|
الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
|
الصفحة الرئيسية منبر الرأي د.عبد الله علي ابراهيم الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم الجمعة, 04 شباط/فبراير 2011 05:56
عرض نقدي لكتاب الخاتم عدلان (آن أوان التغيير) (1994)
1 كتب الخاتم “آن آوان التغير" ( فرغ منه في1991) عن وجوب أن يغير الحزب الشيوعي ما بنفسه ونشرها في طبعة ثانية في فبراير 1994 في "الشيوعي"، مجلة الحزب الشيوعي السوداني النظرية. وهو تغيير أزف في نظر الخاتم من جهة انحطاط نظم الاشتراكية التي تركت عصر البطولة من خلفها وتحولت بأحزابها إلى بديل للطبقة العاملة التي جاءت باسمها إلى الحكم فأذاقتها الويل. ولم يكن فساد الماركسية ووجوب التخلص منها هو شاغله بصورة منهجية. بل جاء إلى إبطال الماركسية من جهة قعود حزبه دون بلوغ مراق كان قد التزم به. فهذا الفشل هو الذي قاد الخاتم ليقول بصورة عامة "إن السير بالطريقة القديمة لم يعد ممكناً. فالإيدوجية القديمة (الماركسية) لم تعد ملهماً للأجيال الجديدة ولا مفجراً لطاقاتها ولا جامعاً لقوى التغيير" (صفحة 12). ليس مهماً كيف جاء الخاتم إلى نقض الماركسية. ولكنه متى انشغل بالأمر وقعت عليه تبعة أن ينقضها وجهاً لوجه، نصاً وممارسة، كما هي السنة المتبعة. ولذا نستغرب كيف أبطل الخاتم نظرية خدمها طويلاً أكثر عمره القصير بغير ذكر نص ماركسي واحد سوى إشارة عرجاء لماركس عن نبل البروليتاريا لم يحسن حتى توثيقها. ولم ير غضاضة بالاستعانة بكتاب لمبطل كبير للماركسية هو ألان توفلر "تحول القوة" ( Power Shift). ولم يزد عليه كمرجع على الماركسية أو لها على طول كتابه الذي بلغ 110 صفحة. لم نأت بالضمور المرجعي المطلق لكتاب الخاتم جزافاً. فالتخلي عن عقيدة كالماركسية لمن التزمها كالخاتم مسؤولية لم ينهض بها على وجهها الحق. ولم يسعفه دون إطراح الماركسية، جملة وتفصيلاً، لا ذهنه الفلسفي وتدريبه الذي زكاه ليتفرغ مثقفاً في الحزب ولا خدمته الطويلة الممتازة في صفوف حزب ظل حسن الظن به حتى خرج عليه في 1993. وسنرى أنه تعامل بغير قليل من الإهمال مع هذه المسؤولية تجاه ماركس التي أحسن وصفها جاك دريدا الفيلسوف الفرنسي والماركسي الذي انقطع عنها دهراً. فقد صدر له في 1994 كتابه "شبح ماركس" في نفس الوقت الذي ظهر كتاب الخاتم في مجلة “الشيوعي”. وأول أبواب هذه المسؤولية لدى دريدا هو أن يكف المثقف عن إعادة اختراع العجلة. فالعقائد التي أبطلت الماركسية في الثمانينات وما بعدها، ورتبت نفسها لتجاوزها، لم تأت بما لم تسبق إليه. ف"نهاية الماركسية"، التي يقول بها فوكوياما صاحب كتاب "نهاية التاريخ"، عند دريدا "قديمة". ولكن نفراً كثيراً من قراء فاكوياما، أو مستهلكيه، أو حتى فاكوياما نفسه، لا يعرف قِدم بضاعة التكهن ب"نهاية" هذا او ذاك من الأمر: "نهاية التاريخ"، "نهاية الماركسية" "نهاية الفلسفة"، "نهاية الإنسان" وهلمجرا. وقال دريدا إنهم مضغوا ذلك شباباًً في الخمسينات. ولذا فإعادة القول عن نهاية هذا الأمر أو ذاك هو حديث خرافة عنده وعند جيله. أما الذين ينتشون بهذه الخرافة بفرح شبابي غرير فيبدون كمن جاء متأخراً إلى الحفل أو كمن يريد ما يزال أخذ آخر قاطرة في حين بارحت تلك القاطرة المحطة: يبدو كمن تأخر حتى عن نهاية التاريخ (شبح ماركس 14-15). أما الباب الاخر والمهم في المسؤولية تجاه ماركس وهو أنه لا نهاية له. ولا نقول ذلك لصلاحه في كل زمان ومكان. فحقيقة الأمر أننا لا نتعامل مع الماركسية معرفة بالألف واللام بل مع ماركسيات. فالخاتم نفسه لم ير غضاضة في أن تنفتح فلسفة الحزب الشيوعي السوداني، الذي رنا إليه في كتابه، على نظر كثير آخر من بينه الماركسية. فالماركسية تقليد فلسفي لا "ينتهي". ويقول دريدا: "سيظل من الخطأ أن لا نقرأ ماركس أو نعيد قراءته ومناقشة أفكاره . . . وسيكون الإضراب عنه أكثر فأكثر خطأ وفشلاً في المسؤلية النظرية والفلسفية. وسنتذرع لاستدبارنا مسوؤليتنا حيال قراءة ماركس لأنه لن نوفق إلى سبب وجيه لذلك الإضراب بخاصة في الوقت الذي تخلص لنا نصوص الرجل من غوغاء التنطع والأيدلوجية التي تشبثت به طويلاً حتى تلاشت (الدول، الأحزاب، الخلابا، النقابات ومواقع الإنتاج العقائدي الأخرى). فليس ثمة مستقبل بغير تحمل هذه المسؤولية. ليس بغير ماركس: فبغيره يسقط المستقبل. لن يكون هناك مستقبلاً بغير ذكرى الرجل وإرثه. لن يكون ذلك المستقبل بغير ماركس ما، بغير ذكائه، وبغير واحدة من أرواحه على الأقل . . . هناك أكثر من ماركس واحد، يجب أن يكون هناك أكثر من ماركس واحد" (شبح ماركس 13) 2
سنلقي في الجزء التالي أضواء على أفكار الخاتم عن منزلة الحزب الشيوعي والنواقص التي أخذها عليه التي جاءته من باب تمسكه بالماركسية. فمن رأيه أن حزبه الشيوعي ليس بمنأى عن الانحطاط الذي ضرب أحزاباً مثيلة وسابقة ومتمكنة في المعسكر الاشتراكي. فليس يسلم حزب السودان من ذلك لدعواه أنه حزب مختلف متجذر في مأثرة وطنه أوأنه حزب "عبد الخالق والشفيع". وقال إن حزبه كان لن يصمد أيضاً متى وضعته الظروف في وضع الأحزاب الشيوعية الحاكمة الظالمة. فقد بدت عليه مظاهر الشيخوخة أيضاً. فنظمه الداخلية "عفا عليها الزمن والديمقراطية يجب أن تدخل من جمبع النوافذ والأبواب، كما ان الوجوه يجب أن تجدد". وميز حزبه مع ذلك بأنه حامل لجينات الخلاص من تاريخه متى ما شرعنا في الإصلاح بعزيمة وقوة (9-11). عرض الخاتم لتأريخ موجز للحزب خلص منه إلى أنه كان "جزءا أصيلاً من نضال الشعب السوداني . . . لم يكن نبتاً شيطانياً ولا كياناً مصطنعاً ولا مقولة ملفقة، بل استدعاه الواقع: استدعته المهام الوطنية التي كانت مطروحة أمام الشعب والتناقضات المستعصية التي كانت تنتظر الحل والآمال المشروعة في الديمقراطية والاشتراكية، التي لم يتحرك بها وجدان الشعب السوداني فحسب، بل انداحت دوائرها لتغطي كل القارات، وتأخذ بشغاف أفئدة الشعوب". (19-20). بل تخطى الحزب "مستوى النضال السياسي المباشر إلى مستويات الفكر النظري والخلق الفني والأدبي والثقافي". وكتب عبد الخالق عن النظرية التي تنسق الوجدان وتفسر ظواهر الوجود وتعطي الإنسانية رسالة نبيلة في الحياة" (20). ونسب هذه المهارة السياسية والفكرية إلى الماركسية ونظرتها الطبقية. وميز الشوعيين لتمسكهم بالتحليل الطبقي برغم قول القائلين لهم بفساده لأن الطبقات لم تولد في السودان أو لعدم صلاحية المعيار الطبقي في الحكم على المواقف الاقتصادية والاجتماعية. وميز الخاتم بشكل خاص وثيقة المؤتمر الرابع "الماركسية وقضايا الثورة السودانية" (1967) التي حاولت إنهاء "غربة الماركسية" بجعلها جزء من نسيج السودانين الثقافي الحي (21). ولكن الخاتم لا يحاسب الحزب بالمتحقق من مشروعاته فحسب بل بما التزم به منها ولم تتحقق. وتساءل إن كانت ما تزال قابلة للتحقيق في ظروف عالمية عاصفة وتطورات متلاحقة لا سبيل للتغاضي عنها ثم نواصل السير كما كنا (24-25).ومن المشروعات المركزية للشوعيين التي لم تتحقق هو "تحويل الحزب إلى قوة إجتماعية كبرى" الذي تبناه المؤتمر الثالث في 1956. ورد ذلك إلى: (1) القمع الشرس الذي وقع عليه من النظم العسكرية وغيرها، (2)تعقد تركيبة المجتمع الذي يغلب فيه القطاع التقليدي بنظمه القبلية والطائفية والعرقية، (3) "غربة الماركسية": فالماركسية موقف فلسفي من الوجود عَزَّ على متناول الأغلبية الساحقة من شعبنا وأنه لطموح "غير عقلاني أن تحاول بناء حزب من الفلاسفة في بلد أمي" (22-23). ثم عرض لما يمكن تسميته لإلحاد الشيوعية وكيف سَهَّل لاعداء الحزب "إنشاء جدار أصم بينه وبين أغلبية الشعب". (33-34). وتذكر عرضاً عدم اتساق الخاتم هنا الذي ساغ له القول بهذه الغربة عن الماركسية في حين أطراها بجعل الشيوعيين يقتربون من واقعهم ويصوغون استنتاجاتهم بنظر دقيق فيه برغم النقائص ( 66) بل ونسب إزدهار الحزب إلى الماركسية وإلى تمسكه بطليعية الطبقة العاملة في نشأته الأولى في الأربعينات رغم نصح الناصحين بغير ذلك. ويرى الخاتم في برنامج الحزب عقبة كأداء حالت دونه والتحول إلى حزب جماهيري. ونظر إلى ذلك البرنامج من زاوية فريدة. فطبيعة البرنامج نفسها منفرة. فهو برنامج مترابط الحلقات لأنه ثلاثة في واحد. فهو يهدف إلى إقامة الحكم الوطني الديمقراطي فالاشتراكية فالشيوعية. وسمى هذا التثليث بالدعوة للإنتماء للحاضر وكل المستقبل. فيتعذر على المرء بهذا التثليث البرنامجي أن يختار حلقة دون الحلقتين الأخريتين. فهو إن اقتنع ببرنامج المرحلة الوطنية الديمقراطية فلن يصبح عضواً فيه لأنه لم يستنفد البرامج اللاحقة في الاشتراكية والشيوعية. فإن غرّب الدينٌ الحزبَ عن الريف فإن "لزوم ما يلزم" البرنامجي (أن تكون شيوعياً غصباً بمقتضى برنامج الحزب مترابط الحلقات) أبعد الحزب من قطاع واسع من جماهير القطاع الحديث. فلو اقتصر الحزب على مرحلة واحدة (بالطبع هي المرحلة الوطنية الديمقراطية) لأعفى هذا الجيل من التورط في مستقبل سيكون له أهله وخياراتهم. ومن جهة أخرى سيقل الإقبال على الحزب متى وصف نفسه بحزب الطبقة العاملة لأنه كمن يدعو الفئات الاجتماعية الأخرى بالانتحار الطبقي قبل دخوله. وبالطبع فمثل هذا الانتحار نبل لا يقوى عليه إلا القليل. ولهذا تناقص نفر الحزب الشيوعي. وعرَّج الخاتم من هنا إلى نقد عريض للماركسية استعان فيه بتوفلر ليقول إن الصراع الطبقي في عصر رأسمالية الثورة التكنولجية و نبوءة الماركسية باشتداد الاستقطاب بين البرجوازية والبروليتاريا باطلة. وسنعود لذلك حين نضع الخاتم موضعه في السياق الكبير للنظريات التي قضت بنهاية الماركسية. وقصور الحزب عند الخاتم براني وجواني. فمصاعب الحزب مع الماركسية ومجتمعه في نظره عوامل "ذات طابع خارجي براني" في تعويق نمو الحزب. وعرج بعد ذلك إلى العوامل الجوانية في مباديء تنظيمه. وسنرى أن هذه العوامل الجوانية مست الماركسية (أو تفريعاتها اللينينة) أيضاً. و هذه العوامل الجوانية هي: 1- تمسك الحزب بالمركزية الديمقراطية التي عَقٌمت بها حياة الحزب الداخلية لضيقها بالخلاف وبرمها باستقلال الأعضاء ونمو شخصياتهم المستقلة وجعلت الطاعة المطلقة لازمة في كادره وشرطاً للترقي. وشاخت بذلك هيئات الحزب القيادية باكراً. وقال إن المبدأ، المركزية الديمقراطية، لينيني ناسب أوضاع الإمبراطورية الروسية ومستوى الثقافة التنظيمية فيها وليس ماركسياً (46-47) 2- تهيب الحزب من بناء مركزية قومية للجبهة الوطنية الديمقراطية. وخطَّأ الخاتم الحزب لامتناعه عن بناء تنظيم وطني للجبهة بذريعة أنه سيكون بناء فطيراً عمودياً مستعجلاً لا يرعى انبثاقات مكونات الجبهة القاعدية التي تنضج بصورة متفاوتة بين الجماهير. وقال إن غيبة المركز عن هذه المكونات أدى إلى أن يفوض الحزب الشيوعي نفسه ليكون هو ذلك المركز يحمل منظمات الجبهة القاعدية حملاً لتتبني سياساته ومواقفه الوطنية. وأدخل ذلك المثقف الديمقراطي، الذي ينتمي عن طريق منظمته المهنية أو غيرها لجبهة لا مركز لها، في أزمة لأنه ينفذ ما لم يكن له الفضل في التفكير فيه وبه.ولأنه لم ينشأ مركز لقوى الجبهة الديمقراطية سَاسَهم الحزب ب "الفراكشنات" (خلايا للشيوعيين تنسق نشاطهم في المنظمات الديمقراطية) التي صارت قيادة غير مرئية للجبهة. وأعطى ذلك الشيوعيين حقاً إضافياً في تنظيم الجبهة الوطنية الديمقراطية. وكردة فعل لذلك قام الطلاب الديمقراطيون في السبعينات بإنشاء تنظيم خاص بهم في جامعة الخرطوم سموه "الجناح الديمقراطي" لفرز كومهم عن حلفائهم الشيوعيين. ورغم الحيوية التي رفد بها هذا الجناح أعضاءه في عمل الجبهة الديمقراطية إلا أنها حيوية اتصفت بسلحفائية في تنظيم ذي رأسين (65-72). 3- حصاد الحزب المتواضع من النفوذ وسط العمال والمزارعين: وقال هنا إن دور العمال تراجع منذ ضربة الحزب بعد انقلاب يوليو 1971 الذي ترافق معه إغلاق كثير من المصانع وتشريد العمال والانهيار الاقتصادي المريع. وخلال عقدين باءت بالفشل "مجهودات الحزب لإيقاظ الطبقة العاملة من سٌباتها". وهذا يمكن في قوله أن يتغير بجهد مثابر ولكن في إطار تراجع الحزب عن دور الطبقة العاملة الرائد النصي في الماركسية. والوضع بين المزارعين في قول الخاتم شبيه بالعمال. بل عزلة الحزب عن القطاع التقليدي برمته بارزة مع أنه يضم أكثر من سبعين في المائة من سكان البلاد، وظل هذا القطاع بوجه عام مغلقاً أمام الحزب الشيوعي، بما في ذلك جنوب البلاد الذي كان الحزب من أوائل الأحزاب التي نشطت فيه، وطرحت رؤية صائبة لحل قضاياه الأساسية (73-74). 4- سوء أدب الحزب مع المثقفين. قال الخاتم إنه كان للمثقفين دور كبير في بواكير نشاط الحزب ثم اضمحل ذلك الدور في عقديّ الثمانين والتسعين للتحولات التي طرأت على أحوال أفراد منهم (الوظيفة، الارتباط بالدكتاتوريات). أما بالنسبة لأغلبية المثقفين فابتعادهم عن الحزب راجع إلى أسباب متعلقة بالحزب. فقد تواضع على تصنيفهم كبرجوازية صغيرة مع الشناعات المرافقة لذلك التوصيف من نقص في الثورية وتذبذب. وهي طبيعة تقول بها الماركسية في الطبقة المتأرجحة بين العمال والبرجوازية بالنظر إلى وضعها في عملية الانتاج بين الجماعتين. وعليه صار وضع المثقفين في الحزب غير مريح " فهم دائماً في وضع الدفاع عن النفس". وقتلت مسلمات الحزب عنهم هذا الفعالية الحرة للمثقف. فنشاطهم في نظر الحزب ليس غير مرغوب فيه فحسب بل هو عٌصَابي نفساني. "فآثر بعضهم الابتعاد عن الحزب وآثر آخرون الخروج عن صفوفه، وبقي آخرون يضطلعون بأدوار تحدد لهم" ووجه نقده لإتهامات طالت المثقف في ما بعد هزيمة ثورة 1924 في "لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي" ( 1962-1965 ( لأستاذنا عبد الخالق محجوب. فقد نعى عليهم هروعهم للمكاسب الشخصية فصاروا رصيداً للمستعمر وانحصر نشاطهم في أندية الخريجين. ولم ير الخاتم بأساً في تَعَلق المثقف بوظيفيته ولا في الانضمام إلى جمعية أدبية. وهي الجمعيات التي ترعرعت فيها فكرة مؤتمر الخريجين وغذت مجلات تلك الفترة بالفكر (77-79). وقال إن ذلك الحكم لم يكن مطلقاً بل انحصر في فترة العشرينات. والتفت إلى ما جاء في وثيقة "قضايا ما بعد المؤتمر" (1968) التي اشترطت شروطاً إيجابية لجذب المثقفين التي علق عليها "أهمية كبيرة". فقال: وذلك بوضعهم في المكان المناسب داخل الحزب، وفتح المجال لتوليهم المسئوليات القيادية حسب مقدرتهم، وعدم إخضاع ذلك للعمر الحزبي، أو سجل التضحيات وبمنع طغيان النشاط السياسي على النشاط الفكري والثقافي بالنسبة لهم . وبالتطبيق السليم للمركزية الديمقراطية لضمان الحرية الفكرية. وبحيث تترك آراء وانتقادات المثقفين أثرها في تطور الحزب واتخاذ قراراته ورسم سياساته. وذلك لأن حركة التثقيف والثقافة لا يمكن أن تنمو في جو تصادر فيه حرية النقد وتصادر فيه حرية التفكير (79-80). وقال إن ما نادى به عبد الخالق أعلاه لم يتحقق. فالهجمة الشرسة على الحزب لم تسمح لوظائفه الثقافية بالاتساع ولم تسمح للديمقراطية داخله أن تزدهر. فلم يستقطب جماعة من المثقفين في العقدين الأخيرين. "والذين بقوا داخله أو التحقوا بصفوفه لم يجدوا المكان اللائق بمقدراتهم ولا المناخ المفجر لطاقاتهم الفكرية".فالمركزية الصارمة استبعدتهم من مركز القرار لأنهم كانوا في مؤسسات حزبية لا تتمتع بسلطة يؤبه لها في رسم الخط السياسي العام للحزب. ووقعت الأعباء الفكرية بالنتيجة على السكرتير العام للحزب يعينه بالكاد واحد أو اثنين من الكادر وانحصر دور الآخرين في التلقي والمباركة والتلقين "وظهرت طبقة طفيلية فكرية معتمدة بالكامل على إنتاج السكرتير العام" فصارت تضيق بكل إجتهاد آخر لا يحمل اسم السكرتير وترى فيه مروقاً (80-81).. ونبه الخاتم بصدد قعود الحزب عن بلوغ مراميه إلى سبق عبد الخالق في التنبيه إلى "بدائية في الأداء والتنفيذ" وأن الحزب إن لم يغير ما بنفسه "فسوف يصبح تنظيماً بدائياً ومتخلفاً، ولا يكون في مقدمة الأحداث بل خلفها". ويرى الخاتم أنه آن أن يجد المثقف مكانه الرحب في قيادة حزبه. ولن يحدث هذا إن لم نكف من طلبنا عليه أن يتحول ليكون هوية نقيضة بل "المطلوب منه فقط أن يكون أميناً لعلمه ولذاته ولشعبه ولوطنه والانسانية والعصر الذي يعيش فيه". وعاب على الحزب أنه لم يصدر خلال عقدين سياسة متكاملة حول المثقفين (82).
3 تلازم عند كل منكريّ الماركسية القول بنهايتها بسبب بطلان أطروحتها في الصراع الطبقي في النظام الرأسمالي. ونقطة التركيز في إنكارهم هي فساد ما علقته النظرية من أمل على البرليتاريا في تحقيق مجتمع للاشتراكية أو الشيوعية. ولم يترك الخاتم مجالاً لمجتهد حول منطلقه في بطلان الماركسية بعد استشهاده بتوفلر. وهو منظر معروف لنهاية الماركسية على حيثيات الثورة المعلوماتية والتكنولجية المعاصرة. وأعاد الخاتم أقوال توفلر بحذافيرها كما سنرى. ولكننا سنعرض أولاً لاجتهادات خاصة للخاتم حول بطلان رهن المستقبل بالطبقة العاملة. من رأي الخاتم أن رهن المستقبل بالطبقة العاملة من أضغاث ماركس الشاب. فقد كان افتتن في شبابه بنبل هذه الطبقة افتتناناً لم يتجاوزه وقد تقدم به العمر الكفيل بتبديد نزوات الشباب. وقاريء كتابات الخاتم حتى غير المدقق سيجده يكرر أن من لم يعتنق الماركسية شاباً خاطيء ومن تجاوز الشباب وما زال عَلِقاً بها خاطيء كبير. قال في معرض نبل ماركس الشاب: ولعله سيكون من المفيد أن نتذكر أن تعلق ماركس بالبروليتاريا في أساسه كان تعلقاً رومانسياً لفتى لم يتعد العشرين إلا قليلاً عندما كان يبحث عن العدالة المطلقة. فاستعار من دون أن يعي مفهوم المسيح المخلص، وأصبغه على طبقة أثارت شفقته واستفز شقاؤها حسه العميق بالعدالة. وقد ظل ماركس في سنيّ نضجه وشيخوخته أميناً امانة مدهشة لمشروع كان صاغه في صباه. إن الذي يقرأ نصوصه حول العمال الفرنسيين والعمال المهاجرين الألمان "الذين يشع نبلهم من أجسادهم" سيدرك بسهولة ما نرمي إليه. وإن المطلع على أعمال ماركس لن يجد في ترشيحه البروليتاريا لقيادة التاريخ الإنساني سوى أسباب واهية (صفحة 43) وهذا شطح من عدة جوانب لا بينة له في سيرة ماركس. فقد صبغ الخاتم ماركس بسذاجة عاطفية لم يسبقها إليه الخبراء في سيرة الرجل. فقد وصفه إزايا برلين، الأكاديمي البريطاني، بأنه رجل منقطع بصورة غير عادية عن البيئة التي حوله. فالذي ليس مطبوعاً في مجلة أو كتاب كأن لم يكن. وإنه ظل حتى وفاته غير ملق بالاً بصورة كبيرة لنوعية الحياة من حوله ولا لخلفياتها الطبيعية أو الاجتماعية. فقد خلت طبيعته من العاطفية بل هي طبيعة مَثلوجة إن أردنا الدقة. فللبيئة من حولها تأثير يكاد لا يذكر . . . فهو كاره لكل شغف وبالذات ذلك الذي يتغذى بالعبارات البطولية. كان ماركس، والقول ما يزال لبرلين، لا يطيق البسالة بغير نظر والولاء بغير بصر. وليس أدل على ذلك من حكايته مع الداعية الاشتراكي وليهام ويتلينق، الترزي، الذي دعا إلى حسم الصراع الطبقي بالإرهاب. وكان الرجل خطيباً مؤثراً على العامة. ويقال إنه التقى بماركس الذي طلب منه أن ينوره بما ينوي فعله للطبقة العاملة. ومن بين ما قاله الداعية إن نقد أوضاعها بالكتابة بعيداً عن عالم شقوتها غير مجد. وواضح أن الرجل من العمليين الذين يعتقدون أن شقاء الجماعة البين هو كل ما يحتاجه الرجل العطوف للنضال من أجلها. وليس هذا مزاج ماركس ولا فكره. فخبط ماركس على المنضدة وصرخ فيه " لم يخدم الجهل أحداً أبداً". وانفض اللقاء ولم يجتمعا معاً مرة ثانية (برلين 92). لم تكن البروليتاريا على رادر ماركس (الذي عاش بين 1818-1883) إلا بعد خمس سنوات من تأرخة الخاتم. وليس المهم هنا سن ماركس بل الأشراط التاريخية والفلسفية التي توصل فيها إلى خطر البروليتاريا في التاريخ. فلم يكن ماركس شيوعياً حتى تهجيره من وطنه المانيا إلى باريس في 1843 لنقده الاستبداد القيصري بقوة في مجلة أصدرها. فقبلها ما عرف سبيلاً للشيوعية. بل جعل الغرض من المجلة، التي قرر معاودة إصدارها في باريس، المدينة التي سماها "الجامعة القديمة للفلسفة" أن تنأى عن التماهي مع أياً من التنطعات الجذرية وذكر منها الشيوعية بالذات لقصورها وتعبيرها عن جانب واحد من جوانب الواقع الإنساني. وكان الهدف من المجلة أن تعين المتنطعين على استيضاح أفكارهم. ولكنه سرعان ما وجد نفسه يحث الخطى إلى الشيوعية. ومن دلائل ذلك نشره مقاله عن هيغل بالمجلة جنح نحو الشيوعية فيها حتى أغضب ممول الجريدة الليبرالي اليوتوبي-الخيالي. وفي ذلك المقال اكتشف ماركس البروليتاريا كالقوة التي ستحل النظام الاجتماعي القائم ومحررة البشرية من أسقامها (بادوفر 173 ). نمى ماركس في سنوات المنفى في باريس (بين سنوات 1843 و 1849 داخلاً خارجاً) مفهومه للمادية التاريخية في خضم التيارات الفكرية والمؤثرات العاجة بالمدينة موئل المفكرين الأوربيين الثورييين. وخلافاً لقول الخاتم فإنه تخلص من الرومانسية الهيغلية يوم اكتشافه للبروليتاريا كقوة لبناء المجتمع الجديد. فقرأ الاقتصاديين مثل سميث وريكاردو ووجد أسلوبهم صاف وبارد وغير مؤجج بالعاطفة مما لا يقارن ببلاغية وعاطفية الألمان المزجاة. وجذبه للاقتصاديين مزيج من المكر العملي وتركيزهم على التحري الإمبريقي بالفرضيات العامة الحاذقة. وقوى ذلك ميله الطبيعي لتفادي كل أشكال الرومانسية والقبول بالتفسير الطبيعوي للظواهر وحده لا غيره مما يمكن إثباته بدليل من الملاحظة العلمية. وخلَّصه الاقتصاديون الإنجليز والاشتراكيون الفرنسيون بالتدريج من ركام غيوم الهيجلية. فآخى بين هيغل والاقتصاد السياسي الذي استولى على فؤاده في باريس. فأعطى مفهوم التغريب الهيغلي الفلسفي المجرد معنى جديداً ربطه بالعالم المادي وبخاصة عالم الشعور الإنساني والفعل الإنساني. وجاء بمفهوم "تغريب العمل" في النظام الرأسمالي وهو تغريب العامل عن ما ينتجه في الصناعة للآخرين (بادروفر 191) . جاء ماركس للعمال بمقتضى النظر للتاريخ الذي وضع سره في الطبقة العاملة كالطبقة التقدمية للإنسانية الجديدة في العصر الرأسمالي. وهذا ما دفعه ليكون سيء الظن بالفرنسي الاشتراكي الفوضوي ببيير-جوزيف برودن. فقد وجده أخلاقياً أكثر منه تاريخياً. فمواقفه قبولاًً ونقداً للظواهر بناها على معايير أخلاقية مطلقة وجَهِل تماماً اعتبار الأهمية التاريخية للنظم والمؤسسات. ونقد ماركس كتابه "فلسفة البؤس" بغير رحمة لأنه، كما قال، مضلل. فمن بين مائة عامل قرأوه ربما تجاوز عشرة منه أفكاره ولكن التسعين الباقين سيعمهون في ضلاله. وقال لاحقاًً في وجوب نقد مثل برودون لإنه إذا تركت الخطأ بغير فضح فإنك إنما تشجع التبذل الفكري أو الخنا. ومن فرط "لا رومانسية" ماركس أن أواصر صداقته لفردريك إنجلز التي نوه بها الخاتم تنويهاً خاصاً، انعقدت انتصاراً للنهج العلمي والعقلي. فرد سول بادوفر، مؤلف ترجمة عصماء عن ماركس، صداقته مضرب الأمثال مع إنجلز إلى مقتهما معاً للرومانسيات. كان ماركس أعجب بمقال لإنجلز نشره في مجلته عرض فيه لتطور الرأسمالية من الميركنتالية إلى نظام المصنع في انجلترا. ثم استمد من كتاب إنجلز عن أوضاع الطبقة العاملة في بيريطانيا علماً غزيراً. ووجد ماركس الجاهل بالشأن في شغل صديقه دراسة مبادرة ملموسة لواقع ملموس هو تطور النظم والمؤسسات الرأسمالية. وفي لقاء الرجلين (28 أغسطس إلى 6 سبتمبر 1844) تطارحا افكارهما ووجدا أنهما متطابقان في نظرتهما للأشياء وقررا التناصر في خدمة الشيوعية (بادوفر 184). تحول ماركس إلى الشيوعية بتداخله مع العمال في باريس. وقد عرّفه بهم جماعة من حلقة منعقدة حول موسيس هيس، المعجب بماركس. وكذلك أقامت بباريس جماعة عمالية وصنائعية من الألمان احتكرت صناعة الأحذية وسادت فيها اتجاهات شيوعية قوية. وتعرف ماركس على منظمة شيوعية وسطها اسمها تحالف العدالة وتركت أثراً قوياً عليه. بل نجده نظم الدولية الشيوعية الأولى في 1864 على هيكلها التنظيمي (بادوفر 177-178). من جهة أخرى كان الصراع الطبقي مٌلقَى على أرض باريس ليراه الغادي والرائح. فذكرى ثورة 1789 كانت ما تزال عابقة فيها تلهج بها البرجوازية والعمال معاً. لهجت بها البرجوازية لأن الثورة مكنت لها فأمسكت بمقاليد البلد تحت لويس فليبي. وتتذكرها البروليتاريا الغبينة بالهزيمة أيضاً. وقال بادوفر : "كان التباين الطبقي في باريس ,واضحاً وحاداً ولا تنازل لطرف عنه. ولم يكن ماركس بجاجة لاختراع الصراع الطبقي أو تصوره. يكفيه من ذلك أن يدير النظر في ما حوله". (بادوفر 177). وفي مناخ هذه الزمالة المبتكرة قال ماركس بنبل عمال باريس الذي أخذه الخاتم عليه ونسبه لرومانسية الشباب. قال ماركس: الزمالة بين أولئك العمال ليست شعاراً ولكنها الحقيقة ويشع النبل من وجوهم التي أيبسها العمل . . . وعليك أن تحضر واحداً من اجتماعاتهم لتقف على ال(.........)اجة والنبل العذريين اللذين تنتجهما لقاءات أولئك العمال" ( بادروفر 183). ولا سبب عندي لربط الزمالة ونبلها بالشباب. فهي مطلوبة في كل كدح وضمانة نجاحه. وربما عزت في الكبر ولكن ماركس تحلى بها في كبره. علماً بأن الخاتم نفسه لا يبدو أنه يعترض على نبل الزمالة. فقد جاء في موضع آخر من كتابه بالبشريات التي قدحتها الماركسية في العقول والقلوب والأجساد. فقال إن ماركس وإنجلز رسما مشروعاً لشبحهما الذي طارد أوربا العجوز"، الشوعية، بما جذب إليه "أكثر العقول إستنارة، وأكثر المناضلين شرفاً وحماسة، وقد تفجرت في صدور الرجال والنساء احلام، وأمتلأت آفاقهم باحتمالات نبيلة وخيرة، كفيلة باجتياح السماء" (صفحة 1). وزاد بأنه نشأت لتحقيق هذه المطامح "أخويات بشرية لم تكن أقل من تلك الأخويات التي حققها الأنبياء وسط أتباعهم". وقال إن نضال القوى التي تجيشت للمهمة اتسم "بالبطولة وبالشجاعة الفائقة، وبنكران الذات، والإزدراء بالمنفعة الشخصية، والاستهانة بالمصاعب والأخطار" (صفحة 2). ولم يكن هؤلاء الذين نبلت زمالتهم كلهم من الشباب بالطبع.
4 ونريد في ما تبقى من هذه الدراسة مناقشة الخاتم في حيثياته التي إطرح الماركسية على ضوئها. وسنتسعين هنا بشكل رئيسي بكتاب "ماركس الإسفيري" للدكتور نيك داير-وزيفورد الصادر في 1999 عن جامعة إلينوي للنشر. فبه سنضع الخاتم في وضعه اللائق من مبطلي الماركسية ومدارسهم وحججهم. وسَنٌعَرِف بفكر توفلر، الذي اقتدى به الخاتم بصورة مطلقة، في سياق هؤلاء المنظرين لنفهم بصورة أقضل فكرة الخاتم في تخطي الماركسية. من جهة أخرى سنرد على الخاتم في قوله إن ماركس لم يعتبر الثورة التكنولجية المعلوماتية التي ألفت بين رأس المال والبروليتاريا فطفت فتيلة الصراع الطبقي. ثم نعرض لبعض الماركسيين المعاصرين الذين واجهوا تحدي "نهاية الماركسية" الذي يروج له منظرو الثورة التكنولجية. ونوجز هنا بسرعة غرض داير-وزيفورد من كتابه ليتابع القاريء أفكاره التي عليها اعتمادنا هنا. أراد المؤلف بكتابه المحاجة كيف أن عصر المعلوماتية الجديدة (كمبيوتر، اتصالات، هندسة وراثية)، خلافاً لقول القائل إنه تجاوز الخصام التاريخي بين رأس المال والعمل، يشكل حالياً آخر المعارك في المواجهة بين الخصمين. وكيف أن التكنولجيا المتقدمة قد جرى تشكيلها لتسليع (من سلعة) عام غير في مسبوق في عالميته. فخرج بكتابه لبيان كيف أنه، خلافاً لمراد من تواضعوا على هذه التكنولوجيا بقصد كسر شوكة الطبقة العالمة،وللغرابة، سيخرج من كنفها للوجود قوى تنتج مستقبلاً مغايراً قائماً على تشارك الثروة هو شيوعية القرن الحادي والعشرين (صفحة 2).
صنّف داير-وزيفورد المدارس الفكرية القائلة بنهاية الماركسية وقال إنها الليبرالية الجديدة والتوفلرية. وشرح منطلقها ومرماها كما يلي: 1-الليبرالية الجديدة: وهي ردة فعل على الليبرالية الاجتماعية التي اعتقدت في دور للدولة في إحلال العدل الاجتماعي وأفضل تمثيل له الرئيس ريغان ومارقرت تاتشر اللذان حاولا سحب الدولة من "التطفل" على المجتمع. ومن باطنها خرجت دعوة فوكاياما عن "نهاية لتاريخ" التي قوامها أن الماركسية قصرت دون استيعاب ثورة المعلومات. فتهافت الاتحاد السوفياتي راجع إلى تنكبه ثورة المعلومات وهو تنكب دفعته إليه نواقص كامنة في الماركسية وعلل. أما الرأسمالية فقد أنجاها أنها استصحبت هذه الثورة لذا توجت التطور البشري بصورة خاتمة. وجاء نقد فوكاياما للماركسية بحليف غير متوقع لها هو الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا كما رأينا. وسبق لنا عرض مقولة دريدا عن "شبح ماركس" واستعيد أكثره هنا من على لسان داير-وزيفورد طلباً للتوسعة في مسألة ربما كانت جديدة على أكثرنا. نقد دريدا فرضية نهاية التاريخ القائلة بأن تهافت اشتراكية الدولة في آخر العقد الثمانين من القرن الماضي استأصل "الشبح" الثوري" (الماركسية) الذي لاحق رأس المال لحقب طويلة. وأحيا دريدا بذلك فهماً مستقراً في بعض الدوائر مفاده أن الماركسية ليست جسداً جامعاً للفكر ولكنها اشتملت على عديد النسخ المتداخلة والتي بينها تناقضات جذرية. وتحدى دريدا كل قائل أن التقليد البلشفي السوفيتي قد استنفد مأثرة الماركسية. فخلافاً للزاعمين أن الماركسية قد ولى عهدها بعصر المعلومات فإن أهميتها لن تتضح بصورة كاملة إلا حين نأخذ في الحسبان بعض التطورات المعلوماتية (العولمة، طغيان الوسائط) التي أتى عليها ماركس بنصوص شددت على الكوكبية وأتمتة الإنتاج. فدريدا يتحدث لا عن ماركسية وإنما عن ماركسيات. فقد كتب ماركس أشياء مختلفة في أوقات مختلفة وليس كلها سوية أو أن كلها يصلح لينتظم في أنساق تامة ومختلفة. وأخذ الناس جمل ماركس في سياق تطور الماركسية التاريخي وأصعدوا بها واسفلوا وصبوها في طيف من أشكال شتى وفي أحوال كثيرة متشاكسة. فبعيداً عن الزعم بموت الماركسية، في قول دريدا، التبعة الآن أن نرى من فرجة تهافت البلشفية فضاء تينع فيه فروع مصمتة من شجرة نسب الماركسية وتزدهر (4-6). 2-التوفلرية: عائدة إلى الآن توفلر الذي اشتهر بالتنظير لثورة المعلوماتية والاتصالات التي تخطت الماركسية وقتلتها. سبقت التوفلرية، ثورة المعلومات، نظرية ما بعد المجتمع الصناعي. والأخيرة تتحدث عن طبقة تكنوقراطية في المجتمع ما بعد الصناعي تراوح في التوتر القائم بين راس المال والعمال. ولكن ثورة المعلوماتية ذهبت إلى القول إلى أن الكمبيوتر ومتعلقاته نَقَض نظرية ماركس وألف بين العمل ورأس المال فصارا بفضل وفرة المجتمع ما بعد الصناعي إخوانا. ولا ينكر منظروّ ثورة المعلوماتية ماركس وإنما يستدركونه بملاحقة كر الزمن الذي فاته. فهم يأخذون بمنطقه ذاته ولكنه يبلغون به غايات ما طرأت له. فبالنظر إلى نظريته عن تطور وسائل الإنتاج يقولون إنه إذا أعطتنا طواحين الهواء النظام الإقطاعي وأعطتنا الآلة البخارية الرأسمالية الصناعية فلا بد من قبول أن الكومبيوتر سيعطينا المجتمع المعلوماتي. فعليه فهم على نهج ماركس ماديون تاريخيون التاريخ عندهم تطوري جدلي. وليس بين دعاة نظرية المعلوماتية من أمعن فيها التنظير مثل توفلر الذي تخلى عن ماركسيته سقماً من الإستالينية وعِزة برفاه المجتمع الأمريكي ووفرة حياته. وغدا توفلر ناقضاَ لا يريم لفكرة ماركس من فوق مفهوم ماركس نفسه للتاريخ. فتجد مطابقة بين موجاته التاريخية الثلاث: الزراعية ثم الصناعية فالمعلوماتية وبين موجات ماركس الثلاث: الإقطاعية فالراسمالية فالشيوعية. الفرق أن موجة المعلوماتية، بحسب توفلر، لا تتحقق بالصراع الطبقي. فلن يتخلل تحقيقها صراع طبقي، أو استغلال للعمال، أو تغريب، أو تركيز للثروة ومركزة لها، أو مكننة لا إنسانية.فكل ذلك من عقابيل المرحلة الثانية، الراسمالية الصناعية، التي هي سمة الماركسية. فالتكنولجيا وحدها ستتكفل بتحقيق المعلوماتية التي ستبسط المجتمع اللاطبقي والعمل الذي لا يٌغَرِب العمال، وتتلاشي فيه الملكية الفردية. ويرى توفلر أن قصور الماركسية عن اللحاق بالمعلوماتية علة فيها. فمادية ماركس قائمة على معارضة بين عالم الأشياء الفيزيائي الحسي، ساحة الإنتاج، وعالم الأفكار الأثيري المجرد. وهذه المعارضة هي التي تلتبس مجاز ماركس الزائط "القاعدة-والبناء الفوقي". ومفاده أن المعلومات والفن والثقافة والنظريات وغيرها من منتجات العقل غير المحسوسة هي جزء محض من "البناء الفوقي" الذي يٌحَلق فوق الأساس المادي للمجتمع. ومع أنه من المتفق عليه أنه يغذي واحدهما الآخر إلا أن القاعدة، حسب ماركس، هي التي تتحكم في البناء الفوقي وليس العكس. وهذه الإزدواجية هي التي تعمي الماركسية عن القيمة الإنتاجية للأفكار والعوالم الرمزية. فمن رأي توفلر أن المعرفة هي التي تََقطٌر قطار الاقتصاد لا العكس. فإذا كان ماركس بمعارضته البناء الفوقي -القاعدة (واختياره للقاعدة كالمسبب للبناء الفوقي) قد جعل هيغل (الذي يقدم الفكرة على القاعدة المادية) يقف ، في قول ماركس نفسه، على رأسه فالمعلوماتية، بإعلاء الفكر، قد جعلت ماركس يقف على رأسه، أي في الوضع الخطأ. ما استنكره توفلر على الماركسية هو قولها بأن الخلاص الثوري في طبقة البروليتاريا. فمن رأيه إن ما حفز العمال للثورة ليس ملكية الرأسماليين لوسائل الإنتاج بل التكنولجيا المتخلفة لعصر المداخن التي أرهقت العمال فثاروا. فهو يقول بأن الماركسية تٌعلي من قدر العمال الجٌهم ذووي العضلات المشدودة في مصانع الحديد. ولكن كتل العمال تلك تتبخر الآن. فاقتصاد المعلومات يلغي المصنع وبالمرة العمال الذين عهدت لهم الماركسية بمهمة الثورة.ويتخذ "وداع العمال" في نظرية المعلوماتية وجهان: أ-الأتمتة (بما يصير العمل كله رهن الالآت) ستحوجنا إلى عمال أقل فأقل مما يضعف حجم العمالة، ب- لن يقود هذا بالضرورة إلى التبطل. فالأتمتة ستفتح جبهات جديدة لتشغيل العمال في حقول الكنولوجيا العليا وحقول للصناعة تطغى فيها المعلوماتية. وهي أشغال أفضل لن يعاني بها العمال من التغريب. فالحاسوب خلق آلي آخر يستبدل شقوة العمل اليدوي بصحو العمل الذهني وتنحل به هرميات المصنع التقليدي وتسترد للعامل كينونته فيرضى بما يقوم به من عمل. ويفترق رواد ثورة المعلوماتية حول ما هم بصدده: هل مجتمعهم الموصوف تجاوز للرأسمالية أم أنه مجرد مجتمع لرأسمالية متطورة. فجماعة "ما بعد الرأسمالية" منهم يقولون إن تكنولوجيا المعلومات وفيضها سيؤدي إلى انحلال قبضة العلاقات الرأسمالية وتوؤل فيه الملكية إلى العمال والمواطنين. فالمصادر التي ستوفرها ثورة المعلومات ستلغي تبادل السلع وسنكون بإزاء مجتمع إلكتروني لاطبقي. وكان لتوفلر موقفان. بدأ "ما بعد رأسمالياً" يرنو لمجتمع يتجاوز الرأسمالية ثم تحول إلى الاعتقاد بأن ثورة التكنوولجيا ستقتصر على "أنسنة" الرأسمالية. في موقفه الاول قال إن عامل مجتمع ثورة المعلومات، خلافاً لعامل ماركس الصناعي الذي تملك النذر من أدوات الإنتاج، يمتلك شفرة الإنتاج في ذهنه. وعليه فهو يحتفظ في رأسه بالرموز التي يتكاثر بها رأس المال. وعليه فهو "يمتلك نصيباً هاماً وغير قابل للإحلال من وسائل الإنتاج". وهنا تسقط نظرية ماركس للصراع الطبقي. فالنزاع الطبقي في مجتمع توفلر المتصور لن يتبخر فحسب بل سيصبح الفصل بين العمال والإدارة مستحيلاً. وستحل محل النزاع خلقية مشتركة من المساهمة والمهنية يغذيها اقتسام الأرباح، وفرص الحصول على أسهم في المنشأة، والميزات النوعية لبيئة العمل. سيكون هناك عملاً بلا طبقة عاملة لأن الطبقة، كهوية جماعية قائمة على التباغض في الإنتاج، ستنحل. أما الداعون لرأسمالية أحسن، وهو الموقف الذي تبناه توفلر بآخرة، فهم يقولون إن تكنولوجيا المعلومات ستأتي بوفرة ترسي رأسمالية رحيمة. ومع اختلاف المدرستين فهما متفقان في أن مفهوم ماركس للثورة والصراع الطبقي قد بطل (26-30).
5 أضع في هذا القسم من البحث الخاتم في سياق مبطليّ الماركسية. وهو بالطبع توفلري كما شهد بنفسه وكما سنترك للقاريء استنتاجه (أو دحضه) من قراءة تخريده للماركسية بعد أن وقفنا على آراء توفلر في نفس الموضوع . وحرصت على المجيء بأكثر ما جاء به الخاتم بخصوص فساد الماركسية في مبحث كهذا لأنني لا أعرف مقدار ذيوع كتابه "آن أوان التغيير". دلف الخاتم إلى تعطيل الماركسية من باب نقده لقصور حزبه كما رأينا ومن ذلك تبنيه الماركسية فلسفة ما يزال. فقال إن الحزب يدعو إلى أنه حزب الطبقة العاملة منحاز لمصالحها في وقت لا تنحاز الطبقة نفسها لمصالحها وفكرها. فمثل هذه الدعوة ربما نجحت لو صدقت "النبوءة الماركسية الأساسية حول الاستقطاب الاجتماعي الشامل بين البروليتاريا من جانب، والبرجوازية من الجانب الآخر. ذلك الاستقطاب الذي لا تجد إزاءه الطبقات الوسيطة سوى الانحياز إلى هذا الجانب أو ذاك". وبقفزة طويلة للأمام إلى أوضاع صناعية وطبقية في الرأسمالية المتقدمة، وعلى بينتها، قال الخاتم قال إن هذا الاستقطاب لم يحدث. ولبيان ذلك لجأ إلى توفلر، أحد ابرز المنقلبين على الماركسية وناشر بطلانها بالنظر إلى الثورة المعلوماتية كما رأينا، وكتابه "تحول الشوكة" (Power Shift). قال الخاتم ناظراً لتوفلر إن الطبقات التي تناقصت لعهدنا هي البروليتاريا والبرجوازية لتنامي الطبقات الوسطى وعلى حساب البروليتاريا أساساً. فهذه الطبقات أصبحت تشكل الأغلبية الساحقة في كل المجتمعات الرأسمالية المتقدمة. فالثورة العلمية والتكنولجية همَّشت البروليتاريا فصار عددها يتراوح بين 10 و15 % من السكان. وزاد بقوله إن انتاج الثروة القومية قد تحول "بصورة حاسمة من اليد إلى الدماغ. وأصبحت المعرفة والمعلومة والفكرة والتصميمات الذهنية هي أداة الإنتاج الأساسية". وتملٌك هذه الخزائن المعرفية الجديدة، بصورة حصرية، الطبقات والفئات الجديدة التي ولدتها الثورة العلمية وأهلتها وحدها دون غيرها لقيادة المجتمع. وسمى توفلر هذه القوى الجديدة ب"الكمومنتاريا" (من "كومنت" تعليق comment أي التي بيدها القلم الفصيحة) تلك "التي تمتلك وسائل إنتاجها بامتلاكها للمعرفة، وهي أدوات إنتاج لا تستطيع البرجوازية نفسها أن تجردها منها. وهذه ظاهرة جديدة لم يعرفها ماركس ولم ينظر لها" (37-38). ثم نجد الخاتم يوالي نظرية الثورة المعلوماتية في قولها بنفي الصراع الطبقي من المجتمع المعلوماتي. فقد انتهى مجتمع المعلوماتية إلى سلام طبقي بفضل المساومة التاريخية التي تنزلت عندها البرجوازية بعد الحرب العالمية الثانية، وهي البرجوازية التي يصفها منظرو ثورة المعلوماتية ببرجوازية "ما بعد الفوردية". ويعنون ب"فورد" هنا صانع السيارات الأمريكي الأشهر الذي يعتقد أولئك المنظرون أن ما بعد الرأسمالية قد تجاوزات مصنعه الكلاسيكي الذي شهد مواجهات العمال ورأس المال. فبفضل المساومة المذكورة بين العمال والبرجوازية أصبحت البرجوازية أكثر ديمقراطية عن طريق إشراك العاملين في رسم أهداف الإنتاج وفي ملكية وسائل الإنتاج بأقدار متفاوتة. ووقع ذلك في سياق تنامي خلق ديمقراطي تسرب إلى خلايا المجتمع ترسخت به حقوق ديمقراطية وضمانات اجتماعية. وقيدت الأعراف الاجتماعية المبتكرة سيادة البرجوازية على العملية الإنتاجية والمجتمع. وقال الخاتم إن هذه البروليتاريا، التي لم تنشأ عندنا في السودان أصلاً، مكتوب عليها الاضمحلال (متى جئنا لها) أسوة بالدول الصناعية التقليدية "التي ربطت إنتاج القيمة الزائدة بالانتاج اليدوي أساساً، والاتجاه إلى التغليب التدريجي للانتاج الفكري المستند على المعرفة والمعلومة والوسائل التكنولوجية الحديثة. و"سنحرق مرحلة" الإنتاج القائم على العمل اليدوي" في السودان لأنه "ليس مكتوباً على مجتمعاتنا أن تترسم خطى المجتمعات المتقدمة وقع الحافر على الحافر". فسنبلغ بالطائرة ما بلغته هي بالقطار. وطالما ستضمحل البروليتاريا عندنا، أو هي لن تنشأ أصلاً عندنا نشأتها الأولى، فأولى بالحزب الشيوعي، الذي يرتكز على عقيدة أن الطبقة العاملة هي القوة القائدة في المجتمع، أن يركب "طائرة التاريخ" إلى المجتمع ما بعد الصناعي الذي لم تعد فيه هذه الطبقة سوى جزء من المنتجين لا أعظمهم (40-41). ثم يعرج الخاتم على الطبقة العاملة كما هي عليه في السودان حالياً. ويدعو للكف عن التعامل معها "كمقولة ذهنية خيالية وكستودع خيالي لكل ما هو خير ونبيل والتعامل معها كما هي في الواقع" ونحدد مكانها بمعطيات موضوعية ومقدمات الحقيقة. ومن هذه المقدمات أن هذه الطبقة "ضيئلة الوزن بالقياس إلى مجموع السكان وهي محصورة في قطاع حديث محدود وهي غير نقية في تكوينها الطبقي لأن عدداً كبيراً من أبنائها يجمع بين الانخراط في العمل المأجور والاحتفاظ بالملكية الصغيرة". وهي غير مستقرة بالنظر إلى موجات العمال الموسميين الذين يرواحون بينها وبين الريف. وتوصل الخاتم من ذلك إلى أن موقع الطبقة العاملة في الإنتاج ليس المحدد الوحيد لإيدلوجيتها حتى بقولنا جدلاً أن الأيدلوجية تابعة لموقع الجماعة من الإنتاج. وبناء على ذلك يزعم الخاتم صعوبة الحديث عن إيدلوجية للطبقة العاملة السودانية "إلا إذا تعاطينا مع التلفيق وحددنا بصورة مسبقة وتحكمية أن الماركسية اللينينة هي تلك الأيدلوجية وأن على الطبقة العاملة أن تتيبناها رغم أنفها. وهذه وصاية لا تستقيم مع تنامي الوعي الديمقراطي" (41-42). ومن تلك المقدمات التي جاء بها الخاتم ليطعن في تمييز الحزب الشيوعي لقيادة الطبقة العاملة تشخيصه للتناقضات في المجتمع. فالتناقض الأساسي ليس بين الطبقة العاملة والبرجوازية "بل هو التناقض بين المجتمع ككل والشرائح الطفيلية السائدة والحاكمة، بين المجتمع ككل والتخلف، بين المجتمع ككل ودوائر الاستغلال الإمبريالي " وستلعب الطبقة العاملة هنا دوراً لن تكون له الغلبة لضآلة وزنها السياسي والاقتصادي والثقافي والبشري. وغالباً ما يذهب هذا الدور المقدم "إلى الفئات المرتبطة بالثورة العلمية والتكنولوجية من المثقفين والفنيين والتقنيين والطلاب". وسيتجه نضال هذه الجماعات الغالبة ضد دعاة الديكتاتورية من كل شاكلة ولون بما في ذلك دعاة "ديكتاتورية البروليتاريا". ويقر الخاتم بدور هام للطبقة العاملة في السودان في هذا النضال. فهي ذات "أرث مجيد" فيه ولكن الزعم بأنها "وحدها تملك المفاتيح السحرية للابواب المفضية إلى التحرر الإنساني الشامل، زعم لم يؤكده الواقع، ولم يشهد له التاريخ" (42-43) ويعرج الخاتم من هنا إلى ماركس. فيرى أن ما أضر بالحزب هو تمسكه بهوية الحزب البروليتارية وكدحه ل"ترقية تكوينه البروليتاري". قساقه هذا التمسك إلى ضيق في الاهتمامات "وغذى روح الانتظار الحالم لتلك اللحظة التي تنمو وتنضج وتسود فيها الطبقة العاملة. وقد أدى ذلك إلى غربة الشيوعيين عن واقعهم غير البروليتاري أساساً. فأعرضوا عن الانخراط اليومي الحميم في معرفة الواقع وتوجيهه وفق منطقه الخاص وليس وفق تصورات ذهنية غير واقعية". وسلب التركيز على البروليتاريا الحزب من الحساسية "تجاه الفئات والطبقات الأخرى. وأنشأ جداراً من الاستعلاء والغربة بين الحزب وبين العناصر الراغبة في الانضمام إليه من تلك الفئات والطبقات." كما أدى طلبه (النقاء البروليتاري) إلى التعصب واحتقار الرأي الآخر بما يقرب من التخوين لاتهامه بأنه فكر غريب عن إيدلوجية الطبقة العاملة". ونٌشرت بذلك محاذير الخروج عن "ملة البروليتاريا" جواً فكرياً حانقاً في الحزب عطل خلاف الرأي وأخرس حرية التعبير وفرض لغة مؤممة للحديث لا مجال فيها للخطاب الخاص. ونشأ حراس أشداء ل "ملة البروليتاريا" هم قساوسة في خطر سوسولف الروسي. وهكذا خرَّجت الأحزاب الشيوعية روبوتات بدلاً عن الأفراد ذوي صوت الخاص. وربما لم يحدث هذا بكامله في جميع الأحزاب "ولكنه اتجاه قوي لا يستطيع أن ينكره أحد" (44-45). نجحت الرأسمالية في رأي الخاتم في عقد مساومة تاريخية بينها والمنتجين كسبت به بعداً اجتماعياً تصور المنظرون الباكرون أنها غير قادرة على تحقيقه. فالربح، هذا الدافع الأزلي للانتاج الرأسمالي، "لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تنازلات حقيقة للمنتجين. وصارت العملية الانتاجية أكثر ديمقراطية بما لا يقاس. إذ دخل المنتجون والإداريون والتقنيون والمستهلكون في تحديد أهدافها، وفي كيفية الوصول إلى هذا الأهداف، جنباً إلى جنب مع مالكي وسائل الإنتاج." وظهرت فئة الحرفيين الجدد الذين يبيعون منتجاتهم وليس قوة عملهم من المهندسين والمصممين والفنانين والمبدعين وصانعي الموضة ونجوم الرياضو البدنية والذهنية إلخ." ارتبطوا بالثورة العلمية التكنولجية (91-92). ويزكي الخاتم الصفوة التكنولجية لقيادة مجتمع المصالحة بين الرأسمال والمنتجين. فمع رأيه في وجوب تجييش قوى الشعب كلها للنهضة لتجاوز التخلف إلا أنه يرهن القيادة المأمولة إلى المثقفين الذين ارتبطوا بالثورة العلمية. فهي الفئة "القادرة على استيعاب العملية الاجتماعية في كلياتها والمنخرطة في أرقى العلاقات الانتاجية والتي سيتعاظم نصيبها في انتاج الثروة القومية باستمرار. وهي القادرة على قيادة المجتمع وتسيير وسائل التوجيه والاتصال، وتفجير منابع الطاقة بكل اشكالها والتي لا يمكن لمجتمع معاصر أن يحلم بالتقدم بدون تفجيرها". وهو ينفي أن قوله بما تقدم "نظرية جديدة للصفوة" لأن المراد منه مجرد استيعاب متواضع لطبيعة عصرنا وإلمام بسيط بقواه المنتجة. ويركز الخاتم على "المثقف الشعبي الديمقراطي، المزود برسالة وطنية جامعة، الشاحذ ذهنه لمواجهة التحديات الكبيرة" وهو لايرى أن المثقفين عندنا مؤهلين لذلك الدور إلا بعد تغيير أنفسهم(93-94). وربما لم تكن أشراط الخاتم للمثقف الشعبي مما ينطبق على مثقف صفوة الثورة المعلوماتية. فقد بدا لي وكأنه هو نفس المثقف الذي طمع الشيوعيون في استنباته طويلاً ولم يوفقوا. وزاد الخاتم بأن الدور الذي رسمه للمثقفين لا يقلل من أدوار الطبقات والفئات الأخرى. ولكن المثقفين قطاع ديمقراطي يدخل إليه الأفراد من كل الطبقات. وسيخضع دوره القيادي لأعراف المجتمع وإرادته. وينتهي الخاتم برسم المثقفين قادة لهذا المجتمع بقوله "وهذا يرشحهم لدور وطني قيادي ويجعلهم مجسدين لوحدة المجتمع" (95-96). وهو يدعو إلى استيعاب للمثقفين الأكفاء "دون تصورات إيدلوجية مسبقة" مستفيدين من كل الإرث الفكري الإيجابي "في العالم ومنها وعلى رأسها الماركسية وما حققته من منهج علمي في الاقتراب من الواقع، وما كشفته من حقائق إجتماعية واقتصادية وثقافية لا يستطيع أي مفكر جاد أن يتجاهلها . . " وميز في الماركسية انطلاقها في النشاط النظري أو العملي من "دراسة المنطق الملموس للواقع الملموس" (102). وعليه فالحزب الذي يدعو إليه الخاتم فوق هذه المقدمات هو حزب القوى الحية في المجتمع (منتجين بالدماغ واليد، رأسماليين مرتبطين بالانتاج والوطن، أقليات قومية ودينية وثقافية) يجبه التخلف. وعليه فهو ليس "الحزب الشيوعي" لأنه "لا يتبنى موقفاً إيدلوجياً متكاملاً إزاء الكون، ولا يبشر بمرحلة معينة يتوقف عندها المجتمع البشري، ولا يرمي إلى صياغة المجتمع وفق مخطط نظري شمولي. إنه حزب للعدالة الاجتماعبة التي هي مقولة عامة مفتوحة (105-106). وهو حزب سيخرج من حزب شيوعي قرر الانتحار. فهو يدعو إلى عقد المؤتمر الخامس وحل الحزب الشيوعي وتكوين لجنة تمهيدية من الشيوعيين السابقين وعناصر ديمقراطية مؤثرة وشخصيات وطنية مثقفة ومناضلة وممثلين للأقليات العرقية والثقافية لوضع برنامج الحزب الجديد ولوائحه (108).
6 اختار الخاتم كما رأينا أن يخلع الماركسية حين بدا له تراخيها عن تطور التكنولوجيا ومجتمعها الجديد. وسنعرض هنا لماركسيين عضوا على الماركسية بالنواجذ وجابهوا بها تحدي الثورة التكنولجية. ومنهم من أحسن ومنهم من أساء. ونبدأ بمقدمة عن أفكار ماركس نفسه عن الثورة العلمية والكنولجية وجدلها في عصره. من رأي داير-وزيفورد أن مزاعم منظريّ الثورة التكنولوجية وبطلان الصراع الطبقي هي خمر جديدة في قناني قديمة. فأرجع فكرة من قالوا بأن ثورة المعلومات ستلغي الصراع الطبقي في الرأسمالية إلى منظرين من عصر ماركس نفسه. ففيه كتب شارلس بابيج مؤلفاً عن اقتصاد الألات والصناعات في 1835. وبحث فيه عن سبل أتمتة العمل (الذهني والجسدي) للتقليل من وزن العامل البشري في الإنتاج، بل والتخلص منه نهائياً. فقد كدَّر الصناعيين الذين نظروا إليه كمصدر خروج عن الضبط والربط والخلل والخطر. ومن رأي بابيج أنه ستقوم على تعبئة الموارد النظرية لخدمة الصناعة "طبقة جديدة من محللي إدارة الأعمال". قرأ ماركس كتاب معاصره بابييج. ولم ير في فكرته سوى استراتيجية أخرى للتخلص من الصراع الطبقي. وكان من رأي ماركس أن استخدام الآلات في الصناعة هي من حيل البرجوازية لإخضاع البروليتاريا المتمردة. ولمّح لبابيج في فصله "الالآت والصناعة الثقيلة" من كتاب رأس المال بوصفه للصراع الطبقي كواقعة بين العامل والماكينة. ونظر ماركس في ما كتبه أحد أنصار بابيج القائل "حينما يوظف رأس المال العلم لخدمته فإن ذلك يكسر شوكة العامل ويؤدبه". وعلق ماركس أنه بالوسع كتابة تاريخ مٌكَمل عن الاختراعات التي تمت منذ 1830 لغرض وحيد هو تزويد رأس المال بسلاح ضد ثورة الطبقة العاملة. فهو يرى أن العلم ومنتوجاته مشروع إنساني جماعي استأثرت بثمرته "جماعة من النوع الرديء من راسماليّ النقد" (3) وقف ماركس على هذا التوتر بين الطبيعة الجماعية للتطور التقني العلمي واستئثار رأس المال به في مذكراته لكتابه رأس المال. وتنبأ ماركس بأن خلق الثروة الحقة سيعتمد أكثر فأكثر على الحالة العامة للعلوم وتقدم التكنولجيا لا على الوقت المبذول في العمل أو كمية العمل المبذول. وسيكون العامل المفتاحي في الإنتاج هو المعرفة الاجتماعية اللازمة للابتداع العلمي التكنولوجي. وسمى ذلك "الذهن العام" (general intellect). وهو ذهن يقوم على نظامين تكنولوجيين سيميزانه عما سواه متى بلغا أشدهما: 1-الآلات التي تنبأ ماركس بأنها ستستأصل العمال من المصنع، 2-وشبكة دولية من المواصلات والاتصالات تَصِل السوق العالمي بعضه ببعض. وهذا حلم الرأسمالي وغايته. ولكنه حلم تنخر فيه من غير أن يدري حقيقة أخرى. فمتى أطلق رأس المال عنان قوى المعرفة التكنولجية والتعاون الاجتماعي فإنه إنما يبذر بذرة تضعضع حكمه. فالأتمتة، بسبب تخفيضها المبالغ فيه للحاجة للعمال، ستهدم علاقة الأجور التي هي ركن ركين في الرأسمالية. فكلما أزداد تطبيق العلم التكنولوجي في الانتاج سيصعب ربط الدخول بالوظائف واحتواء الإبداعية في حيز صور السلعة. ففي عهد الذهن العام إذاً يعمل رأس المال نحو تحلله كصورة من صور الانتاج الغالب. ويخلص الكاتب إلى أن كل من بابيج وماركس من أنبياء مجتمع ثورة المعلومات الحالي. وخلاف الرجلين راكز في أن الأول يعتقد في التمكن العلمي التكنولجي لعلاقات السوق بينما يرى الثاني تحلل هذه القاعدة. ومع فارق الزمن بينا وبينهما فتفكراتهما القديمة تبدو معاصرة في الذي نراه في القول الرائج الآن بموت الماركسية بالنظر إلى هجوم عصر ثورة المعلومات الذي لم تتحسب له (4). وعرض المؤلف في فصل كتابه الثالث لفكرة أن الماركسية إنما هي ماركسيات لا ماركسية واحدة. وفيه تطرق أولاً لما كتبه ماركس عن التكنولوجيا ثم عرض لكيف استفاد منها ماركسيون في صراعهم الفكري ضد ثورة المعلوماتية ومقابلة تحدي نظريات القائلين بموت الماركسية. فيقول الكاتب إن ماركس مثلنا جميعاً متعدد. وقال الرجل عن التكنولوجيا أشياء مما يصعب مواقعة بعضها على بعض أو مما يمكن مواقعته ولكن بصور مختلفة وربما بصور جذرية في خلافها. ونشأت من جراء ذلك ثلاث مدارس ماركسية تصدت لتثبيت الماركسية من حيث أرادت ثورة المعلوماتية خلعها وهي: 1-الاشتراكية العلمية 2-اللودية الجديدة 3-ما بعد الفوردية والكاتب يعتقد أن أصحاب هذه المدارس جميعاً لم يحسنوا الاستجابة لتحدي ثورة المعلومات. ففي ماركس نسب إلى ثورة المعلومات بقوله: الطاحونة الهوائية جاءتنا بالإقطاعية وآلة البخار بالراسمالية الصناعي. هذه التحكمية التكنولوجية ليست كماً مهملاً في فكر ماركس. فهو القائل في مقدمة كتابه (المساهمة لنقد الاقتصاد السياسي): "يدخل الناس في الإنتاج الاجتماعي لحياتهم في علاقات إنتاج محددة مستقلة عن إرادتهم، علاقات تتطابق مع مرحلة محددة من تطور قوى إنتاجهم المادية" ويضيف أنه في طور من تطور الناس "تدخل القوى الإنتاجية المادية للمجتمع في نزاع مع علاقات الإنتاج السائدة" وتتحول هذه العلاقات من مٌعين لتطور قوى الإنتاج إلى قيد يثقل على تطورها. وهنا منشأ الثورة الاجتماعية, واضح هنا في قول ماركس أن القوي الإنتاجية هي تكنولوجية بينما علاقات الإنتاج إجتماعية. وللأولى سبق على الثانية. ورد داير-وزيفورد هذه الفكرة إلى أثر إنجلز على ماركس. فألهمت ماركسيين مثل نيكولاي بوخارين الذي فهم أن التطور التكنولوجي طاقة مستقلة، محركة للتاريخ، تهدم قواها الإنتاجية المطردة أشكال الملكية المتخلفة في مسار قاصد لنصر الاشتراكية. ولكن لماركس عبارات أخرى تعدل بل تنقض هذا الفهم الميكانيكي للتاريخ. ففي رأس المال يحكي عن رأسمالية، ولسيطرتها على مواقع العمل والمجتمع، تحول وسائل الإنتاج بتعميقها. ويصور ماركس حدوث ذلك في درجات متفاوتة متلاحقة منا التضمينات. في الفترة الأولى يفرض رأس المال العمل المأجور على أنماط أقدم موروثة من عهد الإنتاج الحرفي. وفي الطور الثاني يعيد رأس المال تنظيم العمل فيطبق العلم في الصناعة فيفشو الإبتداع التقني ويتصل بلا توقف، ويصبح الاستغلال، لا في تمديد ساعات العمل، بل في التكثيف النسبي للإنتاجية. ويقع هنا استبدال العمل العضلي بالعمل بالآلات. وما يدفع الرأسمالي لذلك هو أنه يريد تعظيم سيطرته على القوى العاملة بتجريد الحرفيين من مهاراتهم وتوسيع مستودع جيش العاطلين. وهنا يعكس ماركس آية روايته الميكانيكية التحكمية آنفة الذكر (طاحونة الهواء أعطتنا الإقطاعية إلخ) . فالذي يدفع بالآلة ويزكيها هو نازع الرأسمالي للتحكم بالقوى العاملة (وهو عامل اجتماعي) وليس العكس. وخرجت من هذه الماركسية الأخرى قراءة للماركسي جورج لوكاش تصر على أن الآلات ما هي إلا لحظة في حياة قوى الإنتاج التي يخضع تشكيلها نفسه للشوكة الاجتماعية. ماركس حمَّال أوجه في نظرته للتكنولوجيا والإنسان. فيمكن النظر إليه كمنظر رائد ل "النظم التقنية الاجتماعية" للعلاقة المعقدة التي أقامها أعلاه بين "الاجتماعي" و"التكنولوجي". ولكنه في أحوال أخرى يكون "لودياً جديداً" مصاباً بالتكنوفوبيا (أي كراهة الكنولوجيا). ونعني باللودية الجديدة مدرسة من المفكرين ناقدة للتكنولوجيا وآثارها على الفرد والمجتمع. وقد أخذت اسمها من لودية القرن التاسع عشر التي احتج فيها حرفيون صنائعية في بريطانيا ضد استخدام الآلات التي جاءت مع الثورة الصناعية بل وسعوا لتهشيمها لأنه رمت بهم في البطالة وقطعت رزقهم. فقد حفلت كتابات ماركس أيضاً بتصاوير من قرنه التاسعشري دالة على بغض التكنولوجيا. وفيها نجد آلة البخار تصادم العامل كتجسيد بليغ لرأس المال. فالآلة بذلك نظام متقن لتعذيب العامل. فتكنوفوبيا ماركس تظهر في قوله بأن كل مخترعاتنا وتقدمنا تبدو وكأنها تنتهي إلى تزويد القوى المادية بحياة فكرية بينما تشل الحياة الإنسانية وتجعلها قوة مادية. وهذ الغضبة من الالات تظهره ك "اللودي الجديد" الذي ألمحنا إليه أعلاه. ولكن تجد ماركس في مواضع أخرى يتحدث في نفس الوقت عن الوعد التحريري للآلات. قال في كتابه رأس المال إن الصناعة الحديثة تحول نفسها وتغيرها "بواسطة الالآت والعمليات الكيمائية وغيرها" وبفعلها هذا تٌهًجِر كتلاً من العمال ورأس المال من قطاع صناعي إلى آخر". وهو يرى في هذه المرونة والتغير هجمة على العامل تنزع الطمأنينية من نفسه. ولكنه يرى من الجانب الآخر في هذا الإبتداع حسنة. فهو يهدم التخصص الضيق الذي مَيَّز الصناعة الحرفية بجعله التباين في العمل شِرعة تؤهل العامل ليعمل في العديد من أنواع الشغل. وهنا نرى ماركس آخر مأخوذاً بالإمكانيات التقدمية لعلاقة الماكينة والإنسان. مثلاً: كيف نظر ماركس إلى تقدم تقنية الاتصال في عصره من تلغراف وبواخر وسكك حديد؟ هي عنده أدوات لا محيص عنها لتطوير انتاج المصنع ولخلق السوق العالمي وثمرة لتثوير رأس المال الذي لا يني لوسائل الإنتاج. فهذه التقنيات هي التي تضطر البرجوازية لتضرب في أنحاء سطح المعمورة لتنسرب في كل مكان وتقيم العلائق في كل فضاء. فهذه الوسائط التقنية في نظره أخطبوط يمدد من نظام سيطرة رأس المال. وفي عبارة له سبق بها عولمتنا قال: كل تطور في وسائل القوى الجديدة هو في نفس الوقت سلاح ضد العمال. فكل تحسين في وسائل المواصلات هو مكون هام في أتمتة السوق العالمي" تحيل التبادل النقدي قوة تبدو أنها تقف بوجه أي إمكانية للتحول الإنساني أو للتدخل الإنساني من فرط عملياتها الموضوعية غير الشخصية التي لا تني". وهذه عبارات جعلت ماركسيين كثيرين يركزون على التأثير الهيمني للوسائط الرأسمالية في صناعة المعلومات كما سنرى بالذات عند مدرسة فرانكفورت وثورة طلاب الستينات التي انتظمت حول أفكار هربيرت ماركوز . ومن جهة أخرى نظر ماركس إلى الإمكانية التي وفرتها ثورة اتصالات القرن التاسع عشر (التلغراف، البريد المتسارع) لهدم الحواجز الريفية والقومية وتدويل البروليتاريا. وسبق ماركس وإنجلز شعار "يا عمال العالم اتحدوا" في المانفستو بقولهم إنه قابل للتحقيق لظرف" تحسن وسائل الاتصالات التي خلقتها الصناعة الحديثة ووشجت ما بين العمال في مواضعهم المختلفة". ولهذا قالا بأن البرجوازية، وهي التي خلقت هذه البئية من التآخي العمالي، قد شحذت "الأسلحة التي ستقضي عليها" في الوقت الذي جاءت لمسرح التاريخ "بالرجال الذين سيمتشقون هذه الأسلحة، الطبقة العاملة الحديثة، البروليتاريا". وأهتبل ماركس هذه السانحة للدعوة لنظريتهما على نطاق اسع. فسعى مع إنجلز للتسلل، عير وكالة أنباء سويسرية ، إلى وكالات أنباء عالمية في بروكسل، لبث أفكارهما على نطاق واسع. وقال الكاتب معلقاً إن هذا لن يجعل ماركس "هاكر" بالمعنى الحرفي ولكنه يشف عن تعلقه بإمكانيات ثورة الاتصالات في عصره. واضح أن كتابات ماركس عن الآلة تأرجحت بين قطبين. الأول هو أن التكنولوجيا هي أداة لتمكين الرأسمالية ولتعزير استغلاها واعتقال العالم في التبادل السلعي. أما القطب الثاني فهو أنها قاعدة للحرية من العوز وللتداخل الاجتماعي اللذان هما بمثابة تمهيد للمجتمع الشيوعي. ومن إتبع ماركس جنح إلى قطب دون آخر أو راوح بينهما (39-42). وبعد هذه المقدمة المفيدة نظر الكاتب إلى الثلاث مدارس الماركسية التي نازلت مدرسة ثورة المعلوماتية (التي قضت بنهاية الماركسية) وعرض لاستجابتها لتحدي تلك الثورة وعلاقة التكنولجي والثورة. وسنعالج أدناه كل منها ونتعرف على كيف لاقت التحدي ومدى نجاحها من إخفاقها.
1-الاشتراكية العلمية: ركزت على مقولة ماركس عن التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقاته. وعليه رأت التاريخ مدفوعاً في سيره بقوانين نافذة تجاه الاشتراكية (42). وتمثلت هذه المدرسة بأجلى صورها في كتاب إرنست ماندل "الرأسمالية المعاصرة-المتأخرة) (1968). وفيه يرد على بشائر دعاة إلغاء الماركسية بالنظر إلى ثورة المعلومات التي كان نجمها آنذاك دانيل بل بكتابه (قدوم مجتمع ما بعد الصناعي)(1973). وكان دافعهم لنقض الماركسية هو ما بدا لهم من قوة السبرنيطيقا وتنامي أهمية التخطيط والتعليم وتنامي "قاعدة المعرفة" التي يقوم عليها التطور الاقتصادي. وتمسك ماندل بماركسية ماركس. وقسّم المجتمع الراسمالي في الغرب إلى رأسماليات: رأسمالية السوق وتكنولجيا الآلة البخارية، فرأسمالية الاحتكار وآلتها كهربائية واحتراقية، فالرأسمالية المتأخرة وآلتها الكمبيوتر والذرة. وكل تحول في الرأسمالية يجلب مزيداً من الربح للرأسماليين (43). ويصف ماندل الرأسمالية المتأخرة بتزايد وتيرة الأتمتة وإحلال نظم السبرنيطقيا محل العمال. ويترتب على ذلك أمور1- يتحول العمل الحي من معالجة مواد خامة حقيقية إلى وظائف تحضيرية وإشرافية، 2-تقع تطورات مبتكرة في تنظيم الأبحاث والتعليم الجامعي، 3-تسارع في الإنتاج وضغوط لإحداث ضبط أفضل للتفريدة inventory وأبحاث السوق وإدارة سوق الطلب وزيادة الاستثمار في نظم تكنولوجية سرعان ما يجري استبدالها بأخرى أفضل. وستٌملى هذه القسمات على الرأسمالية المتأخرة ضرورة تنظيم أدق للإنتاج لا يقتصر على المنشأة بل يشمل الاقتصاد بأسره. وسيقود هذا جميعه إلى تدخل الدولة في الاقتصاد. ولن يغير هذا كله من الغريزة الأم للرأسمالية وهو الحفاظ على نسبة الربح. وهكذا واجه ماندل طلائع نظرية مجتمع ما بعد الرأسمالية. ورفض فكرتها القائلة بأن المركزية الاقتصادية الناشئة للعلم والمعرفة التكنولجية هي من علائم مرحلة جديدة في التاريخ. قال: "إنه خلافاً لزعم الرأسمالية المتأخرة من أنها تمثل مجتمعاً ما بعد صناعي تبدو كالفترة التي (تصنعت) فيها كل فروع الاقتصاد للمرة الأولى". وقال بأن الاعتقاد في فحولة التكنولوجيا هو الشكل المخصوص من إيدولوجية البرجوازية في الرأسمالية المتأخرة. وهي "نظرية تزعم أن بوسع النظام الاجتاعي القائم، وبالتدريج، أن يستأصل شأفة بؤر الأزمات وأن يجد حلاً "تكنيكياً" لكل تناقضاته، وأن يدمج فيه كل الطبقات الثائرة ،ويتفادى التفجر الثوري". وانتهى ماندل إلى وصف الزعم بأن الإبتداع في التكنولوجيا سيعين الرأسمالية لتخطي أزماتها المزمنة بالضحالة. فعلى العكس، قال مندل، إن تلك الإبتداعات ستسوقها حتف أنفها إلى الهلاك الحتمي (43-44). 2- - مدرسة التكنولجيا كإخضاع. تعود فكرة التكنولجيا كقيد إلى مدرسة فرانكفورت (ماكس هوركهيمر وثيودور برونو وهربرت ماركوز) ومفادها أن عقلانية التكنولوجيا خدمت التحرر الإنساني في ما سبق ولكنها صارت الآن ظالمة. وتعاصرت هذه المدرسة التكنولجية في الستينات مع مدرسة الاشتراكية العلمية المشروحة أعلاه. وروادها ماركسيون من أوربا وأمريكا استدعوا الجانب البغيض للتكنولوجيا من ماركس ناظرين إلى سوءة التكنولوجيا في عصرهم من استخدام قنابل النابالم، ووحشة خط التجميع (أسمبلي لاين) في المصانع، ومحطات التوليد الذري. وبدا لهم من عنفوان هذه الأدوات التكنولوجية وقهرها أنها تٌقَوى رأس المال بدلاً من إضعافه. فلم يصح عندهم بالتالي أن قوى الإنتاج الجديدة ستنشق عن وسائل الإنتاج وتحقق الاشتراكية. خلافاً لذلك بدا لهم أن قوى الإنتاج قد حصرتها علاقات الإنتاج التي رتبها الراسماليون لتمكين أنفسهم. وصار رأس المال المدجج بالتكنولوجيا بالنتيجة من المنعة بما مكنه من صناعة "الإنسان أحادي الجانب" في قول ماركوس. واتخذت المدرسة مسارين. ركز أحدهما على مجريات العمل والآخر على اكتشاف الوسائط الجماهيرية (48-49). وخلص المسار الأول إلى أن استخدام رأس المال للتكنولوجيا في الصناعة هو ضد الإنسانية في جوهره وناشيء من تصور مفاده ألا حاجة للناس لإحداث التقدم.ويرى مسار الوسائط أن استخدام التكنولجيا يستهدف فرض "ثقافة الصناعة" التي تروج لمنشآت التسلية والإعلان مستنبطة حاجات زائفة في الناس لبضائع يشترونها فيأمنون لها ويلتذون فتٌبطِل فيهم التمرد والإنشقاق وتٌمكن للنظام السائد وتحميه. ومن هؤلاء الماركسيين الناقمين على "ثقافة الصناعة" هربرت شيللر الذي قال إن الاستبشار بثورة المعلومات باطل. فما نراه من مجتمعها المزعوم مجرد مجتمع تستأثر المؤسسة الرأسمالية به بما تذيعه من معلومات وليس مجتمعاً تخطينا فيه الرأسمال إلى مجتمع كوني من أفراد إنسانيتهم معصومة تخدمهم الإكترونيات. ولا يرى أهل المدرسة غضاضة في الرجوع بموقفهم إلى تقليد اللوديون القدامي الذين حاربوا الاستغلال الراسمالي في القرن التاسع عشر بتهشيم الآلة التي استعبدهم المستغلون لها. فشيللر وصحبه هم لوديو ثورة المعلومات. وبلغوا من ذلك أن قال أحدهم إن جوهر مسألة التكنولوجيا الآن أن هناك حرب اجتماعية (بين العمال ورأس المال) ولكن جانباً واحداً منها هو المسلح. وأضاف "إذا بدأ العمال صراعهم بتهشيم الآلات في معادنها لأنها أداة استغلالهم فمسؤولية المثقفين الآن أن يبدأوا بغير تلفت هشم الماكينات الفكرية للاستغلال . وكان ماركس قد تعاطف مع اللوديين. ولكنه قال لقد مضى بعض الوقت حتى تمكن العمال من التفريق بين الماكينة وبين استخدامها بواسطة رأس المال لإستغلالهم. وبهذا الوعي انتقلوا بالتهشيم من الآلة المادية للإنتاج إلى هدم نوع المجتمع الذي يوظف هذه الآلات (50-54) 3-ما بعد الفوردية (من هنري فورد صاحب مصانع السيارت الأمريكي الشهير). وهي دعوة لرأسمالية عاقبة للفوردية الذي هو مصطلح في رأسمالية التراكم المٌمَيزة للرأسمالية الصناعية لمنتصف الخمسينات من القرن العشرين. فهي نظام شامل للتنظيم الاجتماعي يقوم فيه الإنتاج على مصانع خطوط التجميع ، وسوق استهلاكي جماهيري مشراه بضائع منمطة، ويتمتع باستقرار كينزي (عائد إلى جون كينزي 1883-1946) لدورة المال والأعمال (بيزنس). وكان عصر الفوردية الذهبي في ما بعد الحرب العالمية الثانية. وأخذت ما بعد الفوردية مساراً مختلفاً عن اللودية الجديدة والاشتراكية العلمية. فهي على خلاف اللودية الجديدة متفائلة بالطاقة التحريرية للتكنولوجيا الجديدة. ولكنها خلافاً للاشتراكية العلمية لا تنتظر من هذه التكنولجيا أن تنصر الاشتراكية بل إصلاح ذات بين العمال ورأس المال. وهي بهذا خطاب يقرب الماركسية كثيراً من تحليلات الأكاديميين الليبراليين ومستشاري الإدارة ومنظريّ مجتمع المعلومة (55-56). ونشأت مدرسة الفوردية الجديدة من تحليل الأزمة التي استحكمت بالفوردية في الستينات والسبعبنات فابطلتها. وتولت "مدرسة الرقيوليشن (الضوابطية)" الفرنسية التنظير لتلك الأزمة والمخارج منها. فمن أسباب الأزمة في رأيها تشبع سوق الفوردية الجماهيري، وضيق العمال ببيئة الورش، وتفاقم تكلفة دولة الرفاه، وتغيرات في صور المنافسة العالمية. ويقول الانضباطيون في محنة الفوردية إنه منذ منتصف السبعينات تهافت نظامها للتراكم الفوري الناجح من قبل وتدنى الربح فتوالت فترات من الشك والتفكك وإعادة بناء للاقتصاد العالمي ما تزال جارية. وتساءل منظرو الضوابطية عن ماذا بعد الفوردية. ومع تباين الإجابات اتفق للمنظرين أن ما بعدها سيشمل إدخال تكنولوجيا جديدة تغير في وتائر الصناعي. وتكهن المفكر ميشل أقليتا بأنه ستحل بنا فوردية جديدة تستبدل خط التجميع الإنتاجي بنظام حاسوبي مؤسس على مبادي المعلوماتية. ولم يتفاءل أقليتا بهذا التحول لأنه سيضاعف من مطلوبات العمل ويستغني عن المهارة ويطبع المجتمع عامة باتجاهات شمولية تحكمية. واتجه منظرون بالفوردية الجديدة إلى مذهبين. فمنهم من اخذها بنبرتها المتشائمة بينما تفاءل آخرون بها وبنوا على ذلك. وممن تفاءلوا مايكل بيو وسارلز سابل. وهم من غير الماركسيين الذين تقاطعت أفكارهم مع مدرسة الإنضباطية الماركسية التي نظَّرت للفوردية الجديدة. فإطار التكنولوجيا ما بعد الفوردي، في نظر بيو وسبل، سيعيد إلى العمل نعمة النظر والتعلم والتنوع الذي فقده بتمكن الآلة الميكانيكية في فترة الفوردية وخلاصة قول بيو وسبل إن هذا الإنعاش التكنولوجي في مصانع ما بعد الفوردية سيزيل التباغض من موقع الإنتاج الراسمالي ويعلى من قيمة التعاون بين الإدارة والعمال. وصارت ما بعد الفوردية في طبعة بيو وسابل صناعة أكاديمية لرواجها بين اساتذة الجامعات (56-57) لا اعتراض لداير-وزيفورد على الفوردية الجديدة من حيث قوة تحليلها لحقائق مبتكرة في الثقافة والأقتصاد في الرأسمالية المعاصرة. فهي أفضل نظراً من نقادها الماركسيين العقائديين. بل طرقت باباً من كتابات ماركس عن الرأسمالية كتجربة غير جامدة أهملها عقائدة الماركسيين. ولكن لا يعني توفيق الفوردية الجديدة في طرق مرونة الرأسمالية إعفاءها من المؤاخذة لتضعيفها التناقض في الرأسمالية. ففي حماسة منظريها ل" الزمن الجديد" للرأسمالية نسيوا "الأعداء القدامى". فركزوا على احتياجات التنظيم الموفق لرأس المال للمجتمع وغضوا الطرف عن العمال الذين نازعوه سلطانه (59). فأعتنوا بنمو رأس المال وتلاؤمه مع بيئاته المستجدة لا بالصراع الطبقي. وقد ألجأهم ً تهافت اليسار في الثمانينات إلى قبول حيوية الرأسمالية قبولاً كفوا به عن التفكير في مصرعها كما راهنت الاشتراكية العلمية بذلك. فلم يعدوا ينتظرون ميلاد نظام جديد بل قنعوا من غنيمته برأسمالية ذات تجليات مرنة وبالصفقة التي ستعقدها مع العمال فينحل الصراع الطبقي. فالنظرية لا تصوب نظرها للعمال الذين يمكن لهم استخدام سعة تجديد الرأسمالية وآلياتها لتداول الثورة لا البضائع. وسمى ناقد للفوردية الجديدة منظريها ب"بيع المستقبل رهنا" . فالمنزل متى أفلس صاحبه يباع بثمن يحل دين الدائن وغالباً ما كان ثمن البيع بخساً (61). ونظرا لتعقد هذا الباب وغرابة أطواره في المسميات أترجم هنا تلخيص الكاتب له. قال: رأينا في الفصل كيف استجابت مدارس ماركسية بطرق متباينة لتحدي ثورة المعلوماتية. وهذا التباين مردود إلى كتابات ماركس المعقدة عن التكنولوجيا. فكل أخذ ناحية من فكرة ماركس عن التكنولوجيا والمجتمع واشتغلها مخالفاً آخرين. فالاشتراكية العلمية تنبؤوية رأت في تداخل قوي الإنتاج وعلاقاته طريقاً سالكاً مؤكداً لقيام الاشتراكية. بينما رأت مدرسة التكنولوجيا الإخضاعية أن التكنولجيا تمكن للراسمالية. وعالج الفورديون الجدد تطور التكنولجيا كفرصة لأنسنة العمل وتجاوز صور استغلاله الموروثة. وتعاني هذه النظريات من نواقص كبيرة. فالاشتراكية العلمية سحبت المكر البشري من المعادلة وأحلت محله آليات تقود بصورة أتومتيكية إلى الاشتراكية. وأما مدرسة التكنولجيا الإخضاعية فردت الفاعلية للمكر الإنساني إلا أنها لم تخرج به من نطاق الاستغلال بما يملي عليه تهشيم التكتولوجيا. أما الفوردية الجديدة فقد امتصت عقائد منظري ثورة التكنولوجيا وتتازلت عن تبعة نقد رأس المال بل بايعته على منطقه في المرونة والتطور. وخرجت كل هذه المدراس من الماركسية بطريق أو آخر. فلم يبق حجر على حر في بناء الاشتراكية العلمية المتفائل بمستقبل الاشتراكية بعد تهافت نظمها في آخر الثمانينات. واكتنف مدرسة الأخضاع التكنولجي اليأس. وتحالفت ما بعد الفوردية مع مدارس ما بعد الماركسية التي زعمت تخطي تباغض رأس المال والطبقة العاملة. وهذا العرض صالح مبوجه هام رأينا فيه كيف أمرضت ثورة المعلوماتية الماركسية مرضاً عضالاً (60-61).
7 لم تنفد جعبة الماركسية من سهام تتصدى بها لتحدي ثورة المعلوماتية. فالكاتب بعرض في الفصل التاسع إلى مدرسة ماركسية إيطالية فرنسية معاصرة ارتبطت باسم مجلة "فيوتر أنتريو" الفرنسية التي صارت "ملتيود" في 2000 . وهي مزج للمدرسة "العٌمالية-الأتمتة" الإيطالية مع شاغل فرنسي بالماركسية والتكنولوجيا في ستينات وسبعينات القرن الماضي. فالعٌمالية الإيطالية جعلت الطبقة العاملة مرتكزاً لبعثها الفكري. ولما أضطر أنطونيو نقري، نجم العٌمالية، اللجوء إلى فرنسا تشكلت نظرية مزجت عمالية إيطاليا بشاغل مباحث الثورة التكنولوجية الفرنسية وجعلت مجلة فيوتر أنتريو منبرها النظري. وضمت إلى جانب شيوخ ماركسيين مثل نقري شباب مثل مايكل هاردت ومورزيو لازارتو . ومن رأي داير-وزيفورد أنها المدرسة الماركسية الأقرب إلى الإصابة في الاستجابة لتحدي الثورة التكنولجية. واسطة عقد المدرسة هو مفهوم "العقل أو الذهن العام". وجاء ماركس بالمفهوم في كتابه "خطوط عامة لنقد الاقتصاد السياسي" (1939) في باب من الكتاب عنوانه "شذرات عن الآلة". في هذا الباب ترك ماركس تأكيده المعروف لدور العمل في خلق الفائض اللازم للتقدم الاجتماعي. بدلاً عن ذلك رأى، أنه عند حد معين من تطور رأس المال، لن يعتمد خلق الثروة على انفاق وقت العمل في الإنتاج. خلافاً لذلك فخلق تلك الثروة سيعتمد على عاملين متناصرين هما الخبرة التكتولوجية، اي العمل العلمي، والتنظيم أو الترتيب الاجتماعي. وسيكون العامل الحاسم في الإنتاج "هو تطور الملكات العامة للدماغ الإنساني" أي "المعرفة الاجتماعية العامة"، "العقل الاجتماعي" وبعبارة سائغة "القوي العامة المنتجة للدماغ الإنساني". ويتمثل التعبير الأساسي لقوة الذهن العام في تصاعد أهمية الآلات، أي رأس المال الثابت في التنظيم الاجتماعي. فالطبيعة لا تصنع الآلات التي هي من صنع الذهن الإنساني معمولة باليد الإنسانية. وعليه فالآلة هي قوة المعرفة موضوعياً (مموضعة). فتطور الآلات يرينا إلى أي مدى أصبحت المعرفة العامة قوة إنتاجية مباشرة. وكذلك المدى الذي أصبحت به أوضاع عمليات الحياة الاجتماعية نفسها تحت تأثير الذهن العام وكيف صارت تتحول بسببه. وكان ماركس يقصد بإشارته للتكنولوجيا إلى الأتمتة والاتصالات التي وحَدَت السوق العالمي (219-220). ويعتقد داير-وزيفورد أن قول ماركس في "شذرات عن الالآت" نبؤوي. فهو يكاد يصف مجتمع المعلومات أو اقتصاد المعرفة المعاصر. وهو اقتصاد تتداعي فيه سائر موارد المجتمع الفكرية (في فرق العمال على بلاط المصنع، وشراكات الصناعة مع الجامعات، وغيرها) لتنتج البدائع التكنولوجية للمصانع التي يديرها الروبوت وانفلاق الجين، وشبكات الكومبيوتر الدولية. ولا يصح من ذلك أن نستنج أن الاشتراكية صارت قاب قوسين أو أدني. ما وجب التنبه له أننا نشهد في البادي إعادة تنظيم ظافرة للرأسمالية التي توظف الإبتداعات التكنولوجية المحدثة لكي تمكن لنفسها من سيطرة على الدنيا غير مسبوقة. تبقي أن نعرف ما بوسعنا أن نتعلمه من تفاؤل ماركس بالعقل العام. وهذا العلم ما أخذت مدرسة ال "فيوتر أنتريو " على عاتقها الحصول عليه. وملخص فكرتهم هو: اضطر رأس المال، مضغوطاً بصراع العمال الجماعي في الستينات والسبعينات وأزمة الفوردية، إلى اجتراح مستويات غير عادية من التكنولوجيا العالية وسلاسة الحراك العالمي. وجاءت بنا هذه التطورات إلى العقل العام" الذي قال به ماركس. ولكن هذا الزخم لم يؤد إلى هلاك الرأسمالية. ولكن ظهر بعض ما تكهن به ماركس من ذيول هذا الزخم. فقد تآكلت قاعدة العمل المأجور وتزايدت الطبيعة الاجتماعية للانتاج. ولكنها لم تأت بما يشتهي الماركسي من إهلاك الراسمالية. فقد استمر النظام كما كان في إطار للعمل المأجور والملكية الخاصة ما يزال (221). ومن رأي مدرسة الفيوتر انتريو أنه لملاقاة تحدي الثورة التكنولوجية لما بعد الفوردية وحقائقها أن نتصالح مع فكرة أن هذه الرأسمالية، التي أنقصت العمل عند محطة الإنتاج بفضل إبتداعها التكنولوجي، ستتطلب نشأة جملة من الملكات الاجتماعية والتعاون: أي رعرعة "المعرفة الاجتماعية العامة". ويبحث منظرو المدرسة جوانب هذا التكوين الذاتي للعقل العام ويسمونه "التثاقفية الشعبية". وهذه التثاقفية هي جماع المعارف-البصائر التي تسند عمليات اقتصاد التكنولوجيا العالية. وهي همة في بروليتاريا الفوردية الجديدة التي تواثقت بصورة مباشرة بعمل إتصالاتي وتكويني الحاسوب لحمته وسداه. وهذا التثاقف الجماهيري شديد الصلة ب"العمل غير المادي" الذي يَسِم الفوردية الجديدة التي تلعب المعلوماتية والاتصالات دوراً هاماً في كل مرحلة من مراحل الإنتاج. وهي مما لا يحتويه تفريق الماركسية بين القاعدة والبناء الفوقي أو الاقتصاد والثقافة. فهذا العقل مما يصعب وصفه بمصطلح الاقتصاد. ولهذا السبب نفسه (لا رغماً عنه) صار هو المكون الاساسي للإنتاج الرأسمالي في أيامنا هذه. ويبقي السؤال: إلى أي مدى سيستطيع رأس المال احتواء هذا التثاقف الجماهيري؟ وليس هذا الاحتواء صعباً بالطبع وهو حادث. ولكنه سيستدعي ممارسة درجة عالية من الرصد والتجسس. فالإدارة الرأسمالية وطائفة من المؤسسات، بما فيها المدراس، تحاول قصر استخدام المعارف المنتجة وانتشارها. والفيصل هنا الربحية التي لأجلها يحظرون الروابط والعلائق التي بوسعها أن تغير بصورة جذرية بنية حقل المعرفة. وهذا التضييق على التثاقف الجماهيري هو ما تتفاءل مدرسة الفيوتر انتريو أن يصبح مناسبة لصور جديدة من الصراع الاجتماعي (222). ومن رأي نقري ولازاراتو أن هذا الصراع سيقع في حيز "الإدارة التشاركية" التي هي سمة الذهن العام لعصرنا. ويقصدان بذلك ما تبذله الإدارة في ما بعد الفوردية ليبلغ فَضل العمال (اي ما تبقى منهم بعد الأتمتة) أقصى حدود الإنتاج بحفز إبداعيتهم ومشاركتهم ويقظتهم. فروح العامل هي المرغوب أن تتنزل في المصنع بعد الفوردي لا مجرد عضلاته. ولكن من رأيهما أن فريق عمل ما بعد الفوردية المبدع لا يختلف كثيراً عن عمال خط التجميع في مصانع الفوردية. بل ربما كان هذا الفريق أشد شمولية لأن الإدارة تستصحب ذاتية العامل وإرادته ليلجم روحه لجماً يكون به الأمر بالطاعة صادراً عن الذات وعمليات الاتصال نفسها. وهنا منشأ تناقض: فالرأسمال بحاجة إلى إبداعية العامل ولكنه يحذر من استصحابها على طول الخط وسيقلب لها ظهر المجن لأن الإنتاجية هي شاغله الأكبر (223). وقد درس لازارتو هذا التناقض بين الدعوة لإبداعية العامل بواسطة رأس المال والتملص منها في أعقاب إضرابات مصانع البيجو الفرنسية في 1989. وهي إضرابات كسرت شهر العسل الطويل بين العمل ورأس المال وذكَّرت بعمال خط التجميع في الفوردية وثورتهم. ووجد لازاراتو بوناً كبيراً بين المفروض من استعداد الشركة لسماع اقتراحات العمال لما ينبغي أن تكون عليه الإدارة وما بين تصميمها ألا تأخذ منها إلا ما يقوي الإنتاج. ووجد لازاراتو أن التراضي المزعوم بين العمال والإدارة مختلطاً بمطلب الأجر الأفضل وبتذمر من إطراد سرعة الإنتاج. وأضرب العمال وكان من بين مطالبهم أن تجعل الإدارة من حديثها عن التعاون واحترام العامل خٌلقاً صناعياً ممارساً. وكشفت دراسة في أمريكا عن أحوال العمال في مصانع ما بعد الفوردية هزء العمال من الإدارة التشاركية. فهم يسمعون بالعلاقة الجديدة مع رأس المال ولا يجدونها. فالعمال كما وجدتهم الدراسة لا يحبون شركاتهم بينما ذلك الحب هو ما قال منظرو ثورة المعلوماتية إنه لحادث. وبرز هذا التناقض في كندا حيث أضرب العمال في مصانع جنرال موتورز في 1996 مطالبين ب "تملك الوظائف" في وجه حملة لإنهاء التعاقد. وزاد العمال بأن طالبوا بيوم عمل أقصر ورفضوا تهجير مصانعهم للخارج وإلى إلزام الإدارة بتخديم أهل المنطقة التي يٌهَجَّر لها المصنع بشروط مجزية. واستمر الإضراب 22 يوماً واحتلوا مصنعاً ولقوا تأييد الرأي العام (224-225). وصور التناقض بين زعم ما بعد الفوردية بالإبداعية وتجنبها للعمال مع ذلك عديدة. فوجد منظرو الفيوتر انتريو في بعض المصانع أوضاعاً تحالف فيها العمال مع حركة الخضر للبيئة لأجل "العمل الأخضر" ولتعميمه خلال شبكة عالمية. وفي حالات أخرى نجد العمال جدوا للاستمرار في الإنتاج بكفاءة جديدة في حالات استغناء رأس المال عن العمل المأجور بدلاً من الإضراب لوقف الإنتاج. وقد يكفي هذا لنرى كيف أن العمل الجديد، العمال، يحاول توظيف نفس الطاقات الفكرية والتضامنية التي يوظفها رأس المال في فريق الإنتاج ولكن في وجهة أخرى. وكثيراً ما تقاطعت تحالفات العمل الجديد مع حركة الخضر والنساء والشعوب المقهورة. وعليه نستطيع من وجهة هذه الحركة الجديدة للعمال أن نقول إنها بديل تحت التكوين لتنظيم رأس المال للعقل الجماهيري لأغراضه. ومن رأي الفيوتر انتريو أن هذا العقل الجماهيري سينفجر بوجه رأس المال ليس لأن رأس المال سيستغني عن عمال كثيرين فحسب بل لأنه استحصل على المعارف والخبرات من ثورة المعلوماتية التي ستعينه على تدبير المجتمع على نحو مبتكر.ويسمي نقري هذه السعة المبتكرة ب" الشوكة المٌنشئة" التي تهدف سياستها الجذرية إلى إقامة "جمهورية" تتطهر من تأمر رأس المال وسلطنة الدولة. ويرى منظرو الفيوتر انتريو تجلي إمكانات هذا العقل الجماهيري في موجات الاحتجاج الاجتماعي التي انتظمت الدول الراسمالية المتقدمة في التسعينات (226). وبالطبع تعرضت فكرة "العقل الجماهيري"، الذي له ولاية الثورة والتغيير في مجتمع ما بعد الفوردية، إلى نقد دقيق. فوصف النقاد منظري العقل الجماهيري بأنهم رجال أوربيون. وعليه استبعدوا ،في تركيزهم على سيادة العمل غير المادي، الذهني، في العقل الجماهيري، النساء وعمال الجنوب، غير أوربا، الذين ظلوا يخضعون لمشاق العمل الجسدي المرهق. فمن رأي النقاد أن رأس المال ما زال يفرق بين طوائف المستخدمين ويرتبهم هرمياً. وتأتي طبقة "المحللين الرمزيين" من مهندسين وعلماء، التي هي ثمرة الثورة التكنولجية، فوق الفراشين وعمال الخدمات عامة.ممن برزوا بشكل واضح في رأسمالية ما بعد الفوردية. فالفيوتر انتريو في نظر نقادهم "صفويون" لم يفارقوا ماركسية الحزب الطليعي الذي عليه ولاية الثورة نيابة عن العمال. وكانت لمنظري الفيوتر انتريو ردودهم على نقادهم وأهمها أن التكنولجيا المتقدمة لن تترك خالفاً لا يتوسل بها إلى اغراضه.وضربوا مثلاً بفراشيّ وادي السيلكون، ذؤابة التكنولوجيا في عصرنا، في كليفورنيا الذين طَوعوا الحاسوب لتقوية حجتهم وصفهم خلال إضراب ما. وكذلك حمل الإنترنت مقاومة مناضلي الزباتيين في المكسيك والمطالبين بحق تقرير المصيرفي تيمور الشرقية. ومن رأي داير-وزيفورد أنه مهما قلنا عن اليوتر انتريو فلا بد أن نذكر لهم أنهم جاءوا بصيغة عن الصراع الطبقي في مجتمع ما بعد الفوردية الذي قال منظرو ثورة المعلوماتية إنه خلا من ذلك الصراع. وهي صيغة صالحة على حاجتها إلى مراجعة مسلماتها واستكمالها بما وصفه ماركس ب"التحري العمالي" تنهض به شبكة باحثين في دراسات متضامنة تقف على أشكال الصراع الطبقي المستجدة (231-232). وضرب الكاتب على مثل هذا التحري النافذ إلى التجليات المستحدثة للصراع الطبقي مثلاً على استصحاب رأس المال للفكر وساحاته، الجامعات، خلال العقود الماضية. فمن الملاحظ انكماش المسافة بين الصناعة والجامعة منذ الحرب العالمية الثانية حتى تبخرت فصار الأكاديميون ،وبصورة قاطعة، طرفاً في استحواذ رأس المال على الذهن العام. فقد أصبحت الأكاديمية مسرحاً لذلك الاستصحاب للعقل العام بما جعل الصناعة أكثر فكرية حتى سمت مايكروسوفت موقع إنتاجها ب"الكامبس" وهو لغة في الجامعة. والهدف من ذلك هو تحويل الهمة الأكاديمية إلى رأس مال فكري. فبين عام 1970 و1980 نجح رأس المال في "تسليع" الأكاديمية. وجرى ذلك بخلق شراكة بين الصناعة والأكاديمية تجسدت بقوة في ما عرف ب"منتزه البحوث" (Research Park) التي أصبحت معلماً هاماً في حياة جامعات ذات خطر. وفيها تمول الصناعة ما ناسبها من أبحاث على حساب البحث في المسائل الأساسية التي يمليها الشاغل الأكاديمي وحده. وتعددت صور استصحاب رأس المال للجامعة. فجاء رأس المال لها ب "ببراءة الاختراع" لإغراء علمائها بالركون إليه. ثم جاءت الصناعة في التسعينات بمفهوم "الجامعة الافتراضية" (virtual university) زودت به الجامعات بتكنولوجيا الحاسوب المتقدمة ليكون التعليم عن البعد هو الغاية المثلي. وفي هذا "تسليع" لوظيفة الجامعة التعليمية. ويقول نقاد الجامعة الافتراضية إنها مصممة لبيع وظيفتها ومنتوجها التربوي في سوق الله أكبر. مثلاً صار المدرس يبذل مادة كورسه لتعبئها شركات التعليم في أقراص مدمجة للبيع بما أفقده قبضته البيدجاجوية (التربوية) على مادة تدريسه. ومن شأن ذلك أن يجعل الاستغناء عن الاستاذ يسيراً أو أن يٌثقَل عليه بتبعات التدريس من على البعد بالإنترنت. ومع أن جدوى هذا التعليم لم تثبت بعد إلا أن الصناعة وإدارات الجامعات تتوسع فيه غير متحسبة للعواقب.وسمى ديفيد نوبل، الناقد الدقيق لتبذل الجامعة إزاء الصناعة، تلك الجامعات ب"بطواحين الدبلومات الرقمية". ومثل هذه الأحوال المتغيرة في الجامعات هي الأساس لعلاقة ناشطة جديدة بين الأكاديميين والطلاب الخوارج على تبذل الجامعة والحركات الاجتماعية المعارضة. وهذا مدخل هؤلاء ليكونوا طرفاً في الذهن الجماهيري وليقوموا ببحث القضايا ذات النفع للحركات الاجتماعية وتدريسها وكسر الحائط الرابع بين الجامعة وقادة تلك الحركات ليكونوا طرفاً في المشاركة بخبراتهم واشواقهم. ويمكن للأكاديميين الخوارج مصادرة الحاسوب، الذي أريد له تدجين العملية التربوية، من أربابه الرأسماليين لخدمة التغيير الاجتماعي. وضرب مثلاً بما جرى في ربيع 1994 الذي دخل فيه الطلاب من أصول أسبانية في جامعات ميتشغان وكلورادو ونبراسكا في إضراب عن الطعام واحتلوا بعض الجامعات. وطالبوا ببرامج تعليم جديدة ومبادرات ضد العنصرية ومقاطعة شراء العنب تضامناً مع لَقَّاطيه من ذوي الأصول الأسبانية وبناء نصب تذكاري لسيزار شافيز أول من نظم العمال الزراعيين في الستينات. وقد استخدموا الكومبيوتر في تنسيق حركتهم والتضامن معها. وجرت أيضاً في 1995 و1996 حملة رسائل إسفيرية منسقة في كندا والولايات المتحدة ضد ارتفاع تكلفة التعليم وضعف العون المالي للطلاب. وصفوة القول إن الجامعات صارت هي مركز للتعبئة السياسة الجذرية مستخدمة ذات الحاسوب الذي ارادت به الصناعة جر الجامعة إلى أغراضها (233 -236). وختم داير-ويزفورد الفصل بتأكيده بأن ثورة المعلوماتية لم ترم بالصراع الطبقي إلى سلة المهملات. ففي الجامعة، كما في المصانع، تعلم العمال والطلاب والأكاديميون حيلاً من التكنولوجيا التي سعى بها رأس المال لاستصحابهم في مشروعه لتراكم الثروة. فقد انكشف مستور ثورة المعلوماتية وبان ضحايها فتحفزوا للصراع ضدها بشفرتها نفسها. ففي الثلاثة عقود الأخيرة انكشفت عورة هذه الثورة التكنولجية: لم تبسط بركة تكنولوجياها على الناس كما أشيع وفتجمدت أجور العمال بل تدنت. وما زعموه من تمدد ساعات الفراغ للمتعة صار تزايداً في معدلات البطالة. ولم تحسن الشركات إلى "طبقة المعارف" التي قيل لنا إنها ستكون ربان سفينة المجتمع ما بعد الفوردي (236-238). وعموماً فإن يوتوبيا ما بعد الفوردية أسفر عن تزوير كبير. ولن نعلم عنه علم اليقين إذا اقتصرنا على مجرد رفع جهل الناس عن قوة رأس المال ونفاذه في المجتمع مما يمضغه كثيرون باسم الماركسية. فمتى وقفنا عند هذا المضغ فشا الهزء واليأس. فالتحدي الحق أن نضع أصبعنا على إمكانيات أن نبدل حالنا غير الحال مستلهمين ما كتبه ريموند وليامز بأن التحدي الجد للثوري هو "أن يجعل الأمل عملياً بدلاً من تسويق البراهين على حالة اليأس الراهنة". ولهذا وجد الكاتب نظرية الفيوتر انتريو صائبة لقولهها بتجدد حلقات الصراع بين العمل ورأس المال وتغيرها. فهذه النظرية ترى أن ثورة التكنولجيا نفسها، التي قيل إنها رمت بالصراع الطبقي إلى سلة التاريخ، تشكل حلقة من حلقات هذا الصراع الاجتماعي. فهي مما يفتق عنه ذهن رأس المال لتحوير نفسه وتطويرها ليستغني عن العمال ويقمعهم. وأهم من ذلك قول مدرسة الفيوتر انتريو إن حيلة راس المال باءت بالفشل. فبدلاً عن استئصال الصراع الطبقي تسرب هذا الصراع إلى آلة التكنولوجيا وتَقَوى بفنياتها التي كانت تهدف لإزهاق ذلك الصراع. .فالثورة التكنولوجية المزعومة للجم راس المال مثل الساحر الذي استجمع ب "شيخن بيخن" وسائط للإنتاج والتبادل متناهية الضخامة ولكن انقلب السحر على الساحر الذي لم يعد يقوى على السيطرة على عالمه السفلي الذي استدعاه بالرقي والتمائم (237).
الخاتمة شاغلي من تحرير هذا الكتاب ليس تخطئة الخاتم في إطراحه الماركسية. فهذا جائز دائماً وأبداً. فأنا نفسي لا أعرف عن نفسي إنتماءاً للنظرية يخولني "سلطة التكفير" فيها. وأجد في تعلقي بها في زمن الضباب هذا عزاء في قول سيمون جوات عن علاقة ليوتارد الفيلسوف الفرنسي بماركس. قال في ما تقدم إن تعلقه بنصه ليس كنظرية بل كجنون. لم أكتب ما قرأته "دفاعاً" عن الماركسية بل بحس بمسؤولية سواء اعتقدت فيها أو نفضت يدك عنها. وأعني المسؤولية أن نقبلها فوق حيثيات وأن نتركها فوق حيثيات. ووجدت عبارة دريدا المذكورة في أول البحث عن هذه المسؤولية كافية بالغرض. وحررت الكتاب لما رأيت الخاتم لم يأخذ هذه المسؤولية مأخذاً جدياً. فغادر الماركسية كالشعرة من العجينة لم يعلق به نص منها ولا اعتنى بالانتماء إلى سياق من غادروها قبله ليكون مناقشه على بينة من أمره. ووجدته يطرب للحزب الشيوعي وخياراته الماركسية والطبقية الباكرة. وهذه مسؤلية سرعان ما عاد منها ليطالب بحله ورمي طوبة الطبقة العاملة كطليعة للاشتراكية وحل الماركسية في إطار نظريات شتى. وما يلزمنا بهذه المسؤلية إن الماركسية في السودان كتقليد ثقافي هي كل ما لدينا خلال نصف قرن من الزمان وتخللت مجتمعنا من غمار الناس إلى مبدعيهم. فالرمي بها هكذا بلا دليل ولا برهان قفزة في الظلام. ولتعميق مفهوم هذه المسؤولية وجدت سيمون جوات في كتابه الجديد "ماركس عبر ما بعد البنائية" دقيقاً في هذا الخصوص. فقال إن "تخريف" الماركسية قديم. فلم تنعم الماركسية بالقبول في فرنسا مثلاً إلا ما بين 1945 و1968. والعام الأخير عام ثورة الطلاب الذي تخطى فيه الفلاسفة الجدد لما بعد البنائية ماركس وانقلبوا عليه بثأرية فظة. فتبارى هؤلاء الفلاسفة الجدد في "تخريف" ماركس وعقيدته (10). ولكن جوات انصرف عن النتيجة التي وصلوا لها ليقف على كيف قرأ هؤلاء الفلاسفة ماركس ووظفوه ونقدوه وكيف أغتنى ماركس من قراءتهم (36). فليوتارد مثلاً لم ير أن الماركسية قد قضت نحبها وتحديها الماثل هو أن تواصل المسيرة ( 38). فهو يستصفي ماركس لأنه ما يزال، بنقده للرأسمالية، وبحربه عليها، يعزز العامل الذي يتعرض ل differend وهي حالة من العقم يعجز فيها المرء عن ردة الفعل على ما ينتابه من ظلم. فالعامل يخضع لإضطهاد مزدوج في نظر ليوتارد. فهو يبيع قوة عمله للراسمالي ويٌحظَر من الوسائط التي يعبر عليها عن ظلمه (58 ). فلا يمكن تبسيط المسألة ف"إلحاد" ليوتارد عن الماركسية فتح علاقته بماركس بسبل خصيبة الخيال. فبدلاً أن يتعامل ليوتارد مع ماركس كنظرية تٌفهم وتٌطبق رغب في أن يتعامل مع ماركس ككاتب، ومؤلف مليء بالمشاعر effects , وأن يتعامل مع نصه كجنون وليس كنظرية. فهو لا يريد أن ينظر لعمل ماركس كنظام نسيق يحتاج إلى أن يٌقام على الأرض أو كعلم تحتاج فلسفته إلى إعاد تركيب. ليوتارد تعامل مع شغل ماركس كقطعة فنية تتفجر طاقتها هنا وهناك مستقلة عن تناغم الخطاب. وتنفجر مرات في تفصيل منسي ومرات في منتصف آلية مفهومية راسخة مجذرة وبينة (46). فحتى حين اتفق له أنه قد تخطى ماركس أكد مجدداً أهمية ماركس في محاولتة نقضه. أريد بهذا الكتاب أن نعرف عن الماركسية بافضل ما عرفنا عنها حتى قبل أن نستدبرها. فالماركسية، قبلتها أم رفضتها، تستدعي معان لا يكون العالم بدونها.
المراجع Isaiah Berlin, Karl Marx, 1963. Simon Choat, Marx through Post-Structuralism, 2010 Jacques Derrida, Specters of Marx, 1994 Nick Dyer-Witheford, Cycles and Circuits of Struggles in High-Technology Capitalism, 1999 Saul K. Padover, Karl Marx, 1978.
[email protected]
|
|
 
|
|
|
|
|
|
Re: الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم (Re: Tragie Mustafa)
|
الحقيقة هذا جهد مفكر قرأ وأعاد انتاج ما قرأه ، اتفقت او اختلفت معه
لعبدالله على ابراهيم كتابات عميقة ونتاج جهد فكرى كتبها بروح الباحث الجاد ، هذه الكتابات تلقى عندى هوى مثلما وجدت عندى كتاباته الثقافية الاولى ومسرحياته" الجرح والغرنوق " - " السكة حديد قربت المسافات وكثيرا " ولكن بقدر ما كانت كتاباته ذات نتاج البحث ورصانة التفكير تجد هوى عندى ، انفر من كتابات له فطيرة وفى بعض الاحيان اجد هذه الكتابات الفطيرة فقيرة لا ترقى لدرجة كاتب فقير المعرفة ولا خبرة له فى دهاليز السياسة ودهاء السياسيين فمثلا كتب عند بداية الانقاذ مقالاته التى جمعها فى كتابه الارهاق الخلاق قائلا ( أمل هذه المبادرة معلق بشكل استثنائى على الفريق عمر البشير رئيس مجلس الانقاذ الوطنى ورئيس الوزراء ، ولا اقول بذلك لأننى عرفته أو عرفت خلال هذا العام افكاره عن كثب على اننى التقيت بعدد من اعضاء مجلس ثورته ووجدت فيهم موهبة للاصغاء وسعة للصدر فى الجدل ولكننى اعلق هذه المبادرة على الفريق عمر قد صدر فى مبادرته الانقلابية عن حس صادق بأزمة الحرب والسلام والمستضعفين والاغنياء فى بلادنا وبناء على تجربة شخصية حسية ربما لم تتوفر لأشرس خصومه السياسيين المدنيين فهو كضابط بقوات الشعب المسلحة قد أدار بكثافة عمليات للنصر والنزاع والهزيمة فى مفصل أزمة جنوب السودان ولا بد ان عقله وفؤاده قد اعتلج بفكرة او اخرى من افكار الخلاص الوطنى التى تساور كل مشغول بمحنة بلده ، ان الذين ينسبون انقلاب عمر البشير الى هاجس شيطانى هجست له به الجبهة الاسلامية ربما لم يحسنوا كل الاحسان الى شخصه او لانقلابه ) انظر الى هذا النص الذى كتبه عبدالله على ابراهيم فى اواخر عام 1990 والنص اعلاه الذى كتبه عن نقده لما كتبه الخاتم عدلان تجد فرقا شاسعا مثل ما قيل للشاعر بشار بن برد ، قالوا له اننا نجد لك شعرا رصينا جزلا ونجد لك ايضا مثل ربابة ربة البيت تصب الخل فى الزيت لها عشر دجاجات وديك حسن الصوت ، فالناظر لما كتبه عبدالله على ابراهيم فى تقريظ الانقاذ فى ايامها الاولى ومدح عمر البشير بمثل قوله عن الانقلابيين ( وجدت فيهم موهبة للاصغاء وسعةو للصدر فى الجدل ) وبالطبع لكل ناظر ذى عينين وعقل بسيط يعرف هل لأهل الانقاذ سعة فى الصدر للجدل وموهبة للاصغاء ام لا ، كما انه يصف عمر البشير بأنه ( اعتلج بفكرة او اخرى من افكار الخلاص الوطنى ) كما انه فى آخر نصه ينفى عن الانقلاب مرجعيته وهى الجبهة القومية الاسلامية ويصف من يقول بذلك بعدم الاحسان الى عمر البشير ، كما انك تراه مرة يصف الانقلاب بالثورة ولرة يصفه بالانقلاب دون تفريق او تعريف لمقصده من الانقلاب او الثورة ، ولذلك اندهش جدا عندما اجد له كتابة رصينه مثل ما كتبه اعلاه عن الماركسية واثرها وتعدد اطلاعه وقراءاته ولا اجد اثرا لذلك فى تحليلاته وكتاباته عن الانقاذ ، لا اقصد كتاباته وتحليلاته من الموقف الماركسى البحت بل من موقف الانسان العارف المطلع والمفكر الذى يعرف كيف يزن الامور ويقايسها ويتنبأ بمآلاتها ومعرفته ايضا بخبايا السياسة والرجال ، كما اننى اندهش ايضا من تصدير موقفه للانقاذ كأنها نتاج شخص واحد هو عمر البشير فيتحدث عنه كأنه المنقذ او المستبد العادل وهو موقف لا يصدر عن شخص جاهل ناهيك عن شخص متعلم ومفكر مثل عبدالله على ابراهيم .
قصدت من قولى اعلاه ان لعبدالله على ابراهيم كتابات بحثية جاده اتفقت او اختلفت معها اما كتاباته الفطيرة التى كتبها حول الانقاذ فهى تخصم من رصيده العلمى والفكرى ، من كل النواحى من ناحية لغتها ومن ناحية عمقها ومنطقها .
مع تحياتى
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم (Re: munswor almophtah)
|
الأخ ود الزين السلام والرحمه والعافيه والشكر لك على كتابتك المسئوله وعلى رأبك المحمل بالحجج القضائيه والتى فرقت بها مستويات كتابات عبدالله على إبراهيم حيث رفعت بعضها إلى أعلى عليين وهبطت ببعضها إلى أسفل سافلين وذلك من واقع إعتقادك وواقع رؤاك المبنيه على أعتقاد راسخ لا يكتنفه أى باطل ولا يدخل عليه شك من أى نافذه ترى ما لا يتفق مع مزاجك من كتابات عبدالله ضعيف ضعف كتابات البحترى والذى يجد قبولا واستجابه فذلك رفيعا سويا سامقا عال المقام دون النظر لحرية إختيار عبدالله لخياراته التى يؤمن بها كبشر متحول متحور فدكتور عبدالله رجل منفعل بفكره متحرك وفق تنظيره بتطابق تام وليس فى حالة ثبات فاسد فإن كان كتب عن الإنقاذ ومفجرها فلا أحسب أنه على ذات الرأى فقد لغاه عمليا بطرح نفسه بديلا له فى الإنتخابات السابقه تاركا كل ما يملك وكل مصادر رزقه واقفا كلالة ينادى بوضع بديل وكلنا شاهد على ذلك أما على مستوى التنظير فكتاباته تنحت منحا آخر من الذى تعيبه عليه ولو لا أن لزم على الرد لما فعلت لأنى ربما لا أومن بما يؤمن به عبدالله وعبدالله أجدر منى وأفيد بأن يرد على تساؤلك ولكن دعنى أقول لك إنى أعجبت أيما إعجاب لمداخلتك تلك لأنك كتبتها بعقل سليم وقلب حاضر مستخدما ذات الأدوات التى يجيدها عبدالله وأنا لست على مستوى تلك الكتابه النيره للدفاع عنها فهى كتابة عن كتاب الخاتم ينقدها دكتور عبدالله وأنا زول قريعتى رائحه فعبدالله والخاتم مفكران بارعان بينهما تشابه كبير وإن بأن الإختلاف أكبر فكلاهما كانا من الركائز الأساسيه للحزب الشيوعى وكلاهما خرجا عنه بفهم ومفاهيم قننها كلاهما ودونها تنظيرا وتطييق فالشكر لك يا ود الزين وكتابتك تصنع معرفه ولك صادق السلام.
منصور
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم (Re: munswor almophtah)
|
السلام والتحية لمنصور المفتاح
والسلام والتحية لود الزين
Quote: انظر الى هذا النص الذى كتبه عبدالله على ابراهيم فى اواخر عام 1990 والنص اعلاه الذى كتبه عن نقده لما كتبه الخاتم عدلان تجد فرقا شاسعا مثل ما قيل للشاعر بشار بن برد ، قالوا له اننا نجد لك شعرا رصينا جزلا ونجد لك ايضا مثل ربابة ربة البيت تصب الخل فى الزيت لها عشر دجاجات وديك حسن الصوت ، فالناظر لما كتبه عبدالله على ابراهيم فى تقريظ الانقاذ فى ايامها الاولى ومدح عمر البشير بمثل قوله عن الانقلابيين ( وجدت فيهم موهبة للاصغاء وسعةو للصدر فى الجدل ) وبالطبع لكل ناظر ذى عينين وعقل بسيط يعرف هل لأهل الانقاذ سعة فى الصدر للجدل وموهبة للاصغاء ام لا ، كما انه يصف عمر البشير بأنه ( اعتلج بفكرة او اخرى من افكار الخلاص الوطنى ) كما انه فى آخر نصه ينفى عن الانقلاب مرجعيته وهى الجبهة القومية الاسلامية ويصف من يقول بذلك بعدم الاحسان الى عمر البشير ، كما انك تراه مرة يصف الانقلاب بالثورة ولرة يصفه بالانقلاب دون تفريق او تعريف لمقصده من الانقلاب او الثورة ، ولذلك اندهش جدا عندما اجد له كتابة رصينه مثل ما كتبه اعلاه عن الماركسية واثرها وتعدد اطلاعه وقراءاته ولا اجد اثرا لذلك فى تحليلاته وكتاباته عن الانقاذ ، لا اقصد كتاباته وتحليلاته من الموقف الماركسى البحت بل من موقف الانسان العارف المطلع والمفكر الذى يعرف كيف يزن الامور ويقايسها ويتنبأ بمآلاتها ومعرفته ايضا بخبايا السياسة والرجال ، كما اننى اندهش ايضا من تصدير موقفه للانقاذ كأنها نتاج شخص واحد هو عمر البشير فيتحدث عنه كأنه المنقذ او المستبد العادل وهو موقف لا يصدر عن شخص جاهل ناهيك عن شخص متعلم ومفكر مثل عبدالله على ابراهيم .
|
أخوتي
ما ذكره ود الزين حديث مهم جداً ودقيق جداً وسأحاول دعمه من زوايا أخرى بصورة عامة عن كل من يكتب في أمور تهم السياسة والفكر والمجتمع
أعتقد أنه يجب على الكاتب أن يتبنى أسلوب الحياد التام وأن يكتب وهو يستهدف الوصول للحقائق حتى وإن كانت هذه الحقائق التي قد يكتشفها تتصادم مع بعض ما كان يعتقد بصحته وذلك لعل التطور المستمر الذي يعيشه الإنسان من جراء تدبره وتفكره يكون نتاجه أن ينتقد نفسه في كثير من الأحيان عند إكتشاف ما يثبت خطأ ما كان يعتقد صحته
لا أريد أن أطيل ولكن الحياد والحياد التام هو أهم ركائز الكتابة التي يجب أن يضعها كل كاتب باحث نصب عينيه وهو يكتب ويحلل ليستشف أو يميط اللثام عن الحقائق
مع تحياتي وتقديري لكليكما
عاصم فقيري
| |

|
|
|
|
|
|
Re: الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم (Re: Asim Fageary)
|
الأخ عاصم فقيرى لك من السلام ما يغنيك
الحيده والتجرد فى الكتابه أمر مطلوب إن كنت للآخرين أو عنهم والرسائل المحمله فى رقائق الكلام ينبغى أن تطابق مع إلتزام الكاتب الفكرى أوالعقائدى والسياسى وفقا للفتوح والتحولات التى تحدث للإنسان لا بل الثحول الجذرى الذى يحدث له كالذى حدث لمن كان فى الجاهليه ومن ثم أعتنق الإسلام فكان خطابه بحجم جاهليته فتحول ذات الخطاب بطاقة الإسلام إلى قوة أخرى فالحراك الإيجابى للذات خير من العزله غير الحميده وعلينا أن نحترم ونقدر حرية الإختيار للآخر ونتعامل معه كما هو من غير أن نجزئ تاريخ تطوره الطويل وعلينا إحتمال تحول خطابه وتنظيره وفقا لذاك وهنالك نماذج وأسماء كثيره فى حاضرنا وماضينا أسهمت حيث كانت وأسهمت حيث أتت ولك السلام والتقدير.
منصور
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم (Re: Abdel Aati)
|
الأخ عادل عبدالعاطى السلام والرحمه
فيا عزيزى ما كتبه عبدالله هو نقد لكتاب بعينه للخاتم وليس بنقد للخاتم فى إطلاق محدوديته الفكريه وليس بالضروره أن يكون نقد نتاج الأشخاص فى حياتهم وإلا لما تناول أحد البحترى بدراسه ولا المتنبئ ولا إبن رشد ولا الغزالى لا بل لا أرسطو نفسه والذى شرحه للناس إبن الرشد ثم توالوا الشراح إلى أن بلغوا عاطف العراقى. وإن لم تنقد كتابات الخاتم فمن هو الأحق بذلك ومن هو أرفع قامة من عبدالله ليقدم نقدا عن نتاج الخاتم غير عبدالله فيا صديقى عادل النقد يقدم مفاتيحا أخر للقراء للولوج فى عوالم من كتب عنهم وحتى لا تكون عاما نرجو منك أن تنقد ما قاله عبدالله تحديدا عن ذلك الكتاب المحدد للخاتم حتى تقدم إضافة أنت كذلك فى ذلك الباب بعلميه وبعيدا عن أى عاطفة مدافعة عن الخاتم أو مهاجمة لدكتور عبدالله وسنظل فى إنتظار وعدك ولك الشكر والسلام.
منصور
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم (Re: munswor almophtah)
|
والله بتبالغ يا منصور
تصدر فى الاوامر اخلع نعليك واقرا بخشوع وهات رد من لدنك وما تجيب تلغراف
اوامرك كلها مرفوضة يا اخ عرب السروراب
هنا ناس الامارات بيقولو بكيفى
يعنى على كيفى ارد تلغراف ارد ايميل ما ارد بكيفى
انت اقرا لشيخك يخشوع واخلع نعليك وان شاء الله تحرق بخور ذاتو انا بكيفى
انا اتمثل مقولة على كرم الله وجهه واعرف الرجال بالحق ولا اعرف الحق بالرجال
وعندما احكم بين الخاتم وعبد الله تهمنى المواقف وليس اداعاءت التمسك بنظريات ماركس او غيره
يهمنى الموقف من الديمقراطية الموقف من استيلاء عسكر على السلطة الموقف من السلطان
من الذى ارتجف وخنع وبايع
ومن الذى مات مناضلا فى المنفى
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم (Re: mohmmed said ahmed)
|
يا محمد سيد أحمد إن حروف الجر تقوم مقام بعضها فعلى وب يحققان ذات الهدف فعلى عرب السروراب الإستمرار فى بكيفهم ولكن (على كيفك) دى صارت ماركه ملكا للكتيابى فلا على كيفك تطلقها بدون أقواس أما تلبيس جبة النضال للبعض وحرمانها للبعض الآخر تحت نفس الظروف فذاك إسراف فى عدم العداله وإعمال لعواطف المع والضد وهنا يبين الخلل لا مانع من سقف قناعاتك ولكن للآخر سقف آخر وثقب أكبر فى ذلك السقف فعلى كيفك يا محمد سيد أن تأتنا بتوضيح أفيد أو لا ولك ولعرب السروراب بطرفك السلام و(فى إنتظارك فى إنتظارك)
منصور
| |
 
|
|
|
|
|
|
ماذا كتب الخاتم عدلان عن تخليطات عبد الله علي ابراهيم ؟ (Re: Abdel Aati)
|
محاضرات د. عبد الله علي إبراهيم
الخاتم عدلان
أحب أولا أن أعبر عن شكري الجزيل للأخ عبد المنعم عجب الفيا، على وضعه لفكر صديقنا الدكتور عبد الله علي إبراهيم، في بؤرة الضوء، سواء محاضرته في أبوظبي التي نشرها عجب الفيا في هذا الموقع بعد نيل موافقة المحاضر على سلامة النص، وهو تقليد حميد اقتضته الأمانة ، أو ورقته بعنوان تحالف الهاربيين حول «مدرسة» الغابة والصحراء، أو كتاباته اليومية في الصحف السودانية. وبالطبع فإنني أوافقه على المجرى العام لحجته الراجحة كما يتضح من مداخلتي الحالية.
وأبدأ بأن هناك إختلال أعتبره جوهريا في نقاش أفكار عبد الله على إبراهيم، هو غياب الرجل نفسه عن ساحة الحوار. وهو غياب بغير حجة على ما أعتقد، لأن عبد الله، حسب ما ذكر في هذه المحاضرة وفي مواضع غيرها، مطلع على ما يدور في الإنترنت، وخاصة حول أفكاره وآرائه، وقد شاء مرة أن يرد عليها بصورة غير مباشرة في موضع غير موضعها. غياب عبد الله عن المحاورة يشعر بعض المشاركين فيها أنهم ربما يخرقون قواعد « الفروسية الفكرية» إذ ينازلون رجلا لا ينافح عن نفسه بما يملك من العدة والعتاد، بل ربما يشعر آخرون بأنه ألقى سلاحه وهرب من ميدان المعركة كليا. وهذا الغياب نفسه هو الذي دفع آخرين، لا يتفقون تماما مع عبد الله، إلى تبني قضيته، وربما بحماس أكثر من حماس صاحبها نفسه، وهذا يجلب التشويش أكثر مما يحقق الوضوح الذي هو بغية الجميع. وقد وصفت نصوصه بأوصاف ربما توحي إلى البعض بأنهم غير مؤهلين بصورة ما لمناقشتها، وتحت مثل هذه الأوصاف ترقد أنواع من المجاملة أو الغفلة، بل حتى المبالغة والتخويف، لا يبررها لعبد الله، ماضيه أو حاضره.
من أجل تلافي هذا الخلل الذي أشرت إليه أرجو أن نوجه الدعوة لعبد الله أن يشارك في التوضيح والشرح والرد، والدفاع، عما طرحه هنا من آراء، حتى نصل إلى نتيجة ما، بضمير مرتاح وشعور وافر باللياقة الفكرية.
| |
    
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تخليطات عبد الله علي ابراهيم ؟ (Re: Abdel Aati)
|
ويواصل الخاتم:
النص المقدم هنا يصعب أن يطلق عليه مصطلح المحاضرة، فهو ينطوي على إهمال كبير وارتجال فتك بالإبانة فتكا غير رحيم، كما به من التهافت من حيث البناء المنطقي ما قل أن نجده حتى في نصوص العوام. وهي أمور يمكن إقامة الدليل عليها بالإقتطاف المباشر من النص المبذول بين يدينا، والذي تشهد كل عبارة فيه تقريبا على ما نقول. وربما يغريني توفر مثل هذه الأمثلة بكثرة جالبة للملل، على تتبعها وإبرازها، ولكني لا أريد أن أسير في هذا الطريق. أولا لأن فطنة القراء لا تحوجني إليه، وثانيا لأنني مهتم بالمفهومي في نص عبد الله، حتى وإن توارى تحت عويش من الكلام، أكثر من طريقته في التعبير عنه. ولن أتعرض للتعبير إلا في إطار ما أراه فضحا للمفهوم الثاوي تحت طياته.
أستطيع أن ألخص أهداف محاضرة عبد الله، مع تحفظي حول الإسم، فيما يلي: نحن في السودان الشمالي ننتمي إلى الثقافة العربية الإسلامية، وهي سوية يمتنع معها التمييز بين أي شمالي أو آخر، سواء كان يساريا أو يمينيا، حاكما أو معارضا، غنيا أو فقيرا، مجاهدا من أجل المشروع الحضاري، أو مناضلا من أجل السلام، مشردا عن الوطن أو ناهبا لثرواته، قاهرا لشعبه أو خارجا ضد ذلك القهر، داعية للدولة الدينية أو مناديا بالدولة العلمانية. كلنا سواء: إذا ارتكب قادة الحكومات المتعاقبة، الديكتاتورية اوالديمقراطية، أخطاء قاتلة في حق الوطن، فإننا نكون كلنا قد ارتكبنا تلك الخطايا حتى وإن كانت ضدنا. إذا شن عبود والصادق المهدي وعمر البشير الحرب ضد الجنوبيين فإننا نكون كلنا قد شننا تلك الحرب حتى وإن عارضناها. أيادينا ملطخة بالدماء حتى وإن لم يطرأ لنا يوما أن نقتل احدا ولو في الأحلام. وعقابنا جميعا واحد لأننا مشتركون كلنا في الجريمة وبنفس المستوى. ولذلك فإن مصلحتنا الشخصية، مصلحة كل واحد منا هي ألا يطالب بعقاب أحد لأنه ارتكب ذنبا في الجنوب لأن العقاب سيطالنا جميعا.
يقول عبد الله في تسويقه لفكرته السابقة: « أصبحت السياسة تتكلم عن قطاع عريض، تتكلم الآن مش عن حزب كذا وحزب كذا، ومن أخطأ في حق الجنوب. وإنما بتتكلم عن قطاع، عن « ريس»، عن عنصر، ودا مهم لأنو دي الوقت بداية دخول فكرة الريس، العنصر، يعني في تناولنا وفي نظرنا الثقافي والسياسي، يعني نحن كنا بنتكلم عن والله الخطة بتاعت الجمهوريين هي كانت أفضل عن الجنوب وإنو مثلا اليسار كان أحنى بالجنوب، اليسار الشمالي، والجمهوريين الشماليين. لكن السيد الصادق والنظر العام دي الوقت يقول نحن الشمال السوداني، تتعدد اللافتات والشمال السوداني واحد. ودا مهم لأنو نحن دي الوقت بنتكلم عن ريس، كمدخل لدراسة التعقيد الجاري في السودان ودا بزيل المزاعم الخاصة للجماعات السياسية الشمالية من اليمين إلى اليسار إلى الوسط على أنها هي الفرقة الناجية في مسألة الجنوب: أنا أحسن من ديل، أنا كنت قدمت الفكرة الفلانية والموقف الفلاني وكذا وكذا.»
الفكرة الثانية المرتبطة بهذه هي أن ما قامت به الجبهة الإسلامية في الجنوب ليس أسوأ مما قامت به كل الأحزاب الأخرى وأن عذرها في ذلك هو الشفرة الثقافية المركبة فينا جميعا، وحقيقة أن القومية العربية الإسلامية خلقت وطنا أكبر منها وحررته بطريقة خرقاء ومأزومة.
| |
    
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تخليطات عبد الله علي ابراهيم ؟ (Re: Abdel Aati)
|
يتبع من كون القومية العربية الإسلامية خلقت وطنا أكبر منها، وبصورة منطقية، أن تصغر وطنها ليتطابق مع ذاتها، وأن تترك ما عداه لمن لا ينتمي إليها، وهي دعوة إلى الإنفصال، يشارك عبد الله فيها عتاة العروبيين الإسلاميين وغلاتهم. بعد أن يتساوى الوطن مع القومية العربية الإسلامية فإن الدعوة موجهة لنا جميعا لدخول برج الإنقاذ حتى وإن كنا نكرهه لأن دخوله يعني أننا لن نراه.
وإذا كانت هذه هي القضايا الاساسية التي طرحها عبد الله في هذه المحاضرة، فما هي علاقتها بالثقافة؟
الإجابة على هذا السؤال تدخلني إلى تكتيكات عبد الله في تسويق افكاره، وفي الإيحاء للكثيرين، من خلال هذه التكتيكات، وكما ظهر في تقديم الأخ محمد عبد القادر سبيل، بأنه عالم لا يشق له غبار، وأنه مؤلف للنصوص الكبيرة، وأنه علم من أعلام التنوير في بلادنا. وهي اوصاف تجانب حقيقة عبد الله مجانبة تكاد أن تكون كلية، وخاصة بعد أن سبق عليه كتاب الإنقاذ وزلزله نداؤها من ابواب الجحيم، وهو أمر سأوضحه في نهاية هذه المساهمة.
التكتيك الأول: إخفاء الموقف السياسي المباشر في طيات الرطانة الثقافية، التي غالبا ما تكون خالية كليا من المعنى. فعندما أراد عبد الله أن ينفي حجج المعارضة السودانية في إدانة الإنقاذ لأجندتها العروبية الإسلامية الأصولية قال: « دا ما صحيح، الصحيح هو أنو نظام الإنقاذ مستل من شفرة في الثقافة ومن مستودع في الثقافة ومن دلالات في اللغة ومن دلالات في الثقافة بحيث إنو لربما كان الأخير في زمانه ولكن جاء بما لم تستطعه الأوائل من حيث البشاعة « ضحكة» لكن البشاعة، إذا شئت إنه في بشاعة أو أنو في عنف، أو في، هو مستل من شفرة أساسية وهذه الشفرة الأساسية زيادة على الثقافة العامة التي درجنا عليها، لكن تأسست بشكل أساسي في فترة الحركة الوطنية.»
فهذا الحديث المكتسي جلال الثقافة خاو تماما من المعنى. فما معنى أن يكون الإنقلاب العسكري الذي نفذته الجبهة الإسلامية عن طريق التأمر يوم 30 يونيو، مستلا من شفرة ثقافية عربية أو غير عربية؟ الشفرة الوحيدة في إنقلاب الإنقاذ هي «سر الليل» الذي استخدمه الإنقلابيون في تلك الساعات الأولى من الصباح، وهي شفرة فشل في حلها أحمد قاسم فلقي حتفه صباح ذلك اليوم، رغم ما يحمله، حسب عبدالله، من شفرة ثقافية عربية أسلامية أصيلة. وهل يمكن الحديث عن شفرة ثقافية، كما نتحدث مثلا عن شفرة جينية؟ هل إندغمت الثقافة في مفاهيم عبد الله الحديثة جدا في البيولوجيا؟ ومن كان يملك تلك الشفرة: الترابي مجدد العصر، الذي هجره المفتونون به عندما فقد السلطة، أم علي عثمان الذي أكتشف البعض قرابتهم معه بعد أن آلت إليه الأمور؟ وهل الشفرة الثقافية العربية الإسلامية واحدة؟ بحيث يتساوى فيها محمود محمد طه وقاتلوه؟ هل كل مسلم هو بالضرورة أخ مسلم؟ ما هذا الحديث الفج عن الشفرات الثقافية، بينما المقصود معنى سياسي واضح هو الدفاع عن الإنقاذ وجرائمها.
| |
    
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تخليطات عبد الله علي ابراهيم ؟ (Re: Abdel Aati)
|
كيف إذن يحملني عبد الله علي إبراهيم بدوافع تواطئه المذموم مع الجبهة الإسلامية الخطايا التي ارتكبها القتلة والمجرمون والمهووسون في نظام الإنقاذ أو خارجه؟ وقد تحدثت عن نفسي هنا، ليس لتفرد موقفي أو شخصي، بل لإعطاء مثال محدد لا يستطيع عبد الله أو غيره أن ينازعني عليه. مع علمي أن موقفي هذا هو الموقف المشترك، وإن اختلفت التفاصيل، لمئات الآلاف من أبناء وبنات وطننا الكبير الذين لا يكنون لأخوتهم الجنوبيين سوى الإعزاز. وليس سرا أن عشرات الآلاف من أبناء وبنات الشمال قاتلوا في صفوف الحركة الشعبية طوال هذه السنين، وبلغوا في ذلك شأوا لم نبلغه.
هل معنى ذلك أن « الثقافة العربية الإسلامية» وحتى في أكثر صيغها رقيا، خالية من النزعات الإستعلائية، المحقرة للآخر والمقصية له من مجال الكرامة، أو حتى من مسرح الحياة نفسها؟ طبعا لا. ولكن القول بأننا جميعا مشتركون في هذه المفاهيم الحاطة من قدر الإنسان وكرامته، هو القول المرفوض والمردود في تهجمات عبد الله الغليظة علينا جميعا. شخصيا، لا أحمل من هذه النزعات شيئا كثيرا أو قليلا، بل سخرت عمري حتى الآن لمحاربتها ودفعت مستحقات موقفي. وهنا أيضا لا أتحدث عن تفرد شخصي، بل أريد أن أقيم الحجة على عبد الله بصلابة لا يستطيع أن يتخطاها أو يلتف حولها، وأعلم في نفس الوقت أن مئات الآلاف من أبناء السودان وبناته يحملون الموقف ذاته، ومنهم من يعبر عنه بعمق أكثر مما أستطيع، ويدفع مستحقاته بتحمل أقدار من الظلم لم تطالني بنفس الدرجة. كما أعرف أيضا أن عبد الله سار في هذا الطريق لبعض الوقت، وهاهو قد سبق عليه كتاب الإنقاذ، فتنكب ذلك الطريق، وصار يقبل من الثقافة العربية نفسها أكثر جوانبها معاداة للديمقراطية والإستنارة، وتغييبا للإنسان.
ليس صدفة أن عبد الله يتحدث عن شفرة ثقافية، غير عابئ بالخلط بين العلوم والتخصصات والفلسفات. فغرضه من ذلك تحقيق سوية غير متمايزة من الشماليين جميعا، ليسوقهم، بالتخليط والتشويش، وبالإبتزاز الصريح المستند إلى الجدار القمعي الحاكم في السودان، والمعتمد في المدى البعيد على مستودعات التجهيل التي أشاعتها الإنقاذ، إلى خطيئة واحدة، وثقافة واحدة ، وتاريخ غفل من الفعلة، وجرائم غاب مرتكبوها في سديم الشفرات. ولا يجد عبد الله صعوبة في كل ذلك، نتيجة للتشويش الفكري الذي يعاني منه هو شخصيا، لإفتقاره للأدوات الدقيقة التي تصنف المفاهيم وتحدد الدلالات وتزيل التناقضات.
| |
    
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تخليطات عبد الله علي ابراهيم ؟ (Re: Abdel Aati)
|
ماهي هذه الشفرة الثقافية يا ترى؟ ما هي طبيعتها؟ كيف نفك رموزها ومن يملك تلك الرموز؟ أيملكها حسن عبد الله الترابي أم علي عثمان محمد طه أم البشير؟ أم يملكها عبد الله شخصيا ولا يريد أن يجود علينا بأسرارها؟ أمن ضمنها الأصولية الإسلامية والدولة الدينية، والحرب الممتدة، والتطهير العرقي والإسترقاق، وإضطهاد النساء والبتر والقطع والصلب والخلافة عن الله؟ أمن ضمنها الطغيان والدكتاتورية؟ أمن ضمنها النهب الإقتصادي والأثرة والأنانية والشراهة التي تغطي عوراتها بالنصوص المقدسة؟ أمن ضمنها تقسيم البلاد إلى حاكورات يملكها أهل الإنقاذ فيسدون أبواب الرزق على كل من عداهم من أهل هذه البلاد؟ أية شفرة يتحدث عنها عبد الله؟
يسهل على عبد الله أن يتحدث عن سوية غير متميزة، لأنه يعتقد أنه يمكن حتى الآن، أن نتحدث عن المجتمع، وهو هنا المجموعة الشمالية العربية المسلمة، في تصنيف عبد الله، وكأنها «جوهر» مستقل عن خصائصه! وهو في ذلك يتخطى إلى الوراء، وفي قفزات نكوصية مذهلة، إرث أكثر من ألفي عام من المنطق الفلسفي والعلمي، وتلك نقطة سنعود إليها في غير هذا السياق.
يهمني أن أقول هنا، أنني، ولإنتمائي لشعبي، لا أنتمي لمقولة عبد الله الذهنية حول «الجماعة العربية المسلمة»، بل أنتمي لهوية أوسع هي الشعب السوداني، المتمايز قوميا ونوعيا وطبقيا ودينيا وثقافيا، والذي يشد عراه مع ذلك إنتماء جامع إلى وطن واحد، نحاول أن نوسعه ليشمل الجميع ويحتفي بالجميع. المقولة الذهنية الخاصة بعبد الله، تقوم على فكرة هجرتها البشرية حاليا، هي فكرة النقاء العرقي، بل إن كل قرون إستشعار المخاطر المحدقة، تستيقظ وتدق أجراسها عندما تسمع من يردد هذه الفكرة التي تترتب عنها مناهج في التفكير أورثت البشرية اضرارا فادحة. وقد دفعنا ثمنها في السودان، قبل أن تجيئ حكومة الإنقاذ، ولكن حكومة الإنقاذ حملتها إلى نهاياتها الأكثر دموية وعنفا. وإن أي تحليل يحاول أن يطمس الحدود بين الإنقاذ وما عداها، ويساوي بينها وبين من سبقها، أو حتى يساوي بينها وبين من يحمل هذه الافكار نفسها ولكنه لم يشأ أن يطبقها أو لم يجد وسيلة لتطبيقيها، لهو تحليل معطوب ومتنكب للصواب. ولذلك فإن وضع عبد الله الطيب، أو الطيب صالح على سبيل المثال، في نفس معسكر الترابي والبشير، وإن حمل الرجلان بأقدار متفاوتة مفاهيم عروبية ذاهلة عن حقيقة شعبهما ونفسيهما، من الأخطاء المنهجية الكبيرة التي تورط فيها البعض دون أن يستبينوا الخطل فيما يزعمون.
| |
    
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تخليطات عبد الله علي ابراهيم ؟ (Re: Abdel Aati)
|
إنتمائي للسودان كهوية جامعة لا ينفي بل يغذي، الإنتماء لهويات أصغر، شريطة ألا تتعارض تلك الإنتماءات، أو تلك الهويات الأصغر، مع المباديء الجامعة للجماعة السودانية، الشمالية الجنوبية الشرقية الغربية الوسطية، وهي مبادئ المساواة والعدالة والرفاه والكرامة والحقوق الإنسانية المملوكة ملكية جماعية. أي أنها لا تتعارض مع الإسلام المستنير، بل تتقف مع جوهره الخير الداعي للحرية، والمتصالح مع العلمانية، وحقوق الإنسان وكرامته. وما العلمانية سوى إدارة الناس لشؤون دنياهم بعيدا عن أي كهنوت. وهي بهذا المعنى حركة مجتمعات لا محيد عنها ولا مهرب منها، طالما أن المجتمعات تسير دون هوادة في إتجاه الإمساك بمصائرها، وإقامة بنائها على أساس من العدل والرشد. وهذا قول يحتاج إلى تفصيل لا يتسع له المقام الحالي. كما لا تتعارض مع المسيحية أو الديانات العريقة المبجلة للطبيعة او للجوهر الإنساني، ولا تتعارض مع علوية الإنسان من حيث هو إنسان، بل تمتد بهذه العلوية إلى آفاق أكثر رحابة باستمرار.
وتتسع الهوية السودانية الجامعة لكل الهويات العرقية الأصغر، ومنها الهوية العربية بخصائصها السودانية التي وصفناها. أقول السودانية، وأعتبرها مركز جملتي، لأن الأوطان تصبغ خصائصها وتعطي إسمها لكل الجماعات الوافدة عليها، وحتى وإن كانت وفادتهم تدشينا لعهد جهد جديد، ومرحلة تاريخية متطورة. وهي تعطيهم إسمها، وسماتها، وخيراتها، وتفرض عليهم واجبات حمايتها، وتصوغهم وفق قوانين اجتماعها، في نفس الوقت الذي تتسع لمواهبهم وثقافاتهم وألسنتهم وأديانهم أو تتبناها. وهذا أيضا يحتاج إلى تفصيل لا يتسع له المقام الحالي. ولا ترفض الهوية السودانية الجامعة بالطبع، اللغة العربية، ولكنها لا ترفض كذلك اللغات الأخرى بل تحتفي بها. ونسبة لحاجة الجماعة الموحدة في الوطن إلى لغة مشتركة، فنحن نرشح اللغة العربية لتكون ذلك الوسيط، على أن تتطور هي نفسها لتكون لغة عالمية، علمانية لا يشعر المتحدث بها أنه ملزم، لهذا السبب، بالإيمان بدين غير دينه. أي فك الإرتباط الأيديولوجي بين اللغة والمكونات الثقافية الخاصة بجماعة في الوطن دون سواها، وتوسيع القطاع العلماني في التعبير بطابعه الإنساني الشامل، المتمايز عن الخطاب الديني الأصولي، الذي يحاول في كل مناسبة أن يستر ضعفه ويخفي تهافت منطقه، بالتحصن والتسلح والتصفح، بالنصوص المقدسة التي يحرفها عن مواضعها ويستغلها في استدامة أنماط تفكيره وإحكام أدوات سيطرته على العقول. وهو ما فعلته كل اللغات المتطورة في العصر الحالي، دون أن تكون عاجزة بالطبع عن التعبير عن القيم الدينية لمن يريد أن يعبر عن تلك القيم.
ويتبع ذلك رفع الحرج، التأصيلي، الذي ابتليت به اللغة العربية على أيدي بعض ممثليها من حراس القديم، والمتمثل في تحفظها في الأخذ من اللغات السودانية الأخرى، من نيلية وحامية ونوبية بدويت، ومن الدارجة السودانية وترقية تعابيرها ورفعها كل يوم إلى مصاف اللغة الفصحى، كما ترفع الفرق الكروية التي تتميز في أدائها إلى المستويات الممتازة، باعتبار هذه اللغات هي المستودع الذي لا تنضب مياهه للتعبير اللغوي المعاصر والمتطور والذكي والطريف. وباعتبار قربها من الوجدان الشعبي ومقدرتها على التعبير عن أدق خلجاته. ويمتد رفع الحرج إلى الأخذ من اللغات العالمية كل ما تحتاج |ليه لغتنا لتكون بالفعل لغة للعلوم والفلسفة والإزدهار الأدبي والثقافي. ونخص هنا اللغة الإنجليزية، مذكرين بما حدث لهذه الأخيرة نفسها في بداية النهضة الصناعية، إذ تمثلت في ظرف عدة سنوات أكثر من عشرة ألاف كلمة من اللغة الفرنسية التي كانت أكثر تطورا منها، ليس في مجال اللاهوت، بل من حيث قابليتها للتعبير عن النهضة العلمية الكاسحة التي شهدتها بريطانيا في ذلك الوقت. ولا يساعد على تطور اللغة العربية في هذا الإتجاه، خطاب المهووسين من الأصوليين، الذين يريدون أن يوحوا في كل ما يكتبون بأن إجادة اللغة العربية مرتبطة باعتناق الإسلام. كما لا يساعد فيه ما يوغل فيه بعض اليساريين السابقين، من إبداء طقوس تدينهم في كل حرف يكتبونه، تملقا للمهووسين. وليربأ هؤلاء بإيمانهم من هذا الإستخدام غير الوقور. وهم على كل حال لن ينالوا رضا الأصولين ولن يأمنوا شرهم عن هذا الطريق. فأنت لا تأمن شر الإنقاذيين إلا بالإذعان لهم، إذعانا كليا، أو النهوض في وجوههم وكسر شوكتهم. فهم يفضلون الإذعان على الإيمان، في حالة التخيير بين هذا وذاك. وهم ليسوا وحدهم في ذلك، فجنود إبن العاص كانت تصد أفواج الفلاحين المصريين عن دخول الدين الجديد، لأنهم حينها لن يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون، والصغار هو الإذعان كما تعلمون. نرشح اللغة العربية، ونعتقد أنها يمكن أن تقوم بهذا الدور، دون استبعاد لأية لغة أخرى، وتجيئ المسألة كاقتراح لأن المجال مفتوح أمام تنافس لغوي لا يمكن حسم نتيجته بصورة مسبقة. وهذه أيضا من أمهات القضايا التي لا بد أن يدور حولها الحوار المفتوح والمثقف.
| |
    
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تخليطات عبد الله علي ابراهيم ؟ (Re: Abdel Aati)
|
« الجماعة العربية الإسلامية »، التي يتحدث عنها عبد الله علي إبراهيم، هي جماعة عربية نقية العروبة، لم تخالطها دماء زنجية أو حامية، ربما لأن الجماعة العربية الإسلامية التي جاءت إلى السودان، أبادت شعبه الأصلي، من بناة الحضارات القديمة، الذين تمتد جذورهم إلى ما وراء التاريخ، والذين اختلطوا بهذه لأرض، يأخذون سيماءها وتأخذ سيماءهم، ويغيرونها بالفعل المديد، وتمتد فيهم وتخالط منهم الدماء. ربما أبادتهم القبائل العربية الباحثة عن الأرض والفضاء والماء والمرعى، والضائقة بمن لا ينتمون إلى شفرتها الجينية من الشعوب.« يسميها عبد الله الشفرة الثقافية» ربما ابادتهم هذه القبائل، لأننا لا نجد عند عبد الله تفسيرا لمقولته الذاهلة، حول النقاء العرقي لهذه القبائل، وحول أختفاء هذه الشعوب التي صارت أثرا بعد عين. إن أقل إتهام نوجهه لعبد الله هنا، هو أنه ذاهل كليا عن النتائج المترتبة على مقولته، وأنه عن طريق الخرق " بفتح الخاء والراء" الفكري القليل المثال أزال شعبا كاملا من الوجود دون أن يشعر أنه مطالب بأن يقول شيئا، ولو قليلا، عن هذه الصور التوراتية لزوال الشعوب. فهل جاءت القبائل العربية بنظرية عرفناها بعد ذلك عند اليهود، وهي قصة شعب بلا أرض، يبحث عن أرض بلا شعب؟ ولكن التاريخ والحقيقة أكثر حكمة من عبدالله، وأحكم منه كذلك جميع المؤرخين وعلماء الأنثربولوجيا والآثار، الذين قالوا، وأطنبوا في القول، أن الجماعات العربية الوافدة إلى السودان اختلطت بشعبه، وأن اختلاطها قد أذاب العنصرين في هوية جديدة، لا يمكن أن نسميها عربية خالصة إلا بمصادرة غافلة عن الحقيقة والواقع، ولا نفعل ذلك إلا لأننا نحقر جزء أصيلا من مكونات الهوية الجديدة، مما يفتح الأبواب لانفصامات النفس وفساد الوجدان وخلل العقل. ولا أحب أن أوحي من قريب أو بعيد، بأن عملية الإختلاط هذه شملت الجميع من العنصرين، بل لا أستطيع أن أحدد لها نسبا كمية دقيقة. كما لا أحب أن أتبع المنهج الشيلوخي في تقسيم الإنسان إلى أرطال من اللحم أو أوقيات من الدم، أضع لها قيما متفاوتة كما يفعل القصابون. ولكني اقول باطمئنان أن هذا الإختلاط وإن لم يشمل أغلبية العناصر السودانية العريقة، فإنه شمل الاغلبية العربية الوافدة، ودون أن يحط من شأن هؤلاء أو يعلي من أقدار أولئك. وهذه هي الحقيقة الهامة فعلا، وهي وحدها كافية لدحض مقولة عبد الله عن النقاء العرقي العربي.
والجماعة العربية المسلمة، في تعريف عبد الله، أصولية العقيدة محكومة بالشريعة الإسلامية في اقصى صورها بعدا عن العصر، وهي دعوة دعا إليها عبد الله مرارا وتكرارا، وطالب الآخرين بالإنتماء إليها. والجماعة العربية الإسلامية إنقاذية الإنتماء السياسي، منكفئة على ذاتها، رافضة للآخرين، كارهة للتعددية بكل أشكالها وألوانها. إنها سوية أيديولوجية غير متمايزة، مقولة ذهنية في ذهن مرهق مكدود، ذاهل عن العصر. أقول لعبد الله ولأمثال عبد الله، إنني شخصيا لا انتمي إلى هذه المقولة الذهنية. فليكف عن تصنيفي على هذا الأساس. إنني أنفي عن نفسي فكرة النقاء العرقي، بل تجري في عروقي دماء الأقوام السودانية العريقة، كما تجري في عروقي دماء عربية لا أنكرها ولا أتيه بها على الآخرين. وعندما أتحدث عن الدماء فإنني أتحدث بكثير من المجاز، لأن الموضوع الوراثة يتعلق بالحامض النووي، وبالمورّثات عموما، والتي تعطي الفرد خصائصه الجسدية، ومصطلح الدم، كمحدد للهوية، مثله مثل مصطلح القلب كمكمن للعواطف، مصطلح مجازي تخطته العلوم. ولا فرق بين دماء عربية أو زنجية، حامية أو سامية، ملكية أو عامية. كما يمكن للإنسان أن يغير دمه كليا ولا تتغير هويته في قليل أو كثير، وهو أمر يحدث أمام أعيننا كل يوم. ولا يقتصر الأمر على الذين يغيرون دماءهم لأمراض تصيبهم، بل إن الناس جميعا تتغير دماؤهم كليا أو جزئيا عدة مرات في العام الواحد. وقد آن لنا أن نتحرر من جهالاتنا "الدموية"! الدم حامل للحمض النووي ولكنه متمايز عنه تمايزا كليا. وإذا كان الأمر لا يتعلق بدماء نقية أو ملوثة، نحسها تجري في عروقنا، بل يتعلق بشفرة جينية، تكاد أن تكون، من فرط دقتها، مفهوما رياضيا، فإن جوهر المسألة يصبح هو قبولنا لأنفسنا وتأمل ذواتنا في مرايانا الخاصة، وليس النظر إليها بمرايا الآخرين. حينها سنكتشف كم هي جميلة هذه الهوية السودانية، وكم هي متمايزة عن الآخرين في نفس الوقت. ولكن مرايانا نفسها تحتاج إلى التطوير والصقل، لترى تلك القوى الهاجعة في بطن هذه الأم الرؤوم المعطاءة، "المملوءة الساقين أطفالا خلاسيين." وحينها سيكتشف السودانيون أن ما يطلبونه، أي يبحثون عنه، " قد تركوه ببسطام" كما نقل عبد الحي عن فتوحات إبن عربي المكية. فقد تميز السودانيون في كل أرض حلوا بها، لأنهم يملكون طاقة التميز والفوت، عندما يتعلق الأمر بالخصائص الجوهرية في الإنسان، أي علمه، وعمله، وأخلاقه وكرامته. أي لم يكن أكثرهم تفوقا، بالضرورة، أولئك الذين يحملون سمات خارجية أقرب إلى تلك المجتمعات الجديدة التي حلوا بها. ومن يتأمل هذا الأمر يعود إلى ذاته راضيا عنها مرضيا.
أتحدث عن نفسي في قضية الهوية، لدوافع ذكرتها تتعلق بالإختيار، وهذا زمن الخيارات الحاسمة، ولكني أعتقد أن ما أقوله عن نفسي ينطبق بصورة أو أخرى، وبهذه الدرجة أو تلك على كل هؤلاء المتحاورين حول الهوية، ومنهم عبد الله علي إبراهيم، كما ينطبق على زعمائنا جميعا دون استثناء. ينطبق على الشريف زين العابدين الهندي، الذي قال أننا جئنا إلى هنا وتزوجنا الإفريقيات، ومن هنا جاءتنا هذه "الشناة"، في مناسبة حضرتها شخصيا، وفي قول أورده صديقي الباقر العفيف الذي تناول الهوية وكتب عنها ما لم يكتبه سواه، وحلل كلمات الهندي بما لا يحتمل الزيادة، كما تنطبق على أحمد الميرغني، وعلى أخيه محمد عثمان، وعلى الصادق المهدي، وعلى حسن عبد الله الترابي، وعلى محمد إبراهيم نقد وعلى عثمان محمد طه وغير هؤلاء. وقد طالبت هؤلاء جميعا، بأن يبرزوا " أشجار نسبهم" السودانية الحقيقية، التي يخفونها كما يخفي المرء عورته، كما ابرزوا من قبل أشجار نسبهم العربية المؤسطرة والمتخيلة، لأنهم إن فعلوا ذلك، فإنما يقدمون لأهلهم خدمة جليلة، تفتح لهم الطريق إلى التصالح مع أنفسهم، وإطراح الأوهام التي تضر ولا تفيد، عن أصلهم المتميز والمتفوق.
| |
    
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تخليطات عبد الله علي ابراهيم ؟ (Re: Abdel Aati)
|
ثم يصل عبدالله بعد ذلك إلى قمة محاضرته، وهي في نفس الوقت قاعها، وهي دعوة الجميع إلى دخول برج الإنقاذ. يقول: « في هذا الصدد أري إنو يجب أن نعترف أننا كلنا ننتمي إلى النظم السيئة، مش النظم السياسية. ننتمي إلى الشفرة الثقافية الموصوفة بالسوء. بقول كان البروفسور إدوارد سعيد ضرب مثل، وأنا أستعين بيهو هنا، قال إنو في كاتب فرنسي كان يكره برج أيفل جدا، لا يطيق رؤية برج إيفل، وكان حله لما يضيق به الضيق النهائي، ويصبح برج إيفل بالنسبة له شبح وكذا، يصعد البرج ويجلس في مطعم البرج ويأكل. قيل له: ليه. قال، لانو تلك اللحظة الوحيدة التي لا أرى فيها البرج «ضحكة». فيا أخوانا نظام الإنقاذ أنا بصفه بأنه برج أيفل لينا « ضحكة ». لا نطيقه، مزعج، كلنا عندنا مواقف حتى أنصاره « ضحكة ».»
دعوة عبد الله هنا هي أن ندخل برج الإنقاذ « ونأكل» منه حتى لا نراه. وهو يستعين على دعوته هذه، بالأمثلة، ويعاني في طرحها حرجا عظيما تنوء به الجبال، تظهره الضحكات العصبية المستوحشة، وتظهره العبارة المتهالكة، المستعصية على الفهم، ويظهره تداخل الكلام بعضه في بعض، و الزوغان في نهاية العبارة من معناها الواضح الصريح. ما الذي يجبر عبد الله على كل هذا العناء وهو المشفق على الجميع من الإرهاق؟
ودعونا هنا نناقش المثال الذي أورده عبد الله، وهو يقع في مجال المجاز، وإذا كانت لعبد الله مساهمة متميزة فهي في مجال المجاز وحده وليس سواه. رجل وحيد، غريب الأطوار، يكره برج إيفل، وليس غريبا أن يكون الرجل وحيدا وغريب الأطوار، لأن من يكره إنجازا حضاريا مثل برج إيفل يجب أن يكون كذلك. فهو يكره إنجازا حضاريا يمثل مصدر فخر للشعب الذي شيده، وتفخر به البشرية في عمومها لأن من عاداتها أن تفخر بمثل هذه الإنجازات. هذا الرجل يعتقد أن برج إيفل هو مظهره الخارجي وحده، أي هذا الإمتداد الفولاذي الذي يشق عنان السماء، وليس باطنه، بما فيه من عجائب هندسية ورؤية ساحرة، وأماكن للترويح عن النفس من ضمنها المطاعم التي يأكل فيها ذلك الرجل. رجل يجهل حقيقة يدركها كل الناس وليس السواح وحدهم، وهي أنك عندما تدخل برج إيفل فإنما تراه بصورة أفضل، بل يعتقد أنك إذ تدخله لن تراه. ما الذي يقابل هذا الرجل عندما يتعلق الأمر بمن يكرهون الإنقاذ؟ وما الذي يقابل برج إيفل عندما يتعلق الأمر ببنائها الداخلي؟
إن حقائق الواقع الماثلة تقول أن الاغلبية الساحقة من شعب السودان تكره الإنقاذ، لأسباب أقوى بكثير من تلك الأسباب التي تحمل بعض الشعوب على كراهية حكوماتها. والاغلبية الساحقة إن كرهت نظاما سياسيا فإنما تسقطه ولا تدخله. وهذا هو الطريق الذي يسير فيه شعب السودان حاليا، بعد أن ساعدته الحركة الشعبية لتحرير السودان على قطع نصف الطريق. ومهما تغيرت الأساليب فإن الغاية واحدة، وهو إسقاط نظام الإنقاذ وتفكيكه طوبة طوبة، طال الزمن أم قصر. ولكن ذلك سيحدث عن طريق صعود الشعب السوداني مراقي جديدة في التمسك بحريته وحقوقه، وامتلاكه أدوات جديدة، سلمية في غالبها. وهذا أمر طبيعي فالإنقاذ بكل ما تمثله من فكر وممارسات عملية ليست سوى بثور علقت بهذا الجسم الجميل وهي لا شك زائلة. وهذا من طبائع الأشياء لأن الشعب الفرنسي، وليس ذلك الرجل الغريب الأطوار، إذا كره برج إيفل، فإنه سيقتلعه من " الجذور"، ليزيل الأذى عن خط باريس السماوي. ومن الناحية الأخرى، هل يمكن المقارنة بين الإنجاز الحضاري المتمثل في برج إيفل، و"المشروع الحضاري" المتمثل في الإنقاذ؟ ندخل برج إيفل فنأكل الفروي دوميغ، والكوت دو بوف،والفياند سينيان، وبعضنا يأكل شكروت الألزاس، وما يصاحبها من الأ######## والنبيذ المعتق.
| |
    
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تخليطات عبد الله علي ابراهيم ؟ (Re: Abdel Aati)
|
فماذا نأكل عندما ندخل الإنقاذ؟ عبد الله نفسه يعطينا مثالا عمليا على ما يمكن أن نأكله، فمن ضمنه الدعوة الصريحة إلى الباطل الصريح ومن على رؤوس البيوت، وخيانة المثقف لواجبات التنوير وإستخذاؤه للطغاة، فقط لأنهم طغوا. وهو طريق لم يختره أولئك الفتية الذين حاضرهم عبد الله في أبي ظبي، أو نشر عليهم افكاره في السودان وفي بلدان الشتات. خيانة النفس، إذن، والتنكر لرسالة المثقف ، هي أفضل وجبة يمكن أن تقدمها إلينا الإنقاذ. ولكن ليس ذلك بالنسبة لها سوى "المقبلات". إذ تجيئ بعد ذلك الوجبة الرئيسة وهي مشاركتها في خطاياها جميعا، المكسوة بالقمع والمتوجة بالإبادة الجماعية للاقوام والشعوب، أما " التحلية" فهي إقامة الرفاه المادي للقلة الغليظة الحس، على خلفية من الإفقار المطلق لشعب كريم. "ثم ثانيا" كما يقول أحد أصدقائي وهو يطرح نقطته الخامسة: إذا كان ذلك الرجل يأكل في برج إيفل ويذهب إلى بيته، فهل يمكن الأكل في برج الإنقاذ والخروج منها بعد ذلك، وكل ليلة؟
أقول لصديقي عبد الله: دعوتك مرفوضة يا " أخا العرب"، لأنه مهما بلغ حب الناس لك، فإنه لا يبلغ مبلغا يجعلهم يختانون أنفسهم. فهم لم يحبوك على باطل، بل أحبوك على حق. فهل تسير وحدك في دربك الموحش؟ هل تواصل وحدك " رحلة بائسة"؟ هل تتوغل وحدك في صحراء الإنقاذ؟ هل تخوض وحدك في وحلها؟ وهل صار حتما مقضيا أن تقطع رحلة الألف ميل وقد بدأت بخطوة واحدة؟ الخيار خيارك يا عبد اللهّ. وأقول "وحدك" مشيرا إلى وحشتك في قطيع من الذئاب، وليس إلى خلو المكان من الآخرين، ومنوها بمجدك الذي بنيته على بسط ثوب الإستنارة عندما كتبت عن " الناس والكراسي" مذكرا اللبراليين الذين تعثرت ألسنتهم عن إدانة العدوان البربري على تراث الشعب، الذي قامت به عام 1968 هذه الفئة نفسها التي تدعو الناس إلى دخول برجها اليوم، بتلك اللحظات التي تعثرت فيها أرجلهم في باحات الرقص والمخاصرة في جامعات الغرب، وبذلك الفرح الخجول الذي لا يريدون أن يدفعوا مقابله شيئا.
سألت في موقع سابق من هذا المقال عما يجبر عبد الله على مثل هذا المآل، وعما يدفعه إلى تحمل هذا الحرج الكبير. ولو وضع عبد الله في موضع يجبره على الإجابة على مثل هذا السؤال، لتعلق أيضا بمقولة ثقافية ما ، غالبا ما تكون خالية من المعنى. وكما أوضحت أن دوافع عبد الله سياسية بحتة، مكسوة بجلال كاذب ومغشوش، فإني أقول أن بداية التحول الفكري لعبد الله، كانت سياسية أيضا، أو قل أنها كانت سياسية نفسية. وهي تتعلق تحديدا بموقفه من الإنقلاب العسكري الذي حدث صبيحة الثلاثين من يونيو 1989. موقف عبد الله كديمقراطي، وموقفه كعلماني، وموقفه كتقدمي، كان يملي عليه، كما أملى علينا جميعا، أن يرفض ذلك الإنقلاب، حتى ولو لم يكن قادرا على مقاومته. هذا الموقف لم يستطعه عبد الله، ليس لأنه كان طامعا في منصب أو مال أو جاه، ولكن لأنه لم يجد في ذاته قوى وطاقة كافية تسنده ليقف ذلك الموقف. ولذلك عندما دعته السلطة الإنقاذية المغتصبة، إلى المساهمة في إعطائها شرعية أمام الشعب، وخاصة من مثقف تقدمي مثله، له كل هذه الشنة والرنة، فإن عبد الله لم يستطع سوى أن يلبي النداء، وشارك في "مؤتمر الحوار الوطني" وشاهده الناس جميعا، وعلى وجهه ذلك الحرج الأسطوري، وهو يقبل الإنقاذ كبديل للديمقراطية، ويقبل النكوص كبديل للتقدم والتنوير والإنفتاح. تلك خطيئة لم يفق منها عبد الله بعد ذلك، مع أن الطرق كانت أمامه مفتوحة لإنقاذ النفس من "الإنقاذ". عندما خرج عبد الله من السودان، كان يمكن أن يوضح أن موقفه نتج عن غريزة حب البقاء، وهي غريزة مركبة في الناس جميعا، ولكنهم يتعاملون معها بطرق مختلفة، تتراوح بين البطولة والتقية والمخاتلة وتصل إلى قبول الموت المعنوي إنقاذا للجسد. وكان يمكنه أن يعتذر إعتذارا خفيفا، ويواصل الدعوة إلى ما كان يدعو إليه قبل الإنقاذ. ولكن عبد الله لا يجيد الإعتذار، بل لا يقبله حتى وإن كان مستحقا، كما قال في محاضرته هذه، ولذلك اختار أن يحول الموقف الناتج عن ارتخاء الركب، إلى موقف فكري شامل ومحيط. وذاك لعمري اختيار بئيس.
| |
    
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تخليطات عبد الله علي ابراهيم ؟ (Re: Abdel Aati)
|
في نفس الوقت الذي نشرت فيه محاضرة عبد الله، كنت أعيد قراءة سيرة سقراط، كما جاءت في محاورات أفلاطون، وخاصة كتاب "الإعتذار": أبولوجيا. صعقتني المفارقة بين هذا وذاك. فهذا الرجل الذي عاش قبل ألفين وخمسمائة عام لديه ما يقوله لنا حتى اليوم. فعندما قالت عرافة دلفي، وهي إلهة في ذلك الزمان، وناطقة باسم الآلهة وخاصة زيوس، أنه ليس بين البشر من هو أكثر حكمة من سقراط، حار سقراط حيرة شديدة في هذا الأمر. فهو يعلم أنه لا ينطوي على قدر يؤبه له من الحكمة أو المعرفة، ولكنه يعلم في نفس الوقت أن الآلهة لا تكذب، ولم تغب عن فطنته بالطبع أن شهادة الآلهة لم تكن فقط في صالحه، بل تتوجه حكيما على كل البشر. لم يقبل سقراط، لما ركب فيه من هذا العناد البشري المتطاول، حكم الآلهة، لا من حيث قداسته وتنزهه عن الكذب، ولا من حيث أنه جاء في صالحه وحده دوه سواه. فصار يزور أولئك الذين اتصفوا بالحكمة، من حكام ومفكرين وشعراء وأدباء، فاكتشف لدهشته أنه أكثر حكمة من هؤلاء جميعا، لأنه كان يسألهم عما اشتهروا بإتقانه والتخصص فيه، ويظهر لهم من خلال إجاباتهم وبتلك الماكينة العقلية الهائلة التي كان يملكها، أنهم لا يعرفون، معرفة حقة، ما يدعون أنهم يعرفون. وتوصل إلى أنه أكثر حكمة منهم، لسبب بسيط جدا، وهو أنه يعرف أن معرفته متواضعة، وأن الكون لم يكشف له إلا شيئا قليلا من أسراره، وأن عليه أن يمضي دون هوادة في الإستزادة من المعرفة، بينما تربع هؤلاء على حصاة من المعرفة ظنوها جبالا شوامخ.
وقال سقراط وهو يشرح ما توصل إليه من علاقة بين المتعالمين الذين يدعون معرفة ما لا يعرفون، والناس العاديين المتواضعين رغم معارفهم وحكمتهم: "أثناء بحثي في خدمة الإله، وجدت أن أولئك الأكثر شهرة والأكثر ذيوعا في الصيت، هم في الغالب الأكثر نقصا، بينما أولئك الذين يعتبرون أقل شأنا هم الأكثر معرفة. ( ترجمة غير رسمية). "رحلة " عبد الله القاسية من بداية محاضرته وحتى نهايتها أثبتت شيئا عكسيا تماما لمسيرة سقراط. فقد وضح أن هذا المفكر الوحيد في السودان، إن كان في السودان مفكر، كما قال مقدمه الكريم، هو الأكثر جهلا بموضوعه من جميع الذين كان يحاضرهم. ولا شك أنهم كانوا يمدون أرجلهم قليلا قليلا، كما فعل أبو حنيفة، كلما أوغل المحاضر في باطله وهرائه، حتى مدوها عن آخرها في نهاية المحاضرة، هذا إذا لم يفكر بعضهم في إطلاقها للريح. وأكاد أرى صديقي محمد الحسن محيسي، المتبحر في كثير من ضروب المعرفة، وهو يفعل ذلك تحديدا. وأحصر المقارنة مع سقراط هنا فقط، فالمقام لا يسمح بالحديث عن محاكمته وموته.
وأخيرا، دخل عبد الله في قلوب وخرج من قلوب، وهو بينما يستطيب الدخول فإنه يكره الخروج، ويحاول جهده الجمع بين هذا وذاك، ولا يعتقد ذلك ممكنا إلا لأنه لا يضع للمنطق في تفكيره ورغباته، وزنا كبيرا. وهو يعتقد أنه بالقاء بعض الملاحظات العابرة، لصالح جمهوره القديم، يمكنه أن يكسب هؤلاء وأولئك في نفس الوقت. أنظر إلى إشارته إلى موت جوزيف قرنق "الباسل"، مع أن محاضرته تلزمه أن يقول أن جوزيف قرنق مات من أجل قضية ليست قضيته، مات من أجل جماعة شمالية عربية مسلمة لا ينتمي إليها، مات من أجل وطن يضع عبد الله يده حاليا في أيادي من يريدون تمزيقه، وتقليصه ليكون في حجم مقدراتهم على القهر والتنكيل والسيطرة. أقول لصديقي عبد الله، خيارك الحالي يمكن ألا يكون نهائيا، إذا التفت قليلا إلى الوراء لترى أن مطارديك أصابهم الإعياء و " و الإرهاق غير الخلاق"، وبالرغم من أنهم لم يكفوا عن المطاردة إلا أن الصمود في وجههم ممكن وميسور، وقد استطاعه كثيرون لم يدقوا الطبول إعلانا عن صمود، فكيف تدق الطبول إعلانا عن هروب؟
الخاتم عدلان
نقلا عن: http://www.kacesudan.org/article_page_view_a.php?article_id=20&page_id=1
| |
    
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تخليطات عبد الله علي ابراهيم ؟ (Re: Abdel Aati)
|
Quote: في نفس الوقت الذي نشرت فيه محاضرة عبد الله، كنت أعيد قراءة سيرة سقراط، كما جاءت في محاورات أفلاطون، وخاصة كتاب "الإعتذار": أبولوجيا. صعقتني المفارقة بين هذا وذاك. فهذا الرجل الذي عاش قبل ألفين وخمسمائة عام لديه ما يقوله لنا حتى اليوم. فعندما قالت عرافة دلفي، وهي إلهة في ذلك الزمان، وناطقة باسم الآلهة وخاصة زيوس، أنه ليس بين البشر من هو أكثر حكمة من سقراط، حار سقراط حيرة شديدة في هذا الأمر. فهو يعلم أنه لا ينطوي على قدر يؤبه له من الحكمة أو المعرفة، ولكنه يعلم في نفس الوقت أن الآلهة لا تكذب، ولم تغب عن فطنته بالطبع أن شهادة الآلهة لم تكن فقط في صالحه، بل تتوجه حكيما على كل البشر. لم يقبل سقراط، لما ركب فيه من هذا العناد البشري المتطاول، حكم الآلهة، لا من حيث قداسته وتنزهه عن الكذب، ولا من حيث أنه جاء في صالحه وحده دوه سواه. فصار يزور أولئك الذين اتصفوا بالحكمة، من حكام ومفكرين وشعراء وأدباء، فاكتشف لدهشته أنه أكثر حكمة من هؤلاء جميعا، لأنه كان يسألهم عما اشتهروا بإتقانه والتخصص فيه، ويظهر لهم من خلال إجاباتهم وبتلك الماكينة العقلية الهائلة التي كان يملكها، أنهم لا يعرفون، معرفة حقة، ما يدعون أنهم يعرفون. وتوصل إلى أنه أكثر حكمة منهم، لسبب بسيط جدا، وهو أنه يعرف أن معرفته متواضعة، وأن الكون لم يكشف له إلا شيئا قليلا من أسراره، وأن عليه أن يمضي دون هوادة في الإستزادة من المعرفة، بينما تربع هؤلاء على حصاة من المعرفة ظنوها جبالا شوامخ.
وقال سقراط وهو يشرح ما توصل إليه من علاقة بين المتعالمين الذين يدعون معرفة ما لا يعرفون، والناس العاديين المتواضعين رغم معارفهم وحكمتهم: "أثناء بحثي في خدمة الإله، وجدت أن أولئك الأكثر شهرة والأكثر ذيوعا في الصيت، هم في الغالب الأكثر نقصا، بينما أولئك الذين يعتبرون أقل شأنا هم الأكثر معرفة. ( ترجمة غير رسمية). "رحلة " عبد الله القاسية من بداية محاضرته وحتى نهايتها أثبتت شيئا عكسيا تماما لمسيرة سقراط. فقد وضح أن هذا المفكر الوحيد في السودان، إن كان في السودان مفكر، كما قال مقدمه الكريم، هو الأكثر جهلا بموضوعه من جميع الذين كان يحاضرهم. ولا شك أنهم كانوا يمدون أرجلهم قليلا قليلا، كما فعل أبو حنيفة، كلما أوغل المحاضر في باطله وهرائه، حتى مدوها عن آخرها في نهاية المحاضرة، هذا إذا لم يفكر بعضهم في إطلاقها للريح. وأكاد أرى صديقي محمد الحسن محيسي، المتبحر في كثير من ضروب المعرفة، وهو يفعل ذلك تحديدا. وأحصر المقارنة مع سقراط هنا فقط، فالمقام لا يسمح بالحديث عن محاكمته وموته.
وأخيرا، دخل عبد الله في قلوب وخرج من قلوب، وهو بينما يستطيب الدخول فإنه يكره الخروج، ويحاول جهده الجمع بين هذا وذاك، ولا يعتقد ذلك ممكنا إلا لأنه لا يضع للمنطق في تفكيره ورغباته، وزنا كبيرا. وهو يعتقد أنه بالقاء بعض الملاحظات العابرة، لصالح جمهوره القديم، يمكنه أن يكسب هؤلاء وأولئك في نفس الوقت. أنظر إلى إشارته إلى موت جوزيف قرنق "الباسل"، مع أن محاضرته تلزمه أن يقول أن جوزيف قرنق مات من أجل قضية ليست قضيته، مات من أجل جماعة شمالية عربية مسلمة لا ينتمي إليها، مات من أجل وطن يضع عبد الله يده حاليا في أيادي من يريدون تمزيقه، وتقليصه ليكون في حجم مقدراتهم على القهر والتنكيل والسيطرة. أقول لصديقي عبد الله، خيارك الحالي يمكن ألا يكون نهائيا، إذا التفت قليلا إلى الوراء لترى أن مطارديك أصابهم الإعياء و " و الإرهاق غير الخلاق"، وبالرغم من أنهم لم يكفوا عن المطاردة إلا أن الصمود في وجههم ممكن وميسور، وقد استطاعه كثيرون لم يدقوا الطبول إعلانا عن صمود، فكيف تدق الطبول إعلانا عن هروب؟ |
| |
    
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟ (Re: Abdel Aati)
|
بين الدكتور عبد الله على إبراهيم، والأستاذ الشهيد عبد الخالق محجوب
الخاتم عدلان
لا يكتفي الدكتور عبد الله علي إبراهيم، بأقل من الإعدام المعنوي لليسار، ممثلا في واحد من أوضأ رموزه: الأستاذ الشهيد عبد الخالق محجوب. ومن خلال إشارات مبثوثة في عدد لا يحصى من المقالات، يحاول عبد الله على إبراهيم أن يمدح عبد الخالق محجوب بأن ينسب إليه قيما ومواقف لم تكن حياة الشهيد وموته، إلا نفيا ودحضا لها. وإذا كان ما حدث لعبد الخالق محجوب صبيحة الثامن والعشرين من يوليو 1971، إعداما جسديا إجراميا نفذه حاكم معتوه، فإن رد فعل عبد الخالق عليه، قد مثل الدرجة العليا من التسامي الفردي، والبطولة الإنسانية، والشجاعة العقلية، التي ألهمت أجيالا من الشعراء والرسامين والمبدعين، بقدر ما ألهمت المناضلين في كل الدروب. ومصدر الإلهام هنا لم بكن تلك الوقفة الأسطورية وحدها، بل كانت السيرة كلها، والقيم التي أضاءت تلك السيرة، والتي لم يزدها الإعدام الجسدي إلا جلاء. أي أن عبد الخالق محجوب، لم يعد منذ تلك المأثرة الباهرة التي خطها بموته، سوى تلك القيم التي عاش من أجلها، وجاد بروحه ودمائه لإضاءتها وسقياها. وهو قد قال لنا بفعله ذاك: جسدي فداء لفكري، دمي زيت لقيمي، عبوري ثمن لبقاء معناي. فإذا أتي من ينسب لعبد الخالق قيما ومواقف نقيضة لما كان يؤمن به، ويرفعها علما على ذكراه، مع كل آيات التمجيد الزائفة وحسرات الفراق المفتعلة، فإنه يحاول إتيان جريمة أفظع من القتل الجسدي، وهي قتل المعنى. وهذا هو ما ظل يمارسه عبد الله علي إبراهيم منذ أن زلزلته الإنقاذ بحضورها الرهيب، وخلعت فؤاده وكسرت جبارته.
في كتابه عن الترابي كزعيم للتجديد الإسلامي في السودان، وعن إمكانية حكم البلاد بواسطة فئة القضاة الشرعيين، يورد عبد الله علي إبراهيم الإهداء التالي: " إلى أستاذنا المرحوم عبد الخالق محجوب كنا قد إئتمرنا أو " تآمرنا" على شيئ من هذا الكتاب في فترة من الزمان عند منتصف ستينات القرن الماضي. واستعجلت أنت تخطو وئيدا شجاعا في السكة الخطرة. أو أبطأت أنا. وهذا بعض كسبي من " المحضر السابق" صدقة جارية لروحك السمح العذب، يا أيها الرجل الوسيم." ألاحظ عرضا هنا إستخدام عبد الله على إبراهيم، في إهداء يوجهه إلى عبد الخالق محجوب، لمصطلحين أساسيين في فكر حسن عبد الله الترابي، هما مصطلح الإئتمار، الذي يفضله الترابي لمعناه المزدوج، الظاهر المتعلق بعقد المؤتمرات، والخفي الذي يعني التآمر، فالترابي يعشق مثل هذه المصطلحات ويهيم بها هياما لا فطام منه. ومصطلح "الكسب"، الذي يصور العمل السياسي والفكري، ليس كعطاء يجود به المرء طوعا على الآخرين، بل ككسب يأخذه الفرد عنوة من الجماعة، ويأخذه الحزب غصبا من المجتمع. وأتجاوز عن ظاهرة ذلك المستعجل الذي " يخطو وئيدا"، في مزاوجة مستحيلة بين نوعين من المشي، وأنفذ إلى جوهر فكرة عبد الله، وهي إشراك عبد الخالق في تأليف كتاب لم يكن ليتردد في إستنكار كل مقولة أساسية وردت فيه، ودحضها بحزم فكري عرفه عنه عبد الله قبل سواه. والدليل الذي يسوقه عبد الله على إشتراك عبد الخالق معه في فكرة هذا الكتاب، هو تآمر سري، بينه وبين عبد الخالق. وهي فكرة ليست كاذبة فحسب، بل هي غبية كذلك.
| |
    
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟ (Re: Abdel Aati)
|
لقد أتهم عبد الخالق محجوب بالتآمر في أشياء كثيرة، في مراحل مختلفة من حياته، من مؤامرة الشيوعية الكبرى، وحتى مؤامرة الإنقلاب العسكري. وكانت الإتهامات ذات طابع سياسي واضح، لأن عبد الخالق كان قائدا سياسيا فذا، من أخمص قدميه إلى شعر رأسه. ولكن أحدا لم يتهم عبد الخالق بمؤامرة فكرية. في مسائل الفكر كان عبد الخالق واضحا كالشمس. بل كان يوصي الشيوعيين بأن يكونوا واضحين فكريا مثله، وألا ينحشروا في مواقع الدفاع، حتى لا يتهموا بالإنتهازية. فكيف يمكن لرجل هذا شأنه أن يتآمر مع عبد الله على أفكار هابطة مثل تولية شؤون الدستور والحكم لفئة القضاة الشرعيين، إذا كان ذلك هو الجزء من الكتاب موضوع التآمر، أو تنصيب الترابي زعيما للتجديد الديني، إذا كان موضوع التآمر هو الجزء الثاني من الكتاب؟ وكيف يمكن لعبد الخالق أن يتآمر على كل تاريخه الفكري؟
التآمر المشار إليه هنا، لا يعني سوى أن عبد الله، وقد سار في الدروب الموحشة، بدلا عن "السكة الخطرة"، يريد أن يدعي أنه يفعل ذلك وهو في صحبة رفيعة، كما يريد أن يتأبط ذراع عبد الخالق إلى قبره المعنوي، الذي أعده بدافع الكراهية العميقة التي تسمي نفسها حبا خالدا. وسأوضح ما أجملته هنا عندما أتناول في مقالات قادمة، كتاب عبد الله المدوّن بمداد التهافت المنطقي والمرجّب بعمد الحجج الخاوية.
وما أجمله عبد الله هنا في كلمة إهدائه المسمومة، فصله شيئا ما في مقدمته لكتاب عبد الخالق: أفكار حول فلسفة الإخوان المسلمين الذي كتبه الشهيد أواخر الستينات. ولأن الرسالة التي حددها عبد الله علي إبراهيم لنفسه، إزاء عبد الخالق، لا يمكن أن تكون مستقيمة، وإلا كشفت نفسها للدحض المباشر، فإن إلتواءها قد ظهر هنا بأجلى ما يكون الظهور. إن عبد الله إذ يقدم لكتاب، ينتقد دون رحمة، وباستقامة فكرية عظيمة، عرفت عن الشهيد، أفكار الإخوان المسلمين، لا يورد حرفا واحدا، أو فكرة واحدة من الكتاب الذي بين يدي القاريئ، بل يلجأ إلى نسبة أفكار نقيضة لما ورد في الكتاب إلى مؤلفه، بإعتماد مراجع أخرى ليست بين يدي القارئ ولا يؤمل أن يحصل عليها حتى إذا شاء! والأخبار غير السارة بالنسبة لعبد الله، إننا حصلنا على بعضها، ونعمل على الحصول على الأخريات ولو طال السفر، فليكفهر وجهه ما شاء له الإكفهرار!
| |
    
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟ (Re: Abdel Aati)
|
الأخ عادل عبدالعاطى السلام ورحمة الله عليك والأسره وحسنا أبنت أسباب ودك وإحترامك لعبدالله على إبراهيم وأسباب إختلافك معه والذى تحسبه فى تناول الخاتم بعد مماته وتناول كتابه المبذول منذ أكثر من عقدين وحسنا أن أتيت بتصحيف الفيا للخاتم وما كتبه الخاتم عن عبدالله على إبراهيم وعبدالخالق المحجوب وكل ذلك يرتبط آرتباطا كبيرا بالموضوع المطروح وهو رأى عبدالله فى إحدى إصدارات الخاتم لا بل حسنا جدا أن ينفعل عادل عبدالعاطى إبن عطبره رافعا سبابته رافضا ما أتى به عبدالله من أراء فى الأراء التى قال بها الخاتم آنفا وهنا أشير إلى الكتاب المحدد الذى تناوله عبدالله بالنقد العلمى معليا شأن ما يستحق التمجيد وخافضا لما لا يراه كذلك فهو رأيه ولسنا بملزمين أن نوافقه عليه ولكن ملزمين بقبول ما طرحه من أراء من إتاحة حرية التعبير التى جمعتنا بعبدالله والخاتم والفيا وعبدالخالق وود الزين ومحمد سيد أحمد فى هذا التقديم المفيد. عزيزنا عادل تشكر على ما أتيت به مضيفا وموضحا ونتمنى أن تواصل بعد قراءه متأنيه لما كتبه عبدالله عن كتاب الخاتم موضحا لأسباب إختلافك فيها ولك الشكر والسلام.
منصور
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟ (Re: عبدالله الشقليني)
|
Quote: وأبدأ بأن هناك إختلال أعتبره جوهريا في نقاش أفكار عبد الله على إبراهيم، هو غياب الرجل نفسه عن ساحة الحوار. وهو غياب بغير حجة على ما أعتقد، لأن عبد الله، حسب ما ذكر في هذه المحاضرة وفي مواضع غيرها، مطلع على ما يدور في الإنترنت، وخاصة حول أفكاره وآرائه، وقد شاء مرة أن يرد عليها بصورة غير مباشرة في موضع غير موضعها. غياب عبد الله عن المحاورة يشعر بعض المشاركين فيها أنهم ربما يخرقون قواعد « الفروسية الفكرية» إذ ينازلون رجلا لا ينافح عن نفسه بما يملك من العدة والعتاد، بل ربما يشعر آخرون بأنه ألقى سلاحه وهرب من ميدان المعركة كليا. وهذا الغياب نفسه هو الذي دفع آخرين، لا يتفقون تماما مع عبد الله، إلى تبني قضيته، وربما بحماس أكثر من حماس صاحبها نفسه، وهذا يجلب التشويش أكثر مما يحقق الوضوح الذي هو بغية الجميع. وقد وصفت نصوصه بأوصاف ربما توحي إلى البعض بأنهم غير مؤهلين بصورة ما لمناقشتها، وتحت مثل هذه الأوصاف ترقد أنواع من المجاملة أو الغفلة، بل حتى المبالغة والتخويف، لا يبررها لعبد الله، ماضيه أو حاضره.
من أجل تلافي هذا الخلل الذي أشرت إليه أرجو أن نوجه الدعوة لعبد الله أن يشارك في التوضيح والشرح والرد، والدفاع، عما طرحه هنا من آراء، حتى نصل إلى نتيجة ما، بضمير مرتاح وشعور وافر باللياقة الفكرية.
|
شكرا منصور وعادل
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟ (Re: بهاء بكري)
|
سلام يا بهاء :
Quote: ايضا استنطق الدكتور عبدالله علي ابراهيم البروف محمد عمر بشير من قبرة ليبرر التحاقة بالسلطة |
هذا هو ديدن عبد الله علي ابراهيم : * يقول عبد الخالق محجوب ما لم يقله دفاعا عن تصالحاته مع الفكر السلفي ومواقف الترابي * يستنطق لبروف محمد عمر بشير من قبرة ليبرر التحاقة بالسلطة * يرد على الخاتم بعد عشرين عاما ليعيد تسويق اوهامه القديمة ولينال من الخاتم الذي عجز عن منازلته حيا .
بشرى له فقد كسب خصوما جددا .
| |
    
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟ (Re: mohmmed said ahmed)
|
محمد سيد احمد سلامات
Quote: عندما كتب الخاتم مقاله ونشر فى صحيفة الاضواء كان رد فعل عبد الله غريبا لم يقم بالرد قال انه سسيقاضى الصحيفة ورفض اجراء حوار مع صحفى يعمل بالاضواء بسبب غضبه على نشر الصحيفة لمقال الخاتم
|
لووول ؛ وموبااااااااااااااالغة عديل
هو كتب ما كتب عن منصور خالد وعن غيره وما عايز زول يكتب عنو ؟ هل البديل عن الحوار هو مقاضاة الصحيفة ؟؟
اها انا حاشوف لي صحيفة انشر فيها ردي عليهو نشوفو كمان حيفتح عليها قضية
ما ابخس ذلك كله !
| |
    
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟ (Re: Abdel Aati)
|
كتب الاخ محمد سيد أحمد
Quote: انا اتمثل مقولة على كرم الله وجهه واعرف الرجال بالحق ولا اعرف الحق بالرجال
وعندما احكم بين الخاتم وعبد الله تهمنى المواقف وليس اداعاءت التمسك بنظريات ماركس او غيره
يهمنى الموقف من الديمقراطية الموقف من استيلاء عسكر على السلطة الموقف من السلطان
من الذى ارتجف وخنع وبايع
ومن الذى مات مناضلا فى المنفى |
الاخ محمد سيد أحمد شيوعي - والخاتم تخلى عن الشيوعيىة الاخ محمد سيد أحمد ربما كان ماركسيا - والخاتم قد انتقد الماركسية
ولكن محمد سيد أحمد مع ذلك يحترم الخاتم لأنه يحترم الاستقامة والصدق مع النفس ؛ وليس ادعاءات من كل يوم هم في شأن من التناقض وتقلب المواقف ذات اليمين وذات اليمين المتلفح باليسار
| |
    
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟ (Re: Abdel Aati)
|
الأخ منصور عبدالله المفتاح تحية طيبة وبعد أنا لا أملك ما يدخلني على بيت بكري أبوبكر وإن كنت من المتابعين بإنتظام وشدني ما تفرع عنه وضعك لنقد د.عبدالله على إبراهيم لكتاب الخاتم عدلان في المنبر، أنا شخصياً من المهتمين بمساهمات دكتور عبدالله على إبراهيم وجهده في الشأن العام السوداني لكن يبدو لي إن لوثة تغشانا نحن السودانيين قد أطبقت على الدكتور بمثلما حدث للكثيرين منا! فأراه كأمنا هاجر ما بين صفا الماركسية و مروة العروبة المتأسلمة. حتماً أنا بصدد قراءة متأنية لنقد د.عبدالله لكتاب الخاتم، على الأقل لمحاولة إستيعاب العقل السوداني "الإستناري!!". مرفق مقال كنت قد كتبته قبل أيام وتركته جانباً تقديراً لهبة شباب السودان، أرى أنه قد يفيد في هذا النقاش الدائر ولعل د.عبد الله يوضح لنا ما خفي عنا..! لعلّ! د.عوض محمد أحمد لندن في 11/02/2011م
د.عبدالله على إبراهيم! هل هي معارك الصفوة أم مخاضٌ للجديد المثير؟ تقديم، الكتابة عن الدكتور عبدالله على إبراهيم تدخل من لا يود! في متاهات قد يكون هو في غنى عنها، ولكن ليس مما لابد منه! من حرجٍ. بالرغم من أنه يحق لنا أن نضع كتابات الدكتور في ميزان العارف بأمور بلده والساعي لصلاحه!، غير أنه نهج في الفترة الأخيرة، ولنكون أكثر مصداقية، منذ سعيه ذاك للترشيح لمنصب كبير البلد! والدكتور غارقٌ في معارك مع كل من يخطو بلطف نحو جنوب السودان وكأنا جنوب السودان قد أختزله الدكتور فيما يعافه ويثير إشمئزازه! نعني الدكتور الآخر منصور خالد!!. صوب دكتور عبدالله سهامه نحو الحركة الشعبية ككل وحملها ما حملها! ونحسب ذلك في باب الدعوة لصلاح الحال وليس من باب الدعابة أو الدعاية السياسية، وحمل على مرشحها ياسر عرمان ونحسب ذلك أيضاً في باب السعي لأن يمهد طريقه لذاك المنصب المحسوم سلفاً من عند قضاه لاهاي وهم لا يصوتون. وقد تكون تلك الغصة التي فرقت بين قاطني بلاد العم سام " بحسب ما كان ودون الدخول في ملاسنات حول ما كان لهذا أو ذاك من عمل! " تلك الغصة هي ما جعلت النار تستعر بين الدكتورين ولعل "وبعض الظن أثمٌ" لعل الدكتور منصور له يدٌ في موقف الحركة الشعبية من ترشيح دكتور عبدالله لذاك المنصب وبروز عرمان مرشحاً لها!!. قد نجد العذر لهذا أو ذاك وإن نفوا أن يكون هذا طبعهم، وكلا الدكتورين ينهل من هذا الفيض العروبي الذي أغرقنا وأضاع منا ثلث بلادنا، وإن كنا لا ندري أين سيغمد الدكتور منصور سيوفه العربية! إلا أن دكتور عبد الله كأن به قد عنى له مغادرة الجنوب أن الوقت قد حان للإستعراب والتغني بنسلنا البدوي!!. في عقلنا الهائم بين عروبةٍ وأفرقةٍ " ونحن هنا نحمل على ظهورنا بساطة أهل السودان ( طيب خلقهم أو سذاجتهم لا يفرق!) " نتوجس من أن هذا التغني! يوقع الدكتور عبدالله في أتون الحلف الإسلاموي بمعية عُراباه حمدي وخال الريس!! وقد لا يكون هذا مبتغى الدكتور عبدالله! لكن عليه أن يأخذنا على قدر عقولنا !!!. معارك الصفوة، فتح دكتور عبدالله نيرانه على قبائل اليسار وفي ذهنه قربها من الحركة الشعبية تلك التي تأوي ذاك المنصور لهم! والمكسور!! لدى الدكتور عبدالله!. وإن كانت إنطلاقته دوماً تتكئ على جنسنا المفارق وثقافتنا المغايرة لأهل الجنوب في عرفه!!، وكأنا به قد وحد صحارى السودان بعد أن لفظت غاباتها!. وهو يعلم بأكثر مما لنا! بأن ما تبقى من هذا المسخ الممزق لا يشكل بوادي قفراً يمكن أن نسوق فيها نوقنا!، فهناك أرض الجبل! التي يقطنها أناسٌ أن رأوا الجمل العربي لإلتمسوا ملجأً!! خوفاً من تشدق لسانٍ وحمية إستعرابية تعامل البشر كالدواب!، وجبال السودان كثرً، من أقصى غربنا في جبل مره ومروراً بجبال النوبة والأنقسنا ووصولاً لجبال الساحل البجاوية، وهناك نيلٌ لم يعهده عرباً عاربة أو مستعربة في مواطنهم الغابرة!، ومن سكانه من يعجز لسانه نطق الحرف العربي ويستسهل النهج الروحي!!. و لم يرتكن الدكتور لصحرائه فقط بل عكف على إستدعاء رموز اليسار لمناطحة من لا يروق له فعله من قبائل اليسار الواردة نبع السياسة السودانية!!، فهو دوماً في إستحضار معلمه "عبدالخالق محجوب" الذي ترك الدكتور داره وما زال يشدو بأيام مضت لم ينسى ذكراها!، ويستحضر آخرين مازالوا في "بيت راشد" وكأنا به في محاولة لإشعال نيران فتنةٍ قد خبئت!!. في هذه المرة وجه الدكتور عبدالله سهامه نحو دكتور آخر! هو دكتور الشفيع خضر!! الذي خرق في عرفه جداراً يجب أن يظل صلداً لا تقربه العرب عاربة أم مستعربة! وهو التقرب لذاك "المسخ الجنوبي" الذي لا هم له سوى تحطيم دارنا أو ما تبقى من دارنا التي إقتطعتها لنا هذه الإنقاذ المستعربة إسلامياً!!. وفي سانحةٍ أخرى توجه نحو الحاج وراق نافراً مما يكتب لا لشئ سوى توددٌ أحسه منه تجاه أهل الجنوب وحركتهم الشعبية مما بعث ضجره و إشمئزازه!!، وكأنا بغثاء خال الريس يجلب الطمأنينة والنوم في مهاجع الدكتور وبوادي السودان التي إفترضوا أن "إنقطعت فيها الأضان الزرقا"، ويا لبياض وجوه العرب المستعربة المتأسلمة في هذا السود.. آن!!. ما الذي يدعونا له الدكتور عبدالله! هل دعوة لأن نجمع ونصطف في مقابل الجنوب لأنه جنوب؟، وهل كان الدكتور يتوقع أن يفوز في إنتخابات رئاسية ليحكم بلاد السودان التي كانت! وهو يضمر ما يضمر لكل من يقطن ذاك المكان القابع في ذيل البلاد جغرافياً، عرقياً ومعاشياً!!؟، وهل الدكتور عبدالله "العارف بالسودان قديمه وحديثه" كان يخامره أدنى آمل في أن يحكم السودان بقبضة إسلاموية عروبية!؟. وأن كان هو كذلك! فما هو ذاك الذي يحمله من بغضٍ تجاه المؤتمر الوطني وسيادة المشير البشير! حتى يواجهه في معركة المعارك التي حتى في جزئيتها تلك لم يسمح له أهل المؤتمر الوطني أن يكمل فصولها المعدة سلفاً!!. دعوة للجديد المثير، دكتور الشفيع خضر وأستاذ الحاج وراق حين يخاطبون أهل الجنوب هم حتماً يخاطبونهم من موقعٍ تركه الدكتور عبدالله ولا أظن بأنه نادم على ذلك!، فعلام محاسبتهما بإسترجاع ماضٍ آفل في عرفه!!، أما إن كان كل ذاك من وحي عروبي إسلاموي! فهل يسمح لي الدكتور أن أضيف لهذا الوحي ما يخرج القارئ والمستمع من وحل الإنقاذ وزبانيتها!، وبخاصة هناك على الباب من يطرق قادماً من ذات الطريق!. أعني أن تكون دعوةً لعروبةٍ أسلامويةٍ أستناريةٍ!!، وأن جهد مفكروها في تواصل وشباب صحاري السودان، فأجزم " وأعوذ بجزم معزة المتكبر" بأن يكون لها موقعاً في خارطة السياسية السودانية! أو في هذا الفتق الذي خلفته لنا الإنقاذ!!. وفي سبيل عملٍ يتجاوز التنظير الذي كثر مبدعوه هذه الأيام! لما لا تكون هناك دعوة تشمل الدعاة جميعاً!. ومرة أخرى أجزم" على إستحياء" بأن لو تشارك الدكتور عبدالله من جانب العروبة الإسلاموية الحديثة! والأستاذ عبد العزيز الصاوي من جانب العروبة المستنيرة!! والصاوي قد يستطع أن يشد لنا الدكتور حيدر علي إبراهيم فهما في الإستنارة صنوان ولا بأس من تلاقح بين عروبة وماركسية يرى د.حيدر أنها لم تحط جناحيها على السودان!!!. إن توحدت هذه الملل في بوتقةِ توجه واحد! فنبصم بالعشرة!! إنهم لرابحون وحينها فعلى دكتور الشفيع خضر وأستاذ الحاج وراق أن يبحثوا لهم عن منافي في تلك الغابات التي غادرتنا بسبب عومل التعرية العروبية والإسلاموية ولربما نضيف لها الإستنارية!. ملحوظة: يا حسرة! شباب صحارى السودان " بدوان! العروبة المتأسلمة" لا يتمثلون خارج مثلث حمدي - خال الريس وحتى في هذا المثلث التعيس لا يستطيعون أن يقطعوا منه الأضان الزرقا!!. تحذير: الحذر ثم الحذر من خال الريس " شايل قرعتو ولافي" فهاهو يغازل الدكتور عبدالله!، ربما سعياً لتزاوج أصوليةٍ إسلاميةٍ وعروبة صحارى لم تكمل العدة بعد!!. خبر هام وإن لم يكن أكيد: يقال في مجالس الصفوة أن د.منصور خالد "ململماً أغراضه" قد قطع دابر التواصل مع المشير البشير! في زمانٍ مضى فعلها مع المشير نميري "وما تشوف عينك إلا النميري راح في حق الله!!". د.عوض محمد أحمد لندن في 04/02/2011م
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟ (Re: munswor almophtah)
|
الأكرم : الأستاذ / منصور تحيات زاكيات لك ، و كذلك لأضيافك الأفاضل
حول توجيه الملف لكي تكون الثمرة أجود أرى أن ينتبه الأحباء الأفاضل أن يكون الملف حول ما ورد عن الماركسية في سِفر الخاتم ، ورأي عبد الله حول إفادة الخاتم حول " كارل ماركس " وهو المحور الأساس الذي يكون الحوار فيه أقيم ، فهنالك الكثيرون ينتظرون نوافذ الحوار الجاد والمثمر ، ولست أرى أن ملفات عبدالله الأخرى تُغني الملف ، بل أراها تذهب بعيداً ، وتترك أس الحوار ( حول ماركس ) ، هذا مع التأكيد على حرية الآخرين في كتابة ما يشاءون .
*
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟ (Re: عبدالله الشقليني)
|
المنصور يا صديق الزمان الأول .. التحايا القلبية ليك وزوار خيطك اليحاول نقل المنبر من الظلمات إلى النور وقد حان أوان النور الأبلج وأمامنا تونس وميدان التحرير بقاهرة الظالمين وغيرهما من مدن تخمرت حتى لتكاد تفور.
لا بد من وقفة حول الموضوع الهام والشائك الذي انتخبته لإشعال حوار جدي في المنبر من خلال ما طرحه د. عبدالله علي إبراهيم مهوما بين الثقافات بلغة عالية لا يقلل من أهمية ذلك الانتقائية في اختيار المدارس الفكرية التي طرح خطوطها العامة في دراسته لتأتي على حساب موضوعية التناول وتحدد هدف الكاتب وتؤشر للنتائج التي قرر أن يوصل إليها القاريء منذ البداية.
سأتابع معكم وأرجو أن أتمكن من العودة بمداخلة أوفى.
كما أؤكد على فكرة الأخ عبدالله الشقليني
ن يكون الملف حول ما ورد عن الماركسية في سِفر الخاتم ، ورأي عبد الله حول إفادة الخاتم حول " كارل ماركس "
ليكون أفيد لو سمح الزملاء
| |

|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟ (Re: Mohamed Abdelgaleel)
|
المفتاح
سلامات
وتحية للاستاذة: عبدالله الشقليني, ومحمد سيد احمد, وود الزين ,وعاصم فقيري.
حقيقة تشاغلت عن هذا البوست وقد راودتني نفسي كثيرا بالتداخل وقاومتها لكن انتصرت الامارة.
لا شك ان مقال د عبدالله ابراهيم مقال اكثر من وافي ولا اعتقد ان مواقف دكتور عبدالله تنقص من قيمة المقال المعرفية فله التحية.
انا التقيت المرحوم الخاتم عدلان مرة واحدة وقد كان حفزني المرحوم حسن عطية ان اذهب معه لحضور ندوة اقامها الخاتم من اجل حشد الشيوعيين والديمقراطيين خلف مبادرة الحزب للسلام في ثمانينيات القرن الماضي, وقد اخبرني بان المتحدث خطير جدا-وهو تعبير يكثر الزملاء استعماله للتعبير عن الاعجاب فيقولون قصة خطيرة وكتاب خطير وهكذا- وقد احبطت ايما احباط من ضعف الاعداد والتقديم للندوة! وخرجت مستاءا لانه في تقديري كان الافيد ان نفعل اي شئ اخر بدل حضور تلك الندوة! مرت الايام واتاني زميل صديق واخبرني بان هنالك ورقة خطيرة جدا تتداول بين عدد محدود جدا من الزملاء وقد كتبها الخاتم عدلان واني استطيع الاطلاع عليها اذا اردت.كان ذلك في النصف الاول للتسعينات. كانت تلك ورقة ان اوان التغيير. قراتها وكانت بخط اليد-اظن خط الخاتم- وتناقشنا حولها اياما. وكان رايي انها ضعيفة المحتوى, وانها اعلان عن الخروج على الحزب, ودعوة لتكوين حزب اخر. واخبرت الزميل ان ما قاله الخاتم عن الماركسية ينم عن ضعف خطير في فهمها, او ابتسار متعمد لان له غرض وهو القضاء على الحزب, وتكوين حزب يتسنم هو فيه القيادة. وذكرت له حادثة ندوة مبادرة السلام واني منذ تلك الليلة ناقشت عدد من الزملا ومن بينهم المرحوم حسن عطية وابراهيم فتح الرحمن وابنت لهم رايي في الضعف النظري الذي بدا به الخاتم ليلتها. طبعا في كلتا الحالتين نابني ما نابني من التقريع, من انني حرس قديم و غيره من التهم التي يعرفها الكثيرون. في نهاية التسعينات وبداية الالفية الثالثة, انضممت لمجموعة درب الانتفاضة, وهي مجموعة مراسلة بالايميل. وقد سنحت لي الفرصة للتعبير عن رايي في الخاتم- وقد كان المرحوم الخاتم عضوا فيها- في معرض المقارنة بين الخاتم والحاج وراق. ابديت رايي بان الخاتم ضعيف نظريا وفي الممارسة- وضربت مثلا بجريدة الشبيبة التي كان يراس تحريرها وقد كانت فقيرة من حيث المحتوى والاعداد والاخراج- وقلت ان الحاج وراق يتفوق عليه بما لا يقاس, وكما هو متوقع انبرى للدفاع عنه زملاء من بينهم: صدقي كبلو ,وعدلان عبدالعزيز و سكت الخاتم ولم يرد على ابدا الي ان توفى الي رحمة الله. سقت كل ذلك لتاكيد رايي في ورقة -الان يسميها البعض سفرا- ان اوان التغيير وهو قديم منذ النصف الاول من التسعينات . ليس ذلك فحسب فقد كنت بدات في كتابة نقد للورقة الصيف قبل الفائت, وناقشت زميل في ذلك, وشجعني. ولكني تخليت عن الفكرة لان الخاتم لم يعد بيننا. ولم يعجب ذلك الزميل وطلب عضوية سودانيز مخصوص ليفعل ذلك وهو الان عضو, واتمنى ان يدلو بدلوه الان.
لتلخيص رايي في ان اوان التغيير وربما اتوسع في الشرح حسب مسار النقاش: 1- الخاتم لم يكن امينا -على المستوى الاكاديمي لانه فيلسوف بالدراسة- في نقد الماركسية او انه لم يكن يعرف قدرها.وهذا ما اثبته كاتب المقال موضوع هذا البوست. 2- الزلزال الذي حدث في الاتحاد السوفيتي واوربا الشرقية- وان كان عظيما- لكن كان واجب اللحظة حينها التصدي للتحدي النظري الذي واجه كل الماركسيين في العالم, وليس الهروب وتبني اراء الليبرالية الاوربية والتي اثبتت خطاها, والان نحن نعيش في ازمة للراسمالية تطاولت, و الان هم يراجعون مواقفهم ويعيدون قراءة ماركس وانجلز لفهم حجم الخطا. لكن الخاتم هرب من التحدي القيادي-النظري, لاستكانة قبول الهزيمة والتخلي عما ظل يتبناه ويدافع عنه طيلة حياته. 3- هم الخاتم كان الوصول السريع لمنصب قيادي يكون هو فيه الواحد الاحد. وذلك يجعلنا نتسائل عن جدية ما صرح به عن الستالينية وعبادة الفرد, وقد راينا التطاحن بينه وبين الحاج وراق الذي انتهى بتقسيم حركتهما. 4- الليبرالية الاقتصادية و دورانية الازمة في الراسمالية ستثبت خطا الخاتم وهذا ما حدث الان. 5- واجب التصدي لتطوير الماركسية يعني شئ واحد هو دراسة الواقع كما قال ماركس بذلك, وليس استلاف نماذج الاخرين, او الاعتماد على دور النشر الاجنبية. فعلينا ان نجلس ارضا وندرس قوانين الثورة في السودان ونتعامل مع ذلك بجدية.
--- كنت اود ان اختم براي كتبه ماركس بخصوص دور الشيوعيين وضرورة استقلاليتهم في التعامل مع الواقع. لكني فشلت في العثور على المكان الذي وضعت فيه الاقتباس, سارفعه حال العثور عليه!
| |

|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟ (Re: بدر الدين احمد موسى)
|
وجدتها وجدتها اتمنى ان يرى القارئ كيف راى ماركس الماركسية كعلم للثورة فماركس لا يراها تسنبط من الكتب وانما تستقرا من الواقع الماثل امامنا.
Just as the economists are the scientific representatives of the bourgeois class, so the Socialists and Communists are the theoreticians of the proletarian class. So long as the proletariat is not yet sufficiently developed to constitute itself as a class, and consequently so long as the struggle itself of the proletariat with the bourgeoisie has not yet assumed a political character, and the productive forces are not yet sufficiently developed in the bosom of the bourgeoisie itself to enable us to catch a glimpse of the material conditions necessary for the emancipation of the proletariat and for the formation of a new society, these theoreticians are merely utopians who, to meet the wants of the oppressed classes, improvise systems and go in search of a regenerating science. But in the measure that history moves forward, and with it the struggle of the proletariat assumes clearer outlines, they no longer need to seek science in their minds; they have only to take note of what is happening before their eyes and to become its mouthpiece. So long as they look for science and merely make systems, so long as they are at the beginning of the struggle, they see in poverty nothing but poverty, without seeing in it the revolutionary, subversive side, which will overthrow the old society. From this moment, science, which is a product of the historical movement, has associated itself consciously with it, has ceased to be doctrinaire and has become revolutionary.
http://www.marxists.org/archive/marx/works/1847/poverty...ilosophy/ch02.htm#s7
لاني افتقد خاصية الاقتباس والتسطير لسبب لا اعرفه, ساقتبس ادناه- من المداخلة اعلاه- ما اراه يعبر بوضوح عن رؤية ماركس للدور الجدلي بين النظرية والواقع. فماركس يرى ان نقرا واقعنا ونعبر عنه, لا ان نقرا كتب و نجتر محتواها بالحفظ. But in the measure that history moves forward, and with it the struggle of the proletariat assumes clearer outlines, they no longer need to seek science in their minds; they have only to take note of what is happening before their eyes and to become its mouthpiece. ولو فعلنا فان ماركس يبشرنا باننا نكون قد خرجنا من اطار النصوصية الي واقع العلم الثوري
From this moment, science, which is a product of the historical movement, has associated itself consciously with it, has ceased to be doctrinaire and has become revolutionary.
تلك هي الماركسية, انها علم الثورة! وفي عصر العلم, يحدثنا بعضهم ان العلم لم يعد يجدي!!
| |

|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟ (Re: احمد الامين احمد)
|
Quote: فماركس لا يراها تسنبط من الكتب وانما تستقرا من الواقع الماثل امامنا |
يا بدر الدين .....سلام تعزيزاً لقولك . و تبياناً لمصداقية ماركس و إتساق قوله مع عمله و تاكيداً لعمق قناعته بان النقل الاعمى من الكتب و من تجارب الاخرين ليس من الماركسيه فى شئ ! و أن نظرية الثوره الإجتماعيه عند الماركسين إنما هى بنت الواقع و أشراطه القائمه. فى هذا المنحى احب دائماً الإستشهاد بقول ماركس فى ما يعرف بخطاب امستردام 1872 الذى قال فيه بخصوصيه كل مجتمع و عن ضروره سير خط الثوره وفقاً له و على حسب التشكيله الإجتماعيه و السياسيه فيه . و عندى هذا يدعم فكرة ان النظريه الثوريه عند ماركس ليست تهويماً فى المكتبات و اجتراراً لتجارب شعوب العالم .
Quote: You know that the institutions, mores, and traditions of various countries must be taken into consideration, and we do not deny that there are countries -- such as America, England, and if I were more familiar with your institutions, I would perhaps also add Holland -- where the workers can attain their goal by peaceful means. |
خصوصية كل قطر
شكراً المنصور على المقال المتميز للرجل المتميز دكتور عبد الله على ابراهيم .وفى الحقيقه كنت اترقبه و انتظره منذ زمن طويل و كنت متأكد ان دكتور عبدالله سيرد على مكتوب الخاتم طال الزمن ام قصر ...قرأت المقال مره و أظننى سأفعل اكثر من مره قبل ان اعلق عليه .
| |

|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟ (Re: Mohamed Elnaem)
|
أستاذى الشقلينى لك السلام بقدر إستحقاقك علينا لا بل أكثر-الشكر لك على مطالبة المتداخلين بتناول موضوع البوست وليس تناول إنتاج عبدالله مطلقا لأن عبدالله على إبراهيم عميق شائك ومتجذر فى شتى المناحى فهو مفكر ومؤرخ وأديب وسياسى على السكين وركوب كل سروجه يرمى بمن يحاول ذلـك الضحى الأعلى وعليه تناول ما كتبه تحديدا وعرضه ونقده هو الأفيد أما التهجم عليه لا يخيفه ولا يصنع معرفه وأتمنى أن يستقيم البوست فى ذاك الإتجاه.
منصور
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟ (Re: Mohamed Elnaem)
|
الاخ احمد الامين احمد
تحايا وسلام
يا احمد انت سالت:"""""السؤال: ضعف محتوى وإعداد وإخراج الشبيبة وقتها هل يعزى لمقدرات الخاتم كمافهمت من مداخلة الاخ بدر الدين ام بسبب عدم قبول التيار العام للحزب وقتها لخط الخاتم ومحاولة إخماد صدور الشبيبة وإضعافها وهذا تجلى على المستوى الشخصى فى العلاقة بين الخاتم والتجانى الطيب بعد بروز حق...."""""
يا احمد, الشبيبة كانت نسخة من مجلة اسبوتنيك, والمدار السوفيتية, ومرات انباء موسكو نقلا بالمسطرة.اعرف ذلك لاني كنت اقراها جميعا. وكان يضجرني جدا قراءة المادة الواحدة مرتين في المجلة الاصل, ثم مرة ثانية في الشبيبة, والتي صرت اشتريها في ذلك الزمن التزاما تجاهها, اكثر من انني كنت استمتع بما فيها. فلم تعكس الشبيبة هموم الشباب في السودان وانما كانت تنقل مداولات مؤتمرات شباب موسكو والاتخاد السوفيتي و احيانا اخبار من المعسكر الشرقي وكوبا. لم يكن هناك جهد نظري لمقاربة واقع الشباب السوداني, ولا دراسات تتلمس مشاكلهم, ولا لقاءات مع قادة الشباب في المدن والاحياء. وانا اعرف ان هناك الكثير من الشباب النير -كان بعضهم بمثابة اصدقاء شخصيون-الذي كان يعمل في الشبيبة واثق في تطلعهم لانتاج مواد في مستوى قدراتهم وابداعهم, لكن, يا احمد, مثل ذلك الفشل لا يعزى الا لقيادة ضعيفة او معوقة (بكسر الواو). كلامك بانحسين خوجلي كان يلوح بوجود صراع كان يدور بين الخاتم وقيادات الحزب, وربما يكون ذلك هو سبب ضعف الشبيبة, يا احمد, هذا الكلام كان من الطبيعي ان يسوقه حسين خوجلي. لان هدف حسين خوجلي هو زرع الفتنة والشقاق في صفوف الحزب الاكثر مقاومة لخطهم في سرقة الانتفاضة. لكن, يا احمد, القيادات التي ذكرتها تملك القدرة اذا ارادت في ذلك الوقت ان توقف خط الخاتم من غير اضعاف الشبيبة, فكان في رايي من الممكن تغيير رئاسة التحرير و اعفاء الخاتم. لكن من اسميتهم ربما لم يكونوا يريدون التدخل في المهام المخولة لزميل لهم في القيادة. كما استطيع ان اتصور ان المرحوم الخاتم مستميتا للدفاع عن استقلاليته في تدبير شئون الشبيبة بحيث يرفض مشورة الاخرين, ويعتبر ان الشبيبة هي مداره الخاص, والذي لا يجب ان يتدخل فيه احد, حتى عن طريق المشورة والحرص. وسلوك المرحوم الخاتم في "حق", وسعيه ليكون الامر الناهي الوحيد فيها, يعزز, ويدعم هذا النوع من التفكير. بان الخاتم كان يتعامل مع الشبيبة كضيعته الخاصة, ففشلت . فسؤالي الان هو هل كان الخاتم ديكتاتورا في الشبيبة مما افشلها بسيادة الرؤية الاحادية? ام ان الخاتم كان "حق" منذ ذلك الزمن بمنطق حسين خوجلي?
| |

|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟ (Re: munswor almophtah)
|
الأخ بدر الدين احمد موسى السلام عليك وأنت تدخل مباشرة للب الموضوع منصصا ومشيرا لعبدالله والخاتم إشارات العارف والواقف على الكثير فى أسباب تشكلهما وكذلك فى ما أبديت من مقاربة بين الخاتم ووراق وقلت رأيك الذى هو رأيك فى ما قدمه الخاتم فى إحدى الندوات بعد أن سبقته عبارات التقريظ والتمجيد لحضوره وكذلك سردك لإصدارة الشبيبه موضحا رأيك فيها فأنا لا أعرف الخاتم إلا من مذكراته فى الفلسفه البحته لدارسى الفلسفه فى كلياتها وما قدمه من إسهام هنا فى المنبر فليس لى عليه رأى أقوله ولكنى سأظل أعرفه بشغف من هم لصيقين به بشكل أو بآخر
والشكر لك والسلام
منصور
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟ (Re: munswor almophtah)
|
Quote: فسؤالي الان هو هل كان الخاتم ديكتاتورا في الشبيبة مما افشلها بسيادة الرؤية الاحادية? ام ان الخاتم كان "حق" منذ ذلك الزمن بمنطق حسين خوجلي? |
... بدر الدين سلام يبدو للأسف الشديد أن الشق الاخير من سؤالك هو الصحيح... ويبدو كذلك من تراكم الاحداث تداعيات مركز الخاتم عدلان الاخيرة بالمنبر وماشابها من أخطاء تنظيمية أن الخاتم هاجر لحق بذات الأخطاء التى تعلمها فى الحزب الشيوعى .. وفى مجمل شقى سؤالك يبدو ان خروج الخاتم من الحزب سببه خلافات شخصية عبر صراع القوى والاجيال داخل الحزب من خلال تراكم مرارات أمتدت لسنوات عليه يصعب القول ان الخاتم قد خرج عن الماركسية كمنهج تحليل للواقع بل ترك الحزب كوعاء تنظيمى رغم إدعائه ان الماركسية لم تعد تصلح كأداة للتحليل وماخلفه من كتابات يشهد بذلك ....نفس المحصلة تنطبق على عبدالله على إبراهيم إلذى لازال يستخدم حتى المفردات الماركسية وربما المصادر رغم انه فارق الحزب قبل أمد بعيد وصدق من قال أن الشيوعية لاتتخلى عمن يتخلى عنها .
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟ (Re: احمد الامين احمد)
|
العزيز منصور المفتاح تحياتي
وشكرا علي هذا البوست الجميل ............... وكما قال الصديق دكتور محمد النعيم نحتاج لقراءة نقد دكتور عبدالله علي ابراهيم مرات ومرات بعد أن قرأنا (آن أوان التغيير) كثيرا .... كما أنه سيكون من الصعب علينا أن نُدلي بدلونا في كتابات متخصصين بالسهولة التي نساهم بها في البوستات الأخرى.
ولكن وعلي هامش قراءة المادة الأساسية في البوست ... أجد نفسي مستمتعا جدا بما خطته أقلام الأصدقاء محمد النعيم وبدرالدين أحمد موسي و أحمد الأمين ... ومستمتع أكثر بادارتك الجيدة للبوست....
اذن فلنكن من المتابعين.
| |

|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟ (Re: عاطف مكاوى)
|
الأخ احمد الامين احمد السلام والرحمه. الكل يتابع لتحاورك والأخ بدرالدين أحمد موسى وتبيانكما المهم عن ظروف فشل الشبيبه بتكرارها الممل لغير أحداث الواقع السودانى ولما نالت من هجوم من الأستاذ حسين خوجلى والذى قال بخلاف بين الخاتم وأعضاء اللجنه المركزيه لا بل أحادية الخاتم فى إخراج تلك الإصداره ومن ثم تخليه من الحزب وتكوينه لحق ممسكا بكل خيوط حقيقتها.فالشكر والسلام لك ولبدرالدين.
منصور
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟ (Re: عبدالله الشقليني)
|
الأخ عاطف مكاوى
السلام والرحمه ومعاودتك للقراءة أمر واجب ينبغى على الجميع ممارسته حتى لا نتعجل لإطلاق أحكام نكتشف ضعفها ورخاوتها لاحقا ودوما فى التأنى السلامة من الكثير, وأهمية ذلك المكتوب لأهمية أطرافه وأهمية الظروف التى أنتجته وهى تلك الظروف التى تلحق بنا جميعا, وإن أبينا. فبها مازال يتشكل السودان الشائك بمكوناته الإجتماعيه المتمايزه والمتميزه. وأن السودان سوف لا ولن يحرز تطورا إيجابيا إذا لم يقف فلاسفة إجتماعه وسياسته على أدق دقائق مكوناته. والشكر لك والسلام.
منصور
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟ (Re: munswor almophtah)
|
سلام يا محمد النعيم
Quote: بدر الدين .....سلام تعزيزاً لقولك . و تبياناً لمصداقية ماركس و إتساق قوله مع عمله و تاكيداً لعمق قناعته بان النقل الاعمى من الكتب و من تجارب الاخرين ليس من الماركسيه فى شئ ! و أن نظرية الثوره الإجتماعيه عند الماركسين إنما هى بنت الواقع و أشراطه القائمه. فى هذا المنحى احب دائماً الإستشهاد بقول ماركس فى ما يعرف بخطاب امستردام 1872 الذى قال فيه بخصوصيه كل مجتمع و عن ضروره سير خط الثوره وفقاً له و على حسب التشكيله الإجتماعيه و السياسيه فيه . و عندى هذا يدعم فكرة ان النظريه الثوريه عند ماركس ليست تهويماً فى المكتبات و اجتراراً لتجارب شعوب العالم .
|
هذا الكلام أتفق معك فيه 100% وهذا ما يجعل الفلسفة الماركسية منهج لتحليل الواقع والخروج بمخرجات تناسب ذلك الواقع وليس آيدولوجية مفصلة جاهزة تفرض على الواقع
مع تحياتي
| |

|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟ (Re: بدر الدين احمد موسى)
|
الأخ الباشمهندس الأديب عبدالله الشقلينى يا حارسا لنهر الثقافة تسقى بلا توان ولا من ولكل الناس وتحت قاهر الظروف وأصعبها الشكر لك على تعقيب الأخ الدكتور طلعت الطيب وعلى تعقيبك على ذلك وربما يتلمس البعض من ذلك طرقا جديده فى التفكير لفك بعد الرموز والشفرات والطلاسم والتى رسخت فى أزهان البعض من عنعنة قول أو مشاهدة مواقف أو سماع إدلاء من بعض دعاة حراسة الفكر المتغير المتجدد بالضروره والساكن المتحجر فى عقول بعض الطواغيت من دعاة التفكير.
ولك كل السلام
منصور
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟ (Re: munswor almophtah)
|
الشكر الجزيل للأكرم : بدر الدين أحمد موسى و الأكرم : مجدي إبراهيم وصاحب خيمة الضيافة الفكرية ( الأستاذ / منصور ) والدكتور الخاتم عدلان على هذه الورقة الفكرية .
ونقلنا النص ليسهل الرجوع للنصوص بصورة سلسة ، وبهذا نعود لأصل الورقة :
Quote: سلام جميعا
التوثيق لاعمال المفكرين عمل مضني و صعب و به مسئوليات كبيرة حقا، لحسن الحظ تتيح التكنولوجيا المعاصرة حلولا كثيرة و تواصلا مع محبين للفكر و مثابرين في تحصيله و تدوينه و من هؤلاء الاخوة محمد احمد ابو جودة، وعيسى عبد المنان، و الاخ معروف سند.. الذين قاموا بطباعة معظم هذه الوثيقة و ارسالها لي عبر الايميل مما سهل ووفر على الكثير من الوقت، فلهم مني جزيل الشكر و عظيم العرفان على هذه المساعدة الكبيرة..
وثيقة آن آوان التغيير من المحطات السياسية الكبيرة في الحياة السياسية السودانية المعاصرة.. لأنها قدمت نقدا متكاملا لتجربة الحزب الشيوعي السوداني، و قدمت اجتهادات نظرية كبيرة أدت الى احداث هزة فكرية حقيقية داخل هذا الحزب العريق، كما اسهمت ايضا في تكوين احزاب و حركات ليبرالية في الساحة السياسية السودانية بصورة عامة...
برحيل كاتبها تكتسب هذه الوثيقة بعدا آخرا حيث يزول الشخصي حولها، و تسمو باجتهاداتها النظرية كتحدي فكري حقيقي للاتيان بالجديد.. لقد ظلت هذه الوثيقة حبيسة الورق طيلة الـ 14 عاما السابقة، و اطلع عليها عدد قليل جدا من أعضاء الحزب الشيوعي المعنيين اساسا بها، كما انها لم تصل الا نادرا للمثقفين السودانيين بصورة عامة و لقد واجهه الاستاذ الخاتم عدلان عنتا كبيرا كي ترى حيز الوجود و توزع على عضوية حزبه آنذاك.. لا اطيل عليكم و ارسل لكم الحلقة الاولى من 6 حلقات على التوالي.. لكم مودتي امجد ابراهيم سلمان[/red][email protected]
كلمة الشيوعي
بإصدار هذا العدد ، تكون اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني وبقرار منها وِفقاً للائحة الحزب، قد واصلت فتح المناقشة العامّـة حول قضايا العصر . فخلال أكثر من أربع ســنوات مضتْ ، حدثت تطوُّرات عاصفة وعميقة تغيّرت فيها الخارطة السياسية للعالم المُعاصر . إنهارت النُّظُم الإشتراكية في دول شرق أوروبا ، وانهار حُكم الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي – سابقاً- ، ونبذتْ بعض الأحزاب الشيوعية انتماءها للماركسية ، وغير ذلك من تلك الظواهر بالغة الأهمية . ولم يعُد في استطاعة أحد ان ينكر أنّ الماركسية اللينينية تمرُّ بأزمة مُستحكمة تتعلّق بوجودها وجدواها . وهذا يطرح على الشيوعيين والماركسيين في كل أنحاء العالم ، أن يشرحوا ما حدث، وأن يدرسوه ويتأمّلـوه ويخرجوا منه بحصيلةٍ نظرية تُغني الفكر الإنساني وتُضيئ مسيرة الإنسانية من أجل غدٍ لائق للإنسان ، مُفَـجِّر لقواه ولطاقاته غير المحدودة . إنّنــا ننشرُ في هذا العدد مُساهمة أخرى تُضاف لسابقتها التى نُشرِت في الشيوعي 156 ، وكِلاهما يُمثِّلان مساهمة شخصيـــة لكاتبيهما ولم نشـأ ان تخرج باسم هيئة حزبية قائدة حتى تكون الرسالة واضحة للجميع ، وهي أنّنا نفتح المناقشة العامّة دون ان نكون قد حدّدنا بصورة مسبقة، نتائجـها النهائية .
إنّ قادة الحزب السياسيين ومثقَّفيــه وأعضائه ،مدعُــوون جميعاً للمساهمة المكتوبة، مقالة وتعليقا ، بدون حِجر وبحرية تامة ، دون ادّعاءات بامتلاك الحقيقة المطلقة ، ودون قفز مُفتَعل الى النتائج .مناقشــة تتميّز بالعُمق والرصانة والذهن المفتوح، مبتغاها الحقيقة الثورية دائماً وأبداً بكونها حقيقة ، حتى نصِلُ عبر عملية ، ربما تكون مُعقَّدة أو طويلة، الى رؤية موحّدة نتوجّه بها الى شعبنا كخيار قابل للأخذ والرّدِّ والإضافة والحذف والإلغاء ، قابل للنقد وقابل للنّقض، فالحُكم أوّلاً وأخيراً ، هو للشـــعب .
سـتكون مجلة الشيوعي هي المنبر الأساسي لهذه المناقشات، ولكنّها لن تكون المنبر الوحيد . والأمر يتوقّف على حجم المناقشات نفسها. فهيئة التحرير حريصة على نشر المساهمات بمجرّد وصولها حتى تكون دراستها متزامنة أو متقاربة ؛ مع الإصرار على تذليل كل الصعوبات الموضوعية المترتِّبة على عملنا في ظروف السِّرِّية المطلقة ، ووجود سُلطة فاشية هدفها الأساسي اقتلاع حزبنا من الجذور . ونرى ان نشير الى أميز الحقائق في تراث حزبنا ، النظري والعملي ؛ وهي أنّه ستستمر المناقشة دون ان يتوقّف النضال أو يتراخى . فليس من الخيارات المطروحة ، بالطبع، القبول بالدكتاتورية أو التصالح مع الفاشيـة ، بل الأمر على العكس من ذلك تماماً . فإسقاط الدكتاتورية يزيح العقبة الكؤود التى تحول دون حوار ثَـر وشامل ، يشترك فيه شعبنا باجمعه . ونحن واثقون أنّ هذه المساهمة تمثِّل استمراراً للمناقشة التى استُــهِلـَّت بإصدار الشيوعي 156 وستساعد الكثيرين على بلورة أفكارهم وتسجيلها على الورق ، وإرسالها الى هيئة التحرير .
هيئة تحرير مجلـة الشــيــوعــي طبعة ثانية – م.خ – هيئة تحرير مجلة الشيوعي – فبراير 1994
آن آوان التغيير
1- مدخل :
مالذي حدث للشيوعيــة ؟ للأحزاب الشيوعية ، والشيوعيين الأفراد ؟ ماذا حدث لعالم بكامِله ، كان ، حتى الأمس، ملء السمع والبصر ، وأضحى أثراً بعد عين ؟ . إنهارَ انهياراً مأساوياً يُذَكِّر المرء بالقَـصص التوراتي والقرآني، حيث تختفي أقوام بكاملها من على وجه البسيطة وفي لمحِ البصر !؟ ..
عندما بدأ شبح الشيوعية يُطارد أوربا العجـوز، ويُقلِق نومها، ويُفزِع أباطرتها وطغاتها ويُجبرَهم على الإنخراط في حِلفٍ مُقدّس. كانت قد وُلِدتْ بالفعل، واحتلّت مكانها على مسرح التاريخ ، قوّة لم يسبق لها مثيل في عُنفوانها ونُبلِها ومشروعها الإنسانيِّ الأخّاذ . ذلك المشروع الذي أراد أن يُحوِّل العالم ويجعله مكاناً جديراً بإنسانٍ جديد متعدد المواهب والمَلَكات . ينمو في جميع الإتِّجاهات، ويكون شرطاً لِـنُموِّه هذا، النُّموّ الحرّ لكل إخوته في الإنسانية .
عندما بدأ " ماركس" و " إنجلز " يرسمان معالم المشروع الجديد، تخدُمهما العبقرية والموهبة والذكاء ، فقد إنجذبت إليه بالفعل ، وعلى طول أوروبا وعرضها، أكثر العقول استنارة ، وأكثر المناضلين شرفاً وحماسة ؛ وقد تفجَّرت في صدور الرجال والنساء أحلامٌ وآمالٌ ، وامتلأت آفاقِهم باحتمالات نبيلة وخَـيـِّرة كفيلةٌ باجتياج السـماء . وقد نشأت لتحقيق تلك الآمال والأحلام والطموحات والإحتمالات، أخَـــــويَّات بشرية، لم تكن أقلّ من تلك الأخويات التى حقّـقها الأنبياء وسط أتباعهم . وقد كانت صداقة ماركس وإنجِلز نفسَيهما ، مثالاً ساطعاً على ذلك، قلّ أن يجود الزمان بمثلِه . وقد انخرطت هذه القوى في تغيير العالم ، وتحقيق المشروع الإشتراكي، ثمّ الشروع بعده في بناء المجتمع الشيوعي ، باعتبار ذلك تجسيداً لأنبل القِيَــم التى عرفتها الإنسانية ، وباعتباره حلآ لأعقد الألغاز التى أنشأها التاريخ ، وتجاوزاً لأصعب التناقضات التى عرفتها البشرية . وقد اتـَّسـَم نضال هذه القوى بالبطولة وبالشجاعة الفائقة وبنكران الذّات والإزدراء بالمنفعة الشخصية والإستهانة بالمصاعب والأخطار .
ورغم الهزائم والإنكسارات، التى واجهتها في بداية مسيرتها، فقد تمكّنت هذه القوى في عام 1917، في روسيا القيصرية، من الإستيلاء على السُلطة ، والشروع في بناء المجتمع الجديد . وقد تجلـَّتْ في عملية الإستيلاء على السُلطلة وفي مواجهة التدخل الخارجي والحرب الأهلية ، بطولاتٌ خارقة ، إعترف بها الأعداء قبل الأصدقاء . وقد ظهرت إثر انتصار الثورة في روسيا ، بوادرٌ باهرة لإجتياح العالم بأكملِـه ، ولم يكن الإعتقاد بإمكانية وواقعية ذلك الإجتياح وِفقاً على الشيوعيين وحدهم ، بل شاركتهم فيه شعوب بكامِلها ، وارتعدت له فرائص البرجوازيين ووجَفتْ قلوبهم . ولكن! بعد الشروع في معارك الإستيلاء على السُلطة في بعض البلدان، إتّضح أنّ تحقيق الحُلم لم يكن بالسهولة التى تَـخَـيَّله بها الشيوعيون وقادتهم . وبدأ واضحاً أنّ قوى أوروبا العجوز لم تكن تنقصها الشجاعة، ولا الحَمـِيَّة والمكـر ، ولا العنفوان المُـسلّح ، وإنّ وصفَـها بأنّها قوى عجوز ، كان يحتوي على جُرعة زائدة من البلاغة الكلامية . عندما بدأت وقائع هزيمة الثورة في هنغاريا ، وتأجيلها في ألمــانيا، وإجهاضها في بلدانٍ أخرى، تفعلُ فعلها وتُشكِّل وعياً جديداً ؛ إضطرّ البلاشفة الى توقيع صُلح " برست ليتوفسك " ،و قبول اقتطاع مساحات هائلة من أراضيهم لصالح المعتدين الألمان . ومن شيوعية الحرب وطموح التنفيذ الفوري للبرنامج الشيوعي، تراجعوا الى السياسة الإقتصادية الجديدة التى يُمكن أن تؤدي الى بروز فئات برجوازية صغيرة جديدة في المستقبل ، تنافس البروليتاريا . وشيئاً فشيئاً ، حلّت الوقائع الصّارمة محلِّ الأحلام المُجـَـنَّـحة ! ..
أثناء حرب التدخل والحرب الأهلية، فَنِيَ آلاف الشيوعيين ، وهلكت أقسام كاملة من البروليتاريا الصناعية . وحلَّ محلَّهم فلآحون أمِّيون وأجلاف ، لا يستوعبون المشاريع النظرية ولا يؤمنون بها . وأمسكت بمقاليد السُلطة، بيروقراطية ضخمة من قُساة القلوب ، ظلّت الهُـوَّة بينها وبين الشعب تتَســع كل يوم .وقد أدّى ذلك الى نتائج ،ليس من أهدافنا حالياً الخوض في تفاصيلها، ولا تَـقَصـِّي أسبابها، تاركين ذلك لمناسبة ، ربما تحينُ قريبا ؛ مِن هذه النتائـــج :
*- تركّزت الثروات في يدِ الدولة فأصبحت مالكة لكلِّ شيئ ، ومتصرِّفة مُطلَقة الصلاحية في كلّ خيرات المجتمع . وكان مطلوباً منها ،مع ذلك، أن تشرع في الإضمحلال ! .. ووجدت البيروقراطية أن باستطاعتها أن تتصرّف بخيراتِ المجتمع ومصائر الناس بِحُريّة أوسع من تلك التى كانت لدى القياصرة ! فانفصلتْ عن الشعب، وامتصـَّت رحيق حياته ونكَّلتْ به .
*_ مِن خلال عمليات تصفية نشطة إستُخدمت فيها المؤتمرات الحقيقية والمفتعلة ، تمّ القضاءُ على جميع الأحزاب الأخرى ، وسُحـِق استقلال المنظمات الإجتماعية والأهلية، وصار الحزبُ حِزباً واحداً ، الرأيُّ رأياً واحداً ، والتصـوُّر للماضي والحاضر والمستقبل تصـوُّراً ضحلاً وبائساً ! يُمثـِّلُه ويُجَـسِّده حاكمٌ مُعتل العقل كان اسمه " جوزيف ستالين " ..
*- حَـلَّتْ سياسة الهيمنة والضمِّ والإلحاق وفَرض النماذج السياسية والإقتصادية ، بل النّهب الواضح الفظ !، في بعض الحالات، محلِّ السياسات القائمة على أخويـَّة الشعوب وحرِّيتها وحقـَّــها في تقرير المصير .
إنّ ذلك كلّه وغيره، لم يحدُث مرّة واحدة ، ولم يحدُث دون مقاومة ؛ فَعَلى المستوى الأعلى للقيادات الحِزبية، فقدَ الكثيرون أرواحهم دفاعاً عن المشروع الأصلي . وعلى مستوى الشَّعبْ ووسط جماهير الفلآحين بصفة خاصّة، ســالَتْ دماء الملايين الذين كانوا يدافعون عن اسلوب في الحياة ، كانوا يرَونَـه طبيعيّاً وعادلاً ، خاصّةً بعد تمليكهم الأرض بعد الثورة، ولم يعبأ أحد بإقناعهم أن هناك مـا هوَ أفضل منــه .
هذه اللمحات العابرة ، ليست محاولة لتفسير ما حدث في الإتحاد السوفييتي وغيره من البلدان الإشتراكية ، بل هي محاولة لتوضيح حقيقة ، في غاية البساطة، وهيَ أنّ أيِّ حزب يُمكن ان ينحدر من ذُرى البطولة الى سِـــفوح الإنحطاط ، ويمكن ان يتحوَّل قادته من مناضلين يقتحمــون السماء ، الى حِفنةٍ من القَــتَـلة الأشرار .
ولكنَّ الإنحطاط الذي أصاب الحزب البلشفي تحت قيادة " ستالين" لم يكن شاملاً لكل الحركة الإشتراكية والشيوعية . فأثناء الحرب الأسبانية، وطوال الحرب العالمية الثانية، إنقدحت شرارة البطولة من جديد ولعبَ الشيوعيون ، على طول أوروبا وعرضها، أدواراً في مقاومة الفاشية والنازية ، لايمكن أن تنساها الشعوب . ولعبَ الجيش الأحمر السوفييتى دوراً في دحرِ النازية لايمكن ان تنساه الإنسانية . وقد حقَّق معجزة سحق النازية رغم أنّ قائده المعتوه! كان يُلحِق به من الخسائر والأضرار ما عجـِزَ عنه " الفيرماخت" أي، هيئة قيادة الجيش النـّازي . وقد نشأت في حماية الجيش السوفييتي ، في شرق أوروبا ووسطها، دولٌ إشتراكية على منوال المثال السوفييتي ، والذي كان قد لحِقتـه تشويهات لا تغيبُ عن العين . ومن المؤكّد ، أنّ تلك التشويهات كانت واضحة وجليـّة لقادة البلدان الإشتراكية الجديدة ، ولكنّ إمكانية نقدها وفضحها ، دع عنكَ إمكانية الخروج عليها!، كانت مُغلَقة ، حيث كان " قانون البقاء " يتكفَّل بإخراس الألسـنة . ولا يُمكن لأحدٍ أن ينكر أنّ هذه النُّظُم قد حقَّقتْ إنجازات باهرة وكبيرة بكلِّ المقاييس ، في بُلدانٍ كان أغلبها يتّسمُ بالتخلف ،ولكنّهم كانو يحققون هذه الإنجازات والنَّيْرُ الروسيُّ الفادح يثقِلُ أك########م !. وكنتيجة ، لامفَـرَّ منها لعملية طويلة من التدجين والإخضاع والإرهاب والإفساد والتشويــه، عبرتْ هذه الأحزاب مرحلتها البطولية الى مرحلة الإنحطاط والإذعان والمناقضة . وهل نحتاجُ لأمثلةٍ على مـا نقول؟ .. إنّ القليل منها يكفينا : **- في أوائل نوفمبر 1989 عاد " إيريش هونيكر " من زيارة الى الإتحاد السوفيتي ، حاول فيها " غورباتشوف " أن يقنعه بإجراء إصلاحات على غِرار البيريسترويكا . وقد رفض هونيكر هذا الأمر بازدراء ! قائلاً : إنّ نظامه لا يحتاج الى إصلاح ! وعندما سُـئِل عن " سور برلين " قال: إنّه سيظلُّ قائماً خلال السنوات المائة القادمة !! ولكن ، بعد أقلّ من عشرة أيّام، أي في 9نوفمبر 1989 إنهــار سور برلين الذي كان أوّل سورٍ في التاريخ يُقام، ليس لحماية الشعب من الغزاة، كما كان يحدُث في الصين وإسبرطة مثلاً ، بل لمنع سُـكّان الجنَّة الإشتراكية الألمانية من الهروب الى سـعير الإستغلال الرأسمالي!! ولانظنُّ أنّ " ماركس" كان من الممكن ان يحتمل مثل هذه السـُّخرية القاسية .
**- وفي تشيكوسولوفاكيا ، سـَـيـَّرَ أبناء العُمّال والفلآحين والعُلماء ، مظاهراتٍ في 17نوفمبر يطالبون فيها بالإصلاحات الديمقراطية السياسية والأكاديمية . وقد حاولتْ الفتيات في المظاهرة أن يستَمِـلنَ رجال البوليس برشقهم بالأزهار ، ولكنّ القادة الشيوعيون ، الذين تحوَّلوا الى تروسٍ في ماكينة البيروقراطية المعزولة عن الشعب، أجابوهم بالرصاص الحي !.
**- في ديسمبر 1989 ألقى " نيكولاي شاوشيسكو " خطاباً استمرّ ستَّ ساعات في مؤتمر الحزب الشيوعي الروماني، وقُـوطِع بالتصفيق المتواصل، والوقوف أكثر من عشرِ مرّات وأُجِيــز بالإجماع ! فَمـَنْ يجــرؤ ان يقول أنّه لا يرى الشمس في رائعة النّهار !؟. وانتُخِبَ شاوشيسكو رئيساً مدى الحياة ، وأبدى القادة السوفييت ، وعلى رأسهم غورباتشوف، إعجابهم بالشديد بالخطاب وبصاحب الخطاب، وأرسلوا له رسالة مطَـوَّلة بذلك، كانوا قبـلها بعامين، قد أنعموا عليه بِوسام " لينين " للسلام . وقد كان الشعب الروماني يشهدُ المهزلة بغضبٍ يُحرّق الأجفان ويُفَـجِّرُ البابي ؛ فقد تحوَّل قادة الحزب الشيوعي في نظرهم الى طُفيليّات جديرة بالسـحق . وعندما انفجرت المظاهرات إحتجاجاً على نفي راهب كاثوليكي، إندفعتْ السيكيوريتات، وبأوامر الطاغية ، تحصدُ جماهير الشعب بالمئات ، ولكن السيكيوريتات، وبكلِّ قوّتها وجبروتها، لم تستطع ان تحمي الطَّـاغية ! وعشيـّة أعياد الميلاد، أُعدِمَ تشاوشيسكو وزوجته ، ولم تُذرَف عليهما دمعةٌ واحدة ..
وفي هـنغــاريا وبُـلغاريا وألمــانيا، كان الشيوعيُّون من الحِكمة بحيث استطاعوا ان ينضمـُّوا بسهولة نسبية الى الشعب، ويشتركوا معه في هدم البناء الذي أقاموه طِوال سنوات حُكمِــهم . وقبل ذلك ، في بولندا، وقفتْ الطبقة العاملة كلّها ضد السُلطة وضد الحزب ونظّمت نفسها في نقابة " تضامن " ؛ ومع ذلك لم يرَ الحزبُ أنّه كفَّ عن أن يكون حزباً للطبقة العاملة! واستعان قادته بالجيش، الذي يبدو أنّه تقمَّــصته روحٌ هيجليـّة حوَّلته الى نقيضٍ ! فصارَ هو الطبقة العاملة ، بينما أصبحتْ الطبقة العاملة نقيضاً لِذاتِــها ! . وقد كان بعض الشيوعيّون يصرخ ويقول: لن نتنازل عن شبرٍ واحد من رِقعة الإشتراكية حتى ولو كان ذلك التنازل من أجل الطبقة العاملة نفســها !! . ولم يكن استخدام الجيش ضد الطبقة العاملة وقفاً على بول |
| | |
| |