الأسلحة الكيميائية وحقيقة استخدامها في السودان في منتدى ميديكس للحوار
|
بيــان غـــزة../ د.عزمي بشارة
|
Quote: بيــان غـــزة../ د.عزمي بشارة 28/12/2008 18:53
* العدوان على قطاع غزة استمرار للحصار بوسائل أخرى، فالحصار عدوان والقصف عدوان. وعندما فشل الحصار التجويعي على القطاع في كسر إرادة أهلها، لم يعد ممكنا الاستمرار في إحكامه فترة طويلة، وأصبح محتما لمن يريد الاستمرار في نفس النهج لتحقيق نفس الهدف أن يقوم بعملية عسكرية.
* كان واضحا أن هذا "الاستحقاق" سيحل مع نهاية مرحلة ما سميت زورا وبهتانا بالتهدئة. كانت التهدئة عدوانا مسكوتا عنه، كانت عدوانا يرد عليه بتهدئة، كانت حصارا تجويعيا دون رد. وكان واضحا أن العدوان سيحل مع المزاودة بين القوى السياسية الإسرائيلية في التنافس الدموي على كسب قلب الشارع الإسرائيلي المجروح "الكرامة" من لبنان.
* كان واضحا أن من لم يأت إلى حوار القاهرة للاعتراف بانتصار الحصار وبنتائجه السياسية المستحقة سيدفع الثمن. كانت هذه هي الفرصة الأخيرة التي يلام عليها من لم يستغلها. تماما كما أعذر من أنذر ياسر عرفات عندما لم يقبل بكامب ديفد، وكما أعذر من أنذر سوريا بعد الحرب على العراق، ومن أنذر حزب الله على طاولة الحوار التي سبقت يوليو/تموز 2006.
* جرى التحضير للعدوان بعد تنسيق أمني سياسي مع قوى عربية وفلسطينية، أو إعلامها على الأقل، حسب نوع ومستوى العلاقة.
* يتراوح موقف بعض القوى العربية من إسرائيل بين اعتبارها حليفا موضوعيا ضمنيا حاليا أو حليفا مستقبليا سافرا، وبين اعتبار النقاش معها مجرد سوء تفاهم، في حين تعتبر نفس هذه القوى الصراع مع قوى الممانعة والمقاومة صراعَ وجود.
* لا تناقض بين تنسيق العدوان مع بعض العرب وبين إدانة العدوان الصادرة عنهم، بل قد تكون الإدانة نفسها منسقة. ويجري هذا فعلا بالصيغة التالية "نحن نتفهم العدوان ونحمل حركة حماس المسؤولية، وعليكم أيضا أن تتفهموا اضطرارنا للإدانة.. قد نطالبكم بوقف إطلاق النار، ولكن لا تأخذوا مطلبنا بجدية، ولكن حاولوا ان تنهوا الموضوع بسرعة وإلا فسنضطر إلى مطالبتكم بجدية".
* من يعرقل عقد القمة يريد أن يأتيها بعدما تنهي إسرائيل المهمة، ومن يذهب إليها في ظل القصف الإسرائيلي الآن يعرف بعقل وغريزة السلطان أنه رغم التردي العربي فإنه ما زال الذي يقف مع إسرائيل يخسر عربيا.
* عندما قرر جزء من النظام العربي الرسمي أن إسرائيل ليست عدوا، بل ربما هي حليف ممكن أيضا، صارت دوله تتحين الفرص للسلام المنفرد، وتدعم أية شهادة زور فلسطينية على نمط "عملية السلام"، وعلى نمط "لا نريد أن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين".. أصبحت مقاومة إسرائيل شعبية الطابع، وهي تحظى بدعم من جزء من النظام العربي الرسمي لأسباب بعضها تكتيكي وبعضها إستراتيجي.
* من اتجه للتسوية منع المقاومة الشعبية من بلاده، ولكنه لم يستطع شن الحرب عليها في البلدان التي بقيت فيها مقاومة. وقد دامت المقاومة فقط في البلدان التي تضعف فيها الدولة المركزية ولا يمكنها منع المقاومة: السلطة الفلسطينية، لبنان، العراق.
* ومن هنا يستعين هذا المحور العربي بإسرائيل مباشرة لضرب المقاومة. ففي العام 1982 صمت هذا المحور على العدوان على المقاومة وحاول أن يحصد نتائجه فيما بعد، وهذا ما جرى عند حصار المقاطعة. أما في يوليو/تموز 2006 وما يجري في ديسمبر/كانون الأول 2008، فقد كان التنسيق سافرا.. هذا هو الجديد.. فقط اللغة المستخدمة في وصف هؤلاء لم تعد واضحة وحاسمة، ولم تعد تسمي الأشياء بأسمائها.
* العالم -بمعنى الرأي العام العالمي- مصطلح وهمي، والشرعية الدولية مصطلح عربي.. لو فشلت المقاومة اللبنانية في الدفاع عن ذاتها، لما نفعها مجلس أمن ولا برلمان أوروبي، ولانتقلت شماتة "المعتدلين" إلى التبجح وحصد نتائج انتصار إسرائيل الذي لم يأت.
* انتهى موضوع الديمقراطية عربيا كأجندة غربية، لفظت مصداقيتها أنفاسها الأخيرة، فهي إما أن تكون عربية أو لا تكون: أميركا تتعامل مع كل عدو لإسرائيل بمن فيهم أعداء الاحتلال الإسرائيلي كأعدائها، حتى لو كانوا منتخبين ديمقراطيا. أما حلفاء إسرائيل فهم حلفاؤها حتى لو كانوا دكتاتوريات.
* حصار السلطة الفلسطينية المنتخبة وعدم منحها فرصة، وتفضيل شروط وإملاءات إسرائيل على انتخابات ديمقراطية وعلى إرادة الشعوب، فضحت قذارة الحديث الأوروبي عن الأخلاق في السياسة، فأوروبا هي الأقل أخلاقا خارج أراضيها.
* "العالم" لا يتضامن مع ضحية لأنها ضحية، هذا ما يقوم به بعض النشطاء الأخلاقيين الصادقين.. ولا "شرعية دولية" تُعِينُ مهزوما، أو تهرع لتأخذ بيده على إحقاق حقوقه، أو على تنفيذ القانون الدولي. "العالم" يتضامن مع ضحية تقاوم لأنها على حق وتريد أن تنتصر.. والشرعية لمن لديه القوة أن يفرضها.
* الأساس هو الصمود على الأرض، الأساس هو قلب حسابات العدوان بحيث يدفع المعتدي ثمنا. هذا ما سيفرض نفسه على القمة العربية، وهذا ما سيفرض نفسه على الهيئات الدولية.
* التضامن المسمى إنسانيا مع الضحية لا يدعو للحقوق بل للإغاثة، ولا معنى للتضامن السياسي المطلوب عربيا، إذا لم يدعم صمود المقاومة. والإغاثة عمل مهم ولكنها ليست هي التضامن.
* خطأ الحديث عن تضامن فلسطيني، أو تضامن الضفة أو الشتات مع غزة.. هذه نفس القضية، ونفس المعركة ويجب أن تخاض. ولا أحد يسدي لأحد معروفا هنا.
* حتى الأعداء يعالجون الجرحى في الحروب، وحتى الأعداء يسمحون بدخول قوافل الأدوية والغذاء.. هذا ليس عملا تضامنيا، ولا هو أضعف الإيمان.
* يجب ألا يتحول التضامن العربي الانفعالي إلى تنفيس عربي، فبعده تستفرد إسرائيل بنفَسها الطويل بالشعب على الأرض. ومن أجل ذلك يجب وضعُ أهدافٍ سياسية له، أهمها أن تخسر إسرائيل المعركة سياسيا، وذلك بإضعاف ومحاصرة التيار الذي يؤيد أي تسوية معها.. وهذا نضال تصعيدي حتى تحقيق الهدف، حتى يحصل تراجع بعد آخر لإسرائيل والقوى المتعاونة معها على الساحة العربية.
* يمكن إفشال العدوان.
|
|
|

|
|
|
|
|
|
Re: بيــان غـــزة../ د.عزمي بشارة (Re: نصر الدين عثمان)
|
Quote: خطاب لن يلقيه مبارك / فهمي الهويدي 30/12/2008 13:46
أيها المواطنون- في حين يقبل العالم على عام ميلادي جديد، ويودع عاما شهد احداثا جساما فإن الأمل يحدونا ان تشهد بلادنا في مقبل الأيام والشهور ما تصبو إليه من سلام ورخاء ورفعة إلا أن الرياح التي هبت علينا خلال الأيام الأخيرة أضعفت كثيراً من ذلك الأمل، على نحو أعاد إلى الأذهان صفحة الصراع الدامي والخصومة المريرة، التي ظننا انها في سبيلها الى الزوال، بعد الجهد الكبير الذي بذلناه لإحلال السلام وإعادة الثقة ومد جسور الفهم والتفاهم في المنطقة، اذ تعلمون اننا ظللنا طوال الوقت نلوح باليد الممدودة، ونعبر عن حسن النوايا، الأمر الذي دفعنا إلى توقيع الاتفاقيات وتصديق الوعود تلو الوعود، التي كان من احدثها ذلك الوعد بإقامة الدولة الفلسطينية قبل نهاية العام الحالي، وهو ما دفعنا الى الصبر وتمرير الكثير من الهنّات والأخطاء في سبيل المراهنة على إنجاز ذلك الوعد، غير ان ما حدث بعد ذلك لم يكن في الحسبان، فقد تم التأجيل والتسويف، حتى بلغنا أواخر العام ولم تقم للدولة المرجوة قائمة، ليس ذلك فحسب، وإنما فوجئنا بما هو أسوأ بكثير، ذلك أن وعد الدولة تبخر وبدلا منه نزلت بأهلنا في غزة نازلة أغرقت القطاع في بحر من الترويع والدماء والأشلاء، حتى أصبحت هدية نهاية العام للفلسطينيين مذبحة لا دولة.
وإزاء هذه الصدمة، فإن مصر التي تعرفونها ما كان لها ان تقف متفرجة أو تلتزم الصمت. ايها الإخوة المواطنون، لقد اخترت هذه المناسبة لكي أصارحكم بحقيقة مشاعري، وانتهزها فرصة كي أصحح في الأذهان بعض الأمور الملتبسة، التي فتحت الأبواب للغط وسوء الفهم، بل وسوء الظن بمصر وسياستها وقيادتها، لقد ظن البعض ان السلام الذي اختارته مصر كان استسلاما، وذلك خطأ محض، وتصور آخرون ان صبرنا ناشئ عن الضعف وقلة الحيلة، وليس عن الثقة وطول البال، وسمعنا كلاماً كثيراً عن خروج مصر عن الصف العربي وتخليها عن دورها التاريخي في قيادة هذه الأمة، ولم نشأ في حينه أن نرد على هذا الكلام، حتى لا يظن أحد أننا في موقف الدفاع، أو أن دور مصر موضوع للمساومة أو محل للاجتهاد. وأنا هنا أقول بوضوح إن مصر التي هي ذاتها التي حاربت، ستظل ضمير هذه الأمة.
ولأن مصر تعرف قدرها وتدرك مسؤولياتها، فإن ما جرى في الأرض المحتلة كان ينبغي أن يكون له عندها وقع آخر. فليست مصر التي ترى الدم الفلسطيني ينزف ثم تقف صامتة أو متفرجة، وليست هي التي ترى اسراب الطائرات النفاثة تقصف القطاع، ولا تنتفض تضامناً مع الشعب الفلسطيني البطل، وغيرة على كرامة الأمة وشعوبها، وليست مصر هي التي ترى المقاومة الباسلة تضرب ولا تهب للذود عنها، وليست هي التي تسمع أصوات التهديد والوعيد تصدر من تل أبيب فتتراجع وتستسلم للخوف، لكن مصر التي تعرفونها تستقبل كل ذلك بثقة وثبات، وتعرف أن عليها ان ترد، في التوقيت الذي تحدده وبالأسلوب الذي تقتنع بجدواه.
إنني أعلم أن مصر مسكونة بالسخط والغضب إزاء الممارسات الإسرائيلية في غزة، لذلك فإنه استشعارا لمسؤولية مصر ومسؤوليتي الشخصية، فإنني بعد التشاور مع إخواني في مجلس الأمن القومي وقيادات قواتنا المسلحة، أعلن أن صبرنا قد نفد، وأن مصر بعدما اعطت لاحتمالات السلام كل فرصة ممكنة، قررت ما يلي:
إبعاد السفير الإسرائيلي في مصر
واستدعاء السفير المصري في تل أبيب إلى القاهرة للتشاور
وفتح معبر رفح على مصراعيه أمام الإخوة الفلسطينيين في غزة لتوفير احتياجاتهم طوال الوقت،
تعليق مشروعات التعاون مع إسرائيل،
-تشكيل لجنة لإعادة النظر في اتفاقيات تصدير النفط والغاز اليها
- إيفاد مبعوث خاص الى سورية لطي صفحة الخلافات بين البلدين
وإعادة تنسيق المواقف بين القاهرة ودمشق والرياض، واتخاذ خطوات حاسمة لإنهاء الخلاف الفلسطيني
ودعوة السيد محمود عباس رئيس السلطة الوطنية والسيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» للاجتماع في القاهرة خلال اسبوع، وسأباشر بنفسي إدارة الحوار والتفاهم بينهما.
أيها الأخوة المواطنون، لقد حققت مصر عبورها في عام الحسم، وأرجو ان تكون القرارات التي اتخذتها سبيلا إلى إعلان العام الجديد عاما للعزة واسترداد الكرامة..
والله ولي التوفيق.
|
| |

|
|
|
|
|
|
Re: بيــان غـــزة../ د.عزمي بشارة (Re: نصر الدين عثمان)
|
Quote: إبعاد السفير الإسرائيلي في مصر
واستدعاء السفير المصري في تل أبيب إلى القاهرة للتشاور
وفتح معبر رفح على مصراعيه أمام الإخوة الفلسطينيين في غزة لتوفير احتياجاتهم طوال الوقت،
تعليق مشروعات التعاون مع إسرائيل،
-تشكيل لجنة لإعادة النظر في اتفاقيات تصدير النفط والغاز اليها
- إيفاد مبعوث خاص الى سورية لطي صفحة الخلافات بين البلدين
وإعادة تنسيق المواقف بين القاهرة ودمشق والرياض، واتخاذ خطوات حاسمة لإنهاء الخلاف الفلسطيني
ودعوة السيد محمود عباس رئيس السلطة الوطنية والسيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» للاجتماع في القاهرة خلال اسبوع، وسأباشر بنفسي إدارة الحوار والتفاهم بينهما.
أيها الأخوة المواطنون، لقد حققت مصر عبورها في عام الحسم، وأرجو ان تكون القرارات التي اتخذتها سبيلا إلى إعلان العام الجديد عاما للعزة واسترداد الكرامة..
والله ولي التوفيق. |
وصحا الرئيس من نومه مخلوعاً
ليتنا نسمع هذا الخطاب ..
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: بيــان غـــزة../ د.عزمي بشارة (Re: Mohammed Ibrahim Othman)
|
الأهداف الإسرائيلية من العدوان؟../ د.عزمي بشارة 01/01/2009 11:33
من أغرب ما سمع من كلام السياسة حتى في أيام غرائبية كالتي نعيش ولا يُستغرَبُ فيها أمرٌ بسهولة، ما كرره المسؤولون الإسرائيليون كما تُنشَد لازمة في نشيد الموت.. هكذا تكلم أولمرت، ومن بعده ليفني حتى آخر القوم: أ- "لسنا ضد الشعب الفلسطيني، نحن ضد حماس.. هذه ليست حربا ضد الفلسطينيين، بل حرب ضد حماس". ب- "نحن لسنا أعداء، بل لدينا نفس الأعداء: حماس وحزب الله وغيرهما".
والحقيقة أن أهداف هذه الحرب العدوانية على قطاع غزة لا تختلف كثيرا عن سجالها العلني، فالقصف الجوي والقصف الإعلامي -صناعة الموت وصناعة الأجواء- ليسا مختلفين كثيرا كما يبدو.
تفضح اللازمة "بـ" الحساب الإسرائيلي المعلن بوجود حلف موضوعي على الأقل، أو وجود محور إقليمي يضم دولا عربية وإسرائيل يشترك في نفس الأعداء، وهذا منطق المحاور على أية حال. ولكن ما يرشح قبل التصريحات العلنية وبعدها، أن المحور ليس موضوعيا فحسب، ولا لقاء مصالح فقط. بهذا ننتهي من هذه الفكرة التي سبق أن تطرقنا لها.
ولكن ماذا تعني مقولة إسرائيل ليست، (أو كما سُمِعَت: نحن لسنا) ضد الفلسطينيين؟ بحسب هذا المنطق لا يوجد استعمار ضد شعب من الشعوب. فهو فقط يريد بلد هذا الشعب، ويريد سلبه ثروته وإرادته. وإذا خضع لهذا المصير "المقدَّر" له، فلا أحد ضده.
تبرز "المشكلة" إذا قاوم الشعب هذا المصير الذي يراد له. ولكن حتى عندها يدعي المستعمِر أنه ضد المقاومة والمتطرفين الذين يحملون الفكرة ويمارسونها، وليس ضد الشعب نفسه. وعندما يقوم بمحاربة المقاومة ويقصف المدنيين والناس دون تمييز، فذلك ليس لأنه ضدهم بل لأن المقاومة تعيش وتسكن بينهم. وعلى الشعب أن يتحمل القصف صامتا، فهو ليس موجها ضده، ولا ضد الأطفال الذين سقطوا، بل ضد المقاومة التي أنجب.
المقاومون هم من أبناء الشعب، وليسوا جيشا منفصلا عنه في معسكرات. وطبيعي أن يعيشوا بين صفوفه. وإذا كان هذا صحيحا في كل مكان فإنه في غزة أمر مسلمٌ به.
لأن غزة عبارة عن معسكر اعتقال مكتظ ومزدحم ومغلق. يعيش فيه الناس دونما تمييز بين غني وفقير، ومقاوم وغير مقاوم، ومنتم لحماس وغير منتم لها. لا غابة ولا جبل ولا نهر، ولا مناطق محيَّدة يلجأ إليها الناس كما في لبنان. وحتى عندما يكون القصف غير عشوائي في غزة، فإنه يكون عشوائيا بالنتيجة.. لا يمكن للحرب على غزة إلا أن تكون جريمة حرب.
هذه حرب على معسكر اعتقال. تتواصل فيها غارات على "غيتو" ضخم، تستخدم فيها طائرات ال"أف 15" وال"أف 16". كان هذا الفعل بحد ذاته غير ممكن التصور قبل عشر سنوات، كان بحد ذاته غير ممكن التنفيذ دوليا.. لقد صنع باراك هذه السابقة في بداية الانتفاضة الثانية.
إنها أجبن حرب في التاريخ الإسرائيلي، وربما في التاريخ الحديث. لا توجد دولة استعمارية تستخدم هذا النوع من السلاح ضد هذا النوع من الأهداف. وعلى وقع الانفجارات تطلع علينا وزيرة خارجية إسرائيل "الطموحة" لتخاطب الفلسطينيين كمشاهدين وفي فمها كلام من نوع: "لسنا ضدكم"... يا للهول!!
سلبت إسرائيل وطن الشعب الفلسطيني. وقد شردته في كافة أصقاع الأرض ليس لأنها ضده، بل فقط لأنها تريد وطنه. وهو لا يريد أن يتنازل بطيبة خاطر. هذا كل شيء، ولكنها ليست ضده. ولو خضع وقبل بأن يمنح وطنه عن طيبة خاطر، فلن يصيبه منها حربٌ ولا قتال.
ولو قبلت المقاومة بمضاعفة الاستيطان بعد أوسلو، وباستمرار تهويد القدس، وبالانسحاب من طرف واحد من غزة مع بقائها مطوقة كالسجن، لما كانت هنالك مشكلة إسرائيلية مع غزة. لو انتخب الشعب الفلسطيني من أرادته إسرائيل أن ينتخب في العام 2006 لما نشأت مشكلة.
ثم، وبعد هذه الانتخابات، لو قبل الشعب الفلسطيني بالحصار التجويعي راضيًا باعتباره نتيجة منطقية للانتخابات، ولو استنتج من هذا الحصار النتائج المرجوة منها وأطاح بمن انتخب، لو اعتبر حماس هي سبب الحصار وليس من يفرض الحصار، لما كانت هنالك مشكلة بين إسرائيل والقطاع. هذا هو منطق القصف الإعلامي الإسرائيلي الذي يرافق القصف الوحشي على قطاع غزة، (وربما اجتياحها مع نشر هذه السطور).
وهو، على فظاعته، يحظى أن يكرره البعض بالعربية بين السطور. وهو منطق يتضمن هدف العدوان. والهدف هو قبول الشعب الفلسطيني بالشروط الإسرائيلية في حالة التوصل إلى تسوية، وبالاستكانة والهدوء في حالة عدم وجود تسوية.
لا مشكلة مع "شريك عربي" في تسوية يقبل فيها بشروط إسرائيل التاريخية، ولا مع خصم هادئ يرضى على الأقل بموازين القوى، فيعيش، ويترك الناس تعيش في ظل الاحتلال والظلم، ويرفض التسوية نظريا فقط، أما عمليا فينشغل عن الصراع مع إسرائيل بقضايا "أكثر أهمية" مثل الحفاظ على سلطته.
وإسرائيل لم تمنح حماس حتى مثل هذه الفرصة الأخيرة. لقد حاصرتها منذ اليوم الأول على انتخابها، وانضم "العالم" إلى الحصار، ولم تحظ حماس حتى بفرصة للانشغال عن الصراع مع الاحتلال بسلطتها.
لا يهم إسرائيل كثيرا من يحكم القطاع داخليا بعدما انسحبت منه، ما دام يقبل بالشروط الإسرائيلية في حالة تسوية، أو بالهدوء في حالة عدم التوصل للتسوية.
لقد فُرِض الحصار التجويعي فعلا. وكان على حماس من وجهة نظر المطالبين بعودة "التهدئة" حاليا، أن تقبل بالهدوء ليس فقط دون زوال الاحتلال، وليس فقط مع استمرار الاغتيالات في الضفة الغربية وقطاع غزة، بل حتى دون فك الحصار.
انتقلت إسرائيل إلى استخدام السلاح وهي تهدف من ذلك إلى تقويض قوة حماس أو إجبارها على القبول بالشروط الإسرائيلية. ولا يهم إسرائيل أي الهدفين يتحقق قبل الآخر. فإذا قبلت حماس بشروط إسرائيل تكون قد عادت جحافل باراك بإنجاز. وإذا أصرت على عدم القبول فسوف يتابع الجيش الإسرائيلي مهمته حتى يعود بإنجاز ملموس، ولو على شكل عملية "كوماندوز" برية كما يحب باراك بموجب سيرته العسكرية. المهم أن تعود بصور اغتيالات واعتقالات ناجحة لقيادات.
إذا توقفت إسرائيل رغم استمرار القدرة لدى حماس على إطلاق الصواريخ، فهذا يعني أن حربها الجبانة فشلت.
ولكن لا يمكن "للترويكا" الإسرائيلية الحالية وقف القتال والعودة دون أنجاز، إلا إذا فرض عليها ذلك بالقتال والخسائر أو بغيرها.
وإذا لم يتحقق أحد الهدفين أعلاه دون عملية برية، فسوف يدخلون، ولو على شكل إنزالات واجتياحات انتقائية. يريدون صور انتصار، على شكل استسلام علني أو اعتقال وانهيار علني، وهذا ليس بالأمر السهل التحقيق. وإذا لم تأت هذه الصور فسوف يكونون في وضع حرج.
بغض النظر عن الأهداف التي وضعت إسرائيليا، فإن وضاعة الحرب ونوع الخصم لا يبشر بخير لإسرائيل، فجلد الماء لا يوقف النهر. ولن تحقق إسرائيل هدفا ملموسا من هذه الحرب. وما أنجز حتى الآن هو خسارة "محور الاعتدال" عربيا.
ترغب إسرائيل باستعادة هيبة الردع أيضا. لكن الهدف سهل من الجو. وأي قنبلة تلقى على حي مكتظ تقتل وتدمر. الثمن رخيص والحرب جبانة، ليس فيها بطولة، ولا يستعيد فيها أي جيش هيبته.
وحتى المديح الذي تكيله وسائل الإعلام الإسرائيلية لإيهود باراك على المكر والدهاء ما هو إلا خداع للذات. فقد كان الجميع يعلم أن إسرائيل تستعد لشن عملية عسكرية ضد غزة. بل وكتبت الصحف الإسرائيلية عن عملية قادمة خلال أيام. ولكن ماذا تفعل غزة حتى لو علمت؟ هل تعلن عن حالة تأهب في صفوف جيشها الجرار، أم تموه قواتها الجوية طائراتها في المطارات؟ نحن نتحدث عن حي فقر، عن مخيم لاجئين كبير ليس فيه حتى ملاجئ.
وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تكيل المديح لدهاء باراك هي نفس وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تتحول إلى جوقة تطبيل وتزمير في بداية كل حرب، ثم تنقلب على المسؤول فقط إذا فشل في تحقيق الأهداف. أما إذا ارتكب جرائم ونجح فلا بأس، المهم ألا يفشل، وألا يسقط الكثير من الإسرائيليين بحيث يتحول النجاح فشلا. ولا ينقلب الإعلام الإسرائيلي على حكومة تشن حربا إلا إذا فشلت الحرب في تحقيق أهدافها، أو إذا كانت الخسائر بالجنود مرتفعة.. عدد الضحايا من الفلسطينيين لا يهم هؤلاء.
جاء رد الفعل الشعبي العربي على الحرب سريعا. وفاق التصورات. فهو غاضب ناقم لا يعتبر الحرب شطارة أو بطولة إسرائيلية كما اعتبر حروبا سابقة، بل يعتبرها جريمة ضد المدنيين. كما لا يأبه بإدانات جزء كبير من النظام الرسمي العربي لهذه الحرب، ويصر على مقولة التواطؤ.
لقد صاحب بعض الإدانات العربية العلنية جملا علنية أخرى تتضمن تعبيرا عن رغبة بالبناء على انتصار إسرائيلي، مثل قبول الشروط الإسرائيلية لفتح معبر رفح، أو رهن فتحه بالاعتراف بانتصار إسرائيلي، ومثل التمني العلني غير المفهوم أن تكون هذه الحرب "خيرا" إذا استنتج منها من يتعرض للحرب ضرورة توحيد الصفوف... ولماذا لا يستنتج البعض الذي لا يتعرض للحرب توحيد الصفوف مع من يتعرض لها في مقاومة المعتدي... لماذا يجب ان يكون الاستنتاج توحيد الصفوف في الاستسلام؟ ولما يجب ان يستنتج منها المعتدى عليه وليس من يبني على التسوية مع هذا المعتدي الذي لم يعطه شيئا؟
حتى لو صدقت تمنيات المعتدين المستعمرين وصدقت أحلام حلفائهم، فإن كل ما يمكن أن تفرضه إسرائيل بعد هذه الحرب لا يحظى بشرعية، ولذلك لا يمكن أن يعمِّر.
وبالعكس، فبعض القوى التي أسست موقفها على واقعية الشارع وبراغماتية القبول بموازين القوى إزاء مشاهد القصف فقدت شرعيتها في ظل القصف الإسرائيلي. اقول فقدت شرعيتها بصيغة الفعل الماضي، وليس سوف تفقد.
وبقي أن تدرك هذه القوى أن الحسابات القصيرة النفس في إسرائيل والمسماة "توفير الأمن للمستوطنات"، أو "أمن حدودنا الشمالية"، أو "ضمان أمن القرى الحدودية" هي أكثر أهمية وإستراتيجية لها من قوة وشرعية ما يسمى معسكر الاعتدال عربيا.. وأن هذه ليست مزايدة انتخابية لكسب بضعة مقاعد في انتخابات الكنسيت.
(ملاحظة: من باب الرمزية الغرائبية الفاقعة أن المقاعد التي أضافها حزب العمل على دم الفلسطينيين مع ازدياد شعبيته قليلا بعد العدوان بموجب الاستطلاعات يشغلها عربيان من الداخل.. فالعرب المستفيدون من العدوان من المنتمين لمعسكر الاعتدال موجودون في كل مكان).
حساب المقاعد البرلمانية وارد في حسابات وزراء العمل وكاديما عند شن الحرب بالطبع، ولكنه ليس الحساب الأساس. هذه مسألة أمن قومي إسرائيلي تجمع عليه القوى السياسية الإسرائيلية يسارها ويمينها. وقوة الردع والجدار الحديدي العسكري يأتي في إسرائيل قبل التسوية وقبل التفاهم مع "قوى الاعتدال".
وهذا ليس موقف اليمين الإسرائيلي كما يعتقد البعض. بل هو موقف إجماع قومي. تختلف إسرائيل على أساسه (وليس عليه)، وتنقسم حول ضرورة إجراء بعض التنازلات الإقليمية في ظله من عدمها، كما تنقسم حول واقعية التسوية السياسية.
| |

|
|
|
|
|
|
|