|
مضوا خلسة وما تركوا خبر !
|
مضوا خلسة وما تركوا خبر ! د.على حمد إبراهيم/واشنطن [email protected] حملت الانباء الحزينة من السودان رحيل الشاعر مصطفى سند وقبله رحيل الشاعر محى الدين فارس ، ويستمر تفلت النجيمات من بين انامل قبيلة الابداع ، تلك النجيمات التى اضاءات ذات يوم سماواتها ونشرت فى الفضاء الحزين أغنية الأمل الباقى ، و بعثرت فى الكون اضاءات الخلود . . . مضى ابو آمنة حامد خلسة وفى صمت ، وهو حطاب الكلام الرزين ، ينجره من اساسه المتين ، مضى ولم يودع احبابه كعادته ، ولم يودعنى ، وقد كنت من اصدقائه الذين لا يفوته الحديث اليهم كلما جاء الى الوزارة التى اكرمها بحبه لها ، ولم تكرمه. أذكر ذلك اليوم الذى جاء يحادثنى ، فوجدنى مشغولا اتحدث فى التلفون فى أمر رسمى عاجل ، وانشغلت عنه غصبا عنى ، قال محتجا باسلوبه وسط ابتسامة من ابتساماته العريضة المريحة قال : اخليك للتلفون ، فانت والحاردلو ناس ملتصقين بهذا الجهاز التصاقا عضويا ، وصفق الباب خلفه وهو يطخنى بابتسامته العريضة ، ذلك الشخص الذى لا يستطيع الا أن يتبسم فى وجهك.. . ومضى محى الدين فارس ، وتركنا واظافرنا ما زالت فى الطين ، وما ظننتها تنظف من الطين وقد مضى الذى تشابى للوجود لكى ينظفها من طينها اللزج. . . ومضى مصطفى سند الشاعر الذى ذرع فى الفضاء ازاهير الفرح وهو يغنى من قلب الجنوب الحبيب ذلك الشعر المستحيل . . . قلت له ذات يوم أنت تكتب الشعر بلغة عميقة ، وصعبة ولكنها احلى من طعم العسل : قال لى حسنا، سوف اكتب لك شعرا سهلا فى قادم الايام. ولم التقه بعدها ليسمعنى شعرا سهلا ، فقد رمتنا بنا الاقدار بعيدا عن بعضنا البعض حتى فارقنا الى الابد. كان الشاعر الملهم مبارك المغربى يستمع الى حوارى معه متبسما كعادته ، وافترقنا ثلاثتنا. بعد سنوات عدت من يوغندا حزينا ، وجئت الى دار مبارك المغربى لاعزى نفسى فيه ، ولم اعثر على مصطفى سند ، ولم التقه كل ذلك الزمن الطويل . . . . ومضى اسماعيل حسن الشاعر المرصوف بلبنة الابداع متعدد الاشكال ، قال لى ذات يوم ونحن فى الطريق الى منزل عثمان اليمنى فى جبرة لحضور مناسبة عائليه فى منزل اليمنى ، قال لى انه اصبح يجد نفسه كثيرا فى الشعر الشعبى، وانشدنى قصيدته المرهفة فى والدته حد الزين : قلت له انت تجد نفسك فى جميع الاماكن والاجواء لا فرق . رأيته منفعلا كما لم اره من قبل فى جلسة اتحاد الادباء التى ناقشنا فيها ارسال مذكرة لجعفر نميرى نحتج فيها على اعتقال محجوب شريف ، ذلك الطود العالى . كان لى شرف تثنية اقتراح الشاعر الملهم عزيز التوم باجلاس اميرة الجزولى زوجة محجوب فى مكانه الشاغر فى ذلك الاجتماع ، وعندما نبه بعض الحضور بأن تصرفا من ذلك النوع قد يفسد علينا قضيتنا مع ( الرئيس الفرد ) اذ سوف يعتبره استفزازا ، ويرفض اطلاق سراح البلبل الغريد ، عندما قيل ذلك الكلام ، ضرب عزيز التوم على المنضدة بقبضة يده وقال انه متنازل من مقعده لاميرة ، قلت له نحن فى غنى عن مقعدك ياشاعر ، اننا نريد مقعد محجوب لاميرة ، نريد ان نزيد عدد الكراسى المحجوزة للمبدعين لا أن ننقصها بأخذ مقعدك ، وضحكنا. كنا قادرين على الضحك حتى فى ذلك الزمن المكلوم . . . ومضى استاذى وصديقى الاكبر عبد الله الشيخ البشير الشاعر البديع ، ومضى صديقى ابن البان كاتب العاتكات ، الانسان المرهف العذب الحديث ، ومضى شيخ المبدعين الشباب فى خورطقت ، زميل دراستى عبد الرحيم ابوذكرى ، الذى كتب لنا ( خورطقت الكبرى) ذلك النشيد الذى كان يهتك وجداننا عندما يغنيه الطيب فضل المولى ، ذلك الطالب المبدع الممتلئ صحة وعافية وابداعا . كنت اقول عنه خلسة انه انسان ناصح ، وهو تعبير خليجى يعبر عن البدانة ، ولكن روحه كانت اخف من النسيم السيار . ومضى الشاعر الاديب، الكاتب والسفير عبد الهادى صديق ، الذى كان يلملم ويخمخم الاصدقاء من كل حدب وصوب ، حتى لا تكاد تعرف ان كنت فى حضرة شاعر او سفير او كاتب او لاعب كرة قدم ، فانت تجد كل هذا الرعيل متكوم فى داره وفى مكتبه. ومضى محمد عبد الحى . كنا فى جامعة الخرطوم نراه فى ذلك الركن القصى يعيش قصة حب تحتوى الأفق ولا يحتويها الافق ، ومضى على المك ، شاعر مدينة التراب ، والحمد لله انه لم يشهد جراحات اهل مدينة التراب فى زماننا البئيس هذا. ومضى شاعر امدرمان عبد الله محمد زين ، ولم يشهد امدرمان ، حبيبته التى دفق لها وجدانه فى الطريق العام ، لم يشهدها وهى مطعونة فى خاصرتها ، اذن لرثا نفسه قبل ان يرثى حاضرة المهدى الامام.
مضى شهداء الابداع هؤلاء كلهم جميعا ، وبقى فى مكانهم حزننا المقيم ، وبقينا نحن من بعدهم ، لا ندرى ماذا يفعل بنا غدا . فزماننا يتجهمنا ، والمخاطر تاخذ بخناقنا ، والبلدة التى كانت فضاء للحب الشاسع انقلب عليها زمانها ، واصبحت حكارات قبلية ، ودوائر اثنية. وتحولت الى ذريبة للشيوع العام ،و للشيوع الاقليمى والدولى. وكثر اهلها وطالبوها ، ولم تعد تملك امرها الا كما يملك المنبت امره ، وهو من شيمه لا ارضا يقطع ، ولا ظهرا يبقى ، يمد يديه الى الماء لكى يبلغ منه فاها ، فلا يجد ماء يروى ظمأه ، ولا املا يتعشمه ، فيعود يلهو بالغناء الحزين:
مددت صبرى فضاع زمانى وقبضت الريح
العزاء لنفسى ولقبيلة الابداع التى طشت ودشت فى كل الاصقاع ، تغالب حنين العودة، ولا تستطيع أن تعود ، وتغالب جراحها ، فلا تبرأ منهالجراح. تتيه فى الدياسبورا كما تاه يهود موسى.
العزاء فى مصطفى سند وفى محى الدين فارس ، وفى ابو آمنة حامد ، كآخر الراحلين وحفظ الله من تبقى من العقد النضيد ، حفظهم من المرض والفاقة والاهمال والنسيان وهم احياء قبل النسيان فى القبر . ليتنى التقى تلك الشابة الجيبوتية التى تقدمت منى فى فندق الشيراتون فى العاصمة الجيبوتية ذات يوم عندما عرفت ان ذلك الشخص هو سفير السودان وخاطبتنى بلغة هجين : سعادة السفير اريد شريط اغنية سال من شعرها الذهب ، كلش حلو! وضحك زملائى السفراء استغرابا من الطلب ، لانهم لا يعرفون أن الفن والثقافة الفنية السودانية تحتل اقليم شرق افريقيا وتستعمره بالكامل ، ذلك الاستعمار المحبب ، استعمار كلش حلو ، كما قالت الشابة الجيبوتية التى دلت ملامحها على خلطة عفرية عيساوية تزينها ثقافة فرنسية
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: مضوا خلسة وما تركوا خبر ! (Re: ابوهريرة زين العابدين)
|
ابوهريره سلام
Quote: العزاء فى مصطفى سند وفى محى الدين فارس ، وفى ابو آمنة حامد ، كآخر الراحلين وحفظ الله من تبقى من العقد النضيد ، حفظهم من المرض والفاقة والاهمال والنسيان وهم احياء قبل النسيان فى القبر |
موت شاعر موت امه وتكريم المبدعين حافز للابداع
بوح خاص انت جيت من القاهره صباح السبت؟
| |
|
|
|
|
|
|
|