دعنا نوقف هذه الحرب اللعينة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 05:33 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-21-2008, 01:55 AM

ABUKHALID
<aABUKHALID
تاريخ التسجيل: 07-07-2002
مجموع المشاركات: 1386

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
دعنا نوقف هذه الحرب اللعينة

    Quote: العام 1955 اندلعت الحرب الاهلية
    كيف أثرت الحرب الأهلية في السودان على هذا البلد؟ وكيف تسببت في احتلاله مكانة متقدمة بين الدول الأكثر فقرا والأشد تخلفا* وهو يملك ثروة طبيعية هائلة؟ هذا التقرير يحاول استعراض الخسائر البشرية الناجمة عن هذه الحرب وتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية.
    الخسائر البشرية والآثارالاجتماعية
    الآثار الاقتصادية
    التعليم والصحة
    الخسائر البشرية والأثار الاجتماعية

    من نتائج الحرب الأهلية في جنوب السودان:
    - مليونا قتيل.
    - أربعة ملايين نازح.
    - 420 ألف لاجئ في البلدان المجاورة.

    حصدت الحرب الأهلية في جنوب السودان (1955-1972 و1983-2003) ما يزيد عن مليوني قتيل، وأعدادا أخرى لا تحصى من الجرحى والمعوقين، وكان نصيب الهجرات الداخلية الناجمة عنها ضعف أعداد القتلى، فقد تشرد أربعة ملايين سوداني وأصبحوا لاجئين داخل وطنهم. أما من ضاقت بهم سبل العيش بين ربوع الوطن وقرروا النزوح إلى البلدان المجاورة -وهم يعيشون ظروفا غير إنسانية- فقد بلغ عددهم 420 ألف لاجئ*.
    هذا العدد الكبير من القتلى والجرحى والمهجرين خلق ثارات وعداوات كثيرة، وتسبب في مشكلات اقتصادية، واجتماعية سلبية لم يعهدها المجتمع السوداني بهذه الكثرة من قبل، منها تزايد الأنشطة الخارجة عن القانون مثل اختطاف الماشية وتهريب العاج والذهب والأحجار شبه الكريمة واختزان السلع للربح منها وانتشار تجارة الأسلحة بين المليشيات القبلية.
    الآثار الاقتصادية
    تكبد الحرب الاقتصاد السوداني المرهق مليوني دولار يوميا في ظل بيئة طاردة للاستثمار الوطني والأجنبي وظروف أمنية غير مواتية للتنمية، الأمر الذي أوجد اختلالات جوهرية شلت الحياة الاقتصادية وكان من مظاهرها:
    • انخفاض حجم الناتج القومي.
    • تزايد نسب التضخم.
    • ارتفاع معدلات البطالة.
    • سوء الخدمات العامة والمرافق.
    يتجلى كل ذلك بوضوح عندما نلقي نظرة سريعة على حجم الناتج القومي ومتوسط دخل الفرد وانعكاس ذلك على الأوضاع الصحية والتعليمية.
    فحجم الناتج القومي -رغم ثروات السودان الطبيعية الضخمة- لا يتجاوز 52 مليار دولار (عام 2001) في حين بلغ في دولة مثل كوريا الجنوبية التي كان يصنفها صندوق النقد الدولي في الستينيات هي والسودان "كحالتين ميئوس منهما" 472 مليار دولار. وتسبب ضعف الناتج القومي هذا في انخفاض متوسط دخل الفرد فلم يتجاوز 400 دولار سنويا، في حين وصل في كوريا الجنوبية -التي اتخذناها نموذجا للمقارنة بالسودان لانطلاق عجلة التنمية فيهما معا- إلى 9840 دولارا.
    وبالنسبة للبطالة فقد بلغت 18.7% وفقا لتقديرات عام 2002. هذه النسبة الكبيرة تترجم عمليا إلى مشاكل اجتماعية خاصة إذا علمنا أن 40% من سكان السودان هم دون الثامنة عشرة، مما يعني أن قطاع الشباب في الفترة الحالية وفي المستقبل المنظور -إذا لم تطرأ على سوق العمل تغيرات جذرية- سيظل يعاني من البطالة لسنوات قادمة.
    يضاف إلى كل ذلك الاستغلال الجانح للثروة الخشبية لا سيما في المناطق الجنوبية التي تشهد بصورة عشوائية عمليات قطع لأشجار الغابات بطريقة لا تعرف للمحافظة على التوازن البيئي حدودا في بلد يعتمد 75% من سكانه على الطاقة التقليدية (الخشب والفحم).
    التعليم والصحة
    يعيق ارتفاع نسبة الأمية مشاريع التنمية، فوفقا لتقديرات عام 2003 فإن 61.1% من مجموع الشعب السوداني لا يعرفون القراءة والكتابة.
    قد تكون مشكلة الأمية في السودان مشابهة للأمية المنتشرة في معظم الدول العربية، ولكن ارتباط أمية 61% من السودانيين بمشكلة الجنوب هو ما جعلها أثرا من آثار هذه الحرب، وفهم الأسباب الكامنة وراء هذا العدد من الأميين غير عسير.
    فعلى سبيل المثال ما أنفق على التعليم في السودان خلال الفترة من 1995–1997 كنسبة مئوية من الناتج القومي لا يتعدى 1.4%، في حين بلغت هذه النسبة على التوالي في بلد كساحل العاج 5% وكينيا 6% وسيشل 10%. في الوقت نفسه بلغ حجم الإنفاق العسكري المعلن في السودان 3.6% من الناتج العام أي قرابة ثلاثة أضعاف ما أنفق على التعليم.


    طفل سوداني فقد أمه في الحرب الأهلية بجنوب السودان
    أما عن تأثير الحرب على الرعاية الصحية فتعتبر معدلات وفيات الأطفال دون الخامسة في السودان من أعلى المعدلات في أفريقيا والعالم العربي إذ بلغت 116 طفلا في الألف، في حين تنخفض هذه النسبة على سبيل المثال في دولة كالأردن -الذي لا يملك من الموارد الطبيعية ما يملكه السودان- إلى خمسة في الألف فقط، وذلك له أسباب متعددة منها:
    • أمراض سوء التغذية.
    • ضعف الوعي الصحي.
    • ندرة الخدمات الوقائية والعلاجية.
    • تعرض أطفال الجنوب على وجه التحديد للأوبئة القاتلة مثل الحصبة وشلل الأطفال والسل والدفتيريا والسعال الديكي والتيتانوس.
    أمر تردي الأوضاع الصحية في السودان لا يقتصر فقط على الجنوب، فالمياه الصالحة للشرب لا تتوفر إلا لـ25% فقط من السكان، ومعنى ذلك أن 75% من السودانيين يستهلكون مياها غير صالحة للشرب، الأمر الذي له تداعيات صحية خطيرة.
    والخدمات والمرافق العامة في السودان تعيش هي أيضا من جراء الحرب معاناة مستمرة تتفاقم حدتها كلما زادت معدلات الهجرة من الريف إلى المدينة. فقد بلغ عدد أهل الحضر من مجموع السكان في السودان 18.9% عام 1975 ثم ارتفع إلى 36.1% عام 2000، ومن المقدر أن يصل إلى 48.7% عام 2015. وهذا يدل على أن الريف يمثل باستمرار عامل طرد لسكانه، الأمر الذي يؤثر على تراجع عدد الأيدي الزراعية العاملة وما ينجم عن ذلك من آثار سلبية على الزراعة.
    وأخيرا يجمل تقرير التنمية الإنسانية في الوطن العربي الصادر عن الأمم المتحدة في يونيو/ حزيران 2003 تفاصيل المشهد في جنوب السودان بقوله إن التخلف الذي يعانيه هذا الإقليم مرجعه إلى:
    • انتهاكات حقوق الإنسان.
    • عدم تمكين المرأة اقتصاديا مما أفقد قطاعا كاملا من المجتمع القدرة على الإسهام في التطوير.
    • اختلال البناء المؤسسي.
    • ندرة المعارف التقنية الحديثة والعجز عن إجادة استغلال القليل المتوفر منها.
    • نقص "إنسان الحكم" الصالح.
    ففي مجال حقوق الإنسان وضع التقرير سلما معياريا من سبع درجات لاحترام الحريات العامة بما فيها حرية التعبير والحقوق السياسية، وكان نصيب السودان في الترتيب الأخير.
    وعن سيادة القانون حدد التقرير رقما أعلى هو (2.5)، وحدا أدنى هو (-2.5) وكان حظ السودان (-1.4).
    وخلاصة القول بعد كل هذه الأرقام والإحصائيات أنه إذا كان بركان الحرب الأهلية قد تفجر في جنوب السودان عام 1955 وأصابت حممه البشر والحجر واكتوى بناره الماضي والحاضر، فإن نجاة المستقبل قد تكون هي الرهان الرابح إذا أتم الإخوة الأعداء سلامهم الوشيك.
    ______________
    قسم البحوث والدراسات- الجزيرة نت
    هوامش:
    * يحتل السودان المرتبة الـ139 في قائمة تضم 173 دولة في مؤشر التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة عام 2002.
    * من المفارقات أن السودان رغم فقره وهجرة العدد السابق ذكره يأوي على أراضيه 360 ألف لاجئ من الدول المجاورة له.

    المصادر:
    1- السودان: أهوال الحرب وطموحات السلام، د. منصور خالد، دار تراث، القاهرة 2003.
    2- الصراعات العرقية واستقرار العالم المعاصر، دراسة في الأقليات والجماعات والحركات العرقية، د. أحمد وهبان، دار الجامعة الجديدة للنشر، ط3، نوفمبر/ تشرين الثاني 2000، ص164-189.
    3- الحروب الأهلية في أفريقيا، أحمد إبراهيم محمود، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية، الأهرام، القاهرة، 2001، ص222-227.

                  

05-21-2008, 02:40 AM

ABUKHALID
<aABUKHALID
تاريخ التسجيل: 07-07-2002
مجموع المشاركات: 1386

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دعنا نوقف هذه الحرب اللعينة (Re: ABUKHALID)

    Quote: مجلة الأنثروبولوجيا العدد الأول/ أغسطس 2001





    رؤية أنثروبولوجية لأزمة السودان الماثلة - 2



    حرب الجنوب الأولى 1955 – 1972

    انطلاقاً من التحليل أعلاه لطبيعة السجال السياسي-الأيديولوجي يبدو لنا أن حرب الجنوب الأولى التي اندلعت في عشية الاستقلال جسدت نتاجاً لهيمنة دعاة التيار التفكيكى على التشكيلات الحكومية بعد الاستقلال، فلفهم الأسباب الحقيقية الكامنة وراء اندلاع تلك الحرب لا يكفي فقط أن نختبئ ونتدثر كالناظر إلى عيوب نفسه في سواه متمسكين بأن سياسة فرق تسد التي اتبعها الاستعماريون البريطانيون كانت السبب المباشر في اندلاع الحرب. فقد جاء في تقرير لجنة التحقيق في أحداث التمرد في 1955 "لأسباب سياسية ومالية وجغرافية واقتصادية تمكن شمال السودان من التطور بسرعة في كل المجالات: الحكم المحلى، وأنظمة الري، والصحة، والتعليم العالي، والتنمية الصناعية. بينما تخلف الجنوب في كل المجالات المشابهة. هذا التفاوت البارز بين مجموعتين مختلفتين تعيشان في بلد واحد يخلق، دون شك، شعوراً وسط المجموعة المتخلفة، سواء كان ذلك حقيقياً أم متوهماً بأنهم قد خدعوا واستغلوا واخضعوا بالقوة"[فرانسيس دينج]. والأهم أن اللجنة أشارت في تقريرها إلى حقيقة هامة للغاية "لقد وجدنا أدلة كافية تؤكد أن المشكلة الحقيقية في الجنوب مشكلة سياسية وليست دينية، فالمسيحيون والمسلمون الجنوبيون شاركوا جميعهم في الأحداث، وبعض الذين قادوا الدعاية المضادة للشمال كانوا من المسلمين الجنوبيين".



