونستلهم العبر من تجربة حكومة «جبهة الهيئات» في أكتوبر 1964، والتي انقضت عليها الأحزاب ولم تمهلها لإكمال مهامها، وتجربة حكومة «الشخصيات الوطنية والنقابية» في أعقاب انتفاضة أبريل 1985، والتي لم تنجز شيئا، بل مهدت الطريق لانقلاب «الإنقاذ»؟ إن كل هذه الخيارات لا تتسق مع الواقع السياسي الراهن وتوازن القوى المختلفة، وقد لا تقود لتحقيق أهداف تحالف المعارضة، كما من المرجح أن لا تجد دعما من القوى الإقليمية و الدولية. فالاتفاقية هي نفسها جاءت كنتاج للدور الذي لعبته هذه القوى، وعادت لتؤكد مساندتها لها ووقوفها بجانبها لتخطى عقبات الشركة وخلافات الشريكين باشتراكها الفاعل في منتدى داعمي اتفاقية السلام الشامل، الذي رعته أمريكا ومبعوثها الرئاسي للسودان في واشنطون في يونيو المنصرم.
    6) ولعله الأهم، لماذا يتوجس المؤتمر الوطني من دعوة الحركة للاجتماع مع القوى السياسية في جوبا ويفضل عدم المشاركة فيه، طالما كانت أجندته لا تطال الشراكة معه ومقرراته لن تقر بعدم دستورية الحكومة أو تدعم فكرة الحكومة القومية؟ أفلم تهب كل هذه القوى، ما عدا القليل منها، للمشاركة في «ملتقى أهل السودان» الذي دعا وأعد له المؤتمر الوطني، بما في ذلك الحركة الشعبية التي شاركت بوفد رفيع المستوى وبقيادة رئيس الحركة نفسه؟ فما الغرابة في أن تلتقي الحركة الشعبية بهذه القوى، والمؤتمر الوطني يدرك جيدا ما يربط الحركة معها من علاقات قديمة وصلت إلى حد التحالف لسنوات طويلة تحت مظلة التجمع الوطني الديمقراطي؟ أيريد المؤتمر من الحركة التنكر لحلفائها السابقين وكل ما جمعهم من تفاهم مشترك حول العديد من القضايا؟ ففي المقابل، إذن، لماذا لا يقلب المؤتمر «ظهر المجن» لأحزاب التوالي التي ظلت دوما تقف معه في السراء والضراء؟ فالمؤتمر الوطني يطلب ويتوقع من الحركة المستحيل سياسيا! ولماذا لا ينظر المؤتمر لاجتماع جوبا كفرصة لتقوية شراكتها مع الحركة وإدارة الأزمة عبر الانفتاح على القوى السياسية الأخرى وطرح القضايا الوطنية العالقة والحوار حولها مجتمعين للخروج برؤية مشتركة لتهيئة المناخ السياسي للانتقال السلمي للسلطة؟
    خلاصة الأمر، أن توتر العلاقة بين الشريكين، وتعثرهما في إدارة عملية الانتقال (دون تحميل المسؤولية لأي منهما)، أسهما بقدر كبير في تأزم واحتقان الوضع السياسي، خاصة استبعادهما للقوى السياسية الأخرى من المشاركة السياسة الفاعلة مما فتح الباب واسعا للاستقطاب. فقد لجأت هذه القوى للشريك الأصغر كحليف سابق لها، لعله يعينهم في تنفيذ اتفاقية القاهرة، المعنية أساسا بالتحول الديمقراطي، بعد أن خاب ظنهم وفقدوا ولو حتى بصيص أمل في استجابة المؤتمر الوطني، إذ لم يخرجوا من «المولد» إلا ببضعة مقاعد في الجهازين التشريعي والتنفيذي. وتشهد على خيبة الأمل هذه رسالة الاحتجاج التي بعث رئيس التجمع الوطني الديمقراطي، محمد عثمان الميرغني، للحزب الحاكم، معبرا خلالها عن عدم رضاه عن سير تنفيذ اتفاق القاهرة. (الصحافة، 8/6/2009) كما انتقد مولانا بطء تنفيذ الاتفاق بالقاهرة، خلال الأسبوع الثالث من يونيو 2009، إلى كل من الأمين العام لجامعة الدول العربية ووزير خارجية مصر، حيث، على حد قوله، «أنه يتم ذكر الاتفاقيات الأخرى في نيفاشا وأبوجا وغيرها ولا يتم الحديث عن اتفاق القاهرة وكأنه لم يكن». وعلى هذه الخلفية، تمت مشاركة الحركة الشعبية في اجتماع تحالف المعارضة في وقت بدأت فيه الحركة نفسها في الاشتباك العنيف، بسبب اتهامها للمؤتمر الوطني بالتلكؤ في تنفيذ اتفاقية السلام، والدخول في معركة تعديل القوانين مع شريكها في السلطة، في أعقاب إعلان الجدول الزمني للانتخابات، مما أسهم في تعقيد وتوتر العلاقة بين الطرفين.
    ولعل الطريقة التي تم من خلالها تأجيل الانتخابات هي بمثابة التفاف ، وليس بخرق للدستور الانتقالي. فاتفاقية السلام الشامل لم تغفل عن ترك مساحة لشريكي الحكم لمراجعة جدوى الموعدين المشار إليهما في الفقرتين الفرعيتين 1.8.1 و1.8.3 وهما خاصتان بميقاتي إجراء التعداد السكاني وقيام الانتخابات العامة. بينما حددت الفقرة 1.8.4 ستة أشهر قبل نهاية الفترتين الزمنيتين المشار إليهما في الفقرتين السابقتين لاجتماع الشريكين للقيام بهذه المراجعة، مما يستدعى ضمنيا استصحاب آراء القوى السياسية الأخرى والحوار معها حول الدوافع الموضوعية للتأجيل. ولكن، الشريكين نفضا أيديهما تماما عن هذه المهمة، وتركاها للمفوضية القومية للانتخابات وحولاها إلى سكرتارية تتبع للشريكين وتنطق باسمهما، مما يتناقض مع طبيعتها كجهاز قومي ومستقل يعنى أساسا بإدارة العملية الانتخابية. وطبيعيا، أثار هذا التصرف شكوك المعارضة في تواطؤ الشريكين لمد أجل بقائهم في الحكم (والكنكشة في السلطة)، مما يوحى بأن كل منهما لا يضمن أن تأتى نتائج الانتخابات لصالحه لأسباب موضوعية وذاتية، مما دفعها للكيد للشريكين معا، ولو كان المقصود ضمنيا هو المؤتمر الوطني بحكم قبضته على السلطة في المركز. وعليه، أفتت القوى المعارضة بانتهاء الصلاحية الدستورية للحكومة القائمة، وطالبت بالمشاركة في الحكم عن طريق الدعوة لحكومة قومية، عسى ولعلى أن ينوبها نصيب في قسمة السلطة (والثروة) بعد أن قرأت التفاف الشريكين على الدستور كمحاولة لمد أجل استحواذهما على الحكم وانفرادهما به لأطول فترة ممكنة. فهكذا، «كبراقش التي جنت على نفسها» ابتدر الشريكان التحايل على الدستور، مما جعل كل طرف في الساحة السياسية يفسر الدستور على مزاجه وكأنه مجرد ورقة لخدمة أغراض ومصالح حزبية!
    في رأيي أن الطريق الوحيد للخروج بالبلاد من هذا الاستقطاب الحاد هو أن يدرك الشريكان، من جهة، والقوى السياسية الأخرى، من جهة أخرى، أهمية الحوار الجاد حول كل القضايا الوطنية موضع الخلاف وتبنيه كمنهج وحيد لعلاجها. ولن يثمر هذا الحوار أو يصل لنهاياته المنطقية دون إشراك الحركات المسلحة والقوى السياسية والمجتمع المدني بدارفور، بما يفضى إلى تسوية سلمية دائمة للنزاع في دارفور.


    الأخ دينـق
    السـلام عليكم
    دا الجـزء الثـاني ( اسـتعجلت تنزيله ولم انتظـر دزالواثق عشــان نطرق الحديـد وهـو ســاخن )
    من صحيفـة الرأي العـام العـدد ( 22743 ) و تاريخ: الأربعاء 15 يوليو 2009م، 23 رجب 1430هـ
                  

07-19-2009, 02:38 PM

Dr.Elwathig Kameir

تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 31

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة مفتوحة الى غازي صلاح الدين (1-4) .. وقفة مع النفس: هل نرغب في العيش سويا؟ (Re: عبدالله احيمر)

    دينق وعبد الله

    سلام وتحايا

    أنا رسلت الحلقتين 2 و3 أمس ظهرا بتوقيت القاهرة. وبالمناسبة الحلقة 2 التى نقلتها من الرأى العام غير مكتملة واقتطعت منها أجزاء هامة، وبعد احتجاجى على ذلك تم الاعتذاؤ وأعيد نشره أمس الأول!

    وعشان كدة أدناه نص الرسالة كاملا، بما فى ذلك الحلقة الرابعة والأخيرة التى ستنشر غدا!

    واثق










    رسالة مفتوحة

    وقفه مع النفس: هل نرغب في العيش سويا؟

    تونس – القاهرة
    يوليو 2009


    إلى

    د. غازى صلاح الدين
    (مستشار رئيس الجمهورية والقيادي بالمؤتمر الوطني)

    من

    د. الواثق كمير


    محتويات




    تقديم

    أولا: مأزق التباعد بين مواقف الشريكين والاستقطاب السياسي

    ثانيا: مسئولية قيادة الانتقال : نحو تطوير الشراكة

    ثالثا: إشراك كافة القوى السياسية السودانية في بناء المستقبل
    (خطوات مطروحة)

    رابعا: إشكالية الدين والدولة – الجدل حول القانون الجنائي

    خامسا: هل هناك فرصة لمصالحة تاريخية ..؟

    تقديم

    عزيزي د. غازي

    سلامات من تونس الخضراء

    تهدف رسالتي هذه إلى فتح حوار حقيقي حول مواضيع مؤرقة تستحق النقاش وجديرة بالتأمل العميق والتفكير بعيد النظر، وتطرح قضايا متداخلة ووثيقة الصلة بما نمر به من ظروف صعبة في طريق طويل وشاق نحو بناء الدولة السودانية الحديثة! وهذه القضايا، في ظني، هي تعبير عن وتجسيد للأزمة السياسة العامة، وما يحيط بها من مآزق تبعث على القلق في ما يخص إمكانية العبور نحو غد أفضل على خارطة طريق التحول نحو بناء دولة المواطنة السودانية القوية التي نفخر بها ونعتز بالانتماء لها جميعا إسلاميين كنا أم علمانيين، شماليين أو جنوبيين، وبغض النظر عن "أصلنا وفصلنا" أو لوننا "أصفر" كان، أم "أخضر" أم "أسود"!

    لم يكن اختياري لك لمثل هذا التفاعل عشوائيا، إنما مقصودا لأسباب موضوعية، وأيضا ذاتية, فموضوعيا، أنت تتبوأ مواقع قيادية سياسية في الحزب الحاكم ورئيس لكتلته النيابية في المجلس الوطني، والمكلف بمتابعة ملف دارفور والعلاقات السودانية الأمريكية، ومستشار لرئيس الدولة على المستوى التنفيذي. وذاتيا، لي معك تجربة في اللقاء الوحيد الذي جمعنا بمكتبك بالخرطوم، فقد استمعت لي جيدا وتوصلنا إلى فهم مشترك حول عدد من القضايا المتصلة بحرية التعبير والنشر وإعلاء قيم الحوار. وأنا من جانبي لا أخاطبك بصفتي عضو في مجلس التحرير الوطني للحركة الشعبية أو قيادي بها (كما يحلو للبعض) أو مروج لسودان جديد، فحسب، بل كسوداني أتاح له وطنه فرصة للتعليم العالي وقدر من المهارة والخبرة تفرض على أن أشارك في صنع مستقبله وأن أعبر عن خوفي وقلقي على مصيره وبلدنا يمر بأدق ظرف وأحرج الأوقات وبأهم نقطة تحول في تاريخيه ليكون أو لا يكون! فوحدة السودان، سواء على أسس جديدة أو قديمة، أضحت مهددة وفى خطر عظيم أكثر من أي وقت مضى، بصورة لم يعد يجدي معها نفعا تكرارنا ل"الوحدة الجاذبة"، في غياب تام للحوار الجاد حول المعنى الحقيقي لهذه العبارة!

    حقيقة ربما لا يعلمها كثيرون هي أن اهتمامي بقضية الوحدة بين الشمال والجنوب لم يكن وليدا لتأسيس الحركة الشعبية أو مشروع السودان الجديد الذي بشر بت زعيمها الراحل د. جون قرنق في 1983، إنما بدأ إنفعالى بقضية الجنوب منذ عام 1975، أي قبل أن تكون الحركة أو مشروعها موجودا. وللمفارقة، لم تكن لي أي خلفية سياسية دفعتني لهذا الاهتمام، بل كان المدخل هو دراستي لعلم الاجتماع بجامعة الخرطوم. فقد اخترت لموضوع رسالة الدكتوراه القيام بدراسة مقارنة، بين العمال اليدويين في صناعة البناء، وجلهم من قبيلة النوير بجنوب السودان، والعمال من ذوى الأصول الشمالية والعاملين بالمصانع في المنطقة الصناعية بالخرطوم بحري، في سياق تحليلي لنمط التنمية غير المتكافئة بين الشمال والجنوب. وقد تعلمت كثيرا من هذا البحث، خلال مدة امتدت لأكثر من 10 أشهر قضيتها في عمل ميداني مع النوير في عمارات "الرياض" ومع الشماليين بالمنطقة الصناعية، فتوصلت إلى نتائج جعلتني أقع في أسر فكرة عظيمة لبناء دولة وأمة سودانية منيعة (السودان الجديد)، ومشروع إنساني لا يحتكره حزب أو تمتلكه فئة!

    أولا: مأزق التباعد في مواقف الشريكين والاستقطاب السياسي

    تشاكس الشريكين والاشتباك بينهما أضحى مشهدا مألوفا في الساحة السياسية السودانية منذ "قولة تيت" من عملية إنفاذ اتفاقية السلام الشامل في 2005، وصل حد انسحاب وزراء ومستشاري الحركة الشعبية من حكومة الوحدة الوطنية في أكتوبر2007 ، احتجاجا على ما وصفوه بتلكؤ المؤتمر الوطني في الإيفاء بمستحقات الاتفاقية، والذي بدورة يرفض هذا الاتهام بشدة وعادة ما يرجعه لما تعانيه الحركة من وهن تنظيمي وانقسام داخلي. ليس ذلك فحسب، بل لم يسلم المشهد السياسي من توتر ملحوظ في العلاقة بين الشريكين والقوى السياسية المعارضة والساخطة (بالطبع ما عدا أحزاب "الشبكة" أو "التوالي" التي تقف بقلب وعقل واحد مع المؤتمر الوطني)، من جهة، وبينها وبين كل شريك على حدة، من جهة أخرى. تسبب هذا التجاذب متعدد الوجوه والاتجاهات في خلق وضع سياسي محتقن تصاعدت وتائره بشده في الأسابيع الماضية، خاصة في أعقاب إعلان جدول الانتخابات والبدء في الإيفاء بمستحقات التحول الديمقراطي بإيداع مشروعات القوانين البديلة والأسلوب العنيف الذي صاحب عرض وجهات النظر (قانون الصحافة، القانون الجنائي)، وتداعياته الخطيرة خارج قبة البرلمان. وفوق ذلك، جاء اتهام الحركة الشعبية لشريكها في الحكم بتدبير وتمويل ملتقى كنانة لبعض الأحزاب والشخصيات الجنوبية بقصد شق صفوف الحركة، وهو الاجتماع الذي أسفر حقيقة عن تكوين ما سمى ب"الحركة الشعبية- للتغيير الديمقراطي".

    أربعة أحداث متتالية ساهمت في تفاقم الاحتقان السياسي الماثل: أولها؛ الخلاف حول التعداد ورفض الحركة الشعبية الاعتراف بنتائجه المعلنة، وثانيها، الاشتباك الذي حدث بينك وبين د. بيتر أدوك في إحدى جلسات مؤتمر الإعلاميين بالخارج تعبيرا عن خلافات الشريكين وإعادة تبادل الاتهامات بصورة حادة حول مسؤولية التعثر في تنفيذ الاتفاقية وعدم جدية كل طرف في الإيفاء بمستحقات التحول الديمقرطى، ثالثها، اكتشاف عبوات ناسفة بدار الحركة الشعبية-قطاع الشمال بأركويت، ورابعها، ولعله أهمها (كالقشة التي قصمت ظهر البعير) هو اجتماع "تحالف المعارضة" الذي دعت فيه الأحزاب المشاركة بتشكيل حكومة انتقالية قومية تشرف على الانتخابات المقبلة بافتراض أن حكومة الوطنية الحالية ستفقد شرعيتها في يوليو 2009 بحكم اتفاقية السلام الشامل التي حددت هذا التاريخ لإجراء الانتخابات العامة، كما طالبت بإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات لضمان حريتها ونزاهتها، وإلا أن أحد خيارتها قد يكون مقاطعة هذه الانتخابات. ذلك إضافة، إلى عزمها للاتفاق على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية. ولعل ما "زاد الطين بله" هو مشاركة الحركة في اجتماع المعارضة، مقرونا بدعوتها لمؤتمر موسع بجوبا (لم تستثن منه المؤتمر الوطني) لمناقشة كافة القضايا الوطنية والاتفاق على تكوين لجنة للمتابعة وتحديد الأجندة. فقد خلق هذا التحرك من جانب المعارضة حالة من الاستقطاب السياسي الحاد، إذ قابله المؤتمر الوطني بهجوم عنيف على لسان عدد من قياداته وصموا الخطوة (خاصة الدعوة للحكومة القومية) بالمؤامرة لتغيير النظام قبل الانتخابات، وتنفيذ لسيناريو ترسمه دول أوروبية بغرض تأجيل الانتخابات، ووصفوا المتشككين في نتائج التعداد السكاني بأنهم "ينعقون بما لا يعلمون" وأن مثل هذا الحديث دليل علي عدم استعداد الأحزاب المشاركة في الاجتماع للانتخابات، ومعتبرين مشاركة الحركة الشعبية في لقاء المعارضة مخالفا لروح الشراكة لتنفيذ اتفاق السلام. وختامها مسك، فكأن الشريكان قد حملا معهما خلافاتهما إلى واشنطون إذ تبادلا الاتهامات خلال منتدى داعمي اتفاقية السلام الشامل، وعادا إلى البلاد وعلاقتهما أشد توترا مما جعل الوضع السياسي العام يبدو أكثر قتامة، فأصبح الحديث عن الانفصال يتصدر الأخبار والأعمدة، وحتى "القعدات" وجلسات "الونسة".

    إننا نعيش مناخا سياسيا متأزما، استقطابا وتجاذبا بين كافة القوى السياسية، ومرشح للتصعيد أن أضفنا ملفات أخرى أكثر سخونة (أبيى، قانون الأمن الوطني، قانون الاستفتاء، ترسيم الحدود، المشورة الشعبية لجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق)، بينما جهود تسوية الأزمة في دارفور ما زالت تراوح مكانها. حقيقة، هذا هو المشهد الذي يلحظه ويراه كل مراقب حصيف ماثلا أمام أعينه، ولا تستقيم معه أي مكابرة أو إنكار! ويسفر الاستقطاب عن وجهه في حشد كل شريك لقدامى الحلفاء أو الموالين، في مؤتمر صحفي بغرض خوض معركة غامضة المعالم ومجهولة الأهداف، بدأت بكيل الاتهامات وتبادلها بين كل طرف والآخر. وبلغت الخصومة بالشريكين حدا دفعت رئيس الجمهورية نفسه، وبصفته رئيس الحزب الحاكم، بتصويب انتقادات لاذعة للحركة الشعبية متهما لها بممارسة الحكم عبر استخباراتها العسكرية في الجنوب، وأنها تحظر الممارسة السياسية الأحزاب، بما فيها المؤتمر الوطني، بينما تمارس عملها بحرية في الشمال رغما من حديث قيادات الحركة عن القوانين المقيدة للحريات، متوعدا معاملتها بالمثل.

    سببان رئيسيان يفسران هذا الوضع المتفجر، أولهما يتصل بالعلاقة بين شريكي الحكم وما يواجه كل منهما من تحديات داخلية وموقفهما من اتفاقية السلام الشامل، وثانيهما بالعلاقة بين الشريكين، من جهة، والقوى السياسية "المعارضة" من جهة أخرى.

    إن التحدي الأكبر يتمثل في أن اتفاقية السلام الشامل جمعت في الحكم بين حزبين يملكان رؤى مختلفة جذرياً لتطور البلاد، كما أن غياب التوافق على برنامج سياسي يحكم الفترة الانتقالية قد تسبب في تفاقم الخلافات بينهما. ففي الحقيقة، لا يوجد برنامج وطني (أو سياسات قطاعية) متفق عليه بين الشريكين، أو بينهما وبين كل القوى السياسية، تلتزم الحكومة بالتقيد به في سياق تنفيذ اتفاقية السلام الشامل. وهو أمر أغفلت الاتفاقية الإشارة إليه بصورة مباشرة، مما يعده المؤتمر الوطني كسبا ونصرا يتيح له تمرير سياساته دون نص يتقيد به الحزب. وربما يكون هذا وراء التوتر الملحوظ في العلاقة بين الشريكين واتهام كل منهما للآخر بالتلكؤ والمماطلة في تنفيذ الاتفاقية، إذ لا توجد مرجعية أو إستراتيجية واضحة المعالم لسياسات الحكومة يحتكمان إليها. ولذلك دائما ما تجد الحركة الشعبية نفسها مطالبة بأن تبصم بالموافقة على برامج وسياسات الشريك النافذ في الحكم، والذي لا تعوزه الأغلبية لإجازتها. وهى حيال ذلك قليلة الحيلة ولا تملك إلا التذمر والاحتجاج.

    فالمؤتمر الوطني حريص على متابعة تنفيذ سياساته بواجهة حكومة الوحدة الوطنية، ويستخدم في ذلك وسائل شتى، حتى في الوزارات التي تتبع للحركة الشعبية من خلال سيطرة الحزب على الجهاز التنفيذي، بينما كل منهما يجابه مشاكل داخلية تعيق عملية التنفيذ من خلال بناء شراكة صادقة و فعالة، دون حاجة لتصفية خلافاتهما عبر وسائل أخرى. فلم يعد سرا أن هناك بعض المنتقدين للاتفاقية في داخل المؤتمر الوطني نظرا لاعتقادهم أنها منحت الحركة الشعبية (والجنوب) أكثر من ما تستحق، وعلى وجه الخصوص ما وفرته لها الاتفاقية من مساحة واسعة للتحرك في شمال السودان، مما يشكل تهديدا لسلطة الحزب الحاكم، كما ينتابهم شعور بالقلق من الاتجاه الذي تسير فيه البلاد بما لا تشتهى نفوسهم.

    والحركة الشعبية، من جانبها، تعانى من صعوبات مركبة في سياق الانتقال من الحرب إلى السلام، خاصة بعد الرحيل المفاجئ والمفجع لزعيمها د. جون قرنق، تتمثل في مواجه تحولات ثلاثية المسار: من حركة عسكرية إلى حزب سياسي، ومن حركة تستند على قاعدة اثنية-إقليمية إلى تنظيم قومي، ومن المعارضة إلى المشاركة في الحكم. القلقون من تمدد الحركة شمالا من عضوية المؤتمر الوطني يقابلهم الراغبون من منسوبي الحركة الشعبية ممن يميلون للتخلي عن الشمال التقوقع في الجنوب، وتدل الشواهد أن الفريقين يشدان من أزر بعضهما البعض، ويتودد كل فريق إلى، ويخطب ود الآخر!

    أما السبب الثاني لهذا الوضع السياسي المأزوم هو أن كل القوى السياسية الأخرى، خصوصا التي كانت مشاركة في حكم البلاد قبل "الإنقاذ"، تذوقت وتشعر بمرارة الإقصاء والاستبعاد عن المفاوضات التي أفضت إلى اتفاقية السلام الشامل. هذه القوى تتوق وتتطلع إلى المنافسة على السلطة كأي حزب سياسي في سياق الترتيبات الدستورية التي أرست قواعدها الاتفاقية، والتي باركتها هذه القوى، وإن أبدى البعض تحفظاته عليها، كخارطة طريق يمهد للانتقال إلى ديمقراطية تعددية حقيقية. إن الأحزاب غير المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية تتطلع إلى أن "يستمع" لها الشريكان، ولا "يسمعاها" فقط، وأن يوليا تشخيصها للأزمة وتوصياتها للعلاج ما تستحقه من اهتمام، ويشركاها في اتخاذ القرارات الوطنية المصيرية، بدلا عن وضع مختلف أشكال العراقيل في طريق مشاركتها ومبادراتها للحل. وتنبئ أحداث كثيرة بضلوع المؤتمر الوطني في محاولات لاستمالة بعض قيادات وشق صفوف الأحزاب الأخرى بدون استثناء، طالت حتى شريكه في الحكم. وأبلغ شاهد على هذا النهج هو ابتهاج قطبي المهدي، أمين أمانة المنظمات بالمؤتمر الوطني، بانشقاق لام أكول وإعلانه عن ميلاد حزبه الجديد، فعلى حد تعبيره فإن "بروز كيانات جديدة وقيادات مثل دكتور لام أكول سيعزز التعاون بين شركاء الاتفاقية ويفرز المزيد من الاستقرار في العلاقات الشمالية الجنوبية وتنفيذ اتفاقية السلام، مبينا أن الحركة الشعبية تفتقر للقيادات الناضجة وان الفشل الذي لازمها في حكم الجنوب جعل القواعد فاقدة الثقة في قدرة قيادات الحركة". ولكن، هذا لا يعنى تجاهل، بل يجب الاعتراف بأن تماسك أي حزب سياسي أو تعرضه للانقسام تظل في المقام الأول مسؤولية الحزب نفسه وقياداته!
    والأهم، ما هي رؤية النخب الجنوبية لمستقبل "دولة" جنوب السودان، خصوصا لمنسوبي الحركة الشعبية من ذوى الميول الانفصالية، وهم الذين ظلوا يرددون رؤية السودان الجديد لما يفوق العقدين من الزمان؟ فإنه لمنطق هزيل أن تختزل هذه النخب مشروع السودان الجديد بحجة تطبيقه على الجنوب فقط، فرؤية السودان الجديد لا تستقيم إلا ببناء دولة المواطنة في السودان ككل، فهي لا تقبل القسمة على اثنين أو أكثر!

