عرف السودان الخرز منذ آلاف السنين، وقد وجدت اللقي المصنوعة على شكل أسطواني من قشرة بيض النعام، والتي كانت تستعمل للزينة في تاريخ يرجع إلى العصر الحجري الحديث في الموقع الذي يحتله مستشفى الشعب حاليا في الخرطوم. وبالرغم من أن سوق الخرز قد عرف ازدهارا في أم درمان خلال القرنين الماضيين إلا أن الأمر قد تغير الآن. منذ القرنين الخامس عشر والسادس عشر، كان التجار البرتغاليون وغيرهم يتاجرون في الخرز الزجاجي المجلوب من مدينة البندقية، ومن بعد من هولندا وبوهيميا، في إطار التبادل مع شركائهم الأفارقة على طول ساحل غرب أفريقيا وحول رأس الرجاء الصالح حتى موزمبيق. ولكن بضاعة الخرز هذه كانت تستغرق وقتا طويلا لتصل إلى أواسط وشرقي القارة. بيد أن القبائل النيلية في السودان والتركانا والكيكويو في كينيا ما زالت تستخدم الخرز بكثرة للزينة والحلي. وفي بداية القرن التاسع عشر حينما فتح خديوي مصر طريق وادي النيل إلى داخل أفريقيا سرعان ما أصبحت أم درمان مركزا هاما لتجارة الخرز. ثمة أسواق ثلاثة للخرز في مدينة أم درمان. ففي الناحية الجنوبية للسوق كان هنالك تجار الجملة الذين يجلبون أطنانا من الخرز والسكسك والعقيق من أوروبا عبر مصر لبيعها إلى صغار التجار الذين كانوا يحملون بضاعتهم هذه جنوبا إلى أعالي النيلين. وعلى ضفاف النيل الأبيض اشتهرت قبائل الدينكا والشلك بالحلي الجميلة المصنوعة من الخرز التي يلبسها الرجال والنساء على حد سواء. وما زالت نساء الأمبرورو يفضلن الألوان الحمراء والسوداء والبيضاء للخرز. وعند منعطف القرن العشرين، ومن بين محال تجارة الجملة في الخرز والعقيق، أشتهر الطوخي الذي كان دكانه يقع قبالة المسجد الكبير. وكان ذلك أكبر وأشهر مكان لبيع الكميات الكبيرة من السكسك الزجاجي من كل لون وحجم. وكان السكسك الصغير و الخرزات الملونة، والتي تلبسها نساء الشلك ويصنعن منها أشكالا من العقود تعتبر أكثر الأصناف رواجا، ومازلن يستخدمنها لصناعة أشكال فنية متعددة الألوان توضع على المعصم وتستعمل بمثابة علاقات للنظارات . وبالإضافة إلى ذلك، كانت محلات الطوخي تبيع حلي الشارة التي تلتف على اليد أعلى الذراع، وهي من أدوات الزينة المفضلة لدي الشلك، ولكنها حلي من العاج الاصطناعي المحلى بالنقوش المصنوعة بواسطة الماكينة ومطلية باللون الأسود حتى تحاكي شارات العاج الأصلية التي درج الشلك علي تزيين أذرعهم بها. علي الناحية الشمالية للسوق الكبير بأم درمان، ما زالت تقوم بعض الدكاكين، مثل محلات أبو مرين، التي تخصصت في بيع المصوغات والحلي والمصنوعات الذهبية التي تلبسها العروس في رأسها كتقليد سوداني قديم ولكنه ما زال يجد رواجا متزايدا. وقد كانت الكافية والشفة والجدلة هي حلي مصنوعة من العملات الذهبية، إما متوارثة في الأسرة أو مستلفة لمناسبات الزواج، أما اليوم فصارت تستبدل بحلي اصطناعية و بباروكات الشعر الجاهزة التي تشبه المشاط القديم، وقد خيطت العملات المعدنية والمسكوكات الذهبية على هذه الباروكات. تقع هذه المحال في طرف سوق الصاغة التقليدي بأم درمان؟ وعلي مقربة من شارع الصاغة، ظهر إلى حيز الوجود السوق الجديد للخرز والعقيق بأم درمان. في البدء، كان يجلس في برندات الدكاكين بعض الباعة من الحجاج النيجيريين يبيعون عقود الخرز التي أحضروها معهم من غرب أفريقيا، وعند رحلة العودة من الأراضي المقدسة يرجعون إلى نفس هذه الأماكن ليبيعوا العقيق اليماني والسليماني والقصيص والسوميت والميلفلوري والشيفرون والسكسك والحجر الأخضر والحجر الأحمر وسائر أنواع الخرز والأحجار الكريمة التي اشتروها من الحجاج اليمنيين والباكستانيين ثم جلبوها معهم في رحلة العودة من مكة. وكانت هذه هي بداية سوق الخرز والعقيق المنتعشة حاليا في تلك الناحية من سوق أم درمان.
وفي أواخر الستينات، اكتشف الهيبيز أم درمان وقد كانوا يلبسون عقودهم الخرزية حيثما ذهبوا في العالم. وقد كان ذلك كشفآ سوقيا عظيما، حيث أصبحت الحلي الخرزية الأثنية محط الأنظار في غرب أوروبا والولايات المتحدة. ولعل من تأثير الكتاب المشهور لمؤلفته انجيلا فيشر أن هبطت أعداد هائلة من سيدات أوروبا على هؤلاء الباعة بحثا عن حلي الخرز النادرة والثمينة، من الشيفرون والميلفلوري، والعنبر الأفريقي والعقيق وعظم ظهر الحوت والعاج والفضة والنحاس بأشكاله. كذلك أصبحت قطع الحلي الفضية التي يصنعها البدو بأيديهم هواية لجامعي هذه التحف في الخارج، بينما في شرق السودان، كانت القبائل، لا سيما الرشايدة، قد بدأت في التخلص من حليها التي كانت تستخدمها سنين عددا وتوارثتها البنات من الأمهات جيلا بعد جيل، واستبدلت بالمصوغات الذهبية التي صنعها لهم الصاغة في أسواق كسلا وحلفا الجديدة.
و هكذا فإن سوق الخرز والعقيق في أم درمان قد شهدت تحولا كبيرا. وبينما ظل تجار أوروبا على مدى قرنين من الزمان يجلبون أطنانا من الخرز من بوهيميا وهولندا ومن ايدرأوبرشتاين بألمانيا، لمقابلة الطلب في أسواق أفريقيا ، فها هي سوق الخرز في أم درمان مع انبثاق الألفية الجديدة تأتي إليها سيدات أوربا لشراء الخرز من الباعة الذين يفترشون البرندات ببضاعتهم. ومن ثم، فلا غرو أن تزايدت باطراد أعداد هؤلاء الباعة الذين اغتنوا من هذه التجارة؟ وهذه العقود الإثنية أضحت تسافر من سوق أم درمان إلى أوروبا وأمريكا لتزين أعناق نسوة فتنتهن هذه الأنماط من الزينة. وعلي أية حال، فإن زيارة واحدة لسوق الخرز والعقيق في أم درمان هي في الحقيقة بهجة تجلب المسرة للناظرين. وإنها لفرصة بهيجة للعين للتمتع والتمعن في الألوان والأشكال والأحجام لهذه الخرزات القديمة المصنوعة من الأحجار شبه الكريمة والزجاج والعظام والفضة والنحاس والسكسك والعنبر والعقيق وغير ذلك. وفي مجملها فهي تجربة ممتعة أن تجلس إلي هؤلاء الباعة وتمر بأصابعك على هذه الحلي ذات الملمس الناعم والمجلوبة من كافة أنحاء الدنيا، وتحادث التجار الذين يفد معظمهم من تشاد، يحادثونك في لطف ودماثة خلق وهدوء، فهم يدركون جيدا قيمة بضاعتهم وبوسعهم إعطائك الأسعار معادلة بالدولار، مثلما هم على استعداد للمساومة معك إن شئت
تعرف عمري دا كلو اجي ماش بي جنب محلات ابو مرين او حتي زمان سوق الحاجات الكبار الذي هدمة مهدي مصطفي الهادي الكان عامل فيها محافظ ..عمري دا كلو اجي بالحتات ديك ما حصل جاتني فكرة بوهيميا ولا هيبز ولا اوربا ولا حتي تجارة عالمية عن الاماكن دي كل ما اعرفة انه عندما يحين زوجات في العائلة بسمع النسوان بقولوا ماشين ابو مرين ومرتبطة الحاجة دي في راسي بي كشاكيش العروس والخرز معرفتي بيهو لا تتعدي الخاتم الذي كانت تضعة حبوبتي الله يرحمها... لكن الحكاية جابت ليها معلومات جديدة وقيمة فعلا والله تسلم كتير
ويا اخوي سؤال بالجنبة كدا ( جرزلدا الطيب ) اسم ولا جمله مفيدة وفي كل الحالات افيدونا بالمعني افادكم الله
يعني لو كنت دخلت واحد من المحلات دي كان ممكن تدخل ليك في راسك وتشتغل في الشغلانة وتبقى تاجر كبير لكن ما فات شيء لسه عندك فرصة
الاستاذة جرزلدة الطيب فنانة تشكيلية وهي زوجة البروفسور عبدالله الطيب متعه الله بالصحة والعافية وقد كتبت في هذه السلسلة مقالا قيما عن التوب ونشر في مجلة حبابكم مجلة الخطوط الجوية السودانية وضعته من قبل في احد البوستات
اشمعنا الطوخي... وتكرر الاسم الطوخي.. اشمعنا ما عملنا تعادل وورد ذكري الزيات.. يعني المحلين علي ما اعتقد محلات مصريه كانت مقابل الجامع الكبير من ناحية الغرب.. بس جد التوثيق جميل ومفيد ... ولكم مني فائق الاحترام والتقدير لهذا البوست الغني بالمعلومات
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة