آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير....محمد بن المختار الشنقيطي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-29-2024, 02:19 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة منصور عبدالله المفتاح(munswor almophtah)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-08-2006, 08:32 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير....محمد بن المختار الشنقيطي

    آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير

    محمد بن المختار الشنقيطي

    تكساس/الولايات المتحدة
    [email protected]

    بسم الله الرحمن الرحيم

    لا تزال الآراء التي أفصح عنها الدكتور حسن الترابي مؤخرا تثير عاصفة من الردود. وقد وجدت من خلال تتبعي للجدل الدائر حولها شيئا من التساهل في النقل، والتسرع في الحكم، واتهام النوايا، ونقص الاستقراء، وصياغة المسائل الفرعية صياغة اعتقادية، والظاهرية التجزيئية في التعامل مع النصوص، وتداخل الأهواء الشخصية والسياسية مع الآراء الشرعية.

    وهذه نظرات على معظم آراء الترابي المثيرة للجدل، نضع من خلالها هذه الآراء ضمن سياق التراث الإسلامي، آملين من خلال ذلك أن يرتفع الحوار حول آراء الترابي إلى مستوى الحوار المعرفي، بديلا عن خطاب التكفير والتشهير. فلست أشك أن لدى كل من الترابي ومخالفيه من أهل العلم ما يثري الحوار وينفع الأمة، إذا ساد الجِدُّ العلمي وخلصت النية لله رب العالمين..

    ولست بالذي يفاجأ إذا أحاط بآراء الترابي الكثير من اللبس وسوء الفهم، فقد كنت أشرت في مقدمة كتابي عن "الحركة الإسلامية في السودان: مدخل إلى فكرها الاستراتيجي والتنظيمي" إلى ما اتسمت به كتابات الترابي من "التجريد في الأفكار والمصطلحات"، مؤكدا أنه "ليس من السهل على شباب الصحوة الإسلامية غير المتمكنين من ناصية اللغة العربية، المتمرسين بالمفاهيم الفلسفية والأصولية، أن يستوعبوا جميع كتابات الترابي بعمق، وهي كتابات تجمع بين تجريدات (هيجلْ) الفلسفية ولغة الشاطبي الأصولية".

    ومما يحسن بيانه هنا أيضا أن هدف هذه الملاحظات ليس الدفاع عن شخص الترابي، فأنا –بنعمة من الله- ممن يؤمنون بقدسية المبادئ وأرجحيتها على مكانة الأشخاص، بمن فيهم الصحب الكرام رضي الله عنهم، وكتابي المعنون: "الخلافات السياسية بين الصحابة: رسالة في مكانة الأشخاص وقدسية المبادئ" رسالة تأصيلية في هذا السبيل نسأل الله قبولها ووصولها.. كما يحسن التأكيد على أني لم ألتق الدكتور الترابي قط، ولا وطئت قدمي أرض السودان الطيبة. ويوم كان الترابي ذا جاذبية سياسية عظيمة وحضور وطني ودولي لم أحضر مؤتمراته، ولا اشتركت في "مؤتمره الشعبي العربي الإسلامي".. أما اليوم فإن الترابي فقدَ الكثير من بريقه السياسي الذي اكتسب به أنصارا وأتباعا في الماضي، ولم يعد ممن يخشى الناس لهبَه أو يرجون ذهبَه كما يقال.

    فلست إذنْ بالذي تجمعه مع الترابي علائق شخصية أو سياسية تؤثر سلبا أو إيجابا على رأيي فيه وفيما يطرحه من آراء مثيرة، وإنما أنا طالب علم أهتم بتجارب الحركات الإسلامية وفكر قادتها وعلمائها، وقد دفعني البحث في تجربة الحركة الإسلامية في السودان إلى تتبع فقه الترابي عن كثَب، والبحث في سياق أقواله ضمن رؤيته الفكرية العامة.

    فهدف هذه الملاحظات حصرا هو دفع داء التكفير والتشهير الذي يستسهله البعض اليوم، والحث على أخذ المسائل الشرعية بمأخذ الجد دون تعجل، والعودة إلى منهج العلم والعدل وحسن الظن بأهل العلم، مهما أغربوا أو خالفوا المتعارف عليه من النقول والفهوم، كما أوصى فقيه الأندلس أبي بكر بن عاصم في "مرتقى الوصول":

    وواجبٌ في مشكلات الحكمِ *** تحسيننا الظن بأهل العلمِ

    وأرجو من الله عز وجل أن تعين هذه الملاحظات على تبصرٍ أكثر بالمسائل المطروحة، وعدمِ استسهال البتِّ فيها بتسرع، وإمساكِ أهل العلم والعدل بزمام المبادرة فيها، وهم الذين يستطيعون أن يقدموا للأمة ما يفيدها في هذه المسائل، بدلا من تركها منبرا مفتوحا لمتتبعي العورات، المسترخصين تكفيرَ أهل التوحيد وتضليلَهم وتبديعَهم. ورحم الله إمام الحرمين الجويني إذ يقول: " فإن قيل: فَصِّلُوا ما يقتضي التكفير وما يوجب التبديع والتضليل. قلنا: هذا طمع في غير مطمع، فإن هذا بعيد المدرَك ومتوعر المسلك"[1].

    *****

    لقد وجدت قسما كبيرا مما أنكر على الترابي أمورا اعتقادية أو فقهية منسوبة إليه تحاملا أو سوء فهم، وهي: القول بالفناء الحلولي في ذات الله، وإيمان أهل الكتاب، وإباحة الردة والخمر، وإسقاط الخمار. فلنستعرض هذه الأمور بإيجاز:

    الفناء في ذات الله

    قال بمقولة الفناء الحلولي في ذات الله بعض ملاحدة المتصوفة والفلاسفة في الماضي والحاضر. ولم أجد في موضع من مؤلفات الترابي –على مراسي بها وطول اصطحابي لها- استعمال مصطلح "الفناء في الله" ولا "الفناء في ذات الله"، وإنما وجدته يستعمل مصطلح "الفناء في سبيل الله"[2] وأحيانا يستعمل مصطلح "الفناء في أمر الله" فيقول مثلا إن التوحيد "يحرر المؤمن من كل ما يستعبده في النفس والمجتمع ويخلصه لربه، فيلتزم من تلقاء نفسه بأمر الله ويتحد به ويفنى فيه، ولا يستشعر مجانبة ولا حرجا"[3]. وهو قطعا لا يقصد باستعمال هاذين المصطلحين أكثر من استهلاك النفس والمال في نصرة الإسلام، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: "ورجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء"[4]. كما وجدت الترابي يتحدث عن "مرحلة الفناء" ضمن حديثه عن التطور التنظيمي للحركة الإسلامية، ويقصد به فناء الحركة في المجتمع وذوبانها فيه بعد نضجها وصلابة عودها، مقابل مرحلة التمايز والانحياز عن المجتمع التي تصاحب فترة التأسيس.

    وإحسانا للظن بخصوم الترابي أرى أن اللبس قد دخل عليهم من شَبَه الاصطلاح هذا، وهم لا يدركون –على ما يبدو- أن استعمال مصطلحات الحلولية الملحدة ليس مرادفا للإيمان بمضمونها، وأن لا مشاحة في الاصطلاح ابتداء، فهذه ألفاظ عربية كانت موجودة قبل أن تظهر عقيدة الفناء الحلولي في الثقافة الإسلامية. ولغة الصوفية واصطلاحاتها سائدة في السودان وغيره من البلدان التي دخلها الإسلام على أيدي المتصوفة، فالدكتور حسن مكي مثلا يتحدث عن "فناء" الجيوش المعاصرة في الدولة[5].

    فاستعمال اصطلاحات "القوم" من طرف الترابي أو غيره لا يعني بالضرورة إيمانا بمدلولها عند غلاتهم. وحتى الصوفية الذين يستعملون مصطلح "الفناء في الله" لا يقصد أغلبهم به الحلول، وإنما استعار أغلبهم هذا التعبير المنحرف من فلسفة الأوائل ودرجوا على استعماله من غير علم بمدلوله الأصلي، ولو سألت أغلبهم اليوم عن معناه لما استطاعوا جوابا.

    وقلَّ أن يطلع الباحث على تشخيص أدق لانحرافات بعض المتصوفة أو تعبير أعمق عنها مثل تشخيص الترابي وتعبيره وهو يصف ما في "واقع الصوفية من بدعيات وجهالة في الاعتقاد والعمل، ومن كثافة طقوس تكاد تستنزف طاقات التدين في المراسم والأشكال، ومن رخاوة شرعية تقعد بصاحبها ساكنا عاجزا، ومن فرْط ولاء واتباع يكاد يحجب عن الله..."[6].

    إيمان أهل الكتاب

    ومن أكثر الأمور إثارة قول خصوم الترابي إنه يقول بإيمان أهل الكتاب، مما يوحي بأنه يسوي بين المسلمين وأهل الكتاب في الاعتقاد، وهذا مثال آخر على التحامل وسوء الفهم. فلم يقصد الترابي يوما أن دين أهل الكتاب في حالته الراهنة صحيح مقبول عند الله تعالى، ولا أنهم غير مطالبين باعتناق الإسلام، ولا هو يسوي بين توحيدنا وتثليثهم، كيف وهو الذي كتب أحد أعمق الكتب وأجملها عن "الإيمان: أثره في حياة الإنسان"، وبين فيه بمنهجه التركيبي البديع أنواع الانحرافات التاريخية التي دخلت على منهاج التوحيد. وهو يُرجع أغلب أمراض التدين لدى المسلمين إلى اتباعهم سنن أهل الكتاب في فهم النصوص وفي تنزيلها على الوقائع.

    لقد وصف القرآن الكريم أهل الكتاب بالكفر في آيات عديدة يعسر حصرها. كما وصفهم بالشرك في بضع آيات، منها قوله تعالى: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون"[7] وقوله تعالى: "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار"[8].

    وكلام الترابي صريح بكفر أهل الكتاب وبشركهم. والذين يظنون أن الترابي المتضلع بمعاني القرآن الكريم يجهل ذلك أو لا يقول به مخطئون من دون ريب. ففي كتابه: "السياسة والحكم" وهو آخر ما كتبه من كتب (صدرت طبعته الأولى عن دار الساقي عام 2003) يصم الترابي أهل الكتاب بوصمة الشرك ثلاث مرات في صفحة واحدة، مستشهدا بنصوص القرآن الكريم، فيقول: "فقد كان الكتابيون بعد الدين الحق قد ارتدوا إلى إشراك... وكانوا يحملون على دين التوحيد المتجدد وهم مشركون... وفي شمال الجزيرة العربية تحالف الإشراك كافة كتابيا وعربيا، وأخذ يعدو على المسلمين"[9]. كما وصم الترابي أهل الكتاب بوصمة الكفر أكثر من مرة في نفس الكتاب فتحدث عن "الكفر الكتابي"[10] ضمن وصفه لحال يهود المدينة أيام النبوة.

    أما تمييز الترابي لأهل الكتاب عن المشركين أحيانا فهو تمييز اصطلاحي، وله أصل في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى "لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين..."[11]. قال ابن تيمية: "إن الشرك المطلق في القرآن لا يدخل فيه أهل الكتاب وإنما يدخلون في الشرك المقيد قال الله تعالى: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين) فجعل المشركين قسما غير أهل الكتاب"[12]. وقال: "فلأجل ما ابتدعوه من الشرك الذي لم يأمر الله به وجب تمييزهم عن المشركين، لأن أصل دينهم اتباع الكتب المنزلة التي جاءت بالتوحيد لا بالشرك"[13].

    وكذلك تمييز الترابي بين أهل الكتاب والكفار تمييز اصطلاحي، وله أيضا أصل في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا"[14]. وإذا كان كثيرون لا يرون التباسا في التمييز الاصطلاحي بين أهل الكتاب والمشركين، لكثرة ما تردد في القرآن الكريم، فإن بعضهم يستشكل التمييز الاصطلاحي بين أهل الكتاب والكفار. لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ممن انتبهوا إلى وجود هذا التمييز في الكتاب العزيز، فقال: "مع أن الكفار قد يُميَّزون من أهل الكتاب أيضا في بعض المواضع كقوله: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا) فإن أصل دينهم هو الإيمان، ولكن هم كفروا مبتدعين الكفر"[15].

    ومما يثير الإشكال لدى خصوم الترابي استعماله مصطلحات غربية لم يعتدها جل الدارسين بالجامعات الإسلامية، مثل مصطلح Monotheistic Religions الذي يترجم عادة بعبارة "الديانات التوحيدية"، ومصطلح Abrahamic faiths ويترجم عادة بعبارة "الديانات الإبراهيمية" ويراد بهاذين المصطلحين في الجامعات الغربية اليهودية والمسيحية والإسلام. وهي ترجمة غير دقيقة، لأن اليهودية والمسيحية لم تعودا ديانتين توحيديتين ولا ملتين إبراهيمتين، ولكن الترابي ومالك بن نبي وغيرهما من كتاب الإسلام المتضلعين بالثقافة الغربية يستعملونها اصطلاحا، وإن لم يعنوا معناها المتبادر في أصل الوضع اللغوي العربي، أو في الاصطلاح الشرعي الإسلامي. وقد رأينا كيف ميزت آيات من القرآن الكريم بين أهل الكتاب والمشركين وبين أهل الكتاب والكفار تمييزا اصطلاحيا، دون أن ينفي ذلك صفة الشرك والكفر عن أهل الكتاب.

    ويتحدث الترابي أحيانا عن التراث المشترك بين المسلمين والمسيحيين. وقد أثار هذا النوع من أحاديث الترابي حفيظة البعض، رغم أنه كلام لا غبار عليه، ففي الإسلام والمسيحية –رغم الخلاف في مسائل أساسية من العقيدة- مشتركات كثيرة، اعتقادية وأخلاقية وعملية. ويكفي تصفح العهد القديم (التوراة) والعهد الجديد (الإنجيل) الموجودان الآن –على تحريفهما- لترى أوجه الشبه الكثيرة مع النص القرآني. فقصة آدم ونوح ويوسف وعدد آخر من الأنبياء عليهم السلام تتشابه كثيرا في القرآن الكريم وفي العهد القديم وأحيانا بنسبة لا تقل عن السبعين بالمائة. وهنالك مشتركات كثيرة في مجال الإيمان بالمعاد والجزاء. كما أن الدعوة إلى فضائل الأخلاق من الصدق والأمانة والإنصاف وحسن الجوار...الخ متشابهة في القرآن الكريم وفي "العهد الجديد".

    لكن الترابي لم يقصد في يوم من الأيام مساواة بين الإسلام وديانات أهل الكتاب الحاليين في التوحيدية أو في الإبراهيمية، بل تواتر كلامه نافيا لذلك. فهو يقول مثلا نافيا عن النصارى صفة التوحيدية: "انقطع النصارى عن الرب الواحد بالواسطات الكنسية، وعن أصل دينهم بالمقولات العقدية لمؤتمرات القديسين"[16]. ويؤكد أن اليهود والنصارى "أشد كفرا بالرسالة المحمدية، غيرة من أصالتها الإبراهيمية"[17]. فهل يقول منصف بعد هذا أن الترابي يسوي بين الوحي الإسلامي الأصيل والمحرَّف الكتابي الدخيل؟!

    لقد جاء القرآن الكريم مصدقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل، وهو ما يقتضي بقاء شيء من الحق يصدقه القرآن، ولكنه جاء أيضا مهيمنا عليهما، وهو ما يستلزم رد ما يخالف القرآن في نصوصهما المحرفة الحالية. وثنائية التصديق والهيمنة هذه تختصر العلاقة الدينية بين المسلمين وأهل الكتاب. وقد تحدث ابن القيم عن المشتركات مع أهل الكتاب، فقال: "قالوا [أي العلماء الذين يخصون أهل الكتاب بدفع الجزية دون غيرهم من الكفار]: ولا يصح إلحاق عبدة الأوثان بأهل الكتاب، لأن كفر المشركين أغلظ من كفر أهل الكتاب. فإن أهل الكتاب معهم من التوحيد وبعض آثار الأنبياء ما ليس مع عباد الأصنام ويؤمنون بالمعاد والجزاء والنبوات، بخلاف عبدة الأصنام. فعبدة الأصنام حرب لجميع الرسل وأممهم من عهد نوح إلى خاتم الأنبياء والمرسلين. ولهذا أثر هذا التفاوت الذي بين الفريقين في حِلِّ الذبائح وجواز المناكحة من أهل الكتاب دون عباد الأصنام"[18].

    وماذا سيكون يا ترى رد فعل المنكرين على الترابي هنا إذا قرأوا هذا الكلام لابن القيم، وهو يعزو فيه إلى "طائفة من أئمة الحديث والفقه والكلام" منهم الإمام البخاري وشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام الرازي قولهم بأن التوراة الموجودة في أيدي اليهود اليوم غير محرفة أصلا، وأن التحريف وقع في تأويل النص، لا في النص ذاته. قال ابن القيم: "فصل: وقد اختلفت أقوال الناس في التوراة التي بأيديهم هل هي مبدلة، أم التبديل والتحريف وقع في التأويل دون التنزيل على ثلاثة أقوال: طرفين ووسط. فأفرطت طائفة وزعمت أنها كلها أو أكثرها مبدلة مغيرة، ليست التوراة التي أنزلها الله تعالى على موسى عليه السلام، وتعرض هؤلاء لتناقضها وتكذيب بعضها لبعض، وغلا بعضهم فجوز الاستجمار بها من البول. وقابلهم طائفة أخرى من أئمة الحديث والفقه والكلام فقالوا: بل التبديل وقع في التأويل لا في التنزيل، وهذا مذهب أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري قال في صحيحه: (يحرفون: يزيلون، وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله تعالى، ولكنهم يحرفونه، يتأولونه على غير تأويله). وهذا اختيار الرازي في تفسيره. وسمعت شيخنا [ابن تيمية] يقول: وقع النزاع في هذه المسألة بين بعض الفضلاء فاختار هذا المذهب ووهَّن غيره، فأُنكِر عليه، فأحضر لهم خمسة عشر نقلا به... وتوسطت طائفة ثالثة، وقالوا: قد زيد فيها وغُيِّر ألفاظٌ يسيرة، ولكن أكثرها باق على ما أنزل عليه، والتبديل في يسير منها جدا. وممن اختار هذا القول شيخنا [ابن تيمية] في كتابه (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح)... ونحن نذكر السبب الموجب لتغيير ما غير منها، والحق أحق ما اتبع. فلا نغلو غلو المستهينين بها المتمسخرين بها، بل معاذ الله من ذلك، ولا نقول إنها باقية كما أنزلت من كل وجه كالقرآن"[19].

    والتوراة الموجودة في أيدي اليهود منذ مجيء الإسلام إلى اليوم هي الأسفار الخمسة الأولى مما يعرف اليوم بالعهد القديم (أسفار: التكوين والخروج واللاويين والعدد والتثنية) وليس من ريب أن العلماء القائلين إنها لم تنلها يد التغيير والتبديل قد أخطأوا خطأ جسيما، إذ يكفي تصفح سريع لتلك الأسفار للتوصل إلى استنتاج قاطع بتحريفها. ولو كان الترابي اليوم يقول إن التوراة الحالية لا تزال طرية كما أنزلت من عند الله لاستبيح دمه. رغم أن هذا الخطأ الفادح وقع فيه في الماضي علماء أعلام من حجم الإمام البخاري والإمام الرازي. ورغم ذلك فلا تزال الأمة تجلُّهم، وحق لها ذلك، فهم أهل للإجلال والإكبار.

    والخلاصة أن ما قيل من قول الترابي بإيمان أهل الكتاب مجرد سوء فهم لتمييزات اصطلاحية يستخدمها أحيانا لدواع لغوية أو لمناورات سياسية. وأن تكفيره والتشهير به بسبب ذلك ينافي العلم والعدل الواجبان في مواطن الخلاف.

    إباحة الردة والخمر

    ومما نسبه إلى الترابي خصومه تحاملا أو سوء فهم قولهم إنه يبيح الردة، وهو لم يبحها قط وما يستطيع مسلم أن يبيحها، وإنما يقول الترابي – شأن العديد من العلماء المعاصرين وبعض المتقدمين- إنه لا عقوبة دنيوية قانونية على الردة ما لم تتحول إلى خروج سياسي وعسكري على الجماعة. فالردة تبقى أعظم الذنوب في الإسلام، لأنها هدم لأساس الدين، ولا ينكر الترابي ولا غيره من المسلمين ذلك، لما ورد فيه من آيات محكمات، مثل قوله تعالى: "ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون"[20].

    وغاية ما يقول به الترابي إن عقوبة الردة –إذا لم يصحبها خروج على الجماعة- محصورة في العقوبة الأخروية، وفي ذلك يقول: "وللمجتمع بمشيئته أن يؤمن أو يكفر بالرسالة الحاملة للشريعة، متروكا لأجَل القيامة وحسابها في مواقفه"[21] "ويخلِّي الشرع للإنسان أن يصرف رأيه تثبتا أو تعديلا أو تبديلا، ولو في أصل مذهبه مؤمنا، قد يؤاخَذ على ذلك غيبا في الآخرة، ولكن لا يؤذيه أحد في الدنيا بأمر السلطان"[22]. فالذي يدعي أن الترابي بهذا يبيح الردة، كالذي يدعي أن القرآن يبيح الردة بقوله تعالى: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"[23] وما أفدحه من خطإ وأعرجَه من فهم!!

    إن هنالك فرقا شاسعا بين الذنب الواقع بين العبد وربه، وبين الجريمة بالمعنى الجنائي الذي يعاقب عليه الشرع عقوبة قانونية دنيوية، فعدد الكبائر في الإسلام حسب ما يروى عن ابن عباس يناهز السبعين، والشرع لم يجعل لأكثرها عقوبة قانونية دنيوية، ولم يقصد الترابي في حديثه عن الردة أكثر من ذلك.. لكن الذين لا يميزون بين القانون الخلُقي (حق الله) والقانون الحقوقي (حق العباد) في الإسلام يخلطون في هذا الأمر خلطا عظيما. وسنتحدث عن قول الترابي في عقوبة المرتد لا حقا في هذه الملاحظات، لأن ما يهمنا في هذه الفقرة هو بيان التحامل والتأويل السيء الذي لابس الجدل بين الترابي وخصومه.

    وفي إطار التحامل وسوء الفهم يأتي اتهامهم للترابي بإباحة الخمر، وهو لم يبح الخمر قط، بل جاهد عقودا من الزمن لمحو الخمر من المجتمع السوداني المسلم الذي ابتلي بهذا الداء العضال منتصف القرن العشرين، حتى تحدث الدكتور عبد الوهاب الأفندي عن أن "ثقافة الجيش [السوداني]... كانت محكومة بقواعدها الخاصة التي تعتبر تعاطي الخمر وممارسة الزنا عنوانا للرجولة"[24].

    ومرد سوء الفهم هنا هو الخلط بين القانون الخلُقي والقانون الحقوقي في الإسلام مرة أخرى. وهو لبس حاول الترابي في كثير من كتاباته إزالته، وبين أن تعاليم الإسلام أوسع كثيرا من أحكام الشريعة بالمعنى القانوني، فهي تشمل سلطة الضمير، وسلطة المجتمع، وسلطة القانون، أو بحسب تعبيره: "الوجداني الخاص للفرد، والاجتماعي الأخلاقي للمجتمع، والقطعي السلطاني للشريعة"[25]. وهو يؤكد ضمن هذه الرؤية أن القانون لا يطال شارب الخمر إلا إذا بلغت فعلته السلطان، فأصبحت بذلك أمرا عاما. وهذا قول صحيح، ولا يقصد به االترابي أكثر من كون استتار المذنب يجنبه العقوبة القانونية، وهو لم يقل إن ما فعله ذلك المذنب مباحا عند الله عز وجل. فعدم وجود عقوبة دنيوية على الذنب أو عدم إيقاعها لا يجعل الفعل مباحا، وكم من معصية شرعية نصبت لها الشريعة عقوبة أخروية، لكنها لم تعتبرها جريمة جنائية ولم ترسم لها عقوبة قانونية دنيوية. ومن المعلوم أن الشرع يأمر بالستر، ولا يبيح للحاكم التجسس على الناس وتتبع عوراتهم وذنوبهم، وإنما يأمره أن يأخذهم بما يجاهرون به. وقد ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: "اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألم فليستتر بستر الله عز وجل، فإنه من يبد لنا صفحته نُقمْ عليه كتاب الله"[26] وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: " إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم"[27].

    إسقاط الخمار عن المرأة

    ومن هذا الصنف القول بأن الترابي لا يرى وجوب الحجاب (بمعنى غطاء الرأس)، في حين أن الرجل لم يقل سوى أن القرآن الكريم لا يستعمل لفظ الحجاب بمعنى الخمار، وهو يقصد أن الواجب على عامة المؤمنات هو الخمار أي غطاء الرأس، وليس الحجاب بالمصطلح القرآني الذي يراد به الساتر المادي بين الرجال والنساء، وقد استُعمل في القرآن الكريم ضمن الحديث عن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن. فكان كلام الترابي في هذه المسألة تحليلا لغويا لا فتيا شرعية، وهو كلام صحيح ودقيق. لكن المتحفزين لتتبع عورات الرجل حملوا كلامه على أنه إسقاط لوجوب الخمار، وكلام الرجل صريح بأنه لا يقصد ذلك ولا يؤمن به. فكتاب الترابي عن "المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع" طافح بالدعوة إلى العفاف والستر بما في ذلك الخمار، وفيه يقول الترابي: "وهديُ النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يبدو من المرأة إلا الوجه والكفان"[28]. وقد بين الترابي المحامل السيئة التي حمل عليها خصومه كلامه عن الحجاب والخمار، فقد سألته صحيفة الشرق الأوسط يوم 21/4/2006: "أثار حديثكم عن الحجاب جدلا واسعا، باعتبار أنه تغطية الصدر من دون الرأس.. فما حقيقة هذا الأمر؟" فرد الترابي: "هذه أكاذيب بعض الصحافيين الذين لم يحضروا الندوة التي تحدثت فيها عن بعض قضايا المرأة المسلمة. فهناك كلمات كُتبتْ لم أقلها، فبعض الصحافيين يستهويهم اسم الترابي فينسبون إلي ما لم أقله. فأنا في تلك الندوة ما كنت أتحدث عن أحكام أصلا، بل كنت أتحدث عن أن لغة القرآن نفسها اختلفت جدا في مصطلحات الناس. فالقرآن تحدث عن الحجاب أنه في حجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن نساء الرسول عليهن أحكام خاصة عن غير النساء وعلى الرسول نفسه أحكام خاصة من دون الرجال المؤمنين... فالحجاب هو ستار عام ليس هو زي في لبس المرأة. فهو حجاب عام قد يتخذ استعارة في اللغة كأن تصف أن بين الناس وبين القرآن حجابا... قلت في المحاضرة إذا تحدثنا عن زي المرأة لا تتحدثوا عن حجاب والمعركة حول الحجاب والمحتجبة، لكن تحدثوا عن الخمار، تحدثت هكذا بيانا للغة لا الأحكام... ولكن يطير بعض الناس بالأخبار (الترابي أنكر الحجاب) (الترابي يقول إن الحجاب للصدور فقط) كأني أريد أن يكون كل ما تحت الصدر أي من البطن كله يكون كاشفا!! ولكن هذا غباء عظيم وتزوير في الروايات عن الناس. ليت الصحافيين فقط يأخذون سماعة الهاتف ويسألونني ليتثبتوا من مثل هذه الأخبار... أنا لا أسميه أصلا حجابا، أسميه خمارا، لأن القرآن سماه لنا خمارا وسمى لنا الستار في الغرفة حجابا"[29]. ولولا ولع الترابي بالتدقيق اللغوي والاصطلاحي لما اهتم أحد بهذا الأمر أصلا. وعموما فهو لم يفعل هنا سوى أنه آثر استعمال الاصطلاح القرآني على الاصطلاح الفقهي السائد.

    *****

    القسم الثاني من المآخذ على الترابي قضايا فقهية فروعية يصلح الاختلاف فيها، وفيها خلاف قديم طمره تراكم الجهل وطول العهد وانبتات الأمة عن تراثها الزاخر، مثل قتل المرتد، وإمامة المرأة الرجال، وبقاء المسلمة في عصمة زوجها المسيحي، وتنصيف شهادة المرأة بشهادة الرجل في الأموال. وآراء الترابي فيها –في تقديري- منها ما هو مقبول ومستنده قوي رغم إغرابه وقلة القائلين به اليوم، مثل رفضه لقتل المرتد المسالم، وتسويته بين الرجل والمرأة في الشهادة، ومنها ما هو ضعيف المستند، لكنه يبقى من موارد الاجتهاد، وقد قال به علماء أعلام من قبل، فلم يجعلهم ذلك كفارا، ولا حتى أخرجهم شذوذهم عن دائرة "السنة والجماعة"، وهي دائرة أضيق كثيرا من دائرة الإسلام الواسعة. فتحويل هذا الأمر اليوم إلى قضية كفر وإيمان غلو وتهويل، وهو يدل على الروح السياسية والطائفية التي سادت هذا الجدل أكثر من الروح العلمية النزيهة.

    إمامة المرأة الرجال

    وخذ مثلا قضية إمامة المرأة الرجال. فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية ينسب إلى الإمام أحمد بن حنبل جوازها في بعض الظروف فيقول: "جوَّز أحمد في المشهور عنه أن المرأة تؤم الرجال لحاجة، مثل أن تكون قارئة وهم غير قارئين، فتصلي بهم التراويح، كما أذن النبي صلى الله عليه وسلم لأم ورقة أن تؤم أهل دارها، وجعل لها مؤذنا. وتتأخر خلفهم وإن كانوا مأمومين بها للحاجة. وهو حجة لمن يجوز تقدم المأموم لحاجة"[30] ويقول ابن تيمية: "قلت: ائتمام الرجال الأميين بالمرأة القارئة في قيام رمضان يجوز في المشهور عن أحمد. وفي سائر التطوعات روايتان"[31]. وهذا الإمام النووي يقول: "قال أبو ثور والمزني وابن جرير تصح صلاة الرجال وراءها حكاه عنهم القاضي أبو الطيب والعبدري"[32]. وهذا ابن رشد يقول: "اختلفوا في إمامة المرأة، فالجمهور على أنه لا يجوز أن تؤم الرجال، واختلفوا في إمامتها النساء، فأجاز ذلك الشافعي، ومنع ذلك مالك. وشذ أبو ثور والطبري فأجازا إمامتها على الإطلاق"[33]. فحديث قول الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة في السودان عن "إجماع الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم على أن المرأة لا تؤم الرجال" تعميم لا يصلح، وتجاهل لقول الإمام أحمد وغيره في هذا الباب.

    لقد تمنيت لو أن خصوم الترابي تحدثوا في هذا الأمر بلغة فقهية مثل لغة ابن رشد إذ يقول: "وشذ أبو ثور والطبري، فأجازا إمامتها على الإطلاق". فلم لا نقول: "شذ الترابي فقال بإمامتها على الإطلاق"، بديلا عن لغة التكفير والتشهير؟!؟ فليس من علماء الإسلام المعتبَرين إلا وله أقوال شاذة وغرائب، والشذوذ يسمى شذوذا ولا يسمى كفرا أو فسوقا. وكم من رأي فقهي كان شاذا في عصر ثم تلقاه الناس بالقبول في عصر آخر، فابن تيمية رحمه الله لقي عنَتا كثيرا من علماء عصره والعصور الخالفة من بعدهم، لقوله بعدم إيقاع الطلاق ثلاثا في لفظ واحد، لكن أغلب الفقهاء اليوم يقولون بقوله هذا.

    وبالطبع فإن مستند الترابي في قوله بإمامة المرأة، هو ذاته مستند أبي ثور والطبري والمزني ممن قالوا بإمامة المرأة الرجال في الفرائض، ومستند الإمام أحمد في قوله بإمامتها في التراويح، وهو حديث أم ورقة رضي الله عنها أنها "كانت قد جمعت القرآن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرها أن تؤم أهل دارها، وكان لها مؤذن، وكانت تؤم أهل دارها"[34] وفي رواية: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذنا يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها"[35] وفي رواية ثالثة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "انطلقوا بنا نزور الشهيدة. وأذِن لها أن يُؤذَّن لها، وأن تؤم أهل دارها في الفريضة، وكانت قد جمعت القرآن"[36].

    وقد تضمن حديث أم ورقة تعيين مؤذن لها مما يرجح صلاة رجل واحد على الأقل خلفها.. كما أن رواية ابن خزيمة تتحدث عن كونها " تؤم أهل دارها في الفريضة" وهو ما ينفي حصر إمامة المرأة الرجال في النوافل أو التراويح فقط.

    فالذي أراه في هذا الأمر -والله أعلم بالصواب- أن إمامة المرأة الرجال في صلاة الفريضة بالمساجد لا تجوز قطعا، إذ الأصل في الشعائر التوقف، ولم يرد نص بإمامة المرأة الرجال في الفريضة بالمسجد، فيجب القول بتحريمه رغم أنف القائلين بالإطلاق، مثل أبي ثور والطبري والترابي.. وكل ما سوى ذلك -مثل إمامتها أهل بيتها رجالا ونساء في الفريضة، وإمامتها غير أهل بيتها من الأميين وهي قارئة في النوافل والتراويح- فهو من موارد الاجتهاد التي لا ينبغي التحريج فيها، فضلا عن التكفير والتشهير..

    وقد بين الفقهاء القائلون بإمامة المرأة الرجال أنها إذا أمتهم فلا تكون أمامهم، بل خلفهم أو محاذية لهم، بل حتى لو أمت المرأة النساء فإنما تقف وسطهن لا أمامهن. وهذا الذي يدل عليه فعل أمهات المؤمنين رضي الله عنهن: ففي الحديث أن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أمَّتا نساء فقامتا وسطهن[37].

    وقد احتجت "الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة في السودان" على الترابي بضعف حديث أم ورقة، وهو احتجاج في غير محله. فقد حسن الألباني هذا الحديث كما رأينا، واعتبره ابن القيم مثالا على "السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في استحباب صلاة النساء جماعة لا منفردات"[38]. كما احتج مفتي المملكة العربية السعودية على الترابي بحديث "ألا لا تؤمَّنَّ امرأة رجلا"، وهو احتجاج غريب منه، لأن جمعا من جهابذة علم الحديث صرحوا بضعف هذا الحديث، منهم البيهقي[39] والنووي[40] والمزي[41] والذهبي[42] وابن الملقن[43] وابن القيم[44] وابن كثير[45] وابن حجر[46] والشوكاني[47] والألباني[48]... وآخرون غيرهم.

    قتل المرتد وقتاله

    مثال آخر من مسائل هذا القسم من المآخذ التي أُخذت على الترابي، هو رفضه قتل المرتد. ومن حق الترابي أن يجتهد في موضوع عقوبة القتل على الردة، وله في ذلك مستند من آيات القرآن الكريم، ومن الآثار عن الصحابة والتابعين. فقد أجمع الصحابة على قتل المرتد المحارب، كما هو واضح من حروب الردة التي قادها الصديق ضد المرتدين عن الإسلام الخارجين على سلطة الخلافة الراشدة. أما المرتد غير المحارب، فقد صح عن بعض الصحابة منهم أبو موسى الأشعري ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما ما يفيد قتل المرتد المسالم. ففي البخاري:"... زار معاذ أبا موسى، فإذا رجل مُوثَق، فقال: ما هذا؟ فقال أبو موسى: يهودي أسلم ثم ارتد، فقال معاذ: لأضربن عنقه"[49]. وفي المقابل صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما يفيد عدم قتل المرتد المسالم، وهو واضح من قول عمر عن رهط من بني بكر بن وائل ارتدوا والتحقوا بالمشركين وقتلهم المسلمون في المعركة: "لأن أكون أخذتهم سِلْما كان أحب إليَّ مما على وجه الأرض من صفراء أو بيضاء، قال:[أنس بن مالك] فقلت: وما كان سبيلهم لو أخذتَهم سلما؟ قال [عمر]: كنت أعرض عليهم الباب الذي خرجوا منه، فإن أبوا استودعتهم السجن"[50].. والسؤال هنا هو: هل من الوارد أن يتأسف عمر على قتل مرتدين لو كان يؤمن بأن قتل المرتد حد من حدود الله؟ وهل سيتحدث عن إيداعهم السجن لو كان يؤمن بأن حد الردة القتل وهو من هو في الشدة والصرامة في الحق؟!؟ وهل يدرك المسارعون إلى المناداة بإهدار دم المرتد مغزى قول عمر: "لأن أكون أخذتهم سلما كان أحب إليَّ مما على وجه الأرض من صفراء أو بيضاء"؟!؟

    فإذا أضفنا إلى ذلك أن اثنين من أعلام التابعين هما الثوري والنخعي أنكرا حد الردة وقالا بالاستتابة أبدا.. وأن بعض علماء الأحناف لا يرون قتل المرأة بالردة لأنها ليست محاربة.. ترجح لدينا ما يقول به الترابي وغيره من المعاصرين من التمييز بين الردة الفكرية، والردة السياسية-العسكرية، فالأولى لا عقوبة عليها في القانون الجنائي الإسلامي، والثانية لها عقوبة تعزيرية تترواح ما بين القتل والسجن وغير ذلك مما تقدره السلطة الشرعية العادلة. وعلة العقوبة هنا تفريق صف الجماعة والخروج على نظامها الشرعي، فهي عقوبة على الجريمة المصاحبة لتغيير الدين لا على تغيير الدين. أما تغيير الدين فعقوبته عقوبة أخروية عند الله تعالى، وهي أغلظ من أي عقوبة دنيوية يتخليها البشر. ومما يرجح التمييز بين الردة الفكرية والردة السياسية-العسكرية أن لفظ الردة في عهد النبوة كان يستخدم استخداما واسعا لا يقتصر على معناها الاعتقادي الذي شاع في كتب الفقه فيما بعد، ومن ذلك: "قال رجل أما سلمة فقد ارتد عن هجرته"[51].

    والتمييز بين قتال المرتد المحارب وقتل المرتد المسالم ليس بجديد، فقد عزاه ابن حزم إلى طائفة من أهل العلم، وشرحه بموضوعية فقال: "ومنهم من قال‏‏ بالاستتابة أبدا وإيداع السجن فقط،‏ كما قد صح عن عمر مما قد أوردنا قبل‏.‏ ووجوب القتال‏‏ هو حكم آخر غير وجوب القتل بعد القدرة‏,‏ فان قتال من بغى على المسلم‏,‏ أو منع حقا قِبَله‏‏ وحارب دونه،‏ فرض واجب بلا خلاف، ولا حجة في قتال أبي بكر رضي الله عنه أهل الردة‏,‏ لأنه حق بلا شك‏,‏ ولم نخالفكم في هذا‏,‏ ولا يصح أصلا عن أبي بكر أنه ظفر بمرتد عن الاسلام غير ممتنع باستتابة‏ فتاب‏ فتركه‏,‏ أو لم يتب فقتله، هذا ما لا يجدونه‏"[52].

    وغاية ما يقال في موضوع قتل المرتد المسالم أن فيه تعارضا لظواهر النصوص، وتباينا في فعل الصحابة رضي الله عنهم، فالذين يتمسكون به من العلماء مستمسكون بظواهر أحاديث صحيحة تأمر بقتل المرتد، مثل قوله صلى الله عليه عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه"[53] والذين يرفضون قتل المرتد مستمسكون بظواهر آيات محكمات تنهى عن الإكراه في الدين، ومنها قوله تعالى: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"[54] وقوله تعالى: "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"[55]. أما القول بأن الإكراه المنهي عنه في الآية محصور في الإكراه على دخول الدين ابتداء، وأن الإكراه على الرجوع إلى الدين تحت طائلة السيف غير داخل في عموم الآية.. فهذا تكلف بارد، خصوصا وأن الآية وردت بصيغة من أقوى صيغ العموم في اللغة العربية وهي النكرة في سياق النفي والنهي: "لا إكراه".

    وأما قول ابن حزم: "لم يختلف مسلمان في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبل من الوثنيين من العرب إلا الاسلام أو السيف الى أن مات عليه السلام فهو إكراه في الدين"[56] فهذا تعميم بعيد عن الدقة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الجزية من مجوس هجر، وهم عرب وثنيون يعبدون النار. كما وادع النبي صلى الله عليه وسلم قبائل عربية كثيرة، وتوفي صلى الله عليه وسلم وبعضها لمَّا يدخل الإسلام بعد[57].

    فإذا كان للمتمسك بأحديث آحاد ظنية الورود والدلالة في موضوع الردة عذرُه الشرعي وثوابه على اجتهاده، فالمتمسك بنصوص القرآن المحكمة أوْلى بالعذر وأحق بالأجر. وإذا كان لنا أن نستسيغ تأويل الآيات المحكمات لتتوافق مع أحاديث الآحاد، أفليس الأوْلى أن نستسيغ تأويل أحاديث الآحاد لتتواءم مع نصوص الآيات؟ لقد تمسك الترابي –ومثله في ذلك كثيرون- بمنطوق الآيات الناهية عن الإكراه في الدين، فقال: "من ارتد عن دينه فلا إكراه في الدين، ولا استتابة أو عقوبة بالسلطان، وإنما التكليف على المؤمنين أن يلاحقوا المرتد بالدعوة والمجادلة، حتى يتوب ويستقر أشد إيمانا، ويخلص صدقا لا مراءاة وخوفا من العقاب العاجل"[58]. وتأولوا الأحاديث الواردة في ذلك بأن المقصود بها فقط الردة الحربية.

    ويبقى للقاضي المسلم النزيه أن يوازن هذا الخلاف في عقوبة الردة، ويعتبره شبهة كافية لدرء العقوبة كما يراه الترابي ونؤيده فيه، أو يلغي الخلاف ويتمسك بالنظرة الفقهية السائدة دون تدقيق.

    تنصيف شهادة المرأة

    ومن مسائل هذا الباب تسوية الترابي بين شهادة الرجل وشهادة المرأة مطلق، خلافا لما يدل عليه ظاهر آية الدَّين في سورة البقرة من التمييز بين شهادتيْهما في المال: "واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء، أن تضل إحداهما فتُذكِّر إحداهما الأخرى"[59]. لكن وضع الآية ضمن سياق أعمَّ يظهر أن الأمر من موارد الاجتهاد. فالقول بأن تنصيف الشهادة حكم مُعلَّل بظروف الزمان والمكان في عصر النبوة، يوم كانت المرأة عديمة الخبرة في عالم التجارة والمال قولٌ وجيه.

    وقد نقل ابن القيم عن شيخه ابن تيمية كلاما يميل فيه إلى هذا التعليل، إذ قال: إن "استشهاد امرأتين مكان رجل واحد إنما هو لإذكار إحداهما للأخرى إذا ضلت، وهذا إنما يكون فيما فيه الضلال فى العادة، وهو النسيان وعدم الضبط.. فما كان من الشهادات لا يُخافُ فيه الضلال فى العادة لم تكن فيه على نصف الرجل"[60]. صحيح أن ابن تيمية لم يسوِّ شهادة المرأة بشهادة الرجل في الأموال فيما نعلم عنه، لكنه فتح الباب للاجتهاد في ذلك إن دعت لذلك مصلحة أو اقتضته ظروف الزمان المتبدلة، إذ يقضي كلامه هنا أن زوال الخوف من النسيان وعدم الضبط -كما هو الحال في شهادة امرأة خبيرة بالمحاسبة وإدارة الأعمال مثلا- يجعل شهادة المرأة تساوي شهادة الرجل أو تفوقها.

    وقد رفض الإمام محمد عبده ما ذهب إليه أكثر المفسرين الأقدمين من القول بالنقص في خِلقة المرأة ذهنيا وعاطفيا، وأن ذلك هو السبب في تنصيف شهادتها، فقال: "تكلم المفسرون فى هذا، وجعلوا سببه المزاج، فقالوا: إن مزاج المرأة يعتريه البرد فيتبعه النسيان، وهذا غير متحقق، والسبب الصحيح أن المرأة ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات"[61]. فالشيخ عبده ربط الحكم بالظروف الاجتماعية المتغيرة، ولم يجعل علته أبدية.

    والذي يتتبع أبواب الشهادة في الفقه الإسلامي باستقراءٍ متوسِّعٍ، يجد أن مدار الأمر كله على حفظ الحقوق، وآية ذلك عدالة الشهود وخبرتهم، دون اعتبار لذكورة أو أنوثة. لاحظْ مثلا قبول شهادة الصبيان فيما يقع بينهم من جراح في المذهب المالكي، رغم أن الأصل رفض شهادة الصبي. ولاحظ قبول شهادة القابلة في قضية استهلال الوليد الدالة على ولادته حيا، حتى قال الإمام أبو حنيفة فيما نقله عنه ابن القيم: "تجوز شهادة القابلة وحدها، وإن كانت يهودية أو نصرانية"[62].

    وقد سوَّى القرآن الكريم بين شهادة الرجل والمرأة في اللعان، فطالب أن يشهد كل منهما خمس شهادات تثبت صدقه وكذب خصمه، ولم يجعل على المرأة ضعف ما على الرجل من شهادات، ولا جعل شهادتها نصف شهادة الرجل. فتخصيص المال بتنصيف الشهادة في القرآن الكريم إذن مما قد يكون معللا. كما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة المرضعة الواحدة: "عن عقبة بن الحارث: أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز، فأتته امرأة فقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج، فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني، ولا أخبرتني، فركب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف وقد قيل. ففارقها عقبة، ونكحت زوجا غيره"[63]. وقد علق ابن القيم على هذا الحديث بالقول: "ففي هذا قبول شهادة المرأة الواحدة وإن كانت أمَة"[64].

    وقد تواتر قبول علماء الحديث رواية المرأة الواحدة للحديث النبوي، سواء بسواء مع الرجل. وما من ريب أن الشهادة على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (كذا) أهم وأعمق أثرا على الملة والأمة من الشهادة على أن فلانا استدان من فلان بضعة دراهم أو دنانير.

    فما ذهب إليه الترابي من أن تنصيف شهادة المرأة في آية الدَّين حكم معلَّل بعدم خبرة النساء حينها بالتجارة والتوثيق، وأنه يزول بزوال علته حينما يتعلم النساء ويتمرسن بالتجارة قول وجيه واجتهاد مُعتَبر، وليس هو مما يُنكَر. وكم من حكم معلل غير هذا في الكتاب والسنة زال بزوال علته، مثل أمر القرآن الكريم للمسلمين بإعداد الخيل لمواجهة عدوهم لما كانت الحرب على ظهور الخيل هي السائدة، وقد زال الحكم وأصبح إعداد الصناعات الحربية الحديثة هو المطلوب. ومنها أحكام كثيرة في باب الرق والحرب زالت بزوال موضوعها.

    فلا أحد من علماء الإسلام اليوم يقول بأن أسرى الحروب يمكن استرقاقهم وبيعهم، واستحلال نسائهم سبايا، وغير ذلك من تقاليد الحروب القديمة التي كانت سائدة قبل الإسلام وفي صدر الإسلام. وإنما يتفق الجميع على أن تلك الأمور محدودة بحدود زمانها. فليس في القول بزوال الحكم بزوال علته نقض للنص الشرعي ولا خروج عليه، لأن الذي تغير هو موضوع الحكم وواقع الحال، وليس الحكم الشرعي ذاته. ومثل هذا النوع من الاجتهاد هو اجتهاد في النص، وليس اجتهادا في محل النص.

    زواج المسلمة من الكتابي

    ولعل المسألة الوحيدة التي أغرب فيها الترابي جدا هي قوله بزواج المسلمة من الكتابي ابتداء. وهو هنا يتعلق بأدلة نفي أكثر من تعلقه بأدلة إثبات، ويرى أن آية سورة البقرة التي تحرم تزويج المشركين والزواج منهم: "ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ... ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا..."[65] لا تنطبق على أهل الكتاب، لأن القرآن الكريم لا يسمي أهل الكتاب "مشركين" في الغالب. كما يرى أن آية الممتحنة: "فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن"[66] من العام الذي أريد به الخصوص لأنها جاءت في سياق الحديث عن الكفار الوثنيين من أهل مكة، ولا يدخل أهل الكتاب في مدلولها.

    ولم أجد للترابي مستندا قويا في هذه المسألة تبرر مخالفته الفهم المتعارف عليه بين أهل العلم في هذا الباب. بل لا أشك في خطئه في استدلاليْه كليهما: فتعلقه بالتمييز في الاصطلاح القرآني بين المشركين وأهل الكتاب، وبين الكفار وأهل الكتاب لا يسعفه هنا، لأنه تمييز اصطلاحي فقط، والأصل اشتراكهم في صفة الشرك والكفر كما يقرُّ الترابي بذلك. وكذلك اشتراكهم فيما يترتب على ذلك من أحكام، إلا ما دل الدليل على اختلافهما فيه، مثل زواج الرجل المسلم من المرأة الكتابية. وقصر "الكفار" في آية الممتحنة على كفار قريش أو غيرهم من غير أهل الكتاب ادعاء يحتاج إلى برهان، وهو يقتضي أن تكون "ال" في لفظ "الكفار" هنا عهدية لا استغراقية، ولا دليل على ذلك من اللغة حسب ما أعلم.

    ولا أعلم خلافا بين أهل العلم في تعميم قوله تعالى :"لا هن لهم ولا هم يحلون لهن" على جميع الكفار من وثنيين وأهل كتاب. وهو تعميم جدير أن يؤخذ به، خصوصا وأن الآية كررت التحريم مبالغة وتأكيدا. قال البيضاوي: "والتكرير للمطابقة والمبالغة، أو الأُولى لحصول الفُرقة والثانية للمنع عن الاستئناف"[67]. ومثله قول الألوسي: "قوله تعالى: (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن)... تعليل للنهي عن رجْعهن إليهم. والجملة الأولى لبيان الفرقة الثابتة وتحقق زوال النكاح الأول، والثانية لبيان امتناع ما يُستأنَف ويُستقبَل من النكاح"[68]. ولم تعلل الآية التفريق باحتمال الاضطهاد والفتنة في الدين، رغم أنه احتمال شبه متحقق. وهذا ما يؤكد عموم الآية في كل الكفار، وثنيين وأهل كتاب، محاربين ومسالمين.

    فمجمل القول هنا أن ظواهر القرآن تقضي بتحريم زواج المسلمة من الكافر عموما، والتمسك بظواهر النصوص حتى تدل القرائن على صرفها عنها أمر لا زم شرعا، دفعا للتسيب ومنعا للقول في دين الله بالأمزجة والأذواق. والذي أراه وجوب التمسك بظواهر هذه الآيات المانعة من زواج المسلمة من الكتابي ابتداء، حتى ولو اعتبرنا بقاءها مع الكتابي الذي تزوجته قبل إسلامها من موارد الاجتهاد، لأنه ورد عن عمر وعلي رضي الله عنهما، وبه يقول الشيخ القرضاوي الآن، عملا بأنه "يغتفر انتهاء ما لا يغتفر ابتداء".

    ولست أشك في أن الترابي مخطئ خطأ جسيما في فهم آية الممتحنة، وهو خطأ تترتب عليه أمور جسام لها صلة بالأسرة المسلمة، وتربية النشء على الإسلام. لكن تبقى هذه الفروع فروعا، فمخالفة الفقيه الفقهاء السابقين في فرع من الفروع، تأولا منه للنصوص، لا يخرجه من ربقة الإسلام، بل لا يجعله مذنبا وهو يقول ما يدين الله تعالى به مما أدى إليه جهده واجتهاده، بل يبقى مجتهدا مأجورا في حال الخطإ والصواب كليهما. وأغلب ما نظن أنه مخالف للإجماع ليس فيه إجماع أصلا، وإنما نحن نجهل الأقوال المخالفة فيه. وقد قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: "سمعت أبي يقول: من ادعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا ما يدريه ولم ينته إليه، فليقل لا نعلم الناس اختلفوا"[69]. وهذا كلام أهل التحقيق والتدقيق، أما أهل التعميم والتهويل فلا يترددون في نقل الإجماع فيما لم يعلموا فيه مخالفا، فيضيقون واسعا من دين الله.

    أما محاولة الترابي تبرير زواج المسلمة من الكتابيّ بالمصلحة في قوله: "علينا أن نترك للأقليات المسلمة التي تعيش مع الكتابيين، والذين تهمهم هذه القضية أن يقدِّروا الأمر حق قدره، وأن يزوجوا بناتهم للكتابيين، لعل هؤلاء البنات يأتين بالكتابيين من خلال العلاقة الزوجية إلى الإسلام"[70] فالوقائع لا تعضّده كذلك. ولأني أقمت ولا أزال أقيم في الولايات المتحدة منذ أعوام مديدة، فقد عرفت عن كثب ما يعرفه كل المسلمين في هذه البلاد من أن المصلحة تكمن في منع زواج المسلمة من الكتابي. فقد رأينا رجالا كتابيين كثرا دخلوا الإسلام بإقناع من نساء مسلمات عزيزات الأنفس، رفضن الزواج منهن من دون ذلك. وقد أسلم في مركزنا الإسلامي بولاية تكساس الأميركية صحفي أميركي شاب منذ شهور، بعد أن أقنعته بذلك فتاة تركية مسلمة أراد الزواج منها. أما المسلمات اللاتي تزوجن كتابيين من غير أن يسلموا –وهي حالات نادرة جدا- فقد ضيعن دينهن وأطفالهن، وذُبْن في الثقافة السائدة ذوبان الجليد في النار.

    رد الأحاديث الصحيحة

    ومما أثار حفيظة البعض على الترابي رده بضعة أحاديث في البخاري ومسلم، وأكثر هؤلاء ممن اعتادوا الأجوبة السهلة على الأسئلة الصعبة، فأغلب أحكام الشريعة عندهم معلومة من الدين بالضرورة، وجلُّ النصوص محكمة، وجميع أحاديث الصحيحين ثابتة، ولم يترك المتقدمون للمتأخرين من قول. ولقد سمعت أحد هؤلاء يرد على الترابي قائلا: "إذا قال مسلم إن الماء حرام فهو كافر، لأن ذلك من المعلوم من الدين بالضرورة"، فتعجبت من البون الشاسع بين هذا القول وبين قول الله تعالى: "ولكن من شرح بالكفر صدرا"[71]. كما سمعت آخر يقول: "إن من رد حديثا واحدا صحيحا فهو كافر" وهو لا يدري –على ما يبدو- أن العلامة ابن دقيق العيد جمع مجلدا من الأحاديث الصحيحة، التي لم يعمل بها هذا الإمام أو ذاك من أئمة المذاهب الأربعة.

    فليس رد حديث آحاد صحيح لاعتقاد مخالفته القرآن، أو مخالفته ما هو أصح منه من الأحاديث، بكفر ولا ذنب، بل هو عمل اجتهادي يلجأ إليه كل المجتهدين في معرض تعارض الأدلة وتواردها على نفس المحل. كما أن هناك فرقا شاسعا بين راد الحديث النبوي إنكارا للرسالة وتكذيبا بحاملها، وبين راد الأحاديث اعتقادا بانتحالها وضعف نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

    وليس من ريب أن صحيحي البخاري ومسلم هما أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل، وأن مجمل أحاديثهما صحيحة النسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال صحة كل حديث أخرجاه، فقد رد عدد من الحفاظ أحاديث في صحيحيْ البخاري ومسلم، منهم أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، وأبو داود، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والترمذي، والعقيلي، والنسائي، وأبو نعيم، والدارقطني، وابن منده، والبيهقي، وابن الجوزي، وابن حزم، وابن عبد البر، وابن تيمية، وابن القيم، والألباني..الخ. وقد ضعَّف البخاري نفسه أواحدا أو اثنين من الأحاديث الواردة في صحيح مسلم.

    وفي البخاري ومسلم حوالي أربعين حديثا ردها هذا العالم أو ذاك من هؤلاء الجهابذة. وأكتفي هنا ببضعة أمثلة منها:

    حديث أبي الزبير في صحيح البخاري "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار البيت ليلا"ً. قال الذهبي: "هو عندي منقطع"[72]. وقال ابن القيم: "وهذا الحديث غَلَط بيِّنٌ، خلاف المعلوم من فعله صلى الله عليه وسلم الذي لا يشك فيه أهل العلم"[73].

    حديث أبي سفيان في صحيح مسلم الذي طلب فيه من النبي صلى الله عليه الزواج من ابنته أم حبيبة رضي الله عنها. قال ابن القيم بعد مناقشة ضافية: "فالصواب أن الحديث غير محفوظ، بل وقع فيه تخليط والله أعلم". ونقل عن ابن حزم قوله: "هذا حديث موضوع لا شك في وضعه"[74]. وقال ابن تيمية: " "غلَّطه [أيْ مسلماً] في ذلك طائفة من الحفاظ"[75].

    حديث مسلم حول صلاة الكسوف ثمان ركعات. قال الألباني: "ضعيف، وإن أخرجه مسلم"[76] وقال ابن تيمية: "ضعّفه حُذّاق أهل العلم"[77].

    حديث مسلم: "لا تذبحوا إلا مسنة". قال الألباني: "كان الأحرى به أن يحشر في زمرة الأحاديث الضعيفة"[78].

    وقد أفرد بعض علماء الحديث كتبا لنقد أحاديثَ في البخاري ومسلم وبيان عللها في السند أو في المتن، أشهرها كتابا الدارقطني: "الإلزامات" و"التتبع". ومنها كتاب: "غرر الفوائد المجموعة في بيان ما وقع في صحيح مسلم من الأسانيد المقطوعة" للعطار، وكتاب :"علل الأحاديث في كتاب الصحيح لمسلم" لأبي الفضل بن عمار. وضعَّف العلامة ناصر الدين الألباني -وهو شيخ علوم الحديث والأثر في عصرنا- عشرات الأحاديث الواردة في أحد الصحيحين. ولا غرابة أن كان أكثر المطعون فيه من صحيح مسلم لا صحيح البخاري. قال ابن تيمية: "جمهور ما أُنكر على البخاري مما صحّحه، يكون قوله فيه راجحاً على قول من نازعه، بخلاف مسلم بن الحجّاج، فإنه نوزع في عدة أحاديث مما خرجها، وكان الصواب فيها مع من نازعه"[79]. وعموما فإن التعميم والتهويل حول صحة كل حديث في الصحيحين ونقل الإجماع على ذلك إنما شاع حينما انحطت علوم الحديث، وساد فيها التقليد.

    لقد رد الترابي بضعة أحاديث مما أخرجه البخاري ومسلم، استنادا إلى فهمه من تعارضها مع نصوص القرآن، لا تشكيكا في السنة ولا طعنا في حجيتها. ولأهل العلم أن يناقشوه في ذلك، وأن يطالبوه بالدليل فيما ادعاه من انتحال تلك الأحاديث، لكن الأمر كله يجب أن يظل نقاشا علميا من غير تكفير أو تشهير من جهتهم، ومن غير تبجح أو استهتار من جهته.

    رجوع المسيح وظهور الدجال

    القسم الثالث قضايا اعتقادية خالف فيها الترابي الفهم المتعارف عليه، وأهمها إنكاره رجوع المسيح عليه السلام وظهور الدجال، وكلامه في عصمة الأنبياء. أما مسألة رجوع المسيح فإنكار الترابي لها تعلق منه بظواهر آيات قرآنية مثل قوله تعالى على لسان المسيح عليه السلام: "ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد"[80] فهو يرى أن البعدية المذكورة في هذه الآية تنفي ما ذهب إليه الجمهور من أن عيسى بن مريم لا يزال حيا، وسيرجع في آخر الزمان. كما أن قوله تعالى على لسان عيسى: "وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا"[81] يثير إشكالا حول دفعه للزكاة إذا كان حيا يرزق في السماء اليوم!!

    واعتمادا على ظواهر الآيات رد الترابي أحاديث البخاري ومسلم حول عودة المسيح وظهور الدجال، وألح على أن هذه الأحاديث أثر من آثار الثقافة المسيحية على التراث الإسلامي، تسربت إلى كتب الحديث دون وعي من أهلها، فقال في مقابلته مع الشرق الأوسط يوم 21/4/2006: "الأحاديث تقول يوشك أن ينزل عليكم عيسى ويفعل كذا، فأنا أصرف هذه الروايات إلى أثر الثقافة النصرانية، وأنها نسبت خطأ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم". وبمثل ما يقول الترابي قال العلامة المجدد محمد رشيد رضا من قبل، وكان أكثر تحديدا وتفصيلا فقال: "فنزول عيسى عقيدة أكثر النصارى وقد حاولوا في كل زمان منذ ظهر الإسلام بثها في المسلمين، وممن حاولوا ذلك بإدخالها في التفسير وهب بن منبه الركن الثاني بعد كعب الأحبار في تشويه تفسير القرآن بما بثه من الخرافات" وزاد: "ونحن نعلم أن أبا هريرة روى عن كعب وكان يصدقه... ومثل هذا يقال في ابن عباس وغيره ممن روى عن كعب ، وكان يصدقه"[82]. وبمثل ذلك قال من المعاصرين محمد أبو زهرة ومحمود شلتوت والشيخ المراغي من علماء الأزهر. أما محمد الغزالي فقد نبه إلى نقطة مهمة، وهي أن القول بأن عيسى عليه السلام لا يزال حيا في السماء، تحمل شيئا من "شوائب الألوهية" في المسيحية[83].

    وقد توصل الشيخ رشيد رضا إلى أنه "ليس في الكتاب والسنة نص قطعي الثبوت والدلالة على نزول المسيح يوجب على المسلمين الاعتقاد بذلك، وإنما ورد في نزوله أحاديث اشتهرت لغرابة موضوعها وتخريج الشيخين لها، وأكثرها عن أبي هريرة، وهذه المسألة من المسائل الاعتقادية التي يُطلب فيها النص القطعي المتواتر"[84].

    أما كعب الأحبار الذي يتحدث عنه رشيد رضا هو الذي قال فيه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في صحيح البخاري: "إن كان من أصدق هؤلاء المحدِّثين الذين يحدِّثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب"[85]. ونقلُ أبي هريرة عن كعب معروف في الأخبار الصحيحة، ومنها الحديث التالي: "عن أبي هريرة أنه قال: خرجت إلى الطور، فلقيت كعب الأحبار، فجلست معه، فحدثني عن التوراة، وحدثته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"[86].

    وأقل ما يقال في أحاديث البخاري ومسلم حول عودة المسيح ابن مريم وظهور المسيح الدجال أنها غريبة ومثيرة للريبة، وقد أشكلت على علماء أعلام في الماضي، منهم البيهقي وابن حجر وغيرهما، لمعارضة بعضها ليقينيات الوقائع، ومناقضة بعضها لبعض. ففي صحيح البخاري أحاديث توحي بأن الدجال هو الشاب اليهودي الغريب الأطوار صاف بن صياد الذي عاش في المدينة على عهد النبوة. فقد أخرج البخاري "عن محمد بن المنكدر: رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصياد الدجال، قلت: تحلف بالله؟ قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم "[87]. وورد عن ابن عمر وأبي ذر بأسانيد صحيحة أنهما كانا يحلفان على ذلك[88]. كما ورد في صحيح مسلم عن أم المؤمنين حفصة بنت عمر وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما شكهما في أن ابن صياد هو الدجال[89]. وقد حاول ابن حجر بتكلف شديد أن يتغلب على الإشكال بالقول إن "ابن صياد هو شيطان تبدّى في صورة الدجال في تلك المدة"[90] وليس هو بالدجال الحقيقي الذي يأتي في آخر الزمان، ونسي أن أحاديث البخاري تدل على شك النبي صلى الله عليه وسلم في أن ابن صياد هو الدجال الحقيقي، ولذلك قال لعمر: "إن يكنه فلن تسلط عليه، وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله"[91]. فهل استيقن ابن حجر أن ابن صياد مجرد شيطان وليس هو الدجال الأكبر، وغاب ذلك عن نبي الله صلى الله عليه وسلم وعن عمر بن الخطاب وحفصة بنت عمر وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وأبي ذر الغفاري وأبي سعيد الخدري!؟

    ومن أمثلة هذا الاضطراب في أحاديث المسيح ابن مريم والمسيح الدجال حديث في صحيح مسلم يصرح بأن ظهور الدجال ونزول المسيح يكون بعد رجوع الجيش الإسلامي إلى الشام من فتح القسطنطينية مباشرة: "...فيفتتحون قسطنطينية، فبينماهم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون، وذلك باطل. فإذا جاءوا الشام خرج. فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة. فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، فأمهم. فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء. فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته"[92]. والمشكلة في هذا الحديث أن القسطنطينية تم فتحها منذ أكثر من خمسة قرون، وعادت منها الجيوش الإسلامية ظافرة، فما وجدت المسيح ولا الدجال!!!

    إن أحاديث رجوع المسيح ابن مريم وظهور المسيح الدجال فيها اضطراب وتناقض كبير، أثارا حيرة العلماء الأعلام على مر العصور. فلم يك الترابي أول من شك في صحتها ولن يكون آخرهم. فطالب الثانوية المسلم اليوم يدرك أنه أن الإنسان المعاصر قد وصل إلى كل موطئ قدم من اليابسة، بل اطلع على الكثير مما في باطن الأرض، وصوَّر طبقاتِها الجيولوجية ومعادنَها وكنوزَها، ورحل إلى القمر، وهو الآن يخطط للرحيل إلى المريخ. فهل نلزم هذا الشاب المسلم أن يؤمن بما رواه لنا مسلم في حديث تميم الداري الطويل المشهور أن الدجال موثق بالحديد في جزيرة وصل إليها بحارة عرب ضلوا طريقهم، تحرسه دابة عجيبة الخلق تتحدث اللغة العربية بطلاقة!! قال تميم الداري ضمن خبره الطويل الذي ينسب الإمام مسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم تصديقه فيه: "...حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا، وأشده وثاقا، مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد. قلنا: ويلك! ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية. فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا الموج شهرا، ثم أرفأَنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها، فدخلنا الجزيرة، فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر، لا يُدري ما قبُله من دبُره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك! ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قلنا وما الجساسة؟ قالت: اعمَدوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق... قال....إني مخبركم عني، إني أنا المسيح [الدجال]، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج. فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة، غير مكة وطيبة، فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحدا منهما، استقبلني ملك بيده السيف صلتا"!![93] .

    وهذه الغرائب غيض من فيض مما ورد في نزول المسيح وظهور الدجال. ويبقى السؤال: أين تلك الجزيرة اليوم بعد أن مسح الإنسان سطح الأرض مسحا؟! وأين الدجال الموثق فيها بالحديد؟! وهل هو الشاب اليهودي ابن صياد الذي عاش في المدينة وحج أو اعتمر إلى مكة كما في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري[94]؟ أم هو ذلك الرجل الموثَق في تلك الجزيرة النائية الذي تمنعه الملائكة من دخول المدينة ومكة كلتيهما كما في صحيح مسلم أيضا من حديث تميم الداري!؟

    ليس مما يخدم الإسلام في شيء –وهو دين العلم والبرهان- أن يتم إلزام الناس بالإيمان بمنقولات مضطربة فيما بينها، مناقضة لبدائه العقل ومدرَكات الحس، بل ذلك فتنة للمسلمين عن دينهم الحق، كما فتنت الكنيسة أتباع المسيح عليه السلام، بتحريفاتها وتأويلاتها المناقضة للعلم والعقل. وليس من العلم والعدل النكير على المشككين في تلك الأخبار المضطربة، مثل الشيخ رشيد رضا ومحمود شلتوت ومحمد الغزالي وحسن الترابي. أما تكفيرهم بذلك فلا يستساغ أصلا، خصوصا عند المطلعين على جملة تلك الأحاديث، وما ذكره فيها أهل العلم من الغرابة والإشكالات. ولولا تكلف التأويل ونقص الاستقراء لدى هؤلاء المكفِّرة لما كفَّروا أحدا بهذا، ولسلكوا سبيل العلم والتحقيق.

    ومما يحسن التذكير به مقارنةً في هذا المقام أن الإمام البخاري نفسه أنكر حديث مسلم عن أبي هريرة حول الخلق في سبعة أيام، وردَّه إلى مصدره المسيحي، كعب الأحبار. ففي صحيح مسلم "عن أبي هريرة رضي الله عنه: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: خلق الله عز وجل التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة، في آخر الخلق، في آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل"[95]. قال ابن تيمية: "وهذا [الحديث] طعَنَ فيه من هو أعلمُ من مسلم، مثل يحيى بن معين، ومثل البخارى وغيرهما، وذكر البخارى أن هذا من كلام كعب الأحبار"[96]. ثم أيد ابن تيمية ذلك الطعن "لأنه قد ثبت بالتواتر أن الله خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام"[97].

    فإذا كان الإمام البخاري قد رد هذا الحديث الذي رفعه الإمام مسلم –أو أحد رواته- خطأ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واكتشف البخاري أنه من كلام كعب الأحبار، فهل يُستغرَب –بعد تراكم المعرفة الشرعية والإنسانية أكثر من ألف عام على عصر البخاري- أن يرد علماء مسلمون بضعة أحاديث أخرى وجدوا بالدليل أن البخاري أو مسلم رفعها خطأ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويكتشفوا أنها من كلام تميم الداري الذي "كان رجلا نصرانيا فجاء فبايع وأسلم"[98] كما في صحيح مسلم، أو من كلام كعب الأحبار وهو نصراني آخر أسلم؟!؟

    أليس أقل ما يقال في هذا السياق هو قول شيخ الأزهر السابق علي جاد الحق رحمه الله: "ولما كانت أسس العقيدة الإسلامية إنما تثبت بالدليل القطعي الثبوت والدلالة من القرآن والسُّنَّة، فإن مَن جَحد نزول عيسى عليه السلام وعوْدتَه إلى الأرض لا يخرُج عن الإسلام، ولا يُعتبر كافرًا، لأن ما جَحده غير ثابت بدليلٍ قطعيٍّ مِن القرآن أو السنة"[99]؟

    عصمة الأنبياء عليهم السلام

    ويدخل في هذا الباب كلام الترابي عن عصمة الأنبياء، فالذين يردون على الرجل لا يبدو أنهم يفرقون بين "عصمة البلاغ" و"عصمة التأسي"، ولا يميزون بين العصمة من الكبائر والعصمة من الصغائر. فلا ريب أن الأنبياء معصومون فيما يبلغون عن الله عز وجل، وبدون اعتقاد ذلك تسقط الثقة في الوحي، وعلى هذا القدر من العصمة لم يختلف اثنان من علماء الأمة، ولم يثر الترابي يوما كلمة حول هذا الأمر. وأما عصمة التأسي، أي هل هم معصومون من فعل الذنب ابتداء، أم معصومون من الإقرار عليه فقط، فهذا فيه جدل قديم منذ صدر الإسلام بسبب ظواهر الآيات الدالة على أن بعض الأنبياء ارتبكوا أخطاء أو أصابوا ذنوبا. قال الشوكاني: "وكلام أهل العلم في عصمة الأنبياء واختلاف مذاهبهم في ذلك مدون في مواطنه"[100].

    والقدر المتفق عليه من عصمة التأسي أنه لا يتم إقرار الأنبياء على الذنب. قال ابن تيمية: "إن الله سبحانه وتعالى لم يذكر عن نبي من الأنبياء ذنبا إلا ذكر توبته منه، ولهذا كان الناس في عصمة الأنبياء على قولين: إما أن يقولوا بالعصمة من فعلها [أي الذنوب]، وإما أن يقولوا بالعصمة من الإقرار عليها، لا سيما فيما يتعلق بتبليغ الرسالة، فإن الأمة متفقة على أن ذلك معصوم أن يُقرَّ فيه على خطأ، فإن ذلك يناقض مقصد الرسالة ومدلول المعجزة"[101].

    ويرى الباقلاني من الأشاعرة، وبعض علماء المعتزلة، أن الأنبياء غير معصومين، لا من الصغائر ولا من الكبائر، بينما يرجِّح ابن تيمية أنهم معصومون من الكبائر لا من الصغائر، ويقول إن ذلك ما يقول به جلُّ علماء المسلمين من مختلف المشارب والمذاهب. قال ابن تيمية: "القول بأن الأنبياء معصومون من الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف، حتى إنه قول أكثر أهل الكلام... وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء يقولون أن الأنبياء ليسوا معصومين من الصغائر، بل هو لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول" وزاد ابن تيمية أن "أول من نقل عنهم من طوائف الأمة القول بالعصمة مطلقا وأعظمهم قولا لذلك الرافضة [يقصد الشيعة]"[102].

    وقد رد ابن تيمية على المتكلفين في القول بعصمة الأنبياء من كافة الذنوب صغيرِها وكبيرِها، واتهمهم بتحريف كلام الله عز وجل، فقال: "وإن كان كثير من الناس المتكلمين فى العلم يزعم أن هذا ليس بذنب وأن آدم تأول... وهذا القول يقوله طوائف من أهل البدع والكلام والشيعة وكثير من المعتزلة وبعض الأشعرية وغيرهم ممن يوجب عصمة الأنبياء من الصغائر، وهؤلاء فروا من شيء ووقعوا فيما هو أعظم منه فى تحريف كلام الله عن مواضعه. وأما السلف قاطبة من القرون الثلاثة الذين هم خير قرون الأمة، وأهل الحديث والتفسير، وأهل كتب قصص الأنبياء والمبتدأ، وجمهور الفقهاء والصوفية، وكثير من أهل الكلام، كجمهور الأشعرية وغيرهم وعموم المؤمنين، فعلى ما دل عليه الكتاب والسنة مثل قوله تعالى: (وعصى آدم ربه فغوى) وقوله: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)... وهذه نصوص لا تُردُّ إلا بنوع من تحريف الكلم عن مواضعه"[103].

    فقول أحد الرادين على الترابي: "في شرعنا –عند أهل السنة– الأنبياء معصومون فيما يبلغونه عن الله، وعن الشرك، والكبائر، والصغائر، قبل وبعد البعثة" تعميم وتهويل في غير محله. وليت الذين يكفِّرون الترابي بقوله في عصمة الأنبياء يقرأون ما كتبه ابن تيمية: "إن تسليط الجهال على تكفير علماء المسلمين من أعظم المنكرات... اتفق علماء المسلمين أنه لا يُكفَّر أحد من علماء المسلمين المنازعين في عصمة الأنبياء""[104]. أما قول "الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة في السودان" إن الترابي ينكر عصمة البلاغ، فكلام الترابي صريح بعكسه، بما في ذلك الكلام الذي نقلته عنه الرابطة في بيانها. فهي إذن دعوى من خصم على خصمه دون دليل، وتعميم في موطن يحتاج إلى تدقيق وتفصيل.

    ومهما يكن من أمر، فليست أي من أقوال الترابي هذه بأشد مخالفة لظواهر النصوص وما تعارف عليه أهل العلم، من أقوال شاذة قال بها علماء أعلام في الماضي، فخرجوا بها عن القول السائد. وكم من علمائنا الأقدمين خالفوا ما اعتقد أنه إجماع، ليس في الفروع فقط، بل في العقائد، وتعرضوا للمحن بسبب ذلك، ومع ذلك انتشر قولهم واشتهر بعد ذلك وأصبح مقبولا، بعد أن تكشفت مداركه من النصوص وسوابقه في تراث الأمة، أو تم عذرهم فيه لما يُعلَم من عمق إيمانهم وحبهم لله ورسوله. وقول ابن تيمية وابن القيم بفناء النار في الآخرة، وهو ما يترتب عليه عدم خلود الكفار في العذاب، يدخل في هذا الباب. وقد رد عليهما بعض العلماء الأقدمين مثل تاج الدين السبكي في كتابه: "الاعتبار ببقاء الجنة والنار"، ومحمد بن إسماعيل الصنعاني في كتابه: "رفع الاستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار"، واهتموهما بمخالفة الإجماع. وبسبب اجتهاداتهما المخالفة لما تعارف عليه فقهاء عصرهم "نودي بدمشق من اعتقد عقيدة ابن تيمية حل دمه وماله، خصوصاً الحنابلة. فنودي بذلك وقرئ المرسوم"[105]. ولم يكن الخطأ خطأ ابن تيمية أو ابن القيم رحمهما الله، فهما من أعلام الإسلام، وقد قالا بما أداهما إليه اجتهادهما واطلاعهما الواسع. بل كان ثمرة مريرة من ثمار التعصب المذهبي وضيق الأفق عند الطرف الآخر، واستخدام السلطة القاهرة في صراع الأفكار. فما أشبه الليلة بالبارحة، ونحن نقرأ بيان مجمع الفقه التابع لرئاسة الجمهورية السودانية حول الترابي!!

    ورغم أن مسألة القول بفناء النار قضية كبيرة وخطيرة، حتى قال ابن القيم في "حادي الأرواح" إنها أكبر من الدنيا وما فيها بأضعاف مضاعفة، ورغم أنها تخالف ظواهر آيات عديدة من القرآن الكريم، فقد قال الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي في فتوى له إن كلا من القائلين بخلود النار أو بفنائها مجتهد مأجور: "لا يُنكر عليه ولا يضلَّل ولا يبدَّع، لأن السب والتجريح و تضليل الآخرين وهم ليسوا كذلك فيه إثم ومعصية ويترتب عليه الاختلاف والفرقة التي نهى الله عباده عنها". واعتبر العلامة المحدث ناصر الدين الألباني ابنَ تيمية وابنَ القيم مجتهدين مأجورين في ذلك رغم خطئهما، وهذا الذي يجب القول به. بل دافع عن القول بفناء النار أحد المعاصرين في كتيب بعنوان: "القول المختار لبيان فناء النار".

    نحو التثبت والتأصيل

    في عام 1998 أصدر محدِّث اليمن الشيخ العلامة مقبل الوادعي رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته محاضرة في شريطيْ كاسيت بعنوان: "البركان لنسف جامعة الإيمان"، يهاجم فيه جامعة الإيمان في اليمن، وهي صرح من صروح العلم والتقوى والدعوة. وكان الشريط صدمة لرئيس الجامعة، الشيخ العلامة الورع عبد المجيد الزنداني، كما كان صدمة لجميع مدرسي الجامعة وطلابها، ولأغلب العاملين للإسلام في اليمن. ولم يكن مصدر الصدمة محصورا في التحامل الذي بلغ حدا عجيبا، بل في التساهل في الرواية من شيخ محدث متمكن. فقد قال الشيخ مقبل رحمه الله في إحدى شريطيه: "أخبرتني أم مالك وهي أوثق عندي من جميع الإخوان المفلسين" (يقصد الإخوان المسلمين) .. ثم أورد قصة عن أم مالك مفادها أن الشيخ الزنداني تحرسه النساء، ثم علق الشيخ مقبل على ذلك قائلا: "لقد أصبحت قذافيَّ اليمن يا زنداني"!!!

    تعجبت غاية العجب لما أعلمه من حياة الورع والحيطة السائدة في جامعة الإيمان، والفصل الصارم بين الرجال والنساء، إلى حد منع الأساتذة من دخول قاعات طالباتهم، ونقل الدرس بالبث التلفزيوني إلى قاعات الطالبات.. ومع ذلك يأخذ شيخ محدث برواية كذابة حول أمر على هذا القدر من الخطورة، ويطعن في أعراض أئمة المسلمين ومنابرهم العلمية بناء على تلك الرواية المنحولة.

    بل كان عجبي أكثر وأنا أعرف أن الشيخ مقبل رحمه الله عالم مبرَّز في علم الجرح والتعديل. فتساءلت بألم: هل يعجز من أفنى حياته منقِّبا في علم الرجال وتوثيق الرواة وتضعيفهم عن الاتصال بالهاتف على جامعة الإيمان أو على الشيخ الزنداني للاستبيان عن صحة ما قالته الكذابة "أم مالك"؟ وهل الشيخ الذي طالما حدَّث طلابه عن الرحلة في طلب الحديث، عاجزا عن السفر بضعة عشرات من الأميال إلى مقر الجامعة، أو التعريج عليها في إحدى زياراته لصنعاء، ليتحقق بنفسه مما نقل إليه عن جامعة الإيمان ورئيسها ومدرسيها. وكان من طرائف ما ورد في الشريطين هجوم الشيخ مقبل رحمه الله على المدرسين الموريتانين في جامعة الإيمان، وقوله إن منهم "الرافضي والأشعري والمعتزلي والمرجئ...الخ" ولأني كنت أحد أولئك المدرسين يومذاك، وأعرف المدرسين الآخرين حق المعرفة، فقد كانت دهشتي عظيمة.

    تذكرت شريط" البركان لنسف جامعة الإيمان" وأنا أتابع بحزن ما آل إليه الخطاب الشرعي في التعاطي مع قضية الترابي وآرائه المثيرة، وآلمني حقا أن يتحول الحوار في قضايا شرعية على هذا القدر من الخطورة والأهمية إلى تراشق بالكلام، وولوغ في الأعراض، ومحاكمة للضمائر والسرائر، وتعجل في إصدار الأحكام دون تثبت في النقل أو تأصيل للرأي. لقد ورد في بيان مجمع الفقه في السودان ردا على الترابي: "إن كفر اليهود والنصارى يعد من الأمور المعلومة بالضرورة من دين الاسلام، فمن أنكر كفر اليهود والنصارى أو شك في ذلك فهو كافر". وهذا غلو في الصياغة، لأن لازم القول ليس منه، وقائل الكفر ليس بالضرورة كافر. فضلا عن أن الترابي لم يقل كفرا، ولم يتجاوز أن ميز تمييزا اصطلاحيا بين أهل الكتاب والمشركين، وبين أهل الكتاب والكفار، له أصل في القرآن الكريم، وكلامه متواتر بكفر وشرك أهل الكتاب، كما بينا من قبل. لكن المجلس الموقر لم يكلف نفسه عبء التثبت في ذلك. كما وصف بعض المنتسبين إلى العلم الشرعي ومنهج السلف في السودان الترابيَّ بالدجل والكفر والردة والنفاق والزندقة والضلال... وغير ذلك من ألفاظ قاموس التكفير والتشهير.

    وقد ارتكب الترابي نفس الخطإ فجاءت لغته استفزازية مستهتِرة، ومن ذلك قوله مبررا فتواه بزواج المسلمة من الكتابي: "منع التزاوج بين المسلمات والكتابيين أقاويل لا أساس لها من الدين، ولا تقوم على ساق من الشرع الحنيف، إنما هي أوهام، وتضليل، وتجهيل، وإغلاق، وتحنيط، وخداع للعقول.. والإسلام منها براء". وقوله عن تنصيف شهادة المرأة في الأموال: "ليس ذلك من الدين أو الإسلام، بل هي مجرد أوهام، وأباطيل، وتدليس، أريد بها تغييب وسجن العقول في الأفكار الظلامية التي لا تمت للإسلام في شيء..." وهذا إطلاق لا مبرر له، وتنكر لآراء سائدة وفهومٍ فقهية متراكمة للنص الشرعي، وحشد لألفاظ مستهجَنة لا يصلح استخدامها من طرف أهل العلم وهم يتحدثون في دين الله. وكان الأوْلى بمن استشكلوا أقوالا للترابي أن يردوها إلى سياقها في فكره وكتبه، أو يستفسروا منه عن مقصوده بها، ومصادر رأيه التي اعتمد عليها. كما كان الأوْلى بالترابي أن يسلك سبيل الحكمة والتأصيل وتقديم الدليل، ويترفع عن المهاترات والمراء.

    ليس من الصعب على المطلع على مجمل الإنتاج الفكري للدكتور الترابي منذ الستينات إلى الآن، أن الرجل يمتاز باطلاع واسع على مختلف العلوم الشرعية، وعقل تحليلي تركيبي نادر، قادر على سبر المسائل الشرعية، والغوص على أصولها، والتنقيب عن أسسها وفحصها بدقة دون خوف من انهيار البناء. لكن ليس من الصعب أيضا إدراك أن الترابي تنقصه الحكمة في الطرح والرزانة في الأسلوب.

    والذي يبدو لي أكبر خطإ ارتكبه الدكتور الترابي في حق نفسه أولاً، ثم في حق مستمعيه وقرائه بعد ذلك، هو أنه يقدم نتائج قراءاته الواسعة واجتهاداته الجريئة دون بيان لمقدماتها، فيلقي المسائل إلقاء من غير توضيح لمواردها ومصادرها، ويقذف بالآراء الجريئة المثيرة للجدل دون توثيق لها من كتب التراث الإسلامي، رغم أن أكثر آرائه التي تبدو للقارئ غير المطلع بدَعا مستحدثة لها أصول في نصوص الشرع ، وسوابق من آراء المتقدمين من علماء السلف، ممن لهم هيبة في العقل المسلم المعاصر، المولع بتقديس اجتهاد الأموات واحتقار اجتهاد الأحياء.

    ولو أن الترابي خاطب حملة الثقافة الفقهية الحاضرة بلغتهم الأثرية السائدة، ووثق آراءه من التراث الفقهي والفكري المتراكم، لنآى بنفسه عن سهام الاتهام، ولوجد من يتفهم مقولاتِه وإن لم يتبنَّها، ومن يقبلُ بها رأيا اجتهاديا مشروعا، وإن لم يوافقه عليها. لقد جنى الترابي على نفسه وعلى الخطاب الشرعي عموما حينما قدم آراءه واجتهاداته مجردة عن الإسناد والتوثيق، فبدت للقارئ غير المطلع إرسالا للكلام على عواهنه، وخروجا على المرجعية الشرعية.

    ولو سلك الترابي وخصومُه مسلك العلم والعدل، وتحلَّوْا بأدب الخلاف، وتجردوا من صراع السياسة وأهواء التحيز، والتزموا البرهان والدليل المجرد، لكان الجدل الحالي مثمرا، يستفيد منه المسلمون تحريرا لمسائل شرعية على قدر من الأهمية، وحفْزًا لطلاب العلم على مزيد من البحث والتنقيب، وأخذا للمسائل الشرعية بقوة، وعدم استسهال الخوض فيها من غير دليل وتأصيل.

    من أجل ذلك جاءت هذه الملاحظات دعوة للتثبت والارتفاع بالجدل الراهن إلى مستوى الخطاب الشرعي، الذي يحسن الظن بالمسلمين، ويتنزه عن محاكمة الضمائر، ويفتح الباب لحوار الأفكار في وضَح النهار...

    فما كان في هذه الملاحظات من حق فهو من الله المتفضل، وما كان فيها من خطل أو زلل فهو مني ومن الشيطان، وأستغفر الله العظيم منه. والله الموفق لكل خير، وفوق كل ذي علم عليم..

    السلام عليكم

    أخوكم/ محمد بن المختار الشنقيطي

    مدير المركز الإسلامي في ساوث ابلين

    تكساس- الولايات المتحدة

    هواتف: 18067994785

    18067978026

    الموقع: www.fiqhsyasi.net





    --------------------------------------------------------------------------------

    الهوامش:

    [1] الجويني: غياث الأمم في التثياث الظُّلَم 1/137

    [2] الترابي: الحركة الإسلامية في السودان ص 151

    [3] الترابي: قيمة الدين رسالية الفن ص 31

    [4] الألباني: صحيح سنن ابن ماجه، الحديث رقم 1414

    [5] مكي: الحركة الإسلامية في السودان (1969-1985) تاريخها وخطابها السياسي ص 85

    [6] الترابي: الحركة الإسلامية في السودان ص 151

    [7] سورة التوبة، الآية 30

    [8] سورة المائدة، الآية 72

    [9] الترابي: السياسة والحكم.. النظم السلطانية بين الأصول وسنن الواقع ص 177

    [10] الترابي: السياسة والحكم ص 210

    [11] سورة البينة، الآية 1

    [12] ابن تيمية: مجموع الفتاوى 35/213-214 وابن القيم: دقائق التفسير 2/14

    [13] ابن تيمية: مجموع الفتاوى 32/178

    [14] سورة النساء، الآية 50

    [15] ابن تيمية: مجموع الفتاوى 31/180-181

    [16] الترابي: السياسة والحكم ص 30

    [17] الترابي: السياسة والحكم ص 44

    [18] ابن القيم: أحكام أهل الذمة 1/95

    [19] ابن القيم: إغاثة اللهفان 2/351-361

    [20] سورة البقرة، الآية 217

    [21] الترابي: السياسة والحكم ص 114

    [22] الترابي: السياسة والحكم ص 166

    [23] سورة الكهف، الآية 29

    [24] EL-Affendi : Turabi's Revolution p. 102

    [25] الترابي: السياسة والحكم ص 116

    [26] الألباني: سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 663

    [27] الألباني: صحيح سنن أبي داود، الحديث رقم 4888

    [28] الترابي: المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع ص 43

    [29] من حوار الترابي مع صحيفة "الشرق الأوسط" يوم 21/4/2006

    [30] ابن تيمية: القواعد النورانية 1/78

    [31] ابن تيمية: "نقد مراتب الإجماع" مطبوع ملحقا بكتاب ابن حزم "مراتب الإجماع" ص 290

    [32] النووي: المجموع شرح المهذب 4/223

    [33] ابن رشد: بداية المجتهد 1/153

    [34] قال الألباني في إرواء الغليل 2/255 "إسناده حسن"

    [35] الألباني: صحيح أبي داود، الحديث رقم 592 وقال عن إسناده "حسن"

    [36] الألباني: صحيح ابن خزيمة، الحديث رقم 1676، وقال: "إسناده حسن"

    [37] حسن إسناده النووي في المجموع 4/296

    [38] ابن القيم في إعلام الموقعين 2/274

    [39] البيهقي: السنن الكبرى 3/90

    [40] النووي: الخلاصة 2/695

    [41] المزي: تهذيب الكمال 10/522

    [42] الذهبي: المهذب في اختصار السنن الكبير 3/1103

    [43] ابن الملقن: البدر المنير 4/433

    [44] ابن القيم: زاد المعاد1/410

    [45] ابن كثير: إرشاد الفقيه 1/174

    [46] ابن حجر: تلخيص الحبير 2/531

    [47] الشوكاني: نيل الأوطار 3/199

    [48] الألباني: إرواء الغليل، الحديث رقم 524

    [49] انظر صحيح البخاري، الحديث رقم 3444

    [50] رواه عبد الرزاق والبيهقي وصححه ابن حزم عن عمر، انظر: المحلى، المسألة رقم 2199

    [51] حسَّن ابن حجر إسناده في فتح الباري 12/284

    [52] ابن حزم: المحلى، المسألة رقم 2199

    [53] صحيح البخاري، الحديث رقم 6922

    [54] سورة البقرة، الآية 256

    [55] سورة يونس، الآية 99

    [56] ابن حزم: المحلى، المسألة رقم 2199

    [57] لاستقراء أوسع حول هذه الموادعات طالع كتاب د. محمد حميد الله: "مجموعة الوثائق النبوية للعهد النبوي والخلافة الراشدة"

    [58] الترابي: السياسة والحكم ص 167

    [59] سورة البقرة، الآية 281

    [60] ابن القيم: إعلام الموقعين 1/90

    [61] محمد عبده: الأعمال الكاملة 4/732

    [62] ابن القيم الطرق الحكمية ص 117

    [63] صحيح البخاري، الحديث رقم 88

    [64] ابن القيم: إعلام الموقعين 1/96

    [65] سورة البقرة، الآية 219

    [66] سورة الممتحنة، الآية 10

    [67] تفسير البيضاوي 5/329

    [68] الألوسي: روح المعاني 28/78

    [69] ابن القيم: إعلام الموقعين 1/30

    [70] من حوار الترابي مع صحيفة الشرق الأوسط السابق الإشارة إليه

    [71] سورة النحل، الآية 106

    [72] سير أعلام النبلاء 5/385

    [73] زاد المعاد 2/275

    [74] انظر ابن القيم: "جلاء الأفهام" ص 245 وما بعدها

    [75] ابن تيمية: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص 87

    [76] الألباني: إرواء الغليل 3/129

    [77] ابن تيمية: مجموع الفتاوى/18/18

    [78] الألباني: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1/91

    [79] ابن تيمية: قاعدة جليلة ص 86

    [80] سورة الصف، الآية 6

    [81] سورة مريم، الآية 30

    [82] مجلة المنار، المجلد 28، ص 756

    [83] عن أقوال هؤلاء المعاصرين انظر دراسة د. أحمد شلبي: "المسيح في نظر المسلمين" المنشور على موقع "البلاغ"

    [84] من فتوى الشيخ رشيد رضا منشورة على موقع إسلام أون لاين

    [85] صحيح البخاري، الحديث رقم 2679

    [86] صححه ابن حجر في نتائج الأفكار 2/432 والبغوي في شرح السنة 2/553

    [87] صحيح البخاري، الحديث رقم 7355

    [88] انظر ابن حجر في فتح الباري 13/341 وفي الأسئلة الفائقة 1/34 والنووي في في شرح مسلم 18/47

    [89] انظر صحيح مسلم، الحديثان رقم 2932 و2927

    [90] فتح الباري 13/328

    [91] صحيح البخاري، الحديث رقم 1354

    [92] صحيح مسلم، الحديث رقم 2897

    [93] انظر: صحيح مسلم، الحديث رقم 2942

    [94] انظر صحيح مسلم، الحديث 2927

    [95] صحيح مسلم، الحديث رقم 2789

    [96] ابن تيمية: مجموع الفتاوى 18/18

    [97] نفس المصدر والصفحة

    [98] صحيح مسلم، الحديث 2942

    [99] من فتوى لشيخ الأزهر السابق علي جاد الحق، منشورة على موقع "إسلام أون لاين"

    [100] الشوكاني: فتح القدير 1/68

    [101] كتب ورسائل ابن تيمية في التفسير 15/147

    [102] انظر فتاوى ابن تيمية 4/319

    [103] ابن تيمية: مجموع الفتاوى 20/88

    [104] مجموع الفتاوى 35/100-102

    [105] ابن حجر: الدرر الكامنة 1/147



                  

06-09-2006, 02:31 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير....محمد بن المختار الشنقيطي (Re: munswor almophtah)

    حتى تعم الفائده بمعرفة ما لا نعرف عن معرفة الخواص يجب الوقوف عند كل صيحه........................



    منصور
                  

06-09-2006, 05:06 PM

luai
<aluai
تاريخ التسجيل: 02-27-2002
مجموع المشاركات: 2251

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير....محمد بن المختار الشنقيطي (Re: munswor almophtah)

    الاستاذ منصور المفتاح تحية طيبة ..

    لا اظن انني ابالغ اذ قلت انها من المرات النادرة في الفترة الاخيرة
    التي قرات فيها مقالة ممتعة ومحفزة للعقل ومناقشة كهذه المقالة لمحمد الشنقيطي
    وقد قرأت المقالة حرفا حرفا وكلمة كلمة وسطرا سطرا وقد توقفت في الكثير
    من المجالات التي تطرق لها وهو يفند ويدلل ويوافق ويعارض (اجتهادات ) الترابي
    الاخيرة بالادلة النصية من القرآن والحديث واراء العلماء السابقين .

    لا اعرف ماذا اقول لكن اظن ان غالب عقلنا (المسلم) مغيب من هكذا نقاشات
    ومغلق -اي العقل-(بالضبة والسكين) على كثير من الامور الفقهية والاعتقادية ولا اعلم ان كان ذلك بسبب العلم الذي تلقيناه او بسببنا نحن (تقصير) .أو بسبب جمود الغالب
    من علماؤنا وشيوخنا -حفظهم الله - ومحاولتهم السهر والحفاظ على كل شيء حتى في ما
    يمكن الاجتهاد فيه .

    اظن انني شخصيا اكون الان رؤية جديدة لموضوع الردة وقتل المرتد بالذات - وامامة المراة -تنصيف شهادة المرأة - وزواج المسلمة من الكتابي وهي النقطة الوحيدة التي اختلف فيها الشيخ الشنقيطي مع الترابي اختلافا كاملا وقد نورنا برأيه الذي يختلف مع راي الترابي والذي اجتهد فيه على مايبدو مقدرا موقف الجاليات المسلمة في الغرب وما تعانيه من اشكالات - لكن خالفه الشنقيطي في ذلك مؤكدا ان تقدير دكتور الترابي لاشكاليات الجالية المسلمة ايضا غير موفق بحكم تجربته ومعايشته لذلك .

    صراحة هناك اشياء الانسان يتفاجأ بها وهي كانت كمسلمات - رد الاحاديث الصحيحة - خاصة
    البخاري ومسلم والتشكيك في بعض الاحاديث وقد اورد الشيخ الشنقيطي نماذج لتلك الاحاديث .
    ايضا رجوع المسيح وظهور الدجال .
    لم يتطرق دكتور الشنقيطي لنفي الدكتور الترابي لعذاب القبر وعدم وجوده .
    وللشيخين الكريمين خالص الدعوات بالتوفيق على هذه الاجتهادات
    وهذه المجاهدات العلمية والفقهية - التي تعد من المحرمات عند قطاع واسع
    من فقاؤها وعلماؤنا بل وقد تؤدي لمطالبة البعض بتكفير قائلها وقتله .
                  

06-10-2006, 06:35 AM

Mohamed Abdelgaleel
<aMohamed Abdelgaleel
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 10415

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير....محمد بن المختار الشنقيطي (Re: luai)

    شكراً منصور .. فالمعرفة مطلوبة ومفيدة رغم الــ .. ومن حيث جاءت ..
                  

06-10-2006, 12:44 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير....محمد بن المختار الشنقيطي (Re: luai)

    الأخ luai السلام والرحمه ليس بالضروره أن تتفق مع الشخص فى مايقول ولكن بالضروره أن تفكر فى ما ينغى أن يقال من قرآتك للذى قيل...وإذا لم تتحدد لك معالم الخطأ...فلا يمكن لك التعرف على الصواب...فنقرأ لهيجل وكانط وشبنهور وداون وسارتر وماركس ووليم جيمس ودجون ديوى وبرتراند رسل والغزالى والفارابى وأبن سيناء وابن رشد وأبن خلدون وغيرهم بحثا عن المعلوم بالضروره وبحثا عن ما هو أقرب إلينا من حبل الوريد فى تجليات أمانته التى أبت وعصت على الجبال التى أبين حملها فحملها ذلك الظلوم الجهول فللحكمه وجوها متعدده وقلبا واحد هو قلب المؤمن اللهم ثبت قلوبنا على دينك وحب نبيك وعبادك الصالحين..........................


    منصور
                  

06-11-2006, 07:31 AM

luai
<aluai
تاريخ التسجيل: 02-27-2002
مجموع المشاركات: 2251

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير....محمد بن المختار الشنقيطي (Re: munswor almophtah)

    فوق
                  

06-11-2006, 09:02 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير....محمد بن المختار الشنقيطي (Re: luai)

    والتوراة الموجودة في أيدي اليهود منذ مجيء الإسلام إلى اليوم هي الأسفار الخمسة الأولى مما يعرف اليوم بالعهد القديم (أسفار: التكوين والخروج واللاويين والعدد والتثنية) وليس من ريب أن العلماء القائلين إنها لم تنلها يد التغيير والتبديل قد أخطأوا خطأ جسيما، إذ يكفي تصفح سريع لتلك الأسفار للتوصل إلى استنتاج قاطع بتحريفها. ولو كان الترابي اليوم يقول إن التوراة الحالية لا تزال طرية كما أنزلت من عند الله لاستبيح دمه. رغم أن هذا الخطأ الفادح وقع فيه في الماضي علماء أعلام من حجم الإمام البخاري والإمام الرازي. ورغم ذلك فلا تزال الأمة تجلُّهم، وحق لها ذلك، فهم أهل للإجلال والإكبار.
                  

06-12-2006, 05:54 AM

مهيرة
<aمهيرة
تاريخ التسجيل: 04-28-2002
مجموع المشاركات: 933

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير....محمد بن المختار الشنقيطي (Re: munswor almophtah)

    الاخ الكريم الاستاذ منصور

    لك الشكر على ايراد هذه المقالة العلمية/الفقهية الرصينة لهذا العالم الجليل محمد بن المختار

    الشنقيطى.فقدالقت الضوء على بعض ما نجهله نحن عامة المسلمين من دقائق الفقه الاسلامى.

    وكان حريا بالدكتور حسن الترابى اقتفاء اثر العلماء الربانيين فى كيفية توصيل المعلومات

    الفقهية والدينية عموما لعامة المسلمين الذين يرتادون حلقاته او محاضراته،وألا يتخذ أمر

    الفتياالدينية ملهاة أو مطية لمكايدات سياسية أو مصالح أخرى.

    لماذا يعودالترابى مرة أخرى للمتاجرة بالدين؟؟ هذه المرة بخلق بلبلة وسط المسلمين بفتاوى

    وآراء مختلف عليها،يكتفى الترابى باذاعتها للعامة مجردة من الاسناد والتوثيق؟ كما ذكر الشيخ الشنقيطى؟؟


    Quote: ولو أن الترابي خاطب حملة الثقافة الفقهية الحاضرة بلغتهم الأثرية السائدة، ووثق آراءه من التراث الفقهي والفكري المتراكم، لنآى بنفسه عن سهام الاتهام، ولوجد من يتفهم مقولاتِه وإن لم يتبنَّها، ومن يقبلُ بها رأيا اجتهاديا مشروعا، وإن لم يوافقه عليها. لقد جنى الترابي على نفسه وعلى الخطاب الشرعي عموما حينما قدم آراءه واجتهاداته مجردة عن الإسناد والتوثيق، فبدت للقارئ غير المطلع إرسالا للكلام على عواهنه، وخروجا على المرجعية الشرعية.



    تحياتى






                  

06-12-2006, 06:06 AM

Kamel mohamad
<aKamel mohamad
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 3181

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير....محمد بن المختار الشنقيطي (Re: مهيرة)



    شكرآ لك أيها الشاعر والمفكر الأستاذ منصور المفتاح;

    ودائماـ ماتتحفنا بالكتابات الفلسفية العميقة

    والحقيقة هذا مقال لطرح فكري متقدم

    فلك الشكر لسعة أفقك وجمال قلمك

    ولك مودتي
                  

06-13-2006, 11:06 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير....محمد بن المختار الشنقيطي (Re: Kamel mohamad)

    الأخ كمال لك من الود ما يرضيك ولك الشكر على الإطراء فليتنى كنت فعلا مفكرا وشاعرا وفيلسوف حتى يسمع بعض الناس بعض ما أقول...............................




    منصور
                  

06-13-2006, 10:55 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير....محمد بن المختار الشنقيطي (Re: مهيرة)

    الأخت الدكتوره مهيره لك السلام وعليك السلام


    نعم أن الذى نعرفه يقينا أننا لا نعرف شئ وسوف لا ولن نعرف إلا أن نقر بذلك ونبدأ برحلة البحث التى لانهاية لها وأن لا نعاف أى مصدر من مصادر المعرفه حتى ولو لم نتفق معها سيعلمنا الله بسر (إقرأ)


    ولك الشكر والسلام


    منصور
                  

06-12-2006, 07:20 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير....محمد بن المختار الشنقيطي (Re: munswor almophtah)

    ستفنى علاتك يا أخا شنقيط!

    أحمد المكاشفي دفع الله
    [email protected]

    دبّج الاستاذ الفاضل والباحث الإسلامي محمد بن المختار الشنقيطي مقالا رصينا نشره موقع سودانيل علّق فيه على الآراء الفقهية الشاذة التي أرسلها الترابي مؤخرا والردود المعارضة التي صدرت من جهات كثيرة تفنيدا لتلك الآراء وتشنيعا بها. ونحمد للاستاذ الشنقيطي ما عكسه مقاله من اطلاع واسع وأدب جم. إلا أن لنا بعض تعاليق على ما ورد بالمقال. ولقد اخترت لمقالي هذا عنوان: ستفنى علاتك يا أخاء شنقيط! كي أشير إلى أن ماكينة الترابي الفقهية لا تكف عن إنتاج الآراء الفقهية العجيبة ليلا ونهارا، وبوتيرة تُعيي حتى المدافعين والمعتذرين عنه. فقبل يومين أو ثلاثة صرّح "الشيخ" بأن الدولة المسلمة يمكن أن يرأسها شخص غير مسلم! وهو تصريح جديد "لنج" لا أظن أن الأستاذ الشنقيطي اطلع عليه قبل تستطيره مقاله هذا. ولذلك قصدت أن أقول إن المؤلف سيضطر للاعتذار باستمرار عن آراء الترابي حتى ينفد زاده من الاعتذارات والتسويغات.



    أولا، هناك بُعد مهم غاب عن رؤية الأستاذ الشنقيطي لآراء الترابي الفقهية ألا وهو شخصية الترابي وسلوكه وممارساته. أعني الترابي الأفعال لا الترابي الأقوال. فعندنا في الإسلام ارتباط لا انفصام له بين سلوك المرء وفقهه وعلمه، ولهذا قرر العلماء أن الفتوى لا تؤخذ من شخص مجروح العدالة أو متهم في أمانته مهما بلغ من العلم والحفظ ومهما عظمت مقدراته التحليلية والتركيبية. ولقد أُثِر عن بعض السلف في هذا الصدد قوله: "إن الأمر دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم". فالسبب وراء حدّة وقوّة الردود التي صدرت ضد تصريحات الترابي هو معائشة أصحابها كسودانيين للترابي كسياسي وكرجل دولة ومسئول، ولما رأوا من اتساع مساحة الخلف بين أقواله وأفعاله، ولما خبروا من مخالفته لحدود الشرع الإسلامي في كثير من القرارات التي اتخذها حين كان زعيما لنظام الانقاذ، كما شهدوا ويشهدون فجوره في الخصومة التي جرت بينه وبين إخوته في الإسلام وفي الحركة الإسلامية السودانية، وكيف أن سفن الشنآن قد أبحرت به بعيدا عن سواحل الانصاف حتى صار يدعو علنا للتدخل الدولي في السودان وأخذ يحرّض المجتمع الدولي ضد حكومة مهما يقال فيها فهي أفضل من حكومات الغرب التي تتربص بالإسلام والمسلمين الدوائر. صفوة القول أن حدّة السودانيين تجاه آراء الترابي أملاها علم ومعرفة بممارسات الرجل تنقص أخينا محمد مختار الشنقيطي. إلى جانب أنه ليس كل الذين علقوا على آراء الترابي هم من العوام الذين لا علم لهم بدقائق الشرع وحقائق الأصول، بل فيهم علماء معروفون على مستوى العالم الإسلامي ولهم باع واسع في العلوم الشرعية مثل الدكتور جعفر إدريس الذي أقترح على الاستاذ الشنقيطي أن يلتقيه كفاحا إن أمكن أو عبر وسائل الاتصال الأخرى ليضيف إلى علمه بالترابي أبعادا أخرى جد مهمة. كما أنعي على الأخ محمد مختار الشنقيطي طعنه الخفي في صدقيّة العلماء بمجلس الفقه الإسلامي التابع لحكومة عمر البشيرمما يناقض إعلانه في عنوان المقال أنه سيعالج الامر بدون تشهير! اللهم إلا أن يكون الشنقيطي قد عنى بعدم التشهير الترابي وحده لا خصومه أيضا!



    ثانيا، صفوة مقال الأخ الشنقيطي وعصب دفاعه عن آراء الترابي يتلخص في أن الترابي ليس بدعا في هذه الشطحات الفقهية بل سبقه إليها آخرون من علماء السلف. ولا أظن أن الأستاذ الشنقيطي يجهل أنها آراء شاذه وأن رأي جمهور علماء السلف على خلافها. ثم إن نصيب كل واحد من هؤلاء العلماء الذين أومأ إليهم كاتب المقال لا يتعدى الرأي أو الرأيين، أما في حالة الترابي فقد أصبحت هذه الأقوال النشاز والمرجوحة أصولا يُتكأ عليها لإصدار آراء فقهية تعارض الإجماع ومستندا لنفي السنن الثابتة المشهورة. وهذا استخفاف بالعلم الشرعي وتخريج فقهي يستخدم، على حدّ تعبير الأخ الشنقيطي، "لغة استفزازية مستهترة...وحشد لالفاظ مستهجنة لا يصلح استخدامها من طرف أهل العلم وهم يتحدثون في دين الله" وفي الحق أنني وجدت صعوبة بالغة في التوفيق بين عبارة المؤلف هذه ووصفه للترابي في موضع آخر من مقاله بأنه ذو "عقل تحليلي وتركيبي نادر، قادر على سبر المسائل الشرعية، والغوص على أصولها...وفحصها بدقة" ليت شعري كيف يكون الإنسان صاحب لغة مستهترة استفزازية وتسيّب في رد النصوص ثم يكون برغم ذلك مدققا في المسائل الشرعية محيطا بجميع جوانبها!!! ثم ألم يكن إبليس عليه لعائن الله صاحب عقل تحليلي وتركيبي بديع إلا أن قدراته العقلية هذه لم تنفعه حين أخذ يتفلسف ويرد أوامر الله بأدنى الحيل؟



    ثالثا، إن أهم سمة من سمات ديننا الإسلامي هو أنه إلهي المصدر لا صنعة عقول بشرية، ولذلك ألزمت الشريعة المتفقهين والمجتهدين بحدود وأطر ومبادئ معينة لا ينبغي لهم أن ينفذوا من أقطارها، وأمرتهم أن يجعلوا لآرئهم الاجتهادية متكأ ومستندا من الأدلة الشرعية حتى لا تكون اجتهادات متفلتة باعثها التشهّي والهوى أوممليها الاعجاب بالرأي. كما لا ينبغي لنا أن نستسهل عملية القول بأن هذا أو ذاك من حدود الشرع ومقرراته، كشهادة المرأة مثلا، قد انتهى زمانه وأن تغيّر الظروف يحتم إلغاءه واستبداله بحكم آخر، إذ إن لهذا القول خبيْ هو: أن علم الله قاصر ولا يحيط بغيب الأمور! وهو بعد منحىً يترتب عليه خطر عظيم يتهدد ديننا كله بالإلغاء مع تغير الظروف وتطور الزمن، فيصرح البعض، وقد حدث هذا بالفعل، أن حد السرقة لا يمكن تطبيقه في عصر تسود فيه قوانين حقوق الإنسان، أو يصرح آخر، وقد سمعنا ذلك، بأنه لا سبيل إلى تطبيق النصوص الشرعية المتعلقة بالربا في هذا الزمان الذي تعقدت فيه الحياة الاقتصادية!! ثم لا ينبغي لنا أن نذهل عن حقيقة مهمة وهي أن التكليف بشرائع الإسلام هو ابتلاء واختبار قبل أن يكون أوامر معلومة الحكمة، فقد جاء في حديث طويل بصحيح مسلم قول الله تعالى مخاطبا نبيه عليه الصلاة والسلام: "إني مبتليك ومبتل بك" فالله يريد أن يبتلينا ليرى إن كانت ستستخفنا شبهات الكفار وأعداء الدين أم سنستمسك بالذي أوحي إلينا. وفي القرآن مصداق لذلك: "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه" وقال عز وجل مخاطبا محمد: "إن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره، إذن لاتخذوك خليلا" وللجارين وراء رضا الكفار وخُلّتهم نقول: إن رضاهم سلعة غالية وإنها لن تُُنال إلا بشرط واحد هو: أن نرتد عن ديننا وننخلع عنه بالكلية ونتبع ملتهم "لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم" والعجيب أنه حتى القوانين والدساتير التي تنتجها عقول البشر تُحاط بسياج من الإجراءات التي تجعل تعديلها إو إلغاءها أمرا شاقا وعسيرا جدا، فيشترطون في بعض الدول مثلا موافقة ثلثي أعضاء البرلمان لتعديل الدستور، وبعض الدول تشترط إجراء استفتاء لاخذ رأي الشعب جميعا في التعديل المقترح، ولعلّ في هذا تفسير لظاهرة قلة التعديلات التي حدثت في دستور الولايات المتحدة الامريكية مثلا رغم أنه وضع منذ مائتين وستين عاما ورغم أن واضعيه بشر خطأءون، كما نرى أن الأمريكيين لا يزالون يتمسكون ببنود دستورهم ويوقرونها أشد التوقير ويحتجون بروحها وبنصوصها في مداولاتهم القضائية!! بل إن غالبية قضاة المحكمة الأمريكية العليا حاليا هم من المحافظين الذين يجاهرون بتمسكهم بحرفية مواد الدستور الأمريكي. فكيف بدستور رب العالمين، ألا يستحق توقير واحترام المسلمين اليوم، إن مسلمي الجيل الأول كانوا أشد توقيرا لشريعة الله رغم وفرة عقولهم وعمق علمهم وكانوا يتحرجون من القول بالرأي في دين الله، فهذا أبوبكر الصديق رضي الله عنه، أعلم هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول حين سئل عن معنى آية: "أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأيي"



    ثالثا، مسألة مهمة وردت بمقال الأستاذ محمد مختار الشنقيطي وهي تعليقه على بعض الأحاديث التي وردت بصحيح مسلم ووصفه لها بالغرابة والتناقض. فالحق أنني لم أجد في الأمثلة التي أوردها غرابة. فقد أورد الكاتب الحديث الذي في صحيح مسلم والذي يتحدث عن أن المسلمين سيفتحون القسطنطينية ثم لما يرجعون يصيح بهم الشيطان أن الدجال قد خلفهم في أهليهم. ويذكر الكاتب أن القسطنطينية قد فُتحت ولم تقع هذه الحادثة التي تنبأ بها الحديث. وأقول في الرد على هذه الشبهة:

    من يدرينا لعلّ القسطنطينية تسقط ثانية في يد الكفار فيفتتحها المسلمون مرّة أخرى ثم تقع الحادثة التي أشار إليها الحديث؟ وليس هذا بمستبعد، فمن كان يظن أن بغداد عاصمة الدولة الإسلامية والقدس أولى القبلتين ستقعان، وفي زماننا هذا، في يد الكفار؟ ثم تعرّض الكاتب لحديث مسلم بشأن بن صيّاد الذي كان بعض الصحابة يعتقد أنه الدجال، وتحدث عن قصة التابعي الذي ذكر أنه شاهد الدجال مقيدا بالسلاسل بإحدى الجزر البحرية. واعترض الكاتب على هذه الحكايات بحجة أن العلم الحديث والتقنية الحديثة قد مسحت جميع مناطق الأرض ولم تعثر على هذه الجزيرة التي وصفها التابعي وقال إن الدجال مسجون فيها. وتعقيبا على هذا القول أقول:

    إن الاعتماد على التقنية والعلوم الطبيعية للحكم على النصوص الشرعية بالصحة أو البطلان منهج خطير جدا. فالعلم أمر ليس ثابتا بل هو متغيّر باستمرار وتنسخ مقولاته بعضها بعضا وذلك يرجع إلى قصور عقول البشر وقلة محصولهم من العلم وعدم إحاطتهم بالغيب: "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" فبرغم التطور العلمي والتقني الهائل الذي حققته البشرية إلا أنها لا تزال تخرج علينا كل يوم باكتشافات جديدة تتعلق بكوكب الأرض الذي ظننا أننا قد قتلناه بحثا. فمن المصادفات العجيبة أنني أثناء إعدادي لكتابة هذا المقال سمعت عالما استضافته إحدى القنوات الإذاعية الأمريكية يقول إنهم اكتشفوا قبل أيام وجود نيزك ضخم تساوي مساحته مساحة ولاية أوهايو الأمريكية وذلك تحت الطبقة الجليدية التي تغطي الدائرة القطبية الجنوبية!! سبحان الله! كتلة كبيرة بهذه الضخامة لا تُكتشف إلا قبل أسبوع أو شي من هذا القبيل! أين كانت الأقمار الصناعية وأين التلسكوبات كل هذا الوقت؟ وبالمثل فمن يدري فلعل جزيرة الدجال موجودة لكننا لم نهتد إليها بعد! أو ربما أن الله سبحانه وتعالى عمّاها عنا وأخفاها كما أخفى أشياء كثيرة عن إدراك وأبصار البشر. أليس الله قد قال: " وترى الجبال تحسبها ساكنة وهي تمر مرّ السحاب" ولو قال أحد اليوم أنه شاهد جبلا يجري لعُدّ في زمرة المجانين! ثم أليس في القرآن حديث عن يأجوج وماجوج وأنهم محبوسون في سد موجود في كوكب الأرض؟ وماذا عن الحديث الصحيح الذي أشار فيه الرسول أن سدّ ماجوج قد فُتحت فيه ثُلمة؟ هل نصدق هذه النصوص الثابتة فنؤمن بوجود شعب يأجوج ومأجوج والسد الذي يحبسهم، أم ننكر وجودهم بحجة أنهم لو كانوا موجودين لاكتشفتهم الأقمار الصناعية؟ ثم كيف نقول لمن ينكر وجود عذاب القبر أو سؤال الملكين بالقبر بحجّة أن جثث الموتى توجد في برّادات المشارح وليس فيها أو عليها ما يدل على وجود سؤال ولا عذاب ولا يحزنون؟

    إن التعامل مع النصوص الشرعية الثابتة من منظور تقني علمي صنيع لا يفضي بصاحبه إلا إلى وهاد الشك وأتون الحيرة ومفازات التردد، وسينتهي الأمر بمن أبتلي به أن يؤمن بالعلوم والتقنية ويكفر بالله أحسن الخالقين والعياذ بالله.
                  

06-13-2006, 08:54 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير....محمد بن المختار الشنقيطي (Re: munswor almophtah)

    حتى يتم الوقوف على فقه الشناقيط والمتأثر بفقه وفلسفة المغرب العربى وأعنى الأندلس كإبن رحزم وإبن ماجه وإبن طفيل وإبن رشد نقوم برفع هذا البوست.....................


    منصور
                  

06-13-2006, 04:04 PM

رأفت ميلاد
<aرأفت ميلاد
تاريخ التسجيل: 04-03-2006
مجموع المشاركات: 7655

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير....محمد بن المختار الشنقيطي (Re: munswor almophtah)

    Quote: وليس من ريب أن العلماء القائلين إنها لم تنلها يد التغيير والتبديل قد أخطأوا خطأ جسيما، إذ يكفي تصفح سريع لتلك الأسفار للتوصل إلى استنتاج قاطع بتحريفها.




    That easy

    Quote: ولو كان الترابي اليوم يقول إن التوراة الحالية لا تزال طرية كما أنزلت من عند الله لاستبيح دمه


    ok
                  

06-14-2006, 06:59 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير....محمد بن المختار الشنقيطي (Re: رأفت ميلاد)

    الأخ رافت كيف حالك واحوالك وبارك لك الذى خلقنى وخالك...فطبيعى أن يختلف الناس وطبيعى جدا أن يتفق البعض منهم على ما أختلف عليه البعض الآخر...فذوى البحث عن الحقيقه لا تفتر لهم همه يسخرون كل ما يملكون للعثور عليها وقد يحدث للناس تغبيش فى قناعاتهم ويسخر الله من خلقه من يجلى ذلك فوسعت رحمة الله كل شئ وأحصت كل شئ عددا.............................


    منصور
                  

06-14-2006, 07:54 AM

رأفت ميلاد
<aرأفت ميلاد
تاريخ التسجيل: 04-03-2006
مجموع المشاركات: 7655

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير....محمد بن المختار الشنقيطي (Re: munswor almophtah)

    عزيزى الأستاذ منصور المفتاح

    أولآ آسف قرأت الموضوع أمس في المكتب وما كان عندى عربي لذلك إشستعملت شفرة لأستوقفك قليلآ
    لا يوجد هنا إختلاف فهذه معتقدات وليست آراء شخصية

    إستمتعت بشرحك الواضح والساهل (بصراحة أنا كنت بليد في القفه فى المدرسة)
    لأن الطرح دائمآ متداخل ومعقد . ومليون رأى . وطبعآ المشكلة كانت فى الإمتحان لا الإعتقاد

    بالنسبة للفقرة

    Quote: وليس من ريب أن العلماء القائلين إنها لم تنلها يد التغيير والتبديل قد أخطأوا خطأ جسيما


    طالما هناك علماء لهم آراء مغايرة أرجو عدم قلب الصفحة بهذه السرعة فى الفقرة الثانية

    أتمنى مناقشة الأمر بإسهاب قليل
    ومنكم نستفيد . وهنا أعنى ما أقول . فعلآ هذه أول مرة أسمع بهذا الحديث
    وفقط من باب المعرفة

    وأعتقد رجل مرن ومتفتح مثلك بعيدآ عن عصبية بض الشيوخ (ولا أعنى الإساءة) ستكون الإستفادة عالية بلا ريب.

    عن الفقرة الثانية


    Quote: لاستبيح دمه


    شكلها طالبانية شوية
    أرجو أن لاتكون المزحة ثقيلة

    لك منى الود والإحترام

    أخوك رأفت
                  

06-14-2006, 01:00 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير....محمد بن المختار الشنقيطي (Re: رأفت ميلاد)

    الأ رأفت السلام والرحمه

    والله مثلك تماما أبحث عن الحق أين ما وجد فرأيت الشنقيطى جاء بفهم عميق رغم ما أصابنا من حيره من تلك الفتاوى والتى لم نتهيأ إليها بأى معرفه والمعلوم والمعروف عن الشناقيط...العلم وعلم الفقه...وموريتانيا بعدد سكانها ربما تكون أعداد موطأ مالك لأنهم يحفظونه عن ظهر القلب ...فأنا وأنت وغيرنا لا يضيرنا ما نعرف وما يضيف لنا من علم يؤكد جهلنا بالكثير المثير والذى كنا نعتبره نهاية المعرفه...فيا رأفت من قصد الحق صادقا ومخلصا لا محالة واصل............................


    وأنا لا أملك فى ذلك السفر إلا نقله لتعم الفائده ولك الشكر والسلام


    منصور
                  

06-14-2006, 02:22 PM

رأفت ميلاد
<aرأفت ميلاد
تاريخ التسجيل: 04-03-2006
مجموع المشاركات: 7655

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير....محمد بن المختار الشنقيطي (Re: munswor almophtah)

    up
                  

06-15-2006, 04:03 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير....محمد بن المختار الشنقيطي (Re: رأفت ميلاد)

    ومن أمثلة هذا الاضطراب في أحاديث المسيح ابن مريم والمسيح الدجال حديث في صحيح مسلم يصرح بأن ظهور الدجال ونزول المسيح يكون بعد رجوع الجيش الإسلامي إلى الشام من فتح القسطنطينية مباشرة: "...فيفتتحون قسطنطينية، فبينماهم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون، وذلك باطل. فإذا جاءوا الشام خرج. فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة. فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، فأمهم. فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء. فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته"[92]. والمشكلة في هذا الحديث أن القسطنطينية تم فتحها منذ أكثر من خمسة قرون، وعادت منها الجيوش الإسلامية ظافرة، فما وجدت المسيح ولا الدجال!!!
                  

06-15-2006, 03:35 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير....محمد بن المختار الشنقيطي (Re: munswor almophtah)

    في عام 1998 أصدر محدِّث اليمن الشيخ العلامة مقبل الوادعي رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته محاضرة في شريطيْ كاسيت بعنوان: "البركان لنسف جامعة الإيمان"، يهاجم فيه جامعة الإيمان في اليمن، وهي صرح من صروح العلم والتقوى والدعوة. وكان الشريط صدمة لرئيس الجامعة، الشيخ العلامة الورع عبد المجيد الزنداني، كما كان صدمة لجميع مدرسي الجامعة وطلابها، ولأغلب العاملين للإسلام في اليمن. ولم يكن مصدر الصدمة محصورا في التحامل الذي بلغ حدا عجيبا، بل في التساهل في الرواية من شيخ محدث متمكن. فقد قال الشيخ مقبل رحمه الله في إحدى شريطيه: "أخبرتني أم مالك وهي أوثق عندي من جميع الإخوان المفلسين" (يقصد الإخوان المسلمين) .. ثم أورد قصة عن أم مالك مفادها أن الشيخ الزنداني تحرسه النساء، ثم علق الشيخ مقبل على ذلك قائلا: "لقد أصبحت قذافيَّ اليمن يا زنداني"!!!
                  

06-16-2006, 01:59 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير....محمد بن المختار الشنقيطي (Re: munswor almophtah)

    حتى تعم الفائده بمعرفة ما لا نعرف عن معرفة الخواص يجب الوقوف عند كل صيحه........................



    منصور
                  

06-16-2006, 07:51 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير....محمد بن المختار الشنقيطي (Re: munswor almophtah)

    ثم تعرّض الكاتب لحديث مسلم بشأن بن صيّاد الذي كان بعض الصحابة يعتقد أنه الدجال، وتحدث عن قصة التابعي الذي ذكر أنه شاهد الدجال مقيدا بالسلاسل بإحدى الجزر البحرية. واعترض الكاتب على هذه الحكايات بحجة أن العلم الحديث والتقنية الحديثة قد مسحت جميع مناطق الأرض ولم تعثر على هذه الجزيرة التي وصفها التابعي وقال إن الدجال مسجون فيها. وتعقيبا على هذا القول أقول:
                  

06-23-2006, 12:51 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير....محمد بن المختار الشنقيطي (Re: munswor almophtah)

    لقد وصف القرآن الكريم أهل الكتاب بالكفر في آيات عديدة يعسر حصرها. كما وصفهم بالشرك في بضع آيات، منها قوله تعالى: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون"[7] وقوله تعالى: "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار"[8].
                  

06-23-2006, 02:12 PM

رأفت ميلاد
<aرأفت ميلاد
تاريخ التسجيل: 04-03-2006
مجموع المشاركات: 7655

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير....محمد بن المختار الشنقيطي (Re: munswor almophtah)

    up
                  

06-25-2006, 11:48 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير....محمد بن المختار الشنقيطي (Re: رأفت ميلاد)

    يقولون عن ود الريف إنه قال (أعرف الصنعه ثم أتركها) فكيف يكون لك رايا في ما لا تعرف وفى من لا تعرف........................




    منصور
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de