عن ظاهرة العداء لامريكا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-22-2024, 05:41 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2003م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-03-2003, 03:03 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20598

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عن ظاهرة العداء لامريكا





    الاحد 1 حزيران 2003



    --------------------------------------------------------------------------------






    هنا وهناك

    عندما تغنّي مادونا: حياتي الأميركية ألستُُ أدفع ثمنها غالياً؟- جمانـة حداد

    نورمان مايلر داخل حلبة الملاكمة - غسان الحلبي

    صور قليلة الحيلة - بلال خبيز

    في كتاب "رؤى مستقبلية" لمحمد دكروب - رفيف رضا صيداوي

    هل لنا أن نسترجع إنسانيتنا كي نقاوم؟ - صخر فرزات

    عصفورية - أمين الباشا

    كنتُ سأسألكِ - عقل العويط

    الامبراطور والديكتاتور- الياس خوري




    الدليل

    الملحق الثقافي

    سلامتك

    الاغتراب اللبناني


    --------------------------------------------------------------------------------

    الصفحة الرئيسية

    مساعدة




    عــنـدمــا تـغــنّــي مـــادونــا:

    حــيـاتــي الأمـيــركـيــة ألـســتُُ أدفــع ثـمـنـهـا غـالـيـاً؟

    جـمـانـة حـداد



    ماذا يعني، في هذه المرحلة بالذات، تكاثر مظاهر الثقافة المعادية أو أقله الانتقادية لأميركا، في العالم عموما، وفي أميركا نفسها أيضا وخصوصا؟ ما تـفسير المدّ "الأميركوفوبي" على شواطىء الكتابة والسينما والموسيقى والمسرح وغيرها من الفنون؟ ماذا يعني مثلاً أن يُصدر اليوم كاتب ومفكّر اميركي شهير كتابا يهاجم فيه السياسة الأميركية بشراسة، وأن تُطلق مغنية أميركية أقل ما يقال فيها إنها معبودة الجماهير أغنية تنتقد فيها أسلوب العيش الأميركي، وان يُنظَّم معرضٌ للوحات وملصقات وتجهيزات تعبّر عن الإعتراض على السياسة والمجتمع الأميركيين، وغيرها من الظواهر الأدبية والفنيّة ذات الدلالات الإحتجاجية أو الرفضية أو الهجائية؟ هذا داخل أميركا، أما خارجها، فإنّ تعابير "ثـقافة العداء" هذه باتت تتكاثر كالفطريات يوما بعد يوم، بدءا من فيلم "الأميركي الهادىء" للمخرج الأوسترالي فيليب نويس على سبيل المثال، وهو أُطلق لبضعة أشهر خلت ويستـند الى قصّة للكاتب البريطاني الراحل غراهام غرين، وصولا الى فيلم "دوغفيل" للمخرج الدانماركي اللامع لارس فون ترير، الذي عُرِض في مهرجان كــان أخيرا وأثار جدلا واسع النطاق، مرورا بمسرحية "جنون جورج دوبيا" لجاستن بوتشر التي تُعرض الآن على خشبة مسرح الفنون في لندن، أو مسرحية "كاوبوي الله الحزين" لأتيليو مادجولي التي يستضيفها، الآن أيضا، مسرح الكوميديا الايطالية في باريس، فضلاً عن عدد لا يحصى من المواقف والسلوكات والظواهر والمصطلحات التي تدلّ جميعها على تـفـشّي ثـقافة "الشيطان الأميركي" الى حدّ تحوّل هذه "موضة" شعبية كاسحة.

    ومع فرز أميركا عالمنا فئتين، أو تـقسيمها إياه ضفّتين، "مع وضدّ"، ماذا يعني في المقابل، أي عند الضفة "الأخرى"، ان يُصدر مفكّرون بارزون ــ ونقصد الأوروبيين منهم بعيداً عن دفاع الأميركيين "المبرَّر" عن بلادهم ــ كتباً مضادة تهاجم ظاهرة العداء "المرضي" لأميركا وتحلل جذورها وأسبابها وعواقبها، وفي طليعة هؤلاء الفرنسيان جان فرنسوا ريفيل وفيليب روجيه؟ وكم في موجة العداء العارمة تلك من الإنصاف والمنطق والمسوّغات الوجيهة مثلما يؤكّد الطرف الأول، وكم فيها من الهوس والنقمة و"الغيرة" حقاً، على ما يزعم الطرف الثاني؟





    مادونا وألبومها الغنائي: الحياة الأميركية.



    كولاجات فنية انتقادية.




    مشهد من مسرحية "جنون جورج دوبيا" لجاستن بوتشر.



    رد فتيات فريق "ديكسي تشيكس" على النعوت المهينة التي ألصقت بهن.


    كتاب "الأميركي الهادىء".



    المخرج الدانماركي لارس فون ترير.


    ... ومشهد من الفيلم.






    "إنّ الأوروبيين، لا الأميركيين، هم الذين جعلوا من القرن العشرين القرن الأكثر حلكة في التاريخ. فهم الذين تسببوا بالكارثتين اللتين لا مثيل لفظاعتهما، اي الحربين العالميتين. وهم الذين اخترعوا النظامين الأشد إجراما اللذين فُرضا يوماً على الجنس البشري، وهم الذين طبّقوهما. إن هذه لذرواتٌ في الشرّ والحماقة، ولقد أدركناها نحن الاوروبيين في غضون ما لا يزيد على ثلاثين عاما!".

    جان فرنسوا ريفيل، كاتب فرنسي

    من "هوس العداء لأميركا"

    "في وسعي القول إننا شنّينا حرباً لأننا كنّا في أمسّ الحاجة الى حرب. شنّينا حرباً لأننا أردنا تعزيز "أنا" الذكر الأبيض. فبعدما تعرّضت هيمنة هذا في ميدان الرياضة والعمل والمنزل للتدهور، رأى بوش أن الرجال الأميركيين البيض باتوا في حاجة ملحّة الى إثبات براعتهم في ميدان ما. أجل: الدوافع التي أدّت الى اتخاذ امّـتـنا خطوة تاريخية شديدة الأهمية لا تتجاوز ربما مقوّمات روحيّـة رئيسها جورج دبليو بوش. أما هذا الرجل الذي يقودنا، فقد يكون اصدق ما في وسعه التباهي به أنه كان يعرف كيف يستغل شراكته في امتلاك فريق بايسبول في تكساس لكي يجني من فوز هذا انتصارات له كحاكم".

    نورمان مايلر، كاتب اميركي

    من "لِمَ نحن في الحرب؟"

    ليس العداء الداخلي لأميركا بالظاهرة الجديدة، بل يمكن القول إنه بقِـدَم اميركا نفسها، اذا ما أخذنا في الإعتبار أنّ أولى ظواهره كانت اصطفاف ثلث الأميركيين الى جانب البريطانيين في أيام الثورة. لكنه يزداد اليوم قوّة ورسوخاً وتجليّاً في المحيط الدولي وفي اميركا بالذات، ويتخذ على بعض المستويات أشكالا شبه مرضيّة لا تؤدي الأصولية الإسلامية، على العكس من الإعتقاد السائد، سوى دورٍ محدود في خلقها وتسويقها وتعزيزها. ويرى الباحث الأميركي ستانلي كورتز أن العداء لأميركا بمثابة "دين" علماني عصري مهّدت له التيارات الايديولوجية المختلفة التي برزت في الستينات، وما سبقها من شيوعية وماركسية طبعا، وهي ايديولوجيات كانت تهدف في شكل رئيسي الى خلق نوع جديد من الشعور بالانتماء وبالتـفوّق الجماعي. ورغم أن من المبالغ طبعا وضع هذه النزعة في مصاف الأديان، إلا أنها تحمل عددا كبيرا من مقومات الأخيرة، بدءا من "الشيطان" الذي هو الولايات المتحدة تحديداً، وصولاً الى "القديسين" وهم المفكرون الأميركيون الذين على غرار نعوم تشومسكي وهاورد زين ونورمان مايلر وكثر آخرين، يدأبون في انتقاد بلدهم سياسةً ومجتمعاً وثقافةً على نحو عنيف يحاذي الإحتقار أحياناً.



    ترف ثقافي؟

    يؤكد محللو هذه الظاهرة القديمة ــ الجديدة أن أحد أبرز أسباب تصاعد حدّة الكره لأميركا يعود الى واقع أن وجودها واستمرارها ونجاحها تـدحض صحّة النظريات التي يؤيدها جزء مهمّ من المثقفين الغربيين، اليساريين منهم خصوصاً، وفي مقدّم هذه النظريات فـشل النظام الرأسمالي وعنصرية المجتمع الأميركي. وبغية القبض على أكبر عدد ممكن من جوانب المسألة، يجب أن نميّز بين أربعة أشكال مختلفة من ثقافة العداء لأميركا: أولاً العداء الداخلي، اي الأميركي بامتياز، وهو الأغرب والأكثر غموضاً، ويتّهمه مستـنكروه بأنه ترف ثقافي يساري أو شعورٌ "نخبوي" بالذنب، يرغب من خلاله بعض اصحاب الإمتيازات "التكفير" عن امتيازاتهم، وتضم هذه الفئة بعض الممثلين والفنانين والمشاهير من امثال باربرا سترايسند وجيسيكا لانج وغور فيدال، فضلاً عن عدد كبير من المثقفين والأكاديميين الذين يرعون نشوءه في الأوساط الجامعية خصوصا، وهو عداء موجّه ضد الحكومة وبعض مقوّمات المجتمع الأميركي. ثانياً العداء الغربي، أي الأوروبي، الذي غالبا ما يتخّذ شكل الإزدراء الموجّه في شكل رئيسي ضد الشعب الأميركي، والذي تُعزى دوافعه في شكل مسطّح وتبسيطي الى "غيرة الأوروبيين وحسدهم"، أو على نحو مناقض تماما الى "فوقيتهم". ثالثاً، عداء العالم الثالث، وهو عداء "اقتصادي" في الدرجة الأولى، نابع من حقد المحرومين على الميسورين، والضعفاء على القوة العظمى الوحيدة اليوم في العالم، ويمثّل ردّ فعل على انعدام المساواة في توزيع الثروات وعلى الإمبريالية التجارية اللصيقَيْن بصورة الكيان الاميركي. ورابعا وأخيراً هناك عداء العالم الإسلامي، وهو عداء سياسي قومي ناتج من مشاعر القمع والاحباط والغضب حيال السياسة الأميركية الخارجية عموما، وتحيّز حكومة الولايات المتحدة المتزايد لاسرائيل خصوصاً.

    إزاء انتشار هذه الأشكال المتنوّعة من العداء لأميركا، ليس مستغربا تاليا أن تكون مجموعات من الناس في جميع أنحاء العالم قد "احتـفلت" غداة مأساة 11 ايلول بما حدث، على فظاعته، ولامت الضحية بدلا من ان تدين مرتكب الإعتداءات، ناهيك بدور العولمة الجوهري في تعميق الهوّة وتعزيز هذه الظاهرة التي يصفها البعض بـ "الأصولية الإنفعالية".



    لماذا تكرهوننا؟

    يقول الكاتب والأستاذ الجامعي الأميركي فيكتور هانسون: "الأميركيون وجدوا دواءً لشلل الاطفال والسلّ، واخترعوا لقاحا ضد مرض التهاب الكبد وطوّروا تقنيات المسح الشعاعي بواسطة الكومبيوتر والتصوير بالرنين المغنطيسي والعلاج الكيميائي الحديث. الأميركيون اخترعوا ألعاب الفيديو والانترنت والكومبيوتر وماكينات سحب المال والتلفزيون والطائرة واللايزر وآلة الفيديو، وعددا لا يُحصى من الإختراعات الأخرى التي جعلت حياتنا أفضل. فكيف يمكن أحداً ان يكره هذا كله؟".

    في ما يتعلّق بالفئة الأولى، اي فئة الأميركيين المعادين لأميركا، قد يكون من الصعب تقديم جواب محدّد وشامل عن هذا السؤال، اذ تراوح الأسباب بين الدوافع اليسارية المعروفة ورغبة بعض المجموعات في الدفاع عن قيم الفردانية والحرية والمساواة ولكن من دون اللجوء الى انتقاد ثـقافات أخرى لأن ذلك قد يبرهن عن موقف متعصّب، فكان الحل الأمثل بالنسبة اليهم انتقاد بلادهم، مروراً بجموعة كبيرة من المبرّرات الإنسانية والإقتصادية والسياسية الخاصة والعامة على حد سواء التي وجدت في العداء لـ"الوطن" موقفا موحِّدا جامعا يمثّلها. وجدير بالذكر أنّ انتقاد اميركا منتج محلي، بل "أهلي" في الدرجة الأولى، وأنّ اميركا نفسها هي التي غالباً ما صدّرت وتصدّر هذا العداء الى باقي انحاء العالم. ويتباهى الأميركيون بهذا الواقع في صفته اكبر إثبات على أصالة تقاليدهم الديموقراطية، رغم ان فسحة الحرية والاعتراض هذه شهدت انتهاكات خطيرة خلال الحرب الأخيرة على العراق اذ ان الاتهامات والتصنيفات واللوائح السريّة ذكّرتـنا الى حدّ ما بأيام الماكارثية السوداء.

    أما في ما يتعلّق بالفئة الثانية من "المبغضين"، وهم الاوروبيون خصوصاً، فيرى كثيرون أن تعبيرات العداء الداخلي لأميركا تشجّع الأجانب على المضي قدما في تجرؤهم وانتقاداتهم لهذا المجتمع الذي غالبا ما يصفونه بالعنيف والجاهل والمادي والعنصري والمتزمّت. ورغم أنه يحلو لبعض الأميركيين عزو أسباب هذا الكره الى الغيرة والحسد، ورغم اجتياح الثقافة واسلوب العيش الأميركيَيْن لأوروبا، إن على صعيد اللغة او الملابس أو الطعام أو الموسيقى أو غيرها من حِراب الغزو الثقافي والاجتماعي، مما قد يبرّر رد فعل "حمائياً" ورفضيّاً، الا أن من الواضح أن بواعث العداء في قارة عريقة كهذه أشدّ عمقاً وأبعد دلالة وأكثر قِدماً من دواعي "الغيرة" المحضة، ونذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر، عجرفة أميركا السياسية وتعملقها العسكري وعبادتها الدولار وعدم احترامها المؤسسات الدولية وماكيافيليتها التجارية وتدخلها في شؤون البلدان الأخرى وتراجع صفتها الإنسانية لمصلحة التطورات التكنولوجية...الخ. أما قادة تلك الحملات الإنتقادية فهم أولا المثقفون اليساريون الذين يركّزون كل طاقاتهم على مهاجمة الولايات المتحدة، علماً بأن مآخذ اليمين الأوروبي على هذا البلد الذي قال عنه ستاندال إنه "بلا موسيقى" وبودلير إنه "أبله" لا تقلّ أهميةً وحدّة عن تلك اليسارية. كذلك لا ينحصر الهجاء بالبلدان الأوروبية فحسب بل يتخطاها الى آسيا وافريقيا واميركا الجنوبية حيث ثمة في بعض البلدان كره عميق لأميركا. بل ان العداء منتشر في الجوار القريب أيضا، اذ كتبت مثلا الصحافية الكندية ليزيان غانيون في مقال حديث لها إنّ "جزءا كبيرا من النخبة في كندا معادٍ الآن لأميركا أكثر من اي وقت مضى"، مما يعيدنا الى ارتباط هذا العداء بالنخبة وبالمثقفين في شكل رئيسي.

    مما لا شك فيه أن أميركا تشكل هدفاً ممتازاً للوم والاستنكار في ما يتعلّق بالفئتين الأخيرتين، أي العالم الثالث والبلدان العربية والإسلامية. كيف لا ومنطقها الاقتصادي قائم على شريعة الغاب، اي على أن "القوي يلتهم الضعيف"، وسياستها الخارجية تشكو ثغراً فاضحة؟ كثيرة هي البلدان التي تلوم الولايات المتحدة على غطرستها وأنانيتها واكتفائها الذاتي وتحيّزها. إلا ان الكاتب سلمان رشدي يرى من جهته أن "العداء لأميركا أصبح ستاراً دخانياً مفيداً تستغله بعض الدول العربية والإسلامية لتحجب عيوبها الكثيرة، على غرار فسادها وانعدام كفايتها واضطهادها لشعوبها وركودها الاقتصادي والعلمي والثقافي. إنه دلالة على خبث هائل، اذ ان هؤلاء يكرهون أشد ما يرغبون فيه".



    إذهبوا الى السينما

    إذا رغبـنا أن نلقي نظرة شامـلة الى حدّ ما على تجليات ظاهرة الـ anti-amہricanisme على الأصعدة الثقافية، فلا بدّ أن نبدأ من السينما، ربما بسبب مرماها الواسع وتأثيرها المباشر والسريع. ونبدأ تحديداً بفيلم "الأميركي الهادىء"، الذي شاهدناه منذ وقت قريب في صالاتنا وكانت شركة ميراماكس قد أجّلت إنزاله الى السوق ما يزيد على سنة كاملة بسبب أحداث 11 ايلول، كونه يتمحور حول تدخّل الأميركيين الكارثيّ في سياسة بلد آخر (فيتـنام)، ويحفل بانتقادات عنيفة للسياسة الأميركية وأجهزتها الإستخباراتية. والفيلم مرتكز كما ذكرنا على قصة للكاتب البريطاني الشهير غراهام غرين (1904-1991)، وكان الكتاب قد أثار ضجّة كبيرة حين صدر عام 1955 وأجمع النقّاد الأميركيون آنذاك على مهاجمته، الى حدّ وصف البعض له بقنبلة مثيرة للغثيان وبمجموعة من الكليشيهات الخاطئة. وكانت نسخة أولى من الفيلم صُـنعت عام 1958، ولكنها حرّفت مضمون الكتاب وطمست كل المعالم المعادية لأميركا فيه على نحو يرضي الجمهور الأميركي.

    أما الفيلم الثاني الجديد وهو من بطولة الممثل البريطاني مايكل كاين، فأكثر اخلاصا لجوهر القصّة وأشد فضحا للسياسة الأميركية. وكان غرين معروفا بصداقته للزعيمين الكوبي فيدل كاسترو والنيكاراغوي دانيال اورتيغا، وبفوقيته حيال الأميركيين وسخريته منهم، كما كان لوقت قصير عضوا في الحزب الشيوعي. ورغم انّ عداءه لأميركا معتدل مقارنة بما تشهده أوروبا اليوم من تصعيد لهذه المشاعر بالذات، الا أن النسخة الثانية من الفيلم تُظهر بوضوح جذرية التحوّلات التي خضعت لها هذه الظاهرة في البلدان الأوروبية خلال الأعوام الخمسين الماضية. وجدير بالذكر أخيراً أن مكتب التحقيقات الفيديرالي دقّق مليّا في الفيلم قبل إطلاقه في الصالات الأميركية.



    القناع والوجه

    أما الدانماركي لارس فون ترير، الذي يعتبره كثيرون ألمع مخرج سينمائي اليوم، فقد قدّم في "دوغفيل" الذي شارك به في مهرجان كـان الأخير والذي عرضت محطة TV5 مقاطع طويلة منه وعقدت طاولة مستديرة حوله في الأسبوع الماضي، تحفةً حقيقية وإن لم يكن الفيلم في متناول كل المشاهدين بسبب طول مدّته (3 ساعات) وتقشّف ديكوره (خشبة مسرح معتمة وشبه خالية) وتقنية تصويره التجريبية (على غرار استخدام كاميرا يد مثلا).

    تقع بلدة دوغفيل، مثلما تخيّلها المخرج الذي لم يذهب قط الى الولايات المتحدة، في مكان ما من الغرب الأميركي. وفي احد الأيام تصل اليها صبيةٌ جميلة تدعى غريس (الممثلة الأوسترالية نيكول كيدمان)، هاربةً من رجال عصابات يريدون قتلها. فيتكفّل أحد شبّان البلدة إنقاذها ويقنع سائر السكان بحمايتها ومساعدتها. وفعلا، يحتضن هؤلاء الغريبة بطيبة ولطف، الا أنّهم يشرعون تدريجاً في مطالبتها بـ"مكافآت" لقاء طيبتهم هذه. هم يعتبرون أنفسهم أناسا فاضلين، لكنهم لا يترددون في الذهاب الى حد تحويل غريس خادمة وحتى عبدة جنسية لهم. وليس من الصعب أن نرصد هنا انتقادا واضحا للمثالية التي تتباهى بها أميركا والتي غالبا ما تحجب سعيها الدؤوب وراء مصالحها الشخصية. فون ترير يريد ان يقول إذاً إنّ السلطة مفسِدة وأن الإنسان يميل بطبيعته الى الشرّ وإن القيم الأميركية هي قناع فحسب، وفيلمه هذا، الذي يشكّل مزيجا خلاقا من الأدب والمسرح والسينما، هو الأول من ثلاثية ينوي تحقيقها في مراحل لاحقة عن الولايات المتحدة.



    "نصائح" المسرح و"جنونه"

    أما على صعيد المسرح، وفي بريطانيا تحديدا، حيث كان هذا المسرح يلام على انفصاله عن الشؤون العامة، فقد شهد تسييسا بارزا في المدة الأخيرة وخصوصا خلال الحرب على العراق وما بعدها، رغم دعم البلاد القاطع للحرب. فاستضاف مسرح البلاط الملكي مسرحية هجائية ساخرة لمارتين كريمب تحت عنوان "نصائح الى النساء العراقيات"، يوجه فيها الممثلون نصائح الى المرأة العراقية حول تفاصيل الحياة اليومية العصرية على غرار استخدام المايكروويف وتصفيف الشعر والعناية بالبشرة، بغية إظهار الهوة التي تفصل بين عالم المرأة الغربية وعالمها، والتفاوت بين الإثنتين في حجم الهموم ونوعها.

    في المسرح نفسه قراءات شعرية لطوني هاريسون، في حين خصص المسرح الوطني أيام الجمعة لسلسلة تدعى "أضرار جانبية" يعبّر من خلالها عدد كبير من المثقفين والفنانين، ومنهم جودي دنش وباتريك ماربر، عن اعتراضهم على السياسة الأميركية والبريطانية.

    الا ان الانجاز المسرحي البريطاني الحقيقي على هذا المستوى يتمثّل من دون شك في مسرحية "جنون جورج دوبيا" لجاستن بوتشر، وهي مزيج من الكوميديا الساخرة والجدلية الشديدة اللهجة ضد الولايات المتحدة، وتتداخل فيها النكات والأغاني مع خطاب حماسي للسفير العراقي (يمثله روبرت مايسون) حول استغلال بريطانيا واميركا لبلاده. وتدور القصة على حلم لجورج بوش يتحول كابوساً إذ يطلق هذا من طريق الخطأ مجموعةً من الصواريخ النووية فيتورط في حرب عالمية مرعبة وتخرج العملية عن السيطرة. وهدف المسرحية الأساسي تسخيف الرئيس الأميركي والهزء به.

    من جهة اخرى، ما زالت مسرحية "جورج دبليو بوش او كاوبوي الله الحزين" لمدير الكوميديا الايطالية في باريس اتيليو مادجولي، تشهد نجاحا باهرا رغم حادثة الاعتداء التي تعرّض لها مادجولي في الرابع من ايار على ايدي بعض الذين لم يستسيغوا مسرحيته. وهي تذكّر بالمسرح السياسي الايطالي الذي طغى في السبعينات وتتركز حول طفل يحرّكه إله الدولار - هو جورج دبليو طبعا - وتتناول كل الموضوعات المرتبطة بأميركا وصورتها، بما فيها مونيكا لوينسكي وطوني بلير وحتى برلوسكوني المنهمك في "عدّ الاموال التي سرقها من الايطاليين". وجدير بالذكر أن أجزاء كبيرة من حوارات المسرحية مقتبسة في شكل شبه حرفي من خطب الرئيس الأميركي وتعليقاته. وتنطوي المسرحية على انتقادات ساخرة ضد بوش على غرار: "تنص الأسطورة الأميركية على أنه يمكن كل فتى أن يصبح رئيساً عندما يكبر، أما الواقع الآن فهو أن الفتى ليس مضطراً أن يكبر كي يصبح رئيساً!"، أو "كيف يمكن رجلاً بليد الذهن وخمولاً ومتعصباً ومدمن كحول سابقاً أن يدير أقوى أمة على الكوكب وأن يبرمج النظام العالمي الجديد؟ إنه لأمر يبعث على الذهول".



    مادونا مادونا

    ماذا عن الأغاني والموسيقى؟ إثر الجدال الذي أثاره تأخير صدور ألبوم "الحياة الأميركية" لنجمة البوب الأميركية مادونا، قرّرت هذه إطلاقه أخيرا في الأسواق بعدما كانت قد ارتأت تأجيل تسويقه خلال الحرب بسبب انتقاد أغنيته الرئيسية المجتمع والسياسة الأميركيَين، فتمكنّا من مشاهدة الفيديو كليب الذي يصوّر في ما يصوّر راقصين متعبين ببزات عسكرية وممثلا شبيها بجورج بوش يشعل سيكاره بواسطة قنبلة يدوية وغيرها من المشاهد المعبّرة. كذلك تمكنّا من الاستماع الى الأغنية التي تتمحور حول فكرة أن المال لا يشتري السعادة وتتحدّث عن "عيش الحلم الأميركي الذي هو محض وهم، ولا يشبه شيئا مما يبدو عليه". ومن الأغنية: "حاولتُ أن أكون الأسوأ/ حاولتُ أن أكون الأفضل/ حاولتُ أن أبقى في القمة/ وأن أؤدي الدور/ لكني الآن نسيتُ لِمَ فعلتُ ذلك كله/ لديَّ محامٍ ومدير أعمال/ ووكيل وطباخ/ وثلاث مربيات ومساعد/ وسائق وطائرة/ ومدرّب وخادم/ وحارس أو خمسة/ وجنيناتي ومصمم أزياء/ هل تعتقدون أني سعيدة؟/ هذه الحياة العصرية هل تناسبني حقاً؟/ حياتي الأميركية هذه ألستُ أدفع ثمنها غالياً؟".

    وكان كثر قد استغربوا قرار التأجيل وهذه "الحساسية" المفاجئة من جانب مادونا التي عوّدت الناس على الصدم والإستفزاز وعلى عدم إكتراثها بالرأي العام.

    أما في بريطانيا، قد تعرّض فريق "Dixie Chicks" الموسيقي الأميركي (وهو من تكساس تحديداً) لانتقادات عنيفة وأُطلقت على مغنّياته نعوت مهينة على غرار "الخائنات" و"عاهرات ديكسي" و"ملائكة صدّام" (إشارة الى مسلسل "ملائكة تشارلي "الشهير)، وامتنعت بعض المحطات الإذاعية البريطانية عن بثّ أغنياتهنّ، لا لشيء سوى لأنهن انتقدن الرئيس جورج بوش خلال إحدى حفلاتهنّ الموسيقية في لندن. أما الملاحظة التي تسببت لهنّ بكل هذه الويلات، فهي قول إحدى مغنيّات الفريق، ناتالي ماينز: "يخجلنا ان يكون رئيس الولايات المتحدة من تكساس مثلنا"!



    التوق الى الأمبراطورية

    ونصل الى الكتابة. مما لا شك فيه أن الكتب التي تتضمن انتقاد الأجانب لأميركا ومهاجمتهم إياها ليست بالظاهرة الجديدة، ويمكن حتى أن نعود في هذا الاطار الى كتاب "مارتن تشازلويت" (1843) للروائي البريطاني تشارلز ديكنز على سبيل المثال، وهو حافل بالتلميحات والمعاني المعادية لأميركا، وصولا الى منشورات الاصوليين الإسلاميين وغيرهم، ولائحة المؤلفات المشابهة اطول من ان ترد هنا. لكنّ ما يدعو الى الاستغراب، الى حدّ ما، عدم تأثير اعتداءات 11 ايلول لجهة التخفيف من حدّة الخطاب الإنتقادي أو العدائي لأميركا من جانب الكتّاب الأميركيين انفسهم. فاستمرّ باحثون ومفكّرون على غرار نعوم تشومسكي ونورمان مايلر في نشر أفكارهم الإنتقادية المتطرفة حول بلادهم.

    في كتابه الصادر حديثا تحت عنوان "لمَ نحن في الحرب؟"، يؤكّد نورمان مايلر أن مصلحة ادارة بوش في العراق لا تكمن حقا في النفط ولا في مياه دجلة والفرات، وأن الرئيس الأميركي لم يشنّ الحرب بإسم الأمن او حقوق الإنسان أو مكافحة الإرهاب مثلما يدّعي، بل توقا الى تحقيق طموحه الأكبر وهو "تشييد امبراطورية". ويرى أن زعم الحكومة الأميركية تصدير الديموقراطية الى اي بلد تختاره لا يؤدي سوى الى تشجيع الاستبداد محليا وعالميا على حد سواء، ويأسف لهيمنة نفوذ الشركات على السياسة والثقافة الأميركية. وفي الإطار نفسه، كان الباحثان مايكل هارت وانطونيو نيغري قد اصدرا عام 2000 عن مطابع هارفرد دراسة ضخمة تحت عنوان "الأمبراطورية" حول الكيان الرأسمالي، مرتكزين على فكرة ماركس حول انهيار الرأسمالية المحتوم، وهو كتاب حافل بالدلالات المعادية للنموذج الأميركي الطامح الى "الامبراطورية". وجدير بأن نذكّر ايضا هنا بكتاب بنجامين باربر "الجهاد في مواجهة عالم الماكدونالد" الذي شرح فيه الكاتب اسباب تمثيل أميركا ثقافة مادية واستهلاكية ونرجسية ولامبالية الا بمصالحها الخاصة، مما رسّخ مشاعر العداء حيالها على مرّ الزمن.

    نعود الى الحاضر والى نعوم تشومسكي الذي يصف بدوره اميركا بالأمبراطورية القاتلة التي تنافس المانيا النازية في الشرّ، ويؤكد ان مأساة 11 ايلول، على فظاعتها، لا تقارن بما ارتكبته الولايات المتحدة في انحاء مختلفة من العالم. ومما ورد في كتابه الصادر بعد 11 ايلول تحت عنوان "9-11" أن الولايات المتحدة "إحدى أكثر الأصوليات الدينية تطرّفا في العالم، لا على صعيد الدولة، بل على مستوى الثقافة الشعبية".



    كتب مضادة

    في الناحية المقابلة، وفي فرنسا تحديداً، تطالعنا كتبٌ مضادة على غرار "هوس العداء لأميركا" لجان فرنسوا ريفيل أو "العدو الأميركي" لفيليب روجيه، اللذين يستكشفان أسباب تركّز الانتقادات والكره على بلاد العم سام ويسعيان الى تبرير السياسة الخارجية الأميركية ويعتبران أن هذا العداء غالبا ما يشكل وسيلة لتقويض اسس الليبيرالية ولحجب الثغر السياسية التي يعانيها الاوروبيون او الأفارقة.

    بالاضافة الى الكتب، لا يتردد عدد من المثقفين البارزين في الإدلاء بتصريحات مثقلة بالعداء لأميركا، على غرار قول سوزان سونتاغ مثلا إن "الثقافة الأميركية ميتة وقامعة واستبدادية" وأنّ أميركا "تستحق ان يستولي العالم الثالث على كل ثرواتها"، في حين أكّدت أرونداتي روي أن بن لادن ما هو الا "شقيق بوش التوأم" وأن "ذنوب طالبان لا تقارن بجرائم التحالف ضد الإرهاب". أما روبرت فيسك فكتب في The Nation أن "الحروب التي تشنّها الولايات المتحدة لا علاقة لها على الإطلاق بكفاح الديموقراطية ضد الإرهاب".



    من يلعب بالنار...

    في موازاة هذه التعبيرات الثقافية، نشير ايضا الى معرض كان قد نُظّم في هيوستن في وقت سابق تحت عنوان "حروب سرّية" وضمّ مجموعة من اللوحات والتجهيزات والملصقات لفنانين أميركيين عبّروا عن معارضتهم للسياسة الأميركية او انتقادهم للمجتمع الأميركي. ونلفت الى أن عناصر من مكتب التحقيقات الفيديرالي زاروا المعرض سعيا الى تخويف أصحاب صالة العرض والفنانين المشاركين. ومن الضروري أن نشير الى واقع التصاق صورة أميركا بصورة جورج دبليو الى حد كبير في المرحلة الأخيرة، وهو تماثل انعكس سلبياً على الأمة الأميركية، بل يمكن القول حتى إن الولايات المتحدة وقعت على بعض المستويات "ضحية" صورة بوش الرديئة والمكروهة.

    ونذكر أخيرا على هامش هذا الموضوع، وعلى الصعيد الشعبي تحديدا، مقاطعة الناس في عدد كبير من الدول، وفي مقدّمها المانيا وسويسرا وروسيا والصين، للمنتجات الأميركية خلال الحرب والشعارات العنيفة التي رُفعت ضد اميركا خلال تظاهرات السلام، حتى في بلدان التحالف على غرار اسبانيا وبريطانيا، الى حد يدفعنا الى التساؤل عمّا اذا لم تكن الحرب على العراق قد امّنت ذريعة ملائمة اتاحت لفئات مختلفة من الناس من جميع الجنسيات التعبير عن كره بلدانهم - وقواعدها الشعبية خصوصا - لأميركا وحقدهم عليها سياسة ومجتمعا وثقافة ومؤسسات. ونسأل أخيرا: اترى استمرار اميركا في احتواء هذا العداء واستيعاب هذه الظاهرة دليل على مدى ديموقراطيتها وايمانها بالحرية حقا، ام انه اثبات خطير آخر لغطرسة قوةٍ عظمى تمضي في طريقها ومخططاتها غير آبهة بما يحوطها؟ الجواب ينتظرنا، لا محالة، في الغد القريب.





    --------------------------------------------------------------------------------



    PDF Edition (Arabic) | HTML Edition (Arabic) | Listen to An-Nahar | Ad Rates | naharpost | Classified Ads | Archives | Contact us | Feedback | About us | Main | Help


    --------------------------------------------------------------------------------




    Copyright © 2003 An-Nahar Newspaper s.a.l. All rights reserved.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de