|
|
 محطات يابانية (1) فساد على الطريقة اليابانية
|
محطات يابانية (1) فساد على الطريقة اليابانية
عمر ساكن – [email protected]
مدخل:
سأحاول بإذن الله تعالي الإطلال بشكل دوري للتوقف بشكل راتب عند محطات يابانية أتناول فيها ما يمكن أن أصفه بإيقاع الحياة وحركتها في اليابان خاصة القضايا التي أعتقد أنها مدعاة للتأمل وإثارة الفضول أو ما يمكن وصفها في بعض الأحيان بالخارجة عن روتين النظام اليومي الذي اعتدنا عليه في دول أخرى، تستوي في ذلك الدول التي تندرج تحت تصنيف العالم النامي أو الثالث مع التي نافست ولا زالت تنافس اليابان اقتصاديا ونهضة بمفاهيم التعريفات المتداولة للحياة الراهنة.
وظني أن اليابان قد شغلت أذهان الكثيرين منا بمعطيات ما تمثلها من نموذج لدولة نهضت من بين ركام الحرب ومرارة الهزيمة واشرأبت بعنقها تتقدم صفوف التطور والازدهار.
رصدي قد ينحرف قليلا عن الجانب التقليدي في تناول سير الدول من تاريخ وثقافة وخلافه، ذلك أنني أعتقد أنه وفي هذا العصر بات من السهولة معرفة ذلك من خلال (التقوقول) إن صح التعبير في معجزة الزمان –الانترنت- رغم أني لا استبعد مطلقا الاستعانة به عند الإشارة إلى بعض المراجع لهواة البحث والتوسع المعرفي. سيكون غالب رصدي ما ألحظه خلال اليوم والساعة من حركة الحياة عامة ومقدار بعده أو قربه منا.
الهابطون من السماء – Amakudari
الفساد أو كل ما يمكن وصفه بمحاولات الالتواء على القانون أو الخروج عليه لتحقيق مكاسب خاصة بدواعي مختلفة، اعتقد انه من الصعوبة الادعاء بوجود دولة حققت نجاحا كاملا في القضاء عليه وأقامت مراسم الفرح احتفاءً بزواله من أراضيه، فهو أي الفساد شؤم كل مكان وزمان ومصاحب للإنسان في ظل وجود أطماعه التي لا تعرف الفناء، رغم أن حدته وطرقه اقترافه تختلف من مكان إلى آخر باختلاف حدة القانون ودرجة نفاذه.
ابتدع اليابانيون أسلوبا أدرجوه ضمن تصنيفات الفساد - لا أدري إن كان موجودا في بلاد أخرى- وصبغوه بلون خاص على شاكلة ما يفعلونه بمنتجاتهم (صنع في اليابان) حفاظا على حقوق الملكية وجودة الصنع. فالاسم ياباني (الهابطون من السماء)، ذو دلالات تقود إلى المعتقدات البوذية التي تشير إلى هبوط آلهة من السماء إلى الأرض. أما مضمون الممارسة فهو قيام شركات تابعة للقطاع الخاص بإعادة توظيف بيروقراطيين انتهت فترات خدماتهم في السلك المدني بعد أن تدرجوا ووصلوا مناصب رفيعة. غالب هذه الوظائف الجديدة تصبغها صفة استشارية.
تحرك إعادة توظيف البيروقراطيين في حد ذاته لا يعكس فسادا مرئيا للعامة ولكن من خلال التدقيق نجد أن من أُعيد توظيفهم كانوا يعملون في وزارات أو مصالح حكومية ذو ارتباطات سابقة بالشركة المعنية أو لا زالت لها ارتباطات عمل لاسيما أعمال الأشغال العامة. ومبرر التوظيف يأتي في سياق رد جميل له لدوره عندما كان مسئولا فاعلا ونافذا في تسهيل إجراءات حصول الشركة المعنية على امتيازات حكومية مثل الفوز بمناقصات أو توجيهه للعاملين تحت إدارته للتغاضي عن التفتيش أو التساهل في إجراءات الضريبة إضافة إلى الإيعاز للشركة المعنية بالثغرات التي يمكن من خلالها التهرب من دفع الضريبة. على صعيد آخر يمكن أن يكون أعادة التوظيف بسبب تطلع الشركة إلى الاستفادة علاقات البيروقراطي مع معارفه وزملائه في المصلحة أو الوزارة التي تركها لتحقيق مكاسب للشركة المعنية. توجد أيضا منظمات حكومية غالبا ما تحمل في الظاهر أسماء تقترن بتطوير قطاعات معينة ولكنها تحمل في باطنها فسادا لإعادة توظيف بيروقراطيين سابقين بمرتبات عالية وغالبا ما ينتهي المطاف بهؤلاء إلى دهاليز العمل السياسي نوابا في البرلمان أو المجالس المحلية.
يبدو أن أسلوب إعادة توظيف البيروقراطيين كان متبعا خلال فترة الحرب العالمية أو قبلها في إطار نشاطات تأميم الشركات الخاصة التي خاضتها الحكومة. وبعد الاحتلال الأمريكي أعيد تعزيز دور القطاع الخاص. ولم ينظر في هذا النوع من الفساد إلا في العقود الأخيرة في ظل محاولات حكومية لم تحالفها الحظ لوضع حد له. فيما تعتبر القضية واحدة من الأسوار القصيرة التي تحاول المعارضة القفز من خلالها للنيل من الحزب الحاكم.
تشير الأبحاث الاقتصادية التي أجريت حتى الآن إلى أن تداعيات فساد الهابطون من السماء لا تنحصر فقط في الفضائح التي ترتبط بهم وإنما في جسارة مقترفوها من ترويجهم لنشاطات اقتصادية تتسم بالمخاطرة خاصة في القطاعات المصرفية التي أظهرت ميولا لتوظيف البيروقراطيين المنحدرين من وزارات المالية ومصالح الضرائب وقطاع الخدمات المالية التابعة للحكومة. (راجع موقع ويكيبديا لمزيد من التفاصيل والمراجع).
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست