|
يوميات سمير الكوز في إجازته السنوية - اليوم الخامس
|
اليوم الخامس من يوميات سمير الكوز في إجازته السنوية
حاولت الحاجة أن تجعل اخوة سمير يذهبون إلى مدارسهم كالعادة وكأن شيئا لم يكن ، وهي في ذلك تحاول أن تجنب سمير شماتتهم عليه وهو الذي مكث بينهم أربعة أيام ولم يوزع عليهم ما أحضره من الولايات المتحدة الأمريكية ( الاستيتس ) ، وهم يعرفون أن سمير كان يرغب في توزيع محتويات حقائبه على أصدقائه الإنقاذيين وأبناءهم ، حيث يعتبر اخوته معارضين بحكم أنهم يمتعضون من حالة التكبير التي تنتابه بسبب وبدون سبب ، كما أنه لاحظ عليهم عدم مشاهدتهم لبرنامج ( من ساحات الفداء ) . وقد نجحت الحاجة بحنكتها وحكمتها في تنفيذ خطتها ، وخرج اخوة سمير واتجه كل واحد منهم إلى مدرسته دون أن يتساءل عن سر وجود سمير خارج غرفته المكيفة في ذلك الوقت المبكر . وضعت الحاجة صينية الشاي بين سمير وحاج أحمد صاحب البقالة ، وهما يجلسان متقابلين على اثنين من الأسرة في فناء الحوش . سمير يضع خديه بين كفيه ، وحاج أحمد يجلس أمامه ويضع عصاه بين فخذيه ، ويمسك أعلاها بكلتا يديه كأنه يخشى أن تفر منه . قالت الحاجة : ما تكب الشاي يا سمير يا ولدي عشان تشربوا ، وعمك حاج أحمد ده يمشي على شغلو . أنتبه سمير إلى وجود حاج جالسا أمامه ، كما لاحظ لأول مرة وجود صينية الشاي الموضوعة على المنضدة الحديدية التي اشترتها الحاجة قبل سفر سمير للولايات المتحدة الأمريكية بسنوات . أنزل سمير يديه عن خديه ، وتناول الملعقة ، ووجه سؤاله لحاج أحمد : كم ملعقة يا حاج ؟ والله يا سمير ياولدي كان خليتوني من حكاية الشاي دي يكون أحسن ، والله الواحد ماليهو نفس يشرب ولا يأكل ، شوف الناس ديل عملوا فينا شنو ؟ منو الناس ديل يا عم أحمد ، أنت عارفهم ؟ ناس منو ؟ الحرامية ؟ لا أنا بقصد الحرامية الكبار ، اللي كانوا السبب في ده كله . يا حاج أحمد انت كأنك عارف حاجة وما عاوز تقولها . يا سمير ياولدي ما انت سيد العارفين . يعني شنو ياعم أحمد أنا اللي جبت الحرامية ؟ ردت الحاجة وهي تراقب الحوار من بعد ولا ترغب في استمراره : قدر الله وما شاء فعل يا سمير يا ولدي . لا ، بس جماعة بسط الأمن الشامل حا يجيبوهم ، مش حا يسيبوهم يفلتوا . والله الإنقاذ تجيبهم حتى لو طلعوا بره السودان . الله أكبر ، الله أكبر . غصبا عنه خرجت من العم أحمد ضحكة ساخرة وأتبعها قائلا : يا سمير يا ولدي والله إنقاذك دي هي الجابت الكفوة . معقولة يا عم أحمد ، انت كمان معارضة ؟ يا سمير ياولدي معارضة شنو ، ما انت شايف كل حاجة . دخلت مجموعة من الجيران ، كان قد بلغهم الخبر ، أتوا لمواساة الحاجة أم سمير وتقديم المعونة والمساندة في هذا الموقف العصيب . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته , الحكاية شنو يا جماعة ؟ بدأ سمير بالانسحاب إلى داخل غرفته حتى لا يختلط بالنساء ، بالرغم من أنهن اتجهن إلى الصالة حيث تجلس الحاجة ، لكن بعضهن وقفن ليستمعن لحاج أحمد وهو يروي ما حدث . سألت إحداهن : هسة سمير ده مالو فات ، قايلنا نحن السرقنا حاجاتو ؟ ردت عليها أخرى : سمير ما بتكلم مع النسوان ولا بسلم عليهن . قالت ثالثة : وهناك في أمريكا ما في نسوان ؟ أريتهم يا يمة ما نسوانك ، كمان ماشيات بلا تياب . أجي ، بيلبسن طرح ساكت ؟ والله ولا طرح ولا حاجة ، كان لبسن فستانا ساتر يكون كتر خيرهن . وسمير بيسوي شنو مع جنس ديل ؟ والله يعاين ويستغفر ، ويرجع تاني يعاين . الحاجة لا ترغب في مثل هذا الحوار ، لذا انسحبت ودخلت إلى المطبخ كأنها تريد أن تحضر الشاي للضيوف . لكن الجميع وبصوت واحد طلبوا منها أن تترك هذا الأمر وأن لا تتعب نفسها ، والله با بت أمي الفيكم مكفيكم ، وتسالت إحدى الجارات : وهسة ناس الأمن الشامل ديل قالوا شنو ؟ أبدا والله فتحوا البلاغ ، وقالوا اتصلوا وتابعوا معانا بالتلفون . أجي يا يمة تلفونات مكسرة فوق رسينهم ، أصلهم ما عندهم همة ولا مروة . يا أختي من الناس ديل جو بي حكومتهم دي ، انعدمت المروة والرحمة ، والرجال ديل ذاتهم بقوا ما رجال زمان . انسحب حاج أحمد ، وبقي بعض الرجال من الجيران مع سمير يجلسون داخل غرفته ، ويوجه أحدهم سؤالا إلى سمير : وهسة يا سمير ناوي على شنو ؟ كيف ناوي على شنو ؟ الحرامية لازم يتمسكوا . يا سمير بس الحكومة دي من جات ما مسكت ليها حرامي واحد . ديل حتى لو عرفوا الحرامي ، دائما بيقولوا خلوها مستورة . والله هي السترة كويسة ومطلوبة ، بس عموما من جات الإنقاذ حالات السرقة بقت محدودة ، مش كده ؟ وجه سمير سؤاله لمجالسيه . لاحظ سمير صمتهم وبحلقتهم في وجهه ، فردد ، الله أكبر الله أكبر ، السكات علامة الرضا . ثم أردف : أنا هسة مشكلتي الجواز . رد أحد الجالسين : يا أخي الجواز ده موضوع بسيط جدا ، ممكن تطلع بدل فاقد ، ولو بتدفع ممكن تطلعو في بوم واحد . بس أنا جوازي أمريكي . بالله ؟ أي والله ، وأنا داخل البلد دي بتأشيرة زيارة ، والبلد ما فيها سفارة أمريكية . طيب وحا تعمل شنو ؟ ما ده سؤالي ذاتو . يا أخي العارفك منو ، أمشي طلع ليك جواز سوداني وسافر . بس أسافر بيهو وين ، كيف أرجع الاستيتس تاني ؟ بعضهم يمل الحوار ، والبعض الآخر وجدها فرصة للشماتة في سمير المغترب منذ مجيء الإنقاذ ، حين هرب منها ، وبقي في غربته يدافع عنها ، والغريب أنه يتمتع بجنسية الدولة التي تقود مجموعة الاستكبار كما تطلق عليها الإنقاذ . بدأ الجيران في الانسحاب تدريجيا ، لكن آخرين عادوا يحملون جرادل ، وأكياسا ممتلئة بالهدايا التعويضية للحاجة أم سمير ، سكر ، شاي ، بن ، تانج ، من كل بقدر استطاعته . انفض الرجال عن سمير ، وخرج سمير من غرفته ، بعد أن أحس أن حركة النساء أيضا بدأت تخف . لاحظ سمير الأكياس البلاستيكية والأواني المملوءة بالهدايا التعويضية ، فانطلقت حنجرته بالتكبير ظنا منه أنها أشياؤه المسروقة تم استردادها . عاشت الإنقاذ . إنه الأمن الشامل . إنه الإنجاز السريع . إن شاء الله بس يكونوا جابوا الجواز ؟ أصيبت الحاجة بالذهول وهي تسأل ، مالك يا سمير يا ولدي ؟ مش ناس بسط الأمن الشامل جابوا الحاجات المسروقة ؟ يا ولدي بسم الله ليك ، دي حاجات جابوها لينا الجيران . هم الجيران مسكوا الحرامية ؟ والله الإنقاذ بسطت الأمن ، ونشرت الوعي الأمني بين المواطنين . ياسمير ياولدي قول بسم الله . في شنو يمة ؟ يا ولدي نحن هنا ما زي جماعتك ديل ، لمن واحد تحصل عليهو مصيبة زي كده ، الناس كلها بتقيف معاهو . وأضافت الحاجة في غير ما اكتراث : شوف يا سمير ياولدي ، حاجاتك اللي انسرقت دي ما حا ترجع ، ما تأمل فيها ، أسأل ربك يعوضك . الحاجات يا أمي ما هاماني زي الجواز ، جوازي الأمريكي يمة . أمريكة شنو يا سمير ؟ وانت ليك كم سنة في أمريكا دي ماشفنا منها صرفا ولا عدلا . ما تقعد قبلك وتبقى زي أصحابك ناس الحكومة ديل ، أصلك زيهم ما نافع . يمة .... والله انت معارضة عديل كده . خلاص يا سمير يا ولدي أنا معارضة ، وانت خلي حكومتك تنفعك . عاد سمير إلى غرفته وأغلق الباب عليه وفتح المكيف ، وغاب عن كل ما حوله ليمنح نفسه الفرصة للتفكير العميق عله يتوصل إلى طريقة لاسترداد أشيائه المسروقة أو على الأقل استرداد الجواز الأمريكي . اخوة سمير عادوا من مدارسهم وهم يمطرون أمهم بوابل من الأسئلة : صحي يا ماما امبارح جانا حرامي ؟ انتو منو القال ليكم ؟ الأولاد في المدرسة قالوا جانا حرامي وسرق حاجات سمير أخوي . والله يا أولادي سمير أخوكم ربنا يعوضو . طيب سمير أخوي لو كان وزع الحاجات دي علينا ما كانت اتسرقت . سمير كان ناوي يوزع عليكم الليلة بس الأقدار أسرع يا أولادي . أقدار شنو يا ماما ، والله سمير وجماعتو ديل هم اللي جابوا السرقة في البلد . يا أولاد أخوكم ما بيقبل الكلام ده . يقبل ، ما يقبل ، ياهو ده السودان . خلاص اتغدوا ، وامشوا على مذاكرتكم . بعض الجيران استمر ترددهم على بيت سمير ، خاصة أولئك الذين توجهوا باكرا إلى أعمالهم ومنهم بن عمه الذي استقبله في المطار ، وقد علم بالخبر من والدته بعد عودته من العمل بعد مغرب ذلك اليوم . فتوجه فورا ليقابل سميرا ويواسيه ويحاول مساعدته . لكن سمير بعد طول أرق ، دخل في نوم عميق . جلس ابن عم سمير مع الحاجة ، سألها عن كل تفاصيل الحادثة ، وعن ما ينوي سمير عمله ، خاصة فيما يتعلق بالجواز الأمريكي . لكن الحاجة لم تكن لديها إجابات على مثل هذه الأسئلة ، لكن رؤيتها كانت تتلخص في أن سمير يجب أن لا يعود لغربته تلك . لكن ابن عم سمير لم يتفق معها واختتم قائلا : خلاص ، خليهو ينوم ويرتاح يا حاجة ، أنا أبقى أمر عليهو بكرة الصباح بدري وأشوف ممكن أساعدو في شنو .
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|