|
|
مقال للشاعر هاشم شفيق عن الديكتاتور صدام حسين
|
الاحد 20 نيسان 2003
--------------------------------------------------------------------------------
بابل أم برج بابل؟
الامتحان الأخير للمعارضة العراقية - عصام الخفاجي
كمستقبل ألمانيا بعد هتلر- عبد الخالق حسين
أهله أدرى بشعابه - فاروق يوسف
سقط الديكتاتور صعد اليانكي: تهانينا - سلام عبود
"المفكرة العراقية" لأمين الباشا المشهد المضاد - جمانة حداد
مثقفون عرب جعلوه إلهاً - هاشم شفيق
سقوط البلاط على شعرائه - شوقي بزيع
بين الكابوس والحلم - عبد الرحمن الماجدي
بصفتي كلباً - ريمون جبارة
سيرة العرّاب التكريتي وعشيرته المقدسة - محمد الحجيري
كان علينا نحن أن نطيحه - محمد علي الاتاسي
رسالـة الى عبد الرحمن منيف المنام البغدادي - الياس خوري
الدليل
الملحق الثقافي
سلامتك
الاغتراب اللبناني
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة الرئيسية
مساعدة
مـثـقـفـون عــرب جـعــلـوه إلـهــاً
هـاشـم شـفـيـق
لندن...
اهدرنا حبرا كثيرا وأحرقنا وقتا نادرا وسوّدنا ورقا لا يحصى ونحن نسوّق افكارنا ورؤانا ومشكلاتنا العراقية، منذ مجيء الزوبعة المعروفة بصدام حسين. زوبعة انتفخت بالاوهام والروح العشائرية، ثم خُلطت برمال العلمانية والشعارات القومية الشوفينية، والانفتاح على الاشتراكية الغامضة والوعيد بالتحوّلات المادية.
زوبعة زوبعت بحياتنا الرصينة - البسيطة، سينما ومقهى وكتاباً وحانة ومعرضاً تشكيلياً ومعزوفة موسيقية، أو عيشاً عادياً فوق أرض ريفية او مدينية، وقليلاً من حداثة ملكية، مع إندفاعة بناء جمهوري في ما تلى الملكية، وحبوراً واضحاً تجلى في هامش صحافي، ولكنه نعمة، وحرية تعبير لا تتعدى التابو، غير انها كانت بمثابة شهد لمن شهدها وذاقها في نهاية العقد الستيني قبل مجيء الطغام والوباء الذي احتل العراق واستوطنه بجميع منافذه الحياتية والمدنية تحت شعار الوحدة التي تبرر غزو بلد عربي، والحرية التي تخنق أنفاس أكثر من عشرين مليونا، والاشتراكية التي تمسي بيد عصابة تتكون من عائلة الحاكم وأعوانه تنتهب ثروات بلاد غنية وكبيرة، ثم تحوّل هذه البلاد المفجوعة بإرثها الانقلابي وقتلاها الذين تساقطوا فوق سكة الايديولوجيا واحتراباتها الى معسكر كبير يتدرب فيه الجميع على السلاح، في حين ان النخبة من القتلة تتعلم بالتدريج فنون التدمير وإبادة الآخر، ممن يقف دونهم ودون أيديولوجيتهم التي أدمت العراق ثلاثة عقود ونصف عقد.
بقدوم الزوبعة تزوبع الحلم، وتم الإنقضاض على نحو دراماتيكي على كل الأفكار والرؤى والخيالات والمرامي المستقبلية التي تمّت بصلة للحداثة، إن في السياسة أو في علم الاجتماع او في الخطط الاقتصادية والثقافية. زوبعة عصفت بالحداثة المدينية للشعب العراقي لتحل محلها الجلافة البدوية كبديل من عراق واسع ومتنوع بتضاريسه الجغرافية والقومية والمذهبية، لتضحي الخريطة كلها تحت تصرف الزوبعة: عراق صدام حسين. منذ الانهيار العاصف لبلاد عريقة لها عمق حضاري ضرب في بدايات الكينونة، دخل العراقيون في نفق معتم لا خلاص فيه أوصلهم دون إرادتهم الى ثلاث حروب، قدّموا خلالها الأبناء قرابين مع الذهب والمال خوفا من بطش الزوبع قلت في البدء، لقد أحرقنا وقتا لا نهاية له ونحن نتحدث عن المدى الإجرامي الذي ساد العراق منذ احتلاله على أيدي البرابرة وفق رسالتهم الخالدة بتدمير العراق التي نادوا بها في فترات غزواتهم في عام 1963 و1968 حتى وصلنا الى هذا الدرك الخطير الذي تمثل في هذه الحرب. تحدثنا وصوّتنا وكتبنا بيانات من أجل أن ينزل الطاغية من كرسيّه ويمضي مع بطانته من القتلة صحبة ملياراتهم المنهوبة من مال الشعب العراقي المقهور، ويهيم صوب المنفى، لكي يجنّب العراق وأهله هذه الحرب، ولكن كلماتنا ذهبت كسابقاتها أدراج هبوب الزوبعة.
الآن ماذا نفعل؟
والان ماذا نفعل نحن المثقفين والادباء والفنانين العراقيين؟ أظن ان دورنا سيستمر في نقد الخلل والإنحراف وكما كنا. لقد كتبنا مئات القصائد عن الحرب وشتمنا الكراهية، مثّلنا مسرحيات ورسمنا لوحات، وغنّينا للسلام والبساطة، غنّينا للحب والحداثة، وقمنا بإدانة القذارة والحقد والظلم الصادر من عمائق الأجلاف.
قبل قليل شاهدت أطفالا حفاة بثياب ممزقة في بلد يقال إنه مرتع الثروات وينابيع الذهب الاسود المطمور في أرضه. رأيت هؤلاء الأطفال العراقيين وهم يهرعون لمساعدة أجنبية قوامها الطعام والشراب. في هذه اللحظات الحزينة سقطت دمعة من قلبي واريتها خلسة لكيلا تراها ابنتي التي تقاسمني هذا المنظر على الشاشة المرئية. للأسف لقد صنع بعض المثقفين العرب من صدام حسين إلها ومنقذا وبديلا في غياب الناصرية. لقد كرسوه كإسطورة قومية - كونية. ان شاعرا كنزار قباني، وهو شاعر الحب والرقة، لم يجد وصفا امامه إلا ان يسبغ عليه الصفات الإلهية، قائلا حرفيا: "هو من قطّر اللون الأخضر في عينيّ". وكان عبد الوهاب البياتي رحمه الله يكيل الشتائم لأصدقائه الشعراء العرب، ويقول عنه: "هو الذي رأى كل شيء". اي انه الملك - الإله السومري جلجامش. الشاعر شفيق الكمالي، عضو القيادتين القطرية والقومية ووزير ثقافته، يمدحه بقصيدة تتغزل في شاربيه وعينيه علهما لا تريانه يقع في "النقطة السوداء" ولكنه وقع فيها وقتل شر قتلة. وعبد الرزاق عبد الواحد يتغزل بفحولته! وعربي آخر يعتبره "بسمارك العرب" الى آخر الصفات المجانية.
الى الجحيم
يقول الشاعر الانكليزي ت آس إليوت في أحد أبياته الشعرية الجميلة: "نيسان اقسى الشهور. حقا هذا الشهر هو نقطة تحوّل في حياة الطاغية أولا والعراقيين ثانيا والعالم ثالثا، لانه الشهر الذي ولدت فيه الزوبعة التي عرفت في ما بعد بصدام حسين، اي انه تهاوى في الشهر الذي حمله الى العراقيين ليكون رئيسا دمويا لهم دون إرادتهم ودون إنتخاب، إنما جاء على ظهر دبابة أميركية ومضى بفوهة دبابة أميركية. لقد أرعب العراقيين بقسوته الكلية وشغل العالم والسياسة الدولية وأمنها برعونته وقلة إنسانيته. شغل العالم بسلوكه الفاشي وحروبه وأسلحة دماره على مدى خمسة وثلاثين عاما. لقد ذهب الى الجحيم من دون ان يذرف عليه الحجر دمعة واحدة، وستذهب معه آلة التضليل الكبرى التي جنّدت سلسلة طويلة من الشعراء والمغنين والملحنين والمفكرين والعلماء وكاتبي السير والبحّاثة الذين دجلوا وارتزقوا وداسوا على ضمير شعبهم في تحليل ظاهرة نيسان وفي تعداد مناقبه. فهو المفكر والشاعر وكاتب الرواية وواضع القانون والمشرع ومفتي الديار والمؤدلج للنظرية كبديل من ميشال عفلق الذي وضعه تحت الإقامة الجبرية، وهو الناهي والآمر والمعبود من العامة كونه إلها عراقيا جديدا تمّت جذوره بصلة الى آل البيت، أو الى سرجون ونبوخذ نصر ومردوخ. حقا، كان قائدا ميثولوجيا حوّل العراق الى أطلال سومرية والعراقيين الى صعاليك وعيّارين ومكديين من العصر العباسي. وما حالة النهب وهذه الفوضى الشعبية إلا من أفضاله، لانه حرم الشعب العراقي طوال فترة حكمه المدمّر، الرفاه والأمن والطمأنينة. سلب أموالهم ليبني هو وأولاده الثروات والقصور. ولكن ها هي تعود اليهم في شهر نيسان الذي سوف لن يرى ويسمع فيه الجوامع والحسينيات والمدارس والجامعات والكنائس والدوائر الحكومية والمنازل والمقاهي والإذاعة والتلفزيون تسبّح باسمه في شهر نيسان، شهر تأسيس حزب البعث المقيت الذي سوف لن تتم فيه هذا العام صناعة أكبر قالب حلوى كان يُعدّ لزمرته وعشيرته. ولسوف لن يركب عربته الذهبية لأن قالب الحلوى هذا العام سليتهمه أطفال العراق الفقراء، وهم يستقلون العربة الذهبية في الثامن والعشرين من الشهر الجاري متجهين نحو مستقبل ليس فيه أثر للزوبعة. متجهين نحو عراق جديد.
اما نحن المثقفين العراقيين فينبغي لنا ان تبقى مهمتنا الأساسية سارية كما أسلفت، ألا وهي نقد الخلل والإنحراف ونقد مظاهر السلطة الجديدة والرئيس الجديد، وإعلاء شأن الغد الديموقراطي لتسيير مؤسساته المدنية كبديل من المجتمع العسكري، وإيلاء الحقوق الإنسانية الدرجة الأساس، ونبذ المظاهر الطائفية والمذهبية والمشاعر الشوفينية - القومية الضيقة وإشاعة روح التسامح والتعايش في أرض العراق، مولد سيدنا ابرهيم الخليل أبي الديانات التوحيدية الثلاث. وعلينا أيضا ألا ندع أي سياسي وزعيم يحتل حياتنا المقبلة بأصنامه وصوره وخطاباته، إذ عليه ان يبقى في حدود ما يسمح به الدستور من صلاحيات، من أجل أن يسود منطق العدل والقانون في عراقنا الجديد.
--------------------------------------------------------------------------------
PDF Edition (Arabic) | HTML Edition (Arabic) | Listen to An-Nahar | Ad Rates | naharpost | Classified Ads | Archives | Contact us | Feedback | About us | Main | Help
--------------------------------------------------------------------------------
Copyright © 2003 An-Nahar Newspaper s.a.l. All rights reserved.
|
|
 
|
|
|
|