نخلة على "القلب"!!...

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 10:48 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-25-2009, 09:19 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
نخلة على "القلب"!!...

    ..

    نخلة على القلب!!..




    نخلة على "القلب"...

    بقلم: عبدالغني كرم الله

    (الظلام الآن ثابت، كأن الضوء لم يوجد أصلا)
    موسم الهجرة، ص 115، دار الجيل

    (0)

    ثمة عيوب جسيمة في حياة مصطفى سعيد!!.
    ثمة عيوب عديمة في "موسم الهجرة إلى الشمال"..
    هكذا الكتابة، أن تغوص في شخوصك كما لو أنهم أنت، وأن تكون محايدا، كما لو أن صدرك "صب بالاسمنت"، متفرج ذكي، بينك وبينهم برزخ، وكأنك لا تعرفهم، فتأتي الكتابة، في أصالتها، وكأنها دفق غريزي، لعقل جمعي، تضافرت في نسجه ملايين السنوات، والوقائع، والأحداث، وحكمة غريبة ترعاه كنعجة حبيبة، ترعى القلب والذهن معا، بصورة مواربة، غامضة، تحس، ولا تفهم، وحينها يشئ العقل عن نفسه، ومكنونة، مثل ما شاء في (الموسم)، وغيره من الكتب العظيمة، تحس بأن الفن ليس طرب، ولكنه قرن استشعار، وهوية ذاتية، وجمعية، وإنبثاق الفطرة الأم من كمونها القديم وإلا لم اشتكى مصطفى سعيد، السوداني الذكي، وامتعض من حوار وصراع الحضارات، وحوار الذات، والاغتراب الداخلي العميق، قبيل المفكرين، وأشباههم!!
    ثم سرح بحثا عن ذاته، من لندن، وإلى قرية مغمورة، عند منحنى النيل، النيل الذي ينحني كخصر حسنا، أو خيط بخور، بعد أن تشبع عقله وقلبه بالثقافة المتاحة في الغرب والشرق، وظلت دواخله طمأ، لجوهر الحياة، الغائب، هنا، وهناك!!..

    -1-

    أتكلم كهاو للكتابة...!
    ورحلة البحث عن الأب، والرب!!..
    فنهر الزمن، جاء بملامحه من نبع الماض، ملامح لا تحصى، تهدر أمواجه نحو الحاضر، غبشاء، عكرة، ملامح مغرورة بذاتها، ولكنها تجلس مغوصبة في أريكة الحاضر، مستسلمة لأزميل الغد اللامرئي، في أكبر عملية تجميل، تمس ذراري، ودراري الكون كله، كي يغيره، ويهذبه، ويشذبه، فجعل من الحاضر بوتقة كبيرة، تنصهر وتولد فيه ملامح وسحنات، وتغرب أخرى من غير رجعة، ويظل ازميل الغد غير مرئي، يغير قوالبه، وشفرته، بمكر، ودهاء، بعيدا عن عيون الحاضر، فيعطي الحياة أمل، وغموض لذيذ، وتظل قدره المستقبل هي الوحيدة التي تسن شفرة الأزميل الخفي لاغتيال ملامح دميمة، أو جميلة حاضرة، أو مورثة، بأخرى، (أفضل وأجمل)، وتضفي البقاء، والديمومة لصيرورة التغيير، بل يظل الغد هو نشيد التغيير، ساخرا من الحاضر، أو ممجدا له، ويظل أزميل الخيال، أزميل الغد السرمدي ينحت معدلا ملامح الماضي، ، ملامح الأمس واليوم، وأغنياته كلها، في سني الحياة، وشكولها، وأزميل الغد من يمسكه، كيف يسن شفرته، كي يسحب قطار الزمن نحوه بيديه اللامرئية، من أين يشرق الجمال فيه، وكيف يعيش مخفيا عن الحاضر، سابقا له..

    تلك هي اسئلة السرد العظيم، وحيواته، اسئلة لا تكف عن الشروق..
    كنا، ككتاب جدد، كشجرة تبحث عن أصلها وفصلها...

    شجرة، تبحث بغريزتها عن جذورها في عتمة الماض، كي ترقص فروعها في سماء الغد، أتكلم بصفتي كنت أبحث عن أوادم، عن "آدم"، عن نبي شعر، وسرد، كي نتوخى الأثر، ونرضع من حبله السري، ثم ثديه، ونسمع هدهدته،(لآدم المجازي صفات الأم أيضا، فقد ولد حواء الأولى) ونراه، رؤية العين، والمكاففة، نراقبه بفضول، "كيف يعيش الكاتب، كيف يتأمل، طريقته في الكتابة، قراءاته"، كي نحاكي، ونقتدى، ونفطم، ونشب عن الطوق،، كنا نحلم بلقائه في قهوة حليوة، أو في المركز الفرنسي، أو في مكتبه في مجلة "الخرطوم" العتيقة، كما يلتقي الطفل بالأب، فرحا، بربه، يشم رائحته، ويرى صيرورته في نهز الزمان، وكي يرى مسودات خواطرنا، ومحاولاتنا المضحكة، والساذجة و(الأسطورية في أعيننا، عين الأم للطفل البكر)، ويقول لنا بصوته الجهوري الساحر:(ياأبني ده لسه، ياخي ده متكلفة، دي فيها تعقيد مصطنع، برضو دي لسه فطيرة، خليها تتخمر جواك)، تلك الوصايا التقليدية بين اب محنك حكيم، وأبناء وبنات، يشبون عن الطوق..

    وللحق نحن قوم رحل، وطن مجاز، (أضغاث أحلام)، أيدي سبأ، ترعى نفسك بنفسك، وحيدا، ووترا، يعيش ويموت الطيب في بلاد، وسند في بلاد آخرى، ويجن إدريس، وينتحر أبو ذكرى، وتمتلئ حقائب الشباب بمسودات جاهزة للولادة، والتأثير، والطرب، وطن مجاز، مجرد تصورات باهتة، لا وجود لها في الأرض، بل إذهان أحزاب وأفراد، وقتال (رؤى)، كما يقول دينق، وهذا أو (الطوفان)، في عين حكيم الحارة الأولى، ونخبة أدمنت الفشل، والقسوة، والهوس، كما يشير منصور خالد؟!!...

    وطن "كالطفل الشقي" الذي ضربه والده بالعصى، هل تذكرونه؟!!
    إنها قصة التاجر البسيط ، الفقير، الحالم، الذي وضع زجاجة سمنه الوحيدة في قارعة الطريق، وغرق في الحلم، ببيع زجاجته، وشراء زجاجات أخر، والربح، ثم الزواج، والانجاب، وزجر ابنه الشقي، وضربه بالعصى، فكسر زجاجته، )طفل وهمي( ، محض خيال، أهكذا نحن، ولكن إليس "الخيال نفور الواقع من نفسه"، إليس هو "الواقع في طور المخاض" بلادي في طول المخاض، آلام المخاض، يامصطفى سعيد،، تتراءى هنا، وهناك في أقاليم البلاد الموعودة..

    ماذا تعني (الكعبة المشرفة)، لجون قرن، وماذا تثير في وجدانه،؟، وماذا يعني (الانجيل المقدس)، للترابي، ولم تربط جوليا المسيحية الإيشارب على شعرها الجميل، بوحي من ابن تيمية؟، شلالات من البشر يسيرون في شوارع الخرطوم، وفي كل منهم قدت سحنات، ووعي، ورؤيى، وحلم متباين، وعلقت على ذواتهم الوهمية، هوية واحدة (أنا سوداني)، كالطفل الشقي، الذي ضربه والده بالعصى، فاستيقظ من حلمه، بصوت الزجاج المتهشم، (السودان المتهشم(، متى نصحو على تبايننا العظيم، ونعترف ببركته، وفضله، وتنوعه، بدلا عن تنافره، وقسوته، ودمويته الماثلة، متى؟ ..

    هل نصيح كمصفى سعيد (النجدة النجدة،)، بعد أن شدت قوى النهر رجليه، وماعاد بالإمكان انقاذه، ولكنها حلاوة الحياة، تطالب بالخلود في مواطن الاستحالة، وللحق الحياة لها مكر، هي لا تموت، رغم الكرب، ولنا في شعوب الأرض مضرب مثل، فهناك شعوب اكثر تباينا، واعنف سلوك، ولكنها رعت الحكمة، وجبرت الخاطر، وخاضت في شجاعة الاعتراف، والمحبة، فجنت ثمار التنوع، كما يجني الفلاح الموز والبرتقال والمانجو، والنبق، موسيقى الاختلاف، فالوجدان السوداني، نسج بمهل، وحنو، عبر ملايين السنين، وفيه ما نعرفه، وما لانعرفه، صلوات كرمة، وترانيم كنائيس سوبا، ومواجيد خلاوي المندرا، ورقصات الشلك، وطعم القهوة في قلوب الجبال، كلها تركت اثرا، في الجهاز العصبي، والانفعالي، لسجد الوطن، ومزاجه، ولكن تتغلل أي أشعة، لا تملك مفاتيح الغيب، لهذه الغيوب، مهما طرقت باب قلبه، (افتح ياسمسم)....

    ويعود موسم الهجرة للذات، الكتاب الحبوب، الصديق، الاكثر قراءة في تاريخي الشخصي، تحت مخدتي، مثل الموبايل، ورسائل الحبيبة، ودعوات أمي، عوالم تحت مخدتي، كالزجاجة التي أوت الجن المارد.:
    (كيف رسمت شخصية الزين ومصطفى سعيد، كشخوص حية، واقعية، وتلك الرحلة السيارة من الشمالية لتخوم أم در، أهي لوحة، أم نشيد معاناة عظيم، أم شعر حقيقي، ولم اختفى مصطفى وطلب "النجدة، النجدة، هل وقف إلهامك، أم قصدت ذلك، أم عجزت على حل فكرة الصراع، وتركت الباب مواربا، وكيف خلقت من عرس بسيط، ساذج، ومن لمه أناس في دكان سعيد، ومن ونسة على ظهر الحمير، كيف خلقت منهم، عالم لا يمل، يالك من ملك لإثراء البسيط، والمنسي، وهل انت متواضع حقا، حدسي يقول غير ذلك)!!.. ولا من مجيب، سراب ومتاهة، صدى لم شمل بلدي، وقلوب بلدي، وعقول بلدي، وفؤاد بلدي!!

    (النجدة، النجدة)، الوطن مستباح اليوم، والهروب والانتحادر لا يجدي يامستر مصطفى، لم يعد الشعب طفلا، بل شيخا وقورا، حارب وسالم وجاع، وجرب، وهاهو يتلفت بإناه كي يعي جوهره، ويفجر طاقاته، ويلم شمله، فلا يموت الطيب في بلد تموت من البرد حيتانها، ولا يشنق محمود، ويطغي غناء على غناء، وترفع البغضاء، وينزل الأمن في همشكوريب، والفاشر، وجبال الانقسنا، والدلنج، وحلة كوكو..

    (2)

    لم أجلس في حياتي معهم، المجذوب وعلى المك والطيب صالح وعيسى الحلو والمهدي بشرى والبلال وعيدروس والصلحي وعبدالله الطيب، ورانية مامون، وسرب من مبدعين يعبرون عن أجيال مختلفة من الذهن الوطني الكبير، أليست هذه مأسأة وطن، بلى نحن قوم رحل، لا نزال، نسمع بليلى ابو العلا، وطارق الطيب، بل حتى أعز اصدقائي، العويس ومحسن، واحمد المك، لم أراهم، عين بعين، أليس الوطن مكان، وزمان، يشكلان مسرح الهوية والحياة والأمن، ولو لا رحلة ساحرة للدلنج، في معية أبكر وساكن، لصارت علاقتي بالكتاب المعاصرين سريالية، ومؤذية، وبارك الله في شجرة حليوة، ودار فوز، وجمعية ابي روف والنت، ولقاءات الصدف، وسودانيزاولاين، وفور أول!!..والراكوبة، ومركز راشد دياب، والخاتم، وعبدالكريم مرغني، وحيدر إبراهيم، (ومركز اصدقاء البيئة بالدوحة) فقد صارت مأوى للوطن المفترض، والمتخيل، والمنشود، لكل الأجيال، في قبورهم الآن، أو في قصور قلوبهم النابضة الآن!!..

    كل واحد فينا هو (ربنسون كروز)، يخلق عالمه في جزيرته، في منفاه، في خلوته كالعبيد ودريا، ياغرقت، يا جيت حاسمه!!...

    -3-

    في قهوة الجامعة، مع زملاء واصدقاء، في البيت، في الحافلة، كان صراخنا يعلو في النقاش، بين شيوعيون وبعثين وجمهوريين ومستقلين، عن "مصطفى سعيد"، مع اصدقائي أبوبكر الصديق، وأحمد يونس، وعوض كوستي، ومحمد الربيع، ومنيرة سيد علي، واسامة عبدالله، وحسيب حسن، وعماد عركي، وأمين أحمد، والشبلي، وصلاح عوض الله، مع التلب، ومامون، معي أخوتي،..

    نتكلم عن "مصطفى سعيد"، وكأنه يجلس قربنا، يشرب الشاي، غارقا في وحدته، شخص حقيقي، تحت أريكة التحليل النفسي، والفكري لنا..

    (ياخي ده زول ساكت، سبهلل، برجوازي..)
    (كل العملو ان قتل نساء الغرب في حوار الحضارات..)
    (ياخي ده اعظم شخص جسد التناقض، جسده، كما يجسد الثلج شكل الماء)
    (ياخي بلا مصطفى بلا كلام فارغ، ده عربي افريقي، تنكر لنوبيته)
    (انتحر، أو هرب، ياخي ده جبن شديد، حل سلبي، عقيم).
    يصرخ حسيب حسن: (مصطفى سعيد تافه، أناني، لكن بطل ب"بعضوه")..
    تنخلع حليمة صاحبة القهوة تسألنا (مصطفى ده منو يا أولادي)، نقول لها (مجرد شخصية قصصية)..
    صاحت: بس!! (بكسر الباء)..
    ثم رفعت الهبابة، وهي تشعل فحمها، فيزادد لهبا، ويزداد نقاشنا حرارة، و يحتدم ويفور ساعات وساعات، و"مصطفى في حالة، مثل لامبالته في المحكمة "كان المحامون يتصارعون على جثتي)، تماما مثل صديقه "ميرسو"، بطل مأسأة "الغريب لكامو.. بلى هو، أنا لست عطيل، أنا "أكذوبة"، كلاهما عاش في غير بيئته، هذا في بريطانيا، وذاك بالجزائر، والغرب غرب، والشرق شرق، وسيلتقيان لا محال، فالفؤاد واحد، الجوهر واحد، رغم تشظئ العقل المعاصر...

    ثم نعرج على "الزين"، وبذات الاصوات المراهقة، العالية، والتعصب الأعمى (للمناهج)، التي تكبل وعينا، نشرحه، ونحلله:
    (ياخي الزين ليه عمل أسنان جديده لمن عرس؟، ده تدجين، واستسلام للمدنية، ياريت لو كان في عرسو شرووووووم)..

    الزين.. الزين الذي أراه في قريتي واقع ماثل، هو هو، برأس الزرافة، وأكتاف مرتخية، كرقم ثمانية "8"،. هو الخالق الناطق!! يشمأز ذهني من تصور إننا نستورد الواقعية السحرية من اللاتين، وقصة قدح قديح، وقصة سليمان الزغراد، وودتكتوك، واسماعيل صاحب الربابة، قبيل ان يخلق الله ماركيز وأمادو والليدي، وقبل ان يولي كولمبس سفيته تجاه تلك التخوم....

    وفي شنطنا البسيطة، من الجلد او الدمور، نحمل كتاب "موسم الهجرة إلى الشمال بحقائبنا الجلدية، (وعماد عركي الأصلع، والذي ضل شعر راسه طريقه، فذهب للشارب)، كان يحمله معه أنى ذهب، أو نام، أو سجن، أو دبرس، بكور يقرأ لنا فصل كامل من "الموسم"، ونحن نصغي لمسمفونية متقنة، لغة وسبكا، وشاعرية، وفينا من يحفظ سطور، وكنت أحفظ صفحات كاملة، كما نحفظ سور القرآن، واغاني الكاشف، وقصائد التجاني والمتنبي والعباسي، صورة طبق الأصل في ذاكرتي، أرددها في أوقات عصيبة، وحين سافرت مغامرا لسوريا حزينا، ضائعا، بعد أن عصفت بي الأحوال والأوحال في بلدي، كنت أردد في مطار بيروت، في طريقي لدمشق مقولته (أنني لست ريشة في مهب الريح، ولكني مثل تلك النخلة، مخلوق له أصل، له جذور، له هدف)، رتلتها بخواطري كآية، فأحسست بالأمن، مثل الرواي حين عاد لأهله، وعشيرته، الكتابة العظيمة هي آية، من أيات الله العظام، الكتابة العظيمة هي مس من الإطلاق، هي ذروة التعبير الإنساني عن جماله، وسحره، وغموضه، هي حال من حالات العشق الكبير!!..

    الزين، العوير القبيح، الذي تزوج نعمة، أجمل فتيات القرية ذكاءا وجمال، وظل محبوبا طوال سطور الكتابة، سطور الأنشودة والغنوة الحالمة (عرس الزين)، مثل الأفلام الهندية المسبوكة، حين يتزوج الرجل الفقير، وهو يمر بقصر الاميرة، ويغني، فتحلق اغنيته الصادقة، وتدخل من نوافذ القصر، لقلب الاميرة، وتحبه من أجل الحب..

    ، شدتني للطيب الإنسان، (أحب الذوات)، وللحق أي كاتب يمكر بالقراء، وبنفسه، كي يعبر عن (أحابيل ذاته المغيبة)،، أحسست برهافة قلبه، وعمقه، وتمكنه من اللغة، والسرد، والشطح، بل قدرته على التلميح (عن الشخصية السودانية)، وريثة التصوف والزهد، والثراء البسيط، وحين تعرفت على صديقي مصطفى سعيد، قالت بواطني، (لقيتو تب)، إنه كاتب وجودي، يعبر عن مطلق إنسان، ولا ينسى (سودانويته المحببة، الغائبة)، والتي اعجزت مفكري ومناضلي بلدي في فهم (هويتنا للآن، فأدمنوا الفشل!!.)، ومن معضلة من نحن، طفت إشكاليات الإثنيات، والهويات، بدلا عن هوية (متخيلة)، ، والهوية (المتصوفة، بأغلب تجلياتهم اختصروها، بأنها (مستحيلة)، بمعادلة عرف نفسه، عرف ربه، فتشرد مصطفى سعيد المعاصر، من (غرب/شرق)، لهوية معاصرة (عرب/ افارقة/نوبة /مسيحين/مسلمين /متصوفة /فقراء/اغنياء/سمر وسود)، ولكن مصطفى (كنخبة إدمان الفشل)، لم يحل مشكلته، بل هرب، أو غاب، أو انتحر، بعد أن طالبه النداء القديم بالوفاء (ذلك النداء القديم لازال يتردد في أذني). كان مسخا مصطفى سعيد، (أحس بأنه معاوية نور، قتلته البيئة المحيطة، إزاء عقل متوقد)، أحسبه (إدريس جماع)، قتلته الشفافية الاسطورية، تجاه بيئة متبلدة، راكضة (كشجرة السيال، لا تموت، لأنها لا تسرف في الحياة)، أحسبه التجاني، أحسبه الطيب صالح نفسه، التناقض الخلاق بين ما كائن، وما ينبغي ان يكون لعقول كبيرة، وقلوب عميقة...

    ولكني احس بأن الطيب صالح هو (الزين، ومصطفى سعيد معا)، بل هو كل شخوصه ولكن في الزين ومصطفى سعيد يبوح بقوى من ذاته الحبيسة، نحن ننفخ روحنا في شخوصنا الروائية، نفرغ فيها شعورنا ولا شعورنا الكامن، وهي تتلوى بلا حول، أي شخوص الخق، كما يتلوى البخور من دفر النسيم له، فمن الصعب ان تعبر عن شخصيات بهذه القوى، وتجسيدهم، وكأنهم قفزوا من بين السطور للواقع، إن لم يمسك ما يمسهم، من الاستحالة، بلى، هو الزين الساذج ومصطفى البارد، هو (قلب صوفي، وعقل علماني محايد)، وتلك هي (المأسأة)، التي جعلته يعيش في الغرب، ويكتب عن الشرق، مأسأة (الحنين الخلاق)،، فالكتابة (هي عيش ثان، بل أول له)، في حين يكون عيشه في الغرب، نتيجة نوازع جسديه، يوفرها الغرب، ولكن ظل الشرق حنينه الداخلي، (هذه أرض النبوءة والشعر)، كحلم، إن لم يكن كواقع، فمأسأة (الشرق والغرب)، مأسأة ذاتية (بين زين القلب، ومصطفى العقل)، وهيهات هيهات لهذه القوى، أن تتحد، ولو حين، ولو خطف، مما يولد سكينة مطلقة، وينبض قلب الكون، قلب الفرد، فلا يتردد النداء في قلب مصطفى، ويسرح الزين وراء غرائزة الغامضة،، بل برزخ موزن، وفلك متسق..

    كنت ارثى لصديقي محسن، وبركة ساكن، والصويم، وسارة الجاك، وناجي بدوي، وسرب مبدع آخر في مجال السرد، والقص، لم لا يلتم شمل الأسرة.. في مصر كان يحي حقي يرعى المواهب، ويتابع، ويهذب، ويوصي، اب وابناء، ولكن ما أكثر الايتام في بلدي، ولكن (تحسب أنك جرم صغير)،وفيك أنطوى العالم الأكبر، تلك هي كوة الأمل فينا....

    كعادة الكتاب في بلدي، كنا نقلده، نحبو على أثره، نبحث عن اسماء (كود الرواس، ومحجوب، وحليمة وسعيد البوم، وبت العريبي)، أحمل كتاباتي الأولى لأخي، فيقول لي "ياخي انت زي الطيب صالح"، فتقر عيني، وأنام وأنا احدق في السقف، سعيدا، راضي النفس، وأحلم بكتابة عن زين آخر، ومحجوب آخر، ودومة حامد أخرى،..

    للحق اغبط الكتاب المصريين، فكل الاجيال معا، العجوز نجيب، والكهل الغيطاني، وحتى آخر سرب، يتسامرون، يتجادول، وتتكون في اغوار كل منهم لمعة نور التفاهم الانساني بين الاجيال، والإلهام اليومي من نبض الشارع أمامهم، وبداخلهم، ولكن.. أنى لنا ذلك، فأديب كالطيب صالح، سيعود للوطن أخيرا، عودا نهائي، ولسان حاله يردد كالرواي، في درته الفريدة "موسم الهجرة على الشمال"..

    (عدت إلى أهلي ياسادتي بعد غيبة طويلة، جثمان عجوز، نصف قرن على وجه التحديد،، عدت بلا حول أو قوة لي، (كما عاد النور أبكر، ومصطفى سند، ومصطفى سيد أحمد والمحجوب)، عدت كي أستقر في كرمكول، أو "البكري"،، عند منحنى النيل، وإلى أبد الآبداين، وكي يفرش لي الناس في اصقاع الارض، المان ومصريين ومغاربة وتوانسه وارجنتينين وخليجيين، وتقرأ عليه الفاتحة بالاوردو، والانجليزي، والفارسي، ويعمل القداس في كنائس الغرب والشرق).

    (4)

    الطيب غريمي، لم أعد أطرب حين يقول لي أخي (ياخي بتكتب زي الطيب صالح)، لا... أيها الطيب صالح، لا أرغب في محاكاتك الآن، صرت، كما يقول المتصوفة (لقينا الباب وبرضو حجاب، قصادنو وطنا، بقينا أغراب)، ويقصودن الباب النبوي، في سعيهم لذواتهم)، للحق صرت أغضب، وأحس بأسى، كيف اتجاوز الطيب صالح؟!!...

    صار غريم، للحق، ثم يأتي استاذ عيسى الحلو في اسئلته المتهكمة: (موسم الهجرة سقف الرواية السودانية)، فنحس بالهوان، كيف نتجاوزه، صارت مشكلة بين الكتاب والطيب صالح، بين الأب والأبناء، (قتل الأب: واجب وطني)، هكذا تحدثنا نفوسنا، فصرنا نبحث في موسم الهجرة عن ثغرة، ننتقده فيها، (ياخي خياله محدود، ياخي ما عالج المشكلة بل طرحها بين الغرب والشرق)، كضبا كاضب، ولكن جوهرنا يتحدى، فأسئلة السرد لا تنتهي، بل استجدت بالكثير، المثير، الخطر، وتسعى لجعل أي كتاب كتب، كأيقونة، وتـاريخ، هكذا تقول الحياة، في لغتها الغامضة، والظاهرة، نكون، أو لا نكون، كما يقول صديقي بركة ساكن، ونستمر نعجب الموسم، وكأن شيئا لم يكن...

    (5)

    كنت اتمنى ان نراه يقلب طرفه في شوارع الخرطوم، يضحك مع نفسه وهو يرى في لمة صبية ما يرى، من عين بصيره، وهو يراقب احتشاد السحب فوق الافق، جبال من وهم، وشعر، وهو يقرأ مسودة لاستيلا، لمجاهد بشير، لمحفوظ، سرب واعد، يتوثب لفجر الغد، والإبداع والتألق.. وخرطوم ساحرة، تمور حياتها بالمسرح والشعر والفنون والحرية والفهم والعدل والمساواة، والعدالة الاجتماعية، والخضرة!!..

    بعد حين نفرت من مصطفى سعيد، وأحببت الزين، ليست مشكلتي صراع الغرب والشرق الآن، أحببت الزين، تلك الأنشودة البسيطة، روميو وجوليت السودانية، بل أعمق وأجمل، فهي بين رجل قبيح ساذج، وفتاة جميلة ذكية ناسكة، إنها الشخصية السودانية بعينها، إنها (الدقة صدرو شيطانو قدرو)، هي العبيد ودريا، وعبدالله الطيب، وادريس جماع، حاسر الطرف عند كل جماله، انشودة العرس تبرز جوهرنا، كنزنا العظيم، روح التضحية، والإيثار، تبرز طرب (القلوب)، وليس العقول، وهيهات هيهات، إنها راحة الضمير الداخلي، العجيب، التي يوفره الإحساس بالآخرين، ورؤية الجمال ساري في الكون كله، بلى كله، ويستوي عندها وجه الزين ووجه تاجوج، ووجوه القرود، والعقارب!!..

    -6-
    لا أمس من عمر الزمان، ولاغد، جمع الزمان فكان يوم لقائك ياتراب وطني الحنون، حيا، أو ميتا..

    -7-
    عاد لكرمكول!!..
    (يقولون من زمان، يقولون في شجن..
    عن والدي الذي مضى..
    وعاد في كفن)!!..

    -8-
    "دفناك"، عند المغيب كأننا نغرس نخلة عجوز، أو نستودع باطن الأرض سرا عزيزا، طيبا، صالحا، سوف تتمخض عنه في المستقبل بشكل من الأشكال (تحوير بسيط لفقرة من سمفونية مريوم ومريود، وخالقهما الطيب صالح)!!..
    ستظل حيا، وكأن الموت لم يخلق أصلا!!...
    الضوء الآن ثابت، يملأ قبرك، محبة ونشوة، كأن الظلام لم يخلق أصلا!!..

    -9-

    الكتابة لدى الطيب مثل مغامرة مجهولة العواقب، في نصوصه يصيبك خوف حقيقي، قسوة، وشاعرية، كأنها كوابيس، أو هذيان، أوشطح صوفي، وجد فاض بقوته، وشدته، ليس إلا، ويجعل القارئ أسيرا له، في بقاء في النص، فناء عما حوله، يصيبه مايصيب شخوص الرواية، يبكي معهم، ويتدثر من شدة البرد، ويحس بالوحشة، والفوضى، ولامبالة الطبيعة، حقيقة، لا مجاز، حتى وحشية قتل، أو انتحار نسائه، تدخل ضمن تلك الحالات الحاسمة، من فورة الغضب، أو الرغبة، حين تكون الحياة هي السيدة الأولى، وليس الاعراف والتقاليد، أو حتى الأديان، بل أنزلت الأديان لتطليف، وصقل وتهذيب الحياة، ولكن في توحشها، لا تأبه لشئ، سوى دفقها، نفسها، في هذا المقام المنفلت يكتب الطيب صالح، وأمثاله من الكتاب الكبار، لذا دوما يؤكد في لقاءاته أن يحذر الكتابة، ويخافها، مثل همنجواي، لذا كان شحيح التأليف، نادر السرد، وتلك مصداقية حقيقية، جعلته نادر الكتابة، نادر المثال، يتهيب الكتابة، لإنه تعجله على حافة الجنون، والتجلي الخطير، حيث صعق الكتابة الحقيقية، وهي تنبعث من قلب محب، وعقلك حائر، فتأتي الكتابة كعرق الفلاح، يتدفق من كل مسامه، ويبرد جسمه، وتتطهر روحه، ويحس بطرب أصيل، يعقب آلام الطلق، وأنين المحتضر، لميلاد جديد، نضر البيئة، جديد الملامح، نادر المثال، وتبقى كتابته نادرة، ذاتية، صادقة ومؤثرة، وتحتمل كل التأويلات، لأنها نبعت من عقل لا جمعي، غريزي، حيث تعبر الحياة عن نفسها، بعيدا عن الأطر، والتقاليد، والأعراف، جديدة كل الجدة، ورثية حيوات قديمة، منسية في سراديب العقل في كوش ومروي، وكرمكول، والغرب والشرق، بل تداعيات جينية من سلالة لأخرى، في سلم التطور، حتى الكاتب لا يحس بما كتب، ولا يقدر ما يكتب، إلا بعد حين، حين تزول الحالة الكتابية، حالة الألهام الخلاق، ويعود الكاتب إلى بشريته، ويجد أن ما كتبه هي حالة، تعتري الصادقين، الموهبين، والمناضلين في سبيل لمس وقبض جوهر الحياة المقدس، فتخصب الكتابة حياته، وحياة كل متلقي، وقارئ وناقد، بل يجد النقاد مائدة دسمه، للتأويل، والتحليل، فقد انفجر نبع إنساني، عصي التأويل، والتحرير، وكأنه إنسان قادم من المستقبل البعيد، بعد أن ورث كبد التطور، ورقة الوجدان، وشفافية الرؤية البعيدة، والتمثل الخلاق، لمعاناة الإنسان، مطلق إنسان، وهو يبحث عن حريته، جوهر حريته المطلقة، بكسر سلطان الزمان، وقيد المكان، بحثا عن خلود، وبقاء سرمدي، صاف، ونقي، وخصب، وومتع، ومطلق، وإلا تظل الروح أسيرة عرف، واغلال إرث، وقوالب وعي مكرور، وتظل تنفس زفرات حارقة، بحثا عن كينونتها، وسرها الكامن، ذلك السر، الذي يحرك الأقلام الكبيرة كي تستتغيث، وتصرخ ملء فمها، ملئ جسدها المقبور في أوحال الوعي الماثل، بلسان حالها، ومقالها: (النجدة، النجدة، النجدة)!!..

    وتلك هي مأسأة مصطفى، والزين، والطيب، وكل المقابر في الأرض، تنعي فكرة محاولة الانتصار على الكائن الخفي، القاتل الجميل (الموت)!!.. مات مصطفى سعيد، ولحق به خالقه، كما لحقت بهم حسنة بت محمود، وود الريس، كلاهما ضحية، هذا فحولته تجاه امرأة (ممتلئة مثل عود قصب السكر)، وتلك وفائها، وعفافها، وحريتها الإنسانية!!...

    النجدة، النجدة، من ملاك الموت، ملاك المعاناة البشرية القديمة، والمعاصرة، بكل تجلياتها،.. النجدة، النجدة!!..

    (10)

    لم أحزم أمري، وأنا أنهي المقال، أنهي متعة تذكر الطيب، وعوالمه، وصوته، متعة أن تجتر لوحة، ولون ونغم ودهش، فقد كان ابا، وحلم، وغريم، لم أصدق خواطري وهي تستعيده بداخلها، عالم يطفو بالروح، والبصيرة، أحسست بأني أحبه أكثر مما اتوقع، لا شعوري يحبه أكثر من شعوري، قد تكون بعض من مواقفه الساذجة في السياسة، هي من خلقت فتور، وبعض غباش عن أصالته، المعروفة كمبدع وقاص وروائي عالمي، وليس كرجل ومناضل له رسالة تامة وكاملة، تجاه شعبه العظيم، الغارق في الجهل، والأمية، والفقر، وكأني أطالبه بالالتزام، وليس متع القص والحكي، والتسامر..

    حين شرعت فيه، كذكرى وحنين، ووفاء للطيب، لم اكن احس بأني سأتجاوز الألف كلمة، لم اتوقعه، جرى كإعصار، بلا حول مني، أو قوة، برزت ذكريات وقراءات قديمة، روائح بيتنا، وصور الصلحي، وقرقرات الزين، فعالمه كشف جوهر الشخصية السودانية، الشخصية العصية الوصف، والتي برزت للعالم واضحة المعالم في الزين، والحنين، وود الرواس، وحواء بت العريبي، وحتى مصطفى سعيد، السوداني المهاجر، هو هو، مثال حي لكل سوداني، مشرب بالشرق وكوش وعلوة والخلاوي، والعشق الصوفي، ووجد نفسه امام بساطة الروح، وتعقيد العقل المفتعل، وتلك أزمة عالمية، كونية، ووجودية..

    وبرحيله، كم فتح الحنين له، عوالم رحيله، متعة القراءة، بل صدى قراءات له، أشبه بالتنويم المغناطسي، حيث انت لا أنت، بل هي عوالم مخلوقة من خيال خلاق، ولغة سلسلة راقية، وشخوصية حية، تلفك بعوالمها، وسرحانها العظيم، فتكون قراءته أشبه بعوالم أليس في بلاد العجائب، بلاد السودان المنسية العظيمة، بممالكها المسيحة والصوفية والدينية والافريقية،، ذاك هو الطيب، وهذا هو السودان، المغمور، الجائع، العظيم..

    حقا، (أن الكلمات على ورقة تجعل العالم متسقا)، وهكذا صاغ الطيب عوالمه، متسقة، كأنها واقع حي، ليس إلا، واقع شاعري، ملحمي، نادر، بطريقته!!...

    (11)

    فالقارئ ملك، وليس شحاذ على قارعة الكتاب، هذا ما يحدث لكل قارئ، أو زائر لدوحة الطيب صالح، تلك البساطة، بل أنشودة البساطة التي تملأ كأسات كتبه، تجعل القارئ يحس بأنها منه، وبأنها تعبر عنه، وبأنه قادر على كتابة مثلها، وتذوقها، والتمرغ فيها، بل وكتابتها، وأن تمنعت بمقولة السهل، الممتنع، إلا أن سهولتها تلك، تخلق البطولة التي تصبغها النصوص لكل قارئ، في كل زمان ومكان، يحس بغبطة الكتابة، هو المقصود، غاية، وليس وسيلة، هي أس الفرح بما يكتب، إنها اشعة الشمس، لا تضمر في دخيلتها تمييز بين المؤمس والولي، بين الشحاذ، وقاطني القصور، بل تجري من أمها الشمس، وتدخل كوخ هذا، وقصر ذاك، وتلاعب الكلاب، وقاع البحار، بتواضع جم وأصيل، فالطيب ينصب الكل ملوكا، حتى ابطاله هم حيارى، بسطاء، سذج، سواء الزين، أوا لحنين، أو حتى مصطفى سعيد، المسكين، والذي انهكه عقله الجميل، فشرق وغرب، ثم ارتمى في احضان قرية بسيطة، بحثا عن السكينة، والتأمل، والاحساس بالرحم، وبالدفن كبذرة في دفء عشيرة، وأناس لم تلوث تربتهم ترهات العقل الأوربي، وصراع الرأسمالية في الثراء، الثراء المطلق، والذي لا تروضه قيم، أو امتعاض، أو نقابات، بل صارت الكون عبيد وأسياد، بصورة معاصرة، متوارية خلف بعض حق،ونتف حرية..
    كما انه يحتفي بلمة الناس، يصور لك جلسة ا مام دكان سعيد، أو عرس الزين، أو ونسة على ظهور الحمير، بشاعرية مفرطة، بل حتى الذهاب للصلاة، في ثلث الليل، في تلك الواقعة الاسطورية، والخوف اللذيذة، سطره بألق، وعبقرية، تحتفي بالبسيط، تحتفي بالقوت من الفعل، والقوت من الانفعال، وترى الله، ساري بجماله في كل شئ، بلى، في كل شئ. وكأن مشروعه الروائي هو تجسيد الأية الجميلة (اينما تولوا فثمة وجه الله)، ذاك الوجه المليح، العصي الوصف، الساحر، والذي لو كشف قناع تمنعه، لقطعنا، مع نسوة يوسف، أيدينا، وقلوبنا، بل ووجودنا الحسي، وصرنا أقرب للفناء، ا لفناء في عوالم الغناء، عوالم القارئ الممتعة، وغبطتها الأسطورية!!.


    نشرة بملحق تخوم الثقافي
    بجريدة الأحداث
    الثلاثاء 24/2/2009م

    ...
                  

02-25-2009, 12:18 PM

كمال علي الزين
<aكمال علي الزين
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 13386

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    (*)
    (الظلام الآن ثابت، كأن الضوء لم يوجد أصلا)
                  

02-25-2009, 12:31 PM

Mohamed Abdelgaleel
<aMohamed Abdelgaleel
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 10415

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: كمال علي الزين)

    Quote: ويعود موسم الهجرة للذات، الكتاب الحبوب، الصديق، الاكثر قراءة في تاريخي الشخصي، تحت مخدتي، مثل الموبايل، ورسائل الحبيبة، ودعوات أمي، عوالم تحت مخدتي
                  

02-25-2009, 03:20 PM

khatab
<akhatab
تاريخ التسجيل: 09-29-2007
مجموع المشاركات: 3433

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: Mohamed Abdelgaleel)

    خالع جِبة العمر الجميل

    كما لبستو

    زمان

    مرقَع بينا

    سِحَن يابا

    ومزيج

    الوان

    جلباب استوائى الخيط

    شايله خُطاه ُ

    نُقاره

    سايح فى بلا د الله

    و مالى

    الخلا

    دوبيت

    رُويك يا خال

    دخل كم بيت

    حُكاك

    ياعم

    ناغم لي حواس

    الناس

    بلسان حالهم

    اتكلم

    أضحك .. أبكى

    فتح فى مُغلق

    احلا منا

    كم سكه

    رويك ياعم

    هبش كم خاطر

    نبش فكره

    حُكاك ياخال

    !
    .
    .
    .
                  

02-25-2009, 08:23 PM

خالد عويس
<aخالد عويس
تاريخ التسجيل: 03-14-2002
مجموع المشاركات: 6332

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: khatab)


    كرم الله
    هاتفتك كثيرا من أجل العزاء في الفقد الكبير، والدتنا جميعا، وتركت لك رسالة على الهاتف النقال.
    والآن، أعزيك في الفقدين الكبيرين، الوالدة، رحمها الله، والطيب الصالح، كما يدعوه صديقه الأستاذ محمد بنعيسى.
    ***
    أحس بوحشة عميقة، وغربة وجودية أعمق برحيل الطيب صالح يا كرم.
    تعرف، حين تفقد (أبا روحيا)، فالفقد لا يقل فجيعة عن فقد أب.
    ***
    الحزن عميق، عميق جدا.
    ***
    لماذا كان الطيب صالح - بالنسبة لنا - أشبه بمعادل للوطن.
    وكأنما هو وطن قائم بذاته، ننتمي إليه كما ننتمي إلى الوطن ؟
    وكلاهما عظيمان ؟
    ***
    أسئلتك حارقة يا كرم، حارقة، لأننا نعيش غربة مكثفة، بعيدون عن الوطن، بعيدون عن الأصدقاء، بعيدون عن الفرح، بعيدون عن نكهة الخرطوم وروائحها وليلها ونهاراتها.بعيدون عن مقاهيها، لا يحق لنا أن نحتسي قدحا من القهوة مع عيسى الحلو أو إبراهيم إسحق، أو نلتقي صدفة بستيلا، أو خطاب أو محسن خالد.
    لا يحق لنا - برغم صداقتنا - أن نلتقي يا كرم.
    ***
    وتخيّل، نتبادل العزاء الآن في "طاغورنا" و"هينجواينا" و"تولستوينا" و"ديكنزنا" على الإنترنت، أو عبر الهاتف، فهناك - الآن - خارطة للكتاب السودانيين، بعضهم في أرخبيل غرب الكرة الأرضية، وبعضهم يقاسون صقيع أمريكا الشمالية، وبعضهم يكابدون الوجع في أستراليا وأوروبا، وبعضهم مكبلون قرب الخليج العربي !!
    ***

                  

02-25-2009, 10:37 PM

الوليد محمد الامين
<aالوليد محمد الامين
تاريخ التسجيل: 04-10-2003
مجموع المشاركات: 1447

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: خالد عويس)

    Quote:

    (الظلام الآن ثابت، كأن الضوء لم يوجد أصلا)
    موسم الهجرة، ص 115، دار الجيل





    يا لهذه البلاغة يا عبد الغني ... ياللبلاغة ....



    ثم ياللأسف ياعبد الغني ... ياللأسف :

    Quote: وللحق نحن قوم رحل، وطن مجاز، (أضغاث أحلام)، أيدي سبأ، ترعى نفسك بنفسك، وحيدا، ووترا، يعيش ويموت الطيب في بلاد، وسند في بلاد آخرى، ويجن إدريس، وينتحر أبو ذكرى، وتمتلئ حقائب الشباب بمسودات جاهزة للولادة، والتأثير، والطرب، وطن مجاز، مجرد تصورات باهتة، لا وجود لها في الأرض، بل إذهان أحزاب وأفراد، وقتال (رؤى)، كما يقول دينق، وهذا أو (الطوفان)، في عين حكيم الحارة الأولى، ونخبة أدمنت الفشل، والقسوة، والهوس، كما يشير منصور خالد؟!!...

                  

02-26-2009, 06:07 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: khatab)



    خطاب الحبيب..

    أنتم أدرى بالشعر، ودروبه، وخمرة..
    هل رأيت وجه الشعر الصبوح في سطور الخال صالح، والعم..

    كدي نقيف، كي نردد معك، مرثيتك العميقة، البسيطة، الصادقة، الموحية، زي مطرة.

    خالع جِبة العمر الجميل

    كما لبستو

    زمان

    مرقَع بينا

    سِحَن يابا

    ومزيج

    الوان

    جلباب استوائى الخيط

    شايله خُطاه ُ

    نُقاره

    سايح فى بلا د الله

    و مالى

    الخلا

    دوبيت

    رُويك يا خال

    دخل كم بيت

    حُكاك

    ياعم

    ناغم لي حواس

    الناس

    بلسان حالهم

    اتكلم

    أضحك .. أبكى

    فتح فى مُغلق

    احلا منا

    كم سكه

    رويك ياعم

    هبش كم خاطر

    نبش فكره

    حُكاك ياخال

    !
    .
    .


    حبيبي خطاب،..
    ماذا انا فاعل، وكيف اصف عوالم الطيب، وأنى لنا ذلك، ولكني ابوح لنفسي، كيف يكتب الشعر، بل الشعر العظيم من خلال السرد... هل تصدق ما طرحه من افكار عن حوار الشرق والغرب، وصراعه، ليس بيت القصيد، ولكن تلك السفمونية الجمالية، ذلك الاعجاب الخلاق بالشعر، بالسرد، بالصلاة في ثلث الليل، بالرحلة القاسية والجميلة معا من ود حامد لتخوم ام در، بعرس العوير الزين بنعمة، بروميو وجوليت السودانية بين مريوم ومريود، كيف وهب هذا الاسلوب الاسطورة في وصفنا، بل وصفنا، لا أكثر ، ولا أقل، وصف لمة بسطاء جنب دكان سعيد، أو حديث وونسة على ظهر الحمير، أو وصف طفل يحدق في النيل، ويرمى الحصى، إنها وقائع تحدث كل يوم، ولكن من يصفها كما هي، ..

    قد يحس الشعراء، به، أكثر، وأعمق، فهو شاعر خلاق، كتب الشعر بالسرد..

    البركة فيكم، وفي الجميع، صديقي الخلاق، خطاب..

    عميق محبتي، وتقديري، وهكذا الوطن، أيدي سبأ، سافر المبدعين هنا وهناك، ويارب يلتئم الشمل، وتعود الحمامات للعش، والنيل، والحكي العجيب في البيتوت واركان الدكاكين..


    محبتي..
                  

02-26-2009, 06:41 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: Mohamed Abdelgaleel)



    العزيز جدا، وأخوي أستاذ/ محمد عبدالجليل..

    لكم المحبة العظمى..

    انت عارف العلاقة مع موسم الهجرة إلى الشمال، مثل علاقتي بأخوتي، والغروب، وصمت الليل في القرى، والذي تغازله زقزقة عصفور، أو نباح كلبه ودكديم.. تحس بأنها علاقة قديمة، ومتجددة، وتحس بأنه كتاب غريب، وعجيب، وكامل...

    فهو من (عدت يسادتي، وإلى النجدة النجدة)، متقن السبك، لا ترهل، ولا تكلف، بل صرخة وغنوة معا، فالكاتب حين يكتب، تمر به حالات البسط والقبض، ويمكنك ملاحظتها في سطوره، فهنا كتب بألق، وهنا كتب بمكر، وهناك كتب بعشق، بل (كتب)، بضم الكاف، فجاءت (الموسم)، كإلهام سماوي، من الألف للياء، لا تحس بين سطورها الدافئة، العظيمة، سوى بأنك ثمل، وبأنك في قلب الحدث، وبأنها مكتوبة شاعرية، تلامس أرق أوتار الروح، وتعزف فيها ألق عظيم..

    هي كذلك..
    بل أكثر..

    لي عودة للموسم، وإن طال الزمن، ..

    عميق محبتي..
                  

02-26-2009, 05:43 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: كمال علي الزين)

    الكمال، ود الزين..

    كنا نقطع فيك، مع صديق وفي، ويعشق القراءة..
    فقلنا فيك، ما قلنا..

    وربي كم حزين، شهر واحد، تسافر أمي، ويعقبها الطيب،
    وفاة في بيت واحد، وربي..

    هل تصدق، أن قلت لك، بأن عرس الزين يذكرني البيت، أقصد الكتاب، فالرسومات عليه، ورائحة الورق، كلها تذكرني طفولتي، وأخوتي، ومكتبة أخوتي في الصالون الطيني، فصار الطيب، وكتبه جزء من نسيج ذاكرة، ووقائع مبهمة في الطفولة، فالطفولة ترى الاشياء بصورة من الصعب حتى تذكرها، فلذا صار الطيب، بالنسبة لي، ولك، شئ من ذاكرة، مضمر بداخلنا، كغريزة الجوع، والجنس، والدهش، والبحث عن معنى، ومغزى..


    محبتي، والبركة فيكم، في رجل سوداني اصيل، له موهبة عجيبة، ونفاذ لجوهر الشخصية السودانية، والأنسانية، رجل هضم جماليات اللغة، وسحرها، وجناسها، وكناياتها، وتمثلها بروحه، ودفقها في شاعرية السرد...

    شاعرية السرد..
    سردية الشعر..


    كاتب جمالي، من طراز فريد..

    عميق محبتي
                  

02-26-2009, 09:37 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: عبدالغني كرم الله)


    الحيب، الجميل،
    اخي وصديقي عويس..

    في البدء، اعتذر عن لقاء براق "الموبايل"، فقد شرب زيت سمسم سوداني، رمته بنت أختي الصغيرة فيه، عن عمد، فقد تصورت بأن الزيت يصلح للفول والسلطة، والموبايل..


    هل تصدق، وصلتني رسالتك في العزاء،، وأنا في الطائرة، في طريقي لأمي، المسافرة للبرزخ، ولأخواتي الحزينات، وأخوتي، وأهلي المحننين بالفقد، وفتحتها، وللحق شعرت بأنكم معي، وربي، روحا وجسدا، ولا سلطان على الروح،.. والتلفون قطعت كهربته لمكلمات التعزية من الاخوان والاخوات بالدوحة، ولم يجد صديقي عبدالحميد الشبلي، الذي نمت معه ذلك اليوم، لصداقة عميقة بيننا، تتجاوز الرحم التقليدي..

    وفي الوطن، أحسست بأنكم معي، حيث اكون، فرحيل الأم فقد عظيم، بما تعني الأم، من عظمة، وهيبة، وحنان، وعوالم من العاطفة التي لا تنفد أو تقل،..

    وهاهو ملاك الموت الجميل، يقطف زهرة إنسانية عظيمة، تضوع أريجها في البلاد، فرحا، وطربا سرديا، وشعريا، وملحميا، عظيما..

    الطيب الذي كتب الموسم، والعرس، وبندرشاه، والدومة..
    بعيدا عن الصراع في الموسم، فذروتها في تلك الملحمة الشعرية، الطيب صالح شاعر كبير، شاعر إنساني، صب رؤاه الشعرية العظيمة في قوالب السرد، ليس إلا..

    الحيب..
    أمي، والطيب، معا.. كلاهما شكلا الوجدان، والمذاق، والجهاز العصبي.. كلاهما، كل بطريقته، تلك بحنانها، ورحمها، وصبرها، وتربيتها، وهذا بمشروع كتابي عجيب، يعجل القارئ بطل حقيقي، أي قارئ، بما يلامسه من ومض وخطف شعري، يروي سطوره كلها...

    حلاوة القراية ياعويس، جسدها الطيب صالح، نصبنا ملوك بتلك الغبطة التي تعتري القارئ، وهبنا خمر حلال، حلق بنا في سموات الروح الإنساني، هذا الاسمر الموهوووووووووب..

    إنه كاتب جمالي، اولا واخير، "ليس إلا"..

    زغرودة النساء في عرس الزين، تلك الزغاريد التي عطرت سماء القرية بالفرح، ونقلت اعجب واجمل وارق عرس في الكون، بين طفل عظيم وفتاة عظيمة، رأت (الإنسان)، في الزين، ولم ترى المظاهر..

    فتاة تحس بالتضحية، تحس بالآخرين، طوبى لها، كم اغبطها على هذا الزواج الاسطوري، والذي سمعت زغاريده العرب والافرنج ..


    سلامي ومحبتي
                  

02-26-2009, 10:06 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: عبدالغني كرم الله)



    أخوي الوليد محمد الامين..


    كيف حالك،..
    نعمل شنو، وطن مشتت، حبوبات في ايطاليا، واطفال في استراليا، وفتيات في كوبا، ألخ..
    تذكرت نكتة، حكها الاخ عزام.. في بوست السني الضيع كلمة المرور..

    قال:
    انو واحد مشى احد المطاعم، ساعة الفطور، يسأل عن صاحب المطعم..
    فرده عليه الجرسون..

    ياخي صاحب المطعم قاعد يفطر في المطعم (المجاور)..



    دي حالنا، نيل وغابة وصحراء، وجبال، ومائدة حجمها مليون ميل.. وبها غذاء فكري وحسي ومعنوي يطال الجبال..


    ومع هذا، نفطر بره البيت، بل ونموت برة البيت..

    مجتمع جديد أو "الكارثة"، كما يقول نجيب ذكي محمود..



    هسي شوف كم واحد فاطر بره، عشان مطعمنا أكلو نيئ، وباهت، واسند الامر لغير أهله..


    عميق محبتي..
                  

02-26-2009, 10:48 AM

Mohamed Abdelgaleel
<aMohamed Abdelgaleel
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 10415

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    اتصل بي أحد الاخوان طالباً أن أعلن بالمنبر أن منتدى
    الاربعاء الأدبي بالرابطة الرياضية الصالحية سيقيم
    ندوة (دراسة تحليلية ونقدية عن موسم الهجرة إلـى
    الشمال) مساء الاربعاء 25 فبراير 2009م وأجبته
    بالموافقة والفرح وبعد دقائق أنزلت البوست ولكني
    استبدلت (دراسة تحليلية ونقدية) بـ (حوار حول)
    فكثافة موسم الهجرة تستعصي على دراسة تحليلية ونقدية
    عاجلة و (العاقل طبيب نفسو واخيرلو سترتو ما يتشابى
    للحاجة إن بقت ما قدرتو) وذهبت للندوة وقال لي
    مقدم الندوة عندك مداخلة حوالي (10) دقائق وكنت
    أريد أن الخص الندوة لانزالها في المنبر فصرفت
    النظر عن التسجيل وبقيت مثل طه حسين عندما جاء لأداء
    فريضة الحج - حيث قال (كنت أردد ما يقول المطوف
    بلسان وبقلبي أقول مناجتي الخاصة لربي فكنت أثنين
    في واحد)، وكنت أتظاهر بمتابعة ما يقوله المتحدث
    الرئيس وقلبي مهموم بمسؤولية عشرة دقائق حديث حول
    موسم الهجرة وصراعها الحضاري الثقافي ونساء مصطفى
    سعيد القاتلات المقتولات وعين ودالريس الطايرة
    ولسان بت مجذوب والوريقة التي حوت (لعنة الله عليك
    يا مصطفى سعيد) ومجتمع مسرف في الحياة وآخر كشجر
    السيال تحورت أوراقه شوكا (نتح قليل وحياة صامدة
    طويلة) .. وأنا على هكذا حال طلب مني أن أتقدم
    للمداخلة وظللت أقفز هنا وهناك على الجسر الذي
    أقامه الطيب بين لندن وكرماكول التي غادرها وكل
    إنتاجه الادبي من وحي إلهامها وقد قال مرة: غادرتها
    وليس هناك ما يستحق أن أغادرها.. مثل النخلة التي
    رآها من النافذة:

    والنخلة في الليل المهول
    وحيدا بتقاسي الرياح
    فارس يدارق في الرماح
    لا أنه لا رمى للسلاح
    لا خان بصيرتوا الانتباه
    (من قصيدة النخلة لحميد)

    ولم أجد بدا من استخراج ما سجلته أنت في هذا
    البوست من جيبي لأقرأ على الحضور الفقرة التالية:

    Quote: (الظلام الآن ثابت، كأن الضوء لم يوجد أصلا)
    موسم الهجرة، ص 115، دار الجيل

    (0)

    ثمة عيوب جسيمة في حياة مصطفى سعيد!!.
    ثمة عيوب عديمة في "موسم الهجرة إلى الشمال"..
    هكذا الكتابة، أن تغوص في شخوصك كما لو أنهم أنت، وأن تكون محايدا، كما لو
    أن صدرك "صب بالاسمنت"، متفرج ذكي، بينك وبينهم برزخ، وكأنك لا تعرفهم، فتأتي
    الكتابة، في أصالتها، وكأنها دفق غريزي، لعقل جمعي، تضافرت في نسجه ملايين
    السنوات، والوقائع، والأحداث، وحكمة غريبة ترعاه كنعجة حبيبة، ترعى القلب
    والذهن معا، بصورة مواربة، غامضة، تحس، ولا تفهم، وحينها يشئ العقل عن نفسه،
    ومكنونة، مثل ما شاء في (الموسم)، وغيره من الكتب العظيمة، تحس بأن الفن ليس
    طرب، ولكنه قرن استشعار، وهوية ذاتية، وجمعية، وإنبثاق الفطرة الأم من كمونها
    القديم وإلا لم اشتكى مصطفى سعيد، السوداني الذكي، وامتعض من حوار وصراع
    الحضارات، وحوار الذات، والاغتراب الداخلي العميق، قبيل المفكرين، وأشباههم!!
    ثم سرح بحثا عن ذاته، من لندن، وإلى قرية مغمورة، عند منحنى النيل، النيل الذي
    ينحني كخصر حسنا، أو خيط بخور، بعد أن تشبع عقله وقلبه بالثقافة المتاحة في
    الغرب والشرق، وظلت دواخله طمأ، لجوهر الحياة، الغائب، هنا، وهناك!!..


    بعد أن حفظت لك حق الابداع

    رحم الله الطيب صالح
                  

02-26-2009, 11:28 AM

rosemen osman
<arosemen osman
تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 2916

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    ظ
    Quote: كنت ارثى لصديقي محسن، وبركة ساكن، والصويم، وسارة الجاك، وناجي بدوي، وسرب مبدع آخر في مجال السرد، والقص، لم لا يلتم شمل الأسرة.. في مصر كان يحي حقي يرعى المواهب، ويتابع، ويهذب، ويوصي، اب وابناء، ولكن ما أكثر الايتام في بلدي، ولكن (تحسب أنك جرم صغير)،وفيك أنطوى العالم الأكبر، تلك هي كوة الأمل فينا....


    سامحك الله لم أدرك بأنا يتامى الا عندما أخبرتنا
    Quote: مقولته (أنني لست ريشة في مهب الريح، ولكني مثل تلك النخلة، مخلوق له أصل، له جذور، له هدف)، رتلتها بخواطري كآية

    وتلونا على روحنا التى ثوى على صدرها الخوف تلكم الآيات فأطمأنت
    Quote: الطيب غريمي، لم أعد أطرب حين يقول لي أخي (ياخي بتكتب زي الطيب صالح)، لا... أيها الطيب صالح، لا أرغب في محاكاتك الآن، صرت، كما يقول المتصوفة (لقينا الباب وبرضو حجاب، قصادنو وطنا، بقينا أغراب)، ويقصودن الباب النبوي، في سعيهم لذواتهم)، للحق صرت أغضب، وأحس بأسى، كيف اتجاوز الطيب صالح؟!!...

