|
Re: لن يُفِلحَ قومٌ ولوا أمرَهُم امرأة (Re: عز الدين بيلو)
|
Quote: علينا أن نتكلم عن أبي بكرة:
1- أما الرجل فهو في الأصل من عبيد الطائف: "قيل هو ابن مسروح، مولى الحارث بن كلدة ... وأُمه: سُمية، جارية الحارث بن كلدَة أيضاً، وهو أخو زياد بن أبيه لأُمه". وعندما أراد النبي عليه الصلاة والسلام فتح الطائف تحصن أهلها بحصونهم فامتنع على المسلمين اقتحامها، فحاصرها النبي عليه الصلاة والسلام، ونادى : "أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حُر"، فخرج منهم نحو ثلاثة وعشرون رجلاً، تدلى منهم شخص بحبل معلق في بكرة (حلقة، كما في البئر)، فقيل له أبو بكرة، وقد أعتقه النبي مع زملائه العبيد الذين التحقوا بالمسلمين. وكان ذلك في شعبان من السنة الثامنة للهجرة. ومما يذكر في سيرته أن عمر بن الخطاب جلَده في الشهادة على المغيرة بن أبي شعبة بالزنى. كانوا أربعة شهود، منهم أخوه زياد. فلما اختبر عمر هؤلاء الشهود نفى زياد أن يكون قد رأى "المرود في المكحلة" فخلى سبيله، واستتاب عمر الثلاثة الباقين فتاب اثنان ورفض أبو بكرة "فجلده عمر حد قذف"، "وكان لا يقبل شهادته". 2- أما الحديث المنسوب إليه سماعه عن النبي عليه الصلاة والسلام فقد ورد في عدة صيغ: - في البخاري (4317- 6945): "عن أبي بكرةَ قال: «لقد نفَعني اللهُ بكلمةٍ سمعتها من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أيامَ الجمل بعدما كِدتُ أن ألحقَ بأصحابِ الجمل فأُقاتلَ معهم. قال: لما بلغَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن أهل فارسَ قد ملَّكوا عليهم بنتَ كِسرَى قال: لن يُفِلحَ قومٌ ولوا أمرَهُم امرأة». والمقصود بـ"أيام الجمل": الحرب بين طلحة والزبير وعائشة من جهة وعلي بن أبي طالب من جهة أخرى، وكانت عائشة على هودج على جمل فسميت تلك الحرب بـ"حرب الجمل" وقد جرت سنة 36 هجرية. يقول أبو بكرة المتوفى سنة 52 هـ إنه كان على وشك الالتحاق بالطرف المناوئ لعلي بن أبي طالب، والقتال معهم غير أنه تذكر -كما قال- ما سمعه عن النبي صلى الله عليه وسلم قبل 28 سنة! وهو لم يحدِّث بهذا الذي سمعه إلا زمن الحسن البصري الذي توفي 110هـ. أي في وقت تجنَّد فيه كثير من رجال الإسلام -الذين قبلوا الوضع الذي فرضه معاوية بعد تنازل الحسن بن علي له- إلى تحذير الناس من الانخراط في الفتن. - واضح، إذن، أن هذا الحديث ذو مضمون سياسي وبالتالي فنحن نضعه لهذا السبب وحده بين قوسين. على أن مما يستوجب مضاعفة القوسين عليه وروده بألفاظ أخرى تستهدف المرأة استهدافاً أكثر مما تستهدف الفتنة. من ذلك ما ورد في مستند ابن حنبل (20068) من أن أبا بكرة قال : "إنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم أتاه بشير يبشره بِظَفَرِ جندٍ له على عدوّهم، ورأسه في حجر عائشة رضي الله عنها، فقام فخَرَّ ساجداً، ثم أنشأ يسائل البشير، فأخبره فيما أخبره أنه ولي أمرهم (من هم؟) امرأة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن هلكت الرجال إذا أطاعت النساء، هلكت الرجال إذا أطاعت النساء –ثلاثاً-». - وتمتد رواية أبي بكرة عبر الزمان والمكان لتكون مناسبةُ سماعه الحديثَ المذكور شيئاً آخر تماماً. فقد روي عنه أنه قال: "ذكرتُ بلقيس عندَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لاَ يُفْلِحُ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأةً». - ومما يكشف الغطاء عن الطابع السياسي لحديث أبي بكرة حول ولاية المرأة، روايته لأحاديث عديدة ذات طابع سياسي صريح، منها قول الراوي: "كُنْتُ مَعَ أَبي بَكْرَةَ تَحْتَ مِنْبَرِ ابنِ عَامِرٍ وِهُوَ يَخْطُبُ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ رِقَاقٌ، فَقَالَ أَبُو بِلاَلٍ: انْظُرُوا إِلَى أَمِيرِنَا يَلْبَسُ ثِيَابَ الفُسَّاقِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: اسْكُتْ سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقُولُ: مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ الله في الأَرْضِ أَهَانَهُ الله". ومنها ما روي عن الأحنف بن قيس قال: ذهبت لأنصر هذا الرجل (علياً بن أبي طالب)، فلقيني أبو بكرة فقال: أين تريد؟ قلت: أنصر هذا الرجل، قال: ارجعْ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار. فقلت: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه". (مسلم 2888). ومنها أن النبي عليه الصلاة والسلام قال بمناسبة شهر ذي الحجة: "فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا. ليبلغ الشاهد الغائب، فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه". ومنها الحديث الذي يقول فيه النبي، عليه الصلاة والسلام، -حسب رواية أبي بكرة- "لا ترجعوا بعدي كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض". والواقع أن كثيراً من الأحاديث التي نسبت روايتها إلى أبي بكرة تكتسي طابعاً سياسياً واضحاً. وقد عبر بعضهم عن هذا الطابع بقوله كان أبو بكرة "يكره الفتنة بين المسلمين، ولا يرى التحرك إليها مع إحدى الطائفتين، بل يؤثر العزلة في هذا". وواضح أن هذه الأحاديث وما أشبهها، بما في ذلك حديث "لاَ يُفْلِحُ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأةً"، هي من الصنف المعروف بأحاديث الترغيب والترهيب التي يتساهل أهل الحديث فيها، وليست من صنف أحاديث الأحكام التي يتشددون في نقد روايتها وتطبيق مقاييسهم في التعديل والتجريح عليها. 3- هناك جانب آخر يضعف من حديث أبي بكرة عن ولاية المرأة، ويتعلق بمسألة توافق أو عدم توافق تاريخ تنصيب امرأة على عرش فارس مع تاريخ سماع أبي بكرة الحديث موضوع النقاش عن النبي عليه الصلاة والسلام. تجمع مصادرنا على أن المرأة المشار إليها هي بوران دخت BourAn-dokht بنت كسرى أبرويز. وهناك اضطراب كبير في مصادرنا حول تاريخ تنصيبها، فالطبري والبلاذري وابن كثير يتحدثون عنها ضمن أخبار فتح فارس على عهد عمر بن الخطاب في السنتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة، وبما أنها لم تحكم سوى سنة وأربعة أشهر فإن تنصيبها ملكة سيكون قد تم بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام (سنة 11)، الشيء الذي يطعن في الصحة التاريخية للحديث موضوع النقاش. على أن هناك رواية أخرى تفيد أنها أدركت النبي حياً وأنها أهدت إليه هدية وقبِلها. هذا بينما ذهب مؤرخون آخرون (الواقدي) إلى أن تاريخ ولايتها كان في شعبان من السنة الثامنة للهجرة. وحسب هذه المصادر فإن أبا بكرة قد التحق بصفوف المسلمين عند حصار الطائف (في شهر شوال من نفس السنة). وهنا تضيق المسافة بين تنصيب بوران وإسلام أبي بكرة لتصبح بضعة أيام. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا سؤال مضاعف: هل وصل خبر تنصيبها إلى النبي عليه الصلاة والسلام خلال هذه المدة القصيرة؟ وهل كان أبو بكرة، المسلم الجديد، خلال تلك الأيام في وضع يمكنه من رواية الحديث عن النبي؟ أمام هذه الشكوك لا يسعنا إلا أن نقرر أن التاريخ لا يحسم في شأن صحة حديث أبي بكرة حول ولاية المرأة. والأهم من هذا كله هو أن موقف القرآن من المرأة لا يزكي من قريب ولا من بعيد حديث أبي بكرة هذا. أضف إلى ذلك أحاديث متعددة ترفع من شأن المرأة ويشهد لها القرآن بالصحة. يبقى بعد ذلك كله معنى قول بعضهم : أجمع الفقهاء في كل عصر على عدم جواز ولاية المرأة القضاء والإمامة؟ يتعلق الأمر هنا بمعنى قولهم: "أجمع الفقهاء" وبالتالي بمعنى "الإجماع" عند الأصوليين.
|
| |

|
|
|
|