    ثانيا: الشريكان ومسئولية قيادة الانتقال: نحو تطوير الشراكة

    ماذا يريد الشريكان للسودان؟ توحد أم تمزق؟

    هذه هي المواضيع والقضايا التي تطرحها بشدة معادلة الوحدة والانفصال، والتي يحتم الواجب الوطني على شريكي الحكم، بحكم قيادتهما لهذه المرحلة التاريخية الدقيقة، إبتدار الحوار حولها بكل صراحة وأمانة وصدق وشفافية، والدعوة الجادة لجرد حساب موضوعي لما فعله كل طرف، من ناحية السياسات والبرامج لجعل الوحدة "جاذبة" كأحد مستحقات الاتفاقية والدستور. فلنسأل عن سياسات الوحدة الجاذبة التي وضعتها أي من حكومتي الوحدة الوطنية، في الخرطوم، أو حكومة الجنوب، وما يلزمها من ميزانية وتمويل، ومدى تنفيذها؟ دع السياسات جانبا، هل أفردت اللجان المشتركة بين الحركة والمؤتمر حيزا، أو جاء على صدر أجندتها، لموضوع الوحدة الجاذبة وآليات تحقيقها؟ فالحركة، في عيون المؤتمر الوطني تسعى للانفصال وترتب له (وهناك من يدعمها من المؤتمر)، خصوصا إن صح إصرارها على استبعاد الجنوبيين المقيمين في الشمال من المشاركة في الاستفتاء المرتقب على تقرير المصير، والذين من المرجح أن يصوتوا لصالح الوحدة. والمؤتمر الوطني في نظر الحركة يريد الانفصال ويخطط له، ولكن على حساب إضعاف حكومة الجنوب وإثارة الصراعات بين قبائله وفصائله السياسية، ليضمن الاستحواذ على أكبر حصة من النفط المنتج، خاصة في أبيى، المرشحة لتصاعد النزاع حولها، وربما العودة للحرب مجددا. إذن، بدون أن يحدد كل طرف موقفه بوضوح من وحدة البلاد ومناقشة العقبات التي تعترض سبيلها بصراحة ووضع كل الضمانات المطلوبة، يصبح الشريكان، ولو على شاكلة "كل شيخ بطريقته"، كلاهما يدفعان بالجنوبيين للتصويت لصالح الانفصال، فليستعدا لتحمل تبعات سياساتهما على مستقبل البلاد والعباد!

    التقيت بالراحل المقيم د. جون قرنق بأبيدجان (حيث كنت أقيم)، أثناء زيارته القصيرة لساحل العاج في فبراير 1992، بعد شهور قلائل من الانشقاق الذي حدث في صفوف الحركة الشعبية الذي عرف ب"انقلاب الناصر". وبإيعاز من صديق مشترك كان موجودا معنا حينها، سألت الزعيم الراحل "هل صحيح أن (فلان) يقف مع الانقلابيين؟"، فكان رده، بعربي جوبا "فلان ده عندو كراع معانا وكراع مع الانقلابيين، لكن كراع (كبيرة) بتاعته مع ناس الانقلاب!". فيبدو للمراقب المدقق أن لكل من الشريكين في موقفهما من مستقبل الوطن قدم في موقع الوحدة، والأخرى في موضع الانفصال، ولكن الأخيرة أكبر وأضخم! فبينما يصرح كل منهما في العلن ويؤكد وقوفه مع، والتزامه بالوحدة، تكشف سياسات وتوجهات الطرفين أن كلاهما يعمل من أجل الانفصال، أو على أقل تقدير الدفع للأمام بأجندة الانفصاليين! فكيف ذلك؟:

    • فمن جانب المؤتمر الوطني: قبل ما يزيد عن العقدين من الزمان، بلورت الجبهة الإسلامية (النسخة السابقة للمؤتمر الوطني) نظرتها وتوجهاتها نحو جنوب السودان في ما أسمته "مشروع ميثاق السودان"، في أعقاب انتفاضة مارس/أبريل 1985. فبينما أمن المشروع على وحدة السودان، أوحت صياغته الذكية بالتشديد على استثناء الجنوب جغرافيا- حيث الأغلبية غير المسلمة- من تطبيق الشريعة الإسلامية. قصدت الجبهة بهذا الأسلوب اصطياد عصفورين بحجر واحد. فهي تؤكد لإتباعها من الشماليين جدية الجبهة في أمر تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، من جهة، بينما تسعى لاستمالة ومغازلة المغالين من الجنوبيين بالإيحاء لهم بمرونتها السياسية من ناحية قبولها بالاستثناء، وهكذا بإمكانية انفصال الجنوب إن هم أصروا على ذلك، من جهة أخرى. أثار مشروع "ميثاق السودان" جدلا وسخطا شديدين وسط القوى السياسية في ذلك الوقت، إذ رأى فيه المنادون بالوحدة من شماليين وجنوبيين دعوة صريحة للانفصال. وبعد الاستيلاء على الحكم في 30 يونيو 1989، أصبح الهم الشاغل للجبهة الإسلامية هو القضاء عسكريا على الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي يشكل العقبة الرئيسية في طريق تمكين سلطتها في جنوب السودان. وفى سبيل ذلك اتبعت الجبهة نهجا "جهاديا" لإخضاع الجنوب في ظل سودان إسلامي موحد بحسب مقتضيات وشروط "المشروع الحضاري" للدولة الإسلامية. بينما، سياسيا عملت الجبهة الإسلامية على الإيحاء بأن سلطتها تحترم رغبات السودانيين الجنوبيين في الانفصال إن أعلنوا ذلك صراحة في وقت أصبح فيه العالم متعاطفا مع قضايا الأقليات وحقها في تقرير مصيرها. ومن ناحية أخرى، ركزت الدعاية الإعلامية التي إظهار جون قرنق-ومؤيديه- بالمتشدد، وتشبيهه بلوردات الحرب الذين لا يريدون سلاما لشعوبهم، والذي يقف في طريق تحقيق تطلعات الجنوبيين. هذه المرونة من جانب الجبهة هي التي مهدت للتفاهمات اللاحقة مع "مجموعة الناصر"، وإقرار حق تقرير المصير في اجتماع فرانكفورت في يناير 1992. ورغما عن ظني بأن الاتفاق (الذي وقعه د. على الحاج نيابة عن الجبهة) قد أغضب كثيرون داخل التنظيم باعتباره بمثابة موافقة سافرة على انفصال الجنوب، إلا أنه شكل أرضية مشتركة للتوقيع على اتفاقيات السلام من الداخل في النصف الثاني من التسعينات، إلى أن تم إقراره دستوريا تبعا لاتفاقية السلام الشامل بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية في يناير 2005. إذن، فالسؤال الذي يطرح نفسه بشدة، ويحتاج لإجابة أمينة، هو: دون توجيه المكتب القيادي للمؤتمر الوطني، في اجتماعه بتاريخ 4 يوليو 2009، بتعزيز فرص الوحدة في قانون الاستفتاء والعمل على تقوية هذا الخيار، ما الذي فعله الحزب الحاكم منذ إقراره بحق تقرير المصير في أوائل التسعينات، وما هي استراتيجياته وسياساته الراهنة، لاستخدام هذا الحق إيجابيا كأداة لتحقيق الوحدة الطوعية؟

    • ومن جانب الحركة الشعبية: فهي مطالبة، وبنفس القدر، بعد عامين من المشاركة في السلطة، بتوضيح موقفها بشفافية من وحدة البلاد، وأن تلعب الدور الذي ظل جمهور مناصريها يتوقعه منها، وأن تتخلى عن "الإمساك بالعصا من منتصفها". فقد تعرض موقف الحركة من الوحدة للانتقادات من الشماليين بحجة أن الحركة بمجرد، وحتى في وقت مبكر قبل، وصولها للسلطة قد بدأت في التنصل من مشروعها. وتضاعفت الاتهامات بعد رحيل قائدها من ناحية تركيز الحركة على تنفيذ اتفاقية السلام الشامل في القضايا الخاصة بالجنوب، مع إغفال ملحوظ لقضايا التحول الديمقراطي والحكم الراشد. وقد تصديت بالحجج والبراهين للرد على اتهامات وظنون المنتقدين للحركة في مقدمة كتاب (جون قرنق: رؤيته للسودان الجديد وإعادة بناء الدولة السودانية) والعديد من المقالات الأخرى. ولكن الآن، يبدو أن هذه الدفوعات قد فقدت قوتها ومنطقها في إقناع حتى كوادر وقواعد الحركة التي بدأ الشك ينتابها في مواقف حركتهم من القضيتين المتداخلتين: الوحدة والعلاقة بين الدين والدولة. فقد كانت هذه الحجج قوية ومقنعة في وقت محادثات السلام، والتي وضعت قيوداً ثقيلة على ما يمكن تحقيقه من خلال المفاوضات، كما كانت أيضاً مقبولة، حينما كانت الحركة الشعبية في المعارضة. أما بعد توقيع اتفاقية السلام، فإن الحركة تملك 28% من السلطتين التنفيذية والتشريعية على المستوى الفيدرالي، و45% في كل من جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، بجانب 10% من السلطتين في باقي ولايات شمال السودان، إضافة إلى قاعدة سياسية جماهيرية يعتد بها في كافة هذه الولايات. فمطالبة الحركة الشعبية بحضور فاعل والمشاركة في كل مستويات الحكم خلال الفترة التي تسبق الانتخابات، كانت تهدف بالدرجة الأولى إلى تمكين الحركة من الترويج، على قدم المساواة مع شريكها في الحكم (المؤتمر الوطني)، لوحدة السودان على "أسس جديدة". وفوق ذلك كله، فإن اتفاقية السلام الشامل تلزم وتملي على الحركة الشعبية العمل الجاد لجعل الوحدة جاذبة. وبالتالي، بينما للجنوبيين، خارج الحركة الشعبية، مطلق الحرية في الترويج والتعبئة من أجل الانفصال، فالحركة ملزمة، وكذا كوادرها، بالمثابرة في تحقيق شروط الوحدة الجاذبة. إذنَ، هذا واجب لا يجوز سياسياً وأخلاقياً للحركة الشعبية أن تنفض يدها عنه، وإلا تكون قد وقعت في خطأ جسيم خرقت بموجبه اتفاقية السلام، وأصابتها في مقتل.

    لا ينكر إلا مكابر وجود المتشككين في رؤية السودان الجديد في صفوف الحركة الشعبية منذ تأسيسها، رغما عن تنامي نفوذهم بعد وفاة زعيم الحركة. فقد كانت ولا تزال هناك اختلافات حول الوحدة. وسبق أن تجرأت بالقول بأن "كل المؤمنين بالرؤية هم "حركة شعبية" بيد أنه ليس كل من هو "حركة شعبية" يؤمن بها! وفى الواقع، حدثت خلافات حول قضيتي الوحدة والانفصال تحولت إلى مواجهات عنيفة في لحظات تاريخية معينة في سياق تطور الحركة الشعبية والجيش الشعبي، منذ الأيام الأولى في 1983. ثم جاء الانشقاق المدمر الذي أفضى إلى قتال دموي في صفوف الجيش الشعبي بعد "إعلان الناصر" في أغسطس 1991 الذي دعي إلى حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان. وقد تمت مناقشة صريحة وواضحة لهذه الاختلافات والخلافات خلال المؤتمر الأول للحركة الشعبية في أغسطس 1994 والذي قرر في ضوئها أن تحقيق السودان الجديد وحق ممارسة تقرير المصير هما الهدفان التوأمان للحركة، مما يبدو معه وكأن الحركة الشعبية تسعى لتحقيق هدفين متناقضين في نفس الوقت: الانفصال ووحدة السودان! سؤال رئيسي يطل برأسه هنا: كيف ستعالج أو توفق الحركة بين مشروعها الأساسي لسودان موحد، من ناحية، وحق تقرير المصير، من ناحية أخرى، وسط اعتقاد سائد بأن هذا الحق مرادف ومطابق للانفصال؟ هل وكيف ستترجم الحركة إلى سياسات عملية مناشدة رئيس الحركة للجنوبيين في خطابه الجماهيري بكادوقلى في 7 يوليو 2009 لتغليب خيار الوحدة في صناديق الاستفتاء؟

    خلاصة الأمر، أنه إن كان الشريكان متمسكين بالوحدة، فليفتحا الحوار الصادق حول هذه القضية، مع إشراك القوى السياسية الأخرى، مما يغنى عن العودة لحرب جديدة لن تجئ نتيجتها لمصلحة أي منهما، بل ستلحق الضرر بالجميع! فغموض موقف الشريكين من الوحدة، واستبعادهما لهذه القوى، هو الذي أفضى إلى، بل هو مصدر وأس الخلاف العنيف والجدل المحتدم حول نتائج التعداد السكاني، مواعيد الانتخابات، قضية أبييى، ترسيم الحدود، وقانون الاستفتاء. فإن تطابقت النوايا مع الأفعال واتسقت الرؤى مع السياسات لما تداعى الوضع السياسي للتأزم والاستقطاب، ولما دعونا الخارج للتدخل سواء ذهبنا إليه أم جاء إلينا في عقر دارنا!

    ثالثا: إشراك كافة القوى السياسية السودانية في المستقبل (خطوات مطروحة)

    خطوة أولى: من التفاوض الثنائي للحوار الوطني

    إذن، الشريكان مطالبان بفتح الباب لكل القوى السياسية للمشاركة والمساهمة الفاعلة في هذا الحوار، فهي أيضا لها نصيبها من المسؤولية في تحقيق الوحدة، ولو لم تكن مشاركة في الحكم الانتقالي، فضمن هذه القوى من كان على سدة الحكم في السابق وتعامل مع هذه القضية من موقع السلطة، تفاوضا وحربا. فهل نتوقع أن تصمت هذه القوى وتتخلى عن المطالبة بحقوقها الدستورية، وأن لا تسعى للتحالف مع من تختاره من أحزب، حتى لو كان حزب الحركة الشعبية؟ أوليس للمؤتمر الوطني من أحزاب "موالية" تم حشدها في مؤتمر صحفي مشهود كرد فعل لاجتماع هذه القوى السياسية، الذي حضرته الحركة، بل وأكدت خلاله دعوتها لاجتماع جوبا؟ أوليس للمؤتمر الوطني لجان وتفاهمات مشتركة مع جل هذه الأحزاب، ولو بطريقة ثنائية؟ أم أنه كان ليغفر لهذه الأحزاب تقربها من الحركة الشعبية إن تمت هذه اللقاءات بإتباع نفس الأسلوب الانفرادي/الثنائي؟ ولماذا يتحاشى المؤتمر الوطني اللقاء مع القوى السياسية مجتمعة وليس على إنفراد أو بالقطاعي، مما يثير الشكوك ويلهب الظنون؟ حقيقة، هذا هو الانطباع الذي خلفه رد الفعل الغاضب لقيادات المؤتمر الوطني على اجتماع "تحالف المعارضة"، والذي توجه رئيس الحزب ورئيس الجمهورية بانتقاده اللاذع وهجومه غير المسبوق على الحركة الشعبية.

    وللإنصاف، فمشاركة الحركة في هذا الاجتماع ما هو إلا تنفيذ لمقررات قديمة لاجتماعات سابقة للمجلس الوطني الانتقالي للحركة ترجع تواريخها إلى أغسطس وديسمبر 2007. فالقرار رقم (8) لاجتماع المجلس، في 16-18 أغسطس 2007، "أخذ علما بتقارير اللجنة السياسية المشتركة واللجنة التنفيذية المشتركة وأشاد بجهود اللجنتين في التعاطي الايجابي مع المؤتمر الوطني فيما يتصل بالتنفيذ الكامل لاتفاقية السلام الشامل. وبينما حث المجلس اللجنتين لمواصلة هذا التعاطي، إلا أنه وجه المكتب السياسي الانتقالي بالبدء في التفاعل مع كل القوى السياسية الوطنية ومنظمات المجتمع المدني لدعم تنفيذ الاتفاقية والتحول الديمقراطي". وتحت عنوان (علاقات الحركة الشعبية مع القوى السياسية الأخرى) قرر اجتماع المجلس الوطني الانتقالي، بتاريخ 8 ديسمبر 2007، أولا: "التزام الحركة الشعبية إشراك كل القوى السياسية في حوارٍ جاد بغرض تفعيل، اتفاقية السلام الشامل والإسراع بتنفيذ كافة بنودها والتعجيل بالمصالحة الوطنية والتحول الديمقراطي"؛ وثانيا: "المبادرة بإطلاق عملية سياسية تنخرط فيها كل القوى السياسية بهدف التوصل إلى عقد اجتماعي، وصياغته ليشمل جميع القضايا التي تناولتها اتفاقية السلام بما يحقق الإجماع الوطني حولها". ولكن، لظروف موضوعية وأخرى ذاتية، تتصل بعدم متابعة سكرتارية الحركة لهذه المقررات، جاءت مشاركة الحركة في هذا الاجتماع ودعوتها للقوى المشاركة للقاء بجوبا متأخرة وفى وقت اتسم فيه الوضع السياسي بالتأزم والاحتقان.

    وقد ينظر البعض، وعلى رأسهم المؤتمر الوطني، لهذا التطور وكأنه انتهازية سياسية أو مكايدة وابتزاز أو تكتيك سياسي، أو حتى تهويش أو إستقواء بالآخر، من جانب الحركة، بينما يعتبره آخرون، خاصة وسط قواعد الحركة المحبطة، كصحوة من جانبها وتفعيلا لمقررات مؤسساتها. ولكن، بغض النظر عن تعدد التفسيرات، فثمة سؤال هام يطرح نفسه: ما هي مصلحة المؤتمر الوطني في عزل نفسه من كل القوى السياسية والاكتفاء بالموالين له والانكفاء عليهم؟ فإن كان المؤتمر الوطني حقا حريصا على عملية التحول السلمي وجاد في التزامه باتفاقية السلام الشامل، فما السبب الذي يمنعه من التعاطي مع القوى السياسية مجتمعة في حوار ليطرح فيه مواقفه بإيجابية وأمام الجميع، بدلا عن عرضها على، والحوار حولها، مع أحزاب تفتقد للقواعد الجماهيرية، وبصعب التمييز بينها وبين المؤتمر الوطني، ربما فيما عدا أسماء وشعارات هذه الأحزاب، وإن ظلت تواليه لأكثر من عقد من الزمان؟ فهذا يعد بمجرد حوار مع النفس قد لا يكون بالمجدي سياسيا أو ينفع كبديل مجز عن الحوار مع الآخرين المخالفين له في الرأي! في رأيي، أن المؤتمر الوطني جانبه الصواب في التقييم الموضوعي السليم ورده على اجتماع المعارضة، خاصة مشاركة الحركة ودعوتها للقوى المشاركة للقاء في جوبا، ورفضه للمشاركة بذريعة اللجان المشتركة للشريكين. ولعل اتفاق حزب الأمة مع حركة العدل والمساواة قد يحث المؤتمر الوطني على مراجعة جدوى منهجه، بحساب المحصلة النهائية والتراكمية، في إبرام الاتفاقيات الثنائية. وربما قصد السيد الصادق المهدي بذلك الكيد للمؤتمر الوطني بالتعبير عن خيبة ظنه في ما أحرزه اتفاق التراضي من تقدم، مما ألحق الإساءة بالأذى بعد تجربة "نداء" جيبوتي. ومن ناحية، يمثل اتفاق حزب الأمة مع "العدل والمساواة" دعما سياسيا لموقف الحركة التفاوضي وتأكيدا لاتهامها للمؤتمر الوطني بالنكوص عن تعهده بتنفيذ وثيقة حسن النوايا الموقعة بين الجانبين في الدوحة، في فبراير الماضي.

    من المهم هنا التشديد على أن الحركة قد قدمت الدعوة لمؤتمر جوبا، تنفيذا لمقررات مؤسساتها، ولو جاءت متأخرة بعض الشيء، فتوقعت أن يرحب المؤتمر بالخطوة ويحتفي بها، بل ويبادر بالتنسيق مع الحركة في الدعوة للاجتماع والإعداد له مع بقية القوى السياسية. فما يضير الحزب الحاكم، والمسيطر على مفاصل الدولة، والشريك الأكبر في قيادة مرحلة الانتقال، من التفاكر والحوار مع القوى السياسية مجتمعة حول مواضيع مفصلية تتصل بعملية التبادل السلمي للسلطة، وإرساء قواعد دولة المواطنة، حتى يجئ هذا الانتقال سلسا وسلميا وشفافا، ولتكون نتائج هذه العملية مقبولة للجميع؟ فالمؤتمر الوطني، بحكم نفوذه، هو صاحب المصلحة الحقيقية في التوصل إلى توافق سياسي عام، إلا كان الحزب غير مطمئن لأن تأتى نتائج الانتخابات لصالحه، فيصبح هو الذي يسعى لعرقلتها، مما يبرئ أحزاب "تحالف المعارضة" من وصم بعض قيادات الحزب لها بأنها "بائسة" و"غير مستعدة للانتخابات"، وأن المؤتمر الوطني لقادر على هزيمتها وإن اجتمعت كلها ضده، وأن لا تظن هذه الأحزاب أن النظام يمكن تغييره "بالحسنى أو بالقوة"! فهل لم ولا يخطر ببال المؤتمر الوطني، ولو افتراضيا، أنه سيكون يوما في خانة المعارضة، بينما تصدح بعض قياداته باستعدادها لقبول نتائجها وإن جاءت في غير صالحه؟

    وللمفارقة، الشريكان منهمكان في اجتماعات ومشغولان بحوارات لا حصر لها مع كل دول العالم ويستقبلان كل أنواع المبعوثين الإقليميين والدوليين! فلا شك، مثلا، في أن منتدى داعمي اتفاقية السلام الشامل الذي رعته الولايات المتحدة الأمريكية، بمشاركة أكثر من ثلاثين دولة ومنظمة إقليمية ودولية، يعطى دفعة قوية للتنفيذ الكامل للاتفاقية بحكم الدور الفاعل والفعال للمجتمع الدولي في الوصول للاتفاقية نقسها. ولكن، المرء يتساءل: وماذا عن، وأين الداعمون الداخليين من القوى السياسية لذات الاتفاقية، والتي لن تكتمل حلقاتها بدونهم، الكاظمون للغيظ والذين ارتضوا بها واعتبروها خارطة طريق لتحول حقيقي، بعد أن فاتهم حظ المشاركة في التفاوض؟ ألا ننشد رأيهم أو نعطيهم فرصة للحوار حول الاتفاقية وتفعيل تنفيذها؟ إن تبدل مواقف القوى الخارجية بما تمليه مصالحها يقف كخير شاهد على خطورة وضع كل البيض في سلة الخارج، والتعويل عليه للخروج من الأزمة. فما يراه البعض كأقصر الطرق قد يقود للتهلكة! وهذا ما نهتنا عنه تعاليم ديننا الحنيف!

    خطوة ثانية لإشراك القوى السياسية: المشاركة في تنفيذ اتفاقية السلام

    مع أن مسؤولية تنفيذ اتفاقية السلام الشامل تقع على عاتق الشريكين، إلا أنه من الضروري إشراك وانخراط اللاعبين الآخرين لضمان التنفيذ الأمين للاتفاقية. فبقية القوى السياسية، خاصة الأحزاب التقليدية التي كانت في السلطة أبان فترات التحول الديمقراطي السابقة (1953، 1964، 1985)، لم تمر بتجربة مماثلة تكون فيها إدارة الانتقال خارجة عن سيطرتها. ومما يعقد الوضع شعور بعض هذه القوى بأنها مطالبة فقط بالبصم على الاتفاقية والمساعدة في تنفيذها بدون أن تكون مشاركة في محادثات السلام، مما دفع بها للدعوة إلى "مؤتمر جامع" للتوافق حولها. صحيح أن الاتفاقية تتضمن آلية للمراقبة، مفوضية التقدير والتقييم، إلا أن عضوية المفوضية وسلطاتها وطبيعتها الدبلوماسية تضع العديد من العراقيل في سبيل كشف الخروق من قبل الطرفين والتوصل للحلول المناسبة. كما أن المفوضية تركز على إجراءات التنفيذ والمخرجات الأولية (outputs)، في ضوء الجداول الزمنية المحددة، دون أن تنفذ إلى الأثر التراكمي (impact) على الهدف الأساسي للاتفاقية المتمثل في تعزيز البناء الدستوري لدولة المواطنة الذي يعطى وحدة السودان الأولوية. فموضوع الوحدة يحتاج للمتابعة الأمينة والتقييم الموضوعي لما اتخذه، ويتخذه، الشريكان من خطوات ايجابية في هذا الشأن.

    ففي ظل هذه التحديات التي تواجهها عملية تنفيذ الاتفاقية، لماذا لا يبادر الشريكان بإنشاء "منبر قومي أهلي" تشترك فيه القوى السياسية والمجتمع المدني (الحديث والتقليدي) كآلية غير رسمية لمراقبة سير، وتحديد العقبات التي تعترض تنفيذ الاتفاقية، مع ابتداع الحلول التوافقية التي ترضى الجميع؟ أليس هذا أجدى من الاعتماد فقط على دعم وسند الدول الراعية للاتفاقية، أو الخارج عموما؟ قد حان الوقت لإشراك القوى السياسية الأخرى، لضمان التنفيذ الأمين للاتفاقية، والاعتراف بدورهم الهام كمساهمين أصيلين (stakeholders) في عملية بناء السلام. الشكل الذي يتخذه المنبر، إن كان في هيئة مجلس استشاري أو لجنة موسعة (على غرار لجنة الحكماء) وصلاحياته، وعضويته، يمكن التداول بشأنها بين الشريكين، من جانب، وبينهما وبين القوى السياسية، من جانب آخر. أما عضوية المنبر فيمكن أن تترك للقوى السياسية، إضافة للشريكين، بحيث تقوم بترشيح شخصيات، حزبية كانت أم مستقلة‘ طالما حازت على موافقة الجميع، ومشهود لها بالموضوعية والنزاهة، على أن يستمر المنبر حتى نهاية الفترة الانتقالية. ولا تتناقض هذه المبادرة مع، أو تنتقص من، مهام أو أهداف مفوضية التقدير والتقييم، بل هي خطوة لتجاوز الاستقطاب السياسي الراهن وتحقيق التقارب بين الشريكين وكافة القوى السياسية وإشراكها في الحوار الوطني حول تصورات حل الأزمة الوطنية.

    خطوة ثالثة لإشراك القوى السياسية: الحكومة الانتقالية

    إضافة إلى الرد الغاضب، وما حمله من سخرية، على اجتماع "تحالف المعارضة" الأخير، أبدى المؤتمر امتعاضه من مشاركة شريكه في الحكم في هذا اللقاء، خاصة والتحالف أعلن عن انتهاء شرعية حكومة الوحدة الوطنية الراهنة بحلول 9 يوليو 2009، الموعد الذي حدده الدستور الانتقالي لقيام الانتخابات، مطالبا بتكوين حكومة "قومية انتقالية" تفي بمستحقات، وتشرف على هذه الانتخابات لضمان حيدتها ونزاهتها. وجاء الرفض القاطع لهذا المقترح سريعا وعلى لسان عدد من قيادات المؤتمر الوطني، رغما عن ترحيبهم وسعادتهم لتصريح سكرتارية الحركة الشعبية الذي نفى موافقتها على الدعوة لقيام مثل هذه الحكومة. وسبب آخر لغضبة المؤتمر الوطني من شريكه في الحكم هو مشاركته في اجتماع سيناقش مسألة الاتفاق على مرشح واحد للرئاسة ضد مرشح المؤتمر الوطني في الانتخابات المرتقبة، كما صرح الناطق باسم التحالف، مما جعل البروفسير إبراهيم غندور، أمين التعبئة السياسية بالمؤتمر الوطني، يسارع بالقول بأن الفريق سلفا كير، رئيس الحركة الشعبية، يساند ويدعم ترشيح المشير البشير، لانتخابات رئاسة الجمهورية. وهو تصريح سارع بنفيه، مستخدما مفردات ساخرة، ياسر عرمان، نائب الأمين العام للحركة لشعبية. في اعتقادي أن المؤتمر الوطني قد حمل اجتماع المعارضة، وما ورد خلاله من تصريحات، أكثر مما يجب و"أداه توم وشمار" كمن يخلق من "الحبة قبة". لماذا؟:
    1) الاجتماع لم يترك أي انطباع بأن المجتمعين قد تراضوا على مناقشة أو التوافق على مواضيع بعينها، خاصة مع الحركة الشعبية التي لم تشترك فيه إلا بدافع التعرف على يدور في عقول ويعتمل في نفوس المعارضين، ممن تربطها معهم علاقات قديمة، على أن تقوم لجنة مصغرة بتحديد والاتفاق على أجندة لقاء جوبا الذي دعت إليه.
    2) لا أشك في حرص الحركة الشعبية على المضي قدما في الشراكة مع المؤتمر الوطني، رغما عم ما يعتريها من عقبات وما تعترضها من مطبات، في التنفيذ الكامل لاتفاقية السلام الشامل، كمرجعية لمشروعية حكمها للجنوب ومصدر لما تحقق من مكتسبات كبيرة للجنوب.
    3) على المؤتمر الوطني أن يكون مطمئنا (ويضع في بطنه بطيخة صيفي) بأن الحركة لن تقبل بأن يتحول الاجتماع المرتقب في جوبا إلى منبر لمراجعة الاتفاقية على غرار "المؤتمر الجامع" الذي ظلت بعض القوى تدعو له. فللحركة موقف ثابت من أي تحرك يهدف إلى إعادة التفاوض حول اتفاقية السلام الشامل. كما أنه من غير المرجح أن توافق الحركة على مقترح المعارضة بتشكيل حكومة قومية لإدارة ما تبقى من فترة انتقالية قبل الانتخابات، وقد عبرت قياداتها عن رفضها لهذا الاقتراح في أكثر من مناسبة.
    4) ضعف حجة تحالف أحزاب المعارضة التي تفيد بعدم دستورية حكومة الوحدة الوطنية بحلول يوليو2009. فمد أجل الحكومة حتى فبراير 2010 يجئ كنتيجة طبيعية ومنطقية لتأجيل الانتخابات بحسب قرار المفوضية القومية للانتخابات (وهو الأمر الذي كان حريا بالمعارضة الطعن في دستوريته). و يبدو أن المعارضة لم تحسب خطواتها جيدا قبل إعلانها لموقفها على الملأ، مما جعله يبدو مرتبكا ومربكا. فالفتوى بعدم شرعية الحكومة، ولو جازت بمنطق عدم الالتزام بالموعد الأصلي للانتخابات، كان يجب أن لا تقتصر على حكومة الوحدة الوطنية وحدها بل تتعداها للطعن في دستورية كل الترتيبات الدستورية القائمة على الاتفاقية والدستور لتشمل حكومة الإقليم الجنوبي ومجلسها التشريعي، والحكومات الولائية، والمجلس الوطني، والمجالس التشريعية الولائية، طالما جميعها من المفترض أن ينتهي أجلها في يوليو 2009! فما هو، إذن، المسوغ الدستوري لبقائها؟ أم هل تطمح المعارضة أيضا في تغييرها بمنطق قومية التشكيل؟ ولمزيد من الإرباك في موقف المعارضة، وفى قراءة خاطئة للدستور الانتقالي، صرح مبارك الفاضل، رئيس حزب الأمة-الإصلاح والتجديد (في ندوة لحزبه بمنطقة الهدى بولاية الجزيرة)، أن الحكومة الحالية "سيصبح رئيسها رئيسا بالوكالة حسب المادة 55/2 من الدستور الانتقالي". فالمادة 55 من الدستور تختص بتأجيل انتخابات رئيس الجمهورية، وتنص فقرتها 55/1 على أنه "عند تعذر انتخاب رئيس الجمهورية لأي سبب حسبما تقرره المفوضية القومية للانتخابات وفقاً لقانون الانتخابات، يتعين على المفوضية تحديد موعد جديد لإجراء الانتخاب بأعجل ما تيسر، شريطة ألا يتجاوز ستين يوماً من اليوم الذي كان مقرراً فيه إجراء الانتخابات"، وتليها الفقرة 55/2 التي تنص على أن "يستمر رئيس الجمهورية شاغل المنصب، رئيساً بالوكالة، لحين إجراء الانتخابات المؤجلة وتمتد فترته تلقائياً لحين أداء الرئيس المنتخب اليمين الدستورية". فما علاقة تعذر انتخاب رئيس الجمهورية، والذي ترك تقرير أمره لمفوضية الانتخابات، بعدم دستورية الحكومة طالما توافق الشريكان، بحكم نصوص الدستور، على تأجيل الانتخابات مما يعنى صراحة شرعية كل الترتيبات الدستورية القائمة إن لم ينص الدستور خلافا لذلك؟
    5) الخلاف يجب أن لا يتركز حول مواقيت الانتخابات، وبالتالي الجدل حول دستورية الحكومة أو انتهاء أجلها، بل أن ينصب على القضايا التي تقف في طريق الوصول للتوافق الوطني لإكمال مهام الفترة الانتقالية في سياق الحفاظ على الترتيبات الدستورية القائمة وتجنب انهيار الوضع الدستوري، الذي يستمد مشروعيته من اتفاقية السلام الشامل. فهل يقصد الداعون لحكومة قومية (أو حكومة تكنوقراط) أن يعاد التفاوض والتوصل لبناء دستوري جديد؟ أم سيعهد للحكومة المقترحة مهام تنفيذ الاتفاقية بعد فشل الشريكان في أدائها؟ وما هي السبل والوسائل التي ستنتهجها المعارضة في إقناع الشريكان للتخلي طواعية، عن السلطة أو إقصاءهم عنها في حالة رفضهما؟ هل ستلجأ للمحكمة الدستورية، أم ستقود الثورة أو الانتفاضة لإسقاط الحكومة الراهنة؟ إن دعوة تحالف المعارضة بعدم دستورية الحكومة سيفتح صندوق "باندورا" كما جاء في الأسطورة الإغريقية، والذي ما أن تم فتحه، بدافع الفضول، حتى انطلقت منه كل الشرور والرزايا! ومن جانب آخر، أفلا نستخلص الدروس ونستلهم العبر من تجربة حكومة "جبهة الهيئات" في أكتوبر 1964، والتي انقضت عليها الأحزاب ولم تمهلها لإكمال مهامها، وتجربة حكومة "الشخصيات الوطنية والنقابية" في أعقاب انتفاضة أبريل 1985، والتي لم تنجز شيئا، بل مهدت الطريق لانقلاب "الإنقاذ"؟ إن كل هذه الخيارات لا تتسق مع الواقع السياسي الراهن وتوازن القوى المختلفة، وقد لا تقود لتحقيق أهداف تحالف المعارضة، كما من المرجح أن لا تجد دعما من القوى الإقليمية و الدولية. فالاتفاقية هي نفسها جاءت كنتاج للدور الذي لعبته هذه القوى، وعادت لتؤكد مساندتها لها ووقوفها بجانبها لتخطى عقبات الشركة وخلافات الشريكين باشتراكها الفاعل في منتدى داعمي اتفاقية السلام الشامل، الذي رعته أمريكا ومبعوثها الرئاسي للسودان في واشنطون في يونيو المنصرم.
    6) ولعله الأهم، لماذا يتوجس المؤتمر الوطني من دعوة الحركة للاجتماع مع القوى السياسية في جوبا ويفضل عدم المشاركة فيه، طالما كانت أجندته لا تطال الشراكة معه ومقرراته لن تقر بعدم دستورية الحكومة أو تدعم فكرة الحكومة القومية؟ أفلم تهب كل هذه القوى، ما عدا القليل منها، للمشاركة في "ملتقى أهل السودان" الذي دعي وأعد له المؤتمر الوطني، بما في ذلك الحركة الشعبية التي شاركت بوفد رفيع المستوى وبقيادة رئيس الحركة نفسه؟ فما الغرابة في أن تلتقي الحركة الشعبية بهذه القوى، والمؤتمر الوطني يدرك جيدا ما يربط الحركة معها من علاقات قديمة وصلت إلى حد التحالف لسنوات طويلة تحت مظلة التجمع الوطني الديمقراطي؟ أيريد المؤتمر من الحركة التنكر لحلفائها السابقين وكل ما جمعهم من تفاهم مشترك حول العديد من القضايا؟ ففي المقابل، إذن، لماذا لا يقلب المؤتمر "ظهر المجن" لأحزاب التوالي التي ظلت دوما تقف معه في السراء والضراء؟ فالمؤتمر الوطني يطلب ويتوقع من الحركة المستحيل سياسيا! ولماذا لا ينظر المؤتمر لاجتماع جوبا كفرصة لتقوية شراكتها مع الحركة وإدارة الأزمة عبر الانفتاح على القوى السياسية الأخرى وطرح القضايا الوطنية العالقة والحوار حولها مجتمعين للخروج برؤية مشتركة لتهيئة المناخ السياسي للانتقال السلمي للسلطة؟

    خلاصة الأمر، أن توتر العلاقة بين الشريكين، وتعثرهما في إدارة عملية الانتقال (دون تحميل المسؤولية لأي منهما)، أسهما بقدر كبير في تأزم واحتقان الوضع السياسي، خاصة استبعادهما للقوى السياسة الأخرى من المشاركة السياسة الفاعلة مما فتح الباب واسعا للاستقطاب. فقد لجأت هذه القوى للشريك الأصغر كحليف سابق لها، لعله يعينهم في تنفيذ اتفاقية القاهرة، المعنية أساسا بالتحول الديمقراطي، بعد أن خاب ظنهم وفقدوا ولو حتى بصيص أمل في استجابة المؤتمر الوطني، إذ لم يخرجوا من "المولد" إلا ببضعة مقاعد في الجهازين التشريعي والتنفيذي. ويشهد على خيبة الأمل هذه رسالة الاحتجاج التي بعث رئيس التجمع الوطني الديمقراطي، محمد عثمان الميرغني، للحزب الحاكم، معبرا خلالها عن عدم رضاه عن سير تنفيذ اتفاق القاهرة. (الصحافة، 8/6/2009) كما انتقد مولانا بطء تنفيذ الاتفاق بالقاهرة، خلال الأسبوع الثالث من يونيو 2009، إلى كل من الأمين العام لجامعة الدول العربية ووزير خارجية مصر، حيث، على حد قوله، "أنه يتم ذكر الاتفاقيات الأخرى في نيفاشا وأبوجا وغيرها ولا يتم الحديث عن اتفاق القاهرة وكأنه لم يكن". وعلى هذه الخلفية، تمت مشاركة الحركة الشعبية في اجتماع تحالف المعارضة في وقت بدأت فيه الحركة نفسها في الاشتباك العنيف، بسبب اتهامها للمؤتمر الوطني بالتلكؤ في تنفيذ اتفاقية السلام، والدخول في معركة تعديل القوانين مع شريكها في السلطة، في أعقاب إعلان الجدول الزمني للانتخابات، مما أسهم في تعقيد وتوتر العلاقة بين الطرفين.

    ولعل الطريقة التي تم من خلالها تأجيل الانتخابات هي بمثابة التفاف على، وليس بخرق للدستور الانتقالي. فاتفاقية السلام الشامل لم تغفل عن ترك مساحة لشريكي الحكم لمراجعة جدوى الموعدين المشار إليهما في الفقرتين الفرعيتين 1.8.1 و1.8.3 وهما خاصتان بميقاتي إجراء التعداد السكاني وقيام الانتخابات العامة. بينما حددت الفقرة 1.8.4 ستة أشهر قبل نهاية الفترتين الزمنيتين المشار إليهما في الفقرتين السابقتين لاجتماع الشريكين للقيام بهذه المراجعة، مما يستدعى ضمنيا استصحاب آراء القوى السياسية الأخرى والحوار معها حول الدوافع الموضوعية للتأجيل. ولكن، الشريكان نفضا أيديهما تماما عن هذه المهمة، وتركاها للمفوضية القومية للانتخابات وحولاها إلى سكرتارية تتبع للشريكين وتنطق باسمهما، مما يتناقض مع طبيعتها كجهاز قومي ومستقل يعنى أساسا بإدارة العملية الانتخابية. وطبيعيا، أثار هذا التصرف شكوك المعارضة في تواطؤ الشريكين لمد أجل بقائهم في الحكم (والكنكشة في السلطة)، مما يوحى بأن كل منهما لا يضمن أن تأتى نتائج الانتخابات لصالحه لأسباب موضوعية وذاتية، مما دفعها للكيد للشريكين معا، ولو كان المقصود ضمنيا هو المؤتمر الوطني بحكم قبضته على السلطة في المركز. وعليه، أفتت القوى المعارضة بانتهاء الصلاحية الدستورية للحكومة القائمة، وطالبت بالمشاركة في الحكم عن طريق الدعوة لحكومة قومية، عسى ولعلى أن ينوبها نصيب في قسمة السلطة (والثروة) بعد أن قرأت في التفاف الشريكين على الدستور كمحاولة لمد أجل استحواذهما على الحكم وانفرادهما به لأطول فترة ممكنة. فهكذا، "كبراقش التي جنت على نفسها" ابتدر الشريكان التحايل على الدستور، مما جعل كل طرف في الساحة السياسية يفسر الدستور على مزاجه وكأنه مجرد ورقة لخدمة أغراض ومصالح حزبية!

    في رأيي أن الطريق الوحيد للخروج بالبلاد من هذا الاستقطاب الحاد هو أن يدرك الشريكان، من جهة، والقوى السياسية الأخرى، من جهة أخرى، أهمية الحوار الجاد حول كل القضايا الوطنية موضع الخلاف وتبنيه كمنهج وحيد لعلاجها. ولن يثمر هذا الحوار أو يصل لنهاياته المنطقية دون إشراك الحركات المسلحة والقوى السياسية والمجتمع المدني بدارفور، بما يفضى إلى تسوية سلمية دائمة للنزاع في دارفور.

    خطوة رابعة: حكومة قومية أم إعادة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية؟

    سبق وأن طرحت في سلسلة مقالات منشورة (تحت عنوان طلقة في الظلام، الأحداث، سبتمبر 2008)، في أعقاب إدعاء المحكمة الجنائية الدولية في حق رئيس الجمهورية، الضرورة السياسية لإعادة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، إن كانت فكرة "الحكومة القومية" مستهجنة من قبل الشريكين ولا تجد استحسانا منهما بحجة مساسها بنصوص اتفاقية السلام الشامل، وذلك بإشراك القوى السياسية ذات الوزن والقاعدة الجماهيرية وفق برنامج وطني ترتضيه كل القوى السياسية لإكمال وتعزيز التحول الديمقراطي، والشروع الجاد في إيجاد تسوية سياسية عادلة لمشكلة دارفور، كمدخل سليم لمعالجة جذور أزمتنا الوطنية. الواجب الأول أمام هذه الحكومة هو العمل على تسريع إجراءات تهيئة المناخ، وتسوية أرضية الملعب، تمهيدا لمنافسة انتخابية نزيهة، وذلك بتنفيذ كل النصوص ذات الصلة في اتفاقية السلام الشامل واتفاقية القاهرة. فحكومة الوحدة الوطنية"، بتشكيلتها الراهنة، أسم على غير مسمى، فهي لا تخرج عن كونها حكومة "ائتلافية" بين شريكي الحكم، الغلبة فيها للمؤتمر الوطني. وإن كان السودان "بلد واحد" يحكم دستوريا ب"نظامين"، فان حكومته تبدو في نظر الناس وكأنها "حكومة واحدة" ولكنها ب"كابينتين" (حكومة دبل كابينة!)، يحتل المؤتمر الوطني كابينة القيادة بينما تجلس الحركة الشعبية في كابينة "الركاب" المكيفة!

    وفى الحقيقة، الحصة "الفعلية" للمؤتمر الوطني من قسمة السلطة ليست 52%، كما حددنها الاتفاقية وأقرها الدستور، بل هي أكثر من 70% في الحكومة. وذلك لأن ال20% التي خصصتها الاتفاقية لتمثيل القوى السياسية الأخرى (شمالية وجنوبية) ذهب جلها لصالح أحزاب "الشبكة" الموالية للمؤتمر الوطني. وهذه الأحزاب هي مع ومن وإلى" المؤتمر الوطني، من ناحية التأييد المطلق لسياسات وبرامج وخطط وتوجهات المؤتمر الوطني. ومن ناحية أخرى، فإن الطريقة التي وافق بها التجمع الوطني الديمقراطي على المشاركة في الجهاز التنفيذي قد أضعف من وجوده وفاعليته، كما قلل كثيرا من شأن الصفة "القومية" للحكومة. ويجب أن لا تثير إعادة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية أي صراع حول الحصص والأنصبة، طالما كانت الحكومة قائمة على برنامج متفق عليه، ولا تتخذ قراراتها بالتصويت.

    هذه الخطوة لا تمليها ضرورات الوضع السياسي المحتقن أو الانصياع لمطالب المعارضة بالمشاركة في السلطة، إنما تفرضها المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق شريكي الحكم في قيادة المرحلة الانتقالية، خاصة المؤتمر الوطني الذي يتحمل العبء والحمل الأثقل لتحقيق شروط الانتقال، بحكم استمرار سيطرته على مؤسسات الحكم وجهازه التنفيذي خلال الفترة الانتقالية. ولكن هذا لا يعنى، بأي حال من الأحوال، إعفاء الحركة الشعبية كشريك أصغر في الحكم من تحمل نصيبها من المسؤولية فيما يتصل بتنفيذ اتفاقية السلام الشامل، كطرف أصيل فيها، وبغض النظر عن حجم حصة تمثيل الحركة في مؤسسات الحكم الاتحادية. فابتداء، لم تثابر الحركة على الدفع بأهمية وضرورة الاتفاق على برنامج وطني للحكومة لإنفاذ الاتفاقية وسياسات قطاعية تتسق مع أهدافه. كما أن الحركة الشعبية، 1) لم تتحمس لإشراك القوى السياسية الفاعلة ذات القواعد الاجتماعية المعروفة، 2) لم تعمل على، أو تطالب بمراجعة السياسات الاقتصادية الكلية أو القطاعية أو حتى مجرد إثارة النقاش حولها، ومدى توافقها وانسجامها مع متطلبات السلام الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وتحقيق الوحدة "الجاذبة"، فاستدامة السلام تستدعى الاستجابة لكل هذه المطلوبات، فالسلام ليس فقط بقضية سياسية بحتة، و3) لم تضع في قائمة أولوياتها الاهتمام بتفعيل المفوضيات، خاصة مفوضية حقوق الإنسان، ومفوضية الخدمة المدنية، ومفوضية توزيع ومراقبة الإيرادات المالية، والمفوضية القضائية، وتطوير عملها كآليات دستورية مستقلة تتيح مشاركة فاعلة للقوى السياسية الأخرى في صوغ سياسات ومراقبة التحول الديمقراطي وإعادة بناء مؤسسات الدولة المحكومة دستوريا بالديمقراطية والتعددية السياسية.

    رابعا: الجدل حول القانون الجنائي: وميض تحت الرماد!

    ردود عنيفة (بما فيها ردك الغاضب) صاحبت كلمة ياسر عرمان في المجلس الوطني- رئيس كتلة نواب الحركة الشعبية- حول العقوبات الحدية في القانون الجنائي وتطبيقها على غير المسلمين، لكنها امتدت خارج البرلمان "الانتقالي" ليستغلها الخصوم السياسيون في قهر الرأي الآخر وإسكات صوته لحد التحريض بالقتل، ووصلت ذروتها بإصدار ما يسمى "هيئة علماء السودان" لفتوى تحريضية وتكفيرية في حق نائب الأمين العام للحزب الشريك في الحكم، (بل، ولاحقا، الشروع في تنفيذها بوضع متفجرات أمام مكتبه بدار الحركة الشعبية بأركويت). وفى ظل هذا الغبار الكثيف، جاء بيانك الايضاحى المقتضب (فليكن الخلاف ولتبق حرية التعبير مبدءا يحترمه الجميع) ليخفف مما خلفته الواقعة من احتقان. ومع نجاح بيانك في درء الشبهات وتهدئه النفوس، ومع اتفاقي معك حول الاختلاف في فلسفة التشريع ، إلا أن موضوع الخلاف في حد ذاته يظل سياسيا من الدرجة الأولى ويبقى الاشتباك حوله أعراضه فقط، دون إرجاعه لأصله، مجرد دخان ترقد تحته نار! فهو يتصل مباشرة بمسألة فرص تحقيق خيار الوحدة المفترض نظريا أن يعمل من أجلها الشريكان وكافة القوى السياسية، خاصة في الشمال. من جانب آخر، فاني أرى أن إثارة الموضوع يوفر فرصة لفتح حوار جاد وأمين حول العلاقة بين الدين والدولة التي تقع في صلب قضية الوحدة الطوعية.

    لاشك أنه إن شعر الجنوبيون، وخصوصا غير المسلمين، واقتنعوا تماما بإمكانية المنافسة بمطلق الحرية وعلى قدم المساواة، على كل المواقع السيادية العليا في البلاد وبدون أي قيود دستورية (كما يقرره "نظريا" الدستور الانتقالي القائم)، أفلا يمثل الإصرار على تطبيق قوانين ذات أصول دينية في شمال السودان عائقاً ونوعاً من الموانع المؤسسية والثقافية والاجتماعية، الذي يصبح معه الحق الدستوري لغير المسلمين في المنافسة على هذه المواقع، خصوصاً منصب رئيس الجمهورية، مجرد مظهر خادع وأمنية طيبة؟ حتى، ولو تمكن مرشح من غير المسلمين (نظريا أيضا) من الفوز في الانتخابات بمقعد الرئاسة، فهل من المستساغ سياسيا له أن يكون على رأس حكم بالبلاد يطبق قوانين دينيه على "المواطنين" في جزء من البلاد، بينما يخضع فيه "المواطنين" لقوانين مدنية في جزء آخر؟ وبنفس القدر، ألا يتناقض إخضاع غير المسلمين من الجنوبيين إلى أحكام الشريعة الإسلامية في الشمال، بينما يتم تطبيق قوانين مدنية في الجنوب (حتى على غير المسلمين) مع مبدأ مساواة مواطني البلد الواحد أمام القانون؟ وفوق ذلك كله، ألا يمثل هذا التمييز، القائم على دين المواطن، انتقاصاً بيّنا لحقوق المواطنة وإخلالاً بتكامل عناصر "الوحدة على أسس جديدة"، والتي لا تقبل الاجتزاء أو الاختزال؟ فهل سيصوت الجنوبيون لصالح وحدة تقوم على استدامة الترتيبات الانتقالية لاتفاقية السلام الشامل التي تجمع بين نظامين تشريعيين مختلفين، بينما تتيح لهم نفس الاتفاقية خيار إقامة دولتهم المستقلة بقوانينها المدنية؟ وما هو المنطق الذي سيدفع غير المسلمين، أو الجنوبيين عموماً، للقبول طواعية باحتمال تعرضهم، حتى ولو نظرياً، لعقوبة الجلد أو بتر الأيادي؟ وما هو المغري في هذا النوع من الوحدة الذي يحثهم على دفع مثل هذا الثمن، وهم يملكون خياراً آخرا؟ وما الذي يدعو الجنوبي (أو غير المسلمين عموما) للبقاء والعيش في "وطن" لا يوفر له (لهم) حقوق المواطنة الكاملة وبدون انتقاص منها؟

    إذن، لعلك تتفق معي على عدد من الفرضيات الأساسية:
    i. أن التعدد الديني في السودان يقتضي أن يعالج موضوع الدين والدولة بصورة تأخذ في الاعتبار ذلك التعدد وخصوصية التنوع السوداني، دون النقل الحرفي من تجارب الآخرين، بل الاستفادة واستخلاص الدروس منها.
    ii. احتل موضوع الدين والسياسة، أو الدين والدولة، حيزاً كبيراً في الجدل السياسي منذ الستينيات، كما أنه في جانب منه، كان امتداداً لجدل أوسع على نطاق الأمة الإسلامية كلها حول الحفاظ على الهوية في سياق عالم تعددي. وهكذا، فان المطالبة بفصل الدين عن الدولة لم تأت بها الحركة الشعبية التي تأسست في عام 1983، ولا قطاعها الشمالي، أو الشماليين من قياداتها، الذين تلصق بهم فرية "الإلحاد" وكل أنواع الرزايا، ويتم اتهامهم بموالاة الحزب الشيوعي وتصويرهم كغواصاته داخل الحركة. ولكن، لا ينفى هذا التجني على النفر الشمالي موقف الحركة المبدئي من العلاقة بين الدين والدولة كأهم ركيزة لمشروع السودان الجديد.
    iii. ظلت مسألة الدين والدولة على قمة أجندة الجولات المتعددة للتفاوض بين الحركة الشعبية وحكومة السودان، منذ أول لقاء لهما في أغسطس1989، من ناحية، وموضوعاً ساخناً للحوار بين الحركة الشعبية وحلفائها في التجمع الوطني منذ انضمام الحركة للتجمع في 1990، ومن بينها أحزاب ذات قاعدة دينية وتوجه إسلامي.
    iv. إن الفشل في التوصل إلى اتفاق على إقامة دولة ديمقراطية مدنية يفصل دستورها بين الدين والدولة وفقا لإعلان الإيقاد للمبادئ هو الذي مهد الطريق لتبني ترتيبات "الدولة الواحدة بنظامين" في ماشاكوس في 2002، ولاحقا تضمينها في اتفاقية السلام الشامل والدستور الانتقالي في عام 2005.
    v. حدث اختراق هام في هذا الشأن له أثر إيجابي على وحدة البلاد تمثل في قرار التجمع الوطني حول "الدين والدولة" الذي تبناه مؤتمر أسمرا للقرارات المصيرية في عام 1995، وهو بمثابة موقف متقدم ومتطور للقرار الذي أصدره التجمع حول نفس الموضوع في نيروبي عام 1993. ورغماً عن أن "إعلان أسمرا" أكد على حق تقرير المصير للجنوب، إلا أن القرار الخاص بالعلاقة بين الدين والدولة، تم تثبيته على مبدأ عدم استغلال الدين في السياسة، وذلك بإقرار العديد من التدابير الدستورية التي تكفل المساواة الكاملة بين المواطنين تأسيساً على حق المواطنة، بما في ذلك الاحتكام للقضاء، وتطابق كل القوانين مع المبادئ والمعايير المعنية بحقوق الإنسان والمضمنة في المواثيق والعهود الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، وتقضي ببطلان أي قانون يصدر مخالفاً لذلك وتعتبره غير دستوري.