    ونضوت عنا ..عنك ثوب نتوارى خلف ثناياه أمام أنفسنا والآخرين


    يا غني أى حرف فى نصك مدعاة للوقوف والتأمل ويفتح بوابة الى عالم مختلف عن سابقه
    رحم الله أبانا وأغناك الله من فضله

    محبتي واحترامي
                  

02-26-2009, 02:21 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: rosemen osman)

    صديقي القاص الفنّان عبد الغني، مشكور ياخي على هذه الكتابة الباهية، التي فَوَّقتني على رؤى كثيرة بخصوص مستر سعيد والزين.
    أعزيك في رحيل صديقنا الكاتب الطيب صالح، وكن بألف خير
                  

02-26-2009, 03:34 PM

عزاز شامي

تاريخ التسجيل: 01-08-2005
مجموع المشاركات: 5933

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    يا غني،
    البركة فيكم و البركة في حروف و عوالم فقدت أب صادق بمرق شخوصه من جب التنطع و التشكل و التلون و التماهي
    بيمرقهم كما ولدتهم طبيعتهم الأم ...
    ضعفاء ...
    بشر ...
    بمليون بعد
    افريقي .. مهاجر ... قروي ... كوزمزبوليتان ...
    ...

    الكلام قصير و بيرجف ما قادر يقيف في نعي الطيب صالح،
    قرأت الكثير في الفترة السابقة،
    بعضها مموج حتى حمدت الله ان الطيب صالح مات دون أن يقرأ تلك اللزاجة في الحزن عليه
    و ألا يرى نفسه معروضا في فترينات الحزن المفبرك ...
    و البعض و انت منهم و الحق يقال، في قراءة نعيكم له متعة اختلسها، فنحنا ربونا (الموت) أشبه بالآله...
    و في حضرته تموت المشاعر الايجابية، و تلبس خمار تداري بيهو شرعيتها في الحياة ...

    بس الموت حقيقة
    عارفها هو قبلنا
    و هزمها بالمنسي و مريود و مصطفى سعيد
    نقل ليهم حياته، زرع فيهم روحه
    و كل ما تفتح رواية له، و تقرى فصل، بيجوك مارقين، و بيتجدد فينا، و تُبعث فيه الحياة ..
    المخلد منو يا غني؟

    و هي الحياة مرقةو نزلة نفس؟

    و لموت لمن أحي كل من ذكرت بعاليه،
    أكثر عمقا و جدوى من هم احياء كالاموات...

    الحزن كتير يا غني، و الفقد حار، بس ما خلانا يتامى من كتابة لا فقراء من زاد
    خلانا أغنياء
    ورّثنا حياته ...


    ابقى طيب،
                  

02-26-2009, 04:34 PM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: عزاز شامي)

    ....

    بورتريت "الطيب صالح"!!

    أحب الرسم، وقطعت فيه شوطا لا بأس، بل للحق لم أكن اتصور في يوم من الأيام، أن يرمي بي الله في عوالم السرد والقص، كأصدقائي محسن، والعويس، وبركة، وأبكر، وأستيلا، وكنت قاب قوسين، أو أدنى، من الولوج لعالم اللون، وأضرب في الأرض منكوش شعري، ممزق الثياب، غارقا في تأمل سحرالغروب، وسحره، وسر الشجن الذي يولده في النفوس، خاضعا لنعمة البصر، وهي تقلب الطرف في خصور البنات، وتلك الظلمة العجيبة المثلة، التي تخلقها فتحة الصدر، بين النهدين، والتي تحرك أدق خواطر النساك، فلنا معها علاقة قديمة، أي تلك القطعة المثلثة، أو ذلك الحقل الثلاثي الاضلاع،، سواء بالرضاعة، أو الهيام، ولاشك تسحرني رقة الكتف، وأنزلاق اليدين، حين تشمي الحسان، وكلهن حسان، أو حين يرقصن، وللحق حين يرقصن، يهرب الشعر من المتنبئ، والعباسي، وجوته، ويذوب في كل حركة، تشئ بالانوثة، والغنج، والحياة، الحياة، ماذا قلت؟ ..

    ولكن جرى القدر، بما سطر، وانحشرت، بقدرة قادر، مع أصحابي اولئك، أهل الشأن، وسكارى المراقبة، فالقاص مراقب فاشل، يتفرج على الحياة، وكأنها خارجه، بل لو الأمر بيده، لتسكع في الشوارع، مغازلا الغبار، والباعة، والنساء، والحانات، والسجون، طفلا، كي يكتب، ويعشق، ويعترف بسيرته، وسريرته، معا، فهو يبحث عن كبد الحياة، عن جوهرها، بعيدا عن لبوس الدين، وغبار الاعراف..

    وكان ذلك من خلال خطاب ارسلته للحبيبة اماني بشير الكندو، بنت أختي، وعثر صديقي استاذ حمد جون، والذي ساكنته سنة، هي الأحلى والأغلى في حياتي، قرأ الجواب بمهل، وقل لي جادا:
    (فيك حس سردي عجيب)..(وجه باسم لو ممكن)..
    ياخي..
    لم أصدقه، كما لم اصدق كائن من كان، فالشك يجري في دمي، ولكن قلت أحاول، وللحق كنت متوترا، طوال اليوم أكون متوتر، ولقد حاول صديقي احمد جون المستحيل، كي يعالج هذا التوتر، مرة، أوصاني بالنحت، قائلا (النحت معاك كويس، لأنو بوحدك، يعني فكر، ويديك وبالك بتكون مشغولة، كما أنه يتطلب قوة كي تجسد الفكرة كما هي، ودي بتخليك مشغول طوالي، وبعدين لمن التمثال يكتمل، بتحس بخمر الانجاز، كدي حاول)..

    ولم أحاول..
    المهم جرت الاحوال، وصرت أكتب، وأكتب، وأكتب، وأضحك على كتابتي…

    يظهر الموضوع جرى..
    نرجع لبورتريت الطيب صالح..

    حاولت رسمه، من حسن الحظ، ان الطيب صالح كثير الزيارة للدوحة، وكنت أتأمله عن قرب، جلست في الكراسي الأولى، رغم كرهي لها، من الابتدائي، وأكره الكراسي الأولى، ولكن مع الطيب، فالأمر مختلف، وكانت محاضرة غراء (هل تصلح غراء)، عن ابي العلاء المعري، شدني طريقته في تذوق الكلمات التي ينطقها، كأنه يلوك حلاوتها، ولا ينطقها، الكلمة العربية، أي كلمة لها جرس عجيب، وموسيقى ساحرة، تصلح كنغم بذاتها، دون تشد أزرها بكلمات أخر، لتكوين جملة، أو فقرة، أو حتى معنى، ينطقها الطيب بقدرة قادر، بصوته الجهوري، وتحس بالتعب الذي بذل في الجاهلية، في مضارب أولئك القوم في خلق وتهذيب وتشذيب هذه اللغة، وللحق هي لغة شاعرية، لغة جرس وموسيقى، ولقد ظلت مئات السنين تأوى الشعر فقط، وأي شعر، إنه الشعر الجاهلي، شعر الصحراء الذهبية والسماء الصافية، والنجوم البراقة، والهدوء، هدوء يشعرك بانك قادر على مسك الكلمة حين تخرج من الفم، ورؤيتها ترقص في الاثير، كحمامة بيضا..
    تعجبت من قدرته على الحفظ، يحفظ آلاف الابيات من المعري، وابي العلاء، والمتنبي، وذو الرمة، وتأبط شرا، والحاردلو، وشعراء البطانة، وفي ذلك اليوم سحر الجميع بصوته الرخيم..

    ولكن ما شدني، هو تلك الحالة (الهذيانية)، وربي، أنه مصاب بالهذيان، بمعنى انه عايش في عالم يخصه، عالم كثيف المعاني، يجعله ينظر لمن حوله كأنه طفل نائم، ثم حملته أمه لحفل، وفجأة فتح عينيه، أقصد الطيب صالح، ووجد العرس قائما، هذه الصورة هي طبق الاصل لنظرة الطيب صالح، يفتح عينه على أوسع وجه، ويحدق في الاشياء البسيطة كأنها يراها للمرة الأولى، وينطق الكلمات كأنها تحمل طعم ثمار الجنة، ويكثر من كلمة (لعلى)، عن نفسه، لعلي كنت أقصد، لعلي كتبت هذا الموضوع بدافع الحنين، كأنه مسكون بقرين، هرب من واد عبقر، ويملئ عليه عشية وضحاها...

    أي، كأنه قبيل من الجن، وهو بسيط، وغير ذلك معا، محرج كالأطفال، ، وغير ذلك معا، حينا يفهم الاشياء، ويرواغ، كالترابي، بل مراوغته محببة، وتلك "خبيثة"، وفي إحراجة، كما يحرج الطفل امه، أو ابيه، بلا سوء نيه، وللحق أي كاتب اصيل، يخاطب طفولة البشر، تلك الحقبة المنسية في سراديب الذاكرة، فأنى تعود!...

    المهم، له سطوة، في مشيته، وفي نظراته، حميم، يجبرك على سماع ما يقول، بل متابعته حرف بحرف، بل نقطة بنقطة، ويتوقف الزمان معه، ولا تحس، مثل الرجل وحماره، والذي مات، وشبع موتا، مائة عام، ولم يحس، له قدرة في مسك الرسن، وتغييب الناس، كزرياب، قدره مؤروثة، ومكتسبة، معا..

    للحديث بقية، عنه صورته كما رأيت، أو كمايتراءى له، الله أعلم…

    (عدل بواسطة عبدالغني كرم الله on 02-26-2009, 07:58 PM)

                  

02-26-2009, 05:11 PM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    ...


    نعود له، ويطيب الحديث عنه..
    كنت أراقبه، فضول عجيب، فالزين العوير كنت احبه، كصديق، وهاهو خالقه، كيف كتب الزين، يعني كيف، جد جد؟ مجرد خيال، والخيال بكون نجيض كدي، لم تلمسو، زي كراع العنقريب، ثم الشاعرية الشاعرية في رسم العلاقة بين الزين ونعمة، ثم عيون الزين المحبة، الطفولة، المتوقدة بإكتشاف أرق وأجمل البنات، سمسار محبة، ثم قلبه الطيب، وهو يملأ الازيار ويكسر الحطب في عرس (عروسه الوهمية أيا كانت)، كيف رسم الطيب هذا المشهد؟ كيف؟ أن لم يعش هو التجربة، وكل إناء بما فيه ينضح، وفاقد الشئ لا يعطيه، للحق غبطة الطيب بتلك الحال، وهو يجالس يكتب في العرس، حسدته على تلك المشاعر الذي ملأت كيانه، وسكبها في السطور، بل رأيت الزين يجري في رأس الطيب، كمخلوق وهمي، يجري ويقع، ويرفع سرواله، وقميصه، ويعطيه بسنين فقط، رجل شروم، ويضحك بتلك العوارة، فأحسست بثراء هذا العقل، عقل الطيب، عقل يحفظ الشعر، كما الموسيقى، رأس يصور جين مورس، وفخذيها مفتحوتين كرقم سبعة المقدس "عندنا"، ورجل يصور حواء بيت عريبي الساذجة، ويصور كبرياء نعمة، وخوف أسرتها منها، ومن سرها، ورجل يحفظ للحاردلو، ليس الشعر، إنما روح البطانة، والفروسية،والهمبته، فالشعر وسيلة، والطيب يتذوق الغاية، التي تنضح وتتعرق في الشعر..

    كيف استطاع إدارة هذه المملكة، وهاهو قربي، ليس له عشرة أعين، أو رأسه كبير كالقلة، زيو وزي الناس..

    ثم اللغة، كيف نزر نفسه لعشقها، حتى صار اسلوبه متفردا، عبقريا، تكاد اللغة تتفجر براكين من الطيف والرؤى والتخدير، والتنويم المغناطيسي، ثم الشعر، بل جوهر الشعر، المخبأ في كل ما كتب..

    للحق، وربي، كما يتراءى لي، أن سر (موسم الهجرة)، ليس الصراع، وليس غطرسة الانجليز اسياد نصف الكرة حينها، فهذا شئ مبذول للمفكرين، ولكن الأدب (مافي زول يكلم سامعين)، الأدب فوق الفكر، فوق العقل، الأدب هو "القلب"، القلب الإنساني، العاشق الوله بالحياة، وما الحياة؟ هي القلب، وما القلب، هو الحياة، هذا ما اقدر عليه، وكي أبرهن تحب الام براز الطفل، وشكله القبيح، ولكن العقل لا يقوى على ذلك، ولو أدعى… مش؟..

    نعود له، والعود أحمد..

    بعد نهاية الندوة، كان يسير مع موسيى زينل، مروا بقربي، شعره شايب، كثيف، وبه مهل، يسير بمهل، (ربطت بينه وبين بوذا، كان بوذا يسير بلاهدف، بمعنى إنه يكتفي بالخطوة التي هو فيها، مستمتعا بمشاهدة اللوحة الكبيرة، امامه، بإطارها العظيم، فوق السماء، وتحت الارض)، ويمشي وهو يميل شمالا ويمنيا، (برضو تخيلت مشية السيد علي، الامام علي ابن ابي طالب)، قيل بانه كان مقوس الساقين، ويمشي مثل عبدالمنعم مدبولي، أحب هذه المشيات، لم؟..

    يلبس البدلة كالايرانين، بدون كرفته، ويمشي كما يملي عليه عقله الباطن، أهو المشي وخلاص.. توقف مع بعض الفتيات لأخذ صورة، رجل حميم، يؤلف ويألف..

    وللحديث بقية..
                  

02-26-2009, 07:28 PM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    سئلني البعض،:
    يعني شنو "نخلة على القلب..
    قلت لهم:
    على وزن " نخلة على الجدول"..
    قالوا..

    يعني شنو نخلة على الجدول..


    (وجه باسم، بل وجه ساخر لو في)...


    ..

    (عدل بواسطة عبدالغني كرم الله on 02-27-2009, 10:56 AM)

                  

02-27-2009, 06:59 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: عبدالغني كرم الله)




    أخي، وعزيزي استاذ محمد عبدالجليل..

    صبح مبارك، وخلاق..

    موسم الهجرة تعجب فيها العرب، والغرب، فهي لاتشبه السرد العربي، منذ أيام عزه في الجاحظ، والليالي، وكليلة، وابوحيان، وبعض فصول الكهنة الذكية قبيل الإسلام، ولا تشبه الغرب اليوناني، المسيحي، كله..

    هي تحدي سوداني..
    هي دفق جهاز عصبي، وروحي، تمثل حيوات عظيمة على ضفاف النيل، هي تقبل روح ذكية أبد الدهر، تبحث عن معنى، ومغزى، وقد طوت بداخلها حياة مديدة، تقلبت في الغاب، والأمواج، والكنائس، والمعابد، والاضرحة، ونضجت على نار، ونور استوائي، وصرخت في كرمكول الحاجة والدته، وخرج طفل يسمى الطيب ود محمد صالح، كبذرة لتلك المعاناة القديمة، وقد قدت فيه، كل نضارتها، وهي تتقلب عبر السنين، من رحم لرحم، حتى أفردت بتلاتها فيه، ومصت أشعة الشمس، وتضوعت عطرا ذكيا، يلهم العقول والقلوب..

    الموسم أنشودة الضياع الجميل، لرجل ذكى، لم ترضى دواخله الحياة الغرب المادية، ولا لقشرة الروح في الشرق، فهو يطلب العزائم، وكبار الأمور، والنور الذي لا تعقبه ظلمة، ولو في الخاطر


    وأسرارها كثيرة، ومنها طاعة اللغة له، اللغة بكل إشاراتها، وجناسها، ودلالاتها، كانت طيعة، خادمة لكل معنى يريده، أو إشارة يرغبها، او همز وقمز ينشده، طاعة عمياء، بل طاعة مبصرة، ومحبة، بين خادم جميل، ومخدوم أجمل..


    ..
                  

02-27-2009, 07:39 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: عبدالغني كرم الله)



    الشاعرة العزيزة روزمين..

    صبح القرى، والغاب، والجبال في بلدي..

    حيث الشمس، لم تتضارى بأسمنت شاهق، والعصافير لم تنافسها عصافير حديدية مزعجة، والزقزقة تغمر السماء بلا رقشة، أو موسيقى جاز صاخبة، لزأر انساني عظيم، للنساء والرجال، في عالم فقد مذاقه، وتئن دواخله، ويحتضر..


    ولكني متفائل كالشعر..
    الطيب شخص سوداني.. قدت طينته من أديم هادئ عند منحنى النيل، النيل الذي ينحني كخيط بخور مخمور، وليس أنحناء سلك كهرباء، أو خط سكة حديد، ترحل به قوافل القلوب، من مأرب، لآخر، ولو أغمضناأعيننا، لرأينا كنوز الأحشاء، كالشعر..

    يصيبني خطف، حين اسمع فقرة، أو كلمة من شخوصه، سواء قالتها حواء بت العريبي، أو صرخ بها الزين، أو أضمرها الرواي المسكين لقصة مصطفى سعيد، كم أرثى للرواي، فهو الغريم، والكفيل، والموصى له، ما أتعسه من رجل، ليته أنتحر، مثل مصطفى (هو أختار، وأنا لم أختار)، فتلك العوالم التي كتبها الطيب، عوالم من قوتها وصدقها الفني صارت واقع معاش، وكأن قلب الطيب وعقله، حين كتب ما كتب، وسطر ما سطر، كان في حياد عجيب، خرجت منه كما هي، بكل علاتها، وتمردها، وشطحها، وسلم الأمانة، كما وهبه لها الإله، بل تكلف، بل بسجية بسيطة، كما يجري النيل، بلا أرجل، أو جناح، بل يجري، كغريزة السيولة، وهي تضيع غريزة الجاذبية باستسلام ورضى، سوى انين خافض للامواج، وهي تعفص حصى النهر، وربواته المغمورة..

    شخوص الطيب عجيبة، أصدقاء للكل، للقارئي الالماني، والصيني، والحبشي، والكيني، لأنهم يمثلون الفطرة، التي تسري في كائن من كان، بعيدا عن المكتسب من التربية، والتعليم، والتنميط، والصب في قوالب مثل (شعب، وطن، دين، سحنة، فهم، تقليد)، وهلمجرا..

    سلامي لك، وعميق شكري لك، لصدقك الطفولي، الجميل، المنشود..
    دمتي في عشق الحرف، والامتعاض الذكي، من قهر الحياة، وخرفها المبكر..

    تسلمي..
                  

02-27-2009, 08:29 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: عبدالغني كرم الله)



    المحسن، حبيبي...

    كيفنكم،..

    سعدت بتلك المكالمة الطويلة، الثرية جدا..
    أقرأ الآن، وبمهل عجيب، وطرب أصيل (عرس الزين)..

    كم وكم قرأته..
    ولكنه، كعادته، كأني اقرأه للمرة الأولى، وربي..
    ماهذا؟..
    أنشودة كاملة للمحبة، والرسم بالكلمات، الرسم الحي، للعاطفة، والعبث الطفولي، والقرية، والاسطورية، والسر..
    وأتعجب لهضمة للقرية السودانية، بسيرتها، وسريرتها، وسرها..
    وقدرة خارقة في الوصف الحي، الذي يجعل الموصف أمامك، في أرنبة الأنف، تحس بحرارة الموقف، وسخونته، أو خطفه، قدرة عجيبة على الوصف الحي، بلى الحي..

    كأنه يعلم بشخوصه كالإله، حتى أدق خواطرهم، بل أعمق ذلك، أدق الحيوات المخفية بالحنايا، على علم بها، وإطلاع على سرها، وقدرة على وصفها، أبلغ ما يكون..

    ويخلق في ذهن القارئ تلك الغبطة العجيبة، ياله من أكسير عجيب، أكسير أن تقرأ للطيب صالح، وخاصة (عرس الزين)..

    غارق الآن مع الفتية والفتيات عند البئر، وهن يسترقن السمع، وخاصة "الفتيات" لعبث الزين الجنسي، وهو يعبر، بلا شعور منه، على خفايا غنجهن، والمؤؤد من خواطرهن، السمحة، الساذجة، الجائعة..

    طوبى للزين، والطيب، ..

    المحبة الزايدة، وفي انتظار (خيانة بلا لون)، ياربي لو بتسعفني الذاكرة.. ولا ما ابوح بالسر (قبل ميلاده)..

    عميق محبتي..
                  

02-27-2009, 08:47 AM

محمد سنى دفع الله
<aمحمد سنى دفع الله
تاريخ التسجيل: 12-10-2005
مجموع المشاركات: 10986

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    تنخلع حليمة صاحبة القهوة تسألنا (مصطفى ده منو يا أولادي)، نقول لها (مجرد شخصية قصصية)..
    صاحت: بس!! (بكسر الباء)..
    اخوي الحبيب

    عبدو
    الزين يدعوكم لعرسه
    ايام المسرح العالمي
    بالمركز الشبابي القطري
    بالمعمورة
    لاتنسى الدعوة عامة
    حتى الأطفال يحق لهم الرقص والفرح
    يوم حنة الزين
                  

02-27-2009, 10:45 AM

طارق جبريل
<aطارق جبريل
تاريخ التسجيل: 10-11-2005
مجموع المشاركات: 22556

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: محمد سنى دفع الله)

    Quote: (الظلام الآن ثابت، كأن الضوء لم يوجد أصلا)



    يا الله عليك ياخي
                  

02-27-2009, 11:01 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: طارق جبريل)
                  

02-27-2009, 11:15 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: محمد سنى دفع الله)

    الحبيب السني..

    العود أحمد، ..

    نجي تب..
    بل الزمان؟



    محبتي.. وشوقي
                  

02-27-2009, 11:38 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    العزاز..

    السلام والشوق، والتقدير..


    بالحيل، نتعامل مع الموت بصورة ميتة، وهو لغز الالغاز، وهو ميلاد، زي ما مات "الطفل"، من رحمه، وانتزعته القابلة، وهو يموت ويولد معا، فقد مات في الرحم، وولد في رحم أكبر، واشمل، وأعمق..


    ده موضوع عن اشكالية الموت في القصة القصيرة السودانية، ، كتبه استاذنا الكبير، مبارك الصادق، وسأعود لتأمل (فكرة الموت)، بإذنه تعالى، لو ما مدة يدو وقطفنا، بمرح العجيب...

    تسلمي، ولي رجعه، باذنه، تعالى..


    ***
    اشكالية الموت في القصة القصيرة

    بقلم: مبارك الصادق


    الموت الاشكالوي هو ذلك الموت الذي يجئ اعداما او انتحارا ورغم انه هو الموت نفسه الا ان الاختلاف يأتي لجهة ان هذا الموت يبدو كما لو انه جاء ابدر من وقته المنتظر، بسبب الظرف الذي يأتي فيه.
    ومع ذلك فان الموت هو اليقين، فقط تبقى الساعة هي المجهولة متى تكون؟ ان واقعة الموت في غالب الاحيان تفجؤنا وتبغتنا رغم ادراكنا لحتميتها.
    شحذتني قائمة اهل الابداع الذين غابوا والتي توفر عليها الاستاذ عبد القادر محمد ابراهيم لوقفة قصيرة عند ظاهرة الموت في القصة القصيرة، وكيفية التعاطي معها عبر اليات الكتابة، ومكنيزمات فن القصة القصيرة في توصيف الظاهرة وانعكاساتها.
    ان المرء ليحي مأخوذا بروعة الحياة وجمالها، في ذات الوقت الذي يتمثل فيه فظاعة الموت وهوله.
    ومن ثم فان الكتابة عن الموت تصبح هي نوع من الكتابة (الفصامية) بحسب تعريف (لا كان) للفصام، كونه انهيار سلسلة الدلالات (السانتاجماتية) المتضافرة للدلالات التي تعطي المعني.. فانهيار تلك الدلالات، وافتقاد المعنى يصير كل شئ الى لا شئ، وهو المعنى الذي قرره قديما سليمان الحكيم بمقولته الباقية (الكل باطل وقبض ريح).
    اذن فان الخوف من الموت هو عنصر من عناصر الذات البشرية، وفي حالة الذات المبدعة فان الاحساس يكون اشد قوة وضراوة بفعل الحساسية العالية، ومن ثم نصطحب معنا في حياتنا الاحساس بالتناهي والفناء، ذلك ان انقضاء الزمن وسيرورته يعني السير الوئيد نحو الموت والانحدار السريع نحو العدم، حيث يصبح الخوف والجذع هما المسيطران على وجودنا الايل نحو السقوط والعدم.
    وليس اقسى واشد على المرء من الاحساس بكونه سوف يموت.. بل ويموت وحده، وان العالم سيستمر من بعده دون ان يحفل به وبغيابه، ولا يبقى للمرء عندئذ الا الاحساس بالوحدة والفردانية وعدم المشاركة حيث نتمثل قصيدة ابو سنة:
    (في صمتك .. احمل كفنك .. ادخل قبرك.. لا غيرك سوف يصلي من اجلك)
    * اجتلاء افاق النصوص:
    سنقترب الان من بعض النصوص التي عالجت الموضوع .. ونبدأ بنص لمحمد هارون عمر موسوم بـ (هواجس اخر الليل)..
    وحقيقة يمكن ان نحولها الى (هواجس اخر العمر) لكونها اي الهواجس هي حقيقة اللحظات الاخيرة لعثمان محمد عثمان (المحكوم عليه بالاعدام) والذي ادين نتيجة لشجار لم يستطع خلاله ان يمسك نفسه حين (بدأ كأسد هصور، وضرب الرجل بقضيب، ثم غاصت سكينه الحادة في حلقه حتى العظم .. اجتثت العنق).
    النص الثاني هو (الصوت العالي) لمجاهد ابراهيم بشير:
    فبطل القصة غير المسمى هو الاخر بانتظار حكم الاعدام بحقه كونه قتل زوج شقيقته الذي يساكنه الجزء الاخر من المنزل..
    (فتحت الباب كان الصراخ يتردد بين الجدران ويرن كالاجراس في اذني، ارتعشت ولم استطع ان اتنفس من شدة الانفعال، وحينما فتحت باب الحجرة رأيتهما يتشاجران بالايدي، التفت زوج شقيقتي نحوي وانا اقترب منهما، وقد تحجرت يداي، تحركت شفتاه .. لكني لم اكن اسمع صوته، وحينما اقتربت منهما للغاية رفعت ذراعي المتحجرتين عاليا جدا وهويت بهما بكل قوتي).
    ثم نأتي للنص الثالث وهو بأسم (حالة) لكاتبه عادل القصاص:
    (تعلم انك لا تملك بندقية هنجواي ولا مسدس حاوي لكنك تملك هذا الحبل الممتد من سقف الحمام الى ذلك المسمار المعقوف المغروس في اعلى الحائط.. فكه .. فلتكن الدائرة اكبر قليلا.. اجل هكذا تماما.. انها تعبر جمجمتك بسهولة تساعدها نعومة شعرك.. ارتاحت الدائرة الان على كتفيك .. ثم تضيق حول عنقك .. والان ارفس ال.. مق .. عد )!!.
    النص الرابع والاخير لعبد الغني كرم الله .. باسم (اجمل خيار):
    لم يكن لديه مفر، فكان اجمل خيار له هو ان يقذف بنفسه من الطابق 93 للارض، كان هذا اجمل وافضل قرار .. فهناك خيارات اخرى.. ان يمكث في مكتبه ويتحول الى كوم رماد بعد عدة ثوان .. او تحدث معجزة، او يستيقظ من نومه ويخرج من قبضة كابوس فظيع ان كان حقا نائما، احترقت الطوابق العلوية كلمح البصر، وتعطل الاسانسير، وبلغت درجة الحرارة الى مدى تحرق كتل الحديد كثلج في الظهيرة، الاشياء تحترق قبل ان تصل يد النار اليها، هواء المكتب اسخن من قدر .. اتعس من بيضة في هواء يغلي .. القى بنفسه كمن يقفز من سرير واطئ للارض بلا تردد..
    * الدينونة:
    كما بدأ لنا فان النصين الاوليين يتماثلان كون ان البطلين فيهما ينتظران تنفيذ حكم الاعدام، لانهما قاما بارتكاب ذات الجرم الذي ادى لتصفية الاخر، فيما يختلف عنهما بطل النص الثالث في انه وبمحض اختياره، ويمكن القول وبحالته المعتبرة شرعا، قرر انهاء حياته، وشنق نفسه بحبل مجدول، اعد له انشوطة ادخلها الى عنقه، ولم يبق الا ان يرفس المقعد..
    اما النص الرابع فان الذي بينه وبين النصوص الثلاثة الاخرى لمختلف جدا، ذلك ان بطله لم يرتكب جريمة ضد احد فيمضي الى الدينونة، ولم تجبره الظروف للانتحار، ولا يرغب في ذلك.. ولكن الموت حاصره في الطابق الـ 93.. فاما ان ينتظره .. واما ان يسعى اليه فقرر السباحة في الفضاء للوصول الى الارض.
    * الدافعية المستوجبة:
    عثمان محمد عثمان وهو البطل الوحيد المسمى في النصوص الاربعة هو ضحية الظرف المعيشي الذي اقتلعه من جذوره والقى به في المدينة ليعانق فيها قدره الذي ساقه الى هذه النهاية، وواضح كونه من خلال السياق انه لم يتسلح بوعي كاف يعصمه من الوقوع في الخطأ .. وان كان قد تسلح بسكين مشحوذة اجتث بها عنق الضحية الذي عمد الى استفزازه.. ولعل ضعف التعاطي الفكري مع معطيات المدينة المغايرة لسلوكيات المجتمع الرعوي الزراعي، جعلته لعبة في يد دهاقنة المدينة، ومن ثم سهل استدراجه ليتعلم التدخين، والخمر والحشيش الذي شحذ فيه خياله الجامح، فجعل منه ذلك الملك المتوج، وتحت ذلك التأثير لم يتورع من ارتكاب الجريمة.
    واذا كان الجهل والاستفزاز والاستدراج ها هنا قد ادى الى تلك المحصلة فان البطل في الصوت العالي كان قارئا مثقفا.. اسمعه يقول: بعد الغروب ادخل الى غرفتي واغلق الباب ورائي بالمفتاح.. اخلع بدلتي والبس الجلباب، ثم اجلس على الطاولة المزدحمة بالكتب، اضع نظارتي فوق انف واشعل سيجارة ثم افتح الصفحات واروح اقرأ حتى منتصف الليل.
    ومع ذلك فان الثقافة والجهل يتموقعان بموقع واحد، ويفضيان لذات النتيجة ودون ان ننساق وراء التراكمات الرسوبية للمعرفة التي اكتنزها بطل مجاهد بشير من خلال توفره على القراء حتى منتصف الليل، فاننا نقف فقط امام حساسيته الانفعالية، وسيطرة الذكرى الاليمة التي القت على نفسه ظلها الثقيل فجعلت استجاباته العاطفية شديدة الحضور تجاه شقيقته بسبب من الاحساس بالمسؤولية تجاهها كونها يتيمة، لنستمع اليه ها هنا وهو يقول:
    في اول المساء اعود مرهقا الى البيت، اغلق باب الحجرة ورائي واخلع ملابسي واتمدد عاريا كما ولدت فوق الفراش حتى تهدأ اعصابي، اجلس وحدي في غرفتي دون ان افعل شيئا سوى الانصات الى صوت افكاري، استطعت ان انسى صوت زوج شقيقتي العميق.. لم اعد اسمعه معها قبل الفجر، لكنني ظللت اسمع صوت شقيقتي الضعيف الحاد، واتذكر الالعاب المرحة التي كنا نلعبها ونحن صغار، وموت ابينا وامنا في الحادث، وبكاءها على كتفي صباح الدفن، وكانت تلك الذكريات تزيد من حساسيتي نحو شقيقتي وتضاعف حدة انفعالي.
    اما في قصة (حالة) فتلك حالة اخرى، فالدافعية لدى بطلها غامضة وملتبسة فهو وحده من خلال النماذج الاربعة المختارة الذي يسعى للنهاية بطوعه واختياره، دون ان يعطينا تبريرا نعول عليه ونتخذه تكأة وسببا لاختياره، وعوضا عن ذلك فان ثمة اسباب انسانية مانعة وكابحة عن ارتكاب ذلك الفعل، لم تؤثر فيه، ولم تثنيه عن اعتزامه المزمع (لا شئ يثنيك.. لا دعوة جيرانك قبل قليل لوليمة ختان انجالهم .. ولا الرجاء المكتنز بالالحاح من تلك العجوز الطيبة كي تكتب لها خطابا لابنها المغترب الذي لا يعود ابدا، ولا ضحكة طفلك ذي الاعوام الثلاثة) كنت تقول ان ضحكته تشبه القرقرة ولا تشبثه بالمشاغب بيديه على ياقة جلابيتك حين قابلته خارجا منذ لحظات مع امه لزيارة الجيران.
    اذا كان بطل (هواجس اخر الليل) صار اسير الخمر والتدخين والحشيش.. فان بطل (حالة) هو الاخر انغمس في التعاطي الذي افقده صوابه، فها هو يسخر من الاطباء بقوله (عليهم اللعنة هؤلاء الاطباء .. الخمر، تليف الكبد، المخدرات الجنون، السجائر، سرطان الرئة، تبا لهم انهم يهرفون).
    وهذا بالطبع يعني اصراره على السير في هذا الطريق حتى النهاية، ولم يتسن لنا ان نجد سببا مباشرا لبطل (حالة) يسوغ له ذلك الفعل اللهم الا من سبب غاية في الغرابة، اذ يقول عن زوجته كانت تمضغ اللبان بطريقة رديئة.
    بطل قصة (اجمل خيار) تختلف مجريات الامور التي ساقته الى ذلك المصير حيث انه لا يد له فيما جرى، اذ لم يرتكب ما يستحق عليه العقاب، وليس له من الاسباب التي تجعله يقدم على الانتحار، ومع ذلك وجد نفسه فجأة وهو في الطابق الـ 93 يحاصره الموت في شكل حريق هائل، وليس امامه الا خياران، اما الموت حرقا.. او السباحة في اجواز الفضاء ليدق عنقه.
    وبطبيعة الحال فقد اختار الثاني، فقد يكتسب ثوان يطيل بها عمره ثم وليجرب السباحة في الفضاء، كل ذلك وهو لا يدري او يدرك حقيقة ما سيصير اليه عند وصوله للارض، هل يتشظى كزجاج؟ ام سيتلقفه ملاك حنون؟؟ ها هو يهوي للارض نحو مقصلة فاتحة فمها كتنين، لم لم تخلق الارض رخوة كالبحر او القطن كي تمتص ارتطامه وتمرجحه كطفل شقي؟
    يبعد عن الارض الان حوالي ثلثي كيلو وقانون الجاذبية سوف يصل بعد دقيقة انها افضل من مكوثه في مكتبه سوف يكسب عدة ثوان كي يعطي فرصة اخرى للمعجزة نبض قلبه باحساس لم يعتريه من قبل، طائر بلا اجنحة او ريش، وللحق لم يعتره خوف بهذه الدرجة.. ما اعمق جسد الانسان كمأوى للانفعالات الخارقة، جسد صغير يؤوي اعظم الانفعالات بخيرها وشرها، الهذه الدرجة الحياة عظيمة؟.
    * في انتظار المصير:
    المواجهة بين الكائن البشري والموت الحتمي مواجهة بالغة الصعوبة، محفوفة بالخوف والقلق وعدم الاطمئنان وقديما قيل لحكيم كيف حال اخيك؟ فاجاب: ان اخي قد مات فقيل له ما سبب موته؟ فاجاب: حياته..
    ولعل هذا ما حدا ببعض المفكرين ان يقول بأن الحياة انما هي الموت نفسه، لان الانسان يشرع في الخطو نحو الموت بمجرد ميلاده، والمدة التي يعيشها في الحياة انما هي المدة التي تستغرقها عملية الوفاة.
    بطل هواجس اخر الليل فكر ان ينهي حياته بنفسه دون ان ينتظر عملية التنفيذ تقهقهر رويدا الى الوراء القيد المعدني الثقيل يشل حركته، وحدث صليلا غير متناغم، بدأ ككبش يتحفز لنطح كبش اخر، سيناطح الجدران لينهي الامر في هذه الليلة دون انتظار الفجر الذي تترتب عليه طقوس مخيفة، جبة بيضاء، حلاقة ووصية شهادة وكسر عنق.
    كم كانت حياته طيبة، تذكر امه واباه الشيخ ومحاسن شقيقته الصغرى احب الناس الى نفسه، عاد به شريط الذكريات وهو يترعرع غريرا بين افراد السرة، يرعى الشياه، يزرع مع والده، يلعب مع الصبيان، يأوى ليلا ليجد اللبن والعصيدة، ثم ينام مع جدته حواء التي تحكي له الحكايات.
    اما بطل (الصوت العالي) فقد بدأ رابط الجأش رغم انه يقول حللت رباط سروالي رحت ابول، سمعت صوت سقوط البول داخل الصفيحة يتردد بين الجدران، علا الضجيج في اذني، وحينما تأهبت كي اعود وعقدت رباط سروالي القصير احسست بسائل دافئ يجري تحت قدمي فعرفت ان قاع الصفيحة قد اهترأ وقلت لنفسي اين ابول بعد الان؟
    ثم طلعت فوق المقعد الحديدي .. نظرت خارج النافذة الضيقة، ورغم ان العتمة كانت تشتد استطيع ان ارى الساحة الخالية والسور البعيد العالي، وحينما دقت الساعة الكبيرة، وترددت دقاتها في ارجاء الساحة تذكرت ان الساعة قد حانت.
    اما بطل قصة القصاص (حالة) فهو يقول:
    ما بالك ترنو نحو السقف؟ لا تهز المنضدة كثيرا هكذا انها ثابتة، ثم لماذا تتلفت كثيرا على هذا المنوال كالمجنون ؟ احقيقة انت مجنون؟ لا تدع هذا الاعتقاد يترسب في اعماقك لانك قرأت ذات يوم ان المنتحر ما الا هو انسان جن!!
    تبقى بعد ذلك قصة عبد الغني كرم الله وهي غنية في عطائها وقوة التخييل المكتنفة لاجوائها، ففي دقيقتها الواحدة والبطل يهوي من ذلك العلو الشاهق، تبدو لنا في تلك الومضة وهي مرتبطة بما سبقها، فقد كان قبل الزلزال المدمر يرسم خريطة لمنزله (حديقة وبلكونة وكراج) دار فسيحة كي يتأمل الشجيرات، وغرفة للطفل المنتظر، كان غارقا في بحر التصميم الجميل حين كانت الطائرة تقترب من البرج، وحين هوى كي ينجو وفي هذه الدقيقة الغريبة رأى بيته بما سيكون رأه كائنا بل رأى النسيم يتلاعب بشجيرات الدار المزمع زراعتها.. رأى زوجته معه وهي التي لم تمر بتجربته المفرطة في القسوة، لاول مرة يتحد جسده، كل الغدد اعلنت الاستنفار .. احتشدت.. تكورت.. افرزت طاقتها.
    المعالجات الفنية:
    دون الوقوع في اسار التحقيب .. او تقسيم المراحل بالعقود، تبدو القصة القصيرة في رحلتها الطويلة انها تأبى الاستقرار بالميس، ذلك ان الاستقرار يعني التكلس والموات، فقد ظلت في استمراريتها الدؤوبة تجدد نفسها باستمرار مضيفة الى رصيدها شتى العناصر التي تكسبها المزيد من الحيوية سواء كان ذلك لجهة الطرق الجديدة في الكتابة او حتى الكتاب الجدد الذين يأتونها في عرامة تشوقهم نحو عناقها ليرفدوا جسدها باسباب القوة والديمومة.
    وهنا يمكن القول ان عبد الغني كرم الله احد فرسانها والذي برز في الاونة الاخيرة جاء ماسحا الام ظهرها الحادة باستطاباته المكتسبة من دياسبورا الشتات التي وفرت له التعاطي مع كل المستجدات في عالمها وعولمتها.
    كذلك ظل عادل القصاص في توهجه المستمر منذ ذات صفائه الباذخة، فيما اخذ مجاهد بشير يجاهد في عالم القصة ويبشر بالجديد والجيد في دنيا القصة القصيرة، اما الروائي محمد هارون والذي جاء بحصيلة من الروايات التي نشرها في اليمن السعيد فانه يتخذ من القصة القصيرة استراحة قصيرة بين رواية واخرى وهو كاتب له عوالمه المتفردة والتي يختارها بدقة وما زلنا بانتظار تدفقاته الثرة.
    حسنا اعتمد الكتاب في سردهم على طريقتين، حيث ان ثلاثة من القصص الاربعة كتبت بضمير الغائب فيما قصة واحدة اعتمدت على ضمير المتكلم، وهنا تبدو قصة كرم الله مكتنزة غنية في سرديتها المنطلقة عبر لغة شفيفة وانطلاقة رشيقة وايقاع سريع سرعة ذلك السابح في اجواز الفضاء تجتذبه جاذبية الارض وهو في طريقه للتشظي والتفتت.
    فيما لا يغفل القصاص في حالته ما سيؤول اليه حال المنتحر، وما يلحق به من عار عند الاستجابات الفسيولوجية للجسد تنسل منه الروح في لحظة خاطفة فيتغوط!!
    ان ذلك على افتراض حدوثه فانه رد فعل طبيعي للجسد.
    وهنا لا بد ان الاشارة الى اننا لا نتحدث عن الانسان الاحفوري الخارج من عالم المستحدثات وانما نتحدث عن كائن من لحم ودم ومشاعر ووجدان في مواجهة اهوال لا قبل له بها.
    ولا ننسى محفزات الاقناع القصصي المنشورة خلال النصوص، فهذا هو بطل القصاص رغم الحالة التي يمر بها يتحدث في سخرية محببة عن الجلباب وعن بطله حين اراد ان يخلعه بقوله، ان الجلابية لا تصلح لاي عمل ما خلا كمها الذي تستر به عورة زجاجتك في رحلة الذهاب والاياب من الماخور.
    وبالجملة فانه يمكن القول ان القصص الاربعة على تفاوت مستوياتها الا انها افلحت جميعها في التعبير عن موضوعها بمستوى يشي بقدرة كتابها على تمثل ذلك الموضوع واستبطانه بشكل جيد.. وبعض النظر عن دلالاتها وفضاءاتها واسلوب خطابها الا ان مرفولوجيتها، اعني شكلها يمتح من فيوض الحداثة وتمثل اشكالها المختلفة في عالم الحداثة وما بعدها.a


    نشر بجريدة الأيام السودانية...
    ...
                  

02-27-2009, 04:01 PM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    أخي وعزيزي طارق جبريل...

    للطيب كلمات خالدة، أية من أيات الفن العجيب، ومنها هذه الكلمة التي وردت في درته "موسم الهجرة إلى الشمال"، صفحة 115 من طبعة "دار الجيل"، بيروت..


    بل له عشرات الكلامات والمقولات حفظناها على ظهر قلب، محبة، وإعجاب ودهش...


    لكم محبتي، وشوقي واحترامي..
                  

02-28-2009, 07:41 AM

Mohamed Abdelgaleel
<aMohamed Abdelgaleel
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 10415

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    خلوا الدومة واقفة في محلها وختو مكنة
    الموية جنبها ففي المكان متسع للدومة
    ولمكنة المويه ..

    لماذ يجتث الناس الاشياء ليضعوا الأشياء
                  

03-01-2009, 06:03 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: Mohamed Abdelgaleel)

    يالله يااستاذ محمد، تلك هي الاشكالية، اجثاث القديم بلا فهم، وهناك متسع لهم معا..


    Quote: خلوا الدومة واقفة في محلها وختو مكنة
    الموية جنبها ففي المكان متسع للدومة
    ولمكنة المويه ..

    لماذ يجتث الناس الاشياء ليضعوا الأشياء


    حاليا شكل المدن، صار (عقل)، بلا قلب... اسمنت وطرق وصراخ، وعمارات تحجب ضوء الشمس عن الناس والاشجار والحشائش، لابد من فلسفة عميقة في خلق المدن، خلق الدستور، خلق القانون، وخلق الحياة نفسها..


    السلام، والمحبة، ..
                  

03-17-2009, 05:44 PM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نخلة على "القلب"!!... (Re: عبدالغني كرم الله)




    زغرودة عشمانة الطرشاء تحت مخدتي!!
    "متع القراية"!!..





    صبح الجمعة، وأنا راقد فوق العنقريب، سحبت البطانية حتى موضع سرتي، فالوقت شتاء، عدلت المخدة، بل أثنيتها، كي يرتفع رأسي قليلا، ويطلع على حديقة فوق صدري، إنها "عرس الزين"، أخرجت زغردوة عشمانة الطرشاء من تحت مخدتي، بدأت قراءته مساء الأمس، الخميس، وبقايا خمره لاتزال في قاع كياني، يدي اليمنى أمسكت الانشودة من طرفها، واليسرى وضعتها تحت رأسي، كي تحرسه من الخطف، والجذب، وتحمله من ثقل متعة أصيلة، تلعب بالرؤوس، كالمخمر المعتق، متعة القراءة!.

    أحسست بملمس البطانية ناعما، كالشعر، كنت رائق المزاج، بخمر القراءة، وغبطتها الغامضة، سرت نعومة البطانية من أصابع قدمي وحتى أدق خواطري، وتموجتا معا، كبخور ونسيم، يلعبان بصمت وقدسية في معابد روحي، "بخور ونسيم"، "قارئ وكتاب"، في صالون طيني، ذو شبابيك خضراء، قديمة، تصفر شقوق ضلفه بموسيقى حزينة، نبيلة، كما نصفر للحمير، عند النهر، أو الترعة، كي نغريها بالشراب، والري، كالحداء للعيس، فاللحن يغري بالري، أي ري، وبالأخص اللحن الصامت، الساكن، لحن القراءة، فإنه يرش دواخلك بالحنين، بالخيال، بالجمال، بالعاطفة، فتشم رائحة طمي غريب، هل ذاتك المغيبة، في ضجيج المجتمع، وجولان الفكر، بين ماض، وآت!!..

    كانت الزغردوة في الكتاب، وفي أذني هي هي، بحاء، خرقاء، لأمرأة طرشاء سعيدة بعرس الزين، صديقها الاصيل والوحيد، وسعيدة بقارئ، طروب يسمع زغدروتها، كما يسمعها أهل ود حامد، في ذلك العرس الاسطوري، والذي تحدثت عنه قرى افريقيا واوربا واسيا، وليوم الناس هذا، فالقراءة للطيب صالح ليس صور ذهنية تخلقها السطور في وعيك، ولكنها حياة حقيقية، يعيش القارى في عوالمه، كما يعيش السمك في الماء،..

    كتيب صغير، خفيف الحمل، مسبوك، كلامه بسيط، وعميق، كما تضمر هوية الماء بين الرقة والسطوة، تنعش، وتغرق متى ما تريد، يرق الماء فيشكل سحبا بيضاء، وديعة، تتبختر في فوق المأذن والجبال، والعمارات والشجر، وتغري الحقول بالخصب والنما، ويثور الماء كفيضان، وسيل لا يذر، يجرف الصخور العاتية كقطع الفلين، رقة وسطوة كامنة فيه، كهذا العرس الذي يجري أمامي، على مسرح صفحات ورقية، من القطع الصغيرة، 12X13 سم2، "عرس"، عدد صفحاته لا تتجاوز المائة والعشرين، بل بالأدق 112 صفحة، توقفت القصة حين توقف البوح الداخلي له، والتسامر بين الروائي وشخوصه، لم يزد عليه، أو ينقص منه قليلا، ويخون الأمانه، بل سلمها لنا كما هي، كما تسلم القابلة الطفل لأمه، سواء كان قبيحا أو جميلا، معاق، أو سليم، هو هو، تقطع الحبل السري، الحبر السري الذي كتب به، وتسلمه للأم، للقارئ كي تقر عينهما، معا..

    وهذا هو الصدق الفني عينه، وقلبه، لا أكثر، ولا أقل، كقشرة الموز، مفصلة على فصها الأبيض، الطاعم، بإتقان غريزي، كامن في بذرة الموز، ما أتقن الأيدي الخفية، والظاهرة في خفائها!!..


    (2)

    الخوف ما يدعوني للقراءة، الخوف من عالم يحيط بي، كقشرة الموز، عالم يتغير بالعقل، بإملاء العقل، لا القلب، عالم فقد نضارته، وبهائه، وخلق تروس من البشر، تنتج، وتنتج، الأغلبية، وتنعم الأقلية، عالم مرضت حتى مناهجه الدراسية، والفكرية، وحلق بجناح العقل، وترك جناح القلب مكسورا، فبدأ كطائر مكسور الجناح، يتخبط في الطيران، ويلف ويهوي، ويعلو، بلا هدف، أو طريق..

    وصار العزاء في الشعر، في الشعر، وبعض الكتب العظيمة، كعرس الزين!!

    أقرأ، خوفا من البيئة، وطمعا في عالم حالم، وفطري، كعوالم عرس الزين، وعشمانة الطرشا، والحنين، ونعمة، اليسوعة السمراء، يسوع في لبوس أثنى، سمرا، بت الحاج إبراهيم..





    (3)

    يابت وينو أخوك:
    سألت أمي أختي محاسن، فردت عليها، وهي تهز حواجبها تعجبا:

    مشيت ليهو في الصالون، كوركت بطول حسي:
    (تعال اشرب الشالي، قالوا ليك تعال اشرب الشاي)
    ولا جاب لي خبر، عاينت ليهو، لقيتو قاعد يقرأ، وشو كأنو ود النعمة، لمن يسوق اللوري في منحدر الترعة، مركز شديد، ، شايل كتاب صغير، مكتوب عليهو "عرس الزين"، ومرات يخت الكتاب، ويمسد شعره برأسه وهو سارح، وخته الكتاب في صدرو، وكأنو براقب في سحابة تحت السقف، انا ما شايفها، (ياربي طرش)، ولمن قربت منو، لقيتو بكلم نفسو، (يالله، يال الله،)، ومرات يعاين للسقف قناية قناية، كأنو أو مرة يشوفو.. ياربي جنى،، كوراكي ده كلو ما سمعو، أجي أخوي طرش، استغفر الله.. وجنى، ياود بدر من الفقر...

    ردت أمي: كان تهيزي من كرعينو..
    هزيتو يمة..
    سجمي مالو؟
    ردد أختي، بهدوء، ما قاعد يقرأ..
    هزت أمي رأسها..
    خلاص ودي ليهو الشاي في الصالون...
    وضعت أختي الشاي في الصالون، وهزت رأسها، دون أن تتفوه بكلمة، وخرجت وهي مبوزة،...


    ***
    (4)

    صرخت في اختي: محاسن محاسن..
    أقبلت تجري:
    الجاب الشاي منو، وليه باااااااارد..
    لم تفعل شئ، ظلت تنظر لي فقط، وهي تضع يديها حول خصرها، مثل طفلة نظيفة تتمنع في اللعب مع آخريات، ترى أنهن دونها، نظافة، وجمال ثم فحملت الشاي، وولت الأدبار، دون أن تتفوه بكلمة،!!

    ***

    ضحكت في سري، أنى لي أن أسمع الاصوات في خارجي، ولو صوت الرعد، (صراخ الزين وهزاره، وزغاريدة حجبت عني أي صوت آخر) صرت أطرش، عن أي صوت، سوى صوت الحروف الصماء امامي، وهي تبوح ليه بحياة كاملة، فيها روائح، واصوات، وعشق، وضغينة، وأعجب كيف انتصرت هذه الحروف الساكنة، على صوت أختي محاسن، وياله من صوت..
    وكيف تسربت من هذه الحروف رائحة الطمي، وضوء فانوس دكان سعيد، وهو ينزلق على كتف الحنين، والزين، مس كتفي، كشال من حرير..




    (5)

    ترك!! كلية العلوم بعد أن أكتشف أن اجتياز السنة الأولى المؤهلة لكلية الزراعة يتطلب تشريح حيوانات!! التجارب..

    (عن الطيب صالح)
    مجلة المجلة "عدد 1516"


    ....
    ..

    (6)

    ما أعذب القراءة..
    أكملت فصل، وضعت الكتاب برفق تحت المخدة، رفعت طرف المخدة قليلا، كي لا يختنق، لويت ظهري، يسارا، يمينا، للخلف، سمعت طقطقة كل فقرة، أحسست ببأنني غريب عن نفسي، أصوات القرية، ولغط خالتي في البرندة كأني اسمعه للمرة الأولى، ضحكات خالتي زينة، وتلحين الشمة لمايدور بين نسائبها وبناتها واحفادها..
    خرجت للفسحة..
    فسحة بلا شكل، أمام البيت..تمتد حتى... حتى انحدار الأرض نحو تشاد، ومالي، والمغرب، أحسست بأني صغير، بل أصغر، وأصغر، مع كل نظرة، وحين ختمتها برؤية قبة السماء اللانهائية، أحسست بأني أتلاشى، لا شئ، سكر ذاب في الكوب، غاب شكله، وتبقى هويته الطاعمه ذائبة في الكون..

    رأيت مؤخرة بقرة حمراء داكنة، ثم ذيلها وهي تختفي أحد الطرق البعيدة..
    لم؟
    هذا المشهد المبتور، مؤخرة بقرة، ثم ذيل مضطرب، ما جدوى رؤيته؟ أم "إنها الحياة والسلام"..

    تنفست بعمق، وكياني غارق في النشوة، وهمست لنفسي، بصوت سمعته أختي (كم رائع منظر القرية بعد القراءة)، هزت رأسها وجرت، رقصت ضفيرتها كذيل البقرة المجهولة،

    حاولت أن أجد في ذخيرتي اللغوية كلمة تليق بالفسحة (دائرية، لا... مستطيلة لا... بيضاوية لا... مبعجة، برضو لا)، أحسست بهوان اللغة، وهوان التعبير، حتى الحب، والشوق، والخوف، هي معاني غريبة، نتكلم عنها، زورا، وبهتانا، مثل الطيور، والزازير، تخال خيال المأتة، شخصا، حقيقي، فتفر منه، خوفا من أن ينحني، ويمسك حصى، ويقذفها بها، ما أكثر الأكاذيب في الحياة، ما أحط التصورات. ..

    الشمس آلت للغروب، متى وصل نهر اليوم للغروب، لقد مكرت بي القراءة، كما مكر النوم بأهل الكف، الوقت أما أن تغرق فيه، أو تراقبه، وشتان بينهما، (لا أمس من عمر الزمان)..أحسست بحنين للضوء، وسفره الأبدي، متى يضع عصا الترحل، تذكرت الزين، والحنين، متى يضعا عصا الترحال، وبادرني بيت قديم لابي تمام، ذكرني بالارض، وهي الأخرى، تجري بسرعة 30 كلم حول الشمس

    يقول شطر البيت الاخير (فظهور العيس أوطاني)..
    ياله من ترحال للجبال ومقابر البكري، والنيل، وهي تمضي ظهر الارض العجول، وهي تسعى لأجل مسمى، من سماه؟ ولم؟ ومن اختار لها هذه السرعة (30كم ثانية)، ..

    ماهذه الغبطة التي تخلقها القراءة في المرء،
    في القرية
    في أصوات أهلي..

    رثيت لأبي تمام، (ظهور العيس وطنه)، بل غبطته، في دنيا (تتغير، ودنيا أدمنت عشق الثوابت)..

    هل أنا داخل الرواية، أم خارجها، لست أدري..



    (7)

    (قصة بسيطة، كتبتها ببساطة شديدة "جدا"، وهي تعبير عن "حنين" للبيئة، ومحاولة لاستحضارها)..

    فقرة من حديث للطيب صالح، وهو يتكلم عن أول قصة كتبها، عام 1953، عام غربته الأولى، عن قصته الأولى(نخلة على الجدول)..

    ...
    (8)

    حتى إذا مخض الله السنين لها *** مخض الحليبة كانت زُبدة الحقب
    بُصرت بالراحة الكبرى فلم ترها *** تُنال إلا على جسر من التعب

    أبي تمام


    (9)

    (في أمريكا، كنا نلتقي سويا في شقة صديقنا الفاتح إبراهيم نسمع أشعار السودان وأغانيه، ومدائحه، ونضحك كثيرا، ونبكي أحيانا، وقد دفعنا الحنين يوما أن غنينا أغنية سودانية لحسن عطية، في المركز العربي بواشنطن، وعجب الناس أن يروا مؤلف "موسم الهجرة إلى الشمال"، يغني بصوته الجهوري المميز، وقد نسى نفسه، يغني بصوت منطلق وفي محبة غامرة وقد نسى نفسه والعالم حوله، حتى وقف الناس يهللون ويصفقون)

    من مقال
    (لعبة الموت مع الطيب صالح)
    ابراهيم الشوش
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de