    ويبدو لنا أنه لا بدَّ من إلقاء نظرة على دور النخبة المتعلمة السودانية في الشمال والجنوب التي قادت الحركة السياسية المناهضة للاستعمار وفعلَّتها في حركة شعبية عارمة أوصلت البلاد إلى إعلان الاستقلال في الأول من يناير 1956 قد يدهشكم أن تكون بدايتنا لمناقشة حرب الجنوب الأولى مقتطفات من بحث كتبته باحثة يابانية هي يوشيكو كوريتا بعنوان "على عبد اللطيف وثورة 1924: بحث في مصادر الثورة السودانية" جاء فيه "كان مدهشاً بعض الشئ ألا تجذب مسألة هؤلاء الزنوج المنبتين قبلياً (الإشارة إلى على عبد اللطيف وبعض رفاقه) الاهتمام الكافي في مجال الدراسات السودانية، ذلك لأن دراسة هؤلاء الناس، الذين اجتثوا من مجتمعهم الأصلي المحلى ووجدوا أنفسهم يشقون طريقهم في المدن الشمالية، قد تكشف لنا في المقام الأول جانباً أكثر إثارة من التغيرات التي طالت المجتمع السوداني بسبب التحديث، ومن ناحية أخرى تبدو دراسة هؤلاء السود أمراً لاغني عنه لفهم الوطنية أو الهُويَّة السودانية"[السر مكي].



    والحق يقال أن كوريتا قد لامست الحقيقة بقولها أن مسألة الزنوج المنبتين قبلياً قد تم تجاهلها في دراسة تاريخ السودان الحديث أو إن شئنا المعاصر. علينا أن نعى الدور الذى قامت به الإدارة الاستعمارية في تهميش موقع الزنوج المنبتين بحيث أنهم لم يعودوا فاعلين بعد الأربعينات. اعتقادنا أن سياسة الجنوب هدفت إلى بلورة التهميش بحيث أن هذا التهميش أصبح مؤشراً على اكتمال الانقسام إلى شمال/جنوب، بالتالي إلى انفجار الأزمة بعد تجهيز الأرضية في عشية الاستقلال، وهى أزمة طفت إلى السطح بحسبانها تجسيداً لما أصبح يمثل مشكلة الهُويَّة السودانية.



    كانت انتفاضة 1924 المسلحة تجسيداً حياً للدعوة إلى وحدة قومية تستوعب كل السودانيين على تعددهم وتنوعهم، ما كان على عبد اللطيف يطرح نفسه دينكاوياً بل سودانياً فحسب، حاله في ذلك حال المنحدرين من أصول محلية صرفة، والذين كانوا يعيشون بعد أن انبتوا عن قبائلهم ومناطقهم الأصلية، في مدن الشمال. وبفعل عملية التثاقف ذاب العنصر الجهوي القبلي وانخرط عدد من المنبتين من أمثال على عبد اللطيف، وعبدالفضيل الماظ، وزين العابدين عبد التام على المستوى الاجتماعي والسياسي في منظمات ضمت قوى الموظفين والضباط الحديثة.



    المتتبع لمجريات سياسة الإدارة الاستعمارية لا تغيب عنه حقيقة أن تلك السياسة في الفترة 1920-1930 اتسمت بقوة تفكيكية واضحة بين شطري البلاد بإذكاء روح القبلية في الشطرين معاً، وتم في تلك الفترة تأجيج المشاعر الدينية والقبلية بصورة مكثفة مما مهد الأرضية لتأطير الحركة السياسية في البلاد اجتماعياً واقتصادياً في أطر الطائفية باستغلال ذات المنهجية التي اقترحها لوغارد والخاصة بالاعتراف لا بالشرعية الأفريقية بل بإرادة الموظفين البريطانيين في ترك الأمور الصغيرة إلى القيادات المحلية التقليدية بحيث تصبح هذه القيادات قادرة على احتواء الحركة المعادية للاستعمار. لا نقول ذلك لمجرد التحليل النظري إذ أن البينة التاريخية تشير إلى أن القيادات الطائفية قامت بتقديم مذكرة إلى الإدارة الاستعمارية سجلت فيها إدانتها للانتفاضة المسلحة.



    جاء رد فعل النخبة المتعلمة بعد ضرب الانتفاضة متمثلاً في تقوقع النخبة الشمالية في جمعياتها الأدبية، وفي انتقال المنبتين إلى قبائلهم ومناطقهم والدعوة إلى تنظيم أهلهم على أسس اثنية. وانقسمت النخبة الشمالية المتعلمة إلى جمعيات أدبية كانت مدرسة أبروف ومدرسة الموردة من أهمها. كان الابروفيون رغم ادعاءهم الانتماء إلى الفكر الفابى الداعي إلى الليبرالية والاشتراكية قد سقطوا في براثن النزعة العروبية الإسلامية مبتعدين عن قضية التعدد الاثني الثقافي كما تم التعبير عن ذلك في أعمال أبرز رجالاتها حسن وحسين أحمد الكد، وخضر حمد. أما مدرسة الموردة (الهاشماب لاحقاً) فقد خاض بعض مفكريها من أمثال الأخوين محمد وعبدالله عشرى الصديق صراعاً فكرياً ضد محمد أحمد محجوب، ومحمد عبد الحليم، وأحمد يوسف هاشم الذين أصروا على التمسك بالنزعة العروبية الإسلامية الالغائية. هكذا وبحلول عشية الاستقلال كانت النخبة المتعلمة الشمالية والطائفية الدينية قد ساعدت في تشكيل وجدان وعقل شمالي رافض الاعتراف بالمجموعات الاثنية والثقافية الأخرى وناعتاً إياها بالهمجية والوثنية وما إلى ذلك، هكذا تم إحلال ذهنية متعالية وسطونيلية بدلاً عن الذهنية الاستعمارية الغربية البريطانية.



    كانت القوى الطائفية والنخبة الشمالية المتعلمة قد وافقت في خجل على مقررات مؤتمر جوبا في عام 1947 رغم أن الصادق المهدي حاول مؤخراً تبرير التنصل عن تلك المقررات بقوله "تجسد التعبير الأقوى عن هذه السياسة (يقصد الحكم الذاتي للجنوب) في مؤتمر جوبا المنعقد في يونيو 1947 إذ شارك فيه بجانب موظفي حكومة السودان البريطانيين والموظفين الشماليين موظفون جنوبيون وعدد من زعماء القبائل الجنوبيين بالإضافة إلى زعيم قبلي شمالي واحد. انتهى المؤتمر بأن قرر في أمرين هما أن الشمال والجنوب يكونان دولة واحدة، وأن الجمعية التشريعية المقترحة يجب أن تمثل كل السودان. بنظرة سريعة إلى محاضر جلسات المؤتمر يتضح أن هناك تحفظات أساسية أبداها ممثلو الجنوب، لكنها لم تجد من الممثلين البريطانيين آذاناً صاغية لأن قرارات المؤتمر كانت قد أعدت سلفاً. هذه التحفظات يمكن إيجازها في الآتي: أولاً أن الجنوب لا يمكن أن يقرر بشأن مسألة الدولة الواحدة، وثانياً أن الجنوب لم يتهيأ بعد للمشاركة في الجمعية التشريعية كما هو الحال في الشمال. وقد أعطى السيد محمد صالح الشنقيطى– أعلى الحضور من الشماليين– عدة ضمانات وإبانات، ولكن مع حسن نواياها، فلا يمكن عدها ممثلة للشمال ولا ملزمة له".



    هذا التنصل الذى يؤكد عليه الصادق المهدي هو تبرير لمواقف محددة تمسك بها الصادق غض النظر عن التقلبات والمتغيرات ولا يجوز إخفاء حقيقة كونه أصبح تمسكاً أدى إلى تصاعد أزمة السودان الماثلة. الواقع التاريخى يشير إلى أنه وقبيل الاستقلال وافقت القوى الشمالية على مطلب الفيدرالية أو الحكم الذاتي للجنوب وهو المطلب الذى تقدمت به القوى السياسية المنظمة في الجنوب من النخبة المتعلمة والسلاطين، بيد أن القوى السياسية التفكيكية الشمالية، مهما حاول الصادق أن يبرر موقفها، بدأت فوراً بالتنصل من الاتفاق الذى أبرمته ومهرته بتوقيعها مما دفع بالقوى التوحيدية الشمالية إلى التنبيه للمخاطر التي يمكن أن تنجم عن مثل هذا التنصل. هكذا طالعتنا جريدة الصراحة في صباح 28 سبتمبر 1954 ببيان صادر عن فصيل من فصائل التيار التوحيدي هو الجبهة المعادية للاستعمار (سلف الحزب الشيوعي السوداني الحالي) أشارت فيه إلى اعتراضها على بوادر التنصل مؤكدة على أنه إن لم يتم تقبل المقترحات الخاصة بالحكم الذاتي للجنوب ويتم تنفيذها فان وحدة السودان ستكون في خطر. ورأت الجبهة أن مشكلة الجنوب تحمل أكثر من وجه، وأن هذه المشكلة هي وجه واحد لمشاكل إقليمية عديدة تواجه السودان، مقترحة بأن تحل كل المشاكل بالمستوى نفسه. ووصفت الجبهة في بيانها السودان بأنه دولة ذات قوميات متعددة مشيرة إلى أن الحكم الذاتي الإقليمي هو الحل المناسب الوحيد، وأن هذا النوع من الحكم الذاتي يجب ألا يضعف السودان الموحد، وطالبت في البيان نفسه بسد الفجوة التنموية بين شطري البلاد ودعت إلى تضييق الهوة التعليمة بين الشطرين وإلى مساواة الأجور.



    رغم المخاطر التي ألمح إليها بيان الجبهة المعادية للاستعمار فقد أصر دعاة النزعة التفكيكية على موقفهم وتمادوا في تصعيد سياستهم التفكيكية الخرقاء. إن النخبة المتعلمة الشمالية من التفكيكيين، غارقة في رؤاها الأنثروبولوجية التطبيقية الوظيفية متماهية بها، أبصرت فقط وفقط حقها في أن تتبنى العروبة والإسلام مغمضة عينيها عن ضرورة أن يتنامى ذلك في جو من الحراك الثقافي السلمي بعيداً عن القسر المتسربل برداء الأغلبية والهادف إلى تصفية البنيات الاثنية الأخرى بوصفها أقليات. فشل دعاة التفكيك في الشمال رؤية حقيقة أن رفض الانتماء إلى ثقافات دونية وهمجية، وهو رفض تم التعبير عنه عبر عملية إزالة الاستعمار الجارية حينها، قد قاد النخبة الجنوبية المتعلمة إلى المطالبة بأمرين رئيسين يبدوان متناقضين إذا ما نظرنا إليهما بشكل مجرد، لكنهما متكاملان بالفعل من حيث دلالتهما. إن رفضهم للثقافات السلبية بمواجهة الممارسات والنظرة الغربية قد قادهم إلى رفض الإدارة غير المباشرة الاستعمارية بوصفها شكل خطاب غربي يحمل على الاغتراب، أو بوصفها تعبيراً عن نمط علاقة غربي بشعوب مستعمَرة تنتمي إلى الماضي، هكذا فان النخبة الجنوبية رأت في تنصل الشماليين عن الحكم الذاتي للجنوب المتفق عليه شكلاً من أشكال العودة إلى سياسة الإدارة غير المباشرة، شكلاً من الخطاب هذه المرة عروبي إسلامي يحمل على الاغتراب وكتعبير عن علاقة تبعية مفروضة عليهم من قبل الشماليين، ومن ثم رفضوا مبدأ إحلال سيادة ثقافية عربية إسلامية محل سيادة ثقافية غربية استعمارية، وهو أمر تطلبته عملية إزالة الاستعمار.



    لم تحاول النخبة المتعلمة الطائفية الاقتراب من جوهر القضية الوطنية الأساسية، قضية التعدد الاثني والثقافي واقتسام السلطة والثروة. في هذا الصدد كتب جوزيف قرنق، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني، في كتابه "أزمة المثقف الجنوبي" ما معناه أن مجموعة من المثقفين الجنوبيين ظهرت عام 1953 من أمثال بولين الير، وايزاك داى، وسانتينو دينق، وتون اتيربار، وفونسينتو بازيان، وسيرسيو ايرو، ورود تيتو اونززى كانوا يشاطرون القوى الشمالية العداء للاستعمار البريطاني ولذلك تحالفوا مع القوى المعادية للاستعمار في الشمال. ولكن حكومة الشمال الوطنية الأولى التي تحالفت معها تلك المجموعة لم تعالج القضايا الأساسية التي طرحتها المجموعة: التنمية الاقتصادية، ومبدأ الأجر المتساوي، وإلغاء ضريبة الدقنية، ورفع المستوى المعيشي للمواطن الجنوبي، والمشاركة في أجهزة الدولة. وكان ذلك محبطاً بالنسبة لتلك المجموعة وصب لمصلحة دعاة تيار نزعة المركزة الأفريقانية الداعين إلى فصل الجنوب.



    اندلعت الحرب عندما تأكدت شملنة الخدمة المدنيَّة في الجنوب وكان ذلك بتمرد حامية الجيش في توريت في عام 1955 قبل أربعة أشهر من الاستقلال، وكان هذا التمرد إعلاناً ببداية حركة أنيانيا(1) وحرب الجنوب الأولى التي دامت سبعة عشر عاماً، وبلغت ذروتها الأيديولوجية خلال حكم الحكومة العسكرية إبان عهد إبراهيم عبود 1958-1964 حين تصاعدت العمليات العسكرية في أبشع صورها وأعلن عبود رفضه الكامل للفدرالية مصمماً على الوحدة في إطار نظام حكم مركزي، واتجه إلى نشر الإسلام واللغة العربية بقوة السلاح، وأصدر قانوناً في عام 1962 يمنع التبشير المسيحي، كما أخذ في تقليل عدد الجنوبيين المجندين بالجيش.



    هكذا تمت العودة الكاملة للسياسة الاستعمارية السابقة المعتمدة مبدأ التبشير الحامل للمدنية مع اختلاف أن الأولى كانت مسيحية في حين أن الأخيرة إسلامية. لم تدرك الحكومة العسكرية قصور سياستها وظلت أبعد ما يكون عن ما أشار إليه جيرولت من استحالة فرض التماثل. تقول مرجعية الحكومة العسكرية أن الاستعمار دق إسفيناً في العلاقات بين الشمال والجنوب بتكريسه الجنوب منطقة مقفولة حيث بنى الكنائس ولم يسمح للدعاة المسلمين بالتنافس في أوساط القبائل الوثنية، وبما أن تلك القبائل بقيت رازحة تحت التخلف، ولكي تباح لها فرصة النهوض يتوجب إيقاف هيمنة الكنيسة وفتح الطريق أمام الدعاة المسلمين للانتشار منفردين مدججين بأسلحة الدولة الأيديولوجية وغير الأيديولوجية لأسلمة تلك القبائل المتنافرة متجاهلين تراثها القديم والثقافات المحلية والديانات الأفريقية التقليدية ونظم قيمها الخاصة. غير أن سياسة إحلال دعاة مسلمين بدلاً عن المبشرين المسيحيين لم تقدم شيئاً لا في مجال التنمية ولا في مجال الصحة ولا في مجال التعليم بالنسبة لتلك المجموعات الاثنية، بل أن سياسة الدعاة تبنت نفس أهداف التبشير الحامل للمدنية واستخدمت عين أدواته.



    بعد انتفاضة 1964 التي أطاحت بالحكومة العسكرية انعقد في مارس 1965 مؤتمر المائدة المستديرة وتصدت القوى التوحيدية ثانية وأعلنت عن رؤيتها من خلال خطاب يقول بضرورة تنمية موارد البلاد في جميع أقاليم السودان حتى تنمو قوى الإنتاج الحديث وتتكون بذلك قوى ديمقراطية واسعة وفاعلة في كل أقاليم السودان. وقال ذلك الخطاب بأن الثقافة العربية الإسلامية حين وفدت إلى هذه البلاد لم تجدها خالية، وإنما وجدتها تستند إلى جذور حضاريَّة راسخة منذ آلاف السنين، وعليه فإنها تأثرت بما وجدت وأثرت بالمقابل فيما وجدت.



    وفي عام 1965 إبان الحكومة التي ترأسها محمد أحمد محجوب بوصفه رئيساً لحزب الأمة قامت القيادة العسكرية في الجنوب بتصفية عدد من المثقفين الجنوبيين في كل من جوبا و واو عادةً إياهم طابوراً خامساً لحركة أنيانيا المسلحة، وأدت هذه الجريمة البشعة إلى تحرك جماهيري غاضب قادته القوى التوحيدية أفرز نتاجاً تمثل في تكوين ما صار يعرف بلجنة الإثنى عشر في يونيو 1965 من ستة ممثلين للأحزاب الجنوبية وستة ممثلين للأحزاب الشمالية. كانت هناك نقاط خلاف عديدة أهمها إصرار ممثلي الأحزاب الجنوبية على ضرورة إقرار مبدأ الاعتراف بالتعدد الثقافي وتطور الثقافات المختلفة، إلا أن دعاة النزعة العروبية الإسلامية في اللجنة أصروا على رفض إقرار هذا المبدأ، بل وبلغ الهلع بهم حداً ما عادوا يتحملون معه سماع صوت دعاة النزعة التوحيدية فكان قرارهم بحل الحزب الشيوعي السوداني وطرد نوابه المنتخبين انتخاباً حراً مباشراً من البرلمان تحت غطاء حجة افتعلوها زوراً وبهتاناً وبلا خجل. بخصوص هذا القرار خرج الصادق المهدي بعد صمت دام سنوات ليقول أخيراً كلمة صدق خجولة في محاضرته في كمبالا "ما حدث كان واحداً من الأحداث التعيسة في تاريخ السودان، إنه يوضح التعسف في استخدام الأغلبية الميكانيكية دون تبصر، لقد كان لحل الحزب الشيوعي عواقب خطيرة، فقد استأنف الحزب لدى القضاء ضد قرارات البرلمان، ونجم عن التعارض بين السلطة التشريعية والسلطة القضائية إضعاف خطير لنظام الحكم الديمقراطي".



    انتهت الديمقراطية الثانية كسابقتها وكحكومة عبود العسكرية بفعل تزمتها العنصري وتمسكها بمشروع تفكيكي ينطلق من نزعة عروبية إسلامية لم تر في الجنوب وسائر الأقاليم الاثنية المهمشة سوى كيانات أقلية لا بدَّ أن تخضع لإرادة الأغلبية وتتقبل ذوبان هُويَّتها الثقافية.



    كان المجلس العسكري لانقلاب مايو قد عين جوزيف قرنق وزيراً لشئون الجنوب، وطرح جوزيف قرنق مشروع سياسة للجنوب حوى تسع نقاط وصفها الصادق المهدي بأنها اتسمت بالوعي السياسي، إلا أن مجلس قيادة الثورة لم يعبأ بتلك السياسة فاستمرت الحرب. وفي عام 1972 وجد نظام مايو العسكري نفسه مضطراً، تحت ضغوط نزيف الحرب، لعقد اتفاقية أديس أبابا للسلام على أساس من الحكم الذاتي للجنوب. وقد وصف منفستو الحركة الشعبية لتحرير السودان الاتفاقية بأنها "صفقة بين الصفوة البرجوازية البيروقراطية الشمالية والجنوبية، وأملت الصفوة الشمالية الشروط بينما ساومت الصفوة الجنوبية على مصالح الجماهير من أجل الوظائف التي حرموا منها طويلاً، وهكذا منح الجنوبيون الوظائف التي كانوا يتمنونها في عام 1956 أخيراً في عام 1972، وكان الثمن مليوناً ونصف نفس، ولهذا كان قدر الاتفاقية أن تنهار لأنها تجاهلت المصالح الحقيقية للجماهير".



    حرب الجنوب الثانية 1983

    في يوليو 1983 تم إعلان مانفيستو الحركة الشعبية لتحرير السودان الذى عبر عن أهداف كانت قد تمت بلورتها منذ أزمان من قبل دعاة التيار التوحيدي، بخاصة اليسار في الشطرين الشمال والجنوب، أعلنت الحركة أن هدفها هو إعادة صياغة العلاقات السياسية والاجتماعية داخل المجتمع السوداني، وأكدت على أن الهدف الأساسي للحركة والجيش الشعبي لتحرير السودان "ليس هو فصل الجنوب فالجنوب هو جزء لا يتجزأ من السودان، وقد تمت تجزئة أفريقيا بما يكفي من قبل الاستعمار والاستعمار الحديث وان المزيد من التفرقة لن يخدم سوى أعداء أفريقيا".



    تأكيداً على هذا الموقف المبدئي أعلن قائد الحركة جون قرنق مابيور في ورقة تحديد السياسة العامة للحركة والتي صدرت في الثالث من مارس 1984 "أن التسوس والتآكل الأخلاقي وكل أمراض السودان لا يمكن معالجتها إلا في إطار السودان الموحد". هكذا تم في الثاني والعشرين من مارس تحديد أهداف الحركة السياسية في الآتي:

    أولاً، التزام الحركة بتحرير كل السودان وبوحدة شعبه وأراضيه؛

    ثانياً، الالتزام بخلق سودان جديد وديمقراطي؛

    ثالثاً، الالتزام بمعالجة مشكلات السودان الوطنية والدينية بشكل يرضى كل السودانيين في إطار ديمقراطي وعلماني؛

    رابعاً، الوقوف مع حكم ذاتي حقيقي أو نظام فيدرالي لكل مناطق السودان؛

    خامساً، الالتزام بعملية إعادة البناء الجذرية لسلطة الحكومة المركزية بشكل يعالج بصورة نهائية وأساسيَّة تمركز السلطة في أيدي أية مجموعة .



    لم تأخذ الأحزاب الطائفية بعد القضاء على نظام مايو العسكري الأهداف التي أعلنتها الحركة مأخذ الجد وبدأت كعادتها في تلغيم الجو السياسي بالاتهامات والإشاعات والشكوك حول إخلاص الحركة الشعبية والتزامها بوحدة السودان، متناسيَّة أن إخلاصها هي بالذات أمر مشكوك فيه منذ تنصلها عن وعودها المتكررة كما ألمحنا.



    الأمر اللافت للانتباه ليس هو إصرار الجبهة الإسلامية الحاكمة الآن على الاستمرار في المخطط نفسه ذلك أن إطلاق الإشاعات والاتهامات والافتراءات الكاذبة شيمة ميزتها منذ بداية تاريخها، وإنما هو عودة الصادق المهدي مجدداً إلى قاعدة النزعة العروبية الإسلامية التفكيكية بإصرار بعد انسلاخه عن التجمع الوطني الديمقراطي، الذى يدعى بأنه أسسَّه! فأخذ يتحدث عما أسماه الأجندة الخفية للحركة الشعبية، علماً بأننا على قناعة تامة بأنه يعلم جيداً أن تلك الأجندة الخفية ليست سوى مشروع السودان الجديد الديمقراطي العقلاني الذى ستظل كل قوى السودان السياسية التوحيدية، بما فيها الحركة الشعبية، تقاتل من أجله. المتتبع لمسار السجال السياسي خلال الديمقراطية الثالثة 1985-1989، والتي تشرف الصادق المهدي برئاستها طيلة عمرها، لا يمكنه إلا أن يتلمس تمسك الحركة بأجندتها الوطنية وعدم ادعائها احتكار وضع تفاصيل عملية إعادة البناء السياسي للسودان واكتفت فقط بتحديد الهياكل الأساسية والمبادئ، والتطلعات، وأساسيات إعادة البناء الوطني، تحدثت الحركة الشعبية شأنها شأن القوى التوحيدية في الشمال الجغرافي فقط عن الحريات التعددية واللامركزية والوحدة، وهى ذات المبادئ التي وقع عليها حزب الأمة، الذى يترأسه الصادق المهدي، في أسمرا في إعلان مبادئ التجمع الوطني الديمقراطي في عام 1995 وهو الإعلان الذى تنصل عنه الصادق المهدي ومهر بتوقيع مبارك الفاضل وبحضوره على إعلان مبادئ بديل بينه وبين رئيس حكومة الإنقاذ عمر البشير في جيبوتي.



    في مارس 1986 اتفقت الحركة الشعبية والتجمع الوطني الديمقراطي لإنقاذ البلاد على إعلان برنامج مقترح للعمل الوطني صار يعرف بإعلان كوكادام، واتفق الطرفان على أن المتطلبات الرئيسة التي سوف تهيئ مناخاً يقود إلى عقد المؤتمر الدستوري المقترح هي:



    أن تعلن كافة القوى السياسية والحكومة الحالية (حكومة سوار الذهب الانتقالية) التزامها بمناقشة مشاكل السودان الرئيسة وليس ما يدعى بمشكلة الجنوب؛

    رفع حالة الطوارئ؛

    إلغاء قوانين سبتمبر 1983 وكافة القوانين الأخرى المقيدة للحريات؛

    العمل بدستور 1956 تعديل 1964 بإدراج الحكومة الإقليمية؛

    إلغاء الاتفاقيات العسكرية مع دول أخرى والتي تمس السيادة الوطنية للسودان.

    كذلك اتفق الطرفان على أن تحل الحكومة الحالية نفسها وأن تحل محلها حكومة وحدة وطنية مؤقتة تمثل كافة القوى السياسية بما في ذلك الحركة/الجيش الشعبي لتحرير السودان والقوات المسلحة، وهو مطلب ضروري لعقد المؤتمر الدستوري الذى اتفق الطرفان على انعقاده في الخرطوم خلال الأسبوع الثالث من يونيو 1986.



    المؤسف أن هذا الاتفاق الذى جعل السلام غاب قوسين أو أدنى تم خرقه ليجد طريقه إلى دهاليز المماطلات والمناورات السياسية، تهرب حزب الأمة، رغم أنه وقع على الاتفاق، من إلغاء قوانين سبتمبر التي سبق أن قال عنها رئيسه، الصادق المهدي، أنها لا تسوى الحبر الذى كتبت به، أما الحزب الاتحادي الديمقراطي فانه لم يشارك في كوكادام، في حين أن الجبهة الإسلامية القومية كانت غير راضيَّة عن تلك القوانين لأنها لم تك قاسية بما يكفي.



    ظلت القوى التوحيدية في شطري البلاد تنادى خلال السنوات من 1983 حتى 1989 بضرورة انعقاد المؤتمر الدستوري للتأمين على وحدة السودان، هذا في حين كان حسين أبو صالح وزير الثقافة والإعلام والناطق الرسمي باسم حكومة الصادق المهدي الائتلافية مع الاتحادي الديمقراطي يصرح للصحافة قائلاً: "ان الأغلبية ممن يموتون في الجنوب هم الجنوبيون، كما أن المدارس والمزارع والمستشفيات التي يتم تدميرها كلها في الجنوب، إذن من مصلحة الحركة لا الحكومة أن يتم وضع حد لهذه الحرب".



    ظلت القوى التوحيدية ممثلة في اليسار في الشمال والحركة الشعبية في الجنوب وحيدة في البحث الدءوب عن السلام العادل والمساواة والكرامة لكل شعوب السودان غض النظر عن ملابسات الانتماء الإثنى أو الديني. أخيراً وبعد أن نقل الجيش الشعبي عملياته إلى الكرمك وقيسان تفاعل رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي محمد عثمان الميرغني في أواخر 1988 وبادر إلى توقيع اتفاق مع زعيم الحركة الشعبية جون قرنق وهو الاتفاق الذى صار يعرف باتفاقية السلام السودانية،(والتي كره عمر نورالدائم، الأمين العام المساعد لحزب الأمة تسميتها باتفاقية للسلام) توصل فيها الطرفان إلى "بما أن قيام المؤتمر الدستوري ضرورة وطنية مُلحة توجب على كافة القوى السياسية السودانية العمل الدءوب والمخلص لتهيئة المناخ الملائم لقيام المؤتمر الدستوري"، وتوصل الطرفان إلى قناعة تامة بأن العوامل الأساسية والضرورية لتهيئة المناخ تتمثل في اتخاذ خطوة باتجاه قوانين سبتمبر "بما أن الموقف الثابت للحركة هو إلغاء قوانين سبتمبر واستبدالها بقوانين 1974، إلا أنها في هذه المرحلة– تمشياً مع حرصها على قيام المؤتمر الدستوري- تتفق مع الحزب الاتحادي الديمقراطي، وإلى حين انعقاد المؤتمر الدستوري، على تجميد مواد الحدود وكافة المواد ذات الصلة بقوانين سبتمبر 1983، وألا تصدر أية جهة قوانين تحتوى على مثل تلك المواد وذلك إلى حين انعقاد المؤتمر الدستوري والفصل نهائياً في مسألة القوانين".



    إلا أن بنود الاتفاق لم تك، على ما يبدو، مرضية للأطراف التفكيكية الصحوية والإسلاموية فظلت الحرب دائرة تطحن جنود القوات المسلحة وشبيبة الحركة الشعبية، فدفعت الغيرة الوطنية بقيادة القوات المسلحة إلى رفع مذكرة للسيد رئيس مجلس الوزراء الصادق المهدي بتاريخ 20 فبراير 1989 جاء فيها "انطلاقا من مسئوليتنا الوطنية والقومية والتاريخية في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد، واعتباراً للظروف الأمنية الخطيرة التي يشهدها الوطن في بعض أجزائه، وبعد قراءة ودراسة متأنية وعميقة للوضع الراهن، واستشرافنا لآفاق المستقبل بكل ما يحتوى عليه من احتمالات قد تؤدى إلى انقلاب يقود إلى تهديد وحدة تراب البلاد وتفتيت الأمة السودانية ومسارها الديمقراطي الذى ارتضاه الشعب وضمنه مواثيقه ودستوره خياراً لا بديل له...".



    بالنظر ملياُ إلى هذه العبارات التي تصدرت المذكرة يتضح شكل الخطاب التوحيدي الذى يميزها..أعلنت القيادة العليا للقوات المسلحة عن تخوفها من تفتيت الأمة السودانية. إلا أن السيد الصادق المهدي، رئيس الوزراء حينها، لم يشأ أن يستوعب مضمون المذكرة وهو ما أكدَّ عليه لاحقاً بعد أن وقع الانقلاب الذى نوهت باحتماله المذكرة "طلبت منهم (الإشارة إلى قيادة القوات المسلحة) أن يجتمعوا ويصدروا توصية بالسياسات الضرورية لإجراء الإصلاحات اللازمة (المقصود تطوير القدرات العسكرية للاستمرار في الحرب) وبدلاً من ذلك ودفاعاً عن أدائهم سيسوا الموضوع وتجنبوا المحاسبة العسكرية وأتوا بمذكرة فبراير 1989 .." ما أسهل التبرير، ذلك أننا على قناعة تامة بأن السيد رئيس الوزراء كان مدركاً بتجربته وشفافيته الفكرية لمغزى تلك المذكرة.



    فقط تحت الضغط الذى مارسته القوى التوحيدية بمختلف قطاعاتها السياسية والنقابية والعسكرية وافق السيد رئيس الوزراء على البرنامج المرحلي الذى وقع عليه 29 حزباً ونقابةً باستثناء الجبهة الإسلامية القومية، وتم تمهيد الطريق إلى الاتفاق الذى من شأنه أن يؤدى إلى انعقاد المؤتمر الدستوري والذي حدد له تاريخ الثامن عشر من سبتمبر 1989. إلا أن السياسوإسلامويين قرروا قطع الطريق أمام مسيرة السلام وذهب الترابي، على حد تعبيره إلى السجن والبشير إلى القصر في الثلاثين من يونيو 1989 وأصبحت السلطة السياسية بأيدي أشد فصائل التيار التفكيكى تزمتاً ببرنامجهم المسمى التوجه الحضاري الإسلامي، إنه مشروع شيطاني ابليسى، على حد تعبير نقدالله، لا يمكن أن يفضى، في حالة استمراره، إلا إلى واحد من أمرين لا ثالث لهما: حرب دائمة أو فصل للجنوب مع ما يعنيه ذلك من بداية للتفكيك الشامل لفسيفساء الثقافات والاثنيات المؤلفة للهُويَّة السودانية ومن استبعاد لا مكان بناء مشروع الأمة السودانية.



    أمام إصرار الترابيين الحاكمين في الخرطوم على مشروعهم التفكيكى قررت القيادة العسكرية العليا للحركة الشعبية، للمرة الأولى، في اجتماع توريت في يوليو 1991 أن يتم طرح موضوع حق تقرير المصير للمناطق المهمشة في السودان في كل المفاوضات المقبلة في حال إصرار الحكومة الترابوية الإسلاموية العسكرية على أن تقوم الوحدة على أساس الهُويَّة العربية الإسلامية. وقد استحوذت مسألة حق تقرير المصير على جل الوقت والجهد في الجولتين اللتين عقدتا في أبوجا بنيجريا، وصار حق تقرير المصير أحد القضيتين الأساسيتين في مفاوضات إيقاد (السلطة الحكومية المشتركة لقضايا التنمية)، بينما كانت القضية الثانية هي دور الدين في السياسة. وفي مايو 1994 جاء إعلان المبادئ لدول إيقاد معلناً عن سبع نقاط أساسيَّة يمكن عن طريقها إقرار السلام في السودان، وإمكانية استبعاد مبدأ حق تقرير المصير، وذلك في حال الاتفاق على تلك النقاط :

    أولاً، السودان قطر متعدد الأعراق والاثنيات والأديان والثقافات؛

    ثانياً، المساواة السياسية والاجتماعية الكاملة بين كل السودانيين؛

    ثالثاً، اعتماد الحكم الذاتي على أساس الفيدرالية أو الحكم الذاتي؛

    رابعاً، تأسيس دولة علمانية ديمقراطية ، وفصل الدين عن الدولة تكون فيها التشريعات الخاصة بالأحوال الشخصية والأسرية على أساس الدين والأعراف؛

    خامساً، التوزيع المناسب للثروة؛

    سادساً، اعتماد حقوق الإنسان المقرة دولياً في دستور البلاد؛

    سابعاً، اعتماد مبدأ استقلال القضاء في دستور البلاد.

    من ثم أعلنت وثيقة إعلان المبادئ أنه في حالة عدم الاتفاق بين الأطراف على المبادئ المذكورة بعالية، يكون للمتضررين الحق في تقرير مصيرهم. لا يعترينا شك مطلقاً أنه لو كانت سلطة اتخاذ القرار السياسي بيد القوى التوحيدية في شطري البلاد، لما استغرق إقرار هذه المبادئ أكثر من لحظة التوقيع عليها جملة وتفصيلاً.



    في عام 1994 بدأت قيادة حزب الأمة في التململ من وجودهم خارج السلطة بعد فشل العديد من المحاولات التي قاموا بها لإقناع حلفاء الأمس، قادة الجبهة الإسلامية القومية، بضرورة عدم التمادي في الانفراد بكل السلطة وبضرورة العودة إلى الديمقراطية. من ثم سعت بعض قيادات حزب الأمة إلى بناء جسر مع الحركة الشعبية يمكن استخدامه للانتقال إلى لغة حوار جديدة مع الجبهة الإسلامية المتصلبة، وهكذا تم توقيع اتفاق شقدوم بين حزب الأمة والحركة الشعبية في الثاني عشر من ديسمبر 1994 تم التأكيد فيه على إقرار مبدأ حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان وذلك انطلاقاً من الاعتراف بحق تقرير المصير كحق أساسي للإنسان والشعوب، وهى عبارة كان من يتجرأ على البوح بها ولو سراً يعد شيوعياً وزنديقاً وخائناَ لا يحق لممثليه المنتخبين شرعياً أن يتواجدوا في برلمان السودان العربي المسلم...فسبحان الله مغير الأحوال.



    أصرت الحركة الشعبية في شقدوم أن يقر حزب الأمة الاعتراف بحق تقرير المصير لشعب جبال النوبة، ولشعب الانقسنا، ولشعب إقليم أبييى، إلا أن حزب الأمة رفض الاعتراف بحق تقرير المصير لأية مجموعة خارج جنوب السودان الجغرافي. ومن ثم فان الاتفاقية تثير من الناحية الأنثروبولوجية بعض التساؤلات المشروعة. فطالما أن الطرفين انطلقا من اعترافهما بحق تقرير المصير كحق أساسي للإنسان والشعوب فان ذلك يشير إلى اعتراف الطرفين كليهما بوثيقة حقوق الإنسان التي تعرف الشعب تعريفاً أنثروبولوجياً .. أي جماعة اثنية ثقافية. الأمر كذلك فان النوبا ولاشك و كذلك الأنقسنا، والدينكا ابيى يؤلف كل منهم شعباً اثنيا وثقافياً شأنهم شأن الشلك والنوير والدينكا والتبوسا والزاندى وغيرهم من شعوب الجنوب الجغرافي، فلماذا يبخل عليهم حزب الأمة بممارسة حقهم هم أيضاً؟ اعتقادنا أن تفسير ذلك هو أن مفاوضي حزب الأمة اعتمدوا خطابين مختلفين، الأول أنثروبولوجي اعترفوا فيه بأن سكان الجنوب يؤلفون شعباً (والصحيح شعوباً)، والثاني سياسي عندما تعلق الأمر بالنوبا والأنقسنا والدينكا أبيى الذين رفضوا الاعتراف لهم بحقهم عادين إياهم جزءاً من الشمال الجغرافي.



    هكذا فان جوهر الخطاب إنما يشير إلى موقف ينظر للأزمة السودانية في ذات الأطر القديمة البالية شمال/جنوب غير مستوعب إطلاقا لحقيقة أن الأزمة أعمق بكثير، إنها مواجهة بين مفهوم السودان الجديد من جانب والسودان القديم من جانب ثان. ما عادت النظرة القديمة قادرة على حل الأزمة السودانية الماثلة. لا بديل غير قبول حقيقة التنوع والتعدد الإثنى والثقافي المميز للسودان ككل والابتعاد مرة وللأبد عن حصر الأزمة في شمال جغرافي بمواجهة جنوب جغرافي...النوبيون في أقصى الشمال، والبجة في الشرق، والفرتيت والزغاوة والفور وغيرهم كثر يحق لهم ممارسة حق تقرير المصير ليس فقط وفق مبادئ إيقاد بل ووفق إعلان مبادئ أسمرا الذى أجاز للأقليات الأخرى حق تقرير مصيرها في حالة إحساسها بأنها متضررة أو إذا ما شعرت بأن هناك نكوصاً عن ما تم إعلانه من مبادئ، أى بتحديد أكثر وضوحاً إذا ما أصرَّ دعاة التفكيك الإسلامويون وغيرهم من دعاة أحادية الهُويَّة العروبية على بقاء السودان القديم، أي السودان وفق ما أدارته تلك النخب التفكيكية على مدى يقارب نصف قرن من الزمان.



    السؤال المنطقي الذى يتبادر إلى ذهن المواطن السوداني العادي بعد موقف الحركة الشعبية في شقدوم هو هل غيرت الحركة موقفها وانحازت إلى جانب القوى التفكيكية الأفريقانية؟ للإجابة نقول أن القراءة المتأنية لأدب الحركة السياسي وتحركاتها الفعلية تشير إلى أنها قد عدلت خطابها من أجل الوضوح والتأثير، أنها تريد أن تقول لدعاة النزعة العروبية الإسلامية أنهم بمحاولاتهم تغيير لغة التاريخ الفاعلة، وبمحاولاتهم سحب كل دلالاتها، أوجدوا لدى شعوب السودان غير العربية وغير المُستعربة، أي لدى المجموعات المهمشة على مدى ما يقارب نصف القرن هو عمر استقلالنا، الحاجة إلى بناء دلالة صفة ستكون زادهم الآن وفي المستقبل. لقد سخرت سياسات دعاة النزعة العروبية الإسلامية الطبيعة للنهب، وتدخلت في المجالات كلها في السياسة وفي اللغة وفي الفن زارعة إرادتها الأحادية، لقد صار السودان بأسره إن صح القول بمثابة دلالة عن فحوى لها، وهذه قدمها الزمن بشكل صراع من أجل التحرر والنهضة، أو إعادة الخلق الثقافي، واتخذ ذلك شكل إشكالية كل سودانية...الأزمة السودانية الماثلة.



    كان الإطار الأصلي للحركة الشعبية، كما أشرنا، يقول أنها تقاتل من أجل سودان جديد وموحد وعلماني وديمقراطي تتحقق فيه المساواة والعدالة للجميع غض النظر عن العرق أوالدين، إلا أن دعاة التيار التفكيكى تمسكوا، على حد تعبير ستيفن واندو، بكلمة واحدة وأهملوا باقي العبارة. تضمن تعريف السودان الجديد في أدبيات الحركة وفي أدبيات اليسار السوداني عموماً قبلها ولازال، ولو تحت مسمى آخر، دائماً نقطة تقول أنه وفي غياب الديمقراطية والعقلانية والمساواة والعدالة فانه لن يكون هناك سودان موحد، بل ربما لا يكون هناك سودان على الإطلاق. فالمتتبع لخطاب الحركة الشعبية الرئيس في أبوجا سيلاحظ، كما أشار إلى ذلك ستيفن واندو، تركيزه على أنه ما لم يكن هناك الاستعداد والرغبة عند النخبة الشمالية للتخلي عن العنصريَّة والتسلط الديني [ستيفن واندو] فمن الأفضل أن ينتهي السودان. من ثم يمكننا القول بتحديد شديد ووضوح كامل بأن مفهوم السودان الموحد ظل على الدوام بالنسبة للحركة الشعبية مفهوماً غير مطلق، انه مفهوم مشروط بإنجاز مفارقة ثورية وجذرية لنزعة الهيمنة العروبية الإسلامية التي ميزت كافة التشكيلات والتكوينات الحكومية منذ الاستقلال حتى اليوم.



    ظل دعاة التيار التوحيدي في شطري البلاد يعزفون لحناً واحداً منذ عشية الاستقلال...لحن السودان الجديد على اختلاف مسمياته، لحناً ظلت القوى التفكيكية تتجاهله دوماً باعتباره لحناً صادراً عن قوى لا وزن لها. لم يحد دعاة التيار التوحيدي عن مشروعهم ولم يبدلوه رغم قصف القنابل ودوى المدافع في الجنوب، ورغم سيل الاتهامات الموجهة للقوى التوحيدية في الشمال بالعمالة للتمرد وبالإلحاد والعلمانية. والآن بعد أن استولى على السلطة نهباً أشد دعاة التفكيك تزمتاً وأبعدوا عنها ركلاً رفاق الأمس من التفكيكيين المعتدلين الأكثر ليبرالية، بدأ لحن السودان الجديد يجد طريقه إلى آذان الأخيرين فكان الاعتراف بمبدأ التعدد الإثنى والثقافي والديني الذى عارضوه في مؤتمر الاثنى عشر في 1965، لكنه اعتراف جزئي لدى بعض التفكيكيين الليبراليين بخاصة أولئك الذين أعلنوا عن تجميد عملهم في تنظيمات التجمع الوطني الديمقراطي بالخارج بداية وبالداخل أخيراً، فالواضح أنهم لازالوا، على حد تعبير ستيفن واندو، "يرددون نقمة واحدة في الوقت الذى يتجاهلون فيه الجملة الأساسية لمجمل اللحن"[ستيفن واندو المرجع السابق].



    هكذا كتب الصادق المهدي بأسلوب يعبر عن تبنيه أخيراً لخطاب جديد كالعادة دون أن يشير إلى أنه لم يكتشف روما وأن ما يقوله الآن هو ما ظل يردده دعاة التيار التوحيدي منذ عشية الاستقلال: "هناك مشكلة ثانية هي وجود مجموعات وطنية في السودان تنتمي إلى هُويَّات مختلفة. هذه المشكلة نشأت بسبب تخلف النمو القومي في السودان وأخذت شكلها التاريخى في المواجهة التي سميت بمشكلة الجنوب والحرب الأهلية التي أفرزتها، ولكن هي بدرجات مختلفة موجودة في كل السودان لأنها مشكلة التعامل ما بين المجموعة الوطنية التي تمتلك القدرات السياسية والاقتصادية الأكبر والمجموعات الوطنية الأخرى". هذا الانتقال فرضته باعتقادنا تجربة إدمان فشل لازم النخبة العروبية الإسلامية التي تمتلك "القدرات السياسية والاقتصادية الأكبر" منذ عشية الاستقلال. وأخذ الصادق تدريجياً في تقبل خطاب دعاة التيار التوحيدي الأكثر وضوحاً في تشخيص الأزمة السودانية، ولكن على طريقته: "أغلبية المسلمين والعرب في السودان أو أغلبية من ينتمون إلى الكيان العربي الإسلامي في السودان يرون أن السودان قد استعرب وأسلم سلمياً، وأن حتمية هذا أن يصبح كل السودان منتمياً لهذا الكيان العربي الإسلامي. هذا التصور هو الذى كان سائداً لدى أغلبية المنتمين إلى الكيان العربي الإسلامي في السودان. طبعاً الآخرون الذين لا ينتمون إلى هذا الكيان عندهم رأى آخر ويرون أن الظروف السياسية والاقتصادية أدت إلى تهميشهم وأنهم لا يقبلون هذا الإدماج في الكيان العربي الإسلامي، فبلغ رفضهم هذا مبلغاً، مع عوامل أخرى اقتصادية وسياسية مبلغ الحرب الأهلية".



    بالنظر إلى مثل هذا الشكل من الخطاب يمكن ملاحظة أن "يصبح السودان منتمياً للكيان العربي الإسلامي" يمثل مفهوماً غرسته النخبة المتعلمة ذات النزعة العروبية الإسلامية في الوجدان السياسي ودعمته الآلة التعليمية التي صاغتها الإدارة الاستعمارية البريطانية لا اعتباطاً وإنما ضمن سياستها المعلنة فرق تسد. نختلف مع الصادق في قوله بأن تهميش المجموعات الاثنية الثقافية الأخرى كان فقط نتاج "ظروف اقتصادية وسياسية"، ذلك أنه باعتقادنا كان الأجدر القول بأن التهميش هو نتاج سلوك سياسي محدد وسياسات اقتصادية منحازة مارستها الحكومات الوطنية منذ الاستقلال وهى تكوينات حكوميَّة هيمنت عليها النخبة المتماهية بنزعتها العروبية الإسلامية. يحاول الصادق عبثاً أن يجعل التهميش ناتج "ظروف" لا "سياسات"، ناتج "فعل جماعي" لأهل الشمال لا ناتج ممارسات نخبة محددة فيقول:" صرت مقتنعاً بأننا- نحن أهل الشمال- همشنا العناصر غير الإسلامية وغير العربية، واعتقدنا أن واجبنا تثبيت وتأكيد كينونتنا الإسلامية العربية، بصرف النظر عن إحساس الكيانات الأخرى، وفي رأى أننا بذلك ارتكبنا غفلة كبيرة، ولم نأخذ ذلك في الحسبان، ولذلك هم بصورة أخرى حملوا السلاح لاستنكار هذا الموقف..أعتقد أننا لا بدَّ أن نعترف بهذا التقصير، وبأن هُويَّة ومصلحة العناصر غير الإسلامية لا نحددها نحن وإنما هم الذين يحددونها في شكل نتفق عليه سوياً، لكي نوفق بين مقتضيات ذاتيتنا وذاتيتهم".



    لماذا اللجوء إلى مثل هذا الالتواء على الحقائق؟ أم أن الصادق لا يرى في الآخرين الذين ظلوا يعلنون عما يتحدث عنه الآن فقط منذ ما قبل الاستقلال "مواطنين سودانيين من أهل الشمال" فيلجأ إلى تحميل جميع أهل شمال السودان وزر سياسات خاطئة غاصت فيها النخبة العروبية الإسلامية التي ترأس هو شخصياً أكثر من مرة حكوماتها.



    وحاول الصادق التحول إلى خطاب أكثر وضوحاً ودقة بفعل المتغيرات التي فرضتها الصيرورة التاريخية وذلك لترسيم حدود بين برنامج الصحوة الإسلامية الذى يتبناه عن برنامج التوجه الحضاري الإسلامي للجبهة الإسلاميةَ القومية "القوى الإسلامية العربية التي يمكن أن تصنف بأنها ديمقراطية وغير اكراهية، في رأى، طورت موقفها أمام هذه المحنة الأساسية والتاريخية. التطوير صار بدل أننا نمثل كياناً إسلاميا عربياً وحتماً مستبعد للآخرين ومدمج لهم عبر مراحل، إلى ضرورة الاعتراف بالتنوع والتعدد الثقافي والتعايش بين هذه الثقافات وإعطاء المجموعات الوطنية المختلفة حقها في الهُويَّة والثقافة وأيضاً في الثروة الوطنية أنا أعتقد أن هذا كان من أكبر الإنجازات أو القفزات في تاريخنا الحديث".



    واضح تماماً في حالة التدقيق في الكلمات نزعة التعالي العروبية التي تتملك الصادق، فهو يتحدث عن قوى إسلامية عربيَّة بمواجهة مجموعات وطنية تقوم الأولى بإعطاء المجموعات الوطنية الأخرى حقها في الهُويَّة والثقافة، لعمري انه خطاب يحمل قدراً من التعالي لا يختلف عن الخطاب الاستعماري الذى كان يصف شعوب المستعمرات بالمجموعات الوطنية، ولا نعتقد أن مثل هذا الخطاب يساعد كثيراً في حل الأزمة السودانية مهما كانت النوايا الطيبة منطلقاً له طالما أننا نرى أن أكبر الإنجازات في تاريخنا الحديث يكمن في حقنا نحن العرب المسلمين أن نمنح السودانيين الآخرين غير العرب مشروعية البقاء، هذا هو محتوى الخطاب!! من الناحية الأنثروبولوجية فان الخطاب الجديد للصادق المهدي لا يتعدى كونه محاولة شكلية خجولة للابتعاد عن مقولات المدرسة الوظيفية، التي شكلت القاعدة النظرية للنخبة العروبية الإسلامية الحاكمة منذ فجر الاستقلال حتى الآن، إلى مقولات الأنثروبولوجيا النسبية التي أعلنت منذ 1947 ميثاق حقوق الإنسان الذى نص على أن الإنسان يحقق شخصيته بالثقافة، ويؤدى احترام الفروقات الفرديَّة إلى احترام الفوارق الثقافية، وأن احترام الفوارق الثقافية أمر مشروع.



    هكذا فان مسيرة السجال السياسي- الأيديولوجي في السودان منذ عشية الاستقلال هي صراع بين تيارين يقفان على أرضية فكرية أنثروبولوجية متباينة: تفكيكي ينطلق من نزعة مركزة عروبيَة إسلامية من جانب، ومن نزعة مركزة أفريقانية مضادة من جانب ثان، وتيار توحيدي ينطلق من نزعة سودانوية. حتى عندما قرر الصادق الاعتراف بهذه الطبيعة الفعلية للسجال فانه لونها بلون غير لونها "الآن هناك الخيارات أو السيناريوهات الآتية فيما يتعلق بالتعامل مع هذه المسألة الثقافية: هناك الرؤية الأحادية التي ترى الكيان العربي الإسلامي حتماً يغلب على البلاد ولا بدَّ أن يفعل ذلك سواء كان ذلك طوعاً في ظروف مدنية وديمقراطية أو كرهاً في ظروف عسكرية. مقابل هذا، في رأى، نما اتجاه أحادى ومضاد يرفض هذا المنطلق ويرى إقامة هُويَّة سودانوية تستبعد كل الهُويَّات الأخرى الخاصة وتقيم نظاماً يمكن أن يصنف علمانياً ويأخذ موقفاً طارداً لكل الهُويَّات المختلفة لكي يقيم ما يمكن أن يسمى هُويَّة سودانوية".



    هكذا يتضح رفض الصادق جملة وتفصيلاً لمفهوم الوحدة في التنوع ويعده مفهوماً علمانياً وطارداً للهُويَّات الأخرى، ويدعو لمشروع، مطروح في الساحة السياسية والثقافية، ووقف ضده وهو في موقع السلطة، ويسميه مشروعه البديل "أن نتخلى عن الاطروحات الأحادية ونقول بضرورة الاعتراف المتبادل بكل الثقافات، وعمل ما اسميه ميثاق ثقافي سوداني فيه الاعتراف المتبادل والاحترام المتبادل والتعايش السلمي بين ثقافات السودان باعتبار أن هذا هو الشئ الوحيد الممكن".



    لكننا نتساءل أوليس هذا المشروع البديل مأخوذ بحذافيره من مشروع السودانوية تلك التي يعدها علمانية وطاردة للهويات الأخرى؟ أو لم تذب القاعدة الفكرية الأنثروبولوجية للصادق المهدي في لغة أيديولوجية في مجرد تفسير للتاريخ، لغة استعلائية والغائية حين كانت له السلطة كاملة غير منقوصة، استعلائية حين فرضت عليه الظروف تجاوز الإلغائية، وتجاوز الإلغائية أخيراً حين دارت الرياح باتجاه معاكس. وبالنهاية ليس من اليسير القول بأن اطروحاته العروبية الإسلامية قد أضفت على الاستعلاء طابعه الخاص، فكان متعجرفاً الغائياً أول الأمر، ثم ما لبث أن أكدَّ ذاته لينتهي إلى الإحساس بالذنب. هذا الانتقال إلى مقولات الأنثروبولوجيا النسبية ليس كافياً ذلك أن النسبية قد أصبحت اليوم دعوة أنثروبولوجية رجعية على حد تعبير فيفاس" فالنسبية أيديولوجية، إذا أثبتت جدواها ولزمن محدد، حيث الشروط التي أدت إلى نشأتها مازالت فاعلة أما الظروف فقد تغيرت الآن، وبصفتها الأيديولوجية أصبحت النسبية مدرسة رجعية، ولم تعد الشعوب البدائية بحاجة لحمايتها".



    النسبية الثقافية لدى الصادق المهدي أقرب إلى مفهوم التكيف بوصفة الصيرورة التي تتحول بموجبها عناصر الثقافات الوطنية المُسيطر عليها نحو حالة تتلاءم مع شكل الثقافة العربية المُسيطرة (بكسر الطاء)، وأثناء عملية التثاقف تكون الجماعات الثقافية المسحوقة في علاقة تبادلية صرفة. هذا على عكس ما يرمى إليه دعاة السودانوية الذين يشيرون باستعمال التثاقف إلى الأنماط التي يتم بموجبها قبول مظهر ثقافي معين في ثقافة أخرى بحيث يتلاءم ويتكيف معها، مما يفترض مساواة ثقافية، وإن نسبية، بين الثقافة التي تعطى وتلك التي تتقبل، وهو ما عبر عنه شاعرنا الراحل صلاح أحمد إبراهيم بقوله:

    للبوش كل منهم يهدى

    ولكن باعتزاز

    شيئه الصغير

    الأمر كذلك ألا يعنى إنجاز مشروع ميثاق ثقافي سوداني ضرورة التخلي عن مفاهيم النسبية والانتقال إلى مفاهيم التطورية الجديدة التي تقيس تقدم المجتمعات بنسبة استهلاك الفرد من الوحدات الحرارية، لا بنسبة الدم العربي أو الزنجي الذى يجرى في عروقه، ولا بنسبة هيمنة هذه أو تلك من الأفكار الدينية على عقله وهى معايير يصعب قياسها ؟ ولامس الصادق هذا المفهوم حين أقرَّ بحقيقة التركيبة الإثنى للسودانيين " بهذا المعنى أنا أعلم أن في السودان كيان عربي مكون من العرب العاربة – من توارثوها – ومن العرب المستعربة الذين اتخذوا العربية لغتهم للمخاطبة، بصرف النظر عن كمية الدم العربي في عروقهم. وعلى أي حال أنا في هذا الصدد أعتقد إذا أن العروبة الموجودة في السودان عروبة ثقافية، ولا يوجد أي سبب في ألا تتعايش مع ثقافات أخرى في ظل متفق عليه بين الأطراف المختلفة للتعايش الثقافي المشترك".



    بالتالي ألا يعنى إنجاز "مشروع ثقافي سوداني" بهذا المعنى الأخير بالضرورة وجود دولة عقلانية (علمانية)..دولة مدنية تفصل بين الممارستين الدينية والسياسية، ما بين المقدس الأيديولوجي والفاعلية السياسية وهو ما فطن إلى ضرورته في نهاية القرن الثالث قبل الميلاد الملك السوداني العظيم أركامانى، دولة تسعى إلى تحقيق المساواة والعدالة والديمقراطية؟ ألا يعنى ذلك في نهاية المطاف إزالة كافة أشكال النرجسية الاستعلائية العروبية الإسلامية من خلال العمل المشترك الهادف إلى الاجتثاث الكامل للأصولية الإسلاموية وفتح المجال أمام التعددية الثقافية والاثنية والفكرية بدلاً عن تكريس الجهد لإنقاذ مشروعها الإنقاذي القروسطي؟



