|
|
 الشرق الأوسط (26-6)السرسيداحمد:آن أوان التغير فلنشارك فيه قبل أن يفرض علينا
|
السر سيد أحمد :تحولات سودانية مرتقبة
الخميس 26 يونيو 2003 04:26
في الوقت الذي تستعد فيه الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان للجولة السادسة من المفاوضات بينهما في السادس من الشهرالمقبل، وهي الجولة التي يفترض أن تضع الأرضية واللمسات الأخيرة لاتفاق نهائي منتصف آب (أغسطس) كما تأمل الادارة الأمريكية، فإن الوضع الداخلي في السودان يمر بمرحلة من التحولات ستكون لها آثارها المستقبلية. وعلى رأس هذه التحولات حدوث تحالفات جديدة بين القوى السياسية المختلفة بما يمكن أن يعيد تشكيل المشهد السوداني، وحدوث نقلة نوعية في ميدان الصناعة النفطية السودانية.
فاعلان القاهرة الذي وقعته الشهر الماضي الحركة الشعبية مع حزبي الاتحادي الديمقراطي والأمة، والاشارة التي حملها حول قومية العاصمة، وهي احدى نقاط الخلاف مع الحكومة، يبدو مؤشرا ببروز تحالف جديد بين القوى الثلاث في طريقه الى التبلور لمواجهة الحكومة وحلفائها من القوى السياسية المنشقة عن أحزاب أخرى. ومع ان وجود معسكرات مناوئة للحكومة ليس أمرا جديدا، الا ان الجديد هذه المرة هو تباشير السلام التي هلت وهي تحمل معها فرصا للعمل السياسي السلمي واجراء للانتخابات، الأمر الذي يجعل للتحالفات الجديدة معنى ومغزى، إذ يمكن أن تصبح معبرا للتغيير. مثل هذا الاحتمال يعني حال حدوثه تفكيكا لدولة الانقاذ التي سيطرت على السلطة والثروة بصورة مطلقة على مدى 14 عاما تم فيها تهميش بقية القوى السياسية والسعي الى الاجهاز عليها عبر محاولات الانشقاق.
فالزعيمان المهدي والميرغني لم يقدما خدمة مجانية الى قرنق دعما لموقفه في ما يتعلق بقومية العاصمة وباستثنائها من تطبيق القوانين الاسلامية، بل لأنهما يأملان في ترتيبات سياسية توفر لهما مكانا في قطار السلام الذي يوشك على التحرك ومواجهة خصومهم من الحكومة والجماعات المنشقة عليها. وهذا مغزى التحرك الحكومي المناوئ الذي حاول حشرهما في ركن ضيق أمام أنصارهما والتركيز على أنهما تخليا عن ثوابت برامجهما الاسلامية. لكن المطروح لن يكون السؤال التبسيطي عن شريعة أو لا شريعة، أو ان الاسلام هو الحل. فعملية السلام الجارية ليست خيارا سودانيا صرفا كي تخضع للمناورات الحزبية الضيقة، ومن هنا كان التصريح الأمريكي أقرب الى الانذار وهو يدعو القيادات الى الارتفاع الى مستوى المسؤولية، وتحديده تاريخا معينا لابرام الاتفاق.
وهذا الموعد المقترح يتيح فترة زمنية مقدارها 38 يوما بالضبط قبل أن تتقدم الادارة الى الكونجرس بتقرير جديد دول كيفية سير المفاوضات والطرف المسؤول عن تعويقها. فاذا كانت الحكومة، فان واشنطون عليها تطبيق حزمة من العقوبات السياسية والاقتصادية مع حظر للسلاح وتقديم عون للحركة الشعبية، اما اذا كانت الأخيرة هي المسؤولة، فان الحكومة لن تكون معرضة لعقوبات اضافية.
وهذا ما ينقل الحديث الى الجانب النفطي، حيث تتزايد القناعة ان حجم الانتاج النفطي في السودان يتجه الى التصاعد بغض النظر عما يمكن ان تنتهي اليه مباحثات السلام الحالية، وذلك على عكس الانطباع السابق بأن هذه الصناعة تحتاج الى مناخات السلام كي تتوسع. والتوسع المنتظر يتم في مناطق أكثر أمانا، حيث تقل قدرة الحركة الشعبية على التحرك فيها، كما انها تتجه شمالا لأول مرة وخارج الحدود الجغرافية للجنوب، بكل ما لذلك من تبعات جيوستراتيجية.
فقد بدأ العمل في مربع رقم (6) في غرب السودان، حيث يتوقع انتاج قرابة 12 ألف برميل يوميا بنهاية هذا العام ترتفع الى 40 الفا في نحو عامين، وتم اكمال 150 كيلومترا من أصل 700 كيلومتر من خط الأنابيب الذي ينطلق من الفولة الى مصفاة الجيلي قرب الخرطوم، وهي نفسها ستتم توسعتها بنسبة تقارب مائة في المائة لتتمكن من تكرير 90 ألف برميل يوميا.
كذلك أعطت التجارب الاستكشافية التي شهدها مربعا (3) و(7) نتائج جيدة، دفعت بالكونسورتيوم الذي تقوده شركة النفط الوطنية الصينية الى تكثيف جهوده للبدء في الانتاج عام 2005، ومع ان هذين المربعين يقعان في الجنوب الشرقي للسودان، الا ان المنطقة أكثر أمانا من أي منطقة أخرى في الجنوب. مؤشرات التنقيب في هذين المربعين، دفعت الى الاهتمام بالمربع رقم ( الى الشمال منهما في منطقة جنوب النيل الأزرق، وهي منطقة استراتيجية بقربها الى شرق السودان وميناء التصدير، كما انها تضم النيلين الأبيض والأزرق. ويتوقع ان يتم توقيع الاتفاقات الخاصة ببدء العمل في هذا المربع الشهر المقبل.
وحتى قبل بدء ضخ النفط من المربعات الجديدة، فإن الانتاج من الجنوب، حيث المخاطرالأمنية عالية، حقق معدلات عالية، اذ وصل الى 270 ألف برميل يوميا في الوقت الراهن مقابل توقعات العام الماضي من ادارة معلومات الطاقة الأمريكية أن يكون في حدود 229 الف برميل عام 2005.
لقد نجح نظام الانقاذ قبل أربع سنوات بالضبط في احداث اختراق والبدء بتصدير النفط في وجه عزلة دولية ومحلية ومقاطعة اقتصادية، بل تدن في أسعار النفط. وهو قطعا اليوم في وضع أفضل مما كان عليه في تلك الفترة، فهل يدفعه هذا الى التشدد في جولة المفاوضات المقبلة لدرجة تحمل مسؤولية افشال المفاوضات على أساس ان واشنطون لا يمكنها أن تفعل أكثر مما فعلت بالنظام؟
مع الاغراء الذي يمكن أن يحمله مثل هذا الموقف وبكل ما يبطنه من استمرار للسيطرة على منافذ السلطة والثروة، لكن من المطلوب احسان قراءة الواقع. فتدخل واشنطون الحالي في الشأن السوداني على خلاف تدخلها السابق له آليات ويسنده قانون سلام السودان، النابع من الكونجرس، وأهم من هذا أنه يأتي بعد حسم الادارة الأمريكية لخياراتها والتصرف خارج الشرعية الدولية اذا أرادت.
أهم من هذا فإن تصالح السودان مع نفسه ومع العالم الخارجي وتطبيع علاقاته يحتاج الى حدث مدو مثل توقيع اتفاق سلام، لا يحسن الصورة من جانب العلاقات العامة فقط، وانما يسهم في كسر موجات العنف التي بدأت تدمدم في أقاليم السودان المختلفة وعلى رأسها في الوقت الحالي دارفور. كما انه يفتح الباب أمام عمل سياسي داخلي يقنن لتوسيع هامش الحريات السياسية والاعلامية بما يمهد للانتقال السلمي للسلطة وترسيخ مؤسسات المجتمع المدني وقطع الطريق أمام اعادة انتاج الحلقة الشريرة بين نظام عسكري، يتم الاجهاز عليه عبر انتفاضة شعبية يخلفها نظام برلماني ضعيف يفتح المجال أمام نظام عسكري آخر، وهو ما يلخص التجربة السياسية السودانية لقرابة نصف قرن من الزمان.
لقد آن أوان التغيير، والأفضل ان يسهم فيه اهل السودان بدل ان يكون مفروضا عليهم.
الشرق الأوسط اللندنية
|
|
 
|
|
|
|
فتحي البحيري
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست