|
حاجة عجيبة !
|
حاجة عجيبة عبد الله الشيخ خط الاستواء أنا من المدمنين علي قراءة حاجيات زكريا حامد ( العجيبة) رغم أنني أعلم أن الاستماع إلى زكريا أفضل من قراءة ما يكتب ، ذلك أن زكريا ولأسباب كثيرة تعرفونها يتعمد أن يصب كوز أو كوزين من الماء البارد ، أو في الحقيقة جردل ماء كامل على الحكاية ..
الحكايات التي يكتبها إذا كتبت بذات الطريقة التي خرجت بها سيكون هذا الرجل حتماً (في حتة تانية).. ربما رفعته مكاناً علياً، وربما رمت به في (حتة تانية).. ولذا فهو يقول النكتة خالية من الرتوش التي تجعلها تعمل وتدعها تمر ، وحين يكتبها يقوم بعملية الإخراج التي تدعو القارئ الى استحصاد الابتسامة على قدر سعة خياله في استيحاء النص الأصلي ..
الأسباب التي تدعو زكريا الى صب الماء البارد على الحكاية لا تغيب على فطنة القارئ ، أما أسباب عدم الجنوح إلى تفسير الحكاية فلربما لأنه يريد أن يتركها تسري في الناس كيفما ساقها الواقع بتعقيداته ، وان على القارئ أن يستحصد من الرواية بقدر ما يملك من سعة في الخيال ، أما إذا كان المتلقي ممن يعانون من حالة قصر النظر فإنه دون شك غير معني بما يكتب ، أو بما يقال عند حكاية النص كما هو ..
ولكنى كثيراً ما اطلب من صاحب الحكاية العجيبة تفسيراً للرواية التي يسوقها ، فيرد بسرعة وبلهجته الحلفاوية التي يستخدمها عند المنعطفات الصعبة دائماً ،ويقول ما معناه تفسير إيه؟ إنت عاوز تودينا في داهية ..
وليت الرجل يكتفي بذلك ، لأنني لا يعجبني إصراره على إحالتي لنص من النصوص التي تبرر عدم الاسترسال ،أو التسكع في حواف الحكاية ..إن لم يجد في القرآن نصاً يسعفه في رفض تفسيره لجوهر الحكاية يذهب بي مباشرة إلى الشعر العربي ،أو الى قول من أقوال مشايخ الأزهر الشريف ليتخارج من تفسير الحكاية .. في مرة من المرات سألته تفسيراً عن إحدى حكاياته العجيبة فقال لي وهو يحاول أن يبين بلسان عربي إن المتنبئ قال مفتخراً :
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم
وما حدش في الأدب العربي كله سأل المتنبئ إزاي ده يحصل !.. ما حدش سأله عن كيفية سماع الأصم للكلمات ، ولا حد سأله عن كيف يرى الأعمى أدباً !.. تسألني أنا عن تفسير حتة نكتة ، لا تودي ولا تجيب ؟ ، وأنا العبد الفقير إلى الله!..
واتخذ من هذا التبرير حائطاً للصد ، فيقول لي انه سيحكى لي حكاية ، ( بس بشرط ألا تطالبني بالتفسير).. ويحكى ، فأجد الرواية جديدة ، ورغم انه ينسبها إلى أحد الحلفاويين إلا أنني لا أشك في أنها من صنعه هو .. فهو فقط ينطلق من قناعة راسخة عنده بأن النكتة أمها وأبوها وحبوبتها من حلفا دغيم ..
يتعلل زكريا بأنه لا يمكن أن يفسر أبعاد الحكاية لأن التفسير يفسد المعنى ، ويدلل على ذلك بأن أي كلمة بالرطانة إذا حاولنا تفسيرها (حتبوظ).. هو لا يتعلل أبداً بالأسباب المعروفة لديه ولديكم ولدي ، ويقول :ـ مش ممكن أقول الكلام وأفسره .. لأني حريص على مشاركة الجماهير في العملية .. أنت تحديداً لازم تشارك لأنك تعلم أننا الآن في عصر المشاركة؟ ..
في المرة الأخيرة التي قرأت فيها لزكريا وجدته يتحدث عن أن أحد معارفه جاء إلى البيت ولم يجده ، فكتب على باب الحوش نص الوصية ولما امتلأت صفحة الباب ولم تكتمل الرسالة ، أحيل زكريا إلى صفحة باب الجيران ليذهب إلى هناك ويقرأ بقية النص.. من هذه الحكاية خلصت إلى أن منطقة حلفا دغيم مازالت تعاني من مصاعب في التيار الكهربائي، وان هذه المصاعب تمنع أصحاب الموبايلات من معارف زكريا عن شحن البطاريات .. ولهذا يضطر الواحد فيهم أن يسافر إلى الخرطوم لكي يقول كلمة وكلمتين ويرجع تاني الى حلفا دغيم .. ولكن حكاية السماح لحلفاوي من دغيم بالحصول على حق النشر على ضلفتي باب فهذه من الحظوظ المكتسبة التي لا يستطيع قانون الصحافة والمطبوعات الجديد إدخالها في أذونات وإجراءات التصديق !.. الإنسان البسيط يستطيع القفز على مقالب الزمان وأوجاعه بمزيد من التهكم على الأحوال والظروف
|
|
|
|
|
|