|
حكاية "العب"
|
http://ajrasalhurriya.net/ar/news_view_1913.html
حكاية "العب" بواسطة: admino بتاريخ : الثلاثاء 10-02-2009 05:00 صباحا زورق الحقيقة
أبوهريرة زين العابدين عبد الحليم
هل الشعب السوداني فوق التاريخ، هل ما يقال من إننا أفضل شعب وغيرها من مقولات فيها تعميم مخل. وإذا كان ذلك كذلك فلماذا مشاكلنا اكثر من الهم على القلب. هل الموضوع صورة نمطية قلناها عن أنفسنا وصدقناها ونمنا بعد ذلك حتى وصل الأمر لمطالبة البعض برجوع الإستعمار ليحل لنا مشاكلنا. ما هي الشروط الضرورية للنهضة، ومن أين نبدأ؟
لماذا لم نستطع تقديم رؤية نقدية لتاريخنا نستفيد منها في حاضرنا وحتى تعيننا للتخطيط لمستقبلنا. لماذا قلة الكتابة التي تدخل في تاريخنا وحاضرنا السياسي والإجتماعي والإقتصادي وتبصر الشعب بما لا يبصره وتنقب فيه بحيادية علمية وتقدم لنا تنوير حقيقي.
لماذا الكل حتى الأكاديمي يريد أن يصبح سياسي يكتفي بتعليقات سطحية في الصحف او كتب تعتمد على التجميع مستندة على لحظة الحدث السياسي الحاضرة. هنالك أسئلة صعبة يطرحها حاضرنا وتحتاج لإجابات عميقة، مثل دارفور والجنوب والصراع ما بين السودان العربي والسوداني الزنجي اي صراع "الغابة والصحراء" وسوف استعير هذا التعبير بشكل مجازي واعني بالغابة السودان الأفريقي والصحراء السودان العربي. لماذا لا نريد أن نتحدث عن "المسكوت عنه" في تاريخنا وحاضرنا والحفر فيه وحتى نستطيع تقديم تنوير حقيقي. فحديث حمدي عن مثلث سنار هناك اناس كثر مقتعين بذلك ويجب أن يخرج إلى العلن لتفتيته. بينما بالمقابل هناك من يتحدث عن سودان افريقي وما بين أفريقية السودان وعربيته يموت الناس بسبب الأيديولوجية.
لماذا لا نقتنع بأننا سودانيين تجمعنا دولة تسمى السودان ونعترف بكل واقعنا المجتمعي التاريخي وبالوجود العربي والتأثير الثقافي العربي وبالخلطة الأفريقية التي هي في شكل كل واحد منا وكيانه. أذكر عندما حضرت لأمريكا وكان هناك فورم وبه تحديد الأصل أو اللون الإثني وبدون تردد كتبت أنني أسود ولا يمكن أن أكون أبيض أو أسيوي أو آري وقد علمت من أن البعض تردد وخجلوا من أن يكتبوا إنهم بيض واشاروا إلى "أخرى" اي أنهم ليسوا بيض ولا سود ولا أفارقة ولا أسيويين وتلك هي الأزمة. حدثت أيضاً نقاشات في أيهم أقرب لنا أهل حماس أم اهل دارفور وكان إنحياز البعض واضح، يتكرر هذا الصراع على المستوى المحلي والأسري وعلى مستوى الحي وعلى مستوى الدولة وعلى مستوى المثقفين. فثقافة تحقير اللون الأسود ثقافة عربية وليست إسلامية لأن الدين الإسلامي نهي عنها، ولكن العرب ما زالت عندهم وورثها اهل السودان عن أجدادهم الذين حضروا من الجزيرة العربية وتزوجوا من أفريقيات.
فكلمة "العب" ويقصدون العبد تسمعها بشكل كثير وسط الناس وحتى لو كان لون أحدهم مثل حب الفلفل ولكن لأن قبيلته كذا فهو يعتقد هذا جواز له وبرغم سواد لونه أن ينعت الآخرين بهذه الكلمة، لذلك فهو مدلول ثقافي وتتكرر هذه المسألة عند الزواج حيث يبحثون عن العرق الذي هو دساس حسب قولهم. وإذا نقبنا في أمثالنا فسوف نجد الكثير مثل "ما تخاوي العب وما تبول في الشق، العب نساي والشق حساي" أي أن العبد ينسى المعروف الذي تسديه إليه مثل اخدود الأرض الذي يشرب كل المياه في وهلة وهو كلام لا أساس له وإنما صورة نمطية خلقناها حسب الثقافة في مرحلة محددة واستمر الأمر واصبح واقع يمشى بين الناس ولابد من نقده وتشريع قوانين لتعاقب من يقول بذلك. هذه مشكلة ثقافية عربية استوردت لنا، فإذا إعتبر العرب أنهم فوق التاريخ وأنهم يتحدثون بلغة القرآن ويصبح كل الإنجاز حول إعجاز اللغة والشعر والكلمة مما حدا بالبعض بأن يصف اللغة العربية باللاتاريخية ويصف العرب بانهم مجرد أغيار نتيجة لذلك. فالسودانيون يعانون من نفس مشكلة التحقير الثقافي عندما يذهبون للخليج وبرغم من أنهم يدرسون اللغة العربية في تلك المناطق إلا أن ذلك لم يشفع لهم بعروبتهم وصفاء عرقهم، والنكتة المشهورة التي يتداولها اهلنا من أن احدهم قال إن اسمه العبيد فقال له الأعرابي إنه يدري إنه "عبيد" اي عبد ولكن يريد أن يعرف إسمه وهذه النكتة توضح هذا المغزى.
إذا استعنا بالأبستمولوجية اي نقد المعرفة أو المعرفة النقدية وحاولنا أن نجيب على سؤال كيف نستطيع أن ننهض بالأمة السودانية؟ فالإجابة تبدأ من نقد تاريخنا بالإستعانة بعلم النفس المجتمعي وعلم الإجتماع ونبدأ من الأشياء البسيطة وندرسها ونحللها ونجد الإجابة عليها وبعد ذلك يمكن تأطير حل يبدأ بنشر الوعي حيث يبدأ من المدرسة والإذاعة وغيرها وتبصير الناس. يمكن أن نبدأ بما هو بسيط ونأسس على ذلك مثل حكاية "العب" هذه، ونريد للوعي الذي بإمكانه الوصول لهذا الخبل وهذه الجهالة المنتشرة على مستوى خريجي الجامعات وما يدعون أنفسهم بالمثقفين، أن نجعل من ذلك موضوع للمعرفة وهذا ما يسمى بالوعي النقدي أو الوعي التاريخي النقدي. ولا نريد أن نتعامل مع ذلك بشكل تلفيقي أو تجميعي كما هو منتشر في كتابات كثيرة تجميعية لا أكثر منها ولا أقل ونطلق على أصحابها مفكرين بدون أن يكون لهم مشروع فكري كامل متكامل ولكن يستغلون وجودهم في مناطق صحراوية المعرفة.
فإذا سألنا أنفسنا سؤال، ما هي تجاربنا في النهوض؟ تكون الإجابة حسب الأيديولوجية، فبرغم أن هناك شبه إجماع على الإمام المهدي كأحد رواد النهضة وثائر على الفساد الإستعماري واستطاع أن يحرر البلد ويخلق حكم وطني بمعايير عصره نجد أنه من الصعب أن تجد صاحب مشروع نهضوي كامل بأسسه النظرية وببرامجه العملية في اليسار أو اليمين. الحديث عن البطل على عبد اللطيف لم يكن له مشروع متكامل وفكرة متكاملة حول النهضة أو الثورة أو التغيير. فحالة "الغابة والصحراء" هذه جعلتنا في حالة توهان ما بين العروبة والأفريقية لا نحن عرب ولا أفارقة وبنفس القدر على المستوى السياسي نجد حالة التوهان فيما يتعلق بالهوية أو الأرومة أو العرق، والأسس الفكرية للتيارات السودانية نجد البعض يتحدث عن الإسلام والعروبة والبعض عن الأفريقية وجماعة تتحدث عن العلمانية وكل واحد حسب فهمه لها فالبعض يقول بفصل الدولة عن الدين وآخرين يتحدثون عن فصل السياسة عن الدين وهناك دعوات بإبعاد الدين عن الدولة ويعتقد اصحاب هذه الدعوة بأنه خير للدولة وللشعب ولكل الأديان.
لقد جاء سؤالي في الأول بأن هناك صورة نمطية خلقناها أو نعتنا بها أنفسنا وصدقناها واصبح هناك صدى وترجيع لها في في أفكارنا، لذلك نام الناس عن المعرفة ونامت عنهم المعرفة واصبحنا في حالة إنتظار لكي تحل مشاكلنا، فإذا التقى الخصوم السياسيين في مناسبة عزاء تجد الناس يتحدثون عن كيفية تسامحنا كسودانيين، وهذا موضوع ليست له اي دلالة فكرية وإنما مجرد صورة نمطية قلنا به وصدقناها واصبحنا نلوكها ببلاهة. أين التسامح مثلا في قضية دارفور ومهما أنكرنا فنجد حكاية "الغابة والصحراء" هي التي ادخلتهم الغابة بمعنى الثورة على الصحراء واقصد أنها ترمز للعروبة ومحاولة الإحتكار السياسي والإقتصادي والإجتماعي من أهل "الصحراء" على أهل "الغابة" وتعبير آخر يعطي نفس المعنى أولاد البحر وأولاد الغرب يتبعه المثل "الذي يأتي من الغرب لا يسر القلب" وهي صورة نمطية آخرى قبيحة ولكن صدقناه واصبحت مثل يجري بين الناس. لذلك أعتقد بأن العوائق التي تعيق طريقنا النهضوي تبدأ بالحديث عن ما نسكت عنه ونفضح ذلك ونفضح الأفكار الإنتهازية في اليمين أو اليسار التي تستغل كل ذلك من اجل المحافظة على وضعية إجتماعية سلطوية على مستوى الحزب أو على مستوى الدولة أو على مستوى القبيلة برغم إختلاف بنية القبيلة، ولكن نجد بعض تجمعاتنا السياسية ما هي إلا قبائل سياسية وتجمعات أسرية سياسية في اليمين أو اليسار تربطها مصالح وتحاول أن تحافظ على هذه المصالح بطرق سياسية، لذلك تجدهم يختلفون ويقتتلون ولكن في حوادث محددة لها دلالة عرقية يتفقون، ولا يسألون أخاهم في النائبات على ما قال برهانا على حسب قول الشاعر.
هل أنتهى الموقف إلى نهايتة أو إلى سقفه الأعلى، هل أنتهى التاريخ في السودان ووصلنا لنهايته بالوضع الحالي، أم أن ذلك بداية لتغيير شامل يسقط كل القديم ويقوم أهل "الغابة" بدحر أهل "الصحراء" وتبدأ الحلقة دوارها. هل من طريقة لتعايش أهل الغابة والصحراء بشكل حقيقي وليس بشكل فوقي كما في كتابات كثيرة تدخل في اطار تضخيم الذات ولا تنطلق من الواقع وإشكاليته. هل نقبل ببعضنا البعض على المستوى الإجتماعي والسياسي والإقتصادي، اعتقد هذا هو السؤال إذا وصلنا لأجابة له واطرنا الإجابة في شكل برنامج وفصلنا دستور على مقاس ذلك يمكن أن يصبح السودان دولة واحدة، وإذا لم نستطع فعلينا الإستعداد لدويلات السودان القادمة، وسوف ندخل في زمرة جمهوريات ما كان يسمى بالسودان.
|
|
 
|
|
|
|