|
|
 قراءة تحليلية سياسية فى صعوبات التفاوض بين الحكومة السودانية والحركة (
|
Last Update 10 April, 2003 12:30:37 PM
قراءة تحليلية سياسية فى صعوبات التفاوض بين الحكومة السودانية والحركة (2)
جبال النوبه كنموذج للمناطق الثلاثه
امين زكريا اسماعيل/واشنطن
[email protected]
فى البدء نعتذر لقراءنا الكرام لهذا التأخير غير المقصود لمواصلة الجزء الثانى من هذا المقال, وقد أوضحنا فى مقالنا الاول عدد من النقاط المؤكده لصعوبات التفاوض وفقا لاختلاف الرؤى بين اطراف التفاوض فى العديد من القضايا, وسنفرد هنا بتناول مايسمى بالمناطق الثلاثه كما وعدناكم بالتركيز على جبال النوبه كنموذج ينطبق على المنطقتين الاخريين (النيل الازرق وابيى), ولعل تعثر مداخل التفاوض حول المناطق الثلاثه يؤكد ما اشرنا اليه فى مقالنا الاول بصوره عامه, ويمكننا ان نضيف بعض التفاصيل هنا:-
1- فقدان المناطق الثلاثه الثقه والمصداقيه فى حكومة الانقاذ نتيجة للكثير من الاعمال غير الانسانيه التى قامت بها فى تلك المناطق. فسكان تلك المناطق يتذكرون تلك المآسى بتفاصيلها وسنورد جزء منها فى المقال القادم. وبالمقابل فسكان تلك المناطق وتنظيماتهم السياسيه والاجتماعيه فى الداخل والخارج والمناطق المحرره قد فوضوا الحركه الشعبيه فى مؤتمراتهم لمناقشة قضيتهم عبر منبر الايقاد.
2- مفهوم الشمال والجنوب الذى تتمسك به الحكومه لم يكن مفهوما يقنع سكان تلك المناطق لانه مفهوم يفرض مبدا الوصايه القسريه ويفتقد الموضوعيه فى التقسيم الجغرافى والذى لا ينحصر على محورين فقط , كما ان طبيعة التفاوض بين الحكومه والحركه وليس على اساس المحاور الجغرافيه اى شمال وجنوب فالشمال فى مفهوم المناطق الثلاثه هو البقعه الجغرافيه التى تضم مابين 4-5% من مجموع سكان السودان.
3- الحكومه تنطلق من مبدأ تفكيك الحركه لتجد مخرج تبريرى من قانون سلام السودان والذى سيقدمه الرئيس الامريكى للكونغرس فى 21 أبريل القادم, وقد ورد فى اكثر من موقع فى فقرات هذا القانون اسماء المناطق بالتفصيل جنوب السودان , جبال النوبه, ابيى وجنوب النيل الازرق, وهذا يؤكد ان القانون يعالج قضايا هذه المناطق بصوره متكامله باعتبارهم اجزاء من الحركه وان هنالك ظلم وقع عليهم جميعا.
4- ابناء المناطق الثلاثه ينطلقون من القراءات التاريخيه لسياسات الحكومات فى تهميش تلك المناطق ونقض العهود والخداع وسنورد ذلك بالتفاصيل لاحقا.
5- الحكومه تحاول التمسك بكل ما تمتلك وتخطط لاستيعاب كل القوى المعارضه وخاصة غير الجنوبيه فى وعائها العام وذلك من خلال مواصلة القبضه الامنيه التفاوضيه وبالتالى تصر على عدم اعطاء حق تقرير المصير وفصل الدين عن الدوله والمشاركه فى السلطه واقتسام الثروه لسكان المناطق الثلاثه لان ذلك سيضعف من قوتها ويقود الى تفكيكيها بسهوله وفى نفس الوقت فان مجموعات المناطق الثلاثه متيقظه لما حدث فى اتفاقيات الخرطوم وفشوده والابيض فمات اروك طون واقتيل كاربينو كوانين وعاد رياك مشار وتعبان دينج الى الحركه وكون لام اكول حزبا وهنالك ايضا مجموعة محمد هارون لا تدرى ماذا تفعل, فما حدث لهؤلاء سيكون هو نفس مصير مصيدة المناطق الثلاثه.
6- الحكومه تصر على استخدام مفهوم الشمال لتواصل السيطره الاداريه والسياسيه والنقابيه، وسكان المناطق الثلاثه وغيرهم كدارفور والبجا يدركون ان كل رؤوساء التنظميات السياسيه الكبرى من الشمال الذى يمثل ما بين 4-5% من سكان السودان , وبعد رحيل المستعمر وسودنة الخدمه المدنيه حيث خصصت فى البدا 800 وظيفه شغل منها الشمال الذى يمثل 4-5% 788 وظيفه اى بنسبة 98,5% من اجمالى الوظائف وخصصت 5 وظائف للجنوب الذى يشكل نسبة 30% بواقع 62 و% من جملة الوظائف (أقل من واحد فى المئه) وبقية اهل السودان الذين يشكلون مبين 64-65% عدد 7 وظائف بنسة 88و% من جملة الوظائف (بمعنى اقل من واحد فى المئه) وهذا ينم عن هندسه مخططه مستمره الى يومنا هذا وبالتالى اصبحت الوظائف القياديه متوارثه وهى سبب صعوبات تعامل بعض ابناء المناطق المهمشه فى الحكومات وخاصة الجنوبيين الذى حظيوا بوظائف وصلت الى درجة نائب الرئيس ومساعدوه ولكن دون تاثير سياسى يذكر لان الجهاز التنفيذى فى تلك الوزارات محتكر لمجموعه محدده تقف عائقا فى تنفيذ سياسات الوزراء وبالتالى يحكم عليهم بالفشل , كما ان كل حكام السودان ورؤساء الوزارت منذ استغلال السودان الى يومنا هذا والبالغ عددهم 12 من نفس الشمال الضيق وكذلك معظم قيادات الجيش والشرطه ورؤساء النقابات ووكلاء الوزارت ورؤساء المصالح الحكوميه والشركات والبنوك ومعظم الوزراء والمحافظين ومدراء الجامعات الاساسيه ووكلائها والمستشارين وكذلك وظائف الخارجيه والقضائيه وشركات البترول والصحافه والاذاعه والتلفزيون ...الخ فلا تجد فيها من سكان تلك المناطق الا من وضع جرتقا للتجميل او بوقا للتطبيل او صورة للتضليل, ومع الاسف الشديد ان هذه الصوره الشائهه ظلت مستمره حتى فى الانظمه التى حكمت السودان باسم الديمقراطيه .
كل هذه الممارسات هى جزء من ممارسات كل الحكومات الا ان الحكومه الحاليه تسارعت بكشف القناع المستتر لكافة الانظمه فما حدث فى جبال النوبه قد لا يتصوره العقل ولكى نوضح التسلسل التدريجى لما حدث فى خلال العقدين السابقين فاننا نعود الى الوراء قليلا لاستقراء التاريخ على النحو الاتى:-
الاستعمار واثره على قضية النوبه:
ان كثير من مساوىء الاستعمار المعروفه لدى الجميع وجدت صدا تمثل فى عدد كبير من ثورات النوبه, فرغم طبيعة النوبه المتسامحه الا انه مجتمع شامخ لا يرضى الذل والهوان لذلك نجد ان كل ثورات النوبه هى ضد الذل والطغيان حيث قامت العديد من الثورات اشهرها ثورتى عجبنا والميراوى. ولكن كل الكتابات التاريخيه والسياسيه لم تشر الى ان هذه الثورات وقوتها وعزيمة اهلها اجبرت المستعمر الى تغيير طريقة تفكيره من معاداة النوبه كاحد سكان السودان الاصليين الى الاستفاده من قدراتهم الجسديه والذهنيه وتطويرها وتاهيلهم لحكم السودان مستقبلا, وهذا مايقودنا للاسباب والدواعى التى دعت الاستعمار الى تطبيق سياسة المناطق المقفوله 1922م, فهذه اليساسه لم تطبق للتخلف كما ذكرته المصادر البحثيه والتاريخيه العربيه ومؤرخو السودان ذو الانحياز الى تقافتهم والمؤرخين الاخرين مدفوعى الاجر لاسباب معروفه تبرر كذب التاريخ وترمى باللائمه على المستعمر ومازال ترديد هذا المنوال الى يومنا هذا ومن غرائب الامور انه اصبح مصدقا لدى الكثير من يدعون انفسهم بالنخبه المثقفه من ابناء النوبه (لمزيد من الاطلاع راجع دار الوثائق السودانيه), عموما كان ذاك الترويج الهدف الاساسى منه جعل الهوه بين سكان السودان الاصليين والمستعمر, حيث كان المستعمر يعتقد ان الفرق بينه والعنصر العربى فى السودان هو فرق زمن فقط بمعنى انهما الاثنين مستعمرين فمن هو الجدير بحكم السودان بعد خروج المستعمر؟ الاجابه هم سكان السودان الاصليين لذلك اغلقت مناطق جبال النوبه وجنوب السودان والانقسنا للاسباب الاتيه:
(1) ايقاف تجارة الرقيق التى كانت تمارس بواسطة العناصر بعض العناصر العربيه العنصريه الشماليه وجعل الدخول لهذه المناطق مشروطا وبوثيقة مرور.
(2) المحافظه على ثقافة تلك المجموعات الاصيله وابعادها من المد العربى الشمالى .
(3) تاهيل سكان تلك المناطق لحكم السودان بعد خروج المستعمر. لذلك بدات هذه السياسه فى فتح المدارس (رغم الحمله العربيه الاسلاميه التى روجت الى ان هذه المدارس هدفها تنصير النوبه وهو فى الواقع مجافى للحقيقه , وقد اثر ذلك فى كثير من ابناء النوبه وبعض القيادات الاهليه للنوبه ووقفوا ضدها, حيثوا استطاعوا تمرير المخطط العربى الداعى الى تجهيل النوبه بدون وعى مستقبلى), وبالاضافه الى المدارس فقد تم ارسال باحثين وخاصة الانثروبولوجيين لدراسة مجتمع النوبه من كل جوانبه ولقد اكدت ابحاثهم ان النوبه اكثر مجتمع قابل للتطور اذا اتيحت له الامكانات اللازمه (لذلك نجد ان كل اوجه تدمير النوبه من كل الحكومات الشماليه العربيه والاسلاميه حديثا بنيت على تلك الدراسات التى كانت فى متناول يدهم لان التطور المذكور يشمل جوانب الحياة المختلفه, اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا مما يهدد مصالحهم, بل استفادوا من تلك القدرات النوبيه فى تجنيدهم فقط), ولم يكتفى المستعمر فى سياساته تجاه السكان الاصيليين بتاهيلهم علميا ودراستهم انثروبولوجيا بل عمل على تاهيلهم عسكريا فعلى سبيل المثال لا الحصر الضباط على عبد اللطيف وعبد الفضيل الماظ. كل هذه التحركات كانت مفهومه لدى الكثير من عنصرىالعنصر العربى الشمالى وغائبه عن معظم العنصر الافريقى فى تلك المناطق, لذلك دبر عنصريو العنصر العربى الشمالى اول مخطط فى التاريخ الحديث لاحداث الفتنه بين السكان الاصليين والمستعمر وقد حدث ذلك بتحريض القاده العسكريين النابغين من المناطق المقفوله للقيام بثوره ضد الطغيان الا وهى ثورة 1924 رغما ماقيل وكتب عنها الا انها الحقيقه (ومازال هذا السناريو يتكرر الى يومنا هذا) , ولعل المتابع لكل الانظمه والحكومات العربيه والاسلاميه بجانب المؤرخين يجد ان مصطلح ثوره قوادها من تلك المناطق لم تسمى بثوره ماعدا ثورة 1924 فهى الوحيده التى كتب عنها المؤرخون العرب لانها كانت مدخل تباعد بين السكان الاصليين والمستعمر (فقدان الثقه) ومدخل تقارب العنصر العربى الشمالى من المستعمر (وفيما عدا هذه الثوره والى يومنا هذا فكل المحاولات الاخرى للعنصر العربى الشمالى ناجحه ام فاشله توصف بالثوريه وكل المحولات التى تتم بواسطة العنصر الافريقى تسمى بالجهويه والعنصريه والتمرد والخروج عن القانون والطابور الخامس ولم تنجو من ذلك حتى حركة حسن حسين رغم بعض ابعادها الاسلاميه والخليط العربى والافريقى فيها؟؟) والسبب وراء اطلاق مصطلح ثوره على ثورة 1924 هو انها وحسب فهم عنصريو العنصر العربى الشمالى انها خدمتهم وان نهايتها كانت معروفه مع الامبراطوريه التى لاتغيب عنها الشمس حينها. فكانت تلك الثوره المدفوعه اول مؤآمره عنصريه عربيه شماليه محبوكه ضد توحد السكان الاصليين فى القرن العشرين بل ادت الى انقراض عقول نيره كان بامكانها ان تحدث تغيرات جوهريه مستقبلا لصالح سكان تلك المناطق والسودان ككل.
وبعد تلك الثوره قلت اهتمامات المستعمر الى حد كبير فى طريقة التفكير فى بناء تلك المناطق وتاهيلها لحكم السودان مستقبلا, بالتالى بدا عنصريو العنصر العربى الشمالى فى التقرب من المستعمر وينشا تنظيمات تستبعد فى قياداتها سكان السودان الاصليين وخاصة النوبه فعلى سبيل المثال مؤتمر الخريجين فى الثلاثينات والمؤتمر الاشتشارى والجمعيه العموميه فى الاربعينيات ...الخ هى فى الواقع كيانات عربيه صفويه تخطط لمصلحة عنصريو العنصر العربى الشمالى المتحكم فى السلطه والثروه الى يومنا هذا. وقد لعبت هذه التنظيمات ادوارا غير سليمه فى كثير من المواقف المرتبطه بتقرير مصير او مشاركة السكان الاصليين بما فى ذلك مؤتمر جوبا فى عام 1947م وغيره وذلك بشق الصفوف بطرق مختلفه ومازالت تمارس الى يومنا هذا. ولم يكن التعجيل باعلان استقلال السودان من داخل البرلمان فى 19 ديسمبر 1955م الا محاولة فرض واقع على المستعمر الذى اعاد التفكير فى مد الفتره الاستعماريه وتحقيق المشاركه الفاعله لسكان السودان الاصليين.
والى اللقاء فى الحلقه القادمه.
امين زكريا اسماعيل
واشنطن- امريكا. 9 ابريل 2003م
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست