|
|
 الخمور والبارات والأنادي في أمدرمان والعاصمة زمان ! (1-2)
|
قبل تحريم الخمر عقب تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية في السودان في سبتمبر 1983 كانت الخمور تباع علناً في الأسواق في محلات متخصصة في العاصمة المثلثة تسمي البارات جمع ( بار) , ومنها بارات راقية أعدت فيها موائد للشاربين , وكانت تختص ببيع ما يسمونه (الخمرة الإفرنجية) وهي البيرة والشري والويسكي والكونياك والنبيذ , ولعل مما يذكر أن كل شعوب العالم لها مشروبها الوطني من الخمر , فمثلا الاسكتلنديون يشتهرون بصنع وشرب الويسكي , والايرلنديون بشرب البيرة , والفرنسيون بشرب النبيذ والبراندي , والروس بشراب الفودكا , وأما نحن السودانيين فشرابنا الوطني هو المريسة بأنواعها المختلفة والعرقي بأنواعه المختلفة أيضا كعرقي البلح وعرقي العيش وعرقي المنقه والجوافة في الجنوب , وكنت احسب أن العناصر غير العربية في السودان وغير المسلمين هم الذين يتعاطون الشراب المسكر بلا غضاضة حتى قرأت كتاب (الأنداية) الممتع المفيد للباحث المقتدر المرحوم الطيب محمد الطيب والذي فصَّل فيه القول علي الأنداية وأحوالها ومرتاديها ولغة حديثهم وأغانيهم وأشعارهم وشجارهم , وصاحبات الأنادي اللاتي يسمونهم الشيخات والتنافس والتلاسن بينهن , وذلك في السودان الشمالي , وعلمت من الكتاب أن كل قبائل شمال السودان ذات الأصول العربية كالعجعليين والشايقية تزخر ديارهم بالأنادي وهي منتديات لرجالهم , وحتى الفُقرا (جمع فكي) , منهم يبعثون إليهم بالشراب علي انه مشروب غير مُسكر , ويذكرنا هذا بمقولة يرددها فقرا دارفور لتعاطيهم المسكرات وهي (تشربي حار تكتبي حار) والمقولة كناية عن أن كتابة الحجبات وخلافه تقتضي أن يشرب الفكي جيدا لتأتي كتابته جيدة , ولا أدري صحة هذه المقولة من عدمها , ومن المفارقات انك تجد كثيراً من متعاطي الخمر حريصين علي أداء فروضهم الدينية من صلاة وصيام وخلافه . ويفلسفون ذلك بقولهم (ده براهُ وده براهُ) , أو (ده بدربه وده بدربه) ولا يبدأ الواحد منهم الشرب إلا بعد أن يصلي العشاء ! وأغلب ظني أن النشء عندما يشبون إلي مدارج الرجولة يقلدون الكبار , فيتعلمون التدخين وسف السعوط وشراب الخمر ويعتبرونها من مقتضيات الرجولة , ويفعلون ذلك في السر في أول الأمر ولكن عندما يكبرون ويعملون يفعلونها في العلن , وهذا يدل علي أن العُرف والتقاليد ربما تغلب علي نواهي الدين !
ولقد أشار الكاتب الأمدرماني المتميز شوقي بدري في كتابه حكاوي امدرمان الي الأنادي في امدرمان وأنها كانت في غرب نادي المريخ الرياضي الحالي , وأضيف أنها كانت أيضا في غرب امدرمان ومقابر الشيخ حمد النيل في المنطقة التي تحتلها الآن جامعة امدرمان الأهلية ومباني جوازات امدرمان , كما كانت هناك بيت أو اثنين مبثوثة في أحياء الموردة والعباسية وبيت المال والثورة تباع ويشرب فيها الخمر .
وجمهور مرتادي الأنادي يتكون من عامة الشعب من الجزارين والعربجية والعتالة والحمارَّة , وأما أول زبائن الأنداية في كل يوم فهم الجزارين والذين يفرغون من بيع اللحوم في منتصف النهار أو قبله ويأخذون معهم أطايب اللحوم التي يجنبونها للشواء عندما يذهبون للأنداية ممتطين حميرهم , وهم يشعرون هناك بحرية أكثر من البيوت المنبثة وسط بيوت الأهالي وذلك خشية إزعاج السكان , فيطلقون عقيرتهم بالدوبيت أو الغناء , وبعد أن يرتووا من الشراب وأكل الشواء والانبساط يقفلون راجعين الي منازلهم , وكل الجزارين في سوق الموردة كانوا من الفتيحاب.
وكانت دكاكين بيع الخمور الافرنجية في سوق امدرمان الكبير هي بقالة ارونت مارقوسيان الارمني ويبيع فيها الويسكي والكونياك والشري الراقي المستورد من قبرص وجنوب إفريقيا , وكان محله يفصله شارع ضيق عن جامع امدرمان الكبير , وكانت الخمور الكحولية القوية مثل الويسكي أو الكونياك لا تباع للسودانيين , ولكن كانت تباع لكبار الموظفين والإداريين وكبار ضباط الجيش تجاوزاً , وكان هناك بار ملاصق لمحل حليم عطا الله بائع الجرائد والمجلات العربية المصرية الأسبوعية كالمصور وآخر ساعة ومجلة الرسالة والثقافة الشهريتين , وكان الوالد يرسلني لأشتري منه هذه المجلات , وهذا البار يعمل به موسي ود نفاش الشخصية الظريفة الامدرمانية الشهيرة , وكان هناك محل آخر لبيع الشري والبيرة في أول شارع كرري , وبار (علي كيفك) المقابل لسينما برمبل من الجهة الجنوبية . ومما يذكر أن حليم عطا الله السودان القبطي ترك بيع المجلات وافتتح باراً في الموردة في الربوة التي يحتلها الآن مكتب بريد الموردة , لبيع البيرة والشري ووضع أمام البار عدة تربيزات وكراسي للرواد الذين يريدون الشرب , ثم انتقل الي محله المقابل لحديقة الموردة , ومما يؤثر عنه قوله : ( كنا نبيع الأدب عشرين سنة وما طلعنا بحاجة ولما بدينا نبيع قلة الأدب اغتنينا في سنة واحدة ) . ثم فُتح بار آخر مجاور له صاحبه أحد النقادة الأقباط .
وكما كان جمهور متعاطي المريسة والعرقي من غمار الشعب كان متعاطو البيرة والشري من الموظفين والطبقة المتوسطة من المهنيين , وهؤلاء كانوا يرتادون حدائق الريفيرا والموردة والجندول والنيلين والتي توفر العشاء الجيد ولديها فتية عداءون يجلبون الشري والبيرة من بار حليم لمن يرغب وغالبا ما يكون الكل راغبون ويدفعون للفتي قليلا من القروش , وكان الصحاب يلتقون في هذه الحدائق ولقد شاهدت وكلاء وزارات وضباط جيش وأطباء وفنانين وأدباء ومعلمين يقضون أمسياتهم في تلك الحدائق ولا سيما حديقة الريفيرا ذات الإضاءة الخافتة والأغاني المسجلة والطعام الشهي .
وأما في الخرطوم فكانت هناك أماكن راقية يرتادها علية القوم والأجانب وذلك للشرب أو للشرب وتناول العشاء. أما البارات لبيع الخمور فقط كان يوجد منها محل في موقع صيدلية كمبال الحالية , ومحل ثان قبالة عمارة التأمينات , ومحل في فندق الشرق بشارع الجمهورية , ومحل قبالة محل شَروَني وكوبا كوبانا , وكل الفنادق الكبيرة بها بارات كفندق اكسلسيور وصحاري والواحة وسينت جيمس والشرق والبيون ورويال وفكتوريا ولوكندة كيشو , وهناك فندق السودان والقراند هوتيل والجيبي وسكرابيه في سوق نمرة اتنين , والقوردون ميوزك هول الذي يقدم عرضا موسيقيا وراقصا في كل ليلة ولكن كان الدخول إليه برسم ومعظم رواده من الأجانب .
وكان هناك محلان لبيع الخمور في الخرطوم بحري أصحابها من القبط النقادة .
وفي خارج العاصمة وفي مدينة عطبرة كان هناك بقال إغريقي شهير ومحله مقابل لمحطة السكة الحديد وكانت الخمور من ضمن مبيعاته , ولكن ما لفت نظري انه كان هناك بار في حي موظفي السكة الحديد يديره سوداني ولم ادري أن كان هو مالك البار لأن رخصة بيع الخمور لا تمنح للمسلمين , ولكن بالمقابل كان حيثما يوجد بقال إغريقي في أي مدينة في السودان تجده يبيع الخمور وكان التجار الإغريق يحتكرون محلات البقالة كما في الدويم والأبيض والجنينة وبورتسودان التي كانوا يمتلكون فيها شريط البارات الممتد بالشارع المقابل لحديقة البلدية .
وعندما انتابت الصحوة الدينية المباغتة والتوبة المفاجئة الرئيس السابق جعفر نميري اصدر قوانين الشريعة والتي عرفت بقوانين سبتمبر والتي صاغها عوض الجيد المحامي والسيدة بدرية سليمان والقاضي ابوقرون .
وقد الصدر نميري منشوراً الي جميع الموظفين القياديين في الدولة اسماه منشور القيادة الرشيدة طلب فيه من كل واحد منهم أن يقلع عن شرب الخمر وان يعلن له كتابة بذلك . ومعلوم أن نميري كان نهما في شرب الخمر وكان فتوة حي ودنوباوي قبل أن يقوم بانقلابه وظل علي حاله من شرب الخمر حتي تبدل حاله فجأة وبايعه الأخوان المسلمون بقيادة شيخهم حسن الترابي أميرا للمؤمنين ! وأذكر أنني قابلت الزميل الأخ مولانا قاضي محكمة الاستئناف آنذاك احمد عبدالرحمن في سوق الموية وهو المكان الذي يقع جنوب أجزخانة امدرمان وبه مقاهي ود اللغا (الأغا) , وجورج مشرقي والزيات والزيبق , ويوسف الفكي وكذلك سينما قديس أو سينما برمبل والسينما الوطنية وكان ذلك عقب تنصيب نميري رئيسا للجمهورية , وكان مولانا غاضبا وثائراً وقال لي كيف يصير هذا الشخص رئيساً للجمهورية وهو كان يجلس علي الأرض ويحتسي المريسة في الانادي , وقلت عن مولانا احمد الزميل لأننا عملنا سويا في التدريس في مدرسة الأحفاد الوسطي قبل أن يلتحق بالقضاء , فقد كان يحتم علي خريجي الحقوق من مصر أن يجلسوا لامتحان معادلة في قوانين حكومة السودان حتي يصرح لهم بالعمل كمحامين أو في سلك القضاء , وكانوا يعملون بالتدريس لمدة عام أو أكثر حتي يجلسوا لامتحان المعادلة وكان بعضهم يعملون في مدرسة الأحفاد كالأساتذة المحامين المرحوم الفاتح عبود والدكتور الصائم محمد إبراهيم و الصادق عبدالله عبد الماجد والذي تفرغ للعمل السياسي وصار لاحقاً مرشداً للأخوان المسلمين ومنهم علي محمد إبراهيم المحامي الذي عمل مدرساً بمدرسة الخرطوم الأهلية الوسطي .
ونواصل
هلال زاهر الساداتي
[email protected]
(عدل بواسطة هلال زاهر الساداتي on 05-09-2009, 05:36 PM)
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الخمور والبارات والأنادي في أمدرمان والعاصمة زمان ! (1-2) (Re: هلال زاهر الساداتي)
|
الأخ هلال زاهر الساداتي
جميل أنك بدأت بذكر الكتاب البحث (الإنداية) لأن المرحوم الطيب محمد الطيب لم يجلس ليكتبه .. بل جاب ربوع السودان، وكان عبارة عن نتيجة بحث ميداني مضني.
من الدلائل على تناول معظم مجتمعات السودان مسألة الشرب كمسألة عادية أنه إذا مرّ رجل على مزارعين يزرعون عيش (ذرة) يدعو لهم قائلاً (تشربو بالعافية)، فالذرة (تُشرب) ولا تؤكل.
| Quote: ولا يبدأ الواحد منهم الشرب إلا بعد أن يصلي العشاء |
قد يكون المقصود هنا المشروبات القوية (كالعرقي). أما المريسة والبغو في غرب السودان، فلا علاقة له بالشُرب، وإنما عند الكثيرين هو وجبة الفطور، ويواصل شاربها يومه ويصلي أوقاته.
تحياتي.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الخمور والبارات والأنادي في أمدرمان والعاصمة زمان ! (1-2) (Re: هلال زاهر الساداتي)
|
الأخ هلال زاهر الساداتي-
... تـحــكي احـدي الروايات ان مدرسآ مـن الخــرطوم تـم نقله ليـعمل بإحـدي الـمدارس النائية بدافـور ... وبعـدان وصـــل للـمنطقة وباشـر عـمله بالتـدريس لاحـظ فـي احـدي الـمرات ان احـد التلامـيـذ ودون العاشـرة من عـمره قـد جـاء للـمدرسـة ومـعه " كـورية " بـها مـريسـة.... غـضـب الـمدرس غـضـبآ شـديدآ من التـلميـذ وطـرده مــن الفـصل وطلـب منه ان يـجـئ فـي اليوم التالـي ومـعه ولـي أمره.
جـاء والـد التلـميذ ومـعـه ابنه وراح يسـتفسر عـن سـبب طـرد ابنه من الفصل. وهـنا راح الأسـتاذ ويقول لـوالد التلـميذ ان ابنه وبكل جـراءة ولاخـجـل يـجـئ للـمدسة ومـعـه قدح كـبيـر مـمتلئ بالـمريسة ولـهـذا طـردته من الفصـل. وهـنا قال الوالـد بـكل هـدوء للـمدرس:
يعـنـي الولد مـايفـطر?!!
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الخمور والبارات والأنادي في أمدرمان والعاصمة زمان ! (1-2) (Re: Bushra Elfadil)
|
الاخ الفاضل الاديب بشري الفاضل
افضي لك بغبطتي وسعادتي علي كلماتك الطيبات كنسمة حانية باردة في رمضاء
الهجير والتي غمرتني بها وعائلتي , واهتمامك بما اكتب , وتقريظك لكتابي
(ايام التونج) , وانني اعتز بهذا القول فأن الكلمة والرأي لهما قيمة
ووزن اذا أتيا من أديب قاص مرموق مثلك , وحقيقة لا يعرف اقدار الرجال
والناس سوي كرام الخلق من امثالك , وسأنقل تحياتك لأشقائي وشقيقاتي الذين
تشتتوا في ارجاء الدنيا وذلك عبر الأثير جراء الظلم والفساد والاستبداد
في وطننا وقد نالوا فيه نصيبهم من الاذي , ويسعدني ان تنشر في المنبر شيئا
من ذكرياتي في الجنوب .
لك التحية والتقدير
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الخمور والبارات والأنادي في أمدرمان والعاصمة زمان ! (1-2) (Re: بكري الصايغ)
|
الاخ بكري الصايغ
لقد مررت بتجربة مماثلة عندما نقلت الي مركز تدريب المعلمين بمدينة التونج الجميلة
بمديرية بحر الغزال بالجنوب , وقد ذكرتها في كتابي (ايام التونج) وسأذكرها في
الجزء الثاني من هذا المقال , ولكن حدث لي موقف طريف آخر فقد ابلغني نائب
عميد المركز بأن رئيس العمال كير قد جاء وهو سكران بعد فسحة الفطور وتشاجر مع
احد العمال, واستدعيت كير ووبخته علي عملته وهو مسئول عن العمال وينبغي
ان يكون سلوكه قدوة طيبة لهم , فأجابني بقوله : (جنابك انا ما كنت سكران,
انا شربت مريسة بيدة(بيضاء) بقرسين(قرشين) بس , وهذا يعني ان المريسة البيضاء
غير مسكرة بل هي غذاء .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الخمور والبارات والأنادي في أمدرمان والعاصمة زمان ! (1-2) (Re: هلال زاهر الساداتي)
|
كتابة طاعمة وجميلة تجعلني اتحسس خطاوي الناس
في ايام لم اعشها ...
درست المرحلة الثانوية بمدرسة وادي سيدنا امدرمان بعد خام
المخلوع نميري بترحيلها من منطقة وادي سيدنا لتشارك المدرسة الاميرية
مبناها بجوار سينما ام درمان كنا نذهب للفطور في محلات الفول خلف السينما الوطنية
اذكر ان لاحظت ان هناك مطعم كبير لديه بوابة ضخمه مكتوب على ضلفة مطعم وفي الجانب الاخر
وبار وممسوحة ببوهيه باهته لم تخفي الكلمة .......
شكرا ليك يا عم زاهر وتحياتي لابنك وصديقي زهير قول ليهو في شهر 9 سنكون معكم
كامل المودة
ابنك معتصم
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الخمور والبارات والأنادي في أمدرمان والعاصمة زمان ! (1-2) (Re: معتصم ود الجمام)
|
التوثيق كتابة مهمة وراقية ويعجبني في كتابات ال الساداتي باللغتيين الانجليزية والعربية (قرات لامير عن امدرمان وكان خالد وما زال له كتابات كثيرة في سجالات اسفيرية بالانجليزية ) ومن منظور العارف والباحث والمؤرخ رغم انهم لا يصفون انفسهم باية منها ولكن تلك حقيقة ارجو الا تغيب عناوهي تستحق الاشادة ونحن من شعوب معظم ما كتب عن تاريخها من دفاتر رحالة وضباط عسكر اجانب ...
| |
|
|
|
|
|
|
| |
هلال زاهر الساداتي
محمد أبوالعزائم أبوالريش
Deng
Bushra Elfadil
الطيب رحمه قريمان
معتصم ود الجمام
abubakr
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست