غنوات لحليوة: محمد طه القدال - تأمّل فى معنى القصيد:

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 10:55 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-16-2008, 02:55 PM

abdelmoniem ali

تاريخ التسجيل: 02-13-2007
مجموع المشاركات: 35

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
غنوات لحليوة: محمد طه القدال - تأمّل فى معنى القصيد:

    مقدّمة:
    ولدت الكراسة الأولى من شعر الأستاذ محمد طه القدال بعد طول انتظارٍ من محبّيه وهى ليست بأفضل شعره ولكنّها أشهره. وأذكر أنّنى سمعت قصيدة حليوة على شاطئ النيل الأزرق بقرية الجديد عمران بعد عودتى من مصر الحبيبة عام 1977، ونحن نبلُّ الشوق ونغتسل من عناء افتراقنا وسفرنا ، الذى لم ولن ينته ، بالشعر ونيل الفردوس. يسمعنى ما عنده وأسمعه ما عندى ، وعندها تبيّن لى أنّ أخى أعمق موهبة وأعلى منـزلة وأوضح رؤية وأنضج تجربة منّى ، وأنا استطعم ما أسمع وتأخذنى الدهشة ترفعنى وتضعنى وتهزّنى ذات اليمين وذات الشمال ، والصوت الجميل ، ببحّته الدافئة وعمقه المؤثّر يتدفّق كمويجات نهرنا الخالد وينفض عنّى غبار الغربة ويغسلنى من وعثائها ويدثّرنى بدفء العشيرة ، فقلت له ما معناه: "لا يحقّ لك الصمت والشحّ بما عندك فغرّد كما شئت أو كما شاء لك الهوى" ففعل.

    وأقرّ أنّنى ، طيلة الأعوام السابقة ، ظننت أنّه كتب قصيدة حليوة بعد عام 1975 عندما قلعت خيمتى ونشدت داراً أوسع وأطيب مقاماً ، دعوته وألححت عليه أن نترافق إليها ولكنّه أبى ومنعه ما أراد الله لكلينا ، فقد ضقنا بدراسة الطب وفضّلت، فعل العاجز والجبان، أن ألوّن مشواره وأخّفف طعمه بمزجه بصحبة الأخيار فى قاهرة المعز والتزوّد من طيّبات بحرها العظيم ولو أنّنا ، وأقول أنّنا ، لم نتزوّد منها بغير الخال عبدالرحمن الأبنودى وسامى عبدالقوى لكفى ولكنّها أكرمتنا بصداقتهما، كما هو حالها وزادت فى العطاء واختار القدّال طريق الأدب فأفلح وحلّق بجناحى العبقرية والشجاعة.
    ولم استغرب ، وأنا أتصفّح كراسته الأولى التى أخذت أكثر من 30 عاماً لتُزف، عندما اتّضح لى أنّ حليوة ولدت عروساً بكامل "هقيتها" عام 1973 فهاهو تواضعه كلّفنا فقداً عزيزاً وكلّفه اعترافاً منّا جميعاً ، وهذا يقين يشاركنى فيه العديد ممّن هو أكثر دراية بدروب الأدب ، بأنّه أشعر من كتب مزجاً للعامية والعربية الفصحى بالسودان فى ذاكرتنا الحيّة.

    كلام الرتينة بت سالم ولد عتمان فى حنّة على الشاشوق :
    "بـنَيَّـة
    بِـنَيَّة لى سالم ولد عِتمان ،
    صلاة الزين
    وسَمّوها الرَتينة
    أُمَّها بت عَلِي الخَمْجَان
    خَرِيفْ الرَّازَّة ، عِزِّينَا
    كُبَارْ الحِلّة أبَّاتا ،
    بُكَارْ الحِلة أُمَّاتا "
    أبدأ بأقدم قصائد الكراسة وهى كتبت فى عام 1971 ممّا يعنى أنها كُتبت والقدّال قد خطا من المراهقة إلى بداية النضوج. ولربّما كُتبت القصيدة عن تجربة تسبق ذلك الزّمان ولذا توهّجت فيها العاطفة والتّفاؤل والانتصار ، بلا قيدٍ ، لا كما توحى قصائده اللاّحقة.
    واختيار الإسم هو قصيدة فرِحةٌ فى ذاته ولمن يعى معانى ودلالات المفردات متعةٌ خالصة تعمّدك بالضّحك. فالرتينة هو اسمٌ شاع فى القرى لمن تسبق قريناتها جمالاً وبديهةً ورزانة ، فهو ليس وصفاً لشكلٍ أو طبعٍ فقط ، بل لمكانة اجتماعيّة تضعها فى أعلى السلّم الاجتماعى يتنافس دونها فتيان القرية ومن يفوز بها يتبّوأ عرش الفروسيّة والنّصر.
    والرتينة كما عرّفها المعجم الوسيط ، لمن لا يعلم معناها من الأجيال الشّابة أو من أهل المدن من نعموا بالكهرباء وولدوا فى المشافى ، هى نسيجٌ مشبّعٌ بأكاسيد الثريوم والسريوم يولد فى المصباح ضوءاً ساطعاً ، ومصدرها من الكلمة الأعجمية "رَتِنَا" وهى الشبكيّة فى قاع العين التى فيها خلايا الضوء وقد كان علماء الماضى يظنّون أنّ الضوء يصدر من العين ، وقد كانت وما تزال فى بعض القرى ، علامة الأفراح والأتراح فى القرى فى لياليها إن أولموا أو شيّعوا أو داهمهم الفيضان أو ضاع منهم شىء. ولها طقوسٌ يتسابق إليها الشباب للفوز بتنظيفها وتلميعها وملئها بالكحول (السبيرتو) وربط النسيج على أعلى عمودها ومن ثمّ نفخها حتى تفحُّ فحيحاً كالثعبانِ الغاضب ، وحين ذاك توقد فيها النار فيتلوّن اللّهب إلى ازرقاقٍ سماوىٍّ ، واصفرارٍ عابرٍ ، وحمرة مشاغبة حتى يحترق النسيج وتهسُّ هسيساً ، وحينها يشفُّ عن شبكةٍ رقيقة يكاد ينتفى الحاجز بينها وبين هالة الضوء للدّانى ولا يرى منها القاصى غير النور تدعمه زجاجة مستديرة.
    وكما توضع الفتاة الرتينة فى أعلى مكانٍ فى قلوب النّاس فتتطلّع إليها كالفراش يجذبهم ضياؤها ، كذلك توضع الرتينة على مقعدٍ عالٍ ذى ثلاث شعب بحذرٍ عظيمٍ ، إذ أنّ أقلّ ارتجاجٍ يفتّت عظام شبكتها رميماً ، فتلاحق اللعنات الجانى. وكم ذكّرتنى معاملة الرتينة والقربى العبقريّة التى مزج بها أهل القرى بينها وبين أحلى الحسان بقول المصطفى (ص) عندما يصف النّساء بالقوارير ويوصى بالرفق بهنّ.
    فاختيار الرمز (الرتينة) يفتّق فى الذاكرة رموزاً ومعانٍ تدفع بعضها البعض ، وتمسك بمعاصمها وتولّد فى الخيال رؤىً وتجارب ومشاعر تحتفظ بحرارتها رغم تداول السنين.
    فهذه الرتينة ابنة سالم ولد عتمان ولا نريد اسماً أو وصفاً آخر فهى علم على رأسها نار مثلما الأخرى ، والسالم لا يلد إلاّ سالمة من كلّ شىء ، لاشية فيها تسرُّ الناظرين.
    وتمعّن فى تخفيف اسم عِتمان بدلاً من عُثمان! فاسم عِتمان يستخدم فى أوسط السودان وشماله وحتى صعيد مصر وفيه رقّة وعذوبة تشى بحنّية المسمّى والتحبّب إليه. وعندما ينسب الإبن لأبيه فهو إمّا دليل شغفٍ أو قرفٍ ولا شىء بينهما ، ولذا لزم تثليث الإسم فى هذه الحالة حتى نعى جيداً دلالة الأصل والفصل لمن تتكلّم ونأخذه مأخذ الجدّ. فمجرّد قولها استلزم قصيدة تخلّده ولا يمكن لنا أن نفصل بين الكلام والمقام الذى حدث فيه موقف المصارحة ، فهناك الغنى الكامل للمعنى ولذا وجب التنويه على أنّه حدث فى "حنّة على الشاشوق".

    والطقس الاحتفالى للحنّة غير ليلة الزفاف أو الدخلة ، فهو للشباب من الأصدقاء والأقارب دون الشياب والأغراب. وفيها تودّ القلوب لو تلاقى قرين روحها فترقّ وتنفتح مسامها للعشق ، ويسرقها الأمل فيحملهم الحلم على جناحه يوهمهم بأنّ ساعة التلاق والعناق قد دنت ، فإذا هم فى تلك الليلة أحلى وأنضر وأبهج ، يضحكون بلا باعث فكاهة ، ويتقافزون حول العريس جذلى كحملان الخريف ، فى قلوبهم رفّة كما الشموع فى الحنّة ، وفى أرواحهم خفّةٌ ، والليل ساتر الأسرار ، ودفء الحميمية فى اكتمال يسرى فيه ويطوّقه ، الطِّيب وفوح الحنّة والمحلبيّة والسرّتية ، فيسهل البوح والوصال ، والفتيات ناضرات متوهّجاتٍ كالأقمار ، وناضجات كالثمار وقت القطاف لمن يجد الجرأة فى قلبه والمال فى جيبه ومن لم يملك إلاّ قلباً ووجلاً يمدُّ اصبعاً للحنَّاء لمليكة فؤاده عساه يتوّج ليلته بلمسة وذكرى.
    واختيار اسم "عليّْ الشاشوق" تلقى الضوء على طبع السودانيين فى إطلاق أسماء الصحابة والألقاب الملائمة مثل ، كما ورد فى القصيدة، "عليّ الخمجان" ، حامد العولاق" ، "عامر المسكين" ، والشاشوق جزء من الشادوف فى النبرو ولعلّه اكتسب اللقب من عمله على الشادوف ، وهو دليل على ارتباط الناس بنهر النيل ، أو من أجل طبعه النشط أو الكريم الذى يروى ظمأ المحتاج إليه ، ومهما يكن فهو قد أفلح فجمع فتزوّج واحتفل الناس به.
    بهذا العنوان يهيئ القدال مستمعه وقارئه لعالم القصيدة وهو لا يبتعد كثيراً من القول الشعبى "الجواب بيعرفوهو من عنوانو" أو "علوانو" كما كان يقول أخى أبراهيم ود البحر رحمه الله وأحسن إليه.

    "بنية
    بنيّة لى سالم ولد عِتمان
    صلاة الزين
    وسموها الرتينة
    أمها بت على الخمجان .."
    بعد تنويه القدال فى العنوان على أهمية "كلام الرتينة"؛ يبدأ القصيدة بتعريفه لصاحبة الكلام. فكلمة "بنية" وصفٌ وتصغيرٌ محبّب يشى بيفاعة الفتاة ولينها ، ولذا فقد وصفها "بالبريـبة"، وهى الغض من النبات :
    "كذا البريـبة تبرِّد عينى"
    أى تقرّ بها عينى فلا تذهب لغيرها ، وهذا لا يعنى أنّها طفلة صغيرة ، ولكنّه طبع العرب فى التشبيب بالعذارى من شببن عن الطوق ولفتن النظر وأسرن القلوب مثلما قال امرؤ القيس : (تعلّق قلبى طفلة عربيّة). وقرن التعريف بها بالصلاة على المصطفى (ص) زين الخلق ليقيها شرّ العين وهو دعاء الأمّهات والجدّات إعجاباً لا تستحقه إلاّ زينة البنات:
    "وبتمرق زينة
    تبرق زينة"
    ومقطع "صلاة الزين" يدل على أنّ القدال اعتاد جلسات الأمهات "والحبوبات" وذاكرته الفوتغرافية تسجّل مفردات وجملاً وصوراً ستكوّن كنـزه اللغوى الخاص ينظم جواهره بعبقرية الفنّان المحقّق المدقّق الخلاّق.
    فهذه "البنيّة" من بنات سالم ، ولا بد أنّ له من البنات كثرٌ ، ولربّما أيضاً من النساء فهو الوحيد من الرجال الذى ذكر منسوباً إلى أبيه فى القصيدة ، فهناك "ود سعد" و "ود مجمّر" و"عليْ االخمجان" ، ومن يتزوج ابنة "عليْ الخمجان" فهو حرىٌّ بأن يكون مقتدراً ويتّسع داره وقلبه فيشمل أخريات.
    ولذا يوحى هذا التحديد لأمّها بأنّ له بنات من نساء أُخر ، أو لربما يريد أنّ أمّها نشأت فى حليةٍ وترفٍ ، مع أبٍ كريمٍ معطاءٍ كالخريف الذى تتشوّق له ضعاف الخلق فتتعزّى بظلّ سحابه الممطر من حرِّ قيظ الحياة وجفافها ، وبمائه وزرعه فتسمن فتستمرّ دورة الحياة:
    "أمها بت عليّ الخمجان
    خريف الرّازّة (الضعيفة يأتى عليها الخريف فتسمن) ، عزِّينا"
    وإذا كان هذا وضعه مع الآخرين فما باله مع أبنته ورفاهيتها وتنعّمها ودلالها أورثتهم لابنتها فهى عندما تخرج فهى فى ذات نفسها زينة ، (تمرق زينة) ، دعك عن زينتها الأخرى (تبرق زينة) فهى من بهائها كالكوكب الدّرىّ ، وليس هناك أكمل من زينة العقل (وقارية وكاتبة تحمد سيدا .. ماخدة على البنيات الشرافة) والرسم (تمشى تهاتى وزينة .. بلا الربعة التحجِّل ، شاكية من شبكة كتافا .. وفوق الجيد .. على ضهر البوادى .. تغنى ما خاتية الزرافة .. بسيمها الودعة ، إلا تزيد لطافة) والطبع (كلامها رصين .. ملامها حنين .. مقدم زوقها قبّال الحصافة .. كلامها حنين .. كلامها يطمّن الهمباتى .. والمجلوبة متعارض كتافا).
    يتبع...
    د. عبدالمنعم عبدالباقى على
                  

12-17-2008, 02:26 PM

abdelmoniem ali

تاريخ التسجيل: 02-13-2007
مجموع المشاركات: 35

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: غنوات لحليوة: محمد طه القدال - تأمّل فى معنى القصيد: (Re: abdelmoniem ali)

    و(خمج) كلمة عربية فصيحة تعنى الفساد وسوء الثناء وأصلها يمانى ، ولعلّ فى ذلك دليلٌ للمشتغلين بعلم اللغويات على أصل بعض قبائل السودان أو على الأقل احتكاكهم بأهل اليمن السعيد ، وفى لسان العرب (رجلٌ مُخمَّجُ الأخلاق: فاسدها ، ) ونقول ذلك فى الأطفال وأيضاً يستخدم فى أواسط السودان فى ضوءٍ موجبٍ للرجل طائىّ الطبع.
    "كبار الحلّة أبّاتا
    بكار الحلّة أمّاتا"
    الجميل مطلوب القرب ومرغوب وهو طبع بشرى معهود ، فنحن ننسب أنفسنا بالقربى أو النسب أو الصداقة لمن نرى أنّ فى معرفته أو معرفتها منفعة وزينة لنا بل ونسعى لها.
    "وبتمرق زينة
    تبرق زينة
    تمشى تهاتى وزينة
    بلا الربعة التحجِّل
    شاكية من شبكة كتافا"
    ما زال القدال يعرّف هذه "البنية" بريشة الفنان المقتدر ويرسم لنا أبعاد زينتها الشكلية والاجتماعية والسلوكية والعاطفية والعقلية والروحية.
    فهى تخرج فى كامل زينتها وتمشى كالأوزة تهاتى ، وهتا الشىء هتواً أى كسره وطأً برجليه ، وهى أيضاً بمعنى أخذ أو أعطى ، ولا يفوت على فطنة القارئ أخذ مجامع قلوب من يراها وعطية المتعة لمن شاهدها.
    فالأوزة ، يتقدمها صدرها كراز السفين ، ترفع قدماً وتضع الآخر بتؤدة ، ولمن له معرفة طبية فإن هذه المشية دليل خلل عصبى فى المخيخ ولا أظن أن القدال قد عنى ذلك برغم خلفيته الطبية ، وتبرق ألوانها الجذابة فى ضوء الشمس كزينة العروس ، ويأتى تأكيد هذه "المشية" عندما يواصل الوصف:
    "بلا الربعة التحجِّل
    شاكية من شبكة كتافا"
    فكأنّها كالصبية من البقر بعد ولادتها مباشرة ، فالربعة أول النتاج فى الربيع من إناث الأنعام ، ولأنها إذا مشت ارتبعت أو ربعت أى وسعت خطوها ، وكذلك مشى الأوزة ، ولكن القدال يضيف ضربة أخرى بفرشاه فيتمّ الصورة عندما يصف هذه الصغيرة الفتية بالتى تمشى وكأنّها قيدت ، والحجل مشى المقيد أو المتبختر ، والأحجال هى الخلاخيل والقيود ، وقد عادت عادة لبس الحجول ، بعدما اختفت وعدت علامة تخلف ، وإن كانت قد اتخذت أشكالاً أخرى غير الفضة والذهب.
    وبلاغة الفتاة السودانية مُؤرخةٌ وهى تغنى للأفندى أن يأخذها معه أينما ذهب فى تنقلاته فى أرجاء الوطن ، حين كان للأفندى قيمة اجتماعية ومكانة مرموقة ، قبل أن تتضعضع الخدمة المدنية وتتقلص الطبقة الوسطى ، وعندما كان الوطن آمناً أينما ذهبوا ، وما يزال صوت أمير العود حسن عطية يشدو ويذكرنا بذلك الماضى جميلاً كان أم لم يكن فهو جزء من تاريخنا :
    "الحجل بالرجل يا الافندى سوقنى معاك".
    ويختتم القدال الوصف الشكلى مغرّداً :
    "شاكية من شبكة كتافا
    وفوق الجيد
    على ضهر البوادى
    تغنى ما خاتية الزرافة"
    فتكرار حرفى الشين والكاف يخلق موسيقى داخلية وجناساً لا يخل بنقله لبلاغة المعنى بل يزيده قوة وبيانا ، فهى تشتكى من طول وكثافة شعرها كالشبكة على أكتافها وعلى جيدها ، ولن تكون مخطئاً إذا شبهتها ، من طول عنقها ، وهى علامة حسن ، بالزرافة على ظهر البادية.
    فهذه غنائية عذبة تستمد قيمها الجمالية من الذوق السائد فى ذلك الزمان ، ولربما اختلف التشبيه لو كانت القصيدة قد كتبت اليوم فمن المرجح أن يصف "بنيته" بالرشيقة الخفيفة الحركة ولكن لكل زمان مقال ومهما يكن فالقصيدة عليها "صلاة الزين ودقر يا عين".

    وسنواصل بإذن الله.....
                  

12-18-2008, 05:01 PM

abdelmoniem ali

تاريخ التسجيل: 02-13-2007
مجموع المشاركات: 35

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: غنوات لحليوة: محمد طه القدال - تأمّل فى معنى القصيد: (Re: abdelmoniem ali)

    وهذا المنهج الذى اتّخذه القدال فى يفاعه إنّما اعتمد على البديهة الشعرية ، قبل اكتمال المعرفة بالمناهج الأخرى التى تتيسر للمبدع بعد احتكاكه بالمبدعين ، وقراءة المراجع ، وغنى التجربة ولكنّه لا يقلّ بصيرة عنه. فالمعروف علمياً أن مرحلة البديهة أو الفطرة، المعتمدة على المرجع الاجتماعى السابق والسائد وقتها ، لها نفس العمق والوضوح بمرحلة المعلّم ، وتقع بينهما مرحلتى أنصاف المتعلمين والخبراء.
    فالمعلّم من يدرى أنّه يدرى ويتفكّر أثناء وبعد العمل وما ينتجه مرئى بعينى البصيرة والبصر وقائم على ومدعوم بالحقائق والقرائن. أمّا نصف المتعلّم فهو الذى فقد بوصلة البديهة ولا يملك أدوات الخبير بعد ، بينما الخبير يمتلك أدواتٍ عدّة ويؤدى عملاً جيّداً ولكنّه عند الانتاج يعتمد على اللاّوعى أو ما قبل الوعى ، ولذا يظلّ حبيساً فى قوالب معينة يكررها بدون رؤية كاملة تمكنه من كسر الطوق ، والإبداع بوعىٍ كاملٍ مكتشفاً قمماً جديدةً وأعماقاً فريدةً تدهش من يراها والمثل لمثل هذا المبدع تجده فى بابلو نيرودا أو محمد عبدالحى حال المعلم.
    وارتباط القدال بمجتمعه وعيشه فيه واختلاطه به ينعكس فى تأثّره بهذا الوسط وتأثيره فيه. فاختيار مفرداتٍ ومواقف بعينها ، تعتمد على الواقع وكيفية التعبير فيه ، مثل شعر البادية المعروف بالدوبيت ، تؤكد ارتباط القدال بهذا المجتمع وتؤصّل لجذوره الاجتماعية والشعرية وتضعه فى خانة المبدع المتصل بأهله والمنتمى إليهم منذ بداياته ، حتى وإن كان ذلك فى قصيدة عاطفية. فالذى لا جذور له لا عراقة له ولا رؤيا. لذا فقد أفلح القدال فى تحويل الكلام السماعى إلى صورٍ مرئية ومعانٍ واضحة ومخفية. وعندما خلق المولى عزّ وجلّ السمع والبصر والفؤاد بهذا الترتيب لم يكن إلاّ تنبيهاً لنا أنّ من سمع ولم ير لم ولن يفهم. فالأفئدة هى المخ والقلب وكلاهما له منهج للبصر والعقل يقوم على التفكّر فى معانى الاستقبال السمعى والبصرى واللمسى والشمّى والتذوقى واستنتاج النتائج والعمل بها تفاعلاً مع المجتمع.
    وبهذا الحس المرهف ، والموهبة الفذة ، وتفتّح مداركه على الجانب الآخر من واقعه ، بعد أن سقطت ورقة التوت الرومانسية عن بصره وانفتحت أبواب بصيرته على واقعٍ آخر ، لم يجتهد كثيراً ليعبّر به فهو لم يكن أبداً مبدعاً فوقياً يكتب من وراء فاصل زجاجىّ ولكنّه كان يتقاسم اللقمة ، وعرق الكفاح والأفراح والأتراح مع أهله ولكنّه اكتشف لاحقاً أنّ العالم ليس حليوة فقط وإنما كلّ العالم حليوة ، ولذا فقد زادت بردته طولاً وعرضاً فطوى العالم تحتها يهبه نفس الدفء الإنسانى النابع من قلبه.
    فهو يكتب من وليس عن واقعه الذى ينتمى إليه ومن داخله وداخل رؤيته له ، لا كما فعل بعض المبدعون الأوائل فكتبوا عن الفتاة السودانية يصفون خدودها بحمرة المغيب وشفاهها بورق الورود وفى مثال شوقى وحافظ فى مصر أوضح مثال.

