رؤية التحالف الفيدرالي حول قضية دارفور

سودانايل 26/6/2003

رؤية التحالف الفيدرالي حول قضية دارفور

بسم الله الرحمن الرحيم

القاهرة في 24/6/2003م

قال الله تعالى في محكم تنزيله:
(يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى ألاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أقْرَبُ للتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) صَدَقَ الله

في البدئ نشكر االسادة أعضاء هيئة المنصة الذين تكبدوا المشاق لأجل إبراز القضية السودانية الشائكة، كما نشكر (مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان) الذي بادر بتنظيم هذه الندوة المهمة عن إقليم دارفور اليتيم الذي أهمل منذ استقلال السودان، كمثيلاتها من الأقاليم المهمشة، فدائماً هذا المركز يبادر ويساهم في مجال حقوق الإنسان، ويعتبر هذه بادرة طيبة وجيدة جداً ولكن نرجو أن نلتقي معاً في المستقبل القريب كي نبحث عن الحلول الناجعة لمشاكل السودان المزمنة بشرط أن يتم المشاركة مع كل أبناء أقاليم السودان، وخاصة مع أبناء المناطق المهمشة، كما نشكر أيضاً إخواننا وأشقاءنا في مصر الذين دائماً ينظرون للقضية السودانية من أولوياتهم الوطنية ويضعونها في نصب أعينهم، ولكن نطلب منهم أيضاً أن لا يتركوا أبناء المناطق المهمشة الذين رفعوا السلاح الآن طلباً لحقوقهم المشروعة، وكما نرجو منهم أن يتركوا هذا الباب مفتوحاً في وجه أبناء كل أقاليم السودان، ونطلب كذلك من هذا المركز أن يقيم مؤتمرات وندوات وورش عمل مع تنسيق بأنباء إقليم دارفور الذين تحملوا المئاسي المؤلمة الجارية في الإقليم عندهم، على غرار ما قامت به بعض المراكز في الجمهورية وخارجها لأبناء الجنوب وجبال النوبة وغيرهم، لأن مثل هذه المراكز هي التي تقدم توصيات للجهات المختصة بالشأن السوداني في العالم ولكي يشارك غداً أبناء المناطق المهمشة الأخرى بفعالياتهم العرقية والثقافية والدينية والطائفية حتى يساهموا بأيديهم في حل مشاكل بلادهم العويصة، لأن مثل هذه اللقاءات والندوات وورش العمل هي التي تضع القواعد والتوصيات الأمثل حتى تساعد للوصول إلى سلام عادل وشامل لكل السودانيين، لأن مشاركة أبناء كل إقليم بمختلف طيفهم السياسي والعرقي والثقافي والديني والطائفي والجهوي هو المكسب الحقيقي لأن بدونها لا يكمن أن نشخص ونبين هذه الإشكاليات من جذورها الحقيقية، ومن المفترض أن لا يكون هناك أي تخوف من بعض الأطراف حتى تقوم بتبني مثل هذه القضايا الكبرى بدون مشاركة أبنائها وبالتالي أنها لا يمكن أن تساهم في أي حلول ناجعة، لأن الذين يتحدثون نيابة عن الآخرين بدون تفويض منهم لا يمكن أن يشخصوا الداء ليعالجوه بالطريقة الصحيحة والسليمة، فإقليم دارفور لديه خيرة من المثقفين في الداخل والخارج، ومتخصصين أيضاً في مختلف المجالات، وكلنا نعلم علماً يقيناً أن الحرب الدائرة في إقليم دارفور هي جزء من المشكلة السودانية، لأن ما يجري في هذا الإقليم اليوم ليس أمراً فريداً من نوعه، بل إنه نتيجة طبيعية لسياسات النخب التي حكمت البلاد وإنفردت بها دون أطراف السودان الأساسية على مر التاريخ السودان الحديث

لقد استمرت هذه النخب التي حكمت السودان على اختلاف أشكالها من ديمقراطية وديكتاتورية دأبت على إهمال مطالب غالبية المواطنين السودانيين في الأرياف وفي كل خدمات التنمية والمشاركة الفعلية في إدارة شئون البلاد، بل واجهت كل المطالب المشروعة بالعنف المسلح والقهر السياسي، مما اضطر كل أبناء الأقاليم المهمشة على حمل السلاح الآن من أجل تحقيق مطالبهم المشروعة

لأن الحركات الإقليمية النضالية ليست وليدة الأمس كما يُتَخَيَّلُ لكثير من الناس، وليست الجنوب فقط هو الذي يشكوا من السيطرة السياسية والثروة من قِبَلِ نخبة الوسط، وإنما هناك أقاليم أخرى في بقية السودان كانت تشكوا دائماً من سيطرة هذه النخبة علىهذه الأقاليم المهمشة، لأن الحركات الإقليمية مثل جبهة نهضة دارفور في إقليم دارفور، والاتحاد العام لجبال النوبة في جنوب كردفان، وومؤتمر البجا في شرق السودان، والأحزاب الجنوبية مثل حزب سانو، وحزب الجبهة الجنوبية، في الأقاليم الجنوبية الثلاثة، قد تشكلت منذ 1958 ـ1965م، فكلها كانت تشكوا من سيطرة الحكومة المركزية في الوسط على بقية المناطق في البلاد، فجميع هذه الحركات الإقليمية قد تحولت الآن بالفعل من حركات مطلبية إلى حركات مسلحة من أجل توزيع عادل للسلطة والثروة بين المركز والأقاليم المهمشة، فإقليم دارفور وهي في غرب السودان التي حملت السلاح الآن ضد الحكومة المركزية لن تقبل مرة أخرى بنظام مركزي تسيطر عليه نخب الوسط التي ستحرمهم من فرصة المشاركة في الثروة والسلطة السياسية في المستقبل كما حرمتهم في الماضي، وخاصة في جوِّ المفاوضات الجارية الآن في مشاكوس لخلق نظامين في دولة واحدة، نظام في الشمال تحت النخبة الشمالية ونظام في الجنوب تحت أبناء الجنوب، بالتأكيد هذا لن يقود إلى سلام شامل في ظل سودان موحد

فإشكالية إقليم دارفور هي إشكالية السودان كله، لأن القضية السودانية لا يمكن حلها عن طريق العنف المسلح والقهر السياسي لأن العنف لا يولد إلا العنف، وأن مشاكل بلادنا أصبحت كثيرة ومعقدة، لا يمكن تجزئتها على أساس جنوب وشمال وغرب وشرق ووسط وإنما هذه المشاكل كلها تتعلق بإمكانية التعايش على الواقع بين أبناء وطن واحد تفرق بينهم إنتماءات كثيرة، من عرقية وثقافية ودينية وطائفية وجهوية وهذا لا يمكن تحقيقه في البوتقة الواحدة إلا إذا تركت النخب الشمالية أنانيتها المزمنة واعترفت بالواقع السوداني حتى نضع كلنا آلية للحوار الجامع الهادف بعيداً عن الأهواء والأطماع العرقية والثقافية والدينية والطائفية والجهوية، حتى يكون هناك قبول الآخر من الآخر، لأن الأزمة السودانية أكبر من ما نتصورها الآن وبالتالي لا يجوز أن نعالجها بالأساليب التبسيطية التي تحصرها في النزاع الشمالي الجنوبي، فنحن في التحالف الفدرالي نحث كل من يقوم بحل القضية السودانية من أصدقائنا وأشقائنا أن يتعرَّفُوا بكل ما هو له إرتباط وعلاقة بهذه القضية الشائكة

وما إنفجار الوضع الآن في إقليم دارفور ما هي إلا إمتداداً لما حدث في الجنوب وجبال النوبة والأنقسنا وأبيي، وفي الإقليم الشرقي، وقد ستنفجر أيضاً الأوضاع في بقية الأقاليم، حتى تلحق بالركب على الأقاليم التي تكاد أن تنال حقوقها عبر السلاح، ولأن كل الحكومات التي تعاقبت على السودان وخاصة الحكومة الحالية لا تعترف بحقوق أطراف السودان إلا إذا رفعوا السلاح وأثبتوا جدارتهم أمامها، فإصرار هذه الحكومة بالذات على عدم إشراك كل الأقاليم المهمشة في الحوار الجاد ستقود البلاد إلى أمرين أحلاهما مرٌ، إما أن تقسم السودان إلى دويلات وهذا سيؤدي إلى عدم استقرار المنطقة بأكملها، وإما أن يستمر حال العنف والقهر الذي يعيشه أهل السودان اليوم، وهذا من المستحيل مع وجود نظام عالمي جديد الذي لا يقبل القهر ضد المواطنبين، سياسياً أو دينياً أو ثقافياً أو طائفياً أو جهوياً، أو حرمان الأفراد والجماعات من حقوقها الأساسية المنصوص عليها في الاتفاقات والمواثيق الدولية

نحن في التحالف الفدرالي الديمقراطي السوداني لقد حذرنا من قبل إذا لم نجلس كسودانيين لإيجاد حلول لمشاكلنا المزمنة فإننا قد نجد أنفسنا مجبرين ومقهورين أيضاً للجلوس لإيجاد حلول لقضايانا، وقد تكون تلك الحلول غير مقبولة لنا جميعاً، وها نحن اليوم قد وصلنا إلى ذلك عن طريق وسطاء الإيقاد

فنحن في التحالف الفدرالي الديمقراطي السوداني إقترحنا منذ عام 1994م لإدارة البلاد بنظام فدرالي حقيقي من أقاليم السودان التسعة التي كانت موجودة قبل وبعد الاستقلال، وهي: الإقليم الشرقي، وكردفان، ودارفور، وبحر الغزال، وأعالي النيل والإستوائي، والأوسط، والشمالي، والخرطوم، كما إقترحنا أيضاً في حالة فشل كل المبادرات الحالية منها مبادرة الإيقاد، أن يسعى طرفي النزاع حكومة والمعارضة التي نبعت من كل الأقاليم المهمشة لقيام منتدى وطني جديد على غرار المنتدى الذي جمع بين حكومة جنوب إفريقيا وخصومها السياسيين حول منتدى وطني تحت رقابة دولية والذي قاد إلى إيجاد حل لمشكلة حنوب إفريقيا، على أية حال يجب أن نلاحظ أن قضية جنوب إفريقيا كانت تم حلها لأن حكومة جنوب إفريقيا السابقة قد أبدت التخلي عن أيدلوجيتها العنصرية التي كانت هي السبب الأساسي في إشعال الفتنة العنصرية، فهل حكومة الجبهة الإسلامية على استعداد أن تحذو حذو قرينتها لجنوب إفريقيا في خلال شهرين القادمين..!!؟؟، وهذا ما نتمناه أن تقوم بها هذه الحكومة

أمين حسن عبد الله

مسئول مكتب التحالف الفدرالي الديمقراطي السوداني
بجمهورية مصر

=====

Sudan for all the Sudanese ..السودان لكل السودانيين