هل صوت ماكين لصالح أوباما؟ سؤال لا يخلو من غرابة، بل قد يري فيه البعض استخفافا – لا سمح الله - بعقول القراء الكرام. ولكني قد عنيت السؤال على خلفية ما استمعت إليه في مضمون خطاب ماكين الذي أعلن فيه الهزيمة المُرة. لو استمعتم إلى خطاب ماكين وهو في حالة ضعف وقد تجرع علقم الهزيمة لتيقنتم من جسارته كذلك في وقت يستطيع القليل من الناس الصمود في مثل هذه الحالات. لذا أدعوكم لتستمعوا إليه، مثلما استمعتم لأوباما وهو في عنفوان فرحته وأنتم تشاركونه نشوة النصر. يتبع
لا اعتقد أن نجم ماكين كان يقل ألقاً وهو يعلن الهزيمة في خطابه الذي ذكر فيه أوباما بالاسم (senator Obama ) سبع مرات وسط هدير الغوغائيين من مؤيديه وهو يشير إليهم بلطف أرجوكم، أرجوكم (Please). هنأ خصمه بالنصر وأعلن مساعدته متى ما احتاج إليه لخدمة الوطن الذي يتقاسمان حبه.كشف عن عمق إيمانه بالمسيرة الديمقراطية. وكان أنموذجا للتعامل الحضاري الراقي . بالطبع لم يصوت ماكين لصالح أوباما ولكنه انحاز للمبادئ الديمقراطية والقيم الإنسانية الفضالة التي تنحاز إليها الفطرة الإنسانية السلمية الفاضلة وهي القيم والفضائل التي تساوي بين بني البشر. يتبع
الحقيقة التي اعتقد أنها لن تغييب عن ذهن أوباما ، فيما قد يحاول بعض أنصاره حجبها في نشوة النصر، هي أن الانتصار لم يصنعه المستضعفون لوحدهم في سياق تعاضد الأقليات في أمريكا أو إقامة الصلوات في كينيا أو التشبث بآمال فوزه في برلين، وإنما كان لمعسكر الأقوياء بالمعطيات المادية وبيض أمريكا تحديدا يدا في إحداث التغيير الذي طالما جهروا به Yes, we can. لو لم يتجرد الكثيرون من البيض من بقايا نعرات عنصرية متجذرة في المجتمع الأمريكي لما اشرأبت نفوسهم نحو النصر، لذا التفوا حول خطاب أوباما وهو يقول " للذين يودون تدمير العالم سنلحق بكم الهزيمة ، وللذين يسعون نحو السلام والأمن سنشد من عضدكم" . to those who would tear the world down: we will defeat you. To those who seek peace and security: we support you المؤكد أن غالبية الأمريكيين تفاعلوا مع أطروحات أوباما التي ترجمت آمالهم لذا رأيناهم شبابا وشيوخا بيضا وملونين وهم يذرفون الدموع بنشوة النصر. يتبع
هذا المشهد يذكرني بمشهد مماثل نقلته أجهزة الأعلام يوم استقبل الألوف المؤلفة من السودانيين الراحل قرنق في الخرطوم بعد توقيع اتفاقية نيفاشا. استقبله الشعب السوداني وقد تقدم الشمالي قبل الجنوبي في تلاحم عكس حلما كان قد طال انتظاره. . . . ولكنه للأسف لم يتحقق بعد. كان قرنق كالحلم أتى ونحن نائمون، وعندما استيقظنا وجدناه قد رحل. لا استذكر أني رأيت نائب الرئيس علي عثمان وقد بدت نواجذه إلا عندما كان مع قرنق، رأيناه يضحك ملئ قلبه بجانب قرنق . . .و لعل تلك أحد ميزات الراحل قرنق التي يستطيع بها ولوج قلب مستمعيه لما أعطي من بداهة وحضور ذهن وروح دعابة. كنا نأمل في قرنق استطاعة إعادة البسمة إلى قلوب السودانيين الذين طال وجومهم. لأنه كان من يستطيع أن يفعل بجمع الجمع السوداني، ولكأني قرأت بين عينيه ما اقتبسه أوباما في خطاب النصر عن الرئيس الأمريكي الأسبق لينكون وهو يحاول زرع الأمل في قلوب الأمريكيين الذين كان قد استشرى فيهم التمزيق والفرقة: " إننا لسنا أعداء بل أصدقاء. ورغم احتمال فتور العاطفة فينا يجب ألا يكون ذلك سببا في انفكاك عروة مودتنا." "We are not enemies but friends. Though passion may have strained, it must not break our bonds of affection" . ننتظر كسودانيين من يخاطبنا كذلك ويعيد الأمل المنتظر.يثير فينا ضرورة استشعار حتمية التغيير المنشود وأن ذلك لا يصنعه الهامش بمعزل عن المركز رغم اختلاف درجات التهميش في كل السودان، وأن التغيير لا يأتي بنفي الضعيف للقوي بل بتعاضدهما ولا يمكن تحقيق التغيير إلا بتلاحم الجنوب مع الشمال والغرب والوسط والشرق. ولن يكن ذلك إلا إذا استشعرنا مسئوليتنا الفردية بالترويج لما نؤمن بأنه ممكن. انتهى
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة