|
ما بين (الملة )محمد عمر في قندهار و(الملة )شريف شيخ أحمد في مقديشو
|
ما بين أسطورة الملة عمر في قندهار وأسطورة الملة شريف في مقديشو
تقول الأسطورة أن الملة محمد عمر كان يجلس تحت شجرة ظليلة ، يدرس النشء الصغار العلوم الشرعية عندما سمع صوت استغاثة قادم من مكان بعيد ، فعلم أن رجال العصابات قد اختطفوا فتاتين وساوموا أهلن علي دفع الفدية مقابل إطلاق سراحهن ، غضب الملا محمد عمر ، وقرر ترك مهنة تدريس العلوم الشرعية ، وتفرغ لحماية الأمن والاستقرار في أفغانستان ،نقطة البداية كانت من حادثة تخليص الفتاتين القرويتين من يد الخاطفين ، فبايع الأهالي البسطاء الملا عمر علي السمع والطاعة واختاروه أميراً للمؤمنين ، وعن طريق استعانته بقومية البشتون التي ينحدر منها نجح الملا عمر في السيطرة علي كامل الأراضي الأفغانية ، قدّر الخبراء حجم الأراضي التي خضعت لسيطرته ب 95% من كامل التراب الأفغاني ، وتحقق ذلك بعد سقوط مدينة مزار الشريف الواقعة في أقصي الشمال الغربي . ولكن الأسطورة التي نسجها العقل العربي عن حقيقة نشوء نظام طالبان تصطدم بعدد من التساؤلات ، أن هذه الحركة لم تتكون بناءً علي حادث عرضي كما أشرنا في بداية المقال ، والحقيقة الماثلة للعيان أن قوي إقليمية أسهمت في صناعة حركة طالبان ، من بينها الولايات المتحدة والتي كانت تنظر بعين الرضا لانتصارات حركة طالبان وتقدمها نحو الشمال ، فهي كانت تهدف إلي خنق النظام الإيراني من خلال تكوين نظام سني سلفي يعمل في المقام الأول علي استئصال النفوذ الإيراني في أفغانستان ، وعندما وصلت حركة طالبان إلي مزار الشريف قامت بإعدام 35 دبلوماسياً إيرانياً ، في خطوة فسّرت بأنها محاولة لجر الغريم الإيراني إلي مسلسل حرب بالوكالة ، تخوضها حركة طالبان نيابةً عن الولايات المتحدة ،ولكن الساسة الإيرانيون في عهد الرئيس محمد خاتمي استدركوا القصد من وراء هذه المجزرة ، فكتموا جراحهم حتى لاحت لهم فرصة القضاء علي حركة طالبان بعد الغزو الأمريكي لهذا البلد المنكوب في ديسمبر عام 2001 ، المخابرات الباكستانية في عهد رئيسة الوزراء السابقة بنازير بوتو هي التي مهدت لنشوء حركة طالبان ، ويعتبر السيد/نصير الله باربارا ، وزير الداخلية الباكستاني في ذلك العهد هو المؤسس الحقيقي لحركة طالبان الأفغانية ، وقد أستمر الدعم الباكستاني لحركة طالبان عن طريق كل الحكومات التي تعاقبت علي حكم إسلام باد ، فضمت حقبة الدعم حكومة الرئيس نواز شريف وبرفيز مشرف ، وغياب الدعم الباكستاني هو الذي فسّر سقوط نظام حكم طالبان في ظرف ثلاثة أسابيع ، حيث قامت المقاتلات الأمريكية بقصف مواقع حركة طالبا لتفتح الطريق أمام زحف قوات التحالف الشمالي المناوئ لحركة طالبان ، والصين الشعبية لم تكن بعيدة عن الملعب الأفغاني ، فهي كانت تسعي إلي التسّيد في قارة أسيا ، وتقلقها المنافسة الهندية الصاعدة في مختلف المجالات ، فوجود نظام أصولي في أفغانستان يأوي فصائل المعارضة الكشميرية يجعل الأرضي الهندية عرضة للفوضى والاضطرابات .ويزيد من سعر فاتورة الأمن والدفاع الأمر الذي ينعكس سلباً علي الاقتصاد الهندي . خرجت طالبان من القمقم وهي ترفع شعارات الأمن والأمان ، بعد أن أوصلتها القوى الدولية إلي المسعى المقصود ، انتصرت حركة طالبان علي الكل ، حتى علي قدامي المجاهدين من أمثال رباني وسياف وحكمتيار وأحمد شاه مسعود ، ونحقق الأمن والاستقرار بالفعل ، ولكن كان ذلك علي حساب الخبز وحرية المعتقد والدين والعرق ، فعمل نظامها علي تقريب البشتون وإقصاء الطاجيك والأوزبك والهزارا ، تم الاعتداء علي المزارات الشيعية ، ودمرت حركة طالبان تراثاُ إنسانياً عمره ألفي سنة عندما قصفت تماثيل باميان بالدبابات ، علي ظن أنها أصنام تعبد من غير الله ، وطلبت من الهندوس ارتداء زي يميزهم عن المسلمين ، وفرضت علي المسلمين تقصير الثياب وإطلاق اللحى وعدم سماع الموسيقي ، عاش الشعب الأفغاني في عزلة تامة عن العالم الخارجي ، ثم وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، فأفضت بنهاية حكم حركة طالبان ، ومن المفارقات العجيبة أن هذا النظام المتشدد والذي كرّس جلّ وقته للحرب داخل التراب الأفغاني أخفق في الصمود في وجه القوات الغازية لمدة تزيد عن ثلاثة أسابيع . شريف شيخ أحمد ، الملا الجديد في العاصمة مقديشو ، لا يخرج كثيراً عن حالة حركة طالبان الأفغانية ، بناءً علي معلومةٍ وصلتني من أحد القراء أن الملة شريف سكن في داخلية أبو دجانة ( تهراقا سابقأً) الغرفة (12) ، كانت حكومة الإنقاذ وقتها توفر مقاعد جامعية للإسلاميين من مختلف دول العالم ، كنوعٍ من الاستثمار ، ربما يفتح الأفاق إلي تصدير عناصر جديدة مؤهلة لحكم الدول الأفريقية المجاورة، تساعد في نشر رسالة المشروع الحضاري السوداني ، كان الملة شريف شيخ أحد أحمد أحد الذين وقع عليهم الاختيار ، دخل كلية التربية المساق الأدبي في جامعة الدلنج ، وكما يؤكد القارئ الذي وافاني بالمعلومة أن الملة شريف رحل إلي ليبيا بعد أن تحصل علي منحة دراسية من هناك ، فانقطعت أخباره عن بقية أبناء دفعته حتى أطل أخيراً في شاشة الفضائيات ، بعد أن اصبح رجل الصومال الأول ، ونال تغطيةً إعلاميةً ممتازة من قبل قناة الجزيرة . أزمة الصومال بدأت بانقلاب عسكري نفذه الرئيس الراحل محمد سياد بري في عام 1969 ، رغم محاولة الرئيس بري تطبيق نموذج مشابه للأنظمة الشمولية في أوروبا الشرقية ، إلا أنه استعان بقبيلته من أجل تحقيق هذا الغرض ، فقربها إليه وجعلها تتولى كافة المناصب الأمنية ، هذا الوضع الاستثنائي والذي أنا أعتبره حالة عامة في أفريقيا تشمل حتى السودان جعل قبائل الشمال تحس بالتهميش ، هذا العامل بالإضافة إلي انغماس النظام في حرب استنزاف طويلة ضد إثيوبيا حول إقليم أوغادين ، مهدتا الطريق لسقوط نظام الرئيس بري ، فالحرب الضروس أرضت الطموحات الوطنية ، ولكنها في المقابل أدت إلي التدهور الاقتصادي وبطء عجلة التنمية ، وتُوّجت هذه الحالة بزوال حكم نظام محمد سياد بري في عام 91 وبزوغ شمس المليشيات في السماء الصومالية .وكما أختفي قادة الجهاد الأفغاني طوعاً وكرهاً بعد مجيء حركة طالبان ، فقد تبخر أيضاً اللواء محمد فرح عيديد وعلي مهدي محمد وتواروا عن الساحة الصومالية ، كما تواري معهم أمراء الحرب الأوائل ، فجاء دور مليشيات المحاكم الإسلامية بقيادة الملة شريف شيخ أحمد ، والتي رفعت نفس شعار حركة طالبان ، القضاء علي الفوضى وجمع السلاح وتحكيم شرع الله ، أنهم يريدون محاربة الكفار وأعداء الإسلام ، ثم أشاروا في خطاباتهم السياسية إلي الغريم التاريخي للصومال وهو دولة أثيوبيا ، في إشارة تدل أنها جبهة الاوغادين سوف تكون مرشحة للاشتعال مرة أخري. إن الشعب الصومالي يريد الخبز والحرية والاستقرار ، ولكن ما أراه الآن لا يعطي الأمل بكل ذلك ، بدأت المحاكم الإسلامية بجلد النساء في الشوارع ، وتحريم مشاهدة كاس العالم ، وان حربها مقدسة لأنها ضد الكفار وأعداء الإسلام ، إنها نفس مدرسة أبو مصعب الزرقاوي التكفيرية التي لا تجيد شيئاً سوف النفخ في مزمار الأضداد ، استبقت المحاكم الشرعية ردة الفعل الأمريكية فأرسلت مذكرة إلي الرئيس بوش تنكر فيها ارتباطها بمجموعة القاعدة ، وأن الصومال لن تصبح ملاذاً للقاعدة ، هذه التواصل المبكر مع الإدارة الأمريكية يكشف لنا بجلاء أن هذه المليشيات تشعر بخطورة التعامل مع الولايات المتحدة ، صحيح أن الصوماليين بقيادة الجنرال محمد فرح عيديد استطاعوا تمريغ سمعة الجيش الأمريكي في الوحل في عامي 92 و93، عندما قتلوا بعض جنود المارينز وجروهم في الشوارع ، أما الإدارة الأمريكية المحافظة بقيادة الرئيس بوش تختلف كثيراً عن إدارة أبيه جورج بوش الأب ، هؤلاء المحافظين يقدمون علي قتل ألف مدني من أجل الوصول إلي هدف عسكري واحد ، ولا يتقيدون بقواعد الحرب والاشتباك عندما يحدق بهم الخطر ، أمريكا بعد عام 2001 ليست هي أمريكا عام 1992 ، حيث كانت الرئيس وقتها يتردد في اتخاذ قرارات الحرب وغزو البلدان ، إدارة بوش لفقت أدلة أسلحة الدمار الشامل من أجل غزو العراق ، وتجسست علي مكالمات الأمريكيين الخاصة تحت ذريعة تعقب الإرهابيين ، هذه الإدارة لن تتردد في قصف مليشيات الملة شريف أحمد في وضح النهار إذا أحست أنه مطية يركبها تنظيم القاعدة ، ولا يهمها سقوط أكبر عدد من المدنيين طالما أن هناك شبهة بوجود إرهابي واحد ، فعقيدة أقتل أولاً ثم برر ثانياً صارت هي طوق النجاة الذي تتشبث به الإدارة الأمريكية ، بين هذا وذاك استطاعت قناة الجزيرة أن تنقل لنا صورة الوضع في الصومال ، ولكننا في حاجةٍ إلي من يتنبأ لنا بمآل الأمور في هذا البلد المنكوب . سارة عيسي
|
|
|
|
|
|