|
اهلنا في درافور وسكة الندامة
|
مسارب الضي من يمشى طريق الندامة؟! الحاج وراق جاءوا باسم الدين، أقلية استولت على السلطة بالعنف، وكان طبيعياً أن تحافظ عليها بالعنف، فحطموا النقابات القائمة وأقاموا مكانها نقابات تحت الإبط وتحت الطلب، وحطموا مؤسسات المجتمع المدنى المستقلة ونصبوا بديلاً لها أخرى صورية وزائفة، أما الاحزاب فقد واجهت أقسى وأكفأ حملات الملاحقة والتضييق في التاريخ الحديث - سواء بالبطش أو التخريب أو لغم صفوفها بالوشاة ومزدوجى الولاء···
··· ثم تضافرت الضغوط الإقتصادية مع الضغوط السياسية لتهاجر نخبة البلاد السياسية والنقابية والثقافية، وبالنتيجة تمت (تهدئة البلاد)، ونظر المصممون إلى بنائهم برضى وزهو (·· قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً) ! ولكن···· عند إكتمال الزهو بالمكر تبرز دينونة مكر التاريخ:
نشأ بالقهر فراغ سياسى موحش، وطبيعة العمران السياسى أنه لايقبل الفراغ، فتقدمت لملئه ذات الأجهزة التى أوكل إليها إحداثه، وقد تضخمت واستقوت بضرورات المهمة نفسها، وهكذا فإن المجتمع المعسكر لا يمكن إدارته بسياسيين أو شيوخ وانما ادارته من طبيعته - إدارته للعسكريين، هذه سنة التاريخ، وهى تتحقق مهما تأخرت، وتتحقق مهما تفنن الاشخاص في الدهاء والتخطيط والمكر!·· وهكذا دارت الدائرة - الأغلال التي حضرت لغل أيادى الآخرين إلتفت لتغل ذات الأيادى التى حضرتها، وحينها بدأ التفكير في حوائط الصد: إلتفتوا الى البرلمان فاكتشفوا بأن غالبه جاء بالاجماع السكوتى، ومن جاء بالسكوت يسكت دوماً (سكات الرضى) لمن له الشوكة! فإلتفتوا إلى المنظمات النقابية والجماهيرية فوجدوها وطيساً لا تميز فيه بين الماشى والغاشي والواشى! والتفتوا الى الأحزاب المعارضة الأخرى علها تكون نصيراً فوجدوا أن سكاكينهم الفعالة قد أسلمت غالبها إلى سكرات الموت! فما المخرج؟ تفتقت (العبقرية) عن العرق: فالجهويات والاعراق والقبائل هي وحدها التى ازدهرت في ركود الموات السياسى! إذاً فعلى العرق الرهان!
بالنسبة لعلى الحاج وخليل ابراهيم، ومن لف لفهما، ليست القضية قضية أو مظالم المناطق المهمشة، لأن هذه القضية لم تبرز بعد الرابع من رمضان، المظالم كانت قائمة منذ الاستقلال، وظلت قائمة طوال سلطتهم لعقد من الزمان، قائمة وهم يستحلبون ثدى الدولة المركزية الملعونة إمتيازات ومناصب ومغانم من جنس (خلوها مستورة)، اذاً فالقضية في جوهرها إنما هى فطامهم عن صدر السلطة الحنون الحلوب! وان الفم المتلهف للرضاع لايبالى أن يبكى أو يناغى، أو أن يلهج بالشعارات الرائجة!
لقد جربنا كثيراً الانسياق الأعمى خلف الشعارات الرائجة، وفي تجربة الإسلاميين انفسهم ما يغنى عن مزيد تجريب - اختطفوا شعار الإسلام فأى الوعود تحققت؟!! لقد تحول الحلم الى كابوس، وان أحسنا الظن في النوايا فإن قادتهم على الأقل لم يعرفوا - بل ولم يهتموا بمعرفة - المناهج المحددة والنظم والمؤسسات والوسائل الكفيلة بتحقيق الشعار على الأرض، والنتيجة ليست محل جدال، لأنها على كل حولت المصمم الى مستجير!
يا أهل دارفور: أياً تكن قضاياكم، وأياً تكن الوسائل التى تعتمدونها، - وإن كنت أفضل شخصياً العمل السياسى والجماهيرى بديلاً عن العنف، إلا أن هذا ليس هو الموضوع الرئيسى، ماهو رئيسى أن طريق على الحاج وخليل ابراهيم لن يفضي إلاّ إلى إختطاف قضاياكم والتنكب بها في طريق أخذ فرصته كاملة للتجريب وفشل، وليس هناك مايشير أبداً إلى أن القائمين عليه قد استنتجوا الدروس الصحيحة من الفشل - درس الديمقراطية وحقوق الإنسان وعدم اختصار الطريق - ولذا فالنتيجة المخلصة ألا نمشى طريق الندامة، الطريق الذى حددته الحكمة الشعبية حين قالت: (من جرب المجرب حاقت به الندامة)!
|
|
|
|
|
|