    رؤية في مشروع السودان الجديد

    نقول بدايةً أن الكتابات على صفحات الصحف السودانية والعربية عن الأزمة السودانية تستمد قاعدة فكرية لها من أطروحات برزت على مسرح الكتابة السودانية المعاصرة التي تتناول بالدراسة قضية تقع على الحدود الجامعة بين الفكر النظري والواقع التاريخى المعيش، وهى قضية "عروبة السودان وإسلامه". لا بدَّ بدءاً ذي بدء بالقول أن مثل تلك الاطروحات القاعدية المعنية تكشف عن نهج اعتقادي في "تزييف" التاريخ وتمارس استعلاء على التاريخ بغية تسويق المعتقد واكتساب مشروعية تاريخية. ولا شك أن موقفاً مثل هذا يحول دون أية قراءة عملية أو معرفة بالذات بل ويهدد بتفاقم أزمة السودان. مع تجاهل كامل لحقيقة الوضع المميز للسودان الذى يجعل منه بحق بوتقة الانصهار الأفريقي العربي. هكذا جاءت تلك الكتابات في معظمها أبعد ما يكون عن أن تقدم تحليلاً علمياً لحقيقة الأزمة السودانية الماثلة. من ثم فإن هذا الكتاب لا يتعدى كونه محاولة لتجاوز الآنية أو الخضوع "لمقتضى الحال" سعياً لتقديم رؤية أنثروبولوجية لأزمة السودان الحالية، المتفاقمة بفعل التوجهات الفكرية الانسدادية، من منظور ينطلق من واقع السودان بحسبانه مؤلفاً لأمة واحدة تتميز بتنوع فريد هو نسيج وحدتها السالفة والحاضرة والقابلة. كان الدكنور جون قرنق قد أشار في محاضرة ألقاها بنهاية 1979 في القاهرة إلى حقيقة تميز السودان بشكلين من التنوع الأول أسماه التنوع التاريخى في حين أسمى الثاني بالتنوع المعاصر، وأن التحدي الذى يواجه السودان في رأيه "هو أن نصهر جميع عناصر التنوع التاريخى والمعاصر لكي ننشئ أمة سودانية، تستحدث رابطة قومية تتجاوز هذه المحليات وتستفيد منها دون أن تنفي أياً من هذه المكونات. إذن، وحدة بلادنا، الوحدة التي نتحدث عنها، لا بدَّ أن تأخذ هذين المكونين لواقعنا بعين الاعتبار حتى نطور رابطة اجتماعية سياسية لها خصوصيتها، وتستند إلى هذين النوعين من التنوع، رابطة اجتماعية سياسية نشعر بأنها تضمنا جميعاً، وحدة أفخر بالانتماء إليها، وأفخر بالدفاع عنها". محق منصور خالد في قوله بأنه لا بدَّ من الابتعاد عن "رؤية السودان بحسبانه-بوابة- لامتداد العروبة إلى أفريقيا. خطأ هذه النظرة يكمن في كونها تحتوى على تخليط بين الإسلام والعروبة لا تبرره إلا الرغبة في استثارة العاطفة الدينية والعاطفة القومية في آن واحد. فامتداد الإسلام أمر يعنى المسلمين وحدهم، أما العروبة- رابطة عرقية كانت أو ثقافية- فتتجاوز أهل الملة الواحدة. ولا سبيل لتحقيق أية وحدة قومية إن لم ننجح في تجاوز الثنائيات المتقاطعة، أفقياً وعموديا، الانقسام الأفقي على مستوى الأوطان والانقسام العمودي على مستوى الأمة. والرؤية خاطئة من جانب ثان لأن السودان ليس بوابة نحو أفريقيا أو جسراً تعبره العروبة إلى أفريقيا، فهذان دوران سلبيان. يتوجب النظر للسودان بوصفه مصهراً تتمازج فيه العروبة مع غيرها من الثقافات، ويرفد فيه الإسلام من فيضه الديانات الأخرى. ما يؤكد مصداقية مثل هذا الطرح أنه بفضل الانسياب التلقائي للغة العربية عن طريق الدين والتجارة أسهمت اللغة العربية إسهاماً كبيراً في تطوير لغات أفريقيا وإثرائها في بلاد غير عربية مثل السواحيلية، اللسان الجامع بين أهل تنزانيا وكينيا و يوغندا وأجزاء من رواندا وبوروندي. ونجاح السودان في عملية الصهر هذه هو الذى يؤهله لأداء دوره التاريخى".



    يصعب نفي حقيقة أن أمتنا السودانية "حلوة المذاق" على مرَّ التاريخ قد بلاها الله الآن بمحنة "صُنعت محلياً لكنها فكرياً وفدت من بيئة غير محلية عابرة للحدود" أصبحت معها أمتنا السمحة تمر بمرحلة مخاض درامية، بل حتى أزمة ذات أبعاد متعددة: اجتماعية، واقتصادية، وسياسية بل حتى ايكولوجية.



    عند النظر إلى العلاقات الاقتصادية، فإنه لا يمكننا تجاوز "التهميش الاقتصادي" عنصراً ميز السياسات التنموية في سودان ما بعد الاستقلال وتأثير ذلك على أنظمة الحكم التي أتاحت لشبكات التبعية في الدولة أن تدخل في صراع على الموارد المتناقصة دوماً (مثل الأرض، ولكن أيضاً العون التنموي). لكننا لا نرمى، على كل، إلى حصر الصراع في مصدر مادي لإدراكنا بأن ذلك سيكون مضللاً. نواجه في الواقع أزمة "بنى اجتماعية" و"سلطة"، أزمة "سلطة الدولة" بوصفها أداة الحكم في السودان، بكلمات أخرى، فشل تلك المؤسسات التي يفترض فيها أن تقود عملية التغير وتمنع الصدامات العنيفة.



    كان طموح دعاة السودانوية أن تعلن نهاية الفترة الاستعمارية بداية لمرحلة أكثر دينامية في نمو النزعة الوطنية السودانية باتجاه بناء الأمة، التي تمثل مشروعاً طموحاً لإقرار مبدأ وحدتنا في تنوعنا، وما يتبع ذلك من توجهات تنموية، وإقرار لمبادئ الديمقراطية النابعة من تجارب تاريخ أمتنا السودانية العريقة. لكنه ومنذ البداية فإن بناء الأمة كان بالضرورة موجهاً من قبل الدولة النخبوية " الوسطونيلية " النزعة ليتم رفع العلم، المفترض فيه أن يعبر عن طموحات الأمة، في احتفال جماهيري من قبل الحكومة المنتخبة وزعيم المعارضة فقط وكأنما المساحة تحت الساري ما كانت لتسمح لآخرين- يتم من خلالهم تجسيد التنوع المميز لأمة عريقة ما كان نضالها من أجل استقلالها وطرد الأجنبي حكراً على مركب واحد فقط من مركباتها. بنية السلطة الاستعمارية المتميز بالبيروقراطية المتسلطة، والاستحواذ على الفائض، والسيطرة على السوق والقسر، كل ذلك ظلَّ في الأساس دون تغير بعد استقلال السودان في عام 1956. عملياً ظلَّ جهاز الدولة الوطنية الوليدة المحور الرئيس لتراكم الثروة محولاً الاقتصاد الوطني إلى شبكات متوارثة للنخب السياسية، مدمراً بصورة حادة الجانب الإنتاجي للاقتصاد، ولم يجلب أي شكل من أشكال التنمية المتوازنة. بدلاً من الاستثمار في مشروع تنموي يخدم المصلحة العامة للأمة السودانية "أمةً"، ويخلق جهاز دولة بيروقراطي مستقل وفاعل، فإن النخب الحاكمة حاولت التلاعب بالمزايا المادية لسيادة الدولة لتقوية سلطتهم السياسية الشخصية والإقليمية الضيقة. إنه بعد أقل من عقد واحد أخذت حكومات ما بعد المرحلة الاستعمارية في إعادة تمجيد الدولة الاستعمارية، من ثم فإن الطريقة التي ظلت تعمل بها الأنظمة السياسية في سودان ما بعد الاستقلال، لا بدَّ من تحليلها وفق قيمتها الفعلية لا بوصفها تقليداً لنماذج الدولة الغربية.



    ظل السودان مستقلاً لقرابة نصف قرن ويجب علينا أن نستبعد إمكانية تأسيس، طبقاً للظروف الحالية، نموذج ماكس فيبرى للدولة والديمقراطية الغربية هنا. إذا كان لنا أن نجتهد في تحليل الصراعات المختلفة في مرحلة ما بعد الاستقلال، وفي العقد الأخير على وجه الخصوص، فإنه لا بدَّ لنا بدلاً عن الإصرار على القول بفشل السودان للتماثل مع الديمقراطيات الغربية، أن نقلع عن التعريفات الغربية ونبدأ بالتساؤل عن الكيفية التي يتصور بها أهل السودان مفاهيم التنظيم السياسي الاجتماعي، والهُويَّة، والمسئوليات الحكومية. إن مقارنة بنية الدولة في السودان بالنظريات العامة لبنية الدولة، القائمة على المسارات الغربية، لا تمثل أكثر من مجرد تبسيط مخل.



    منذ نهاية ستينيات القرن المنصرم، فإن ممارسة النهج الوراثي لاحتكار السلطة من قبل نخب بعينها تقوم على قاعدة دينية طائفية أصبحت تتعرض لمعارضة متناميَّة بفعل تناقص الموارد الداخلية والظروف الجديدة للسيادة الخارجية، التي أعلنت نهاية شبكات المحسوبية ذات القاعدة العريضة في الكثير من أجزاء أفريقيا، إلى جانب نهاية النظام القديم ما بعد الاستعماري لاحتواء النخب. نموذج الدولة الوطنية للتنمية في السودان قد يكون سعى، نظرياً، إلى تحقيق الوحدة الوطنية والتكامل، لكن الطريقة التي وزعت بها الموارد والسلطة قد ركزت بذرة المنافسة على الموارد المتناقصة. لم تعد الشبكات السياسية غير الرسمية القائمة على قاعدة "الوراثة" بقادرة على حماية مصالح النخب المسيطرة بعد أن خلقت التحولات العالمية في نهاية الحرب الباردة إمكانيات تجارية جديدة، أساساً باستخدام طرق غير مشروعة، مما فرض على تلك النخب البحث عن "إستراتيجيات جديدة" لانتزاع الموارد. في حين أننا نعترف بأنَّ إعلان حكم قيَّمي على الطريقة التي عملت بها الأنظمة السياسية المتعاقبة في السودان أمر خاطئ سياسياً، فإنه لا يمكننا تجاهل التكلفة الاجتماعية العالية لسياسة الوراثة والكارثة التي تسببت فيها بالنسبة لاقتصاديات المنتج الصغير. إن تهاوى الدولة "كنظام للسلطة والنظام" يمثل واحداً من أكثر الجوانب درامية للأزمة السودانية.



    نواجه من ثم مشكلة مزدوجة. على "المستوى الو صفي" هناك حاجة لنماذج جديدة للنظر لأنظمة السلطة والحكم في سودان ما بعد الاستقلال. النظر إلى التطورات السياسية في سودان ما بعد الاستعمار فقط بحسبانها فشلاً تعرضت له عمليَّة بناء الدولة والديمقراطية لن يساعدنا في إدراك الدينامية التي تحكم المجتمع السوداني وتجمعاته السياسية. في الواقع فإننا نمتلك فهماً محدوداً للطريقة التي "تخلق بها السلطة في السودان ويعاد بها إنتاجها وممارستها". إضافة فإن النظريات التي تركز فقط على فشل الدولة عادة ما تهمل الحقائق الموجودة على أرض الواقع. إن السودان يعيش حالياً حداثته الخاصة، وتحاول النخب الحاكمة السياسوإسلاموية الجديدة و"الوراثية" الأكثر عراقة في صراعها من أجل البقاء أن توظف الاختلالات الوظيفيَّة التي تتعرض لها الدولة.



    الآن وقد تغير الزمن في عصر العولمة هذا، أصبح من الضروري إعادة إدخال مفهومي "الفضاء" و"الزمان" مجدداً إلى رؤانا السياسية. إن دراستنا لقضيتنا السودانية لا بدَّ أن تقيم توازناً بين التناولين "البنيوي" و"الاصطفائي". بكلمات أخرى، فإنه في حين لا يجوز النظر إلى السودان كجزيرة منعزلة عن التحولات العالمية، فإنه من الضروري أيضاً النظر إلى الطريقة الخاصة التي تتجلى بها تلك التطورات في السودان (أي الأشكال الثقافية للأزمة السياسية والاقتصادية). ليس السودان ضحية ماضيه: سياسة التوريث النخبوي، والاثنية وما إلى ذلك والتي هي ظواهر حديثة استجابة للتحولات الحديثة في كل من تفكيرنا العلمي، وفي تكوين السياسات الدوليَّة، فإننا بحاجة إلى ربط المعطيات المحلية المحددة بنيوياً مع التحولات الوطنية والعالمية والتوقف من التعامل مع السودان بوصفه "نموذجاً للتفرقة العنصرية" الممارسة من قبل أهل وسط السودان على الأطراف. ففي الوقت الذى تكونت فيه الهُويات السودانية تاريخياً، كما ألمحنا من خلال عرضنا التاريخى، استجابة لتحولات تاريخية شاملة (التحركات السكانية الداخلية في مختلف المراحل التاريخية، والهجرات العربية التي أفرزت تحولاً جذرياً اتسم بقدر من الديمومة في التوازن الايكولوجي بين الصحراء والأرض المزروعة إلى جانب إحداث تبدل رئيس في بنية الثقافات السودانية المحلية)، فإن الطريقة التي تظهر بها تلك الهُويات نفسها يمكن أن تكون جد متنوعة. الاختلافات الثقافية، على كل، يجب ألا تضللنا طالما أنها أكثر من مجرد لملمة لمحتوى أكثر أهمية.



    لكن هل باستطاعتنا، من جانب ثانٍٍ، أن نكتفي بوصف كيف أن السودان يعيش الآن حالة تفكك؟ ألا يمكن تقديم إسهام علمي في "إمكانيات بناء الدولة" وإيقاف الحرب الأهليَّة من واقع قراءة مغايرة لتلك التي قدمتها النخب ذات الرؤية الانسدادية، من خلال تفكير جديد أكثر إبداعاً في مسألة إعادة بناء الدولة؟ إذا كانت المناقشات البناءة عن الحكم وسلطة الدولة ممكنة في مناطق أخرى فلماذا لا يكون ذلك ممكناً في السودان؟



    نعتقد بأن دعاة السودانوية يمكنهم بل يجب عليهم أن ينخرطوا في مناقشة الكيفية التي يمكن بها تطوير البني السياسية في السودان. يقدم مشروع ميثاق التجمع الوطني الديمقراطي الداعي إلى قيام سودان جديد نموذجاً رائعاً لإمكانية حل الاختلافات الاثنية في إطار سودان موحد. يظهر ذلك النموذج أنه من الممكن دمج ضمان حقوق الأقليات الاثنية- الثقافية مع حكم إقليمي يقوم على الاستفادة من تجارب سودانية محلية على مدى فترات تاريخية ممتدة في أعماق التاريخ إلى عهد دولة كوش في كرمة، ونبتة، ومروى والممالك السودانية المسيحية القروسطية. لماذا لا يصبح ممكناً الانخراط في مناقشة بناءة لتجاربنا السابقة التي نجحت في إنشاء مؤسسات قضت على الصراعات وعملت على إقرار سلام واستقرار في السودان قرابة الثلاثين قرناً من الزمان. تجنب الدخول في مناقشة ذلك إنما يعنى مجرد تأجيل لمثل تلك الأسئلة الأساسيَّة وهو ما يؤدى إلى سيادة الاطروحات التفكيكية الانسدادية وبروز أطروحات تفكيكية متعددة.



    نقول، نعم هناك مشكلة تكوين دولة وطنية موحدة في السودان وفق رؤية دعاة المشروع الحضاري الإسلامي أو مشروع الصحوة الإسلامية. مفهوم "الانتماء الوطني" مهم وعلى دعاة السودانوية أن يعملوا لإنجاز فهم أكثر عمقاً للكيفية التي نعرف بها كسودانيين انتماءنا السياسي للمجتمع. فقد أدى المحتوى التاريخى المتميز بالتحرك المتزايد لمجموعات اثنية بفعل التقلبات البيئية إلى بلورة "الهُويَّة السودانية الشاملة" عبر نشوء مصاهرات وبروز هًويات جديدة، والتي يمكنها أن تسمو فوق الدولة (مثل الهُوية الاثنية وسلسلة المعتقدات الدينية). مفهوم الوطنية القائم على نزعة مركزة وسطونيلية سياسوإسلاموية، على سبيل المثال، لا بدَّ من إعادة تقييمه بالنظر للواقع القائم على الأرض. علينا أن نعى أن المطابقة بين الوطنية والدولة ليست ممكنة في كل حالة (أو ضرورية). فيما وراء الوطنية والجنسية، اقتنت هُويات أخرى مثل الجنس والاثنية والعرق أهمية سياسية جديدة وهو ما يفرض علينا بلورة رؤى تضمن مفهومي الفضاء والزمان، بعيداً عن مفهوم الهُوية والوطنية الضيق المميز للأفق الإثنى الوسطونيلى. على كل، فإن مفهوم الدولة بوصفها بنية سياسية فحسب هو ما يكمن في قلب الأزمة السودانية الراهنة، ذلك أن الهُويات السودانية المُهمشة اثنيا وثقافياً واقتصاديا أخذت، بفعل تاريخ طويل للتعالي الإثنى والثقافي الوسطونيلى، في تعريف نفسها في مواجهة الدولة الأُحادية دينياً وثقافياً. أصبحت مسألة الهويَّة بفعل تعنت اثني في نهاية المطاف العامود الفقري لحركة سياسية بغرض استعادة الحق الطبيعي بالقوة. ردة الفعل هذه التي إن جاز تسميتها "الحنين إلى الوطن" بمعناه الدستوري، الوطن الحقوقي المسلوب أصبحت زهرة يمتص رحيقها دعاة "السودان الأمة الواحدة" الذين عقدوا العزم في مصوع على المضي في مشوارهم وهم ينشدون:

    هذا طريقي يا بنيَّة مرهق للسائر

    رصفته أشلاء الضحايا في النضال السافر

    وعلى جوانبه تعيث الذئاب والأفاعي دون ضمائر

    فإن أردت الحب بالقلب النبيل الطاهر

    فسيرى بجنبى في النضال وبابتسامتك آذرى

    أما إذا اخترت الفرار فليس ذلك صائرى

    سأسير حتى النصر محتقراً لكل حب خائر



    بالنسبة لدعاة السودانوية فإنه من الضروري إنجاز فهم دقيق للعلاقة بين الهُويات الاجتماعية والدولة والكيفية التي تكونت بها التجمعات السياسية. في حين أن هناك مؤشرات دالة على أن الهُويات الاجتماعية قد تصبح فاقدة لإقليمها العرقي، فإن هناك تطور آخر عادة ما يتم إهماله أو نسيانه، تحديداً إبعاد السكان من موطنهم الإثنى قسراً كما هو حادث اليوم في جبال النوبا وفي ما يسمى بالمنطقة الآمنة للنفط!!



    المنافسة الحادة المتزايدة على الموارد الشحيحة تدعونا أيضاً للتفكير بصورة أفضل لإدارة البيئة (مثل موارد الغابات، والنفط، والأراضي الزراعية). لا بدَّ من إعادة التفكير بدور الدولة (في مواجهة الشركات العابرة للقارات والرأسمالية المحلية المرتبطة بها وفي مواجهة السكان) في مجال إدارة الموارد الطبيعية وحماية البيئة. كما يجب علي دعاة السودانية بالقدر نفسه أن يطوروا فهماً أكثر دينامية للعلاقة بين تحديد الهُويَّة الاجتماعية وتنظيم حيازة الموارد الطبيعية. الكثير من العنف في السودان ارتبط من جوانب عديدة بالصراع على الموارد الشحيحة، وسوف يتزايد إن سارت الأمور بهذه المأساوية الماثلة.



    على دعاة السودانوية أن ينجزوا مشروع عمل ثقافي يطهر العقل السوداني من الاعتقاد السائد الذى رسخته النخب التفكيكية بوجود علاقة بين الانتماء الاثني والشخصية. المشروع الثقافي السودانوى يجب أن يؤكد على نفي وجود أية علاقة بين الانتماء الإثنى والشخصية وعلى نفي الادعاء بأن أية سمة ثقافية أو أي عنصر من عناصر الثقافة مثل الدين واللغة هي بحال من الأحوال سمة سلالية ومن ثم تبيان أن العنصرية هي الاعتقاد بأفضلية سلالة على أخرى، وأنها ترتبط بسلوكيات طابعها التمييز والتفرقة تجاه من يعد منتمياً إلى مجموعة اثنية "أدنى"، وأن مثل هذا الاعتقاد العنصري يقوم عادة على أساس الادعاء بأن مجموعات سكانية معينة تمتلك قدرات وملكات عقليَّة"أقل" ويمتد هذا الاعتقاد ليشمل بجانب ذلك الطابع الأخلاقي والقيَّمي للجماعة الاثنية "الأدنى"، ويتميز هذا الاتجاه العنصري بادعائه أن القدرات العقلية والقيَّمية والأخلاقية هي سمات موروثة. على دعاة السودانوية أن يؤكدوا على حقيقة أن مثل هذه الأفكار العنصرية ترجع إلى عناصر عدة: مثل الاستعمار، والدين، والأنظمة القيَّمية والأخلاقية، والنشاطات الاقتصادية، والتكنولوجيا أو جميعها مجتمعة. فقط من خلال عمل ثقافي دءوب ومتأنٍ وموضوعي بعيداً عن القيود المفروضة على العقل السوداني بفعل هيمنة أشكال مختلفة من التابو، يمكن أن ينجح دعاة السودانوية في الكشف عن حقيقة الأزمة الحالية التي فرضتها هيمنة عقل رجعة تمتد جذوره إلى عصر السلطنة الزرقاء، ومن ثم العمل الدءوب لتحرير عقل أهلنا في الشمال والجنوب، في الشرق والغرب عن مثل ما يروج له المشروع الانسدادي لدعاة التفكيك.



    على المشروع الثقافي السودانوى أن يبين بكامل الوضوح أن العنصرية ظاهرة ثقافية لا أساس وراثي لها، وكون أن مجموعة اثنية سودانية هي الأفضل أو الأدنى عقلياً وأخلاقياً هو مفهوم يحاول غرسه دعاة التفكيك طالما أن العنصرية ظاهرة تمتد بجذورها إلى الاقتصاد والسياسة والاجتماع [ للمزيد حول العنصرية انظر التطور البيوثقافي].



    آخذين في الحسبان تلك النقاط فإن المشروع الثقافي السودانوى يجب أن يؤكد على حقيقة كون الثقافات تتغير، وأن تلك التغيرات ذات اتجاه محدد، وأن بعض الثقافات تدوم وتنمو في حين تنقرض أخرى. فإذا كان لنا أن نفهم بصورة لها مغزى أي شئ عن ثقافاتنا السودانية فان ذلك يكون ممكناً فقط من خلال دراسة تلك العناصر الثقافية المؤلفة لكل ثقافة سودانية منفردة في ترابطها وتفاعلها الجدلي بالثقافات السودانية ككل.



    السؤال الملح هو كيف لمشروع السودانوية الثقافي والأمر كذلك أن يقاوم ويحبط الضغوط الأيديولوجية الثقافية القروسطية التي يمارسها فكر النخب التفكيكية؟ واضح أن هذه الأخطار هي الأعظم وهى التي خلقتها تلك النخب: الكبت الفكري، والحظر السياسي، والتطهير العرقي، والعنصرية وما إلى ذلك، وواضح بالقدر نفسه أن الإجابات القابلة للتطبيق هي بدورها ثقافية.. بوصفنا أناساً فإننا نمتلك كسودانيين القدرة على إعادة صياغة سوداننا سواء للأحسن أو للأسوأ.. الخيار متروك لنا. "دعونا ننفتح، كما يقول د. جون قرتق، وذلك لأن أي مجتمع يقوم على مكونات مبتسرة لا يمكنه أن يصمد أو يعيش طويلاً. هذا هو ما ينبئنا به تاريخ البشرية، فالمجتمع المفتوح والذي يضم ويستوعب جميع مواطنيه هو القابل للحياة والنمو والقادر على التكيف بيسر وعلى أن يستمد أسباب القوة لإستمراريته وبقائه، فهناك أشياء صغيرة تفرق بيننا، أشياء ليس من الصعب أن نجد لها حلولاً، ويمكننا أيضاً معالجة الأمور الكبيرة".



    اشكالية أصل الفونج


    --------------------------------------------------------------------------------

    مجلة الآثار│مجلة الأنثروبولوجيا│نصوص ملوك كوش│مؤتمرات علميَّة│عرض الكتب والدراسات│ما قبل تاريخ الصحراء الليبية

    ملوك وملكات كوش│الديانة الكوشية│الكتاب الكلاسيكيون│تقنيات البحث الآثاري│الثقافات الأفريقية│الببليوغرافيا│الصفحة الرئيسة






                  

06-03-2008, 06:47 PM

Khalid Kodi
<aKhalid Kodi
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 12477

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دعنا نوقف هذه الحرب اللعينة (Re: ABUKHALID)

    العزيز ربيع

    تحياتى وشكرا لهذا للبوست.

    .
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de