|
قصص قصيرة .... د/ لمياء شــمت
|
شــــبـه
أفقت في المشفى الخاص على حصار العيون القلقة و الوجوه المتعبة ، لم أدرك حينها أن هذيان البنج قد أطلق لساني الحذر بما قد لا يتأتى لي في صحوي ، فقد أخبرتني شقيقتي نهلة بأني ظللت أتمتم لردح من الساعات بأني أشبه والدي صالح أشبهه جدا على عكس ما يظن من حولي . نعم و كيف لي ألا أبوح بذلك في فسحة الهذيان ؟ فأنا أطابقه شبها هناك في مكمنه الخفي في عقر ضعفه الداخلي ،الذي يتستر بجسد قوي و ملامح شديدة الوسامة ، الا تكفي سلسلة عذابتي الطبية دليلا على ذلك التشابه القاسي؟! الا تكفي بصمته تلك في أعضائي الحيوية قلبي المعطوب و شرايني الحرجة التي ضاقت بما فيها ؟! وصدري المتنازع بين أوجاعه تعلوه خريطة لآثار عمليات جراحية ضارية خاطته طولا و عرضا؟!
لو تعلم نهلة كم أجهزت علي سنان الكلمات منذ طفولتي الغضة ، ناشتني كجيش نحل غاضب ، أبكتني تلك الكلمات رغم ما يصاحبها من أقنعة الإبتسام والضحكات . حتى أضحيت ألملم بعضي واجفة و أتهيأ ما إستطعت لتلقي جرعة الإهانات المستترة المتنكرة في مسوح ممازحات عنيفة. - أصلو عاد أبوك ما أداك من شبهو و سماحتو أي حاجة. و تصمت كل حواسي متوجسة في مهب التقريع. - كل الشبه شالتو نهلة ,عيني باردة عليها. و أدرك أن عمتي " البدينة" ستتفانى كعادتها في التأكيد المستمر لي بأني لا أشبه أخاها صالح الوسيم فاتتني تلك الحظوة السخية... فبئسا لكروموسوماتي الغبية التي لم تفلح في إقتفاء هيئته الجسدية اللافتة و قوامه الفاره و عينيه النافذتين ، و شعره الكثيف الذي لم تطاله جعدة. " كل الشبه شالتو نهلة" إيعقل حقا أنها لم تلحظ أنني أشبهه أكثر؟!
كـاســيت
لابد أن خياله المسرحي قد أعانه كثيرا على تصورها و هي تتخبط سكرى بين جدران غربتها راعفة بين أسوار وحشتها .. تمد يدها لتضغط على زر تشغيل الكاسيت واجفة مترددة و كأنها تهم بفتح فوهة آلة حربية حاصدة لا تبقي و لا تذر ، هوة ثقب أسود لا قرار له ، أو باب متاهة تفضي الى الوجع كل طرقها .
إسترجعت بتعمد كيف كان يدعوها الى فضل ظهر صهوة كتبه ، وكأنه يعتذر عن فداحة ما حاق بها من أشواق . لكن هذه المرة لا تشبه كل مرة ، لابد أنه قد تعمد الأمر ، أحاك لها تلك المؤامرة المبهظة التي أدركت خطورتها حالما تدفق الغناء من صدر ذاك الكاسيت عاجي اللون ليصبح الغناء منذ تلك اللحظة ذريعتها المفضلة للبكاء . كان الكاسيت كشأن كل عطاياه .. هدية ملغومة رسخت إتهامه الدائم لها بأنها تتقن هدر السعادة و تتفنن جدا في ممارسة طقوس الحداد في حضرة مراسم الفرح .
لكن كيف بالله لا تفعل؟!.. حينما تنقض عليك موسيقى تآبى إلا أن تمر أقواسها على أوتار جراحك حينما تخترقك الكلمات كنصل مسدد على صدر مكشوف .. غافل . حينها يضحى الأمر تماما كما هو عليه الآن ، كما أراد له خياله الدرامي الشاسع ، ليصبح الإجهاش جزءا من تلك الموسيقى العذبة و يتحول الإنخراط في نوبات البكاء الى خلفية متممة لجوقة نغمية و إيقاع ضاج .
|
|
 
|
|
|
|