    لماذا نخلط المواضع فنفرق بين شعبنا ونحصد الشقاق؟

    وبالتالي، فإن تم الاعتراف بأن وحدة السودان يتهددها الخطر، فما الذي يمنع المؤتمر الوطني من التوصل إلى اختراق ثالث في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ السودان؟ ودون تحامل على المؤتمر الوطني، إلا أنه، كحزب جاء للسلطة "كجبهة إسلامية" تدعو إلى تطبيق الشريعة وإقامة الحكم الإسلامي في كل السودان، وظل يمسك بمفاصل الدولة ويقود مؤسساتها، يتحمل النصيب الأكبر من مسؤولية الحفاظ على وحدة البلاد بعد احتكار كامل للسلطة لأكثر من عقد ونصف من الزمان (1989-2005). كما سيكون صاحب الحصة الأكبر من النتائج إن تحققت الوحدة أو وقع الانفصال.

    أفلا يمكن أن يطور المؤتمر الوطني موقفه من قضية العلاقة بين الدين والدولة بما يسمح بالتعايش السلمي بين مختلف الأديان في إطار دولة مدنية ديمقراطية تكفل حقوق المواطنة للجميع؟ فالحزب الحاكم نفسه تعرض للتحول والتغيير من الأخوان المسلمون" إلى "جبهة الميثاق" إلى "الجبهة الإسلامية القومية"، ومن ثم إلى المؤتمر الوطني"! فقوانين الشريعة التي طبقها نميرى في سياق نظام شمولي، وشكلت أساسا لبرنامج الجبهة الانتخابي، لم ينفعها أو يخدمها في كسب أصوات الناخبين في انتخابات 1986، رغما عن رفضها القاطع وشنها الحرب على الداعين لإلغائها أو تعديلها أو حتى "تجميدها"، إذ حصلت على 733,034 صوتا فقط مقارنة ب 1,531,216 لحزب الأمة الذي وصف زعيمه قوانين سبتمبر بأنها "لا تساوى الحبر الذي كتبت به". فلولا دوائر الخريجين (المثيرة للجدل) لما احتلت المركز الثالث من ناحية عدد الدوائر الانتخابية التي فازت بها! ومن ناحية أخرى، ألا يمكن للمؤتمر الوطني الاستهداء بتجارب الآخرين من الدول الإسلامية (مصر، تركيا، ماليزيا، إندونيسيا، سنغافورا) في الاتفاق على صيغة تكفل المساواة في حقوق المواطنة، وفي الوقوف أمام القضاء المدني، بغض النظر عن المعتقد الديني للفرد؟ لقد نجحت، على سبيل المثال، الجارة مصر في تحقيق التوازن بين حقوق المواطنة، وتطلعات الأغلبية المسلمة في البلاد. فالتعديلات الدستورية التي أجازها مجلس الشعب المصري في مارس 2007، أبقت على المادة (2) المثيرة للجدل في الدستور المصري، والتي تجعل من "مبادئ التشريع الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع". وبرغم ما أثارته هذه المادة من شكوك وتخوف وسط الأقباط المصريين، إلا أنها وجدت قبولاً لدى قطاعات واسعة من القوى السياسية المصرية، كما لم تعترض عليها الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، طالما ظل كل المصريين، سواء كانوا مسلمين أم أقباطاً، يخضعون لنفس القوانين المدنية الموحدة للبلاد، فيما عدا تلك المتعلقة بالأحوال الشخصية. وفى لبنان، حيث تقوم السياسة على المحاصة الدينية-الطائفية، يحتكم كل المواطنين اللبنانيين إلى القانون المدني، فيما عدا قضايا الأحوال الشخصية. وهاهو حزب إسلامي عتيق، حزب العدالة والتنمية التركي، يكتسح الانتخابات التركية الأخيرة، وفق دستور يفصل بين الدين والدولة وجيش مكلف دستوريا بإنفاذ العلمانية، بدون أن يتشكك أحد في، أو ينتقص من إسلاميته!

    وهذا كله لا يعنى توقف الحوار والجدل حول موقع الدين من الدولة والسياسة في كل هذه البلدان من أجل الإعلاء من قيمة المواطنة، بغض النظر عن الانتماء الديني للمواطن طالما كانت حرية العبادة والتدين وإقامة الشعائر مكفولة للجميع! فلماذا نخلط المواضيع فنفرق بين شعبنا ونقسم الناس ونزرع الشقاق بينهم، فلا نحصد إلا التشرذم والتفكك والانهيار الشامل.

    أم هل يظن المؤتمر الوطني إن إخلاء الساحة السياسية في شمال السودان من الحركة الشعبية (أو الشماليين بداخلها) أو الجنوبيين، سيحسم الصراع حول موضوع القوانين الدينية ويغلق ملف العلاقة بين الدين والدولة نهائيا؟ إن كان كذلك، فمثل هذا الاعتقاد يفتقر إلى بعد النظر والواقعية. فالجدل حول قضية الدين والدولة، كما أسلفنا ذكره، كان مسرحه شمال السودان، منذ الستينات من القرن الماضي، وليس جنوبه. فمن جانب، لا يوجد إجماع حول قوانين الشريعة حتى وسط المسلمين أنفسهم، فالسيد الصادق المهدي، على وجه المثال، دائما ما يذكرنا بضرورة التفريق بين "رؤية المؤتمر الوطني" و "رؤية أغلبية مسلمي الشمال" لهذه القوانين، بينما وافق مولانا محمد عثمان الميرغني على تجميدها في إطار اتفاقية "سلام السودان" في 1988. ومن جانب آخر، هناك أعداد مقدرة من غير المسلمين، سواء كانوا مسيحيين أم من أصحاب كريم المعتقدات الأفريقية، في جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان. ولا أحتاج إلى التشديد على أن هذه المناطق مأهولة بقواعد الحركة الشعبية وتمثل جزءا من مشروع السودان الجديد الذي يشكل فصل الدين عن الدولة أحد دعائمه الأساسية. بلا شكك أن موضوع الدين والدولة ستكون له تداعياته، وسيلقى بظلاله على عملية "المشورة الشعبية" في هاتين المنطقتين. فالتعدد الديني في شمال السودان الجغرافي لا يقف عند هذا الحد، فأين مكان قبط السودان في هذه المعادلة وهم أصحاب حق أصيل فيه؟ وهل نسينا دارفور؟ فحركة تحرير السودان، على الأقل جناح عبد الواحد محمد نور، تدعو بقوة لفصل الدين والدولة ويجاهر زعيمها ب"العلمانية"، وإن تعمد البعض التقليل من أمره والتبخيس من شأنه. فهكذا، على المؤتمر الوطني أن لا يسعد كثيرا بتجنب الحركة الشعبية أو الجنوبيين إثارة هذه القضية في هذه المرحلة، التي ستظل محورا للصراع وعائقا للوحدة حتى في حدود الشمال الجغرافي. فمن يعتقد في أن تطبيق قوانين الشريعة، سيحقق الاستقرار في شمال السودان، كعامل مشترك للهوية في هذا الجزء من البلاد، فليمعن النظر في تجربة الصومال حيث يشترك الجميع في الدين واللغة والأصول العرقية.

    ولكن، هذا العبء الثقيل الواقع على المؤتمر الوطني لا يعفى القوى السياسية الأخرى، بما فيها الحركة الشعبية، من مباشرة مهامها الوطنية ونصيبها المقدر من المحافظة على وحدة السودان بتوضيح موقفها من علاقة الدين بالدولة:

    i. بعد أربعة أعوام من المشاركة في السلطة، فالحركة الشعبية، الشريك الثاني في الحكم، وبنفس القدر، مطالبة بتوضيح موقفها بشفافية من العلاقة بين الدين والدولة (وكذلك من وحدة البلاد). فحتى إن لم تكن الشريعة مطبقة عمليا في جنوب السودان منذ أن فرضت "قوانين سبتمبر" في 1983، فقد دأبت الحركة الشعبية منذ تأسيسها، كحركة تحرير، على الدعوة بانتظام إلى سودان ديمقراطي موحد وتقاتل من أجله. كما ظلت قضية الدين والدولة تشكل الركيزة الأساسية لمفهوم "الوحدة على أسس جديدة". ذلك بجانب، أن مانيفستو الحركة (ودستورها)، قد أعاد تعريف النزاع السوداني على أنه تعبير عن "مشكلة السودان" وليس "مشكلة الجنوب"، كما تم تعريفه تقليدياً، كما أكد على قومية الحركة. فهل تخلت الحركة عن أحد مبادئها الجوهرية، وبالتالي عن طبيعتها القومية، واكتفت وقنعت فقط بما حققته الاتفاقية من مكاسب للجنوبيين، بما في ذلك دستور الجنوب الذي يفصل بين الدين والدولة؟ وذلك بفهم أن الشمال لا يعنيها في شيء، وكأن المراد من الاتفاقية هو إيقاف الحرب في الجنوب حتى يستقل من أراد أن يستقل بالشمال! وربما سؤال آخر يطل برأسه، هل كانت معارضة الحركة الشعبية المنتظمة ورفضها المستمر للقوانين الدينية منذ سبتمبر 1983 مجرد مزايدة سياسية، في سياق الصراع على السلطة، ولا تعبر عن موقف مبدئي لما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الدين والدولة في سودان موحد على "أسس جديدة" والذي ظلت تبشر به وتروّج له لربع قرن من الزمان؟ وهل يعني هذا أن مطالبة الحركة الشعبية بإلغاء هذه القوانين كأحد الشروط اللازمة والضرورية لوقف الحرب، لم يكن إلا ذريعة لانتزاع حق تقرير المصير كخطوة أولى قبل أن تستخدمه مرة أخرى كحجة للانفصال عندما يحين وقت البت في هذا الحق باستفتاء الجنوبيين عليه؟

    ii. أما من جانب القوى السياسية الأخرى، كان المرء يتوقع من المعارضين لبعض جوانب الاتفاقية، إثارة الحوار الوطني و الجاد بشأنها، خصوصاً من طرف حلفاء الحركة السابقين في التجمع الوطني (الأمة، الاتحادي الديمقراطي، والحزب الشيوعي) والذين مهروا إعلان أسمرا حول الدين والدولة بتوقيعاتهم، أم هل تنصلوا عن اتفاقهم ذلك واعتبروه قد سقط بتقادم الزمن؟ أم هل اكتفوا بصب جام غضبهم على "ثنائية الاتفاقية" و"قسمة السلطة"، بينما غضوا الطرف عن قضية جوهرية لا تستقيم وحدة السودان بدون إيجاد معالجة جذرية لها، وكأنما الحل "المؤقت" الذي ارتضاه الطرفان المتفاوضان قد جبّ هذه الثنائية، أو صادف هوىً في نفوسهم ولسان حالهم يقول: "الحمد لله الذي خلصنا من اتفاق لم نتحمس له أصلا"؟

    إن الدعوة لفصل الدين عن الدولة لا يعنى إطلاقا، كما يسئ البعض تفسيره أو يتناوله خطأ، الإلحاد أو إبعاد الدين (الإسلام) عن الحياة أو المجتمع، ولو بأي شكل من الأشكال، فالدين جزء أصيل من الإنسانية. كما لا يفرض هذا الفصل على المسلم أو غيره أن يهجر نفسه أو ينخلع عن ثقافته. بل المقصود هو أن تبقى الدولة محايدة تماما تجاه مواطنيها على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم، وأن لا يستخدم الدين كأساس للقوانين التي يحتكم إليها جميع المواطنين بغض النظر عن دينهم، إلا بالطبع فيما يتصل بقوانين الأسرة والأحوال الشخصية. فبدون حاجة لفرضها قسرا وبسلطة مؤسسات الدولة، فالشريعة أصلا تلعب دورا رئيسيا في تطوير وتشكيل القيم والمعايير الأخلاقية والتي تنعكس على التشريعات والسياسات العامة عن طريق العملية السياسية الديمقراطية. فالدولة مؤسسة سياسية اجتماعية، يديرها سياسيون من مختلف الأديان والمذاهب، وليست لها سلطات دينية، مما يجعل المحصلة النهائية لتطبيق القوانين الدينية خاضعة للإرادة السياسية للدولة ومصدرا لشرعية النخب الحاكمة باسم الإسلام.

    بهذا الفهم أيضا، لا يعنى فصل الدين عن الدولة استبعاد الإسلام من صياغة التشريعات والسياسات العامة، والتي بالضرورة لا بد من عكسها لمعتقدات وقيم المواطنين الدينية، شريطة أن لا يكون ذلك باسم دين بعينه في بلد متعدد الديانات والمعتقدات. فذلك يعنى صراحة تفضيلا لوجهات نظر من يسيطرون على سلطة الدولة فقطـ مع إقصاء أديان ومعتقدات المواطنين الآخرين. وبالتالي، فالمقصود هو الفصل "المؤسسي" بين الدين والدولة، دون أن يعنى ذلك فصل الدين عن السياسة، والذي قد يكون ضروريا ومرغوبا فيه، بل ومنسجما مع واقع المجتمع الذي نشأنا ونعيش فيه. فغالبية أحزابنا السياسية تستند على قواعد دينية وتكوينات طائفية ومذهبية. فحتى القوى السياسة، الموسومة ب"العلمانية" كالحركة الشعبية، مثلا، تثابر على خلق وتطوير العلاقات مع القيادات الدينية المختلفة والزعامات الطائفية والطرق الصوفية. ألم نشاهد فاقان أموم يرتدى الجلباب الأخضر ويطوق عنقه بسبحة "اللالوب" ويتمايل مع دقات "النوبة"، في حضرة الشيخ أزرق طيبة! إضافة إلى أنه من المستحيل أن لا تؤثر القيم الدينية للمسلمين على السلوك والفعل السياسي سواء للمسئولين في الدولة أو المواطنين العاديين.

    فهكذا، المسألة في جوهرها ليست بجدل فقهي أو ديني حول دولة "دينية-إسلامية" في مقابل أخرى "علمانية-ملحدة"، بل هي قضية سياسية تتلخص في كيفية حفظ حقوق المواطنة وتأسيس الدولة ودستورها على هذا الأساس، وهو ما قامت عليها مبادئ الدستور الانتقالي! ولكن يظل نموذج "الدولة بنظامين" وضعا انتقاليا أفرزته مباحثات السلام حول قضية الدين والدولة (أو المواطنة) بين طرفي الاتفاقية. فهو الموضوع الوحيد الذي تعثر التوافق عليه فتواصى الطرفان، بشهادة الوسطاء على "ترحيله" وتأجيل البت فيه خلال الفترة الانتقالية، وأفضى إلى استحداث وتقديم عبارة "الوحدة الجاذبة" كمخرج بعد الاستعصاء الذي وصلت إليه مفاوضات نيفاشا في هذه القضية. الآن، والجميع مقبل على انتخابات عامة واستفتاء على تقرير مصير الجنوب، فالفرصة سانحة للانتقال من (التفاوض) إلى (الحوار) بشأنه. فهذان مفهومان مختلفان!

    إذن، العلاقة بين الدين والدولة هي التي أصلا وقفت حاجزا وحالت دون وصول مباحثات السلام إلى اتفاق على دولة موحدة "بنظام تشريعي واحد" وفقا لأي من المشروعين المقدمان من طرفي التفاوض: الدولة الإسلامية في مقابل الدولة العلمانية/ المدنية. ومع أن نموذج الدولة الواحدة "بنظامين قانونيين" (والذي هو بمثابة بروفة "لدولتين بنظامين") يمثل وضعا يقر الانفصال نظريا، لا ينفع معه صنع "الشربات من الفسيخ"، ولا ينتظر إلا الاستفتاء ليصير واقعا!، إلا أنه يمثل وضعا فرضه منطق المفاوضات. ومع ذلك، فإن اتفاقية السلام الشامل وفرت طريقين للتوافق حوله.

    الطريق الأول: يتمثل في إتاحة الفرصة للفريقين المتفاوضين، الشريكين فيما بعد، وباقي القوى السياسية السودانية إلى إعادة التفكير خلال فترة انتقالية ممتدة حول كيفية المحافظة على وحدة السودان وتعزيزها في المستقبل. بمعنى آخر، توفر الترتيبات الانتقالية مساحة لتطوير وتعزيز رابطة سودانية جامعة قد تقود إلى (سودان موحد ومتحّول ديمقراطيا). وهكذا، فإن التحدي الحقيقي الذي يواجه كافة القوى السياسية والاجتماعية بكل أطيافها وفصائلها، خصوصاً في شمال البلاد، هو استخدام التحول الديمقراطي الذي أفرزته اتفاقية السلام، واستغلال ما وفرته من فرص للتفاعل والحوار، لمعالجة هذه القضية والتي فشلت المفاوضات "الثنائية" بين شريكي الاتفاقية، في الوصول إلى اتفاق نهائي بشأنها. فتجاوز هذا النظام القانوني المزدوج يظل مسؤولية وطنية وقومية جسيمة تقع، وبالدرجة الأولى، على عاتق كل القوى السياسية والاجتماعية السودانية. فإن كانت جميع هذه القوى حريصة على وحدة البلاد واستدامتها، فمن واجبها تحريك أجندة الوحدة ودفعها إلى الأمام، مما يجنب البلاد مخاطر التقسيم إلى دولتين، في أحسن الفروض، أو التمزق والانهيار الكامل، في أسوأ السيناريوهات. ولم لا؟ فقد سبق وأن حدث أكثر من اختراق في أمر المواطنة، من جهة، والدين والدولة، من جهة أخرى، بين الحركة الشعبية وقوى سياسية تستند على قواعد دينية منذ اتفاقية سلام السودان (الميرغني-قرنق) في 1988، ثم مقررات نيروبي للتجمع في 1993، وأخيرا مقررات أسمرا للتجمع في 1995. وللمفارقة، مع أن الجبهة الإسلامية القومية (لاحقا المؤتمر الوطني) هي التنظيم السياسي الوحيد الذي لم يشارك، أو حتى يبارك، في هذا الحوار، إلا أنه أيضا أحدث اختراقا في المفاوضات مع الحركة الشعبية، بغض النظر عن طبيعة تأثيره السلبي على فرص الوحدة، لقبوله أولا بإعلان مبادئ الإيقاد، ثم لا حقا بتوقيعه على بروتوكول ماشاكوس، التي تقوم علية الترتيبات التشريعية الراهنة.

    ولكن، إن عزل المؤتمر نفسه من الحوار مع كافة القوى السياسية الأخرى، وفشل في تجاوز "فوبيا" الاتفاقات الثنائية، فالانتخابات هي الطريق الثاني الذي وفرته الاتفاقية لتجاوز عقبة النظامين التشريعيين في دولة واحدة. فإعادة صياغة القوانين، بل وإلغائها، عملية طويلة ومعقدة وليست بحدث عابر. وما تحقق في اتفاقية السلام الشامل، يمكن إخضاعه للتعديل والتطوير من خلال الانتخابات العامة، إذ تم الاتفاق على تأجيل النظر في مسألة العاصمة القومية (الخرطوم)، والبت فيها بواسطة البرلمان القومي المنتخب، وبالتالي ستجد القوى السياسية الراغبة في طرح أجندة القوانين المدنية فرصة أخرى لقيادة المعركة من داخل البرلمان. ولم لا، فالاتفاقية تبيح تغيير القوانين إن توفرت الأغلبية لقوى التغيير في الانتخابات القادمة. فالمادة 2.4.5 من اتفاقية السلام الشامل حول العاصمة القومية، حيث الشريعة الإسلامية وتطبيقها في العاصمة القومية تقرأ "دون المساس بصلاحية أي مؤسسة قومية في إصدار القوانين"، وحيث أن المؤسسة القومية الوحيدة المخول لها إصدار القوانين هي البرلمان القومي، فهذا يعني ضمنياً أن ذلك البرلمان يمكنه إصدار أي قانون، بما في ذلك القوانين المدنية. إن التوافق على تخطى النظام القانوني المزدوج يلقى بظلال كثيفة على خياري الوحدة والانفصال، من ناحية‘ وعلى خريطة واستراتيجيات التحالفات الانتخابية للقوى السياسية المختلفة، من ناحية أخرى.

    ولعله من المفيد الانتقال بمثل هذا الحوار إلى رحاب الفكر بأن نفكر في تنظيم مؤتمر أو ندوة لمناقشة الموضوعات مصدر الخلاف في محاولة للإجابة على الأسئلة المطروحة حول قضية الدين ودوره في الدولة والمجتمع: هل قوانين الشريعة تقتصر على تطبيق العقوبات الحدية؟ وما هي القيمة المضافة للتركيز على قوانين العقوبات من ناحية تمكين الإسلام في حياة الناس؟ وهل تصلح هذه القوانين كمؤشر لمدى التدين بين المسلمين أو تجعلنا أكثر إسلاما من المسلمين في البلدان الإسلامية الأخرى؟ وهل ما نعنيه هو الفصل بين الدين والدولة أم الفصل بين الدين والسياسة؟ فهذان، في رأيي، مفهومان مختلفان ولهما تداعياتهما المختلفة على الحوار حول المواطنة ودولة المواطنة والهوية الوطنية، خاصة في البلدان التي تتميز بالتعددية الثقافية والدينية، كالسودان. ومن المفيد أيضا أن ندعو لهذا المؤتمر لفيف من المفكرين من أفريقيا، العالمين العربي والإسلامي، آسيا، وحتى من أوروبا وشمال أمريكا، وذلك بغرض استعراض التجارب وتبادل المعرفة، واستخلاص الدروس التي تعيننا على الوصول إلى توافق نحو بناء دولة المواطنة السودانية.

    خامسا :هل هناك فرصة لمصالحة تاريخية.. ؟

    إن ما يشهده الوضع السياسي الراهن من تجاذب واستقطاب متعدد الوجوه والاتجاهات يستجدى الشريكين أن يسعيا بجدية لاستحداث منهج وآليات جديدة، وفق مفهوم مشترك "للشراكة"، للتعامل مع بعضهما البعض، من جهة، وبينهما وبين القوى السياسية الأخرى، من جهة أخرى، وذلك بإشراكها في الحوار حول كافة القضايا الوطنية المتصلة بتنفيذ اتفاقية السلام الشامل. فالمؤتمر الوطني والحركة الشعبية ليس بشريكين في الحكم فحسب، بل هما شريكان في القيادة التاريخية للمرحلة الانتقالية ومسئولان عن تحقيق الهدفين المزدوجين لهذا الانتقال والمتمثلين في التحول الديمقراطي وتحقيق وحدة السودان على أسس جديدة.

    لا شك أن الشريكين يدركان جيدا (وكذلك بقية القوى السياسية) أن قرار محكمة الجنايات الدولية بتوقيف السيد الرئيس يلقى بظلال كثيفة على الوضع السياسي المتفجر في البلاد، في سياق إقبالها على انتخابات عامة مثيرة للجدل، من ناحية الإيفاء بمستحقاتها الأساسية، ربما أهمها التنافس على رئاسة الجمهورية. بدوره، يطرح هذا المشهد تساؤلا مشروعا: هل الشريكان على استعداد للتوصل إلى مساومة تاريخية (ربما تساعدنا في تعزيز الترتيبات الدستورية القائمة نحو التحول الديمقراطي والوحدة) ليتم التوافق من خلالها على مرشح واحد للرئاسة وفقا للبرنامج الوطني التي ارتضته جميع القوى السياسية الأخرى، وتحت شعار "الوطن فوق الحزب"، وتسويق هذا المقترح، والحوار حوله مع هذه القوى بفهم أن الاتفاق على هذا الترتيب لا علاقة له بالتحالفات الانتخابية للشريكين، أو هذه القوى، والتي تتنافس على أساس البرامج الحزبية، للفوز بمقاعد الهيئة التشريعية؟

    عزيزي د. غازي

    أطلت وأسهبت علنا نصل لأرضية مشتركة تسمح بالحوار من أجل بقاء وطننا موحد ينتمي له ويفخر به جميع السودانيين!

    ولك شكري وتقديري

    د. الواثق كمير
    [email protected]
    تونس-القاهرة
    يوليو 2009
                  

07-19-2009, 03:22 PM

Mohamed Elboshra

تاريخ التسجيل: 08-04-2003
مجموع المشاركات: 816

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة مفتوحة الى غازي صلاح الدين (1-4) .. وقفة مع النفس: هل نرغب في العيش سويا؟ (Re: Dr.Elwathig Kameir)

    د. الواثق كمير
    تحياتي

    Quote: مع أن مسؤولية تنفيذ اتفاقية السلام الشامل تقع على عاتق الشريكين، إلا أنه من الضروري إشراك وانخراط اللاعبين الآخرين لضمان التنفيذ الأمين للاتفاقية. فبقية القوى السياسية، خاصة الأحزاب التقليدية التي كانت في السلطة أبان فترات التحول الديمقراطي السابقة (1953، 1964، 1985)، لم تمر بتجربة مماثلة تكون فيها إدارة الانتقال خارجة عن سيطرتها. ومما يعقد الوضع شعور بعض هذه القوى بأنها مطالبة فقط بالبصم على الاتفاقية والمساعدة في تنفيذها بدون أن تكون مشاركة في محادثات السلام، مما دفع بها للدعوة إلى "مؤتمر جامع" للتوافق حولها


    اراك في كثير من اجزاء رسالتك تركز على ضرورة اشراك (الاخرين)لضمان تنفيذ الاتفاقية. ولكني اري انك تريد اشراكها الان بعد استشعار الحركة لضعفهاامام المؤتمر الوطني وكانك تريدها (تمومة جرتق) وكمقابل لاحزاب (التوالي) التابعة للمؤتمر. للاسف المؤتمر والحركة تعاملوا مع الاحرين (اقصد التجمع)كاجانب ليس لهم حق (البت) في قضايا وطنهم ومن ضمنها قضية الجنوب ولو كان للمؤتمر (سخائم) نفسه البشرية بحكم تحالفه مع الحركة في التجمع الوطني فلن تجد الحركة مبررات لاستبعاد التجمع (انذاك) والمطالبة باشراكه اليوم.
    اتمني الا يحظى هذا التعليق كسابقه (بتجاهلك)


    مع تحياتي

    ودالبشرى
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de