|
جديد الفيتوري في اربعينية الراحل بروفيسور عبد الله الطيب - بدء الخلود
|
جديد الفيتوري في اربعينية الراحل بروفيسور عبد الله الطيب بدء الخلود شعر: الفيتوري جِئْتُ أصغي لك عن قربٍ وأشكو غُربتي عَنْكَ وأروي روُحي العطشى وَأسْتثْنِيك فى عَصْري وَأبكي في يَديْك.. لمْ أجِئْ قطُّ لكي أرثيك أو أبكِيكَ أو أبكي عليك فأنا أدري وتدْري أنَّ من يبكيك ياجوهرة السودان غيْري وَأنا أدري وتدري أننا نَفْنَى كأجسادٍ مِن الطين وَلكِنَّا سنَبْقى أنجماً في أفق الدهر وفي روح الوجود إن مَعْنى مَوْتِنَا، مهما انطوتْ أيامُنا، بَدْءُ الخلود جئتُ ياشمسَ المجرَّات الجنوبية ذاتَ العبق الزنجي، والصوتِ الإلهي العريق والدم النابع مِنْ أحشاءِ هذِي الأرض.. والمشْتَعلِ الدافِق فينا كالحريق جئتُ مَشْدُوداً إلى معجزة الخالق فى رؤياك للكون وتركيبةِ هذا الكون وَالتاريخُ حيث انحفرتْ أيدي ضحاياه على جدرانه الباليةِ الخرساءْ والأوطان في ألوانها المطفأة الألوان والباهتة الأضواء والأزمنة الغائمة الصعبة والأقبية المعتمة الرطبة والحريةِ المفقوءة العينين والعدلِ بلا ساقين والسائل والمسؤول، والقاتل والمقتول والناقل والمنقول والإنسان في الكلمة والكلمة في الإنسان والأديان والإنجيل، والتوراة، والقرآن وكما لو كُنتَ نهر النيل يجري في دمي وكما لو كنت إيقاعَ دموعي في فمي جئت في ذاتك في أروع حالاتِك تغشاني في ذاتي.. وتخضرُّ وتصْفرُّ عميقاً انفعالاتي وهذا أنا فيما يُشبهُ النائم في الحلم أراني وأراكْ ولقدْ أمشي على وقع خُطاك ولقد ألمحُ شيئاً من سَنَاكْ ولقد تحملني عاصِفةُ الماضي، وَبُركانية الآتي وَقدْ أُصْعَقُ، فالسودان سوداني والمأساةُ مأساتي وقدْ أُبصِرُ في دنيا خيالاتي وفي ظلمة مرآتي سقوط العصر، في العصر، وفى آلهةِ العصر فأحْني خَافضاً رأسي على أضْرحة الأحياءِ والأمواتُ مِنْ حَولي وَاسْتغفِرُ للخالقِ في صمتي وفي جهلي وَأرثي للطغاةِ المستبدين الذين استعبدتهم شهوةُ الحكم فظنوا أنهم باقون في أرجوحة الحكم طويلاً وتناسوا أنها الدنيا وأن الملكُ لله.. وللشعب الذي داس على أعناقهم جيلاً فجيلاً جئت يامتكئي الخالد تحت الشمس مسكوناً بأيامي مِن أرضٍ الى أرضٍ، ومن شَعْبٍ الى شعبِ ومِن دارٍ لدارْ ليت شعري مَنْ تَراني الآن.. وَالأقدار تمضي بي في كل مَسَارْ أتراني طائراً مُغترباً حطَّ على سارية الريح وَطارْ أمْ تراني قطرةً من غَيمةٍ في الليل لا تبصرها عينُ النهار؟ آه ياجوهرة السودان لو تدركُ كم يأخذني الماضي إليك وكمْ أشتاقتْك رُوحي في تنائيها وكم أطبقت أجفاني عليك! غير أن الفلك الدوار يجري وهو لا يدرك مَجْراهُ ولا يُدرك مَسْراهُ فمُجري دورة الشمس هو الله وباني صُورةِ الكونِ هُو الله ولا غالبَ إلا الله لا غالبَ إلا الله لا غالبَ إلا الله ولك الخلدُ، ولك المجدُ، لك الحبُّ الذي يغسلنا حيثما كنَّا وكانْ أنت من أعطيتَ ما لم يُعطِهِ الغيرُ وأوفيتَ كما لم يوفِ إلا صَانِعو استقلال هذي الأرض.. وَالباقُون حُراسٌ على وحْدتها طول الزمان
القيت امس بقاعة الشارقة بالخرطوم 25 أغسطس 2003م
|
|
|
|
|
|