    وسنواصل بإذن الله.....
    د. عبدالمنعم عبدالباقى على
                  

12-21-2008, 09:45 PM

abdelmoniem ali

تاريخ التسجيل: 02-13-2007
مجموع المشاركات: 35

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: غنوات لحليوة: محمد طه القدال - تأمّل فى معنى القصيد: إضافة (Re: abdelmoniem ali)

    ويتضح من منهجة مطابقته للشعر الشعبى ومغايرته له فى نفس اللحظة. فالشعر الشعبى اعتمد على الدوبيت فى البادية والحضر ، وإن غاير شعراء الحضر النمط قليلاً فجاءت قصائد ما يسمى بأغانى الحقيبة ، وإن كان الشعر قديماً فى شكله معتمداً على العمود والقافية والوصف الحسّى للفتاة التى لم يكن متاحاً رؤيتها ، ولكن المسرحيات الشعرية احتفظت بشكل الدوبيت مثل مسرحية با مسيكا وتاجوج والمحلّق فإبراهيم العبادى مثلاً ألّف مستخدماً الشكلين.
    ثم ظهرت ما يعرف بالقصيدة الحديثة ، التى اعتمدت على تعابير واضحة خفيفة تأخذ من واقع الأحداث ، بعدما اختلفت علاقة الفتيان بالفتيات وأصبحوا أكثر اختلاطاً وأصبحن أكثر تبرّجاً ونلن من الحرية فكان زمان التويست وتقليعات الشعر مثل "دردقنى فى النجيلة" والفساتين القصيرة ، ولكن نمطها لم يتغيّر كثيراً ، وإن كان مضمونها قد غاير ما قبله وهى أشبه تاريخياً بالموشحات الأندلسية عندما ظهر الترف وانتفت الحاجة ، ولكنّها ظلّت تكتب من طرف واحدٍ وهو طرف الشاعر الذى يلخّص نتاج تجربةٍ له بحبيبٍ له ولكنّنا لا نسمع الطرف الآخر وكانت معظم القصائد عن الهجر والبكاء وقلّت قصائد الفرح. وبرع فى هذا النوع من الشعر الأساتذة عبدالرحمن الريح وحسين بازرعة وحسن أبو العلا على سبيل المثال لا الحصر حتى وصول الأستاذ إسماعيل حسن ، الذى طور القصيدة السودانية الغنائية فخطا بها خطوة إلى الأمام وركّز على البعدين الدرامى والاجتماعى دون الوصف الحسّى وبذلك كسر القالب المعهود المرتبط بما يعرف بحقيبة الفن. فانظر إلى قول إسماعيل حسن يصف "من الخارج" موقفاً درامياً بينه وبين حبيبته ، ولا يحدّثنا عن صفات هذه الحبيبة إلا وصفه لها بالطيبة مغفلاً عمداً هذا الطرق المعهود :
    "بعد إيه جيت تصالحنى بعد إيه؟
    بعد ما ودرت قلبى الكنت فيه
    جيت تشكى ليا ليه؟
    جيت تبكى ليا ليه؟"
    ثم يعرج إلى دراما ما حدث لها اجتماعياً:
    "ضيعوك .. ودّروك
    إنت ما بتعرف صليحك من عدوك
    استغلّوا الطيبة فى قلبك وبى اسم العواطف خدعوك
    الله يغفر ليك ذنوبك ويجازى الظلموك".


    فهو ليس بنقلٍ للحوار الذى جرى بينه وبين محبوبه ولكنّه لوم له على التفريط فيه ، ومن ثمّ الرجوع إليه نادماً حيث لا تنفع الندامة. وكأنّ الشاعر يعزّى نفسه ويقتص لها من حبيب هجره وصدّق الآخرين ففيه نوع من التشفّى لما ذاقه من عذاب الهجر.
    وقد شاع فى ذلك الزمان أن الأستاذ إسماعيل حسن كتب عن قصة فتاةٍ حبلت سفاحاً بعد أن وعدها واحد من أثرياء القوم ما لم يستطع حبيبها أن يوفّره لها فهجرت حبيبها ولمّا قضى منها الثرى وطراً تركها فلجأت لحبيبها السابق ولكنّه تخلّى عنها أيضاً وحكى القصة للأستاذ إسماعيل حسن فتأثر وكتب عنها وشاع أيضاً أنّ الحبيب الهجور كان إسماعيل حسن وقد سألته يوماً عنها ، ونحن نتجوّل فى سوق أمدرمان وبمعيتنا الخال عبدالرحمن الأبنودى ومحمد عفيفى مطر ومحمد إبراهيم أبو سنّة ، فكان ردّه ضحكته الصافية المحبّبة ولمته ، بنـزق الشباب ، على ما أسميته "الإنهزامية والاستسلام" فى قصيدة المستحيل ، فانفعل وزجرنى قائلاً : "أسكت يا ولد يا شيوعى" ، ولم أعلم لى شيوعيةً تدثرنى من قبل ولا من بعد ولكن ، على ما أظن ، قصد "عادة أصدقائى اليساريين" بالتـزام جانب االثورة ورفض الاستسلام" ، رحمه الله وأحسن إليه .
    ثمّ يجىء زمان القدال وقد تشرّب الدوبيت وشاهد المسرحيات الشعرية ولا بد أنّه مثّلها وحفظ أغانى الحقبيتين القديمة والحديثة ، ولا يزال جيلنا يسمع صدى أغنية الأستاذ حمد الريح الشهيرة أطال الله عمره ومتّعه بالعافية:
    "إنتى كلّك زينة
    وعايمة كالوزينة
    ويحفظك مولاك"
    والتى عشقها الكل ، حتى أصحاب سيارات النقل جعلوا أبواق سياراتهم تحاكيها ، ولا زلت أذكر ، ونحن صغار نلعب "البلّى" أمام القرية فى عطلات الصيف ، الصوت المحبب "للبص الأحمر" أو "اللحمر" كما ينطقها أهلنا ، يعلن وصول أهلنا من "الخرتوم" ومعهم "حلاوة رغيف".
    وبالرغم من تأثر القدال بمجتمعه ، كما ذكرنا سابقاً ، فإنه لم يقلّده وإنما اقتبس منه وعجنه فى عجينة خاصة ، غير غافلين عن تطابق الوصفين بين أغنية الأستاذ حمد الريح والقدال ولم يلبث أن غنّى الأستاذ محمد وردى وا أسفاى عربون الصلح بينه وبين صديقه وشاعره إسماعيل حسن:
    "وا أسفاى
    وحاتكم إنتو وا أسفاى
    إذا ما شفت ناس سمحين
    يتاتو زى قدلة جنى الوزين"
    ولا أحسب أن القدال قد سمع بهذه القصيدة أو أن إسماعيل حسن قد سمع بقصيدة القدال وهو يصف حبيبته:
    "تمشى تهاتى وزينة
    بلا الربعة التحجِّل،
    شاكية من شبكة كتافا"
    فالتأتأة ، كما وصف إسماعيل حسن ، تعنى مشى الصبى الصغير بينما وصفها القدال بالمهاتاه والواضح أن المثالين يغلّبان الوصف الحسى للفتاة على كل شىء ، ولكن القدال طوّر القصيدة ومشى بها خطوتين للأمام ، أولاً بالتركيز على البعد الاجتماعى ، ولذا ابتدأ بالتعريف الاجتماعى لمحبوبته ولم يسمّها فهى مجرد "بنية" منسوبة لأبيها وأمها وجميع من فى القرية .
    ثم عرج على الوصف الحسّى بشكلٍ يخلق تفاعلاً بين هيئتها وحركتها وخلقها وفهمها ، مما يولّد حياة لا صورة جامدة ، ويتعدى بذلك الأبعاد الثلاثية للرسم مضمناً الرابع الحركى المسرحى أو السينمائى أيهما شئتم.
    ومن ثمّ أرفق الوصف بدرامية الحدث ، ولكنها درامية تخرجه من مجرد وصف إلى تعريف كامل يعتمد على تجاربه من واقعه ، كمشاهدة البقرة الوليدة ، وإضافة أبعادها الأخلاقية من طبعٍ جميلٍ ، وعقلٍ راجحٍ متفوّقاً بذلك على أستاذنا إسماعيل حسن ، رحمه الله وأحسن إليه. وقد اعتبر إسماعيل حسن أن القدال سيكون خليفته المنتظر ولكنه صار "الحوار الذى غلب شيخه". فضمون قصيدة القدال تماثل قصيدة صدفة ولكنّ ما تمّ فى لقاء القدال اختلف فى مناسبة اللقاء ومقدرة القدال على التصريح بحبّه وتأمين حبّها :
    "صدفة وأجمل صدفة أنا يوم لاقيتا
    أسـعد يـوم يومـي الحـيـيتا
    نـور عـينيا يـاما حبـيتا

    النظـرات بريئة وممزوجة بخـجل
    البسـمات تضوي زي نور الأمل
    وجهك بين مسايرك زي بدر اكتمل
    والشـامة في خديدك زي طعم القبل
    تسكر قلبي وتشعل حبي يشهد ربي أنا بهواك

    ما قادر أقولك عن حـبي الكـبير
    وصفو علي قاسي وعايش في الضمير
    قدر الكون دا كلو حبي واكبر بي كتير
    مالكني محـيرني شوف قلبي الأسـير
    أسألي قلبك يمكن يقدر يشرح حبي أنا محتار


    صدفة عيوني شافت ليلي الباكي نور
    يا أيام ربيعي عمري معاكي أزهـر
    فيها الطير يغني ومن ألحاني يسـكر
    عمري فراشة حولك وانت شبابك أخضر
    ياما بحبك وبعبد حبك علشان حبك روحي فداك"
    فالقدال ، الذى يصف موقفاً درامياً "من الداخل" بكل الحس المسرحى ، الذى يُريك ما وقع بكلّ تفاصيله الإنسانية من ردّ فعل طبيعى من صبيةٍ لاندفاع محبٍّ مصرحاً ومدافعاً عن عشقه ، ضارباً بالقيود والأعراف عرض الحائط ، كما يقولون ، ولا تملك إلا أن تضحك من براءة الموقف وعفويته وصدقه ، وهذا ما يميز القدال عن غيره منذ بداياته هذه.
    والقصيدة كلّها تعتمد على مشاهد فهو يبدأ بالمشهد الأول وهو تعريف فتاته الاجتماعى ويوضّح لنا "الخلفية للّوحة" ، حسب تسمية أهل الرسم والتلوين ، ومن ثمّ يعرج على وصفها الحسى وحركتها وطبعها وتحصيلها ، ويبدأ المشهد الثانى بانتهاء الحفل وتقديم البنات لدورهنّ حاملين الرتاين ، وهى مهمّة يقوم بها الشباب بعيداً عن رقابة الأهل باعتبار أن أخوانهن أو بنو عمومتهن سوف يقومون بهذا الدور ولكنّهم غرسوا فى نفوس الصبية معايير الشجاعة والعفة من خلال الأغانى الحماسية مثل:
    "أنا حلاّل رفيقه
    أنا الدابى إن رصد للزول بعيقه
    أنا فرّاج الرجال وكتين يضيقوا
    أنا المأمون على بنّوت فريقه"
    وليس هناك من أمان يطلب فى أكثر من هذا الموقف ، وهو ذكاء اجتماعى يعرفه من عاش فى القرى ، يسهّل اللقاء والبوح تمهيداً لما سيأتى ولا شكّ أنّ فيه بعض المخاطرة ولكنّه محاصر بنظراتٍ بعيدة ترقب ما يحدث ولا تسمح بغير الكلام أو ضمّة يدٍ بحرارة وهناك اتّفاق من غير تصريحٍ يُوزّع المحبين فى مجموعات متجانسة تمهّد لكلٍ مبتغاه. ويبدأ الموكب من دار الحفل والصبية يحملون الرتائن والعصى فى المقدّمة ، والصبيّات يتبعنهم متلاصقاتٍ غير بعيدات يتهامسن ويضحكن ويتقارصن ، وحمّى المغامرة واللحظة النادرة تشعلهن بالرغبة وتضفى عليهنّ جمالاً ناطق ، ورنّة الأسورة وحفيف الثياب وضوع العطور تحمله نسائم الفجر ، والقلوب واجفة والأيدى تتندّى بالعرق ويتراشق الطرفان بذكريات الحفل وفى هذا دعوة خفيّة للصبيات ليسرعن الخطو ويلحقن بالصبيان وقد وصفه القدّال أجمل وصف :
    "....وكان فى الحلّة
    يوم حنة عليّ الشاشوق
    مشينا نَقَدِّم البنوت على ضو الرتاين
    عيونهن هارجة (والهرج فى الحديث إذا أفضوا به فأكثروا)
    تنبح فى الفجر والليل قريب واقف يعاين
    (تشبيه هرج العيون بنبيح الكلاب يحمل معنى استمرار الهرج وهو دليل على علوّ الصوت والمثابرة كما تفعل الكلاب وأيضاً ربما يوحى بالواقع الماثل من نبح كلاب القرية فى الفجر وهى تراقب أشباحهم وهو استلاف من الواقع واستخدام مغاير لكلمة النبح كما نعرفها ومن لطائف اللغة تطلق كلمة نبح على صوت الظبية أيضاً)
    خدودهن واجّة (الأَجِيجُ: تَلَهُّبُ النار وصوتها وإضاءتها)
    زى جهر الكهارب الفى المداين
    (حتى الرتاين لا يشبه نورها نور هذه الخدود)
    ويستخدم القدال نظام "الفلاش باك" فى المشهد الثالث حينما يرجع لوصف ما دار فى الحفلة وهو وصف دقيقٌ ومكتمل للأشخاص وسلوكهم ودورهم الذى بدونه لا تكتمل البهجة ، فهى عرضٌ مسرحى الكلّ له دوره الذى لا يحيد عنه ، والناس يضحكون بنفس المتعة وليس هناك ملل ولا رغبة فى التغيير ، وأظن أن هنالك عبقرية هنا ، إذ كيف تغيير ما هو كامل؟ ، وكم ذكّرنى تكرار نفس الأدوار فى كل حفلٍ ، بمشاهدة الناس لمسرحية "مصيدة الفئران" عاماً بعد عام ، وبالطبع لمن شهد حفلات القرى تجارب مماثلة:
    "....وكان الليل
    ومن الحفلة ،
    إلا صداها (فى الذاكرة وهو صدى رؤية وليس صدى صوت)
    كان زغرودة ..
    كان غنّاى ... (لا يهم من هو المغنّى)
    رقيص الشامة بت حمدين
    (لاحظ أنّ الشامة هى الوحيدة التى عُرفت باسمها كاملاً ما عدا سالم ولد عتمان ، وراقصة القرية يتسلّل حتى الشيّب من القوم لرؤيتها)
    وعرضة حامد العولاق
    (كل قرية لها ما لا يؤبه له مثل الزين ، ولكن دوره رئيسى فى الأفراح والأتراح ، والعولاق من علق ، كالشىء العالق ، أى لا جذور له وقد تكون جذور عشيرة أو طبعٍ والمثل الأعلى فى القرآن : ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثّت من فوق الأرض ما لها من قرار)
    وشكلة عامر المسكين
    (لا بد وأن عامراً حظّه ضعيف فى الدنيا ولذا فليس له ما يحافظ عليه من كرامة ويبدو أنّ روح الكروم كان لها دورها وشكلة من مشكلة وهى المشتبه أو الملتبس أو المختلط من الأمور ونحن أدرى من نتيجة "الشكلة" فى الأعراس وما تؤدّى إليه من فوضى والتباس )
    وخت الحنة لى يات حضور ضفرين
    (خت أصلها من حطّ وهى الوضع ، وهذه العادة فى حنّاء الرجال عند الختان والزواج لم أجد لها مثيلاً عند الشعوب الأخرى ، وهى تشمل كلّ من يحضر ليلة الحنّة وهى الطقس الأساسى فى تلك الليلة إذ تحضر الأمهات والأخوات "الصينية" وعليها "حُقٌّ" ، والحُقّة هى وعاءٌ من خشب ، فيه ذريرة عود الصندل المخلوط بالمحلب وحنّة معجونة مغروس فى وسطها شموع وبجانبها مبخر وأوانى عطور المحلبية والسرتية وأيضاً "الجرتق" وهو عبارة عن حريرة وخرزة زرقاء وسبحة السوميت)
    ونمّات العديل والزين
    (تغنى الأمهات والجدات "الليلة العديل والزين ، والليلة العديلة تقدمو وتبراهْ" وهو ما يعرف بالنم وهى كلمة عربية فصيحة فالنميمة هى الهَمس والحركة ، أو أى صوت وَتَرٍ أو بشرٍ يستروحه السامع ، والمعنى أن تكون العديلة دائماً من بين يديه ومن خلفه ، والعديل من عدل الشىء ، فهى أجمل وأحلى وأخلص دعاء ، وما رافق الاستواء والعدل شىء إلا زانه وليس هنالك من زينة أفضل من التقوى)
    وشنّق ود سعد طاقيتو ،
    شان فى الحلة سوْ كنتين
    (تشنيق الطاقية هو وضعها على الجبهة تعلوها دليلاً على الفتّوة والثقة بالنفس وهى مستمدّة من الشَّـنَقُ طولُ الرأْس كأَنما يُمَدُّ صُعُداً ، ويبدو أن ود سعد ارتفعت مكانته الاجتماعية بعدما صار من صغار التجار بعد أن "سوّى" أى امتلك حانوتاً، "الذى خلقك فسوَّاك فعدلك" ، واستوى أى استولى وظهر ، وهو يُعد صيداً طيباً للصبيات ، فتمعّن فى بلاغة القدال فى ربط صورة ظهور ود سعد وتعاليه على الكل فى الحفل وكلمة "سوْ")
    وعيّط ود مجمّر زيـــن
    عشان الزينة رقصت زين
    وفى الشعقيبة
    كان بازمالو شبّالين
    (يتضح تأثر القدال بالشعب المصرى فكلمة عيّط بمعنى بكى ليست مستخدمة فى السودان ولربما كانت قراءته للأبنودى "صرصار الغيط نط فى صرصور الواد حسان ، حسان عيّط لأمّه" أو صلاح جاهين "إن عيط الواد وقال لك اشترى نعناع" ، ولكن القدال نبّهنى أن كلمة عِيط وعياط موجودة فى البادية وفى غرب السودان وهى بمعنى الصياح ، وهو ما يطابق تعريفها فى لسان العرب ، ولكن أظنّ ، والله أعلم ، أن الأخوة فى مصر يستخدمونها أكثر بمعنى بكى وهو ما يماثل معنى القصيدة ، ولاحظ طباق زيـــن بمعنى لمدّة طويلة وبحرارة من تأثره برقص زينة البنات الرتينة الزين ، أى الجميل ، وكانت قد وعدته بشّبالين وهو أن ترمى المرأة الراقص شعرها المضمّخ بالعطور على وجه الرجل وهو من إشبال أى تعطف على الرجل وأىّ عطفٍ أكثر من ذلك وهو المدلّه فى حبّها ولا بد أنّ ود مجمّر قد أجزل لها العطاء وقت "الشعقيبة " ، وهى عادة سودانية تتخذها الفتيات حجة لجمع المال من الرجال والعادة أصلاً ، قبل أن تتغيّر ، أن يطوّقن عنق الفتى وعنقهن بسبحة السوميت المصنوعة من خشب الأبنوس ، وهى مشتقّة من مساومة فانظر إلى بلاغة أهلنا ، فتشعقبه ، أى تربطه أو تأسره، ولربما تضع عطراً على رأسه أو تعطيه حلوى أو تمراً ، فيسعى ليستعيد حريّته منها بفدية ، ويبدو أنّ ود مجمّر دفع الفدية وأجزل لها العطاء واشترط أن تهبه "شبالين" لقاء إذعانه للأسر ويبدو أنها رضيت فبزمت له بهما ، والبزم هو صريمة الأمر والصريمة هى العزيمة على الشيء وقَطْعُ الأمر)

    وسنواصل بإذن الله ....
    عبدالمنعم عبدالباقى على

    (عدل بواسطة abdelmoniem ali on 12-25-2008, 05:03 PM)

                  

12-21-2008, 10:00 PM

Elkhawad

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 2843

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: غنوات لحليوة: محمد طه القدال - تأمّل فى معنى القصيد: إضافة (Re: abdelmoniem ali)


    شكراَ د. عبدالمنعم
    شكراَ للتأمّل
    لحليوة
    ولــــــ محمد طه القدال

    _________
    "YourAttitudeDetermineYourAltitude"
                  

12-24-2008, 03:45 PM

Elkhawad

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 2843

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: غنوات لحليوة: محمد طه القدال - تأمّل فى معنى القصيد: إضافة (Re: Elkhawad)

    Quote: وسنواصل بإذن الله ....



    .................

    _________
    "YourAttitudeDetermineYourAltitude"
                  

12-24-2008, 03:51 PM

Elkhawad

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 2843

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: غنوات لحليوة: محمد طه القدال - تأمّل فى معنى القصيد: إضافة (Re: Elkhawad)

                  

12-24-2008, 07:05 PM

abdelmoniem ali

تاريخ التسجيل: 02-13-2007
مجموع المشاركات: 35

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: غنوات لحليوة: محمد طه القدال - تأمّل فى معنى القصيد: إضافة (Re: Elkhawad)

    الأخ العزيز الباشمهندس الأديب نزار الخواض
    حفظه الله ورعاه وأبقاه
    آسف لعدم الرد عليك فأنا فقير وقت وأداة وعندما يشاء المولى عزّ وجلّ لى فسحة من الزمن تتجاذبنى ، حتى تكاد تمزّقنى ، مشاغل وهموم كُثر حتى أنوى أن أبعد بنفسى عن أىّ مشروعٍ جديد ولكن القدال له محبّة خاصة وأنا بكل إرادتى أذوب كما الثلج تحت شمس إبداعه كالمدمن لا يملك إلا أن يعاقر ما اعتاد. فشكراً لمرورك المقدّر وهاءنذا أفى بوعدى..
    لك المحبّة
    أخوك عبدالمنعم
                  

12-24-2008, 07:58 PM

abdelmoniem ali

تاريخ التسجيل: 02-13-2007
مجموع المشاركات: 35

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: غنوات لحليوة: محمد طه القدال - تأمّل فى معنى القصيد: إضافة جديدة (Re: abdelmoniem ali)

    وبتتبّعنا لتطّور القصيدة نجد أن القدال انطلق من قاعدة راسخة أعمدتها ما سبق من شعر وأذن صاغية لمفردات واقعه وعين لاقطة لمشاهد الحياة وعقلٍ مميّزٍ فكّ به أسرار الماضى والحاضر وأغناه بالتجربة الذاتية فتسنّى له علمٌ تراكمى وبذا لم ينفِ السابق ولكنّه أضاف له ، واكتشف لغة جديدة وصوتاً جديداً تُسوّر له مساحة خاصّة فى المستقبل ، لها استقلالها ، أصالتها وديمومتها وخصوصيتها وبرغم جيرتها للأسوار الأخرى فلها باب كتب عليه "هذا نمط محمد طه القدال".
    وقد يبدو للقارىء أنّ تأمّلى فى قصيدة القدال يغلب عليه المنهج اللغوى ، ولكنّها أداة اتّخذتها لإبانة شاعرية القدال باختياره لمفردات تتجاوز المعنى المباشر فتصير رموزاً فى حدّ ذاتها تنقل ما أراد توصيله بدقّةٍ عجيبة فيها من الإغراب ما يجعل قلبك يخفق وروحك تُبعث من مواتها وتحتفل معه بالحياة. فالموازنة التى تبنّاها بين اللغة والشاعرية تتشابك وتشدّ بعضها بعضاً تخلق النّص الإبداعى ، فالعمل المبدع يتجاوز اصطفاف الكلمات والمعانى والوزن والقافية والإيقاع وينفذ إلى كنه الإبداع من خلال التخييل. وليس مهماً أن يكون مضمون القصيدة مطابقاً أو مخالفاً للواقع ، بمعنى أنّ القدال قد كتب عن شىءٍ عاشه أو تخيّله أو بعضاً من هذا وذلك ، ولكن الأهم هى القدرة على الإمساك بكافة أطراف الشعرية وأدواتها من قدرة هائلة على التخييل وتصوير فنىٍّ مدهشٍ وتركيبٍ مدركٍ متماسكٍ لرموز الرسالة من مفرداتٍ ونظمٍ يجعل التذوّق الفنّى متعةً لا تُجارى ونافذةً للقارىء يرى من خلالها عالمه ويستنبط منها عوالم أخرى تزيده غنىً وفائدة.
    فتجد فى شكل القصيدة غنائيةً يصلك صوت مؤلّفها تقوم على بناءٍ محكمٍ وتراكيب تفى بغرض الشعرية ودلالاتها وهى تراكيب متعاضة لفظاً وصورة ومعنى تنظم مشاهدها فى خيط وحدةٍ يعرضها كالقلادة المبهرة جواهرها منتقاة وموزونة.
    فالفرق بين الكتابة النثرية الأدبية ، فى رأيى ، وكتابة الشعر الحقيقى هو أنّ الأخير يتجاوز الغاية الظاهرة إلى معانٍ أخرى تدفعك دفعاً للتأمّل والاستكشاف إلى ما لا نهاية مع اقتصادها فى الكلمات بلا إسهابٍ أو تهلهلٍ أو ترهّلٍ ، إذ لكلّ كلمة منتقاة رمزاً يحمل فى رحمه أكثر من جنين. إنّه المشعل الذى يهديك إلى حيث الجمال والحقيقة كما قال كيتس :
    "الجمال هو الحقيقة ، والحقيقة الجمال
    هذا كلّ ما ستعرفه على وجه البسيطة
    وهو كلّ ما تحتاج أن تنال" (الترجمة من عندى).
    فهل هناك من جمالٍ أكثر من تفتّح بصيرة القلب والشعور بلذته ، فما لم يحرّك فيك ساكناً فلا ينبغى أن يُعدّ شعراً وهو والجمال والحقيقة أعداء وقد قيل إنما سمّى الشاعر شاعرأ لأنّه يشعر بما لا يشعر به غيره وسنده فى ذلك دقّة علمٍ وفطنة شعرية لأنّ كلمة شعر مشتقة من (شعرت) وهى بمعنى فطنت وعلمت. فالشعر العظيم لا يأتى إلا من علمٍ عظيمٍ وهو إدراك كنه المراد وحقيقته. وهكذا وصفه الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه حين قال: "الشعرُ علم قوم لم يكن لهم علمٌ أعلمَ منه".
    وأنا من رأيى أنّ خاصية الشعر الأساسية التأثير فى الآخرين ولكن ذلك لن يحدث إلا بالتواصل ولذا فاللغة الشعرية هى مركب الرسالة الشعرية التى تنقلها للآخرين.
    وسهرة وين .. سكرة وين
    وبَهرة وين ..
    وجهرة وين ..؟
    وقبل أن ينتقل القدال إلى المشهد الأخير ، الذى ظلّ يهيئ له المستمع منذ رفع الستار ، يربطه بما قبله ويركّز على الحاضر وهو ما يعرف بالتّمعّن أو الوعى باللحظة الراهنة أو الحاضر وهى مرحلة يصلها من قضوا العمر يستكشفون ذواتهم فيصيبون الوعى بأنّ الماضى غير عائد والمستقبل ليس ملكهم وإنّما ما يملكون هى الآن ، وكما قلنا من قبل فإنّ مرحلة المعلّم التى وصلها القدال فى هذه القصيدة إنّما هى نتاج البديهة وليس العلم والنتيجة فى الحالتين واحدة وإن اختلفت سبل تحصيل المعرفة. فالسهرة لم تنته بعد ويا لها من سهرة لا تماثل ، على الأقل فى خياله وفؤاده ، لأنّه يحسّ أنّ فرصته قد دنت للبوح ولا بد من أنّه علم أنّه فى نهاية الأمر سيختلى بالرتينة لأنّ دأب تقديم البنات أن يتناقص العدد عند وصولهن بيوتهنّ حتى يتبقىّ من تبقّى ، وفى وصفه تنويه على السهرة منذ بدايتها أيضاً والسكر لربما سكر اللحظة وليس سكر الخمرة كما قال العقّاد "وبى سكرٌ تملّكنى وأعجب كيف بى سكر ، رددت الخمر عن شفتى ، أو مغنّينا الشعبى "أنا ما بسكر من الخمر ولا من صوت القمرى لكين نظرات حبيب عمرى ، ولكنّه لربما سكر الرحيق أيضاً فالشباب لا يتورّعون عن ذلك.
    ثمّ تجده يذكّرنا بما يجرى فى نفسه : "وبهرة وين" وهو إحساس داخلى ينتج عن كلّ شىء جرى ويضيف : "وجهرة وين" (خدودهن واجّة زى جهر الكهارب الفى المداين) ينقلنا بها إلى اللحظة الراهنة رابطاً ما حدث بما سيحدث:



    "أقول آبنية :
    - ليش ما تهمى؟
    (لماذا لا تصبين ماء حبّ سحابك وقد قال الشاعر:
    "فى حشاي المشوق سحب لا تهـمي بإرضٍ تخاف لمع البروق ،
    وحشاي المشوق سحب من الريح بها الشوق صرخة من غريق").
    فوق زولاً مشلهت فوق دريبك
    (على شخصٍ يعانى ظمآن وتعب فى درب حبك)
    لا النفس مجبود ..
    (يلهث من شدّة تعبه لا يجد فسحة للراحة)
    ولا لحق الغزالة؟
    (ولكنّه ليس سريعاً كالغزال ليلحق بظبيته ، فهنا تركيب للمعنى)
    وقفتْ ..
    وانبهت رمَّاشها ..
    جدعت بالبسم رشَّاشها ..
    (كأنما الكلام شلّها فتسمّرت من مباغتته لها بالكلام فانبهتت رموش عينيها ، أى خفضتهما ، وهى مشتقّة من تبهت بمعنى: " تُحَيِّرُهم حين تَفْجأُهم بَغْتةً" وقال المولى عزّ وجلّ : "بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ" ، ثمّ ابتسمت خجلة مُحرجة فى حالة هلع ممّا لم تتوقّع ، ولكنّها تمنّته ، ولمّا ابتسمت رمته برصاص رشّاشها فأجهزت عليه وعلى ما تبقّى له من كرامة ، أو برشاش أو رذاذ مطرها منعش كما يساق الماء إلى الأرض الجرز فتحييها ، إذ فى الابتسام دليل رضى وفى الحالتين لم تتبقّ له مقاومة تذكر)
    - يالمهجوم ..
    يهجمك الله كان داير تسيلى الخلعة
    ( وهو نوع من التقريع الظريف تعاتبه على مداهمتها بتصريحه بدون سابق إنذارٍ فكأنّه هجوم لأنّه خلع قلبى بحديثه ولنا أن نتخيلّ خفقان قلبها ورعشة يديها ، وفى بامسيكا تقول ريّا لطه ود دكين: "صحيت مهجومة لا مفصل ولا في القايْمة" ، وفى لسان العرب المهجوم ما حُلَّتْ أَطْنابُه فانْضَمَّتْ سِقابُه أَي أَعْمِدتُه، وكذلك إِذا وَقَع).
    قالت والعيون ضحّاكة ..
    فى ضو الرتين بشَّاشة
    (هذا القول ينقلنا إلى مقام الموقف لتذكيرنا بمحيط الحدث وقد كان عتاب محب فرحٌ بما سمع لأن تواصلها معه من خلال حركات العيون التى هى ، كما يقولون ، نافذة الروح ، فهى ضحّاكة بطبعها ولكنّها أكثر ضحكاً لإظهارها البشاشة لأنها رمز للقبول ، وتواصل العيون أمر مثبت بقوله سبحانه وتعالى: "يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور" ، وفى القرآن الكريم أمثلة عديدة لهذا ، وعلم التواصل يؤكّد أن الكلام لا يؤدّى أكثر من 10% - 30% من التواصل والبقية التواصل غير الكلامى أو الجسدى: "وَلَوْ نَشَاء لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ" ، وكلنا يعرف قول شوقى :"وتعطّلت لغة الكلام وخاطبت عينى فى لغة الهوى عيناك ، وقال شاعرٌ آخر :
    "إن العيون لتبدى فى نواظرها ما فى القلوب من البغضاء والإحن"
    وأضاف غيره:
    "العين تبدى الذى فى قلب صاحبها من الشناءة أو حب إذا كانا
    فالعين تنطق والأفواه صامتة حـتى ترى من صميم القلب تبيانا").
    عاد من حينى جاتنى الحالة
    (بعد وصول الرسالة بالقبول أصابته لوثة الغرام كأنما التهمت طريدته الطعم وبعد ذلك يعتمد الأمر على حنكته وخبرته فى انتشالها والفوز بها)
    قُلتَلا:
    - لا لا
    وحات النعمة يا بنية البِريد ..
    فى الريدة ... ما بخبر فسالة.
    (حلف بأعزّ ما عنده ليثبت حسن نيته ويسألها كرم وعطاء المحب محتجّاً بحقيقة إنسانية معروفة فنال منها القبول عندما نظرت إليه وهى باسمة "حدرت باسمة" ، لتتأكّد من صدقه قبل أن تسلم قلبها له بدون مقاومة ويستخدم القدال كلمة فسالة وهى من فسل بمعنى الشح وهو نوع من الحرب النفسية إذ لا يرضى أىّ إنسان ، عادة ، أن تلصق به أو بها صفة البخل والفسل عند العرب هو الرَّذْل النَّذْل الذي لا مُروءة له ولا جَلَدْ).

    هذه النقلة فى الشعر الغنائى لم تأت من فراغ ولكنّها أتت من موهبة عظيمة ترى الصورة شاملة بمنظارٍ واسع الحدقة وتدعونا لرؤية الكل من نافذة البعض ، وتحب أن تشارك الآخرين تجاربها وكل خفقة قلبٍ لها لتـزرع البهجة فى كلّ القلوب بدلاً من أن تستأثر بها ، وهو سبق للقدال لا بد من أن يؤرّخ له وإن تلاه نهجٌ مشابه. هذا هو البنيان المؤسس على ما قبله ويضيف له ما لم يسبق فكأنه هو وليس هو وذلك مغزى العبقرية أن نستنطق ونستخدم ما نعرف فإذا هو نبت جديد له هوية وحياة منفصلتين.

    (عدل بواسطة abdelmoniem ali on 12-25-2008, 05:06 PM)

                  

12-24-2008, 08:30 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22928

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: غنوات لحليوة: محمد طه القدال - تأمّل فى معنى القصيد: إضافة جديدة (Re: abdelmoniem ali)

    أخى عبدالمنعم
    لك اجزل التقدير
    ياخى هذا محراب كم وكم نحتاجه وعيا ووجدان
    واصل ويا لثقل ماتحمل ....
                  

12-24-2008, 09:06 PM

baha eassa
<abaha eassa
تاريخ التسجيل: 07-21-2007
مجموع المشاركات: 6578

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: غنوات لحليوة: محمد طه القدال - تأمّل فى معنى القصيد: إضافة جديدة (Re: بدر الدين الأمير)



                  

12-25-2008, 05:12 PM

abdelmoniem ali

تاريخ التسجيل: 02-13-2007
مجموع المشاركات: 35

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: غنوات لحليوة: محمد طه القدال - تأمّل فى معنى القصيد: إضافة جديدة (Re: baha eassa)

    الأساتذة عشّاق الكلمة والجمال بدرالدين وبهاء الدين ، وهو اجتماعٌ لما يضرب الجمال مثلاً به شكلاً وضوءاً، لكما المحبّة وشكراً على المتابعة وإنّها لمسئولية عظيمة ولكن الانسان بطبعه ظلوم جهول لا يعرف إمكانياته ويقبل الأمانة وهو أحوج إلى من يرعاه.

    عبدالمنعم
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de