الماحول..المافوق..الماتحت ((البــراغـــيث)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 08:52 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2003م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-14-2003, 09:04 AM

wadazza
<awadazza
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 5386

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الماحول..المافوق..الماتحت ((البــراغـــيث)


    البراغيث.../بقلم عزيز التميمي

    الما فوق طبق اسمه السماء، أو اسمه الغطاء، الماتحت انبساط وتضاريس، دهاليز تذهب بالنظر إلى اللاّجدوى، الماحول وعاء مسكونٌ بالبراغيث، جدران وسكوت، أصداء جزمات عسكريين يتناوبون المسير، وهنا في جيبي قملة باضت ملايين الثعابين أو ملايين القمل وربما أشياء أخرى صارت ضمن مسلمات مخيلتي المصابة بتوالد الصور والتوقعات، ما تبقى إحداثيات ونقطة أصل في فضاء خالٍ من ترهات غاليلو قبل إعدامه، جدار ينسدل في كثافة العتمة، ورقعة الأرض التي أقرفص عليها استباحتها جيوش البراغيث، براغيث لاتعد ولا تحصى، براغيث بهياكل أسطورية، تخيلتها للحظة ديناصورات عملاقة ذات ملامح مشوهة من وجهة نظري، كل يوم تحتل مقعدي وتمارس ضدي استفزازاً يختلف عن الاستفزاز الذي مارسته ضدي في اليوم المنصرم، لم أستطع الكلام لأن لساني فقد حيويته منذ سنين، لم أستطع الحركة لأن أطرافي فقدت إحساسها بالحركة بفعل عوامل الخدر وتيبس الأعصاب، أو بسبب حساسيتي المفرطة تجاه مصطلح (ممنوع الحركة )، أنفاس تهرول، تمارس انهيارات، إنكسارات، لهاث ودمدمة، تتدحرج في صندوق منهك، وفي لحظة يتحرك الباب، وتتحرك معه آلاف السنين الضوئية، آلاف الأسئلة المرفوضة، والأحلام التي لاتجرأ على رفع ناصيتها أعلى من مستوى جزمتي، جزمتي التي تصورتها يوماً جزءاً من جلد رجلي أو نصف قدم بترتها قذيفة هاون في يوم ما.
    يتحرك الباب، ويحرك معه الزمن الذي تأكسد ولم أعد أحسّه بمفهومه الفيزيائي، يتحرّك الباب، وأحسبه التغيير وسقوط بروتوكول الليل والنهار، كنت أتمنى أي تغيير يحصل ضمن بقعتي التي أجلس فيها، يتحرك الباب، ويغمرني إحساس بالراحة، سألت نفسي مراراً.. لماذا أفرح كلما توقعت حركة وهمية لباب ربما لم يكن موجوداً إلاّ في ذاكرتي ؟، أجبت نفسي إنني رأيت باباً موصداً في مكان ما، وها أنا أتوقعه يتحرك، وبالفعل يتحرك، يصدر صوتاً مبحوحاً حسبته قحة إثر سعال أو كلمة بذيئة صرت أسمعها باستمرار، قلت فيما بعد : أحدهم تقيأ في جيبي، أقصد أحد البراغيث الذي لمحته يقفز إلى صدري بلونه الأحمر، وعللت ذلك بسبب عفونة دمي، الأمر الذي أدى إلى صفعي من قبل برغوث استحال صرصار عملاق حينما تسربت إليه معلومات عن رغبتي في تغيير دمي، اتسعت عيناي للخبر الذي فاجأني به، قلت : يا إلهي كيف عرف هذا الوغد برغبتي هذه، وصرت أرتجف لأنني توقعت المزيد من الصفعات إذا ما عرف إنني حلمت يوماً أن أتحول إلى كلب في قصر زوجة الرئيس، وخفت كثيراً من تداعيات حلمي هذا، لأنني أعرف مسبقاً ما يعنيه الحلم المرتبط بالأمن الوطني، وما يترتب عليه من تأويلات، ارتجفت بشدة، بل تكسرت خلايا جلدي وقلت : كيف لو عرف إنني بلت على صورة قائد الحرس الجمهوري الذي كان مغرماً بزوجة الرئيس.
    تحرك الباب من جديد، تحرك بشدة هذه المرة وأصدر صوتاً غاضباً،وتحرك قلبي معه، تحرك بعنف وكأن يداً غليظةً قبضت عليه وسحبته خارج صدري، بل سحبته وعصرته لتستنـزف ما تبقى به من نبض ودم، فازدادت توقعاتي للنتائج السيئة، أحدهم أشعل سيجارة مارلبورو، دسها بين شفتيه وضغطها بين أسنانه المكربنة، بانت ملامحه من الفتحة الضيقة التي حشر جسده فيها، كان يقف ويده اليمنى تمسك خصره فيما يده اليسرى تمسك حافة الباب الذي لم أعد أتذكر لونه، نسيت شكله تماماً وتمنيت أن أبقى هكذا لولا ظهور ذلك البرغوث الوقح الذي أراد أن يمتص دم وجهي رغماً عني، فتذكرت شكله، نعم رغماً عني، لأنني كنت أرفض في مرات كثيرة، وحينما ييأس مني يبصق في وجهي ويختفي في غابات الشعر التي تغطي جلدي منذ طرد آدم حافياً من جنة الخلد، منذ ذلك اليوم والشعر ينمو بكثافة والبراغيث هي الأخرى تزداد بكثافة رغم كل محاولاتي التي سبقت مجيئي إلى هذا المكان قبل ألف سنة ضوئية في الحد من تكاثرها وشراهتها، وكنت أصاب بالإحباط كلما تذكرت شراهتها، نعم شراهتها في انتهاك الذوق العام، وكنت أبتسم أحياناً حينما ألمحها تتلصص عليّ وأنا أمارس الجنس مع ابنة الجيران التي أصابتها العنوسة بسبب موت الرجال في محارق الحروب المستمرة، لا بل أصابني الذهول حينما تجرأ أحد البراغيث في أحد الأيام ووصف لي جسد حبيبتي التي كنت أحسد الهواء إذا ما لامس شعرها، صار يسخر مني كثيراً كلما أحس برغبتي في استحضار صورة المرأة في مخيلتي، وكان يصفني بالتافه الذي لارجولة فيه، كنت أغضب منه وأتلمس عضوي التناسلي، وعجبت لهذه البراغيث، عجبت وتصدعت جمجمتي، فهذه البراغيث تستطيع أن تتحرى حتى الأحاسيس، بل حتى التهويمات الفكرية التي تنثال في الذاكرة قبل تجسدها إلى حدث فسيولوجي، وتلك القدرة على الاستحالة من شكل إلى آخر، فتارة أراها صراصير عملاقة وتارة أخرى أراها كلاب تنبح باستمرار، كلاب تعض بأنياب شرسة، ومرة ثالتة أحسّها قمل أعمى يدب في كل ثنايا جسدي، وفي مرات كثيرة شعرتها بل عشت لحظات مروعة معها ككوابيس تتكلم، أطارت من لبي القدرة على التركيز.
    صرت أتكلم كثيراً مع نفسي وأنا جازم إنها تسمع كلماتي، أثرثر أحياناً وأغيب في تأملات كنت أُسْأل عنها من قبل زعيم البراغيث الذي يظهر في أوقات محددة ويحصي عليً عدد المرات التي حلمت فيها، وعدد المرات التي فكرت فيها أن أعرف ماهية الأشياء المحيطة بي، أو حقيقة المكان الذي وجدت نفسي فيه، لا أذكر بالضبط متى دخلت هذا المكان، وكل الذي أذكره أن عجيزتي تآكلت بفعل الجلوس في مكان واحد، لأني وللحقيقة كذبت في بداية كلامي عن الموجودات، في الحقيقة لم أتأكد تماماً من الأشياء المحيطة بي تمام التأكد، ولا حتى المكان، قالوا لي مرة إنك موجود في أكثر من مكان، وفي أكثر من زمان، لم أفهم مقصدهم وبقيت أتعذب لأنني تمنيت أن أكون يوماً خارج هذا المكان وأشهد سقوط شيخ عشيرتنا الذي هدر دمي بسبب اندلاق القهوة من يدي على ذيل عباءته يوم كنت أجيراً في ديوانيته، توقعت أشياءً واكتشفت من خلال كلمات أحد البراغيث أشياء أخرى، كنت أتوقع المكان غرفة كبيرة فيها نوافذ بدرفات خشبية، إلاّ إنني اكتشفت أن المكان عبارة عن صندوق معدني تم تصميمه بمهارة وإتقان ليحتوي كل المخلوقات التي تدب وتزحف وتطير، وقال لي أحد العملاء الذي دُس معي في نفس الصندوق بسبب تعاملاته المشبوهة في السوق، أن هذا الصندوق المعدني اخترعه أحد العلماء العباقرة وحصل فيه على براءة اختراع، تساءلت في بادئ الأمر، بل استغربت من كلامه، يصنع صندوق معدني ويحصل على براءة اختراع ! كيف ؟ وما سر هذا الصندوق ؟ وتذكرت كلمات رفيقي المسكين الذي صار يصدر أصواتاً غريبة لم أسمع بها من قبل، كان يقول لي : إن هذا الصندوق يمتاز بقدرته على تصيير الأشياء، لم أفهم كلماته في بادئ الأمر، قلت : تصيير الأشياء! عدت واستفهمت منه في وقت كان لساني لم يزل معافى فأكد لي أن هذا الصندوق يعد من أحدث الابتكارات العلمية وله القابلية على مسخ الإنسان إلى أي كائن آخر، عندها بدء الليل يرتجف في عيني وأدركت حجم البرغوث أو الصرصور الذي يمكن أن أرسم له صورة في مخيلتي، بعدها اختفى ذلك المسكين الذي عرفت فيما بعد إنه تبرغث وانتهى أمره.
    لم أستطع الاسترسال في فضح كذبي عن حقيقة المكان لأن أحدهم داهمني بصرخة شلت ذاكرتي، وصفق الباب بقوة، وحطم حلمي الذي ترعرع منذ قليل، مرة أخرى هزّت كياني حركة الباب، ذلك الباب الذي أرقتني لحظة سقوطه.
    بعد آلاف السنين الضوئية عدت أشعر من جديد أن العالم لم يزل موجوداً، وعادت كلمات البراغيث تسخر مني حينما أستحضر صورة فتاة عارية في مخيلتي، وبعد آلاف السنين صارت الصراصير والبراغيث تتودد إليّ بعد أن صرت أدب على أربع وانكمش صوتي وتبخرت نغماته، واستطال لساني بسبب استخدامه لترطيب جسدي، وهكذا اكتشفت حقيقة المكان وحقيقة نفسي وحقيقة الأشياء.
    فالأشياء لم تكن سكون وظلمة وعفن جدران مقشرة وزوايا محشوة ببيض القمل والصراصير، إنما كانت هياكل لأجساد آدمية ونتف كلمات حوّلها أتون الصندوق إلى دبق يلوث المكان، وها أنا أسمع صوت غاضب يلعن، وفي ذاكرتي تولد صورة عنكبوت أجرب أخذ يتحسس أطرافه بعد سبات طويل، كان يتقلب كثيراً لحظة بدء عد أطرافه، وكان مجبراً على عد أطرافه بالعكس، فيبدأ بالواحد وينسى عند الرقم ثمانية، منذ سنين وهو يعاني، وللآن لم يستطع أن يجزم بعدد أطرافه، وقلت مع نفسي : ربما هي لعنة الصندوق المعدني الذي صممه أحد العباقرة والذي يجلس الآن على كرسي إحدى الوزارات في دولة الصناديق المعدنية.
    المهم اختفى الصوت من جديد ومعه اختفى منبه السيارة وصوت عادم الوقود وحركات ذلك العنكبوت البائس أو بالأحرى أنا لم أعد أسمع بسبب تجرأ برغوث سخيف، تجرأ ودخل أحد منخري ّ وراح يخدش الغشاء المخاطي المبطن له، ودخل آخر في فمي، وثالث تسلل إلى فتحة مخرجي، وجماعات أخرى هاجمت ما بين فخذي وراحت تمارس هواياتها كيفما اتفق، وصرت أحس بدبيبهم في أحشائي، دائماً يفعلون معي هذا الفصل المسرحي الممل والمضجر، يرقصون فوق ظهري، وفي الأيام الأخيرة اخبرني أحد البراغيث بأنهم ينوون فحص ذاكرتي، قلت : اللعنة على هذه البراغيث التي لا تذر شيئاً إلا ودنّسته، لأنني مصرٌ على أن جسدي أطهر شيء أجزم به، ولأنني جاهرت كثيراً بكلماتي التي تصف انحطاط البراغيث، صار علي أن أتوجس من فحص ذاكرتي، نسيت، أو تناسيت كلامه الذي نشر الذعر في أطرافي، فما أذكره إنني تماديت في أحلامي كثيراً، مارست الحب مع ابنة الجيران عدة مرات حينما غادرت البراغيث محيط جسدي في أحد الأيام، ولعنت العبقري الذي صمم هذا الصندوق، وتوقعت صورة أخرى للمكان الذي أنا فيه، توقعته علبة مفتوحة من نهايتها، وتوقعت الماحول مزبلة من القمامة، وتوقعت أن أرى صور رئيس الجمهورية تتمسح بها إناث الشمبانزي بعد ممارسة الجنس في كل ليلة، توقعت وتوقعت، وصرت أرتجف الآن وأستطيع أن أقول أن كل ما قلته عن المكان والصندوق كان من قبيل التسلية، وأن كلماتي كلها مشكوك في صحتها، وحتى مخيلتي لم تعد صالحة للاستقراء، وإن الأرض ليست كروية كما توهم علماء الفلك، وأن البراغيث مخلوقات عجيبة، مخلوقات تستحق أن تبول في أنف من تشاء، وحتى العنكبوت الذي تحدثت عنه لم يكن موجوداً، بل كان كذبة ابتدعتها حتى أتخلص من عذاب الصراصير العملاقة والبراغيث المتسيدة، وأستطيع أن أقول أن المافوق هو ما فوق فقط، دون تشخيص، والماتحت هو ماتحت و مادون، وبالرغم من معرفتي لأشياء كثيرة عن المادون والدونية لم ولن أتكلم، ففحص الذاكرة يعني المزيد من الانتهاكات والمزيد من الاستفزازات، وقبل أن أجبر مخيلتي على التعتيم وذاكرتي على التوقف أستطيع أن أقول أن المكان كان كرسي تضرب قوائمه في أعماق الأرض وهامته محشوة بملايين البراغيث التي تسبح في دمي.


    قاص وروائي عراقي مقيم في أمريكا *


    المصدر :موقع إيلاف

    (عدل بواسطة wadazza on 06-14-2003, 09:07 AM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de