|
|
 حركة الاعتذار و الاعتراف 2-2
|
حركة الاعتذار و الاعتراف
ضرورات التعافى ووبناء السلام الاجتماعى( 2- 2)
لقد بيننا فى الحلقة الماضية بان حملة الاعتذار و الاعتراف و المعافاة التى دعا لها الاستاذ الحاج وراق على صدر هذه الصحيفة تعد من الالتفاتات الجريئة و التى من شانها ان تدفع بشروط العملية السلمية فى جذرها الاجتماعى بعد ان غضت عنها الاطراف السياسية عبر التجربة الماضية من خلال دوران عجلة الحرب و ما احدثته من خرائب مشهودة على مستوى العلائق البين جماعية فى التكوين الاجتماعى بالسودان , وقلنا ان تحاشى فوران الذاكرة و العودة الى مربع العنف بمختلف الاشكال و التعابير لهو الدافع الاساسى وراء حركة الاعتذار التاريخى و المعافاة الوطنية , و نحن بدورنا نقول ان تكون هناك نخبة مثقفة من شمال السودان ترى ان الواجب الاخلاقى المنوط بها فى هذه المرحلة العصيبة من عمر البلاد يحتاج اول ما يحتاج لرسم طريق المستقبل بالنسبة للسودانيين و يتطلب بداية الاقرار بالمظالم و الانتهاكات التى تمت باسمهم – كشماليين- من قبل الحكومات المركزية المتعاقبة و التى ارتكبت جميع تلك الحيوف كنوع من الدفاع و التبشير بهوية الشمال العربى المسلم و تبرير كل تلك الممارسات من باب الدفاع عن تلكم المكونات التى سرعانما يتم اسقاطها هى نفسها لتصير – مكونات الامة السودانية – لكن ظلت الكثير من تلك المواقف التاريخية و المعاصرة تشهد بان الحكومات المتعاقبة فى شمال السودان كانت تعول الى الحد البعيد على سيناريو اخضاع القوميات المهمشة و بل التنكيل بها تحت قناعاتها المحدودة بان الاحوال لا يمكنها ان تؤول فى يوم من الايام لاقوام الهامش غير المنحدرة من المشارب الثقافية و الاجتماعية للمركز الاسلاموعروبى , و هنا استلزمت المسالة تغيير نهج الخطاب السياسي الى ادنى مستوياته حتى تستحيل مبادرة اهل الهامش الى يباب و ما ظهور الخطاب الجديد و الذى يسعى كما نرى عند الانقاذ الى تاكيد كون الشمال قطعة واحدة كالتربيزة مثلا ,وهذا ما تكذبه ايضا حرائق دارفور و تخلف اقاليم ككردفان و الشرق و التى تقع ايضا فى عمق الشمال مما يقتضى اعادة التفكير مليا فى ان الازمة السودانية قد تشابكت اطرافها و تداخلت لحد الاستعصاء و التفاقم الكبير حسبما تشير جملة المؤشرات و الدلائل.
اذا فقضية المعافاة ورفع المظالم و الاعتراف باخطاء الماضى حركة نرى انها قد بدات تاتى اكلها على الصعيد العملى و هذا ما يؤكد اهمية المصارحة فى تدعيم الايمان الديمقراطى و عملية التحول الانسانى عندنا و من بعد ذلك نستطيع بلوغ ما نرمى اليه فى الحد الادنى كالاستقرار النفسى و امكانية مخاطبة تركة الماضى الثقيل و الملئ باوزار الحرب و ادرانها المترسبة فى النفوس و ملامح الحياة , فثمة اشارات موجبة عديدة فى هذا الاطار نذكر منها مثلا النداء الذى اطلقه السيد رئيس حكومة الجنوب فى خطابه نهاية الاسبوع المنصرم امام المجلس التشريعى لجنوب السودان عن اهمية المعافاة و التصافى فى تحقيق السلام و المصالحة الشاملة بما يؤكد ايضا توفر الجانب المكمل لحملة الاعتذار و المتمثل فى مبدا قبول هذا الاعتذار و تلك المبادرة التى تحدث عنها الاستاذ وراق قبلا فى الذكرى الثانية لتابين الدكتور جون قرنق بقاعة الصداقة مقدما اعتذاره نيابة عن الديمقراطيين الشماليين عن كل اشكال الظلم و التنكيل التى تمت فى الجنوب و جميع المناطق التى امتدت اليها يد الحرب فى جبال النوبة و النيل الازرق باسم الشمال , ونفس هذا الاعتذار قابله السيد الامين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان الاستاذ باقان اموم اوكيج باعتذار تاريخى مماثل عن كل - الممارسات و الانتهاكات التى تمت اثناء اندلاع الحرب - باستاد الخرطوم وقد كرر ذلك السيد رئيس حكومة الجنوب فى احتفالات اعياد السلام باستاد بمدينة واو فى العام المنصرم .
لكن ما يدعو الى الاستغراب هو ان هذه الاعتذارات حينما اطلقت فى مناسبات و احتفالات رسمية لم تجد اى قدر من التجاوب على صعيد المؤتمر الوطنى بانتهاكاته الافظع و لكانما اراد من ذلك القول بان هذا هو حال الموقف فى شمال السودان برمته و الذى لم يكن ضالعا فى تلك التجاوزات , وهو ما لن يستقيم عقلا اذا اعتبرنا الدور الهدام الذى لعبه المؤتمر الوطنى فى تعميق فجوة التمايز الاجتماعى من خلال توظيف الدعاية الدينية لتسود بذلك لغة غير معروفة فى تاريخ الصراع المسلح فى السودان لغة ( منهم – منا – و كل الدماء)!! .
تتمثل المقومات الحقيقية لانجاح مبادرات التصالح الاجتماعى فى اهمية تهيئة القواعد الاجتماعية لهذه الخطوة ادراكا لاهمية بناء السلام الاجتماعى و اعترافا بحقيقة تلك الانتهاكات التى حاقت بمجموعات سودانية تحت تاثير الخطاب الذى اصبحت بموجبه تلك القوميات تمتلك نظرة ادانة واضحة لمجموعات شمال السودان التى اثرت الصمت او القبول بتلك الممارسات طالما ان الرحى كانت تطحن بعيدا عنها وهى مصدر الجعجعة ذلك لان استخدام المهمشين بعضهم ضد الاخر من شانه ان يبقى الشمال امنا او مستقرا , و هذه اسطورة اخرى اثبتت خطلها مرات كثيرة فى ظل ثورة الهامش و خروج المستخدمين عن طاعة الحكومة المركزية بحثا عن حقوقهم المتساوية و تمردا على استغلال رزحوا تحت سطوته حد الازلال.
ختاما : اذا كانت تلك الدعوة تجد من ينظر اليها بنوع من الاهمية و الجدية فاننا نتمنى ان نقتح و عبر اجراس الحرية هذه القضية لنوع من النقاش كما نتمنى توثيق كل تلك التجارب لادانتها اذ ان هذه المبادرة ستكون اكثر فاعلية اذا انداحت اطرافها لتشمل حركة المعافاة و الاعتذار جميع القوى الاجتماعية و المدنية الحية فى خطوة مبكرة نحو اقرار عماية المصالحة الشاملة و تضميد جراحات الحرب فى دارفور احتواء الازمة السودانية عبر المبادرة المقدرة التى اطلقها الاستاذ الحاج وراق كحركة مجتمع ووعى عميق بتحديات الواقع و المستقبل .
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست