|
|
|
Re: الشاعر والأديب السوداني د. عبدالله الطيب وشوينا السنبل النضر بصوتة (Re: سلفر)
|
اخوتي الأفاضل وجدت هذا الموضوع في جريدة الرياض السعودية عدد 30-7-2003 وأحببت أن أتيح لكم فرصة الاطلاع عليه لنتعرف على رؤية الأخرين لعامنا الراحل بيروت - مكتب "الرياض" - جهاد فاضل:
لم تثر وفاة الاديب والباحث والشاعر السوداني الكبير الدكتور عبدالله الطيب اصداء تذكر في الصحافة الادبية العربية، ان صح ان هناك صحافة ادبية عربية. فقد علمت بوفاته من خبر نشرته إحدى الجرائد اليومية ولم يكن في هذا الخبر ما يفي الرجل الكبير حقه. فالكثير من الصفحات الادبي يحررها عادة شبان ليس لهم نصيب وافر من الثقافة والادب والاطلاع على تاريخ الادب العربي قديمه وحديثه. وقد لا يكون هؤلاء الشبان قد سمعوا اصلاً بعبدالله الطيب الذي لم يكتب يوماً قصيدة نثر، ولم يتناولها يوماً بالاطراء والتمجيد. كما انه عاش سنواته التي ناهزت الثمانين دون ان يخوض المعارك مع الحداثة لا مؤيداً ولا معارضاً. ذلك انه انصرف الى انواع اخرى من الكتابات الجادة الرصينة التي نأت به عن ان يدلي بدلوه في مسائل الحداثة، والتجاوز والنص المفتوح والرواية الجديدة وما الى ذلك مما تخوض به الصحافة الادبية بدراية حينا، وبغير دراية في اغلب الأديان. فقد صرف عبدالله الطيب - علي سبيل المثال - خمسة وثلاثين سنة في كتابة كتاب ليس له بالفعل مثيل بين الكتب اسمه المرشد الي فهم اشعار العرب وصناعتها، صدر في اربعة اجزاء (آخرها صد ر عام 1990) واذهل الكثير من الدارسين وفي طليعتهم عميد الادب العربي الدكتور طه حسين، الذي وضع له مقدمة اثنى فيها أيما ثناء على جهد عبدالله الطيب وعلمه وخبرته. وكان عبدالله الطيب قد نال شهادة الدكتوراه في الآداب عام 1951، اي قبل اكثر من نصف قرن من اليوم عن "ابي العلاء المعري شاعراً". وله ديوان شعر عنوانه "سقط الزند الجديد" نحا فيه منحى المعري في سقط زنده. وله كتاب آخر عنوانه مع "ابي الطيب"، وكتب وابحاث كثيرة تتصل بتراثنا القديم. وهذا يعني ان هذا العالم الزاهد المنقطع للعلم انفق قسماً كبيراً من عمره في معايشة قمم التراث حتي استوى احد دارسيه الكبار المرموقين وأحد قممه على ان هذا لا يعني ان عبدالله الطيب مجرد باحث تقليدي في قضايا التراث، فهو لم يكن مثل هذا الباحث بدليل انه درس في لندن، كما درَّس في جامعاتها وهذا يعني ايضاً انه عاش ادب عصرنا، وتأثر به وانتفع منه. ومن قرأ كتبه وجد باحثاً يعي باقتدار موجبات البحث والباحث الحديثين. ولكن لان عبدالله الطيب كان مطلعاً اطلاعاً متيناً على تراثه العربي وعاشقاً كبيراً له، فقد تعامل مع المناهج النقدية والبحثية كافة على انها "ادوات" لا "غايات". ادوات في يد الباحث وفي خدمة الموضوع المبحوث فيه، ولم يصرف عمره في الدوران في عالم فريماس ورولان بارت وجاك دريدا كما يدور الدراويش في صفحات ال تصوف، او كما يفعل سواه في يدور في عالم الألسنية والبنيوية والتفكيكية ولا يخرج منه الا "دائخاً" وغير متمكن. ولست اناقش كثيراً في اللقب الذي كان عبدالله الطيب معروفاً به في الاوساط الادبية، السودانية وفي بعض الاوساط الادبية العربية الاخرى، وهو لقب "عميد الادب العربي". فلا شك عندي ان عبدالله الطيب كان اديباً وباحثا كبيرا مثله مثل طه حسين الذي كان يلقب باللقب نفسه. واذا كان مثل هذا اللقب قابلا للانتقال بعد وفاة من يحمله الى اديب اخر، فعبدالله الطيب كان كامل اللياقة لحمله ولا يمتنع بالطبع ان يكون هناك اكثر من عميد واحد للادب في عصر واحد. ولا يعيب عبدالله الطيب افتقاده الي الجماهيرية والشعبية وترداد اسمه بمناسبة وبلا مناسبة، كما يتردد اسم ادونيس على سبيل المثال، في الصحافة الادبية العربية. فالرجل لم يكن يهوى الشهرة، او يسعى اليها، ولم يكن يعنيه الا ان يأتي عمله متقناً على افضل وجه. ولعله في ذلك كان اقرب الى علماء التراث الكبار كالجاحظ وابن قتيبة والتوحيدي ممن لم يشاهدوا يوماً لا في شارع ولا شارع أبي نواس ولا في شارع الصحافة ولا في اي شارع آخر ماعدا اسواق الوراقين ومجالس الادباء من اصدقائهم. ولعل عبدالله الطيب كان يؤمن في قرارة نفسه ان الاديب اما ان ينصرف الى الادب او إلى اللهو والتسلية، ول ا جمع بينهما. وقد يكون عبدالله الطيب من قلة من الادباء المتأخرين الذين تعاملوا مع الادب على انه رسالة حياة وغاية تجد ذاتها، وليس وسيلة لهذا المغنم او ذاك المنصب. فالمناصب سعت اليه عندما زهد فيها وانف من ضوضائها وبدت عليه ملامح العلماء الكبار الاجلاء المنصرفين الى ما ينفع الادب ويعلي شأنه عندما تبوأها وقد وصل عبدالله الطيب الى مناصب ادبية رفيعة منها، على سبيل المثال: رئاسة مجمع اللغة العربية بالسودان، وعضوية مجمع اللغة العربية بالقاهرة. وكان رئيسا لاتحاد ادباء السودان، واستاذاً في عدد من الجامعات العربية والافريقية والبريطانية. وقد نال مرة، وبالمناصفة، جائزة الملك فيصل العالمية للآداب مناصفة مع الناقد المصري الكبير عز الدين اسماعيل الذي قال معلقا على المناصفة: حاشا ان اتقاسمها مع استاذي . وكل ذلك يدل على ان عبدالله الطيب، لم يكن مجرد "اديب سوداني" وانتهى الامر، وانما كان اديباً عربياً كبيراً وان لم يكن معروفاً بما فيه الكفاية في الدوائر الادبية والثقافية العربية. ولا شك عندي ان كتابه المرشد الى فهم اشعار العرب وصناعتها باجزائه الاربعة اهم من كتاب "حديث الاربعاء" لطه حسين، واهم بكثير مما ك تبه عباس محمود العقاد في دراساته عن بعض شخصيات التراث. ولعل هذا الكتاب هو احد الكتب الاساسية التي ينبغي ان توضع بتصرف المثقف والمتأدب عموما، لانه يختصر العصور الادبية، كما يختصر مئات وآلاف الكتب القديمة والحديثة. وقد كتب عبدالله الطيب ابحاثا كثيرة حول الادب العربي القديم، والحديث باللغتين العربية والانكليزية، منها ابحاث منشورة في الموسوعة البريطانية عن احمد شوقي وحافظ ابراهيم وعباس محمود العقاد ومصطفى لطفي المنفلوطي، وهذا يدل علي اتساع افقه وكونه امضى حياته في عمل يشبه عمل الزهاد والمتصوفين المنقطعين عن بهارج الدنيا واباطيلها، والذين يضعون نصب اعينهم ارضاء ضميرهم. ولا شك ان حروب السودان المتواصلة تقريبا منذ حوالي ربع قرن قد اسهمت في عدم تعرف العرب، خارج السودان، الى هذه الشخصية العلمية والادبية الجليلة. ولكن مسؤولية عدم تعرف الدوائر الادبية العربية الى عبدالله الطيب لا تقع على السودانيين وحدهم، بل تقع علينا كعرب بالدرجة الاولى، وتقع على الخصوص على الصحافة الادبية العربية التي كثيراً ما تعنى بالنتاج المحلي، وبأصحاب هذا النتاج، وتهمل كل نتاج عربي آخر، ولو كان عالي المقام والجودة من نوع ما تركه عبدالله الطيب
عرف على قيمة عالمنا الراحل من خلال رؤية الآخرين وأعتقد أن الكاتب لبناني
| |
 
|
|
|
|
|
|
|