سيرة العراب التكريتي وعشيرته المقدسة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-22-2024, 06:25 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2003م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-25-2003, 01:10 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20598

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
سيرة العراب التكريتي وعشيرته المقدسة





    الاحد 20 نيسان 2003



    --------------------------------------------------------------------------------






    بابل أم برج بابل؟

    الامتحان الأخير للمعارضة العراقية - عصام الخفاجي

    كمستقبل ألمانيا بعد هتلر- عبد الخالق حسين

    أهله أدرى بشعابه - فاروق يوسف

    سقط الديكتاتور صعد اليانكي: تهانينا - سلام عبود

    "المفكرة العراقية" لأمين الباشا المشهد المضاد - جمانة حداد

    مثقفون عرب جعلوه إلهاً - هاشم شفيق

    سقوط البلاط على شعرائه - شوقي بزيع

    بين الكابوس والحلم - عبد الرحمن الماجدي

    بصفتي كلباً - ريمون جبارة

    سيرة العرّاب التكريتي وعشيرته المقدسة - محمد الحجيري

    كان علينا نحن أن نطيحه - محمد علي الاتاسي

    رسالـة الى عبد الرحمن منيف المنام البغدادي - الياس خوري



    الدليل

    الملحق الثقافي

    سلامتك

    الاغتراب اللبناني


    --------------------------------------------------------------------------------

    الصفحة الرئيسية

    مساعدة




    ســـــيــرة الـعـرّاب الـتـكـريـتـي وعـشـيـرته الـمـقـــدســـــة

    مـحـمـد الـحـجـيـري



    في هاتين الصفحتين بورتريه عائلي مبسّط و"حميم" لصدام وولديه واقاربه وبعض حاشيته.





    غداة نهاية الحرب العراقية - الايرانية جاء الى قصر صدام سرب من الاطفال راحوا يلعبون ويمرحون في الباحة. حين سألهم صدام من أين أتيتم: قالوا: "من كوكب صدام". لكن من هو صدام وما هو كوكبه؟

    ربما علينا التأمل في علاقة صدام بالاطفال. فهي تبدو على قدر من الغرابة. الاطفال الذين قيل انهم فرحوا بصدام منتصراً، هم انفسهم وجدناهم غداة سقوط نظامه يرمون صوره في النهر، او يدوسونها في الشوارع وعلى وجوههم فرحة عارمة. لربما كان أحرقهم أو قطّع جثثهم لو انهم فعلوا ذلك في ظل حكمه.

    علينا القول ان صدام الذي يحب الاطفال في الصور، قد عاش طفولة اشبه بالجحيم. فهو ولد في قرية العوجا وكان ذلك عام .1937

    توفي أبوه حسين المجيد مبكراً، فاقترنت أمه الأرملة، صبحة طلفاح، بحسن ابرهيم الذي كره نجلها وظن ان الفلاحة أشد ملاءمة له من المدرسة، والسرقة أسهل من العمل، ويبدو ان حسن ابرهيم عالجه بالعنف، ويقال انه كان يفرّ الى الأزقة هارباً من عصا عمه الملبسة بالزفت فيصطدم بالأولاد هناك. واكتشف ان الناس ينادون عمه "حسن الكذاب" وحين سأله عن السبب، ذاق طعم العصا اكثر. وفي حقول الشوك كان يجلس وحده ويلاعب العقارب بقضيب طويل من الخيزران. يراقب العقارب وهي تتقاتل. يمشي حافياً حتى ان احدى الصحافيات روت ان الحياة في محيط تكريت في زمن طفولة صدام كانت صعبة. قلة من الناس كانت تملك احذية تنتعلها في المناسبات المهمة فقط. لم يكن غريباً ان يقطع فلاح اودية وجبالاً من قرية الى أخرى حافياً وحاملاً صباطه في يده، وحين يبلغ القرية التي يقصدها ينتعل الحذاء في مدخلها لكي يبدو مهماً. ويقال ان قرية طفولة صدام خليط بشري ليس بينهم اي رابط عشائري، وهم فقراء يسود فيهم الجهل ومنبوذون لدى اهل تكريت والمدن القريبة منها. كان أهل العوجا يمتهنون الاعمال الوضيعة ويحملون الأسلحة وتكثر فيهم اعمال الجرائم والسرقات. ورغم فقر مدينة تكريت، الا ان اهل العوجا كانوا يرون فيها رزقاً ومكسباً. زحف الكثير منهم اليها ولقبوا انفسهم بالتكارتة على كره من أهلها، كما فعل صدام واخوه برزان. هرب صدام من زوج امه الى خاله خير الله طلفاح الذي كان من صغار الوجهاء في تكريت، فأهداه مسدساً ورباه في كنفه. وكان للهدية هذه معناها في ما بعد. وبين اصدقاء طفولة صدام من نسب اليه مهارات يلزمها العنف، كالتحايل على عداد الكهرباء الحديثة الوفادة الى تكريت، واحداث تفجيرات قنابل خاصة تقتل السمك النهري الذي لا يلبث ان يطفو. ويعزى الى صدام الفتى كرهه الغناء لـ"ميوعته"، وابتعاده عن الفتيات، وعشقه للتزعم والشللية. لا شك ان اليتم الأبوي والعنف الذي مارسه عليه زوج امه واطفال الزقاق، وصولاً الى العيش في حقول الشوك، كانت كافية ليكون كالوحش، واكثر ميلاً الى العنف والقسوة. فيروي ابرهيم الزبيدي انه دخل ثانوية تكريت وكان صدام معه وكان ثمة مدرس كردي قوي البنية يتولاهم في الألعاب الرياضية، فيختار أحد التلاميذ ويلاكمه. مرةً اختار صدام واذاقه لكمات ووخزه في ظهره. وفي يوم استعار صدام فرساً وسلاحاً وذهب الى بيت المدرس كاكا عزيز ليلاً فطرق الباب فقام لفتحه أخوه فهزاد وما ان فتح حتى اطلق عليه النار وهرب بفرسه. اتهم كاكا عزيز صداماً فتوجهت الشرطة الى منزل ليلى طلفاح حيث صدام فوجدوه نائماً وليس معه سلاح ولا فرس وبعد فترة أخبر صدام الزبيدي انه هو الفاعل.

    دخل الصدام حزب البعث، وسريعاً ما ضُمَّ الى المكلفين اغتيال عبد الكريم قاسم، وقبل ذلك أدخل السجن مع خاله بتهمة قتلهما قريبهما الشيوعي الحاج سعدون. مشاركته في محاولة اغتيال قاسم رفعت من رصيده السياسي بسبب ما اكتنف العملية من اسطرة.

    هذه الحادثة عززت موقع صدام في حزبه، وانتقل الى القاهرة مع عشرات من بعثيي العراق، قرروا استكمال دراستهم هناك. روى انه طالع بضعة كتب عن سير العظماء وخصوصاً ستالين، واشيعت الأقاويل عن اصطدامه بالمخابرات المصرية. غير ان صدام اختصر عالمه في الحزب او الحزبيين العراقيين، وتزوج ساجدة خير الله طلفاح، وفي منتصف الستينات دخل السجن لاسباب سياسية. وفي 23 تموز 1966 وبعد عشرين شهراً من السجن، هرب بفعل تراخي نظام عبد الرحمن عارف وغضه النظر عن البعثيين. صدام الذي كوفىء قبلاً على محاولة اغتيال قاسم، كوفىء بعد هروبه من السجن باختياره اميناً مساعداً للقيادة القطرية، متفرغاً لبناء الميليشيا الحزبية حيث بدا واضحاً كيف كانوا يولون الولاء لصدام منذ البدء.

    منذ وصول الصدام الى السلطة بدأ يؤسس "جمهورية الخوف"، يعلق الجثث في الشوارع لتكون عبرة للآخرين، ويقتل من أجل القتل. فحين تولى السيطرة المطلقة على البلاد عام 1979 كان أول ما قام به اعدام منافسه في الحزب. ففي أحد الاجتماعات المسجلة على شريط فيديو، تمت قراءة العشرات من الاسماء بصوت مرتفع، وتم اقتيادهم ليُقتلوا على الفور أمام عيني قصي الذي كان حينها في العاشرة. المشهد المفارق هو بينما كان صدام يصرخ "اخرج اخرج" كان يجلس في الصف الأمامي كل من عزة ابرهيم وطه ياسين رمضان وطارق عزيز، وحين أعلن صدام انتهاء الاسماء الموجودة على القائمة، انفجر ثلاثتهم بالبكاء. وعلى المنوال نفسه تمكن صدام من ترويع جميع من حوله لكسب طاعتهم العمياء.

    ولم تكن حملات صدام الترويعية و"التطهيرية" الا مقدمة لحربه ضد ايران بزعم التمدد الاصولي، وفي هذه الحرب أهلك شعبه لعقد تقريباً. عشرات الألوف من القتلى من أجل لا شيء، سوى خدمة التوجيهات الاميركية. اضافة الى ذلك قتل الكثير من رجال الدين وهجّر النخبة الثقافية وليس هنا المجال لنقل التفاصيل، لكن ذكر بعض الحكايات قد يكون معبّراً عن مجمل الكوكب الصدامي.

    يروي صباح سلمان، السكرتير الصحافي الاسبق لصدام، ان التلفزيون العراقي أكثر ذات مرة اثناء الحرب مع ايران، من عرض فعاليات صدام، مما حدا به الى ايراد "نكتة" في اجتماع القيادة العامة للقوات المسلحة، في حضور وزير الاعلام، مفادها ان مواطناً تعرض تلفزيونه لعطل، عجز عن تصليحه الكثير من المصلحين، ثم علم بوجود مصلح ماهر. حمله اليه بعدما وعده بتصليح العطل مهما كان، وعندما حان موعد تسلم الجهاز لم يجد عليه سوى صورة صدام وقد لصقها على الشاشة الأمر الذي أثار غضبه مما دفع المصلح الى امتصاص غضبه قائلاً: ما الذي يثير حفيظتك، فالتلفزيون لا نجد فيه غير صورة صدام، وقد قمت بما يلزم بلصق صورته على الشاشة.

    وفي لقاء آخر لصدام تطرق عرضاً الى نزعة الشر الموجودة لدى بعض البشر، قال: "نحن ابناء قابيل الذي اجرم في حق اخيه". اعترف بأنه الابن الاصيل، فكثيراً ما كان يقتل معارضيه بمسدسه ويقطع جثثهم ويرسلها الى ذويهم. واشتهر بقتل الوزراء او حتى الضباط اثناء الاجتماع.



    الأخوان كورليوني

    لطالما شبّه البعض صورة النظام العراقي في مثلثه، الرئيس وولديه، بفيلم "العراب" الشهير للمخرج فرنسيس كوبولا. فاذا كان صدام يجسد شخصية دون كورليوني، فإن عدي، هو الابن الأكبر العنيف الطائش سانتينو، العصبي المزاج، القليل الصبر. أما قصي فهو مايكل، الأخ الأصغر، الأكثر هدوءاً، والأبرد، والأخطر في النهاية.

    كلا الرجلين، عدي وقصي، ولدا وترعرعا ضمن افظع أنواع الفسق والعنف. يقال انهما اعطيا قنابل غير قابلة للتفجر كألعاب، وقيل انهما رافقا صدام في رحلات الى غرف التعذيب. ادرك عدي منذ نعومة أظفاره انه قبل أي شيء، الابن الأكبر لحاكم صارم، وان عليه ان يواجه، ولو إلى حين استحقاق الخلافة، لكنه لم يكن يعرف على وجه اليقين كيفية ادارة اللعبة، يتكلم أكثر مما يستمع. يسرد الحكايات من دون أي منطق داخلي متماسك. وتنقل "نيوزويك" ان عدي استخدم موقعه في وصفه الابن الاول، لمحاولة التعويض عن قصوره الجنسي، فمنذ طفولته جعلته اسنانه الأمامية الناتئة يتكلم بلثغة، ومع انه تزوج مرتين الى خمس مرات اذ تختلف الروايات حول ذلك، الا انه لم ينتج ذرية. وقد سعى لاثبات رجولته بطرق أخرى. وهناك قصص عديدة حول خطفه النساء الجميلات من الشارع لاغتصابهن. ويروي لطيف يحيى، وهو منفي عراقي يدعي انه خدم سنوات عديدة كبديل من عدي، ان هذا الأخير بينما كان يتمشى في حديقة عامة عاين زوجين شابين، فنادى المرأة الشابة، لكن الزوجين واصلا المسير متظاهرين بعدم ملاحظته. ولدى احساسه بالإهانة امسك عدي المرأة من ذراعها بعنف واعلن: "انك جميلة جداً على مثل هذا الرجل البسيط". وتمتمت المرأة بأنها قد تزوجته في اليوم السابق فقط، وسحبها حراس عدي فوراً الى غرفة فندق حيث اغتصبها "الأخ الأكبر" بينما كان الحراس ينتظرون. وزوجها، الذي شتم عدي، اعدم بتهمة "شتم الرئيس".

    اغضب عدي والده عندما قتل في العام 1988 احد المقربين كمال حنا جوجو الذي كان من متذوقي طعامه. ويقال ان عدي كان غاضباً من جوجو لأنه كان وسيطاً بين صدام وطبيبة الأسنان سميرة شهبندر.

    عاقب صدام ابنه بأن أرسله الى سويسرا 40 يوماً، وسمح له بامتيازاته كرئيس للجنة الاولمبية العراقية. وكان عدي يدير سجناً تابعاً له في مقر اللجنة الاولمبية، حيث عرف بضربه للاعبي كرة القدم الذين يفوّتون فرصة تحقيق اهداف. ومنذ 1991 اظهر موهبة حقيقية في اللصوصية والابتزاز والرشوة.

    كان قصي أكثر سلطة من عدي ويتمتع بمقدار اكبر من الثقة لدى والده. تولى أجهزة أمنه، ولم يكن يحدث الكثير في عراق صدام من دون معرفة صدام او قصي به. وهذا سبب بقاء محاولة اغتيال عدي في 1996 لغزاً. في تلك الليلة كان عدي يقود سيارته من طراز بورش متجاوزاً مكاناً لبيع المثلجات في قطاع المنصور، وهو شارع للطبقة الراقية، فهاجمه مسلحون، فأصيب لكنه نجا بأعجوبة، لكن استعادته لعافيته كانت صعبة، ويقول احد المعنيين ان اول الاشياء التي فعلها عدي في المستشفى انه أمر حراسه الشخصيين بالخروج واحضار امرأة لفحص رجولته. وكان عدي يخجل من ان يرى نفسه على كرسي متحرك.

    يقول البعض ان صدام كان متردداً في ان يتصدى لابنه الاكبر بشكل اكثر وضوحاً لاسباب قبلية، لأن ذلك سيكون اعترافاً بفشله كأب، فهو سمح لعدي بالاعلام والرياضة ونقابة الصحافيين واتحاد الشباب والطلبة، وفي العام ،1999 وضع على رأس ميليشيات اطلق عليها اسم "فدائيو صدام" وهي قوة قمع حسنة التدريب والتشبيح، طويلة اليد، متفوقة التجهيز تضرب أشكال المعارضات، سواء داخل المؤسسة العسكرية او في المجتمع الأهلي. وتعاقب احياناً من خلال قطع اللسان والأذن. ورغم ذلك كان عدي يطلب موعداً لرؤية صدام، وعليه ان يترك حراسه في الخارج. في حين ان قصي كان يتمتع بإمكان الدخول بحرية يومياً لمشاهدة والده. يتسم بالثبات وكثيراً ما يحاول الظهور وكأنه أبو الهول، يعمل بهدوء، ويسكنه الهاجس الأمني. امتلك سلطات واسعة في استجواب السجناء السياسيين وحبسهم واعدامهم، وقد اصدر اوامر دورية في أواخر التسعينات باعدامات جماعية لاعداد من نزلاء السجون، في عمليات اطلق عليها اسم "تنظيف السجون".



    نادي القتلة

    يعتبر عدي وقصي ابرز الشخصيات في نادي القتلة الذي كان يتزعمه صدام قبل هروبه. تنقل الصحف عن مسؤول تعامل مباشرة مع العديد من كبار السفاحين الصداميين ان "جميع الاعضاء تم اختبارهم من صدام بطريقة او بأخرى، لم يكن لهم ان يستمروا لو لم يكونوا على قدر من الوحشية الى درجة ترضي صدام. وكلما زاد عدد الاشخاص الذين قتلوا على أيديهم زادت مصداقيتهم".

    المذابح التي ارتكبوها كانت هائلة ومرعبة والراعب اكثر هو طريقة تنفيذ المذبحة. ذكر البعض نقلاً عن الأخوين حسين كامل وصدام كامل، انه حين القي القبض على أحد افراد الحرس الجمهوري المسؤول عن التموين بتهمة سرقة الصابون اوائل التسعينات، حكمت عليه احدى المحاكم بالسجن اشهراً قليلة، لكن هذا لم يكن كافياً بالنسبة الى صدام، الذي اعلن "ان من يسرق من صدام سيخون صدام". ثم أمر يقتل الرجل، واجبر شقيقه، وهو من المساعدين المقربين، على حضور عملية الاعدام والابتسام خلال تنفيذه. كما ان طبيباً عراقياً حضر حفلة عشاء غير رسمية مع مسؤولين في الاستخبارات الاردنية وغيرهم، تم استدعاؤه الى بغداد للاشتباه في خيانته واكد مسؤولون اردنيون في ما بعد ان صدام دفع بالرجل الى الكلاب الجائعة التي التهمته في احدى مزارعه.

    كان حسين كامل يفاخر بالعقوبة التي انزلها بأحد معاونيه لأنه لم ينفذ مهمة اوكلها اليه في الوقت المحدد. قيل انه اجبره على شرب زجاجة من البنزين وقام باطلاق رصاصة حارقة على معدته، ويدعي حسين كامل الذي ربما بالغ في روايته ان الرجل انفجر. أما شقيقه صدام كامل فيفاخر (قبل ان يقتلا) بأنه ضرب أحد افراد الحرس الجمهوري الى ان خرج دماغه من أذنيه. الأخوان كامل من قبيلة صدام شأن علي حسن المجيد ابن عم صدام من طرف والده، وهو يشبه سيده في طول القامة ولون الشعر والذقن المربع. لكنه يفضل الطاعة على الحكم، ولا هدف له سوى ذلك من دون ان يأبه لمبدأ او قانون او شريعة. البعض الآخر ينظر اليه باعتباره افرازاً طبيعياً للنظام. لم يكن للمجيد أي دور سياسي قبل انقلاب عام .1968 كان مجرد نائب ضابط بدأ خدمته العسكرية في السبعينات في الحرب ضد الاكراد. وقد اقترن صعود هذا الرجل منذ 1971 باثبات كفاءته في تغيير الواقع الديموغرافي لمدينة كركوك بتهجير الاكراد والتركمان منها، ليصعد لاحقاً من خلال سلك الحماية مرافقاً شخصياً لحماد شهاب. ولم يكن يظهر للمجيد صوت، لا في الدولة ولا في الحزب. ظهر أول مرة خطيباً في اجتماع حزبي مطالباً بالموت للآخرين. فخلال محاكمة ما سمّي "مؤامرة محمد عايش"، كسر الصمت في القاعة مخاطباً صدام: ستبقى المؤامرات مستمرة من داخل الحزب ما دام عبد الخالق السامرائي على قيد الحياة. وكان رد "القاضي" صدام عليه: "خذها من هالشارب!".



    ابتسامة القاتل

    وفي عام 1983 كان علي حسن المجيد على موعد مع أهالي بلدة الدجيل التي زارها صدام في سياق جولة يقال انه تعرض خلالها لمحاولة اغتيال. كان رد المجيد على أهالي البلدة وحشياً اذ اشيع انه فتك بالعديد من سكانها. لم يكن المجيد سوى منفذ لجرائم ابادة عقائدية. في 20 حزيران عام 1987 اصدار اوامر لقادة الجيش بأن "يقوموا بعمليات قصف عشوائية لقتل أكبر عدد من الاشخاص الموجودين في المناطق المحظورة" وقد اسفرت هذه العمليات عن قتل او اختفاء 182 الف مواطن كردي. ولم يتوان عن استخدام الاسلحة الكيميائية ضد المدنيين في العشرات من المواقع، بما فيها مدينة حلبجة التي راح ضحيتها خمسة آلاف نسمة. وتولى المجيد منصب الحاكم العسكري للكويت بعد احتلالها وحصر اهتمامه الأساسي في ممارسة اعمال قمع وحشية، وهو ما تباهى به حين أشار بصورة لا تخلو من التهكم الى أنه "أخطأ أقل ما يمكن". وكان الى جانبه في تلك الفترة عزيز صالح النعمان، الذي كان المحافظ الثاني للكويت خلال الاحتلال. فتحت حكمه كان التعذيب على أشده، اذ اختفى مئات الكويتيين وأحرقت آبار النفط لاسباب انتقامية بحتة.

    ولم تقتصر جرائم علي الكيماوي على الاكراد والكويتيين بل شملت شيعة الجنوب، فهو الى جانب محمد حمزة الزبيدي وعزة الدوري وطه ياسين رمضان وعدي وقصي وغيرهم من القتلة، قام بقتل ما لا يحصى من المتمردين الشيعة. في الفيلم الوثائقي الذي عرضته محطات التلفزة رأينا علي الكيماوي كيف رافق عملية تمشيط دموية قام بها الحرس الجمهوري لمناطق سوق الشيوخ بعد فشل الانتفاضة. في الفيلم مجموعات من الناس ممددة على الارض وقد كبلت ايديهم الى الخلف وأغمضت عيونهم وبدت على وجوههم سحنة من الذعر والذهول في وقت ظهر الزبيدي وقد ارتسمت على محياه ابتسامة رضا النصر. واللافت في نادي القتلة الصدامي ان افراده يفاخرون بقسوتهم، بل يحرصون على توثيق جرائمهم بأشرطة الفيديو.

    وفي عام ،1995 قاربت هرمية الحكم الصدامي التضعضع والتفكك بعد هرب صهري صدام، الأخوين كامل، من العراق ولجوئهما الى الاردن. وكانت الحادثة نذير شؤم بالنسبة الى علي حسن المجيد الذي تربطه بهما علاقة قرابة (عمهما)، فسادت في أوساط آل المجيد موجة من الذعر لكن الكيماوي سارع الى استدراج الهاربين الى البلاد، وقاد عملية الاجهاز عليهما لاحقاً فقتلهما مع والدهما (اخوه الشقيق) وافراد آخرين من العائلة. وحدث ان المجيد، الذي لا يعرف وسيلة غير العنف الأعمى وسيلة لاثبات وفائه للقائد الملهم، ان سبق الحزب والدولة فجاء برسالة من أقطاب العشيرة الى الرئيس تعلن "البراءة من سارق الشعب وخائن الرسالة ومبادئ الحزب وثقة القائد وان دمه مهدور باجماع عائلته".

    وما ان انتهت هذه العملية بنجاح حتى اسبغ صدام على المجيد مسؤوليات جديدة. وكانت عملية قتل الأخوين كامل فرصة لعبيد حمود التكريتي المرافق الذي يقف خلف صدام بانضباط، فهو اختير عضواً في لجنة ثلاثية ضمته مع ابني صدام، اوكلت اليها مهمة تطهير شاملة للاشخاص غير الموالين للنظام سواء في المؤسسة العسكرية او اجهزة الدولة والحزب.



    جنرالات ودكاترة

    عبيد حمود نموذج للنظام العراقي المتهاوي، فهو أمين سر صدام وذراعه بل أكثر من ذلك. منح صلاحيات رئيس وزراء فعلي، بعدما وضع الرئيس على كتفه رتبة فريق من دون ان ينتسب، ولو شكلياً، الى كلية عسكرية، ومنح شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية، وهو لا يحمل سوى شهادة الدراسة الابتدائية. وليس اختيار صدام لحارسه الشخصي على هذه الشاكلة الا لكونه يضع صلة الدم أعلى من العقيدة ومنطق العشيرة أعلى من منطق الدولة.

    يشكل عبيد حمود التكريتي النموذج الصافي لاعضاء نادي القتلة الصدامي، الآتين من الواقع الريفي المدقع والجالسين في المناصب الحساسة. فعزة ابرهيم الدوري، كان بائع ثلج متجولاً وذا تعليم ابتدائي. مع صدام حسين صار نائباً للرئيس الى جانب مناصب أخرى. طه ياسين رمضان لعب العامل الاقتصادي دوره ايضاً في انقطاعه عن الدراسة، وهو لم يكمل المرحلة المتوسطة من التعليم فانخرط سريعاً في السلك العسكري الذي كان، آنذاك، يمثل، بالنسبة الى الفئات الفقيرة من الشعب، مهنة تقدم فرصاً لتسلق الهرم الاجتماعي، وتضمن حدوداً معقولة للعيش.

    تولى مناصب وزارية وامنية وقيادية. لم يكن علي حسن المجيد سوى ضابط مغمور تحول الى لواء ولم يكمل الدراسة المتوسطة، وعانى محمد الزبيدي (الذي ساهم في قمع الانتفاضة الشيعية) من أعباء الدراسة فترك مقاعدها وهو لم يكمل بعد المرحلة المتوسطة. وفي العاصمة العراقية عانى الزبيدي شظف العيش قبل ان يجد وظيفة كانت في احد المستوصفات الحكومية. بيد ان الحال لم تدم طويلاً على هذا النحو فما ان قفز حزب البعث العربي الاشتراكي (!) الى السلطة في 17 تموز 1968 حتى تفرغ الزبيدي للعمل البعثي، وأتقن اللعبة الوصولية.

    أما طارق عزيز فدرس الادب الانكليزي في جامعة بغداد رغم فقر عائلته، وانخرط في التعليم، والتحق بالبعث الصدامي. وهناك ناجي صبري الحديثي الآتي من بلدة حديثة التابعة لمحافظة الرمادي، المدينة التي افرزت حضوراً مكثفاً لابنائها في بنية الحكم منذ عام ،1959 اذ تجلى ميل سكانها، في الغالب، للانتماء الى حركات ذات نزعة عروبية منها حزب البعث.

    وفي المعادلة كان المتعلم سعدون حمادي سجين التركيبة التي ساهم هو شخصياً في خلقها. والمفارقة المرعبة ان اعضاء نادي القتلة يرضون بما يصيب أسرهم، للبقاء في خدمة الصدام. فعلي الكيماوي قتل الأخوين كامل وهما ولدا شقيقه ليلقى رضا القائد، ويعلم الجميع عن ناجي صبري الحديثي انه في العام الذي شهد وصول صدام الى قمة السلطة، تناقلت الانباء اخبار اعدام شقيقه محمد صبري الذي كان وكيلاً لوزير الخارجية بتهمة المشاركة في محاولة انقلابية، واعتقل شقيقه الآخر شكري صبري احد كوادر البعث في الستينات وخرج من السجن الى القبر، اضافة الى ابن عمه كردي سعيد عبد الباقي الذي شغل موقع امين سر قيادة البعث والذي توفى وهو في غياهب السجن. وفي ظل هذه الظروف، كان ناجي صبري يدرك ان رقبته اصبحت مطلوبة ويشاع في هذا الصدد انه بعث برسالة يؤيد فيها "حكمة" القيادة الجديدة، ويدعوها للضرب "بأياد من حديد كل من تسول له نفسه" الخروج على "مبادئ الحزب والثورة". وبعد عودته الى بغداد عام ،1980 لم يشغل اي موقع سياسي وظل ينتظر الفرصة للوصول. ورغم ان علاقة صبري بصدام هي علاقة ولاء مطلق له، لكن الأخير ظل يستبعده من الاضطلاع بالمهام الحساسة التي يوكلها عادة الى افراد آخرين من دائرته القرابية والقبلية. أما هدى عماش وهي المرأة الوحيدة في القيادة، فيقال ان صدام قتل والدها لكن الابنة كانت تسبّح بآيات الطاعة لقاتل أبيها، وهي بغدادية كما قرأنا، في حين تبدو غالبية القيادة التي ذكرناها من الريف، او المدن الريفية. وكان المؤرخ علي الوردي يقول ان بغداد كانت دائماً مهددة من البدو الذين يفدون اليها من خارجها.

    بدت حمى البداوة في الحلقة الصدامية خلال الحرب الاميركية، حيث وجه صدام، نداء حض به "الاخوة شيوخ القبائل والعشائر التكريتية والأفخاذ والحمائل والسلف في عراق الجهاد الأغر" ودعا "العلج" التكريتي الى اصطياد "ارتال العدو" ونصب النداء "كل شيخ قبيلة وعشيرة وفخذ، بل كل عراقي غيور وعراقية ماجدة، ان يكون بيرق جهاد وعنواناً كبيراً". أفليس غريباً ان يسقط العراق بهذه السرعة؟ فقد كان بديهياً ان يسقط صدام ونظامه حتى لو كان يمتلك قمة الاسلحة التكنولوجية. فتقنية الاستبداد التي خلقها صدام في مجتمعه لا تستطيع ان تعمل سوى على قتل نفسها. التقنية لا تفكّر غالباً، لقد كرست التقنية الصدامية الاستبدادية التي حلمت بالأبهة الامبراطورية، منطق البداوة والدم والعنف الاسطوري والرجولة المتخيلة التي يعتز اصحابها بأنفسهم من غير ان يدركوا ما هي ذواتهم فلا يعترفون بما يصيب امتهم من هزائم. انهم ابناء "أمة" لا تعترف بهزائمها بل تكتنفها عقدة الارتياب والشك.

    ذهب غلاة الولايات المتحدة الاميركية الى القول ان الانتصار تحدد من خلال تهاوي الصنم التكريتي. الصورة تلك علامة انتصار بل أيقونة النهاية مثلما كان سقوط جدار برلين علامة الانتصار في الحرب الباردة ونهاية النفير الشيوعي. سقوط الصنم التكريتي ايقونة الجيش الاميركي.

    مشهد سقوط صنم الصدام علامة على ان الكثير من الشعوب لا تستطيع ان تسقط انظمتها المستبدة. وللمفارقة فان العراقيين حين ارادوا اسقاط التمثال في ساحة الفردوس، فشلوا في محاولتهم، اي استعملوا الحبل الذي لا يلبي الطلب في اقتلاع وحش حديدي صلب، واستعمل بعضهم المطرقة في تهديم المنصة لكن ذلك كان غير مجد. وما لبثت الدبابة الاميركية ان حققت الغرض فأسقطت التمثال.

    معنى سقوط التمثال يتجاوز العراق. فاحدى الدول المجاورة امتنعت صحفها (ولا عجب) عن وضع صور للتمثال وهو يسقط. هذه الصحف لا تحب صدام حسين وليست من انصاره، لكن في اسقاط التمثال تذكار لما في الدار، وخوف من ذلك، لأن الدول العربية تجعل رؤساءها كمثل آلهة.

    سقوط صنم صدام درس للآخرين. هو يوم الحرية للعراقيين بصرف النظر عن الغزو الاميركي والامور الأخرى. وكان العراقيون ينكتون، ان المشكلة ليست في سقوط صدام وانما في "لملمة" صوره وتماثيله وانصابه التي تملأ الفضاء العام. ولا ضرورة للكلام عن الانصاب والتماثيل الشهيرة في العراق. فهذا صار من باب التكرار غير المفيد. لكن علينا الكلام حول بعض الأمور الصغيرة في هذا المجال، اذ تنقل الصحف ان العراق يضم أكثر من 2380 من الانصاب والتماثيل والجداريات واللوحات الصدامية من البرونز والقماش والمرمر والشمع، المتنوعة الاشكال والألوان والمنتشرة في الساحات والميادين والشوارع في المدن والبلدان. يروي البعض ان امانة بغداد تضم "مديرية النصب والجداريات"، حيث العاملون فيها بالعشرات ويقولون عن دوائر الشرطة العراقية انها كانت تنشط دائماً في ملاحقة المعتدين على جداريات صدام وتماثيله وصوره، الى حد مرعب. فتقول احدى الروايات ان شاباً من البصرة قطع قبل عامين اذن احد تماثيل صدام "فتم قطع اذنيه في الحال تماماً". ويروى ان آخرين اعتقلوا بالمئات في مدينة الثورة بعدما عثرت الشرطة على شعار كتبه مجهول على جدارية لصدام، وفيه قال: "خلينا نشبع شوف منك قبل ما تشد الرحال"، وهي عبارة مأخوذة من اغنية شعبية عراقية متداولة في الملاهي الليلية في البصرة.

    هذا غيض من فيض من عبر التماثيل، ولا تختلف عنها القصور التي اظهرت التناقض في الحياة العراقية بين فرعون شيَّد القصور واحياء بائسة. القصص التي تحاك حول القصور تذكّرنا بزمن العبودية البائد.

    فلطالما اختار صدام ان تقام قصوره على ضفاف دجلة او البحيرات الطبيعية او الاصطناعية، فهو المولع بالمياه، والشغوف بالفن العمراني، بمثل شغفه بالشعر السيىء والرواية المبتذلة والانصاب الكيتشية. كان يريد ان يكون ضليعاً في كل شيء، كمثل الانبياء.

    الموضوع ليس هنا، بقدر ما يكمن في فخامة القصور التي ترسو على الجثث، فالكثير من المهندسين والفنانين من الذين عملوا في انشاء تلك القصور فقدوا ارواحهم وحرياتهم مع صعود بريقها.

    يذكر احد الشعراء العراقيين، ان مهندسة انتحرت في سجن النساء ببغداد، بعدما اعتقلت على الحدود الاردنية لأنها كانت تحمل من بين شهادات الخبرة وثيقة تقول انها عملت مع فريق انشاء احد القصور الرئاسية، ويروي الشاعر حادثة اخرى تتعلق ايضاً بقصور صدام، فقبل سنوات فر الى الاردن احد المهندسين ممن كانوا يعملون في القصور، لسبب مضحك ومبك في آن واحد. فخلال تصميمه درجات المدخل المؤدي الى باب احد القصور، أبدى صدام ملاحظة تتعلق بكون الدرجات مرتفعة بما لا يتناسب مع صحته عندما سيبلغ التسعين من العمر. فر هذا المهندس لأنه لم يستطع ان يتصور ان صدام سيبقى في السلطة لعقدين اضافيين.

    سقط الصدّام ولم يشبه احداً في سقوطه. طاغية بدوي تحكم بالسلطة. انه الاقرب الى صورة ابن لادن، فهذا ارهابي العدم وذاك طاغية العدم.





    --------------------------------------------------------------------------------



    PDF Edition (Arabic) | HTML Edition (Arabic) | Listen to An-Nahar | Ad Rates | naharpost | Classified Ads | Archives | Contact us | Feedback | About us | Main | Help


    --------------------------------------------------------------------------------




    Copyright © 2003 An-Nahar Newspaper s.a.l. All rights reserved.
                  

04-25-2003, 01:49 AM

Yassir Mahgoub
<aYassir Mahgoub
تاريخ التسجيل: 07-25-2002
مجموع المشاركات: 547

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سيرة العراب التكريتي وعشيرته المقدسة (Re: osama elkhawad)

    ســـــيــرة الـعـرّاب الـتـكـريـتـي وعـشـيـرته الـمـقـــدســـــة

    مـحـمـد الـحـجـيـري



    غداة نهاية الحرب العراقية - الايرانية جاء الى قصر صدام سرب من الاطفال راحوا يلعبون ويمرحون في الباحة. حين سألهم صدام من أين أتيتم: قالوا: "من كوكب صدام". لكن من هو صدام وما هو كوكبه؟

    ربما علينا التأمل في علاقة صدام بالاطفال. فهي تبدو على قدر من الغرابة. الاطفال الذين قيل انهم فرحوا بصدام منتصراً، هم انفسهم وجدناهم غداة سقوط نظامه يرمون صوره في النهر، او يدوسونها في الشوارع وعلى وجوههم فرحة عارمة. لربما كان أحرقهم أو قطّع جثثهم لو انهم فعلوا ذلك في ظل حكمه.

    علينا القول ان صدام الذي يحب الاطفال في الصور، قد عاش طفولة اشبه بالجحيم. فهو ولد في قرية العوجا وكان ذلك عام .1937

    توفي أبوه حسين المجيد مبكراً، فاقترنت أمه الأرملة، صبحة طلفاح، بحسن ابرهيم الذي كره نجلها وظن ان الفلاحة أشد ملاءمة له من المدرسة، والسرقة أسهل من العمل، ويبدو ان حسن ابرهيم عالجه بالعنف، ويقال انه كان يفرّ الى الأزقة هارباً من عصا عمه الملبسة بالزفت فيصطدم بالأولاد هناك. واكتشف ان الناس ينادون عمه "حسن الكذاب" وحين سأله عن السبب، ذاق طعم العصا اكثر. وفي حقول الشوك كان يجلس وحده ويلاعب العقارب بقضيب طويل من الخيزران. يراقب العقارب وهي تتقاتل. يمشي حافياً حتى ان احدى الصحافيات روت ان الحياة في محيط تكريت في زمن طفولة صدام كانت صعبة. قلة من الناس كانت تملك احذية تنتعلها في المناسبات المهمة فقط. لم يكن غريباً ان يقطع فلاح اودية وجبالاً من قرية الى أخرى حافياً وحاملاً صباطه في يده، وحين يبلغ القرية التي يقصدها ينتعل الحذاء في مدخلها لكي يبدو مهماً. ويقال ان قرية طفولة صدام خليط بشري ليس بينهم اي رابط عشائري، وهم فقراء يسود فيهم الجهل ومنبوذون لدى اهل تكريت والمدن القريبة منها. كان أهل العوجا يمتهنون الاعمال الوضيعة ويحملون الأسلحة وتكثر فيهم اعمال الجرائم والسرقات. ورغم فقر مدينة تكريت، الا ان اهل العوجا كانوا يرون فيها رزقاً ومكسباً. زحف الكثير منهم اليها ولقبوا انفسهم بالتكارتة على كره من أهلها، كما فعل صدام واخوه برزان. هرب صدام من زوج امه الى خاله خير الله طلفاح الذي كان من صغار الوجهاء في تكريت، فأهداه مسدساً ورباه في كنفه. وكان للهدية هذه معناها في ما بعد. وبين اصدقاء طفولة صدام من نسب اليه مهارات يلزمها العنف، كالتحايل على عداد الكهرباء الحديثة الوفادة الى تكريت، واحداث تفجيرات قنابل خاصة تقتل السمك النهري الذي لا يلبث ان يطفو. ويعزى الى صدام الفتى كرهه الغناء لـ"ميوعته"، وابتعاده عن الفتيات، وعشقه للتزعم والشللية. لا شك ان اليتم الأبوي والعنف الذي مارسه عليه زوج امه واطفال الزقاق، وصولاً الى العيش في حقول الشوك، كانت كافية ليكون كالوحش، واكثر ميلاً الى العنف والقسوة. فيروي ابرهيم الزبيدي انه دخل ثانوية تكريت وكان صدام معه وكان ثمة مدرس كردي قوي البنية يتولاهم في الألعاب الرياضية، فيختار أحد التلاميذ ويلاكمه. مرةً اختار صدام واذاقه لكمات ووخزه في ظهره. وفي يوم استعار صدام فرساً وسلاحاً وذهب الى بيت المدرس كاكا عزيز ليلاً فطرق الباب فقام لفتحه أخوه فهزاد وما ان فتح حتى اطلق عليه النار وهرب بفرسه. اتهم كاكا عزيز صداماً فتوجهت الشرطة الى منزل ليلى طلفاح حيث صدام فوجدوه نائماً وليس معه سلاح ولا فرس وبعد فترة أخبر صدام الزبيدي انه هو الفاعل.

    دخل الصدام حزب البعث، وسريعاً ما ضُمَّ الى المكلفين اغتيال عبد الكريم قاسم، وقبل ذلك أدخل السجن مع خاله بتهمة قتلهما قريبهما الشيوعي الحاج سعدون. مشاركته في محاولة اغتيال قاسم رفعت من رصيده السياسي بسبب ما اكتنف العملية من اسطرة.

    هذه الحادثة عززت موقع صدام في حزبه، وانتقل الى القاهرة مع عشرات من بعثيي العراق، قرروا استكمال دراستهم هناك. روى انه طالع بضعة كتب عن سير العظماء وخصوصاً ستالين، واشيعت الأقاويل عن اصطدامه بالمخابرات المصرية. غير ان صدام اختصر عالمه في الحزب او الحزبيين العراقيين، وتزوج ساجدة خير الله طلفاح، وفي منتصف الستينات دخل السجن لاسباب سياسية. وفي 23 تموز 1966 وبعد عشرين شهراً من السجن، هرب بفعل تراخي نظام عبد الرحمن عارف وغضه النظر عن البعثيين. صدام الذي كوفىء قبلاً على محاولة اغتيال قاسم، كوفىء بعد هروبه من السجن باختياره اميناً مساعداً للقيادة القطرية، متفرغاً لبناء الميليشيا الحزبية حيث بدا واضحاً كيف كانوا يولون الولاء لصدام منذ البدء.

    منذ وصول الصدام الى السلطة بدأ يؤسس "جمهورية الخوف"، يعلق الجثث في الشوارع لتكون عبرة للآخرين، ويقتل من أجل القتل. فحين تولى السيطرة المطلقة على البلاد عام 1979 كان أول ما قام به اعدام منافسه في الحزب. ففي أحد الاجتماعات المسجلة على شريط فيديو، تمت قراءة العشرات من الاسماء بصوت مرتفع، وتم اقتيادهم ليُقتلوا على الفور أمام عيني قصي الذي كان حينها في العاشرة. المشهد المفارق هو بينما كان صدام يصرخ "اخرج اخرج" كان يجلس في الصف الأمامي كل من عزة ابرهيم وطه ياسين رمضان وطارق عزيز، وحين أعلن صدام انتهاء الاسماء الموجودة على القائمة، انفجر ثلاثتهم بالبكاء. وعلى المنوال نفسه تمكن صدام من ترويع جميع من حوله لكسب طاعتهم العمياء.

    ولم تكن حملات صدام الترويعية و"التطهيرية" الا مقدمة لحربه ضد ايران بزعم التمدد الاصولي، وفي هذه الحرب أهلك شعبه لعقد تقريباً. عشرات الألوف من القتلى من أجل لا شيء، سوى خدمة التوجيهات الاميركية. اضافة الى ذلك قتل الكثير من رجال الدين وهجّر النخبة الثقافية وليس هنا المجال لنقل التفاصيل، لكن ذكر بعض الحكايات قد يكون معبّراً عن مجمل الكوكب الصدامي.

    يروي صباح سلمان، السكرتير الصحافي الاسبق لصدام، ان التلفزيون العراقي أكثر ذات مرة اثناء الحرب مع ايران، من عرض فعاليات صدام، مما حدا به الى ايراد "نكتة" في اجتماع القيادة العامة للقوات المسلحة، في حضور وزير الاعلام، مفادها ان مواطناً تعرض تلفزيونه لعطل، عجز عن تصليحه الكثير من المصلحين، ثم علم بوجود مصلح ماهر. حمله اليه بعدما وعده بتصليح العطل مهما كان، وعندما حان موعد تسلم الجهاز لم يجد عليه سوى صورة صدام وقد لصقها على الشاشة الأمر الذي أثار غضبه مما دفع المصلح الى امتصاص غضبه قائلاً: ما الذي يثير حفيظتك، فالتلفزيون لا نجد فيه غير صورة صدام، وقد قمت بما يلزم بلصق صورته على الشاشة.

    وفي لقاء آخر لصدام تطرق عرضاً الى نزعة الشر الموجودة لدى بعض البشر، قال: "نحن ابناء قابيل الذي اجرم في حق اخيه". اعترف بأنه الابن الاصيل، فكثيراً ما كان يقتل معارضيه بمسدسه ويقطع جثثهم ويرسلها الى ذويهم. واشتهر بقتل الوزراء او حتى الضباط اثناء الاجتماع.



    الأخوان كورليوني

    لطالما شبّه البعض صورة النظام العراقي في مثلثه، الرئيس وولديه، بفيلم "العراب" الشهير للمخرج فرنسيس كوبولا. فاذا كان صدام يجسد شخصية دون كورليوني، فإن عدي، هو الابن الأكبر العنيف الطائش سانتينو، العصبي المزاج، القليل الصبر. أما قصي فهو مايكل، الأخ الأصغر، الأكثر هدوءاً، والأبرد، والأخطر في النهاية.

    كلا الرجلين، عدي وقصي، ولدا وترعرعا ضمن افظع أنواع الفسق والعنف. يقال انهما اعطيا قنابل غير قابلة للتفجر كألعاب، وقيل انهما رافقا صدام في رحلات الى غرف التعذيب. ادرك عدي منذ نعومة أظفاره انه قبل أي شيء، الابن الأكبر لحاكم صارم، وان عليه ان يواجه، ولو إلى حين استحقاق الخلافة، لكنه لم يكن يعرف على وجه اليقين كيفية ادارة اللعبة، يتكلم أكثر مما يستمع. يسرد الحكايات من دون أي منطق داخلي متماسك. وتنقل "نيوزويك" ان عدي استخدم موقعه في وصفه الابن الاول، لمحاولة التعويض عن قصوره الجنسي، فمنذ طفولته جعلته اسنانه الأمامية الناتئة يتكلم بلثغة، ومع انه تزوج مرتين الى خمس مرات اذ تختلف الروايات حول ذلك، الا انه لم ينتج ذرية. وقد سعى لاثبات رجولته بطرق أخرى. وهناك قصص عديدة حول خطفه النساء الجميلات من الشارع لاغتصابهن. ويروي لطيف يحيى، وهو منفي عراقي يدعي انه خدم سنوات عديدة كبديل من عدي، ان هذا الأخير بينما كان يتمشى في حديقة عامة عاين زوجين شابين، فنادى المرأة الشابة، لكن الزوجين واصلا المسير متظاهرين بعدم ملاحظته. ولدى احساسه بالإهانة امسك عدي المرأة من ذراعها بعنف واعلن: "انك جميلة جداً على مثل هذا الرجل البسيط". وتمتمت المرأة بأنها قد تزوجته في اليوم السابق فقط، وسحبها حراس عدي فوراً الى غرفة فندق حيث اغتصبها "الأخ الأكبر" بينما كان الحراس ينتظرون. وزوجها، الذي شتم عدي، اعدم بتهمة "شتم الرئيس".

    اغضب عدي والده عندما قتل في العام 1988 احد المقربين كمال حنا جوجو الذي كان من متذوقي طعامه. ويقال ان عدي كان غاضباً من جوجو لأنه كان وسيطاً بين صدام وطبيبة الأسنان سميرة شهبندر.

    عاقب صدام ابنه بأن أرسله الى سويسرا 40 يوماً، وسمح له بامتيازاته كرئيس للجنة الاولمبية العراقية. وكان عدي يدير سجناً تابعاً له في مقر اللجنة الاولمبية، حيث عرف بضربه للاعبي كرة القدم الذين يفوّتون فرصة تحقيق اهداف. ومنذ 1991 اظهر موهبة حقيقية في اللصوصية والابتزاز والرشوة.

    كان قصي أكثر سلطة من عدي ويتمتع بمقدار اكبر من الثقة لدى والده. تولى أجهزة أمنه، ولم يكن يحدث الكثير في عراق صدام من دون معرفة صدام او قصي به. وهذا سبب بقاء محاولة اغتيال عدي في 1996 لغزاً. في تلك الليلة كان عدي يقود سيارته من طراز بورش متجاوزاً مكاناً لبيع المثلجات في قطاع المنصور، وهو شارع للطبقة الراقية، فهاجمه مسلحون، فأصيب لكنه نجا بأعجوبة، لكن استعادته لعافيته كانت صعبة، ويقول احد المعنيين ان اول الاشياء التي فعلها عدي في المستشفى انه أمر حراسه الشخصيين بالخروج واحضار امرأة لفحص رجولته. وكان عدي يخجل من ان يرى نفسه على كرسي متحرك.

    يقول البعض ان صدام كان متردداً في ان يتصدى لابنه الاكبر بشكل اكثر وضوحاً لاسباب قبلية، لأن ذلك سيكون اعترافاً بفشله كأب، فهو سمح لعدي بالاعلام والرياضة ونقابة الصحافيين واتحاد الشباب والطلبة، وفي العام ،1999 وضع على رأس ميليشيات اطلق عليها اسم "فدائيو صدام" وهي قوة قمع حسنة التدريب والتشبيح، طويلة اليد، متفوقة التجهيز تضرب أشكال المعارضات، سواء داخل المؤسسة العسكرية او في المجتمع الأهلي. وتعاقب احياناً من خلال قطع اللسان والأذن. ورغم ذلك كان عدي يطلب موعداً لرؤية صدام، وعليه ان يترك حراسه في الخارج. في حين ان قصي كان يتمتع بإمكان الدخول بحرية يومياً لمشاهدة والده. يتسم بالثبات وكثيراً ما يحاول الظهور وكأنه أبو الهول، يعمل بهدوء، ويسكنه الهاجس الأمني. امتلك سلطات واسعة في استجواب السجناء السياسيين وحبسهم واعدامهم، وقد اصدر اوامر دورية في أواخر التسعينات باعدامات جماعية لاعداد من نزلاء السجون، في عمليات اطلق عليها اسم "تنظيف السجون".



    نادي القتلة

    يعتبر عدي وقصي ابرز الشخصيات في نادي القتلة الذي كان يتزعمه صدام قبل هروبه. تنقل الصحف عن مسؤول تعامل مباشرة مع العديد من كبار السفاحين الصداميين ان "جميع الاعضاء تم اختبارهم من صدام بطريقة او بأخرى، لم يكن لهم ان يستمروا لو لم يكونوا على قدر من الوحشية الى درجة ترضي صدام. وكلما زاد عدد الاشخاص الذين قتلوا على أيديهم زادت مصداقيتهم".

    المذابح التي ارتكبوها كانت هائلة ومرعبة والراعب اكثر هو طريقة تنفيذ المذبحة. ذكر البعض نقلاً عن الأخوين حسين كامل وصدام كامل، انه حين القي القبض على أحد افراد الحرس الجمهوري المسؤول عن التموين بتهمة سرقة الصابون اوائل التسعينات، حكمت عليه احدى المحاكم بالسجن اشهراً قليلة، لكن هذا لم يكن كافياً بالنسبة الى صدام، الذي اعلن "ان من يسرق من صدام سيخون صدام". ثم أمر يقتل الرجل، واجبر شقيقه، وهو من المساعدين المقربين، على حضور عملية الاعدام والابتسام خلال تنفيذه. كما ان طبيباً عراقياً حضر حفلة عشاء غير رسمية مع مسؤولين في الاستخبارات الاردنية وغيرهم، تم استدعاؤه الى بغداد للاشتباه في خيانته واكد مسؤولون اردنيون في ما بعد ان صدام دفع بالرجل الى الكلاب الجائعة التي التهمته في احدى مزارعه.

    كان حسين كامل يفاخر بالعقوبة التي انزلها بأحد معاونيه لأنه لم ينفذ مهمة اوكلها اليه في الوقت المحدد. قيل انه اجبره على شرب زجاجة من البنزين وقام باطلاق رصاصة حارقة على معدته، ويدعي حسين كامل الذي ربما بالغ في روايته ان الرجل انفجر. أما شقيقه صدام كامل فيفاخر (قبل ان يقتلا) بأنه ضرب أحد افراد الحرس الجمهوري الى ان خرج دماغه من أذنيه. الأخوان كامل من قبيلة صدام شأن علي حسن المجيد ابن عم صدام من طرف والده، وهو يشبه سيده في طول القامة ولون الشعر والذقن المربع. لكنه يفضل الطاعة على الحكم، ولا هدف له سوى ذلك من دون ان يأبه لمبدأ او قانون او شريعة. البعض الآخر ينظر اليه باعتباره افرازاً طبيعياً للنظام. لم يكن للمجيد أي دور سياسي قبل انقلاب عام .1968 كان مجرد نائب ضابط بدأ خدمته العسكرية في السبعينات في الحرب ضد الاكراد. وقد اقترن صعود هذا الرجل منذ 1971 باثبات كفاءته في تغيير الواقع الديموغرافي لمدينة كركوك بتهجير الاكراد والتركمان منها، ليصعد لاحقاً من خلال سلك الحماية مرافقاً شخصياً لحماد شهاب. ولم يكن يظهر للمجيد صوت، لا في الدولة ولا في الحزب. ظهر أول مرة خطيباً في اجتماع حزبي مطالباً بالموت للآخرين. فخلال محاكمة ما سمّي "مؤامرة محمد عايش"، كسر الصمت في القاعة مخاطباً صدام: ستبقى المؤامرات مستمرة من داخل الحزب ما دام عبد الخالق السامرائي على قيد الحياة. وكان رد "القاضي" صدام عليه: "خذها من هالشارب!".



    ابتسامة القاتل

    وفي عام 1983 كان علي حسن المجيد على موعد مع أهالي بلدة الدجيل التي زارها صدام في سياق جولة يقال انه تعرض خلالها لمحاولة اغتيال. كان رد المجيد على أهالي البلدة وحشياً اذ اشيع انه فتك بالعديد من سكانها. لم يكن المجيد سوى منفذ لجرائم ابادة عقائدية. في 20 حزيران عام 1987 اصدار اوامر لقادة الجيش بأن "يقوموا بعمليات قصف عشوائية لقتل أكبر عدد من الاشخاص الموجودين في المناطق المحظورة" وقد اسفرت هذه العمليات عن قتل او اختفاء 182 الف مواطن كردي. ولم يتوان عن استخدام الاسلحة الكيميائية ضد المدنيين في العشرات من المواقع، بما فيها مدينة حلبجة التي راح ضحيتها خمسة آلاف نسمة. وتولى المجيد منصب الحاكم العسكري للكويت بعد احتلالها وحصر اهتمامه الأساسي في ممارسة اعمال قمع وحشية، وهو ما تباهى به حين أشار بصورة لا تخلو من التهكم الى أنه "أخطأ أقل ما يمكن". وكان الى جانبه في تلك الفترة عزيز صالح النعمان، الذي كان المحافظ الثاني للكويت خلال الاحتلال. فتحت حكمه كان التعذيب على أشده، اذ اختفى مئات الكويتيين وأحرقت آبار النفط لاسباب انتقامية بحتة.

    ولم تقتصر جرائم علي الكيماوي على الاكراد والكويتيين بل شملت شيعة الجنوب، فهو الى جانب محمد حمزة الزبيدي وعزة الدوري وطه ياسين رمضان وعدي وقصي وغيرهم من القتلة، قام بقتل ما لا يحصى من المتمردين الشيعة. في الفيلم الوثائقي الذي عرضته محطات التلفزة رأينا علي الكيماوي كيف رافق عملية تمشيط دموية قام بها الحرس الجمهوري لمناطق سوق الشيوخ بعد فشل الانتفاضة. في الفيلم مجموعات من الناس ممددة على الارض وقد كبلت ايديهم الى الخلف وأغمضت عيونهم وبدت على وجوههم سحنة من الذعر والذهول في وقت ظهر الزبيدي وقد ارتسمت على محياه ابتسامة رضا النصر. واللافت في نادي القتلة الصدامي ان افراده يفاخرون بقسوتهم، بل يحرصون على توثيق جرائمهم بأشرطة الفيديو.

    وفي عام ،1995 قاربت هرمية الحكم الصدامي التضعضع والتفكك بعد هرب صهري صدام، الأخوين كامل، من العراق ولجوئهما الى الاردن. وكانت الحادثة نذير شؤم بالنسبة الى علي حسن المجيد الذي تربطه بهما علاقة قرابة (عمهما)، فسادت في أوساط آل المجيد موجة من الذعر لكن الكيماوي سارع الى استدراج الهاربين الى البلاد، وقاد عملية الاجهاز عليهما لاحقاً فقتلهما مع والدهما (اخوه الشقيق) وافراد آخرين من العائلة. وحدث ان المجيد، الذي لا يعرف وسيلة غير العنف الأعمى وسيلة لاثبات وفائه للقائد الملهم، ان سبق الحزب والدولة فجاء برسالة من أقطاب العشيرة الى الرئيس تعلن "البراءة من سارق الشعب وخائن الرسالة ومبادئ الحزب وثقة القائد وان دمه مهدور باجماع عائلته".

    وما ان انتهت هذه العملية بنجاح حتى اسبغ صدام على المجيد مسؤوليات جديدة. وكانت عملية قتل الأخوين كامل فرصة لعبيد حمود التكريتي المرافق الذي يقف خلف صدام بانضباط، فهو اختير عضواً في لجنة ثلاثية ضمته مع ابني صدام، اوكلت اليها مهمة تطهير شاملة للاشخاص غير الموالين للنظام سواء في المؤسسة العسكرية او اجهزة الدولة والحزب.



    جنرالات ودكاترة

    عبيد حمود نموذج للنظام العراقي المتهاوي، فهو أمين سر صدام وذراعه بل أكثر من ذلك. منح صلاحيات رئيس وزراء فعلي، بعدما وضع الرئيس على كتفه رتبة فريق من دون ان ينتسب، ولو شكلياً، الى كلية عسكرية، ومنح شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية، وهو لا يحمل سوى شهادة الدراسة الابتدائية. وليس اختيار صدام لحارسه الشخصي على هذه الشاكلة الا لكونه يضع صلة الدم أعلى من العقيدة ومنطق العشيرة أعلى من منطق الدولة.

    يشكل عبيد حمود التكريتي النموذج الصافي لاعضاء نادي القتلة الصدامي، الآتين من الواقع الريفي المدقع والجالسين في المناصب الحساسة. فعزة ابرهيم الدوري، كان بائع ثلج متجولاً وذا تعليم ابتدائي. مع صدام حسين صار نائباً للرئيس الى جانب مناصب أخرى. طه ياسين رمضان لعب العامل الاقتصادي دوره ايضاً في انقطاعه عن الدراسة، وهو لم يكمل المرحلة المتوسطة من التعليم فانخرط سريعاً في السلك العسكري الذي كان، آنذاك، يمثل، بالنسبة الى الفئات الفقيرة من الشعب، مهنة تقدم فرصاً لتسلق الهرم الاجتماعي، وتضمن حدوداً معقولة للعيش.

    تولى مناصب وزارية وامنية وقيادية. لم يكن علي حسن المجيد سوى ضابط مغمور تحول الى لواء ولم يكمل الدراسة المتوسطة، وعانى محمد الزبيدي (الذي ساهم في قمع الانتفاضة الشيعية) من أعباء الدراسة فترك مقاعدها وهو لم يكمل بعد المرحلة المتوسطة. وفي العاصمة العراقية عانى الزبيدي شظف العيش قبل ان يجد وظيفة كانت في احد المستوصفات الحكومية. بيد ان الحال لم تدم طويلاً على هذا النحو فما ان قفز حزب البعث العربي الاشتراكي (!) الى السلطة في 17 تموز 1968 حتى تفرغ الزبيدي للعمل البعثي، وأتقن اللعبة الوصولية.

    أما طارق عزيز فدرس الادب الانكليزي في جامعة بغداد رغم فقر عائلته، وانخرط في التعليم، والتحق بالبعث الصدامي. وهناك ناجي صبري الحديثي الآتي من بلدة حديثة التابعة لمحافظة الرمادي، المدينة التي افرزت حضوراً مكثفاً لابنائها في بنية الحكم منذ عام ،1959 اذ تجلى ميل سكانها، في الغالب، للانتماء الى حركات ذات نزعة عروبية منها حزب البعث.

    وفي المعادلة كان المتعلم سعدون حمادي سجين التركيبة التي ساهم هو شخصياً في خلقها. والمفارقة المرعبة ان اعضاء نادي القتلة يرضون بما يصيب أسرهم، للبقاء في خدمة الصدام. فعلي الكيماوي قتل الأخوين كامل وهما ولدا شقيقه ليلقى رضا القائد، ويعلم الجميع عن ناجي صبري الحديثي انه في العام الذي شهد وصول صدام الى قمة السلطة، تناقلت الانباء اخبار اعدام شقيقه محمد صبري الذي كان وكيلاً لوزير الخارجية بتهمة المشاركة في محاولة انقلابية، واعتقل شقيقه الآخر شكري صبري احد كوادر البعث في الستينات وخرج من السجن الى القبر، اضافة الى ابن عمه كردي سعيد عبد الباقي الذي شغل موقع امين سر قيادة البعث والذي توفى وهو في غياهب السجن. وفي ظل هذه الظروف، كان ناجي صبري يدرك ان رقبته اصبحت مطلوبة ويشاع في هذا الصدد انه بعث برسالة يؤيد فيها "حكمة" القيادة الجديدة، ويدعوها للضرب "بأياد من حديد كل من تسول له نفسه" الخروج على "مبادئ الحزب والثورة". وبعد عودته الى بغداد عام ،1980 لم يشغل اي موقع سياسي وظل ينتظر الفرصة للوصول. ورغم ان علاقة صبري بصدام هي علاقة ولاء مطلق له، لكن الأخير ظل يستبعده من الاضطلاع بالمهام الحساسة التي يوكلها عادة الى افراد آخرين من دائرته القرابية والقبلية. أما هدى عماش وهي المرأة الوحيدة في القيادة، فيقال ان صدام قتل والدها لكن الابنة كانت تسبّح بآيات الطاعة لقاتل أبيها، وهي بغدادية كما قرأنا، في حين تبدو غالبية القيادة التي ذكرناها من الريف، او المدن الريفية. وكان المؤرخ علي الوردي يقول ان بغداد كانت دائماً مهددة من البدو الذين يفدون اليها من خارجها.

    بدت حمى البداوة في الحلقة الصدامية خلال الحرب الاميركية، حيث وجه صدام، نداء حض به "الاخوة شيوخ القبائل والعشائر التكريتية والأفخاذ والحمائل والسلف في عراق الجهاد الأغر" ودعا "العلج" التكريتي الى اصطياد "ارتال العدو" ونصب النداء "كل شيخ قبيلة وعشيرة وفخذ، بل كل عراقي غيور وعراقية ماجدة، ان يكون بيرق جهاد وعنواناً كبيراً". أفليس غريباً ان يسقط العراق بهذه السرعة؟ فقد كان بديهياً ان يسقط صدام ونظامه حتى لو كان يمتلك قمة الاسلحة التكنولوجية. فتقنية الاستبداد التي خلقها صدام في مجتمعه لا تستطيع ان تعمل سوى على قتل نفسها. التقنية لا تفكّر غالباً، لقد كرست التقنية الصدامية الاستبدادية التي حلمت بالأبهة الامبراطورية، منطق البداوة والدم والعنف الاسطوري والرجولة المتخيلة التي يعتز اصحابها بأنفسهم من غير ان يدركوا ما هي ذواتهم فلا يعترفون بما يصيب امتهم من هزائم. انهم ابناء "أمة" لا تعترف بهزائمها بل تكتنفها عقدة الارتياب والشك.

    ذهب غلاة الولايات المتحدة الاميركية الى القول ان الانتصار تحدد من خلال تهاوي الصنم التكريتي. الصورة تلك علامة انتصار بل أيقونة النهاية مثلما كان سقوط جدار برلين علامة الانتصار في الحرب الباردة ونهاية النفير الشيوعي. سقوط الصنم التكريتي ايقونة الجيش الاميركي.

    مشهد سقوط صنم الصدام علامة على ان الكثير من الشعوب لا تستطيع ان تسقط انظمتها المستبدة. وللمفارقة فان العراقيين حين ارادوا اسقاط التمثال في ساحة الفردوس، فشلوا في محاولتهم، اي استعملوا الحبل الذي لا يلبي الطلب في اقتلاع وحش حديدي صلب، واستعمل بعضهم المطرقة في تهديم المنصة لكن ذلك كان غير مجد. وما لبثت الدبابة الاميركية ان حققت الغرض فأسقطت التمثال.

    معنى سقوط التمثال يتجاوز العراق. فاحدى الدول المجاورة امتنعت صحفها (ولا عجب) عن وضع صور للتمثال وهو يسقط. هذه الصحف لا تحب صدام حسين وليست من انصاره، لكن في اسقاط التمثال تذكار لما في الدار، وخوف من ذلك، لأن الدول العربية تجعل رؤساءها كمثل آلهة.

    سقوط صنم صدام درس للآخرين. هو يوم الحرية للعراقيين بصرف النظر عن الغزو الاميركي والامور الأخرى. وكان العراقيون ينكتون، ان المشكلة ليست في سقوط صدام وانما في "لملمة" صوره وتماثيله وانصابه التي تملأ الفضاء العام. ولا ضرورة للكلام عن الانصاب والتماثيل الشهيرة في العراق. فهذا صار من باب التكرار غير المفيد. لكن علينا الكلام حول بعض الأمور الصغيرة في هذا المجال، اذ تنقل الصحف ان العراق يضم أكثر من 2380 من الانصاب والتماثيل والجداريات واللوحات الصدامية من البرونز والقماش والمرمر والشمع، المتنوعة الاشكال والألوان والمنتشرة في الساحات والميادين والشوارع في المدن والبلدان. يروي البعض ان امانة بغداد تضم "مديرية النصب والجداريات"، حيث العاملون فيها بالعشرات ويقولون عن دوائر الشرطة العراقية انها كانت تنشط دائماً في ملاحقة المعتدين على جداريات صدام وتماثيله وصوره، الى حد مرعب. فتقول احدى الروايات ان شاباً من البصرة قطع قبل عامين اذن احد تماثيل صدام "فتم قطع اذنيه في الحال تماماً". ويروى ان آخرين اعتقلوا بالمئات في مدينة الثورة بعدما عثرت الشرطة على شعار كتبه مجهول على جدارية لصدام، وفيه قال: "خلينا نشبع شوف منك قبل ما تشد الرحال"، وهي عبارة مأخوذة من اغنية شعبية عراقية متداولة في الملاهي الليلية في البصرة.

    هذا غيض من فيض من عبر التماثيل، ولا تختلف عنها القصور التي اظهرت التناقض في الحياة العراقية بين فرعون شيَّد القصور واحياء بائسة. القصص التي تحاك حول القصور تذكّرنا بزمن العبودية البائد.

    فلطالما اختار صدام ان تقام قصوره على ضفاف دجلة او البحيرات الطبيعية او الاصطناعية، فهو المولع بالمياه، والشغوف بالفن العمراني، بمثل شغفه بالشعر السيىء والرواية المبتذلة والانصاب الكيتشية. كان يريد ان يكون ضليعاً في كل شيء، كمثل الانبياء.

    الموضوع ليس هنا، بقدر ما يكمن في فخامة القصور التي ترسو على الجثث، فالكثير من المهندسين والفنانين من الذين عملوا في انشاء تلك القصور فقدوا ارواحهم وحرياتهم مع صعود بريقها.

    يذكر احد الشعراء العراقيين، ان مهندسة انتحرت في سجن النساء ببغداد، بعدما اعتقلت على الحدود الاردنية لأنها كانت تحمل من بين شهادات الخبرة وثيقة تقول انها عملت مع فريق انشاء احد القصور الرئاسية، ويروي الشاعر حادثة اخرى تتعلق ايضاً بقصور صدام، فقبل سنوات فر الى الاردن احد المهندسين ممن كانوا يعملون في القصور، لسبب مضحك ومبك في آن واحد. فخلال تصميمه درجات المدخل المؤدي الى باب احد القصور، أبدى صدام ملاحظة تتعلق بكون الدرجات مرتفعة بما لا يتناسب مع صحته عندما سيبلغ التسعين من العمر. فر هذا المهندس لأنه لم يستطع ان يتصور ان صدام سيبقى في السلطة لعقدين اضافيين.

    سقط الصدّام ولم يشبه احداً في سقوطه. طاغية بدوي تحكم بالسلطة. انه الاقرب الى صورة ابن لادن، فهذا ارهابي العدم وذاك طاغية العدم.

    (عدل بواسطة Yassir Mahgoub on 04-25-2003, 01:55 AM)

                  

04-25-2003, 03:12 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20598

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سيرة العراب التكريتي وعشيرته المقدسة (Re: osama elkhawad)

    u r so nice yassir
    but u didnt show me how i can do that by myself.u r so generous.
    almashaa
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de