صحيفة الأهرام: السودان‏..‏ لماذا بعد إدانة البشير جنائيا؟

Quote: رسالة نيويورك‏:‏ طارق فتحي يتصور الوفد العربي والافريقي الذي اجتمع مع اعضاء مجلس الأمن الأسبوع الماضي أن التهديد بحدوث فوضي في السودان سيقنع المجتمع الدولي بتأجيل القبض علي الرئيس السوداني‏..‏ الدول صاحبة القرار في مجلس الأمن رفضت هذه التهديدات وأعلنت كل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة أنها لن تترك البشير حرا وأنهم سيلاحقونه‏..‏سيفرضون عليه وعلي مساعديه عقوبات دولية‏..‏سيضغطون علي زملائه من القادة والزعماء الافارقة وغير الأفارقة لتسليمه الي المحكمة الجنائية الدولية عند أول زيارة يقوم بها للخارج‏!‏ السيرجون سوروز المندوب البريطاني لدي الأمم المتحدة قال لي إن البشير استنفد كل الفرص في بلاده‏..‏رفض تسليم الوزير أحمد هارون وقائد الجنجويد علي شكيب للمثول أمام المحكمة الدولية أو حتي محاسبتهم علي أعمال القتل والابادة الجماعية في دارفوركما أنه يحنث دائما في كافة وعوده وضماناته بالكف عن الأعمال العسكرية في دارفور ونقل السلاح والعتاد إلي بعض القبائل المتحالفة معه داخل الإقليم‏.‏وعندما سألته عن المحاكم الوطنية التي قرر النظام السوداني انشائها لمحاسبة المتورطين ابتسم السفير البريطاني وقال إننا لم نسمع عن أعمالها شيئا بالرغم من الوقت الطويل الذي منحناه للبشير لكي يستجيب الي مطالبنا‏.‏ هذه المطالب تراها الخرطوم خرقا للسيادة ومساسا بالسيادة الوطنيةوفي كل مرة يتحدث فيها السفير عبد الحليم عبد المحمود مندوب السودان لدي الأمم المتحدة حول القبض علي رئيسه يستخدم قاموسا عتيقا من قبيل المؤامرة وأن بلاده لن تركع لقوي الاستعمار الجديد في العالموأن ملايين السودانيين علي أتم استعداد لفداء رمز بلادهم وزعيمهم الخالد‏!!‏المدهش أنني عندما سألت السفير السوداني عن ضعف الموقف القانوني لبلاده في حالة صدور قرار قضاة المحكمة الجنائية الدولية بالقبض علي البشيرردد نفس المزاعم الضعيفة التي يحفظها المسئولون السودانيون منذ اندلاع أزمة دارفور منذ أكثر من‏7‏ سنوات تقريبا‏.‏وهي أن بلاده ليست طرفا في اتفاقية المحكمة ولاتسري أعمالها عليها‏.‏ أمين الديب عضو نقابة المحامين الدوليين في لاهاي‏(‏مقر الجنائية الدولية‏)‏ وأحد الذين حضروا مناقشات مجلس الأمن الأسبوع الماضي قال لي إنه يشعر بالرثاء والدهشة معا من هشاشة الموقف القانوني الذي تسعي الجامعة العربية والحكومة السودانية لترويجه اعلاميا‏.‏صحيح أن السودان ليست عضوا في اتفاقية المحكمةمثلها مثل الولايات المتحدة وغالبية الدول العربيةلكن قرار القبض علي البشير يستمد قوته من مجلس الأمن وليس من المحكمة ذاتها‏.‏فقرار المحكمة صدر بناء علي طلب من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وهو مايفرض علي السودان وبقية الدول الأعضاء وجوب تنفيذه‏.‏ وعندما سألته لماذا الرئيس السوداني فقط هو الذي يذهب للمحاكمة وهناك رؤساء دول ورؤساء حكومات آخرين اقترفوا نفس الجريمة في شعوبهم قال إن الجنائية الدولية لاتتحرك إلا بناء علي طلب من الدول الأعضاء باتفاقية المحكمة أو بناء علي قرار من مجلس الأمن‏.‏وحتي الآن لايوجد مثل هذا القرار من المجلس بمحاكمة المسئولين الاسرائيليين أو الأمريكيين الذين ارتكبوا جرائم مماثلة في فلسطين والعراق‏.‏ عدت لسفير السودان‏(‏الذي كان يرتدي الجلباب السوداني المعروف بألوانه المزركشة ويسير به في أروقة الأمم المتحدة‏)‏ وسألته عن السيناريوهات المتوقعة بعد قرار احالة البشير للمحاكمةفأكد أن الخرطوم لن تعترف ابدا بالقرارلكنه ألمح الي حدوث اضطرابات سياسية وأمنية ليس فقط في اقليم دارفوروانما في كافة أنحاء السودان‏.‏وحاولت التعرف منه عن مصدر المعلومات التي نشرتها النيويورك تايمز حول صدور قرار القبض علي البشير فقال إن الجميع يتعاونون معا في مؤامرة واحدة تستهدف وحدة السودان وكرامة أبناءه واتهم عبد الحليم عبد المحمود حركة العدل والمساواة السودانية المعارضة بالعمل لصالح أجندة المخابرات الأمريكية والبريطانيةوذلك علي الرغم من الاجتماع الذي استضافته الدوحة لهم منذ اسبوعين وبمشاركة حكومية من الخرطوم‏!!‏ بان كي مون الأمين الأمين العام للأمم المتحدة لايبدو منزعجا علي الإطلاق من التهديدات التي يحذر منها السفير السوداني ويطلقها كافة المسئولين السودانيين ازاء محاكمة رئيسهم‏.‏وهو يصر بوضوح علي التفرقة بين تطبيق العدالة علي الرئيس عمر البشير واستمرار عملية السلام في دارفور وانهما يسيران في خطين متوازيين‏.‏وفي لقاء خاص عقدته معه‏'‏ الأهرام‏'‏قال بان كي مون أنه من غير الصواب أن نرهن تحقيق العدالة الإنسانية بأي اعتبارات أخري وأنه لايمكن للمجتمع الدولي الرضوخ لتهديدات بإشاعة الفوضي في أي دولة عضو بالأمم المتحدة‏.‏ أما الرئيس عمر البشير نفسه فقد اكتفي باغراق شوارع الخرطوم الرئيسية بتعليق لافتات ضخمة مزيلة بتوقيع العديد من المؤسسات الحكومية والشعبية في بلاده وكلها تؤكد وقوفها خلف قيادته والتضحية بكل شئ من أجل كرامة الرئيس الذي هو رمز لكل السودانيين‏.‏يشعر البشيروهو يجلس في الخرطوم بالاطمئنان فهو يدرك أنه ليس الوحيد بين الرؤساء الافارقةفجميعهم لايختلفون عنه في شيء وهو ماظهر جليا في حفاوة الاستقبال التي لقيها خلال حضوره المؤتمر الأخير الذي دعت اليه قطر خلال العدوان الاسرائيلي علي الفلسطينيين في قطاع غزة‏.‏وحتي هذه اللحظةلا يزال الرئيس السوداني يضع العراقيل تلو الآخري أمام استكمال نشر القوة المشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في اقليم دارفور لحماية المدنيين من أبناء وطنه‏. ‏بل إن هناك اتهامات من قبل الأمين العام للنظام السوداني بالتورط في عمليات اطلاق نار علي الطائرات الأممية التابعة للقوة المشتركة في دارفور‏.‏وطبقا لبيانات الأمم المتحدةفقد تعرضت هذه الطائرات الي أكثر من عشرة حوادث اطلاق نارفضلا عن مقتل أكثر من‏35‏ جنديا تابعين للقوة المشتركة حتي الآن‏.‏ لكن هل يعني ذلك أن أمل خلاص الرئيس السوداني من مذكرة القاء القبض عليه وتسليمه للمحاكمة قد تضاءل نهائيا بعد أن أصبح رهان الخرطوم علي معارضة الصين وروسيا داخل مجلس الأمن خاسرا بالكليةبعد اصرار العواصم الثلاث دائمة العضوية في مجلس الأمن علي اجهاض أي قرار بتعليق مذكرة الجنائية الدولية لعام آخر‏.‏ كل هذا يؤكد أن الرهان الوحيد لخروج السودان من المأزق الحالي هو بتسليم المتهمين الي العدالة الدولية في لاهاي وقيام الدولة السودانية بكل واجباتها تجاه حماية مواطنيها في اقليم دارفوروالتفاوض بجدية مع كافة أطراف اللعبة السياسية في السودان من أجل احلال السلام في كافة أراضيه‏.‏

Quote: كل هذا يؤكد أن الرهان الوحيد لخروج السودان من المأزق الحالي هو بتسليم المتهمين الي العدالة الدولية في لاهاي وقيام الدولة السودانية بكل واجباتها تجاه حماية مواطنيها في اقليم دارفوروالتفاوض بجدية مع كافة أطراف اللعبة السياسية في السودان من أجل احلال السلام في كافة أراضيه‏.‏