شهيد الفكر الأستاذ محمود محمد طه يقول فى الاسلاميين 1986

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-21-2024, 01:02 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-18-2008, 01:11 PM

azz gafar
<aazz gafar
تاريخ التسجيل: 07-15-2007
مجموع المشاركات: 2123

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
شهيد الفكر الأستاذ محمود محمد طه يقول فى الاسلاميين 1986

    قال شهيد الفكر الأستاذ محمود محمد طه في 1978 ما يلي:



    من الأفضل للشعب ان يمر بتجربة حكم جماعة الأخوان المسلمين، إذ لا شك أنها سوف تكون مفيدة للغاية فهي تكشف لأبناء هذا البلد مدى زيف شعارات هذه الجماعة التي سوف تسيطر على السودان سياسياً واقتصادياً، ولو بالوسائل العسكرية، وسوف يذيقون الشعب الأمرين، وسوف يدخلون البلاد في فتنة تحيل نهارها إلى ليل، وسوف تنتهي هذه الفتنة فيما بينهم وسوف يقتلعون من أرض السودان اقتلاعاً
                  

05-18-2008, 03:29 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شهيد الفكر الأستاذ محمود محمد طه يقول فى الاسلاميين 1986 (Re: azz gafar)




    الأخوان الجمهوريون

    ===============================
    اﻟﻬﻮس الدﻳﻨﻲ يهدد أمن ووحدة الشعوب ويعوق بعث الإسلام

    ===============================


    الطبعة الأولى – يونيو ۱٩٨٠م – صفر ۱٤٠٠ﻫ

    الإهداء:-
    إلى الناس عامة، وإلى المسلمين خاصة، وإلى السودانيين بوجه أخص!!
    اعلموا: أنّ الإسلام برئ من الهوس الديني الذي يجتاح العالم الإسلامي اليوم!!
    وهو برئ من المهووسين الدينيين الذين يسفكون الدماء، ويفسدون في الأرض، مشوهين وجه الإسلام الحق، ومباعدين بين الناس وبين المعين الصافي!!
    فلا تقابلوا هذا الهوس بالسلبية، ولا بالإذعان، ولا بالرضوخ لإرهاب دعاته المضلّلين!!
    بل واجهوا هذه الجهالة بسلاح الفكر الديني الواعي!!
    وواجهوها بحكم القانون!!
    سددوا أمامها المنافذ، والثغرات!!
    وادحضوا حجة هذا الهوس .. اليوم، وليس غداً!!
    فإنّكم «ألا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»!!














    بسم الله الرحمن الرحيم
    «قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً ¹ الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً؟؟» صدق الله العظيم ..

    اﻟﻤﻘﺪمة:
    ولكن كل هذا الحلم الكبير مهدد، ومحفوف الآن بالهوس، والفتنة التي لا تصدر إلا العنف، والقتل والإرهاب، وامتهان كرامة الإنسان، هذا الهوس الذي يمارس الآن في غفلة من سيادة الفكر، وفي غيبة من الوعي، باسم الإسلام، من أناس جهلوا حقيقة الإسلام، وجانبوا صفاء معينه، فأخذوا يصدرون عن كدورة قلوبهم، ورعونة أنفسهم .. وكل ذلك نحن نريد أن نبرّئ منه الإسلام، ونريد أن ندق به ناقوس الخطر، في بلادنا، وفي بلاد العالم الإسلامي أجمع، لنأخذ حذرنا، فلا نفرّط في حرّيتنا الدينية والفكرية، ولا نسلّم كرامتنا، وعزّتنا، طوعاً، أو كرهاً، لأناس ما قدروا الله حق قدره، ولا رعوا للإنسانية حرمة ..

    إنّنا في هذا الكتاب نسوق أمثلة عن الهوس الديني عامة، ولكنّا نركّز، بصورة خاصة، على تنظيم الأخوان المسلمين، وعلى تنظيم الوهابية ..

    إنّ الأخوان المسلمين هم في بلادنا رصيد الهوس الديني وركيزته .. وبلادنا هذه تعيش وضعاً دقيقاً وحساساً لا يحتمل المزايدة باسم الدين التي يمارسها تنظيم الخوان المسلمين ومن سار سيرتهم .. ولقد رأينا كيف أطلّت الفتنة الدينية، وأوشكت أن تنفجر بمعرضهم الذي أقاموه في فبراير ١٩٨٠ بميدان أبي جنزير على مسمع، ومرأى، وبدعم من وزارات في الدولة، وقد سخّر ذلك المعرض لافتعال معركة بين المسيحيين والإسلام، إذ علّقت الصور، ووزعت المنشورات، التي تثير الفتنة بين ابناء البلد الواحد الآمن، لتدفع بهم إلى أتون حرب أهلية لا تبقي ولا تذر.



    إنّ الجهل بالدين، عند المتديّن، إنّما يورث مستويين من الخلل الفكري، المضر، بالفرد والمجتمع، أشد الضرر.

    أوّلهما التعصب الديني .. وهذا يجعل صاحبه منكفئاً على نفسه، منغلقاً على مبلغه من العلم، مهما كان يسيراً، ومشوشاً، ومنحرفاً .. فهو لا يسمع لغيره، ولا يجد في نفسه الاستعداد، والسعة لإحتمال أن يكون الحق عند غيره، ولذلك فإنّه يضيق صدره بمخالفيه في الرأي، ولا يلقاهم إلا بالتشنّج، والعنف، إذا ما هم أرادوا إدارة حوار معه، أو أرادوا له هداية .. وهذا المستوى هو ما عليه، في العادة، أتباع الطائفية التي تجمّد فيهم الوعي وتعطّل الفكر، ليظلّوا رصيداً لها، ينفّذون إشارة زعمائها، ويموتون في سبيلهم .. والأمثلة على ذلك كثيرة، وكان آخرها أحداث الجزيرة أبا، والغزو الليبي ..

    وثانيهما: هو الهوس الديني وهو الذي يجنّد فيه الأتباع ويصاغوا صياغة توهمهم بأنّهم أوصياء على الآخرين، ويحملونهم بالعنف على ما يعتنقونه هم من مذهب، بل يسفكون دماء الأبرياء، من المسلمين ومن غير المسلمين، بدعوى الجهاد في سبيل الله، غير عالمين بشروط الجهاد، ولا بمرحليته .. وغير مدركين لعمق رعاية الإسلام لحرمة النفس حتى لقد جاء في الحديث الشريف: «لأن تنقض الكعبة حجراً حجراً، أهون عند الله من سفك دم امرئ مؤمن بغير حق» ..إنّ الشر كلّه إنّما يجئ من جهل الناس بالدين .. ودعوة الأخوان المسلمين ناقصة، ودعوة الشيعة أيضاً ناقصة، والوهابية أكثر نقصاً، وكل دعوة دينية ناقصة إنّما هي فتنة – هي فتنة لأنّها تريد أن تفرض نقصانها على الناس، ولأنّها تستغل اسم الله .. وهي فتنة بهذا الاعتبار لأنّها تستطيع أن تضلّل الناس، والشباب منهم بصورة خاصة، وتلك ظاهرة تسترعي الانتباه في مصر، وفي السودان.

    إنّ هذا الهوس لا يدرأ خطره إﻻ بتسليط الضوء عليه .. ضوء الفكر الديني الواعي .. وذلك إنّما يتم بفتح مجال الحوار، ووضع الأسس، والضوابط، التي يجري على هداها هذا الحوار .. وفي مقدمة ذلك التزام جميع الأطراف بالموضوعية، وبالنهج العلمي، وبطرح تصوّر محدد لمعالجة القضايا الأساسية في المجتمع .. ولقد شرحنا وجهة نظرنا حول هذا الأمر في كتب عديدة نذكر منها: «المنابر الحرّة» و«الصلح خير» و«أزمة الجامعة، الحل العاجل والحل الآجل» ..

    فعن طريق الحوار، وفتح مجال المنابر الحرّة تتم التوعية الشعبية بالفكر الديني الواعي .. وهذا هو السبيل .. ولا سبيل غيره!!

    وأمّا اللجوء إلى كبت التجمعات، والتنظيمات التي تنشر الهوس الديني، فإنّه سير في الطريق المسدود .. وبرهاننا على ذلك ما نراه في مصر اليوم من استشراء لهذا الهوس، وذلك بالرغم من مضي أكثر من ربع قرن من الزمان على قيام الثورة المصرية التي واجهت الأخوان المسلمين بأسلوب العنف فقط، في أوّل الأمر، عندما حاولوا هم الانقضاض عليها، ثمّ واجهتهم بأسلوب اللامبالاة، في آخر الأمر، في عهد السادات، حتّى كشّرت هذه الجماعة الآن عن نابها، فحاول السادات أن يرجع إلى الأسلوب القديم، أسلوب الكبت والمنع، بعد فوات الأوان ..

    ولذلك فإنّا نحذّر من التجربة المصرية، ذلك بأنّنا في السودان معرّضون لمضارّها أكثر من تعرّض مصر، وبما لا يقاس، وما ذاك إلا لوجود الرّواسب الدينية والعنصرية هنا، والتي، وإن خمدت نارها ما يجب أن نظن أنّها أطفئت تماماً .. ووقود هذه النار هو الهوس الديني الذي يقوده، بفعالية، وبجهالة نشطة، تنظيم الأخوان المسلمين .. فلنحذر نحن السودانيين، ولنحذر نحن المسلمين، من الهوس الديني، والفتنة السوداء التي تنطلق في أعقابه ..

    إنّ الإسلام عائد، ولقد أظلّنا وقته، فما للإنسانية غيره .. هو عائد ليحل مشاكل الإنسان المعاصر التي عجزت الفلسفات، والأديان، عن حلّها .. هو عائد من أجل هذا الغرض النبيل، وليس من أجل أن يضيف إلى ما تعانيه البشرية اليوم من الإنقسامات والحروب، عداوات، واحتراب الطوائف الدينية التي خلّفها الزمن ..

    الإسلام عائد ليعلّم الناس السلام، لا ليمرّسهم على الإرهاب، والعنف .. هو عائد علم نفس، يروّض النفوس، ويهذّبها، لا ليطلق العنان لنزعات الحيوان فيها ..

    إنّنا قد آلينا على أنفسنا أن نمضي في سبيلنا، لا نلوي على شيء، ننذر، ونحذّر، ونوقظ النيام، نسد الثغرات في بناء مجتمعنا، ونقفل الطريق أمام الجهالات، ونحول بين شعبنا وبين الذين يريدون استغلاله، وتسخيره، ضد مصلحته الحقيقية، الدينية، والدنيوية .. وعلى الله قصد السبيل ..















    اﻟﻬﻮس الدﻳﻨﻲ نذير الفتنة السوداء
    إنّ الهوس الديني الذي استشرى في العالم الإسلامي إنّما يدق ناقوس الخطر، بقوّة، وبإلحاح، لينبّه الغافلين كي يهبّوا من سباتهم، ويفتحوا أعينهم، ويأخذوا حذرهم، فإنّ الفتنة الدينية تطل برأسها، والعاصفة الهوجاء، تتجمّع لتطيح بكل مكتسباتنا في التقدّم، والتمدّن، بل لتققضي على الأمل الوطيد في بعث الإسلام واعياً معافياً، تتعلّق به الإنسانية كطوق نجاة من الهاوية التي توشك أن تتردّى فيها ..

    إنّه لواجب على كل حادب على مستقبل الإسلام، وعلى مستقبل الإنسانية، وعلى كل حريص على مصير السودان، أن يستشعر الخطر المحدق بهؤلاء جميعاً، وأن يعمل الفكر حتّى يحيط بأبعاد هذا الخطر، ويعمل، من ثمّ، على إحباطه، قبل فوات الأوآن ..

    رأس الفتنة:
    إنّ المتأمّل في الشواهد، والأمثلة التي سقناها، في هذا الكتاب، حول الهوس الديني، يدرك، بوضوح تام، أنّ الأخوان المسلمين هم الذين يقودون، ويدعمون موجة الهوس الديني التي ظلّت تطل برأسها، هنا وهناك، حتى تبلورت اليوم، وأوشكت أن تعم كل البلاد الإسلامية، وتستحوذ على مقاليد الأمور فيها، بالعنف، والإرهاب، وبالخديعة وبالكذب، وبالتزييف، وبالتستّر خلف رداء الدين ..

    فأما بالنسبة لتنظيم الأخوان المسلمين، فإنّ ممارسته للعنف والإرهاب واضحة للعيان، في السودان، وفي خارج السودان، وهم يجاهرون بتأييدهم لكل مهووسي العالم الدينيين ..

    أمّا الوهابية، فإنّ هوسهم الديني، المتمثل في تكفير الناس، ورمي الأولياء بالزندقة، فمعروف، وهم يباشرونه، صباح، مساء، في شوارع العاصمة، وفي مساجدهم المشادة باسم تنظيمهم .. والقول الجارح، والعنف، بالأحياء، والأموات، سمة من سمات الوهابية التي لا تنفصم عنهم .. وإنّ وجههم هذا ليطالعنا في ممارسات جماعة «التكفير والهجرة» بمصر، وفي مجموعة قرية «أمستري» بغرب السودان ..

    ﻧﻤﺎذج من السودان
    حادث أمستري
    من نماذج الهوس الديني التي نسوقها هنا، حادث «أمستري» بغرب السودان، الذي جرى في يونيو ١٩٧٧، على أيدي بعض المهووسين الدينيين، فقد اعتدوا على رجال الأمن بنقطة بوليس «أمستري»، مما أدى لمقتل ٤ من رجال الشرطة .. وقد أمكن إلقاء القبض على بعض الجناة، وجرت محاكمتهم ..

    حيثيات اﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﺗﺤﻜﻲ ما جرى: ونحن نورد هنا بعض الفقرات من حيثيات المحكمة العليا التي أيّدت حكم الإعدام على الجناة، وذلك نقلاً عن جريدة الصحافة ١٩/٤/١٩٨٠م: «تمّ صباح أمس بسجن الفاشر تنفيذ حكم الإعدام شنقاً حتّى الموت على المتّهمين دهب علي عبد الله وجمعة موسى رمضان لاشتراكهما في الهجوم على نقطة شرطة أمستري بالقرب من مدينة الجنينة في ١٦ يونيو ١٩٧٧م وقتل أربعة من الجنود ..

    وقد وضحت الحقائق التالية أمام المحكمة العليا عند تأييد حكم الإعدام على المتّهمين:

    تجمّع بمنطقة الجنينة بغرب السودان نفر من السذّج حول دجّال يدعى عز الدين جبريل أثّر عليهم فتركوا أهلهم وعاشوا أتباعاً له في قرية تدعى روضة مما أدى إلى خلافات وعداوات بينه وبين أهالي القرى المجاورة أدّت إلى التصادم بينهم مما أدّى مرّة إلى اتهامه وحبسه .. كما أدّت إلى إتلاف مزارعه وحرق مسجده، فقرّر أن يرحل من الوطن ولكن بعد أن يلحق بالآخرين أذى وضرراً باسم الدين ..

    وفي يوم من أيام شهر يونيو ١٩٧٧ تحرّك عز الدين ومعه خمسة من أتباعه من بينهم المتهمان دهب علي عبد الله وجمعة موسى رمضان متّجهين نحو نقطة شرطة أمستري .. وفي الوقت الذي كان فيه رجال الشرطة يؤدّون واجبهم المقدّس وكان الدجّال وجماعته قد بيّتوا النية على الغدر بهم وإبادتهم بعد أن تأكّد لهم أنّ أضعف نقطة يهجمون عليها هي أمستري التي لم يكن بها حرس إضافي من الجيش كما في بعض نقاط الشرطة الأخرى المجاورة للحدود. فلمّا جنّ الليل أمر عز الدين جماعته بالتقدّم نحو النقطة فلمّا اقتربوا منها أمر المتّهم الثالث بأن يقف خلف مباني النقطة لكي يشعرهم بأي هجوم خارجي كما استوقف المتّهمين الأوّل دهب علي عبد الله والثاني جمعة موسى رمضان بالقرب من سور النقطة ودجّجهم بالأسلحة البيضاء ودخل النقطة وشريكاه محمّد محمود وآدم أدما حيث هجموا على رجال الشرطة النائمين طعناً وضرباً فتوفي في الحال الشرطيين علم الدين الحاج وحسين عبد القادر .. شعر كل من العريف عمر إبراهيم والشرطي محمّد آدم حسب الله وكانا نائمين في منزلهما بالضجّة فأسرعا نحو النقطة ولكن الجناة انهالوا عليهما في الظلام طعناً وضرباً. ولم يبق على قيد الحياة سوى الشرطيين شاهدي الاتّهام عبده جمعة ومحمّد أحمد محمّد الطاهر .. كسر عز الدين وأعوانه مخزن السلاح وأخذوا مدفعاً وبنادق وذخيرة واتّجهوا نحو الحدود ولمّا اشتدّ بالجناة الجوع ذهبوا إلى جماعة من الأعراب وطلبوا منهم طعاماً فلمّا اعتذروا احتجزوا أحد الأعراب كرهينة ما لم يدفع لهم مبلغاً معيّناً من المال فهجم عليهم الأعراب فأطلق عليهم الجناة النار فأصابوا أحدهم وقتلوه وهربوا. عندئذ طاردهم الأعراب للأخذ بالثأر حتى اهتدوا إلى مكانهم فباغتوهم ودارت على الباغي الدوائر إذ تمكّن الأعراب من قتل الدجّال عز الدين وتابعيه محمّد محمود وآدم أدما. وأثناء البحث قبض على المتّهم الثالث الذي أبان للشرطة كثيراً من تفاصيل الحادث، أمّا المتّهمان الأوّل والثاني فقد فرّا بجلدهما بعد أن خبّأ المتّهم الأوّل المدفع والذخيرة ولحقا بالمتّهم الرابع الذي كان قد اختبأ مع نساء المهاجمين في إحدى القرى حتّى تمكّنت قوات الجيش والشرطة من مطاردتهم وإلقاء القبض عليهم بعد أن أصيب المتّهم الأوّل في فخذه والثاني في صدره» انتهى.

    كتب الوهابية مع اﻟﺤِﺮاب: وكان وزير الداخلية في ذلك الوقت قد أدلى ببيان حول الحادث، أمام مجلس الشعب، بتاريخ ٢١/٦/١٩٧٧، جاء فيه، ما يلي، نقلاً عن جريدة الأيّام - ٢٢/٦/١٩٧٧م:

    «اتّضح من التحري في الحادث أنّ أحد المواطنين شاهد يوم ١٤/٦/١٩٧٧ مجموعة عددهم حوالي ٧ أشخاص بالمنطقة يقرأون الكتب ولمّا تحدّث إليهم «غطّوا» وجوههم وقد جاء التطابق إلى معرفة شخص في قرية أمستري له أفكار دينية متطرّفة وهو سوداني وأنّ هناك مجموعة أعلنت قتل كل من لا يحكم بالشريعة الإسلامية وذكر السيد الوزير أنّه تمّ العثور على عدد من الحِراب والمصاحف وكتب أنصار السنّة فيها مجلّة التوحيد والكرّاسات فيها دعوة إلى الجهاد وقال أنّه عند زيارته لمكان الحادث اتّضح أنّ الإجراءآت اتّخذت وأنّ لجنة من الأمن بالمديرية درست الموقف وأنّها في تقييمها للمعلومات ترجّح أنّ المجموعة الإرهابية المذكورة هي التي قامت بهذا العمل» ..

    لقد اتّضح، من المخلّفات التي عثر عليها في مكان الحادث، ومن المعلومات التي ثبتت أمام المحكمة، أنّ الهوس الديني كان هادي أولئك الجناة، فلقد كانوا هم أنفسهم ضحايا أفكار دينية منحرفة، وجدت طريقها إلى عقول هؤلاء البسطاء، حتّى برّرت عندهم قتل الأبرياء، وانتهاك حرمة القانون، وترويع الآمنين ..

    وليس من المستبعد أن يكون أولئك البسطاء قد اتّخذوا من الوهابية مذهباً .. يدل على ذلك ما وجد من كتب، ومجلّة وهابية في مكان الحادث، كما يدل عليه أيضاً وجه الشبه بين عملهم الذي قاموا به في أمستري، وبين اتّجاهات، وممارسات محمّد بن عبد الوهاب مؤسس الوهابية الذي استباح دماء الذين يخالفونه الرأي، ولو كانوا مسلمين، فهو يكفّرهم، ويستجيز مقاتلتهم .. وما يؤيّد هذا القول ما جاء في كتاب: «تاريخ المذاهب الإسلامية» للشيخ محمّد أبو زهرة صفحة ٢٥٣: «إنّ الوهابية لم تقتصر على الدعوة المجرّدة بل عمدت إلى حمل السيف لمحاربة المخالفين لهم باعتبار أنّهم يحاربون البدع وهي منكر تجب محاربته ويجب الأخذ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. وذلك لتحقيق قوله تعالى: ‹كنتم خير أمّة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم›» .. ويؤيّده أيضاً ما جاء في جريدة الصحافة السودانية بتاريخ ٣١/١٠/١٩٧٦ وهي تتحدث عن الوهابية بما يلي: «وقد قام محمد بن عبد الوهاب بثورته الدينية ضد الأضرحة والبدع، وضد الصوفية، والأولياء .. وكان والده قد نصحه بترك الدعوة خوفاً على حياته فتوقف، وبعد وفاة والده بدأ ينشر دعوته فلم يجد إستجابة وتعرّض لمحاولة لاغتياله فذهب إلى مدينة العينية طالباً حماية أميرها فرحّب به الأمير وأكرمه .. إلخ» ..

    انتهى حادث أمستري وﻟﻢ ينته اﻟﻬﻮس الدﻳﻨﻲ:
    إنّ حادث أمستري قد انتهى بالنهاية التي لقيها أولئك البسطاء الذين استولى على عقولهم الهوس الديني، فدفعهم إلى تقتيل رجال الأمن الأبرياء الذين كانوا يقومون بأداء واجبهم المقدّس في حماية الأرواح، والممتلكات، في تلك البقع النائية، والمعزولة عن مركز الأمن في الجنينة ..

    ولكن الخطر الحقيقي الذي يشكّله الهوس الديني إنّما يجئ من تنظيم مثل تنظيم الأخوان المسلمين، وتنظيم الوهابية، إذ هما تنظيمان مدعومان من الخارج، وكل منهما يخطط، ويسعى، في الخفاء، وفي العلن للاستحواذ على السلطة بشتى السبل، بالعنف، وبالتضليل، باسم الدين ..

    العنف لازمة من لوازم الأخوان اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ:
    إنّ العنف لدى الأخوان المسلمين هو أولى ركائز تخطيطهم، وهم لا يجدون أنفسهم يحسنون شيئاً مثل «صناعة الموت» كما سمّاها زعيمهم الشيخ حسن البنّا: «أيها الأخوان إنّ الأمّة التي تحسن صناعة الموت وتعرف كيف تموت الموت الشريف يهب لها الله الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة» - رسائل البنّا صفحة ٦ –

    وحوادث العنف التي جرت على أيديهم في السودان لا تحصى، وكان آخرها ما جرى في الجامعة مما رصدناه في كتبنا التي أصدرناها عن أحداث الجامعة، في الأسابيع القليلة الماضية .. ولكنّا سنذكر هنا بعض النماذج على سبيل المثال ..

    حادث عرض الفنون الشعبية:
    وقع هذا الحادث في عام ١٩٦٨، فقد قام بعض الطلبة بتقديم عرض للفنون الشعبية، باعة الإمتحانات بجامعة الخرطوم، فاعترض الأخوان المسلمون على هذا العرض الذي يحوي «رقصة شعبية» .. وتأزّم الموقف، حتّى نتج عنه مقتل أحد الطلاب وهو المرحوم السيّد عبد الرحمن الطيّب، كما أدّى إلى إغلاق الجامعة في ذلك الوقت .. ومن الصحف ننقل بعض ما نشر عن ذلك الأمر:

    الرأي العام ٧/١١/١٩٦٨: «اشتباك ﻓﻲ جامعة اﻟﺨﺮطوم: وقع مساء أمس اشتباك بين طلاب الاتّجاه الإسلامي بجامعة الخرطوم والجبهة الديمقراطية وذلك في الحفل الذي أقامته جمعية الثقافة الوطنية وتضمّن عرضاً للفنون الشعبية .. اعترض طلاب الاتّجاه الإسلامي على فقرة في البرنامج خاصة بالرقص الشعبي اشتركت فيه طالبتان، تطوّر الأمر إلى اشتباك بين المجموعتين، وتحطّمت أعداد قليلة من المقاعد وجرح نفر من الطلاب ثم خرجت مظاهرة صغيرة من طلاب الاتّجاه الإسلامي وأخرى من طلاب الاتّجاه الاشتراكي وانفضّتا بعد فترة قصيرة من سيرهما .. لم يتدخّل البوليس إذ أنّ الحادث كان داخل حرم الجامعة» ..

    موت طالب: الصحافة: ١٣/١١/١٩٦٨ - «توفي في نحو الثانية من صباح أمس بمستشفى الخرطوم طالب الآداب السيّد عبد الرحمن الطيّب الذي أصيب في أحداث الأربعاء المشئومة»

    إدانة عمل الأخوان اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ: أدانت كل التنظيمات السياسية بجامعة الخرطوم العمل الذي قام به الأخوان المسلمون كما روت جريدة الصحافة بتاريخ ٩/١١/١٩٦٨: «وقد أكّدوا ‹أنّهم مستعدّون لرد العنف بالعنف إذا عجزت إدارة الجامعة عن حمايتهم› جاء هذا في مؤتمر صحفي عقدته التنظيمات التالية: الاتّحادي الديمقراطي – الاتّحاد الديمقراطي الاشتراكي – المؤتمر الديمقراطي – الطلاب الشيوعيون ‹القيادة الثورية› - هيئة حزب الأمّة – رابطة الطلاب الجنوبيين – رابطة الطلاب الجمهوريين – الجبهة الديمقراطية – رابطة الطلاب المستقلّين – الجبهة العربية الاشتراكية» ..

    ولقد حاول الأخوان المسلمون، كعادتهم، أن يتنصّلوا من مسئولية عملهم .. فقد أصدروا بياناً قالوا فيه: «بأنّ الأخوان قد اعترضوا بالكلام على رقصة النقّارة عندما قامت بها طالبتان سافرتان .. كان الرد من الشيوعيين على هذا الاعتراض القذف بالكراسي مما أزّم الموقف ووصـل به إلى ما وصـل» .. جـاء هذا البيـان في جـريدة الصـحافة بتاريخ ٩/١١/١٩٦٨ –

    ولكن لماذ يعترض الأخوان المسلمون، سواء بالكلام، أو بالأيدي، على هذا العمل أثناء أدائه، وخصوصاً أنّه عمل في الفنون الشعبية التي يمارسـها الشعب خارج جدران الجامعة؟؟ .. إنّ الأخوان المسلمين غير صادقين فهم يدّعون الغيرة على الدين بينما هم في الحقيقة لا يريدون إلا الكسب السياسي ..

    زعماء الأخوان يدافعون: لا يظنّن أحد أنّ الاعتداء الذي قام به الطلاب ليس وراءه أحد، لا!! فإنّ وراءه قادة تنظيم الأخوان المسلمين، وها هو أحدهم، المرحوم محمّد صالح عمر، يدافع عنه – جريدة الصحافة ١١/١١/١٩٦٨م – ومما قاله في هذا الصدد ما يلي: «إنّ مثل هذه الحفلات قد منعت في الماضي منذ أن كانت الحفلات تقام باسم الإتّحاد حينما كان المسئولون في الإتّحاد يتولّون هذا المنع إلى أن أصبحت الاحتفالات باسم بعض الجمعيات وبعض الاتّجاهات التي أرادت أن تنفّذ مخطّطها الانحلالي عن طريق الجمعيات.»

    الاعتداء على الجمهورﻳﻴﻦ:
    إنّ الأخوان المسلمين عندما يقدمون على مثل هذا العمل يزعمون أنّه الجهاد، وإزالة المنكر، ولكنّهم في الحقيقة إنّما يعبّرون عن عجزهم الفكري، في مواجهة مخالفيهم في الرأي، فضلاً عن جهلهم بحقيقة الجهاد في الإسلام .. وضعف حجّتهم هو الذي يدفعهم دائماً لمد ايديهم بالعنف .. وليس أدّل على ذلك من اعتداءآتهم المتكررة على الجمهوريين بجامعة الخرطوم ..

    وكان آخرها في نوفمبر ١٩٧٩ .. مع أنّ الجمهوريين لم يعرف عنهم قط أي ميل إلى العنف، بل، على النقيض من ذلك، هم يشـجبونه، ويسـتهجنونه، ويعلمون أنّه سلاح العاجز ..

    والحادث المشار إليه هنا إنّما قام به الأخوان المسلمون كرد فعل لهزيمتهم في انتخابات إتّحاد الطلبة في أكتوبر ١٩٧٩، وذلك نتيجة للوعي الذي استطاع الجمهوريون أن ينشروه وسط القاعدة الطلابية، بوسيلة أركان النقاش، والندوات، والصحيفة الحائطية، وبالمنشورات، والكتيّبات ..

    وقائع اﻟﺤﺎدث: لقد سجّل الحادث لدى إدارة الجامعة، ولدى شرطة بوليس القسم الشرقي بالخرطوم وكان كالآتي: كان سبعة من الطلبة الجمهوريين يقفون أمام بوابة الجامعة فأتت مجموعة يقدّر عددها بأربعين شخصاً من الأخوان المسلمين بقيادة السكرتير الأسبق لإتّحاد الطلبة، وهو طالب بكلية الطب .. اتّجه قائد هذه المجموعة نحو الطلبة الجمهوريين قائلاً لهم: «إنّنا لم نجئ لنقاش وإنّما جئنا ناس ضرب» وبالفعل بادر بالضرب واجتمع عليه باقي المجموعة، واشتركوا جميعاً في الاعتداء الذي نتج عنه أذى جسيم لواحد من الطلبة الجمهوريين هو أحمد دالي حيث أصيب إصابة خطيرة في رأسه، وضلعه، مما استوجب حجزه بالمستشفى، كما أصيب الستّة الآخرون بإصابات مختلفة .. وقد لاذت مجموعة الأخوان المسلمين بالفرار، والإنكار ..

    الكذب واﻟﺠﺒﻦ: والأسوأ من ذلك، أنّ قائدهم كذّي، وحاول تضليل البوليس .. فقد انتهزوا فرصة ذهاب الطلبة الجمهوريين للمستشفى وذهب هو لمركز البوليس، فاتحاً بلاغاً ضد الجمهوريين، مدّعياً أنّهم، السبعة، اعتدوا عليه هو وحده .. ولمّا سأله المتحري: هل كان معك آخرون من زملائك؟ أجاب بالنفي!! فقيل له: ولكن من الذي سبّب هذا الأذى الجسيم، والإصابات الأخرى لهؤلاء السبعة من الجمهوريين؟ فقال: أنا وحدي فعلت ذلك!!

    فهذا «القيادي» الذي يزعم أنّه «مجاهد» يكذب على الله، وعلى الناس، متهرّباً من مسئولية جريمته، وجريمة تنظيمه الذي دبّر هذا الاعتداء الأثيم، الإنسان رخيص، الذي يأباه الدين، ويأباه الخلق السوداني الأصيل .. ذلك بأنّ السوداني يرفض، ويستهجن، أن تتكاتف جماعة كبيرة على أفراد قلائل، خلّ عنك أن يعد ذلك بطولة، أو جهاداً في سبيل الله، كما يصوّر للأخوان المسلمين هوسهم، وجهلهم بالإسلام، ونصولهم عن قيم هذا الشعب الأصيل ..

    دعوى الدفاع عن العقيدة:
    ولقد استغلّ الأخوان المسلمون أحداث جامعة الخرطوم الأخيرة فحاولوا أن يصوّروها بأنّها حرب بين الكفر والإيمان، ليستثيروا عاطفة الشعب الدينية، وليجدوا تبريراً لتنفيذ مخططهم الرامي إلى تصفية كل خصومهم السياسيين، وذلك تحت ستار الدفاع عن العقيدة!! فلقد كثّفوا نشاطهم في هذا السبيل من منابر المساجد، وعن طريق المنشورات، والكتب .. وفيما يلي نسوق نموذجين من أحد منشوراتهم، ومن خطبهم في المساجد .. ففي منشور لهم بتاريخ ٢٠/٣/١٩٨٠، قالوا: «وجب علينا في الاتّجاه الإسلامي أن نعلن بكل وضوح أنّه إمّا جامعة سودانية إسلامية لأبناء المسلمين، أو تكون جامعة سوفيتية ملحدة .. لا بين بين ولا مناص من تحديد هويّة هذه الجامعة ولا سبيل أبداً إلى دعاوى الليبرالية وغيرها .. سيكون بعد اليوم باطلاً كل سبيل يكون من شأنه تحقيق وجود وأمن النشاط الشيوعي داخل جامعة الخرطوم – سيكون باطلاً بعد اليوم كل دستور أو قانون داخل الجامعة يحرس الشيوعيين ويسمح لهم بممارسة الإفساد ‹وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كلّه لله›» .. وفي خطبة لأحدهم بمسجد نور الدائم بالشجرة قال وهو يتحدّث عن أحداث الجامعة، بتاريخ ٢١/٣/١٩٨٠، ما يلي: «إنّ موقف الحكومة قد يكون سلبي وموقف الناس قد يكون سلبي إلا أنّنا أخذنا موقفاً واضحاً منذ اليوم وأنّه لا يمكن أن يعيش معنا شيوعي أو جمهوري ملحد في أي موقع من هذا البلد» .. اسمع قولهم «أو جمهوري ملحد» واعجب له! .. لقد بيّنّا خطل هذا الاتّجاه وما ينطوي عليه من جهل بالإسلام، وبالدستور والقانون .. في كتابنا «أزمة الجامعة الحل العاجل والحل الآجل» ..

    واعتداؤهم على حفل طلاﺑﻲ باﻟﻤﻬﺪية:
    ومن منطلق هوس الأخوان المسلمين الذي يوهمهم بأنّهم أوصياء على الآخرين، قاموا باعتداء بشع على حفل طلابي أقيم في المدرسة الثانوية العليا بالمهدية ضمن برنامج معسكر طلابي، وأصابوا المشرف على المعسكر الطلابي بطعنة سكّين ..

    وقد أثير أمر هذا الحادث في أحد إجتماعات مؤتمر الإتّحاد الإشتراكي السوداني المنعقد في الفترة من ٢٦/١/١٩٨٠ إلى ٢/٢/١٩٨٠ .. فقد جاء على لسان السيّد علي محمّد صدّيق عضو المؤتمر ما يلي: «قبل شهر هجموا على معسكر شُعب الطلاب وطعنوا الأستاذ المشرف على المعسكر بالسكّين .. وقد حدثت الحادثة يوم الخميس، وتحدّث كل أئمة جوامع المهدية يوم الجمعة عن المعسكر .. يوم السبت تحدّثت صحف الاتّجاه الإسلامي في جامعة الخرطوم وجامعة أم درمان الإسلامية وجامعة القاهرة عن المعسكر .. هذا عمل حزبي واضح يا سيّدي الرئيس. ومن الأحسن ألا ندخل رؤوسنا في الرمال .. الأخوان المسلمون حزب سياسي واضح ..» .. وتحدّث السيّد علي محمّد صدّيق عن المصالحة الوطنية وأغراض الأخوان المسلمين حين دخلوها، وفرّق بينهم وبين الإسلام، وطالب بأن يسمح الرئيس للشباب بالتصدّي للأخوان المسلمين بنفس السلاح الذي يستعملونه .. (وثائق المؤتمر القومي الثالث للإتّحاد الإشتراكي ٢٦/١/١٩٨٠ - ٢/٢/١٩٨٠ الجلسة الثانية وثيقة رقم ﻡﻕ/٣/٥ ..

    يحدث هذا في حين أنّ تنظيم الأخوان المسلمين، تحت واجهة «الاتّجاه الإسلامي»، يمارس نشاطه بكثافة لا ينافسه فيها تنظيم آخر، مستغلاً إمكانات المدارس ووزارة الثقافة والإعلام، ووزارة التربية، نفسها، اللتين بلغتا من التهاون، والتواطؤ حد السماح بإقامة معرض الأخوان المسلمين بأرض المعارض بأبي جنزير، وبإعطاء المدارس الثانوية العليا عطلة رسمية ليتمكّن تنظيم الأخوان المسلمين من تسـيير مواكب طلابية، بمناسبة افتتاح المعرض .. وقد تعرّضنا لهذا الحدث بتفصيل واف في كتابنا «إلى متى هذا العبث بعقول الناس وبدين الله». وقد حوى ذلك المعرض من صور الهوس الديني ما كان يمكن أن يؤدي إلى فتنة سوداء بين المسيحيين والمسلمين، فقد كان تنظيم الأخوان المسلمين، غير المسئول، يستغل ما اسماه بالحملة الصليبية ضد المسلمين، وذلك بمناسبة ما قيل عن وجود مركز شباب مسيحي وجدت به كتب تسئ للإسلام، مما روّجت له الصحافة السودانية بتاريخ ٥/١/١٩٨٠، واعطته أكبر من حجمه، في سذاجة، وانخداع، في أحسن حالاتها فهي إنّما تمثّل لهذا النظام، دور الصديق الجاهل، هذا إذا صرفنا النظر عن استغلال الأخوان المسلمين والسلفيين لها، ولأجهزة الإعلام الأخرى، للترويج لهوسهم الديني، ولاتّجاهاتهم المنحرفة، البعيدة عن الشريعة، وعن الدين .. لقد اعطت الصحافة السودانية بإبرازها لذلك الخبر، وبتعليقها العاطفي الإنشائي المحشو بكلمات «الكفر»، و«العقيدة»، اعطت الأخوان المسلمين فرصة استغلال هذا الحادث لإحداث انقسام قومي خطـير، وإثارة فتنة دينية هوجاء ..

    مواجهة اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ:
    يكفي للتدليل على هوس الأخوان المسلمين، وتأكيد خطره على وحدة هذا البلد أن نورد هذه الفقرات من المنشور الذي أصدره فرعهم بجامعة أم درمان الإسلامية بمناسبة معرضهم الذي أقاموه بأرض المعارض بأبي جنزير .. يقول ذلك المنشور:

    «هذا التحرك المسيحي: يجب أن يتوقف
    أيها المواطنون ..

    لقد أصبح التحرّك المسيحي المشبوه في السودان أمراً بالغ الخطورة على المسلمين وعلى العقيدة الإسلامية وصار السكوت عليه جريمة في حق المسلمين وعقيدتهم وخطراً يهدد وجودهم وكيانهم وحاضرهم ومستقبلهم ..

    وقد أصبح المسلمون يحسّون بأنّهم الآن مواجهون بعمل كبير وخطير وأنّه قد يكون مصحوباً بعمليّات تدريب عسكرية مسيحية وضحت حقائقها من مواكب الصليب التي كانت تجوب الطرقات في تحد ظاهر لمشاعر المسلمين ..

    وقبل أن يتفاقم الأمر على نحو يصعب علاجه إلا بثمن فادح فإنّ السلطة مطلوب منها اليوم قبل الغد، أن تخطو خطوة فعّالة لمواجهة هذا الخطر على مستوى السودان كلّه» انتهى ..

    إنّ الأخوان المسلمين لا يتورّعون، في سبيل تحقيق أغراض تنظيمهم من السير على أشلاء أبناء الوطن، وهم، بعد، لا يتصوّرون أبعاد الخطر الذي يمكن أن يتأتى من إصدار مثل هذا المنشور الملئ بالإثارة، والمحشو بالاختلاق. وإلا فما معنى هذا الفهم المتعسّف لأمر المواكب التي يسيّرها أخواننا المسيحيون الجنوبيون في أعياد رأس السنة الميلادية «الكرسماس» وهم يحملون على صدورهم الصليب، مترنّمين بأناشيدهم الدينية، وهي مواكب قد ظللنا نراها في كل عام، ومنذ عشرات السنين، من غير أن تجرح مشاعر أحد، أو تستفز عقيدته، بل على العكس هي مثار تعميق لمشاعر المتديّنين الواعين، الذين لا يضيقون بعقائد الآخرين ..

    إنّ هذا المنشور الذي أصدره الأخوان المسلمون لمن أردأ الأعمال، وأبعدها عن العقل، والحكمة. ولنا أن نتصوّر مدى الفتنة التي كان من الممكن أن تقع لو تعامل الطرف الآخر برد الفعل، بإزاء هذا المنشور الذي احتشد بالتهديد والوعيد، ثم اختتم بهذه الأبيات:

    أرى خـلال الرماد وميض نار يوشك أن يكون لها ضرام
    فإن لم يطـفها عقـلاء قـوم يكـون وقودها جثث وهام!!

    حادث سوق أم درمان:
    ومن صور الهوس الديني التي وقعت أخيراً، ذلك التخريب الذي جرى بسوق أم درمان مساء الخميس ١٥/٥/١٩٨٠، وقد انطلقت شرارته من مسجد أم درمان، بعد صلاة المغرب، حيث خطب أحدهم في المصلّين، محرّضاً إيّاهم على تكسير البارات .. وبالفعل سارت مجموعة منهم في شكل مظاهرة انضمّ إليها كل من صادفها من البسطاء، ومن محترفي النهب والسلب، الذين يستغلّون أجواء الإضطرابات، ليمارسوا حرفتهم في نهب، وسلب ما تقع عليه أيديهم.

    وتعرّضت تلك المظاهرة بالتخريب لعدد من البارات في سوق أم درمان، وكادت أن تعم الفوضى، وتستشري، وأوشك أن يفلت زمام الأمن والنظام من الأيدي .. واعتقل خطيب المسجد ومعه بعض المتّهمين الآخرين.

    وقد سجّلت عدّة بلاغات بحالات نهب، وسلب وقعت لمحال تجارية، ولأفراد من الجمهور، من غير أصحاب البارات التي وقع عليها التخريب .. وهذا يجب أن يفتح أعين الناس على المدى الذي يمكن أن تصل إليه فتنة كهذه، لا يقف شرّها عند حد .. «اتّقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة» .. وليست هناك فتنة أسوأ من أن يأخذ بعض الناس القانون في أيديهم، ليعيثوا في الأرض فساداً بدعوى فرض «حكم الله»، كما يفعل المهووسون الدينيّون، من أخوان مسلمين، ووهابية، ومن سار سيرتهم ..

    وفي أعقاب حادث التخريب بسوق أم درمان أغلقت المحال التجارية، وما ظلّ مفتوحاً هو بعض البارات التي شوهد عليها ازدحام كبير من الزبائن!!

    وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدل على سطحية، وخطورة الاتّجاه الذي يحاول معالجة قضية «الخمر» باستصدار القوانين، أو بممارسة العنف .. ذلك بأنّ محاربة الفساد لا تتأتى بمعزل عن التربية، وهي لا تتم بإصدار قوانين شرعية منفصمة عن نظام متكامل، وشامل، لكل أوجه حياة الفرد، وحياة المجتمع .. وقد فصّلنا القول في هذا الأمر في عديد من كتبنا ومن بينها: «لجنة تعديل القوانين لتتمشى مع الشريعة الإسلامية لن تفلح إلا في خلق بلبلة»، و«لجنة تعديل القوانين بجعلها لحد الخمر تعزيزاً تزيّف الشريعة وتعوّق بعث الدين» ..

    استغلال اﻟﻤﺴﺎجد لنشر اﻟﻬﻮس الدﻳﻨﻲ:
    إنّ المساجد اليوم، في البلاد الإسلامية، ليست هي المساجد بالأمس، وليست هي بالقطع مساجد الغد، فهي بدلاً من ان تكون منطلقاً للوعي والعلم والصدق، وموئلاً للحكمة والموعظة الحسنة، صارت اليوم بؤرة للهوس الديني، يتّخذ منها الأخوان المسلمون قاعدة، وأوكاراً لخلاياهم .. وكل فتنة دينية اليوم فإنّها تنطلق من المسجد، وما ذاك إلا لغياب الفكر الديني الواعي، الصادق، عن حرم المسجد ..

    إنّ الأخوان المسلمين يستغلّون المساجد .. فهم يضعون فيها مخططاتهم، ويصدرون صحفهم الحائطية، ويوزّعون منشوراتهم، ويلقون خطبهم .. وفيما يلي نورد نماذج لعملهم في هذا المجال:

    أسبوع ثقاﻓﻲ؟!!
    في ملصقات بشوارع الخرطوم عثرنا على هذا الإعلان:

    «بسم الله الرحمن الرحيم
    يسر شباب مسجد امتداد الدرجة الثالثة أن يقيم أسبوعاً ثقافياً بفناء المسجد ابتداء من الإثنين ٢/٦/١٩٨٠ يشتمل على معارض، زي إسلامي، كرنفال رياضي، مسرح، معسكر تربوي»!! ..

    إنّ وراء هذا العمل الأخوان المسلمين .. فهذه هي مواصفات أعمالهم – «زي إسلامي»، «معارض»، «معسكر تربوي»!! ..

    إنّ هذا هوس ما ينبغي أن يجوز على أحد .. فلو أخذنا أمر «الزي الإسلامي» الذي يخدعون به الشعب المحب للدين، والحريص على العفّة .. إذا أخذنا هذا الأمر بالمواجهة، نجدهم فيه مزيّفين للشريعة، ومتناقضين معها .. فهم يزعمون أنّ «بناتهم» يلبسن الزي الشرعي، وهو الذي لا يظهر من المرأة إلا وجهها وكفّيها، وقدميها .. ينسون أن الشريعة السلفية، في المقام الأول، أوجبت على النساء في أمر الحجاب: «وقرن في بيوتكن» .. أي أنّ المرأة ليس لها حق الاختلاط بالرجال في الشارع أو في أي مكان إلا لضرورة. روي أنّ عبد الله بن أم مكتوم، وكان رجلاً كفيفاً، دخل بيت النبي ونساؤه حضور فأمرهن بالاحتجاب فقلن: «ولكنّه أعمى» قال: «أعمياوات أنتن؟» ..

    وقد جرى العمل على هذا النهج حتّى غربت شمس الشريعة من سماء العالم الإسلامي، وأدى تطوّر الحياة المدنية إلى خروج المرأة للمشاركة في الحياة العامة .. ولمّا لم يكن عملياً إرجاع هذه المرأة إلى المنزل، كما كانت في الماضي، فإنّ الأخوان المسلمين اضطرّوا لمجاراة العرف السائد، ولكنّهم أرادوا أن يظهروا بمظهر الحفيظ على الشريعة فألبسوا نساءهم «الزي الشرعي» .. وهذا تزييف، وكذب لا ينطلي على أحد .. فلو كانوا صادقين، مع أنفسهم، ومع الشريعة، للزمت نساؤهم المنازل فلا يخرجن إلا لضرورة .. والضرورة قد حدّدتها الشريعة في ألا يكون للمرأة رجل يعولها، وفي هذه الحالة يسمح لها بالخروج لكسب العيش الشريف، وهي تلتزم في خروجها بالزي الشرعي بديلاً للحجاب في الأصل الذي هو البقاء في المنزل – إنّ الضرورة الشرعية ليس منها الخروج للمدارس ولا للمعاهد للتعليم الديني أو المدني ..

    اﻟﺤﺠﺎب ليس أصلاً:
    إنّ الحجاب في الإسلام ليس أصلاً، وإنّما هو أمر مرحلي، اقتضته ظروف المجتمع في القرن السابع والأصل، وهو ما يناسب مجتمع اليوم، إنّما هو الاختلاط المشروط بحسن التصرّف، وبالزي المحتشم المطوّر طبقاً لتطوير الشريعة الإسلامية، وهو ما عليه الجمهوريات، من «ثوب أبيض»، وفستان تحت الركبة ..

    إنّ أمر تطوير الشريعة، وأمر الاختلاط والزي، كل ذلك مشروح بتفصيل في كتب الجمهوريين، «الرسالة الثانية من الإسلام»، و«تطوير شريعة الأحوال الشخصية»، و«كيف ولماذا خرجت المرأة الجمهورية للدعوة للدين؟» .. فليرجع إليها من شاء من القرّاء ..









    اﻟﻬﻮس الدﻳﻨﻲ ﺑﻤﺼﺮ
    إنّ الفتنة الدينية والهوس، والتعصّب، والعنف الذي يمارس باسم الدين، يجد في مصر مرتعاً خصباً، ولقد عرفت مصر الهوس الديني في أسوأ أشكاله على يد تنظيم الأخوان المسلمين، منذ الثلاثينات، والاربعينات، حيث ابتدعوا ما يسمّى عندهم بالجهاز السري الذي يعد أعضاءه إعداداً خاصاً لتنفيذ عمليات الاغتيالات والتخريب .. ولقد وقع اغتيالهم في الأربعينات للنقراشي، وأحمد الخازندار .. وقد تحدّثنا عن ذلك بتوثيق وإفاضة في كتابنا «هؤلاء هم الأخوان المسلمون» الجزء الثاني ..

    أحداث أسيوط:
    وفي الأيّام القليلة الماضية، في مارس/أبريل ١٩٨٠ وقعت أحداث واشتباكات بين المسيحيين والمسلمين، وكادت أن تؤدي إلى حرب أهلية، وإلى فتنة دينية ماحقة .. وكل ذلك بسبب الهوس الديني الذي تمارسه الجماعات الإسلامية بزعامة الأخوان المسلمين في مصر، وبصفة خاصة في الجامعات المصرية ..

    وفي بيان لوزير الداخلية أمام مجلس الشعب المصري أشار إلى هذه الأحداث التي جرى بعضها في شكل مظاهرات ضد استضافة مصر للشاه.

    وقد نقلت جريدة الأهرام المصرية بتاريخ ١/٤/١٩٨٠ بيان وزير الداخلية وقد جاء فيه:

    «فيما يتعلّق بالحادث الأول الذي وقع في أسيوط قال وزير الداخلية: إنّه بدأ بندوة أقامتها بعض الجماعات الإسلامية بمسجد ناصر بأسيوط تناولوا فيها قضايا تتصل بالداخل والخارج، دون أن يتعرّض لهم أحد وذلك في إطار جو الديمقراطية وحرّية الرأي والمجتمع المفتوح وما أن انتهت الندوة في التاسعة والنصف مساء حتّى أعلن بعضهم الخروج في مسيرة ورفضت سلطات الشرطة – إدراكاً منها لخطورة الأوضاع والظروف القائمة – الاستجابة لطلب القيام بالمسيرة وتدخّلت القيادات الجامعية والسياسية لإقناع القلّة المتزعّمة لهذه المسيرة وإثنائها عن سلوك طريق محفوف بالمخاطر .. ولكنّهم أصرّوا وبادروا رجال الشرطة بالقذف بالحجارة فأصيب أربعة من جنود الشرطة واثنان من الضبّاط ووقع اتلاف لبعض السيّارات الموجودة في الميدان المواجه للمسجد مما أدى لتدخّل الشرطة لتفريق المتظاهرين وقبضت على المتزعّمين وترتّب على ذلك إصابة خمسة من الطلاب ..

    وقال وزير الداخلية: إنّ هناك قلّة تسئ فهم الدين بتعصّبها وأنّ النيابة تتولّى التحقيق مع هؤلاء وقد أصدرت قراراتها باستمرار حبس ٨ من المقبوض عليهم وأفرجت عن ٣٨ بكفالة مالية أو بضمان محال إقامتهم كما طلبت النيابة استحضار عشرة آخرين ثبت من التحقيق أنّ لهم دوراً» انتهى.

    اشتباك ﻓﻲ جامعة الإسكندرية:
    كما جاء في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ ٢/٤/١٩٨٠، عن بيان وزير الداخلية المصري، ما يلي:

    «وأوضح الوزير أنّ الحادث الثاني وقع في جامعة الإسكندرية بين الطلاب الأقباط والمسلمين.

    وقال الوزير أنّ تجاوزات البعض لا تحتمل الحلول ولا المزايدة وأنّ هناك شرعية وسيادة قانون يجب أن تأخذ طريقها لقطع الطريق على الشائعات المغرضة التي نسبت إلى قيادات قبطية في مصر بأنّ هناك اتّجاهاً يرمي إلى عدم الاحتفال بعيد الفصح لتعدّي بعض أعضاء الجماعات الدينية على عدد من الكنائس ونفى الوزير هذه الشائعات تماماً.

    غير أنّ وكالات الأنباء أشارت في برقيات لها من القاهرة أنّ بياناً من البابا شنودة الثاني بابا الإسكندرية تلي في ألف وخمسمائة كنيسة مصرية يوم الأحد يدعو الأقباط إلى عدم الاحتفال بعيد الفصح احتجاجاً على الاعتداءآت على الكنائس» ..

    بيان اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ اﻟﻤﻐﺘﺮﺑﻴﻦ:
    وقد جاء في الأنباء أنّ المسيحيين المصريين المغتربين خارج مصر قد أصدروا بياناً يعربون فيه عن خوفهم من اتّجاهات التعصّب الديني التي زعموا أنّ الجماعات الإسلامية تتبنّاها ..

    وقد جاء في ذلك البيان ما يلي، نقلاً عن مجلّة الدعوة – مجلّة الأخوان المسلمين بمصر – عدد أبريل ١٩٨٠: «طالعتنا الصحف – أي المصرية – بإجراء استفتاء شعبي لتعديل بعض مواد الدستور المصري والذي يهمّنا كشعب مسيحي في مصر وبلاد المهجر هو المادة الثانية المراد تحويلها من سيء إلى أسوأ وهو أنّ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع ‹أي أنّ جميع التشريعات تنبع من الشريعة الإسلامية ولا مصادر أخرى سواها› وأنت يا أخي تعلم ما معنى هذا بالنسبة لك كمسيحي ففي حالة تطبيق تلك المادة سيكون للحاكم الحق في تلوين كافة التشريعات بالصبغة الإسلامية التي سينتج عنها الآتي:
    ١ أنّ الدين عند الله الإسلام أي لا اعتراف بالمسيحية كدين في مصر.
    ٢ لا تقبل شهادة لغير المسلم على مسلم أي لا مساواة بين المسيحي والمسلم أمام القضاء.
    ٣ لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء. أي حرمان المسيحيين من تولّي الوظائف القيادية.
    ٤لا يضار مسلم في رزقه ولا يقطع طريق على مسلم أي القضاء على المسيحيين اقتصادياً.
    ٥ الأرض وما عليها ملك لله وللرسول وللمسلمين من بعده – أي أنّ ممتلكات المسيحيين ملك مباح للمسلمين.»

    وجاء أيضاً في نفس المنشور

    «يا أقباط مصر في الداخل والخارج أعلنوا استنكاركم واحتجاجكم ضد الظلم والمؤامرات التي تشترك فيها حكومة مصر بالاشتراك مع الهيئات الإسلامية لتنفيذ المخطط الهتلري للقضاء على الشعب المسيحي في الوقت المناسب» انتهى ..

    الأخوان اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن يطفّفون التحرك اﻟﻤﺴﻴﺤﻲ:
    لقد حاول الأخوان المسلمون أن يبخسوا من أمر التحرّك المسيحي الذي أدّى إلى حد إصدار الأنبا شنود الثاني إعلاناً بعدم الاحتفال بعيد الفصح احتجاجاً على اعتداءآت قال أنّها وقعت على عدد من الكنائس ..

    ففي مجلّة الدعوة عدد رجب ١٤٠٠ – ص – ٦٠ – جاء ما يلي:
    «مؤتمر إسلامي بجامعة القاهرة: وفي يوم ٨/٤/١٩٨٠ عقد مؤتمر إسلامي بجامعة القاهرة حضره عدد كبير من شبّان الجامعة.

    وقد أوضح الأخ حلمي الجزّار أمير الجماعات الإسلامية بمصر بعض مؤامرات النصارى بمصر فقال:

    إنّ المسيحيين في مصر وهم أقلّية ‹٦٪ من مجموع سكّان مصر› يتمتّعون بمزايا لا تتمتّع بها أي أقلّية في العالم. ولو قارنّا بين الأقلّية المسيحية والأقلّيات الإسلامية في أي بلد من العالم لوجدنا فرقاً شاسعاً.

    إنّ أبناء هذه الأقلّية يتولّون أعلى المناصب .. فوزير الدولة للشئون الخارجية مسيحي. وأمين الحزب الحاكم في مصر مسيحي، ومحافظ سيناء مسيحي.» .. انتهى.

    وواضح من لهجة «أمير الجماعات الإسلامية» أنّهم متشبّعون بروح تفرقة، وتعصّب، وهوس ..

    وكشأن قادة الأخوان المسلمين في كل مكان، فإنّ أمير الجماعة هذه يقع في تناقض مزر، ويتورّط في كذب مشين، حين يقول، في سبيل التدليل على مساواة المسيحيين بالمسلمين: «فوزير الدولة للشئون الخارجية مسيحي. وأمين الحزب الحاكم في مصر مسيحي، ومحافظ سيناء مسيحي» ..

    إنّ هذه كلمة حق أريد بها باطل، فقول أمير الجماعات الإسلامية هذا مضلّل، ومزوّر للحقائق بشكل يأباه الدين، ويأباه الذكاء الفطري للإنسان العادي .. فنحن نعلم بأنّ في الحكومة المصرية وزراء مسيحيين، ولكنّا نعلم أيضاً، وفي نفس الوقت، أنّ الأخوان المسلمين في مصر يعترضون على وجود هؤلاء الوزراء المسيحيين وهاكم الدليل:

    الاحتجاج على وجود وزراء ﻣﺴﻴﺤﻴﻴﻦ:
    نشرت جريدة الشرق الأوسط – ٦/٤/١٩٨٠ – هذا الخبر:

    «مؤتمر وطني للجماعات الإسلامية في مصر للمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، خلال المؤتمر الذي عقد يوم الخميس وجّه المتحدّثون انتقاداً عنيفاً إلى وجود شخصيّات غير إسلامية في الحكومة المصرية كما طالبوا بتطبيق الشريعة الإسلامية في مصر.

    كما نفت الجماعات الإسلامية أن تكون وراء حوادث طائفية وقعت في أنحاء متفرّقة من مصر» ..

    إنّ هذه الجماعة الإسلامية يتبوأ منصب الأمارة فيها حلمي الجزّار الذي قال في حديث لمجلة الدعوة، حول صراعهم مع المسيحيين: «إنّ أبناء هذه الأقلّية يتبوأون أعلى المناصب» إلخ .. وهو يرسل هذا القول بينما نرى مؤتمرهم الذي عقدوه بجامعة القاهرة «يوجّه انتقاداً عنيفاً إلى وجود شخصيّات غير إسلامية في الحكومة المصرية »!!

    وأكثر من ذلك فقد، طالب المؤتمر بتطبيق الشريعة الإسلامية .. وهل يبقى مجال لمسيحي ليتولّى منصباً عالياً في الدولة إذا ما طبّقت الشريعة السلفية؟؟ .. وإمعاناً في التناقض، والتنصّل من المسئولية تحاول الجماعات الإسلامية أن تتبرّأ من «أن تكون وراء حوادث طائفية».

    أليس في مجرّد التكتلات، والحشود التي تنظّمها هذه الجماعات الإسلامية، وفي الاحتجاج على وجود شخصيّات مسيحية في الوزارة المصرية، أليس في مجرّد هذا تحرّش بالمسيحيين، ودعوة للفتنة الطائفية، وممارسة لها؟ .. إنّ هذا التساؤل يوجّه أيضاً للمسئولين المصريين – الذين حاولوا، كما رأينا في بيان وزير الداخلية المصري، أن يقلّلوا من خطورة اتّجاهات الجماعات الإسلامية ..

    اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻮن معذورون:
    ألم يكن المسيحيون المصريون معذورين، حين قرّروا: إنّ المطالبة بتحكيم الشريعة الإسلامية معناها: «حرمان المسيحيين من تولّي المناصب القيادية»، وهم يرون الجماعات الإسلامية بمصر تعترض بشدّة على وجود مسيحيين، حتّى في الحكومة العلمانية المصرية الحاضرة؟

    وكيف يستقيم اعتراض الجماعات الإسلامية هذا مع قول مجلّة الدعوة عدد رجب ١٤٠٠، حيث قالت، إمعاناً منها في الجهل، والتضليل باسم الإسلام:

    «نرجو ألا تكون مطالبة التيّار الإسلامي في مصر بتطبيق الشريعة الإسلامية من أسباب الإثارة الأخيرة عند بعض المواطنين النصارى، فهو تخوّف في غير موضعه فإنّ تطبيق الشريعة الإسلامية لا يضر بهم بل بالعكس يكفل لهم كل الأمن وحرّية الاعتقاد» .. انظر لهذا القول الساذج: «يكفل لهم كل الأمن وحرّية الاعتقاد» .. هكذا قالت «مجلّة الدعوة» وهي تتعامى عن تخوّف المسيحيين من فقدان حقوقهم الأساسية كمواطنين متساوين مع المسلمين في الوطن الواحد، وقد أثاروا بتحديد واضح مسألة «تولّي المناصب القيادية»!!

    مواطنون من الدرجة الثانية:
    يا هؤلاء!! إنّ المسيحيين في فهمكم الشائه للإسلام، هم مواطنون من الدرجة الثانية .. ولذلك قلتم أنّ تطبيق الشريعة «يكفل لهم كل الأمن وحرّية الاعتقاد»، ولكنّكم لم تتعرضوا للثمن الذي سيدفعونه لقاء هذا «الأمن»، و«حرّية الاعتقاد» التي تكفل لهم – في ظل الحكم الإسلامي المزيّف الذي تسعون إليه .. ألم يقل بيان الجماعات الإسلامية في خطابهم للمسيحيين وهم يتحدّثون إليهم بشأن تطبيق الشريعة الإسلامية: «وأن يطمئنّوا إلى أنّ شريعة الإسلام سوف تكفل لهم الحقوق التي كفلتها لأسلافهم» - مجلّة الدعوة – ص ٢٣ – عدد رجب ١٤٠٠ﻫ –

    فماذا كان شأن أسلافهم، وقد كانت الشريعة مضطرّة في الماضي للوقوف منهم هذا الموقف؟ ألم يكن حكمهم هو الذي جاء في الآية «قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله، ولا باليوم الآخر، ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق، من الذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» ..

    فهل تملك هذه الجماعات الإسلامية، معاملة غير هذه المعاملة للأقباط المصريين، إذا طبّق الحكم الإسلامي وفقاً لتصوّرهم هم القاصر للإسلام؟

    إنّ القصور ليس قصور الإسـلام، ولا هو قصور الشـريعة، وإنّما هو قصور هؤلاء الدعاة .. ذلك بأنّ الإسلام في الفهم الواعي له، في أصوله، يكفل الحقوق المتساوية للمواطنين كافة من غير تمييز بينهم بسبب العقيدة، أو العرق، أو اللون، أو الجنس .. انظر كتاب «الرسالة الثانية من الإسلام» - للأستاذ محمود محمّد طه ..

    هذه شنشنة نعرفها من أخزم:
    إنّ الأخوان المسلمين هم الأخوان المسلمون، أنّى كانوا .. فهم يستقون من معين واحد .. ولذلك فإنّ التناقض، والتزييف، والتهرّب من المسئولية، كل أولئك صفات ملازمة لهم جميعاً ..

    فهذا الموقف الذي وقفه أمير الجماعات الإسلامية، ووقفته «مجلّة الدعوة»، شبيه بموقف زعيم الأخوان المسلمين بالسودان الدكتور الترابي الذي حاول أن يراوغ في الإجابة على سؤال محدد عن إمكانية تولّي الرجل غير المسلم، في الدولة المسلمة، لمنصب رئيس الجمهـورية، ولمّا حوصر اضطر للإجابة: بأنّه لا فرصة لغير المسلم في تولّي هذا المنصب .. وقد جاء هذا في محضر جلسات اللجنة القومية للدستور، المجلّد الثاني – ١٩٦٨ – هكذا:

    س – السيّد فيليب عبّاس غبوش:
    أود أن أسأل يا سيّدي الرئيس فهل من الممكن للرجل غير المسلم أن يكون في نفس المستوى فيختار ليكون رئيساً للدولة؟

    ج – الدكتور حسن الترابي:
    الجواب واضح يا سيّدي الرئيس فهناك شروط أهلية أخرى كالعمر والعدالة مثلاً وأن يكون غير مرتكب جريمة، والجنسية وإلى مثل هذه الشروط القانونية.

    • السيّد الرئيس: السيّد فيليب عبّاس غبوش يكرر السؤال مرّة أخرى.
    • السيّد فيليب عبّاس غبوش: سؤالي يا سيّدي الرئيس هو نفس السؤال الذي سأله زميلي قبل حين، فقط هذا الكلام بالعكس: فهل من الممكن أن يختار في الدولة – في إطار الدولة بالذت رجل غير مسلم ليكون رئيساً للدولة؟
    • الدكتور حسن الترابي: لا يا سيّدي الرئيس!!

    ﻟﻤﺎذا يرفضون ﻓﻲ مصر وجود وزراء ﻣﺴﻴﺤﻴﻴﻦ وﻳﺠﻠﺴﻮن معهم ﻓﻲ السودان؟!
    وهناك أمر يلفت النظر، في موقف تنظيمي الأخوان المسلمين في مصر والسودان .. فهم في مصر يحتجّون على وجود وزراء مسيحيين في الحكومة، وهذا يدل على أن الهوس الديني قد بلغ ذروته لديهم. وأمّا في السودان فإنّهم يعملون جنباً إلى جنب مع زملائهم المسيحيين في الحكومة السودانية وينتظرون حدوث التمييز الديني عندما تقوم دولتهم المزعومة .. ولسنا ندري ما يقوله الأخوان المسلمون المصريون، ولا ما يقوله الأخوان المسلمون السودانيون، عن هذا التناقض، المرحلي، في الموقفين، وهم جميعاً ينتمون إلى تنظيم دولي واحد!!

    ولكن الذي ندريه، حقاً، أن الهوس الديني يعطّل ملكات الإنسان الطبيعية، ويعمي على صاحبه الحقائق البديهية البسيطة، حتّى يجعله يتخبّط كالذي يتخبّطه الشيطان من المس، ولقد بيّنّا هذا الموقف، موقف الأخوان المسلمين من معالجة قضية غير المسلمين، في الحكومة الإسلامية، وواجهناه بتفصيل واف في كتابنا: «أنقذوا الشباب من هذا التنظيم الدخيل» ..

    اﻟﻬﻮس الدﻳﻨﻲ يشل يد وزير الداخلية:
    إنّ وقوع الفتنة والاشتباكات بين المسيحيين والمسلمين في مصر أمر واقع، ولا يقلّل من مسئولية الجماعات الإسلامية فيها محاولة تصوير «مجلّة الدعوة» للأمر بأنّه افتعال من «النصارى» على حد تعبيرها، وأنّهم هم الذين اعتدوا على المسلمين .. فقد نشرت تلك المجلّة عدد رجب ١٤٠٠ ص ٦١ ما يلي:

    «أحداث خطيرة بالمنيا يشعلها المتطرّفون النصارى: ففي يوم ٨/٤/٨٠ قامت جماعة من النصارى بطعن اثنين من المسلمين من الخلف وهما في طريقهما إلى المسجد بقرية ‹الفتح› القبلية مما أدّى إلى تجمّع أهل المصابين ومحاولة أخذ الثأر من المعتدين ويفاجئ النصارى أهل المصابين برفع الأسلحة غير القابلة للتصريح كالرشاشات والمدافع الآلية من فوق أسطح المنازل مما أدى إلى قتل أحد المسلمين. وهو الأخ أحمد نوح وإصابة عدد آخر لا يزالون بالمستشفى العام بالمنيا وقد بترت ساق أحدهم.

    وقد طلب وزير الداخلية من الأخ حلمي الجزّار أمير الجماعات الإسلامية بأن يذهب إلى المنيا ويعمل على تهدئة الأهالي على أن يتم الإفراج عن المسلمين الذين قامت قوات الأمن بالقبض عليهم من داخل المساجد. وذهب الأخ حلمي الجزّار إلى المنيا وبدأ الهدوء يعود عندما نزل الأخ المهندس محي الدين أحمد عيسى إلى الأهالي ودعوتهم إلى حسم الفتنة التي أرادها النصارى بالمنيا ..

    وفي يوم السبت ١١/٤/٨٠ وبعد عودة رئيس الجمهورية من أمريكا تلقّى قرارات وزير الداخلية المتّفق عليها ويلقى القبض على بعض شباب الجامعات الإسلامية بالمنيا ومن بينهم مهندس محي الدين أحمد عيسى أمير الجماعة .. ثم يصدر الأمر إلى نيابة أسيوط بالقبض على بعض أعضاء الجماعة الإسلامية هناك!! فما علاقة المنيا بأسيوط؟!» .. انتهى ..

    إنّ الهوس الديني عندما يثور، ويستفحل، في مجتمع مسلم متخلّف، يفتقد الوعي الديني، كما هو حال المسلمين اليوم، في مصر وفي غير مصر، إنّما يجعل المسئولين السياسيين يقفون مشلولي التفكير، مكتوفي الأيدي عن مواجهة مثيري الهوس والفتنة .. بل أنّهم قد يستسلمون في نهاية المطاف لهؤلاء المهووسين إلى حد التخلّي لهم عن السلطة ..

    فانظروا لوزير الداخلية المصرية، وهو المسئول الأوّل عن الأمن في مصر، يطلب من زعيم مثيري الفتنة، حلمي الجزّار، أن يذهب إلى المنيا، ويعمل على تهدئة «المسلمين الثائرين» ضد المسيحيين!! مقابل الإفراج عن متّهمين من جماعته .. ولكن التصحيح الذي تم لموقف وزير الداخلية، بعد عودة رئيس الجمهورية من أمريكا، هو التصرّف الذي كان ينبغي أن يتم من أوّل وهلة .. وبطبيعة الحال لم يكن هذا التصحيح مرضياً لمجلّة الدعوة التي يحاول تنظيمها إيهام السلطة بأنّهم يمتلكون زمام الشعب في مصر ويستطيعون أن يحرّكوا الشارع، أو يهدّئوه، متى شاءوا ليضغطوا بذلك على الحكومة لتسير في طريق هوسهم الذي لا يقف عند حد .. وهذه هي استراتيجية الأخوان المسلمين وتكتيكهم – إثارة للهوس الديني، وضغط على الحكومات، وتخطيط لاحتوائها، تمهيداً للإنقضاض عليها، وانتزاع السلطة منها ..

    هل ﻳﺠﺪي تعطيل نشاط اﻟﺠﻤﺎعات الدينية؟
    لقد هزّت أحداث المنيا وأسيوط، وتحرّكات الجماعات الدينية، السلطة في مصر، وأزعجت الرئيس السادات، ذلك بأنّه لم يكن يضع لنشاط الجماعات الإسلامية، على وجه الخصوص، وزناً يوازي حجمها .. حتّى انفجر الموقف أخيراً، وهو ينذر بانقسام خطير وسط الأمّة المصرية، ويهدد بصراع دموي بين المسلمين والمسيحيين هناك ..

    كما أنّ هذه الأحداث لا بد أن تكون قد كشفت للرئيس السادات عن حركة عجلى، وسعي حثيث، من قبل الأخوان المسلمين في سبيل الاستيلاء على السلطة ..

    ومما يدل على الانزعاج الشديد، وعلى الحيرة، إزاء هذا الموقف المفاجئ، أنّ الرئيس السادات، في خطابه الذي نشرته جريدة الأهرام بتاريخ ١٥/٥/١٩٨٠، والذي خصّصه لمعالجة الأزمة الطائفية، جرت على لسانه، في سياق واحد، عبارة الفصل بين الدين والسياسة، وعبارة الجمع بينهما في الإسلام!! وهذا هو نص حديثه: «أنا في السياسة أعمل لمصـر، يوم أن أتفرّغ دينياً سأعتزل السياسة، ولن أخلط الدين بالسياسة ولا السياسة بالدين» .. ولكن سرعان ما تذكّر أنّ الإسلام يشمل كل شيء في المجتمع، بما في ذلك السياسة، فحاول أن يتدارك قوله السابق، فاستطرد قائلاً، في نفس الخطاب: «أقول لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين برغم أنّ الإسلام دين ودولة، ولكن هناك فرق كبير بين الإسلام دين ودولة، وبين أن يستخدم الإسلام عشان الهجوم وضرب الدولة» ..

    ولكن، ومهما يكن الأمر، فإنّ الرئيس السادات، شأنه شأن كل من يواجه الهوس الديني بسلاح غير سلاح الفكر الديني الواعي، لجأ إلى أسهل الطرق، وأفشلها، ألا وهو الاكتفاء بمواجهة الجماعات الدينية، في الجامعات المصرية، بالكبت والمنع .. ومن هذا المنطلق أصدر قراره بمنع نشاط تلك الجماعات .. جاء هذا في خطابه المذكور آنفاً وقد ألحقه بقرار محدّد أوردت خبره جريدة الصحافة بتاريخ ٢١/٥/١٩٨٠ حيث قالت: «القاهرة أ.ف.ب: أعلن الرئيس المصري أنور السادات يوم الاثنين حظراً مطلقاً على نشاط الجماعات الإسلامية في الجامعات المصرية وأوضح أن قراره بمنع الجماعات الدينية غير المصرّح بها رسمياً الذي أعلنه يوم الأربعاء الماضي يتعلّق بالجماعات الإسلامية. وأكّد الرئيس السادات الذي رأس أوّل اجتماع لحكومته أذيع على الهواء مباشرة بالراديو والتلفزيون أنّه يحظر كل نشاط سياسي بالجامعات، وانتقد مرشد الجماعات الإسلامية الذي يسمّيه أنصاره بالأمير ووصف السلطات التي يمنحها المتعصّبون إلى الأمير بأنّها تهريج .. وهذه هي المرّة الأولى التي يوجّه فيها رئيس الدولة هجوماً مباشراً إلى أقوى حركة دينية في الجامعات والمعاهد المصرية تتمتع بنفوذ كبير بين أربعمائة وخمسين ألف طالب جامعي وتمكّنت في كثير من الكلّيات من فرض وجهات نظرها وهدّد الرئيس السادات بفصل كل طالب متعصّب مسلم أو مسيحي يقوم بنشاط سياسي» انتهى –

    إنّ اللجوء إلى قمع، وكبت، هذه الجماعات المهووسة لن يجدي فتيلاً .. وكذلك التهاون معها لا يورث إلا انتشار أمرها وسط الشباب بالصورة التي عليها الجامعات المصرية اليوم، إذ تغلغل فيها تنظيم الأخوان المسلمين مستغلاً استعداد الشباب العاطفي وميله الطبيعي نحو الدين .. حتّى أمكن لهذا التنظيم أن يضلّل الطلاب الجامعيين وأن يعبّئهم بصورة يمكن معها أن يفجّر بهم في مصر فوضى، وفتنة، وهوساً دينياً، يشبه الحال الذي آلت إليه إيران على أيدي الخميني وأتباعه .. وإنّما الذي يجدي أن يقابل هذا الهوس الديني بالفكر الإسلامي الواعي، وأن تواجه مخطّطاته باليقظة، والحذر، والحزم ..

    تنظيم الأخوان اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ الدوﻟﻲ يتعامل مع القوى الأجنبية:
    إنّ الأخوان المسلمين يفتقدون الوعي الديني، كما يفتقدون الحس السياسي الدقيق .. ولذلك نجدهم يؤيّدون كل مهووسي العالم الدينيين الذين يدعون للحكم الإسلامي، مهما كان الفهم الذي يقوم عليه هذا الحكم وكأنّما الحكم باسم الإسلام غاية في ذاته .. فهم قد بادروا بتأييد حركة الخميني، واعتبروها ثورة إسلامية تقيم حكماً إسلامياً .. مع أنّ مذهب الشيعة، نفسه، مفارق للشريعة بصورة تبعده كل البعد عن الإسلام، وستأتي الإشارة إلى طرف من هذا الأمر، في هذا الكتاب، عند حديثنا عن فتنة إيران ..

    لقد أيّد الأخوان المسلمون، كتنظيمات في الأقطار المختلفة حركة الخميني، مثلما أيّدها تنظيمهم الدولي ..

    إنّ صلة هذا التنظيم الدولي الوثيقة بالحركات الدينية المهووسة في العالم دفعت أمريكا لتطلب منه التوسّط لإطلاق سراح الرهائن الأمريكيين .. فقد جاء في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ ٢٤/٤/١٩٨٠ ما يلي:

    «طلبت وزارة الخارجية الأمريكية من مستشارها السياسي في سفارتها بالقاهرة الاتّصال بالأخوان المسلمين في مصر لبذل جهودهم من أجل الإفراج عن الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران، وبالفعل قام المستشار الأمريكي بزيارة السيّد عمر التلمساني، وأبلغه الرغبة الأمريكية، فوعد التلمساني ببحث الأمر. وبعد اجتماع السيّد التلمساني بقيادة التنظيم الدولي للأخوان المسلمين صدر بيان جاء فيه: ‹أنّ الثورة الإسلامية في إيران هي ثورة جميع الحركات الإسلامية في العالم على اختلاف مذاهبها وتنظيماتها الفقهية والسياسية، وأي قهر أو إضعاف أو خذلان للثورة الإسلامية في إيران سيضر بكل تحرّك إسلامي، وأي تفكير أو تحرّك للحركات الإسلامية يجب أن يكون في خدمة الثورة الإيرانية لا لخدمة أعدائها› ..» انتهى.

    إنّ خطورة هذا التنظيم إنّما تتمثل في كونه يبيح لنفسه أن يتعامل مع القوى الأجنبية، من وراء ظهر الحكومات الوطنية التي يوجد في بلادها .. وأقل ما في هذا العمل من سوء أنّه يفتح الباب، ويضع السوابق للتنظيمات المذهبية الأخرى لتصير أدوات ومخالب قطط للقوى الأجنبية ..

    يستغلّون الشباب ويفسدون تربيته:
    إنّ الأخوان المسلمين يعتمدون، في إثارة، وتغذية الهوس الديني، على الشباب الأيفاع الذين تجيش دواخلهم في العادة بالعاطفة، والحماس .. فهم يركّزون عليهم، ويستغلّون فيهم هذا الاستعداد أسوأ، وأبشع أنواع الاستغلال، مستثيرين عواطفهم الدينية، ومرسّخين في خلدهم بأنّ ممارسات الأخوان المسلمين العنيفة، إنّما هي الجهاد!! ويزيّنون لهم هذا العمل، ويوهمونهم بأنّ الموت في مجاله هو الشهادة في سبيل الله .. ويقولون لهم في شعارهم الشهير: «إنّ الموت في سبيل الله أسمى أمانينا».

    لكنهم لا يصدقوﻧﻬﻢ القول:
    وزعماء الأخوان المسلمين لا يصدقون هؤلاء الشباب القول، وإنّما يخدّرونهم بشتّى السبل، ثم يستدرجونهم، شيئاً فشيئاً، حتّى ينصهروا، وهم لا يشعرون، في بوتقة الهوس الديني الذي يمسخ شخصياتهم الإنسانية ويجبلهم على الغلظة والعنف ..

    التلمساﻧﻲ ﻳﺨﺪع الشباب:
    وها هو زعيم الأخوان المسلمين في مصر، ينشر بمجلّة الدعوة عدد رجب ١٤٠٠ﻫ تحت عنوان: «بعض ما وعيناه عن إمامنا الشهيد»، ما لم يرع فيه إلا ولا ذمّة .. فاسمعه يقول: «وهل بعد إقبال الشباب الطاهر على دعوة الأخوان المسلمين، هذا الإقبال المنقطع النظير، من نصر وانتصار؟؟! إنّنا لا ندعو الناس لكي نصل إلى الحكم على أكتافهم ولا نبصّرهم بدينهم لمغنم دنيوي هزيل عن طريقهم، إنّنا ندعوهم ليقيموا أمّة قوية عزيزة طاهرة، وها هم اليوم يأخذون بأطراف الدعوة من كل حدب وصوب، فما بالنا لا نحمد الله إن نصر دعوته، ورأينا الناس يدخلون تحت لوائها أفواجاً؟!! لماذا لا نحارب من حاربنا ولا نقابل الشر بالشر، ونتحمّل الضربات القاسيات في صبر واحتساب؟ ذلك لأنّنا لو أردنا شراً لاستطعناه، فما أيسر تخريب جسر هنا أو قنطرة هناك!!! وما أسهل النسف لمن أراد فساداً، وما أقرب الاغتيال لمن أراد ضلالاً! إنّنا لا نلقى الشر بالشر»، «ولكنّنا نريد أن نقيم قاعدة إسلامية راسخة، ونريد أن نوجد رأياً إسلامياً عارماً يقول فيستمع له، ويصمت فينتظر منه القول .. نريد أن نوجد أمّة قوية الشأن، عالية المقدار، عزيزة الجانب، موحّدة الصف، ونريد أن نقيم ذلك كله على أساس الحكمة المستبصرة، والموعظة المنتجة والمجادلة بالتي هي أحسن، لا نريد أن نصل إلى تحقيق أهدافنا عن طريق القهر والغلبة» .. فليتأمّل القارئ بصورة خاصة الكلمات التي تحتها خط – والخطوط من وضعنا نحن – وليقارنها بممارسات الأخوان المسلمين العنيفة في مصر، وفي السودان، وفي سوريا، وليتساءل أين هذه «الكلمة الرقيقة»؟ وأين «المجادلة بالتي هي أحسن»؟ وليمعن النظر في عبارات «لا نحارب من حاربنا ولا نقابل الشر بالشر .. ما أيسر تخريب جسر هنا وقنطرة هناك» و«ما أقرب الاغتيال لمن أراد ضلالاً»!!

    هذا ما قاله التلمساني متصنّعاً المسالمة، والموضوعية في الدعوة لتنظيمه .. الأمر الذي لم يدعه مؤسس التنظيم نفسه!!

    فليتأمّل القارئ عبارات التلمساني: «لن نحرّضكم على أحد، ولن نبغّضكم في أحد ولن نحارب بكم أحد»، وهو يتحدّث عن بعض ما وعاه عن إمامه الشهيد حسن البنّا .. ونحن هنا نرده إلى «إمامه» ليرى القارئ كيف كان يخاطب الشيخ حسن البنّا الشباب وكيف كان يربّيهم .. هل كان يحارب بهم الخصوم السياسيين أم كان يوصيهم بالكلمة الرقيقة والقول الليّن؟ .. إنّ تعاليم البنّا التي وعاها التلمساني، ومارسها فعلاً مع الشباب، هو وزملاؤه إنّما هي العنف ومحاربة كل من لا يذعن لمخطط الأخوان المسلمين .. وهاكم ما قاله البنّا لأتباعه: افتتاحية مجلة الأخوان المسلمين «النذير» مايو ١٩٣٨:

    «بسم الله الرحمن الرحيم
    خطوطنا الثانية
    بقلم صاحب الفضيلة أستاذنا المرشد العام للأخوان المسلمين إلى الأمام دائماً .. الدعوة الخاصة بعد الدعوة العامة .. أيها الأخوان تجهّزوا» ويمضي الشيخ حسن البنّا ليقول في تلك الافتتاحية للأخوان المسلمين وتحت عنوان «ما خطوتكم الثانية»: «أقول لكم فاسمعوا: سننتقل من حيّز الدعوة العامة إلى حيّز الدعوة الخاصة، ومن دعوة الكلام وحده إلى دعوة الكلام المصحوب بالنضال والأعمال وسنتوجّه بدعوتنا إلى المسئولين من قادة البلد وزعمائه، ووزرائه، وحكّامه وشيوخه، ونوّابه وأحزابه، وسندعوهم إلى منهاجنا، ونضع بين أيديهم برنامجنا وسنطالبهم بأن يسيروا بهذا البلد المسلم، بل زعيم الأقطار الإسلامية في طريق الأقطار في جرأة لا تردّد معها وفي وضوح لا لبس فيه ومن غير مواربة أو مداورة، فإنّ الوقت لا يتّسع للمداورات، فإن أجابوا الدعوة، وسلكوا السبيل إلى الغاية آزرناهم وإن لجأوا إلى المواربة، والروغان، وتستّروا بالأعزار الواهية والحجج المردودة فنحن حرب على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام ولا تسير في الطريق لاستعادة حكم الإسلام ومجد الإسلام، سنعلنها خصومة لا سلم فيها ولا هوادة معها حتّى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين»

    ليطّلع القارئ على قول حسن البنّا « فنحن حرب على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام ولا تسير في الطريق لاستعادة حكم الإسلام ومجد الإسلام .. سنعلنها خصومة لا سلم فيها ولا هوادة»، ثم ليقارن بينه وبين ما قاله زعيم الأخوان الحالي، عمر التلمساني، مما نقلناه آنفاً، وسيجد القارئ أنّ التلمساني هو أحد رجلين فإمّا أنّه لم يع إمامه ما يجب عليه أن يعيه من اتّجاه إلى العنف، أصيل عند الأخوان المسلمين، أو أنّه قد وعى ذلك جيّداً، لكنّه أراد أن يخدع الشباب، ويخدع الناس، ويضلّلهم جميعاً عن حقيقة ما عليه تنظيم الأخوان المسلمين .. ونحن إنّما نميل إلى الصفة الأخيرة، إذ يصدقها واقع الأخوان المسلمين، حيث وجدوا، إذ أنّ العنف لازمة من لوازم تنظيمهم، بل إنّنا لنجد في «مجلّة الدعوة» أنموذجاً لإفساد تربية الشباب ودفعهم إلى العنف وإلى الضيق بالآخرين ففي صفحة ٢١ من مجلّة الدعوة – رجب ١٤٠٠ﻫ - وتحت عنوان «من أناشيد الأخوان» نشيد الكتائب – نشر نشيد نقتطف منه هذا المقطع:

    «فتى الكـفر ما تبعت الهداة
    فأصبحت فينا الأخ المفـدّى
    وإمّا جهـلت فنحن الكـماة
    نقاضي إلى الروع من هددا
    إذاً لأذقناك ضعف الحـياة
    وضعف الممات ولن تنجدا»

    فهم يغرسون في نفوس الشباب روح المعاداة والتكفير لكل من يخالفهم الرأي، أو يقف في طريقهم .. وهذه الروح هي التي تستقيم مع تعاليم الشيخ حسن البنّا، وما عداها، من ادّعاء «المسالمة»، و«الرقة»، إنّما هو محض زيف لا يجوز على أحد، مهما حاول الزعماء المحدثون أن يضلّلوا به الناس ويخدعوهم.

    وجهان لعملة واحدة:
    إنّ ما تورّط فيه التلمساني، زعيم الأخوان المسلمين في مصر، تورّط فيه أيضاً زعيم الأخوان المسلمين في السودان الدكتور حسن الترابي، فهم ينهلون من معين واحد، ولذلك يجئ ثمرهم متشابهاً ..

    فلقد ادّعى الترابي في مغالطة مكشوفة، أنّ تنظيم الأخوان المسلمين لا ينزع إلى العنف .. جاء ذلك في إجابة له على سؤال لمجلّة الحوادث البيروتية بتاريخ ٨/٢/١٩٨٠ ما يلي: «س: الذي يفهم من اختيار اسم الأخوان أنّ الدعوة المنطوية تحت هذا الاسم هي دعوة إلى الإخاء لا إلى العنف فهل مثل هذا الفهم صحيح بالنسبة إلى الأخوان أنفسهم؟
    ج: صحيح أن حركة الأخوان هي حركة إصلاح اجتماعي شامل وأنّ الأخوان يتّخذون الوسائل التربوية والسياسية لتحقيق أهدافهم ولم ييأسوا من المجتمع المسلم فيرموه بالكفر ويجانبوه بالرغم من المحاولات القهرية التي أحيطوا بها إلا أنّ التاريخ الحديث لم يسجّل عليهم محاولة واحدة للانقلاب سواء أكان ناجحاً أم غير ناجح» .. هذا ما قاله الترابي لمجلّة الحوادث ..

    ولقد علّقنا نحن على هذا الادّعاء الزائف، في كتابنا: «أنقذوا الشباب من هذا التنظيم الدخيل»، وبيّنّا بطلانه، بما سقناه من أمثلة العنف بالأفراد والجماعات، ومن السعي للاستيلاء على السلطة، الأمر الذي ظلّ يمارسه تنظيم الأخوان المسلمين، في السودان، وفي غير السودان .. والأمثلة التي سقناها هنا، في هذا الكتاب، لممارسات الأخوان المسلمين، هي وحدها كافية لدحض ادّعاء، وتناقض زعيمي الأخوان المسلمين في مصر والسودان ..

    الأطفال هم أيضاً ضحايا:
    إنّنا مهما حاولنا أن نستقصي ظاهرة الهوس الديني لدى الأخوان المسلمين، فإنّا نجد أنفسنا عاجزين عن بلوغ مداها، فلم نكن نظن أنّ تنظيم الأخوان المسلمين يمكن أن تسوّل له نفسه إفساد فطرة الأطفال بشحن قلوبهم البريئة بالحقد والضغينة ليشبّوا عنيفين شرّرين ..

    إنّ هذا لا تبيحة شرعة في الأرض، دينية، أو وضعية، مهما كانت الغاية من وراء هذا العمل السيء .. فهؤلاء الأطهار حق قلوبهم الغضة أن تغذّى بالحب وتشرّب الرقة، والمثل العليا، ولكن الليالي من الزمان حبالى يلدن في كل يوم جديد .. فلقد هالنا ما طالعناه في مجلّة «الدعوة» عدد رجب ١٤٠٠ﻫ، في الصفحة المخصّصة للأطفال، فقد جعلت مادّة «مسابقة أشبال الدعوة» سبيلاً مباشراً لتشبيع أفكار، ومشاعر الأطفال بكراهية، ومعاداة بعض الاتّجاهات السياسية المناوئة للأخوان المسلمين .. وها هو أحد أسئلة تلك المسابقة: «دولة مسلمة تقع في قارة آسيا في الشمال الشرقي من جزيرة العرب تجاور إيران والمملكة العربية السعودية وسوريا وتطل على الخليج العربي يحكمها حزب يحارب الإسلام والمسلمين كانت عاصمتها مقر الحكم في عهد الدولة العباسية. أ/ ما اسم الدولة؟ ب/ ما اسم الحزب الحاكم؟ ج/ ما اسم عاصمتها؟». وهم بالطبع يعنون بذلك العراق، وحزب البعث الحاكم .. ولكن مهما كان الرأي في حكم حزب البعث فإنّ حرمة الأطفال أجلّ، وأخطر من أن ننتهكها من أجل خلافات سياسية، وصراعات حزبية ليس الأخوان المسلمين بالجانب المبرّأ فيها .. وأمّا السؤال الآخر في هذه المسابقة العجيبة، فقد قصد به تمجيد زعيم الأخوان المسلمين الحالي، وجعله مثلاً أعلى لدى الأطفال، وفي نفس الوقت إثارة حقدهم، ومقتهم للخصوم السياسيين .. وها هو نص السؤال: «- داعية مجاهد كان يعمل محامياً قدّمه الحاكم الظالم الذي حارب الإسلام والمسلمين إلى محكمة الشعب فحكمت عليه بالسجن، ثبت على الحق وظلّ في السجن عشرين عاماً .. يقود دعوة الإسلام في مصـر ويدير مجلّة تدعو إلى الله على بصيرة .. مد الله في أجله وأحسن عمله .. من هو؟» .. الإجابة سهلة، فإنّ الرجل المسئول عنه هو زعيم الأخوان الحالي في مصر، عمر التلمساني!! وأمّا الذي حارب الإسلام، والمسلمين، فإنّهم يقصدون به جمال عبد الناصر .. هكذا يفعلون بقلوب، وعقول الناشئة!! كما كان يفعل النازيون الذين تولّوا صياغة أبناء ألمانيا صياغة حربية عدوانية، مستغلّين في ذلك مناهج التعليم، ووسائله المختلفة!!

    إنّ الأخوان المسلمين، لو كانوا منصفين، لتركوا بطولة زعمائهم للتاريخ، وللأجيال القادمة لتقيّمها، ولتضع زعاماتهم في موضعها .. فإنّ تاريخ الإسلام، والإنسانية زاخر بالشخصيات المتّفق على عظمتها، لتساق تجسيداً للبطولة لدى الأطفال ..

    وأمّا جمال عبد الناصر فإنّ لنا نحن الجمهوريين مواجهة قوية لسياسته، وممارساته .. ولكن، مهما يكن من أمر سوء سياسته، فإنّه لا يجوز أن يوصف، ويصوّر بأنّه يحارب الإسلام، والمسلمين .. ولدى من يصوّر هكذا؟! لدى أطفال أبرياء!! ولماذ؟ لأنّه واجه الأخوان المسلمين الذين عملوا على احتوائه، ولمّا فشلوا حاولوا اغتياله!! أطلق عليه الرصاص محمود عبد اللطيف وهو من الجهاز السري للأخوان المسلمين ..

    وقد وردت الإشارة إلى محاولة اغتيال عبد الناصر في مذكّرات حسن العشماوي وهو قد كان من قادة الأخوان المسلمين حيث قال ص ٧٤ من مذكّراته:

    «ومع الصباح علمنا أنّ الذي أطلق النار هو المرحوم محمود عبد اللطيف وأنّه اعترف بأنّ محرّضه هو المرحوم هنداوي دوير المحامي بأمبابة. وأنا أعرف محمود عبد اللطيف منذ كان يعمل في معركة قناة السويس عام ١٩٥١ وأعلم أنّه انضم إلى الجهاز السري أيضاً، وأعرف مهارته في إصابة الهدف بالمسدّس على نحو غير طبيعي، ثم أنا أعرف الأستاذ هنداوي دوير ولكن ما كنت أتصوّر أنّه رئيس مسئول بالجهاز السري لأنّه رحمه الله عصبي المزاج سريع الانفعال بحيث لا يصح وضعه كمسئول في أي نظام سري» ..

    ومثل من سوريا:
    وهذه صورة أخرى من صور استدراج الشباب والتغرير به وتضليله باسم الإسلام واستثارة «نزعة البطولة» فيه، بغير حق، وبغير ورع .. فهم يجنّدون الشبّان عن طريق عاطفتهم الدينية، من غير أن يبيّنوا لهم أبعاد مخطّطاتهم .. وهذا مثل نسوقه من «الأخوان المسلمين» في سوريا، جاء في جريدتهم «النذير» بتاريخ ١٢ مارس ١٩٨٠ وهي تحكي قصة أحد الشبّان الذين يجنّدهم هذا التنظيم الإرهابي من غير أن يبيّن لهم حقيقة ما ينطوي عليه، وإنّما يسوقهم، بشتّى السبل، في طريق العنف والإرهاب، حتّى أنّهم ليطلقون على المجنّدين الجدد القاب، واسماء، أبطال الإسلام، ليشبعوا فيهم تطلّعهم للبطولة والتميّز .. ففي هذه القصة التي ترويها «مجلّتهم» النذير كنّي الشاب «همام» بأبي حارثة .. أخذ من اسم الصحابي الجليل حارثة الأنصاري!! .. قالت «النذير» صفحة ١٥، بتاريخ ١٢/٣/١٩٨٠: «همام شاب طويل القامة، نحيف الجسم، حنطي اللون، تلمح في وجهه سيماء الرّغد، ولد عام ١٩٥٥ من أسرة ذات علم ويسار، انضم إلى جماعة ‹الأخوان المسلمين› عام ١٩٧٣، ودخل الجامعة عام ١٩٧٤. كان – رحمه الله – في هذه المرحلة غير مدرك لشمولية حركة الأخوان المسلمين، لأنّ الصورة لم تكن متكاملة في ذهنه بعد. كان يظن أنّها منظّمة لتجميع المسلمين وحسب. إلا أنّ هذه المرحلة لم تدم طويلاً. فسرعان ما تغيّر همام. تغيّر ولم تمض عليه سنة في صفوف الجماعة. لقد استقرّ الحق في قلبه، وعرف عن حركة ‹الأخوان› الشمولية، وعرف أنّها حق. فأطلق لحيته، وتحرّك يدعو بين أصدقائه» ..

    كنيته: «سمّاه موجّهه ‹أبا حارثة› لحديث النبي – صلّى الله عليه وسلّم – ‹مرّ النبي صلّى الله عليه وسلّم على حارثة الأنصاري، فقال له: كيف أصبحت يا حارثة؟ فقال: أصبحت مؤمناً حقاً .. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: انظر ما تقول! فإنّ لكل حق حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ قال حارثة: إنّي أظمأت نهاري، وقمت ليلي، وكأنّي بعرش ربّي بارزاً، وكأنّي بأهل الجنة يتزاورون، وكأنّي بأهل النار يتضاعفون. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: عرفت، فالزم ثلاثاً›» ..

    «وفي ٢٧ رمضان المبارك كانت الملائكة تستعد لاستقبال خمسة من الشهداء كان من بينهم همام».

    هذا عمل منكر وليس جهاداً:
    هكذا يجزم تنظيم الأخوان المسلمين بأنّ أعضاءهم الذين يمارسون عمليات الاغتيال، والغدر، ويقاتلون المسلمين، هم مجاهدون وشهداء تتلقّاهم الملائكة حينما يقتلون!!

    بينما أمر الجهاد، وأمر الشهادة في الإسلام ليس بهذه السهولة .. فحتّى في أيّام مشروعية الجهاد، على عهد النبي، فإن المجاهد الغازي إذا فرّط في أي شرط من شروط الجهاد، أو إذا لم يخلص النية لله، لا يحسب مجاهداً أو شهيداً، بل قد يحسب من أهل النار .. إنّ الأمر بهذا المستوى من الدقة والخطر ..

    وفي هذا الصدد روى أسامة بن زيد قال: «بعثنا رسول الله، سرية إلى الحرقات، فنذروا بنا، فهربوا، فأدركنا رجلاً، فلمّا غشيناه قال: ‹لا إله إلا الله› فضربناه حتّى قتلناه، فذكرته للنبي فقال: ‹من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟؟› فقلت: ‹يا رسول الله: إنّما قالها مخافة!!› قال: ‹أفلا شققت قلبه حتّى تعلم من أجل ذلك قالها، أم لا؟! من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟؟› فما زال يقولها حتّى وددت أنّي لم أسلم إلا يومئذ» ..

    هذا هو الحال مع الكافر كفراً صريحاً .. فما بال الأخوان المسلمين يعدّون أنفسهم مجاهدين، وشهداء، إذ يستحلّون دم من هم مسبقاً مسلمون، يشهدون «الا إله إلا الله، وأنّ محمّداً رسول الله»؟؟ .. « من لهم بلا إله إلا الله يوم القيامة»؟؟

    إنّ هذه التربية السيئة، والاستغلال البشع للعاطفة الدينية لدى الشباب، ثم الانحراف بها إلى أعمال القتل والتخريب، ووسم ذلك بميسم الجهاد، كل هذا إنّما وضع أساسه الشيخ حسن البنّا .. يتّضح ذلك من قوله الذي أوردناه آنفاً عن الانتقال من «الدعوة العامة إلى الدعوة الخاصة»، كما يتّضح من هذه العبارة التي نطق بها الشيخ حسن البنّا أيضاً، ونقلتها النشرة الأخبارية لتنظيم الأخوان المسلمين السوريين «النذير» عدد ١٢/٣/١٩٨٠ كما يلي:

    «من أقوال الشهيد حسن البنّا: ‹يا أخي لا بد من الموت فاجعله في سبيل الله، وإنّك حين تموت شهيداً إنّما تكسب الأجر والشرف والخلود على أنّك لم تخسر شيئاً›» ..

    إلى هذا الحد يهوّن البنّا من أمر الموت في سبيل الله .. فقط يكفي ان يكون الأخ المسلم عضواً في هذا التنظيم الرهيب فينفّذ ما يؤمر به من عمليات الاغتيال والتخريب فإذا لقي مصرعه فيها فهو «شهيد»!!

    هكذا!! انطلقت موجة الهوس الديني لدى الأخوان المسلمين منذ فجر حركتهم .. ففي حياة البنّا جرت على أيدي شبابهم عدّة اغتيالات كما ذكرنا من قبل، حتّى أصبحت ممارسة العنف، والقتل، عند الأخ المسلم، أهون من تسطير مقال!

    إنّ طلبة الإسلام اليوم، يا من جهلتم حقيقته ليست أن يموت الشباب في سبيل الله، وإنّما طلبته أن يعيش في سبيل الله – أن يعيشوا تجسيداً لأخلاق الإسلام، واطلاقاً للقوى الداخلية عند كل فرد، من الرجال، والنساء، وتحريراً للفكر، حتّى يصبح هو القمة التي يقصر عندها تطاول كل متطاول ..

    لا يصد تيار اﻟﻬﻮس الدﻳﻨﻲ إلا الفكر الإسلامي الواعي:
    إنّ الهوس الديني الذي انطلق من عقاله في البلاد الإسلامية يجب أن يواجه بما يوقفه عند حده، ويكشف زيفه، ويحصّن الشعوب ضدّه، ولذلك فإنّ أي موقف سلبي تجاه هذا الهوس يعتبر جريمة في حق الإسلام، وفي حق الإنسانية، لا تغتفر .. ولكن يحب أن نعي جيّداً أنّ الردع القانوني وحده لا يكفي لاجتثاث هذا الهوس من جذوره، ولا هو بكاف بتخليص الشباب الواقع تحت تضليله .. وإنّما يجب أن يصحب ذلك نشر للفهم الواعي للإسلام، وليس هذا بميسور في مصر الآن ..

    ولكنّه في السودان مبذول، بفضل الله، ثم بفضل الفكر الجمهوري الذي يضطلع دعاته بواجبهم في نشر الوعي الإسلامي، رغم المعوّقات التي توضع في طريقهم من قبل أجهزة الإعلام المختلفة ..

    تلك الأجهزة التي تبيح منابرها للهوس الديني جهاراً، وتسمح للسلفيين أن يستغلّوها ضد الجمهوريين بل ضد السلطة، شعر، أو لم يشعر أولئك المسئولون عن هذه الأجهزة .. إنّ هذه الأجهزة الخطيرة، إنّما وجدت لتقدّم قضية الوعي والمسئولية لا لتسخّر للجهلاء المهووسين ينفثون من خلالها ما يفسد العقول، ويخرب القلوب ..

    حيرة اﻟﻤﺴﺌﻮﻟﻴﻦ ﻓﻲ مصر:
    إنّ الاستهانة بأمر الهوس الديني كاد يذهب بكل ما أشادته مصر من تقدّم مدني .. بل لا تزال مصر مهدّدة بأن تتردّى في هاوية فتنة دينية تماثل فتنة إيران، وما ذاك إلا للتهاون الذي يقابل به المسئولون المصريون العمل المنظّم، والمكثّف، لتنظيم الأخوان المسلمين الذي يجد دعماً دولياً من جهات ترعى، وتوجّه، وتنظّم الهوس الديني كي يسود في الأقطار الإسلامية ..

    إنّ المسئولين المصريين يقفون حيارى، فهم لا يملكون الفكر الديني الواعي، ولا الدعاة الملتزمين الذين يجسّدون هذا الفكر الديني الواعي، ويواجهون به هوس الدعاة الدينيين المزيّفين، أمثال الأخوان المسلمين، فيفضحون زيفهم، ويكشفون تضليلهم ..

    اﻟﻬﻮس الدﻳﻨﻲ واللجوء السياسي:
    إنّ الموقف الذي وقفه السادات من شاه إيران لهو موقف مجيد يسجّله له التاريخ .. فبصرف النظر عن الرأي في حكم الشاه السابق، وفي حكم الخميني الحاضر، فإنّ هناك حقائق لا بد أن تقدّر في موقف السادات: أولاها أن حق اللجوء السياسي أمر راسخ في القانون الدولي، وفي الأعراف المرعية عالمياً .. وثانيتهما أن الشاه يعاني من مرض خطير ولذلك فإنّ أبسط المبادئ توجب توفير العلاج العاجل، الملائم، لحالته المرضية الخطيرة هذه ..

    ولكن الهوس الديني الذي يعيث فساداً في إيران، والذي انتهك كل القيم والأعراف الدولية، وداس عليها بالنعال، قد ظلّ يلاحق الشاه حتّى في مصر حيث يجد هوس إيران الديني رصيداً جاهزاً ..

    لقد سيّر الأخوان المسلمون في مصر المظاهرات، وعقدوا المؤتمرات، احتجاجاً على استضافة مصر للشاه .. لماذا؟

    تجيب على هذا التساؤل مجلّتهم «الدعوة» عدد رجب ١٤٠٠ﻫ ص ٤٧ بما يلي: «وجهة نظرنا ذكرها الأخ الأكبر عمر التلمساني في العدد الماضي من المجلّة حيث طالب بتسليم الشاه إلى قضاته وشعبه يطبّقون فيه شرع الله .. فإن التزموا جانب الحق وإقامة العدل فلهم أجرهم. أما أن يخرجوا عن السراط المستقيم في المحاكمة فحسابهم في ذلك على الله. والحق الذي لا مراء فيه أن العالم ما دام قد سكت على كل ما فعله الشاه بشعبه فمن الإنصاف في المعاملة أن نتركه لهم ولسنا في ذلك بظالمين أو متجافين لقواعد الإنسانية فكما يدين الفتى يدان وهذه هي موازين الإنسانية الحقة ومعاييرها المنصفة.» ..

    ولمّا كانت فوضى الحكم في إيران، وجور ما يسمّى فيها بالمحاكم الثورية، قد بلغا حدّاً من السوء أدانته نقابة المحامين الإيرانيين وقد نقلت هذا الخبر جريد الأيّام بتاريخ ١٦/٣/١٩٧٩ كما يلي: «أعلنت اللجنة التنفيذية لنقابة المحامين في إيران احتجاجها ضد عمليات الإعدام التي تنفّذها المحاكم الثورية ومما يذكر أنّ اللجنة أرسلت برقية إلى وزير العدل أوضحت فيها أنّ الأشخاص الذين حكمت عليهم هذه المحاكم الثورية قد سلبوا من حقّهم المشروع في الدفاع عن أنفسهم ومن حقّهم المشروع في الاستعانة بمحامين ..»

    بل أدانه رئيس وزراء الخميني السابق بازرجان: «أعرب بازرجان عن اشمئزازه من المحاكمات السرّية وعمليات القتل التي قال أنّها تلوّث ثورتنا وتحط من شأنها. وذلك يضر بهيبة ثورتنا في العالم، فقد أخذت الثورة بذلك طابعاً غير روحي وغير ديني وغير إنساني، فبعض المنظّمات الدولية التي دافعت عنّا ضد الدكتاتورية والتي جعلت صوتنا مسموعاً تحتج الآن ضد المحاكمات التي نقوم بها ومعاملات المسجونين فكفى ما أصابنا من عار في العالم» ..

    لمّا كان الأمر بهذا المستوى الذي لا يملك أحد أن ينكره، فإنّ التلمساني، مرشد الأخوان المسلمين بمصـر، أشـاح بوجهه عنه، وذهب ليقول بتسليم الشاه لقضاته – الخميني وأعوانه – طبعاً – ليطبّقوا فيه شرع الله!! «فإن التزموا جانب الحق وإقامة العدل فلهم أجرهم. أما أن يخرجوا عن السراط المستقيم في المحاكمة فحسابهم في ذلك على الله»! ..

    هكذا!! بكل بساطة نسلّم متّهماً «لقضاته» الذين حكموا عليه مسبقاً، بل هم الذين حكموا بالإعدام على من هم دونه بكثير، من خصومهم السياسيين الذين لم توفّر لهم أبسط قواعد العدالة في المحاكم الثورية الإيرانية الإسلامية المزعومة فهم لم تقبل لهم استئنافات ضد أحكام الحاكم وقد سخر الخميني من المطالبة بحق الاستئناف للذين تدينهم محاكمه، ورغم ذلك يريد زعيم الأخوان المسلمين من السادات أن يسلّم الشاه منتهكاً بذلك حق اللجوء السياسي، ومتجاوزاً كل السوابق، والأعراف الدولية، من قديم الزمان، تلك الأعراف التي تضمن للسياسيين سلامتهم، ما داموا قد خرجوا من بلادهم، وما داموا لا يباشرون نشاطاً ضد بلادهم من الأرض التي آوتهم.

    يريد التلمساني من الحكّام المصريين أن يسلّموا الشاه لجلاديه ولسان حالهم يقول، في تغاب: على الإيرانيين وحدهم يقع الوزر إن هم لم يعدلوا في محاكمته!!

    ألم نقل أنّ الهوس الديني يعطّل ملكات الفرد، ويهز شخصيته، ويجعله يتخبّط بلا عقل، وبلا ضمير؟!











    ﺟﻤﺎعة اﻟﺘﻜﻔﻴﺮ واﻟﻬﺠﺮة
    إنّ صور الهوس الديني قد اتّخذت في مصر شكلاً آخر يأخذ محتواه من اسم الجماعة التي أطلقت على نفسـها «جماعة التكفير والهجرة» .. فهم يكفّرون كل من عاداهم من المسلمين .. ثم هم يقولون بوجوب الهجرة، وتأسيس قرى خاصة يقيمون فيها الحياة الإسلامية التي يتصوّرونها .. ولقد جرت على أيدي هذه الجماعة عمليات اختطاف واغتيال، وتهديم، وحرق للأضرحة .. وأفكار هذه الجماعة، وأفعالها، تشابه أفكار، وأفعال، الوهابية .. ولقد هزّت المجتمع المصري في الفترة من ١٩٧٥ إلى ١٩٧٧ حيث أعدم زعماؤها، وسجن كثيرون من أفرادها .. وفيما يلي بعض ما ورد عنها في الصحف:

    الأيّام ٢٩/٥/١٩٧٥: «وقالت صحيفة الأخبار أنّ متآمرين من المسلمين المتعصّبين اعتقلوا في أوائل الشهر الحالي ووجهت لهم تهم القيام بمحاولة الإطاحة بنظام الحكم في البلاد وتغيير الدستور المصري بالقوّة وحيازة أسلحة بدون ترخيص والتصرّف المنافي للآداب.

    وقالت الصحيفة أن زعيم المؤامرة طالب جامعي يدعى شكري أحمد مصطفى ٢٨ سنة. وكان أفراد المجموعة يعيشون في كهوف جبلية بالقرب من منيا في صعيد مصر حيث كانوا يتدرّبون على استخدام الأسلحة. وقالت الصحيفة أنّ أعضاء المنظّمة المتآمرين اعتقاداً منهم أنّه يتعيّن على المرأة ألا تعمل وأن تكون محجّبة قاموا باغراء فتيات كثيرات لترك الدراسة والزواج بهم بدون موافقة آبائهن .. وقالت الصحيفة أنّ أعضاء المنظّمة كانوا ذوي ذقون طويلة ويلبسون أردية وأوسمة وأنّهم كانوا يدعون بعودة المصريين إلى الأيَام الأولى من الإسلام» ..

    اختطاف الشيخ الذﻫﺒﻲ:
    ومن الممارسات المجافية للقيم الإسلامية، والإنسانية، التي سوّلها الهوس الديني لهذه الجماعة، اختطاف واغتيال الأفراد الذين يخالفونهم، ويعترضون على دعوتهم .. وبالفعل قامت هذه الجماعة باختطاف وزير الأوقاف المصري السابق وقتله .. وفي هذا الشأن تحدّثنا أيضاً جريدة الأيّام بتاريخ ٤/٧/١٩٧٧ بما يلي:

    «اختطاف وزير الأوقاف السابق بمصر
    القاهرة ‹رويتر›: اختطف أمس وزير الأوقاف السابق بجمهورية مصر العربية الشيخ محمّد حسن الذهبي من منزله بحلوان بواسطة أربعة رجال مسلّحين ينتمون إلى جماعة التكفير والهجرة على حسب ادّعائهم وقد صرّحوا بأنّهم سوف يقومون بتنفيذ حكم الإعدام عليه خلال ٢٤ ساعة إذا لم تستجب السلطات المصرية لمطالبهم بإطلاق سراح ثلاثين من السجناء الذين ينتمون إلى جمعية التكفير والهجرة ..

    ومن ناحية أخرى هدّدوا بأنّه في حالة عدم الاستجابة إلى طلبهم فإنّهم سيلجأون إلى اختطاف عدد آخر من الأشخاص وسيقومون بتنفيذ حكم الإعدام عليهم» ..

    وتمضي جريدة الأيّام، بتاريخ ٧/٧/١٩٧٧م، لتقول:

    «اغتيال الوزير المصري السابق
    القاهرة ‹رويتر›: عثر أمس على جثمان الوزير المصري السابق والذي اختطفته جماعة إسلامية متطرّفة تدعى ‹جماعة التكفير والهجرة› وقد عثر البوليس على جثمانه بينما وجد الحبل الذي شنق به مربوطاً بعنقة.

    وقد عثر على جثمان الدكتور الذهبي في فيلا بالجيزة بالقرب من منطقة الأهرام ..

    وقد ذكرت مصادر البوليس أنّه وجدت بالجثة آثار طعنات بأنحاء متفرّقة بالجسم» ..

    ظاهرة اﺳﻤﻬﺎ التطرّف الدﻳﻨﻲ: تحت هذا العنوان كتبت مجلّة الوطن العربي ٨/٧/١٩٧٧ تقول:

    «وضعت السلطات المصرية يدها على خيط أوّلي تتوقّع أن يؤدي بها في بحر أيّام قلائل إلى اعتقال كبار المسئولين في جمعية ‹التكفير والهجرة› السرية المتطرّفة التي نظّمت حادث اختطاف الشيخ محمّد حسن الذهبي وزير الأوقاف السابق من منزله في حلوان صباح الجمعة الماضي، عندما طرق عليه الباب في ساعة مبكّرة أربعة من أعضاء الجمعية السرّية متنكّرين في أزياء رجال الشرطة واقتادوه إلى مكان مجهول بسيّارة جيب كانت تنتظرهم قرب البيت ..»

    ﻳﺤﺮقون الأضرحة: وتمضي المجلّة قائلة:

    «ومما يذكر أنّ أفراد هذه الجمعية يطلقون لحاهم ويلبسون الأثواب الفضفاضة البيضاء ويقولون بالعودة إلى منابع الإسلام وتجريده من البدع. وقد بدأ نشاطها الوهابي في حزيران ‹يونيو› ١٩٧٥ عندما اعتقل بعض أفراها خلال محاولة لحرق ضريح أحد الأولياء في محافظة الشرقية بعد أن نجحت في حرق ستّة من الأضرحة في تلك المحافظة وتسببت نتيجة لذلك في كثير من الهياج.

    وقبيل ذلك، كانت السلطات المصرية قد كشفت في أيّار ‹مايو› ١٩٧٥ جماعة من الشبّان المتطرّفين يطلقون لحاهم ويحتفظون بمجموعات من الأسلحة في مدينة المنيا إلا أنّه لم تثبت عليهم تهمة الانتماء لجمعية سرّية

    وكان دور المتطرّفين الدينيين قد أخذ يلفت الأنظار على هامش مجريات محاكمة ٩٢ شخص أدينوا بتهمة المحاولة الإنقلابية في الكلّية التقنية العسكرية في نيسان ‹أبريل› ١٩٧٤.

    ومنذ ذلك الحين بدأ الحديث يتّسع على جمعية ‹التكفير والهجرة› التي يطلق رئيسها على نفسه لقب ‹أمير المؤمنين›» ..

    إنّ جماعة التكفير والهجرة ليست بدعاً من الجماعات الدينية المهووسة، كجماعة الأخوان المسلمين، والوهابية .. وليس هناك من فرق قط بينها جميعاً في مجال الإرهاب، والعنف، فهي كلّها تنبت من أديم واحد، هو أديم الجهل بالإسلام، وسوء التربية، والانغماس في متاهات الهوس الديني .. ولا يورث إهمال شأن هذه الجماعات، والاستهانة بأمرها، إلا الخراب والإفساد في الأرض ..

    إعدام زعماء ﺟﻤﺎعة اﻟﺘﻜﻔﻴﺮ واﻟﻬﺠﺮة: لقد لقي المسئولون عن حادث الاغتيال جزاءهم، فقد قدّموا للمحاكمة وصدر الحكم بشأنهم كما يلي:

    جريدة الأيّام : ١/١٢/١٩٧٧
    «القاهرة ‹رويتر›: أصدرت محكمة في القاهرة حكماً بإعدام خمسة من أعضاء جماعة التكفير والهجرة لقيامهم باختطاف واغتيال وزير الأوقاف السابق الشيخ الذهبي .. والخمسة الذين صدر ضدّهم حكم الإعدام هم جزء من ٤٥ متّهماً صدرت ضد ٣٦ منهم أحكام بالأعمال الشاقة لمدد تتراوح بين طيلة الحياة وثلاث سنوات .. صدر حكم الإعدام أيضاً ضد شكري أحمد مصطفى وهو زعيم جماعة التكفير والهجرة» ..

    وﻓﻲ سوريا .. ما لا ﻳﺨﻄﺮ على قلب!
    في الوقت الذي يحاول فيه الترابي في السودان، والتلمساني في مصر تبرئة تنظيم الأخوان المسلمين من ممارسة العنف، نجد أخوانهم في سوريا يجاهرون به، ويفاخرون، ويسمّون ممارساتهم بأسمائها .. إن كانت اغتيالات، وإن كانت إنذارات، وتهديدات، فهي كذك ..

    وبين أيدينا الآن نسختان من نشرتهم الأخبارية «النذير»، وهما غاصتان بشتّى صور ممارساتهم العنيفة سواء كانت ضد حكّام سوريا، أم ضد أفراد الشعب الذين لا حول لهم، ولا قوّة، ولا ذنب على كثيرين منهم إلا عدم تنفيذ تعليمات، وأوامر تنظيم الأخوان المسلمين هناك .. وسنكتفي هنا بإيراد نماذج قليلة للهوس الذي يمارسه ذلك التنظيم في سوريا، ويخلع عليه ثوب الإسلام .. وقد وردت هذه النماذج في نشرتيهم الأخباريّتين.

    غدر: «الاثنين ٢٥ ربيع الأوّل: ١١/٢ الساعة ٣٠:٦ عصراً نفّذت مجموعة من المجاهدين حكم الله في دورية راجلة للوحدات الخاصة في حي ‹القصيلة› قوامها ستّة عناصر، قتل منهم على الفور ثلاثة وجرح الباقون» ..

    عبوات ناسفة ﻓﻲ مدرسة: «الأربعاء ٤ ربيع الثاني: ٢٠/٢ قامت مجموعة من المجاهدين بتفجير عبوات ناسفة في مدرسة فاتح الرغلي، في محلّة ‹كرم القاطرجي› من الساعة ٣٠:٢٢ ليلاً ومن المعلوم أنّ المدرسة المذكورة جعلها المجرمون مركزاً للوحدات الخاصة والعناصر الحزبية المتعاونة معها» ..

    إنذار إﻟﻰ اﻟﻤﻌﻠّﻤﺎت!: «السبت ربيع الأوّل: ١٦/٢ وجّه المجاهدون إنذاراً إلى مديري ومديرات ومعلّمي ومعلّمات مدارس المدينة بمختلف مستوياتها، نورد فيما يلي نصّه الكامل:
    بسم الله الرحمن الرحيم. والسلام على من اتّبع الهدى. إلى مديري ومعلّمات مدرسة ..... يواجه الشعب المسلم في سورية المصابرة أنواعاً من الظلم والاستبداد والفساد والانحطاط الخلقي، وبث الروح الانهزامية في النفوس بالضغط والإرهاب الذي تمارسه الطغمة النصيرية المارقة على ابناء هذا الجيل المؤمن، لتهيئته للخنوع والهوان والذل أمام أولئك الكفرة الملحدين وذلك من خلال إبعاده عن مبادئ الإسلام الحنيف العادل لذا نطلب إليكنّ ما يلي: (١ التصحيح في مسـار التدريس (٢ إيجاد التوعية الإسلامية من النهج للطالبات (٣ تهيئة فتح المساجد أمام الطالبات (٤ إلغاء مظاهر الفساد الخلقي كالبيانات الحزبية المسمومة والأغاني الخلاعية المنحطّة وغيرها (٥ الدعوة للحشمة والزي الإسلامي للفتاة (٦ الامتناع عن التدريب الطلائعي المسموم في المدارس الابتدائية (٧ إطلاق حرّية الطالبات للإعراب عن آرائهن الحرّة دون المساس بهنّ – (٨ الابتعاد عن كتابة التقارير بحق الطالبات المرسلة إلى الشعبة السياسية أو ما شابه ذلك .. وكل من يثبت عليها خلاف ذلك، فسينفّذ فيها حكم الله. ويعتبر هذا البيان هو آخر إنذار ‹وما يتذكّر إلا أولو الألباب› وكل من لا تستطيع أن تنفّذ ما طلب أعلاه فعليها أن تتخلّى عن مهمّتها، أو إفساح المجال لغيرها .. وإلا ... فقد أعذر من أنذر.

    كما وجّه نداء إلى مدارس الذكور بالصيغة نفسها، مع حذف المطلب الخامس المتعلّق بالزي الإسلامي للفتاة.»!!

    خدعة: «أخبار حلب: حوالي منتصف ربيع الثاني وأواخر شباط، أوقف المجاهدون سيّارة قرب ‹سوق الجمعة›، وأنزلوا ركّابها، وطلبوا من السائق أن يخبر السلطة أنّهم احتجزوا الركّاب، ويريدون قتلهم واختبأ المجاهدون في ‹براميل› قريبة من المكان، فجاءت قوّة من المخابرات /١٥/ عنصراً، وعندما اقتربوا من المنطقة، وأصبحوا بين البراميل فتح المجاهدون عليهم النيران. فقتل خمسة من عناصر المخابرات، وجرح خمسة آخرون بينهم رقيب كسرت رجلاه.»

    اغتيالات: «جرت خلال شهر شباط الماضي ومطلع آزار الحالي عدّة عمليات اغتيال، كان من نتائجها مقتل، العقيد قائد اللواء /٣٧/، ورائد، ونقيبين في الجيش، ورقيب في المخابرات وسائق سيّارة أحد الأساتذة في جامعة تشرين» - «النذير» العدد الثالث عشر – ٢٥ ربيع الثاني ١٤٠٠ -

    اغتيال شيخ ﻓﻲ حرم اﻟﻤﺴﺠﺪ: إنّ قتل النفس التي قال عنها الله سبحانه وتعالى: «ومن أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنّه من قتل نفساً بغير نفس، أو فساد في الأرض، فكأنّما قتل الناس جميعاً» .. هذه النفس أمرها هيّن عند الأخوان المسلمين، والسوريين منهم بخاصة، بشكل لا يجاريهم فيه أحد. وهاهم فيما ترويه جريدة الأنوار، يغتالون شيخاً في حرم أحد المساجد. قالت الصحيفة، بتاريخ ٤/٢/١٩٨٠ - ما يلي:

    «شيّعت مدينة حلب أمس الشيخ محمّد الشامي الذي اغتيل، كما ذكرت وكالة الأنباء السورية أمس في هجوم قام به ثلاثة أفراد من جماعة الأخوان المسلمين على مسجد السلطانية في حلب أوّل من أمس وقتل في الهجوم شخص وأصيب آخر» انتهى .. إنّ هذا الشيخ لعلّه كان من معارضي الأخوان المسلمين، ونحن لا نستبعد صحة الخبر الذي نقلته الوكالة السورية «سانا» ذلك بأنّ الأخوان المسلمين ليس غريباً مثل هذه الفعلة الشنيعة .. فهم فيما أوردته نشرة أخبارهم «النذير» فعلوا مثلها الكثير .. وقد أوردنا آنفاً نماذج منها.

    ليس دفاعاً عن حكّام سوريا:
    إنّنا لا ندافع عن نظام الحكم في سوريا، بل، على النقيض من ذلك، نعتبره من أسوأ أنواع الحكم في البلاد العربية .. ولقد وجّهنا إليه نقداً موضوعياً قوياً في كتبنا التي تعالج مشكلة الشرق الأوسط ..

    ولكن هذا كلّه لا يجعلنا نجيز هذا الهوس الديني الذي يفرزه تنظيم الأخوان المسلمين بدعوى معارضته لحكم حزب البعث، كي يصوّر للناس أنّه إنّما يحارب الكفّار باسم الإسلام، وينفّذ فيهم حكم الله، بصورة لا تجافي قيم الإسلام، وقواعد الجهاد في شريعته المرحلية وحسب، بل تجانب أبسط القيم، والأعراف المرعية في المجتمعات الإنسانية المختلفة .. ولقد بلغ بهم هوسهم الديني، وإهدارهم للقيم، أن يوجّهوا إنذاراً لمديرات ومعلّمات المدارس في سوريا، ويطالبوهن بمطالب فوق طاقتهن وخارج صلاحياتهن ويهدّدوهن بتنفيذ حكم الله فيهن إن هن لم يذعنّ لأوامرهم!!. وهم بذلك يضعوهن بين قطبي الرحا، فمن أعلى حكم «البعث»، ومن أسفل إرهاب، وعنف الأخوان المسلمين!! فهن بين خيارين، أحلاهما مر ..

    وهم بعد متوهّمون أنّهم إنّما يمارسون الجهاد .. وضد من؟؟ ضد نساء بريئات!! وهم ينفّذون فيهن ما يزعمونه «حكم الله» .. وهم يعنون به هنا الإعدام، كما رأيناهم ينفّذونه في الحالات التي نقلناها آنفاً عن نشرتهم «النذير»!!

    إنّ الجهاد في الإسلام أمر مرحلي ولكنّه، حتّى في مرحليّته، لا يبيح قتل النساء، ومعاملتهن بهذه الصورة الهمجية، الغليظة .. فعن عبد الله بن عمر «أنّ امرأة وجدت في بعض مغازي النبي صلّى الله عليه وسلّم مقتولة فأنكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قتل النساء والصبيان» ..

    إنّ الأخوان المسلمين لم يعطّل الهوس الديني ملكاتهم الفطرية وحسب، بل أفقدهم قيم الرجولة، والمروءة التي لا تعوز الرجل العادي البسيط ..

    اﻟﺠﻬﺎد ﻓﻲ الإسلام ﺑﻴﻦ الأمس واليوم
    إنّ هؤلاء الشبّان المنخرطين في تنظيم الأخوان المسلمين قد التبس عليهم أمر الإسلام، واختلّ لديهم ميزان الجهاد فيه، فأصبحوا يقترفون أسوأ الأعمال وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً .. فهم يجهلون الإسلام، ويجهلون القانون، وهم أشد جهلاً بأمر الجهاد ..

    إنّ استهانة الأخوان المسلمين بدم الإنسان قد بلغت، في ماضي حركتهم، وفي حاضرها، مبلغاً ينكره الإسلام، ويبرأ منه، كل البراءة .. ذلك بأنّ تعظيم، ورعاية حرمة النفس في الإسلام، تبلغ شأواً بعيداً، حتّى أنّه ليحرّم سفك من يتّخذ «لا إله إلا الله» تقية، ولو كان كافراً يواجهه المسلمون في ساحة الجهاد .. فقد روى المقداد بن الإسود «قال: قلت يا رسول الله: أرأيت هنا موضع صفحة ٦٥ المفقودة من النسخة الأصلية
    في كتابنا «أزمة الجامعة: الحل العاجل، والحل الآجل» ص ٣٦، وقد كان كما يلي:

    «إنّ الجهاد في الإسلام ليس معناه، بأي حال من الأحوال، أن يأخذ الأفراد القانون في أيديهم، وينصّبوا أنفسهم قضاة ومنفّذين، فيقرّروا من هو الكافر، ويقتلوا من يقتلون، ويسلبوا من يسلبون .. لا!! لم يكن الأمر بمثل هذه الفوضى التي يتردى فيها أفراد تنظيم الأخوان المسلمين، وإنّما كان المأذون في ذلك الحكومة الإسلامية .. كان ذلك على عهد النبي، وكان على عهد خلفائه من بعده .. وقد جاء الأمر بالجهاد في المدينة بعد أن كان العمل بالإسماح في مكّة .. وما جاء الأمر بالجهاد في المدينة إلا ناسخاً للإسماح .. ثم إنّه لم يجئ إلا لقصور المجتمع، في ذلك الوقت .. فقد جاءت آية السيف: ‹فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتّموهم› ناسخة لآيات الإسماح مثل: ‹فذكّر إنّما أنت مذكّر  لست عليهم بمسيطر› واليوم، وبعد مضي ١٤٠٠ عام على هذا الأمر فإنّ الإسلام، حين يبعث من جديد، إنّما سيبعث في مستوى الإسماح، وهو مستوى أصول القرآن، حيث لا سبيل إلى دعوة الناس إلى الإسلام، إلا سبيل عقولهم، وقلوبهم، حيث تجد فيه الإنسانية المعاصرة، المتطلّعة إلى الحرّية وحكم القانون، حاجتها، وحل مشاكلها .. فقد انقضت مرحلة الجهاد، وانقضى كل ما ترتب عليها من وصاية على الرجال وعلى النساء ..

    أما أن يظن أفراد تنظيم الأخوان المسلمين أنّ من حقّهم أن يعلنوا الجهاد، ويفرضوا وصايتهم على كل من يخالفهم الرأي فإنّه لأمر يدل على جهل بالإسلام، وجهل بالدستور وبالقانون، وبحقيقة الإمكانات المادّية والعقلية للإنسان المعاصر ..

    لقد كان النبي، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، يقول عند رجوعه من الغزوات التي كان يجاهد فيها هو وأصحابه، المشركين، جهاداً في سبيل الله، كان يقول: رجعنا من الجهاد الأصغر، إلى الجهاد الأكبر، ويعني به جهاد النفس .. والتبليغ هنا بليغ في أنّ الجهاد بالسـيف في سبيل الله، وفي سبيل الإسلام، إنما هو مرحلي .. وهو لم يجئ إلا بحكم الوقت .. وهو لم يجئ، إذن، إلا بالحوالة من المقصود بالأصالة، وهو الجهاد الأكبر – جهاد النفس .. أنتم ومرشدوكم جهلتم الإسلام، وعجزتم عن مواجهة أنفسكم بحقائقه، فأخذتم تتخذون من عجزكم فضيلة، فتصوّرون أنفسكم في صورة المسلمين، الصادقين، المجاهدين في سبيل الله، وتحاولون أن تخدعوا بسطاء المسلمين بهذه المسرحية الزائفة» انتهى من كتابنا «أزمة الجامعة: الحل العاجل، والحل الآجل» ..























    هنا موضع صفحة ٦٨ المفقودة من النسخة الأصلية
    كان هناك اثنا عشر إماماً، الإمام الثاني عشر والأخير في السلالة – الذي اختفى وسيعود للظهور في آخر الأزمنة – هو الذي ندعوه ‹الإمام المنتظر› قد عيّن في وصية له خلفاءه. هؤلاء الخلفاء هم الأئمة، وفي هذه الوصية قال: ‹طول فترة غيابي، عليكم بإطاعة الذين يمثّلونني .. › ‹آيات الله› بالتالي هم القيّمون على القانون والحكمة الإلهية. إنّهم .. ‹القرآن الناطق› .. وبصفتهم هذه هم معصومون عن الخطأ .. والطاعة المتوجّبة لهم هي واجب مقدّس. من أجل هذا طالبت السلطات الدينية دائماً عندنا بإقامة الجمهورية الإسلامية باسم النبي وذلك منذ اختفاء آخر إمام في العام ٩٤٠ حسب التقويم الغربي، أي منذ أكثر من ١٠٠٠ عام› ..» .. إنّهم بهذا يريدون أن يتحصّنوا من المحاسبة والنقد، وهذا ليس من الإسلام، في شيء .. وإنّما في الإسلام الحاكم معرّض للخطأ، ومن ثم، فهو عرضة للمحاسبة، والتقويم من الناس لأنّه إنّما يتصرّف في شئونهم .. ودونكم قولة سيدنا أبي بكر الشهيرة التي قالها عندما ولّي الخلافة: «أيّها الناس!! لقد ولّيت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فسدّدوني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم» ..

    الثورة الثقافية كما يراها ﺑﻨﻲ صدر:
    ومن الممارسات التي تتسم بالهوس، فيما أوردته الأنباء في الأيّام القليلة الماضية، ما اسماه المسئولون الإيرانيون بتطهير الجامعات الإيرانية من التنظيمات اليسارية، وفرض الصيغة الإسلامية على الطلاب في هذه الجامعات .. وقد جاء في الأخبار عن هذا الأمر ما يلي:

    جريدة الأهرام المصرية: ٢٥ أبريل ١٩٨٠
    «ونقلت اليوم وكالات الأنباء أنّ المصادمات الطلابية بين الجماعات الإسلامية التي تطلق على نفسها اسم حزب الله وبين العناصر اليسارية في جامعات إيران قد أسفرت أمس عن مصرع ثمانية أشخاص وإصابة ثمانية آخرين في ميناء راشت عند بحر قزوين في الوقت الذي تؤكد فيه التقديرات شبه الرسمية أن عدد الضحايا من طلاب الجامعات في العاصمة والمدن الكبرى قد بلغ ٣۱ قتيلاً وما يزيد على ثلاثة آلاف جريح نتيجة للحملة التي دعا إليها المجلس الثوري لفرض الصيغة الإسلامية في الجامعات وفق الحملة التي وصفها الرئيس الإيراني أبو الحسن بني صدر بأنّها بداية للثورة الثقافية في بلاده»!!

    وقد نقلت جريدة الأهرام أيضاً الخبر التالي بتاريخ ٢٤/٤/١٩٨٠: « طهران في ٢٣ - وكالات الأنباء – دخلت المصادمات التي تجتاح إيران بين أنصار آية الله الخميني من جماعات الطلبة الإسلاميين، وبين العناصر اليسارية مرحلة خطيرة تهدّد بدفع إيران إلى حافة الحرب الأهلية. وقد سقط خلال الاشتباكات الدامية التي غطّت إيران أمس ۱٣٠٠ شخص بين قتيل وجريح خلال يوم واحد ..

    وكانت هذه المصادمات قد اتّسع نطاقها ضد الحملة التي دعا فيها المجلس الثوري الحاكم في إيران إلى تطهير الجامعات، والصحافة وغيرها من المؤسّسات العامة من أيّة مؤثّرات يسارية وفرض الصيغة الإسلامية الكاملة وبكافة الوسائل الممكنة بما في ذلك العنف المسلّح.» ..

    وهكذا، وبهذه البساطة، تهدر دماء المواطنين، باسم الدين، وباسم الثورة الثقافية أيضاً!! ولكنّها الفتنة التي لا تبقي ولا تذر، التي يتسلّط فيها الجهلاء على الناس باسم الإسلام، يشوّهون حقيقة الدين، ويطمسون وجهه المشرق ..

    إنّ كل من له مسكة من عقل من الإيرانيين المغلوبين على أمرهم لا بد أن يسخط، أشد السخط، على هذا الهوس المفروض عليهم .. فلقد أدّى احتجاز الرهائن الأمريكان إلى استقالة رئيس الوزراء بازرجان الذي صرّح بهذه المناسبة لمجلّة الحوادث البيروتية ٩/١١/١٩٧٩ واصفاً الخميني بأنّه «بدائي» ..

    وها هو مجلس إدارة جامعة طهران يستقيل احتجاجاً على ممارسات ما يسمّى بالمجلس الثوري .. وأوردت هذا الخبر جريدة الأنوار البيروتية بتاريخ ٢٤/٤/١٩٨٠م كما يلي:

    «استقالة ﻣﺠﻠﺲ إدارة جامعة طهران: استقال مجلس إدارة جامعة طهران أمس، إثر اشتباكات تميّزت بأعمال عنف هناك قبل يومين قتل فيها ستّة أشخاص على الأقل وأصيب ٤٠٠ شخص آخر بجروح ..

    وأعلن المجلس الأعلى للإدارة، الذي يتألّف من أربعة رجال، استقالته في رسالة إلى السيّد حسن حبيبي وزير التعليم العالي نشرتها ‹وكالة أنباء بارس› الرسمية.

    وقال المجلس أنّه لم تجر استشارته قبل أن يقرّر المجلس الثوري الحاكم في الأسبوع الماضي إغلاق مكاتب للمنظّمات السياسية داخل الجامعة وإنهاء الفصل الدراسي الجامعي قبل الأوان في حزيران للسماح بإصلاح إسلامي للتعليم العالي.» .. انتهى ..

    عقوبة الفصل لأعضاء اﻟﺒﺮﻟﻤﺎن!
    إنّ هوس الخميني وفوضاه، وخرفه لا يقف عند حد، فهل كان أحدكم يتصوّر أن يبلغ الهوس الديني بالخميني حدّاً يواجه فيه أعضاء البرلمان المنتخبين بمثل ما واجههم به في أولى جلسات المجلس؟ إذن فاقرأوا هذا النبأ الذي نقلته جريدة الأيّام بتاريخ ٣٠ مايو ١٩٨٠:

    «وجّه الإمام الخميني خطاباً لأعضاء مجلس الشورى الإسلامي الأوّل في أولى جلساته، وقد ألقى الخطاب ابنه نيابة عنه وجاء فيه ‹إنّ عليكم الوقوف في وجه هذه القوى وعملائها ومحاولاتهم الرامية إلى عودة النظـام القديم سواء كانت هذه المحاولات داخلية أو خارجية› .. ‹وحذّر من أنّ أي عضو يخالف ذلك سوف يكون مصيره الفصل›»!! ..

    هو إذن يصادر حرّية حتّى أعضاء البرلمان المنتخبين، والذين يتمتّع رصفاؤهم في أقل بلاد الدنيا ديمقراطية بالحصانة البرلمانية التي تشجّعهم على الإفصاح عن آرائهم، في شجاعة وحرّية ..

    اﻟﺨﻤﻴﻨﻲ ﻳﺨﺸﻰ عودة الشاه: إنّ الخميني إنّما يتصرّف هذه التصرّفات الخرقاء وهو مرتعد الفرائص من احتمال عودة الشاه إلى الحكم .. وما إصراره على تسليم الشاه، وعلى محاكمته، إلا تعبير عن هذا الخوف .. فهو غير مطمئن على حكمه الحالي ومن هنا جاء قوله لأعضاء البرلمان: « إنّ عليكم الوقوف في وجه هذه القوى وعملائها ومحاولاتهم الرامية إلى عودة النظام القديم» .. ومن هنا أيضاً كانت تصرّفاته المشهور مثل خرقه للعرف الدولي باحتلاله لسفارة بلد أجنبي في بلاده واتّخاذ الدبلوماسيين رهائن مقابل تسليمه الشاه، الأمر الذي لم يحدث في تاريخ الدبلوماسية.

    اﻟﺨﻤﻴﻨﻲ يؤخّر عقارب الساعة: حقاً إنّ الخميني يؤخر عقارب الساعة فهو بمطالبته بتسليم الشاه كحاكم سابق، إنّما يريد بالبشرية أن ترجع القهقرى، لتعيد إلى مسرح الحياة السياسية ما خلّفته منذ قرون، حيث كان يخلط بين ما يسمّى بالجرائم السياسية وبين الجرائم العادية .. وكانت تعقد المعاهدات بين الدول لتبادل تسليم الاجئين السياسيين .. وقد حدث تحوّل كبير بعد قيام الثورة الفرنسية حيث وقع التفريق بين الجرائم العادية وبين ما يسمّى «الجرائم السياسية» وقد وضعت بذرة التفريق بتضمين الدستور الفرنسي لعام ١٧٩٣ المادة (١٢٠ التي تنص على إيواء الأجانب المنفيين من أوطانهم من أجل أفكارهم السياسية، وبمرور الزمن وتطوّر المفاهيم السياسية ترسّخ هذا المبدأ بحيث أصبح خرقه أمراً يستنكره الرأي العام العالمي أشد الاستنكار ..

    بداية النهاية:
    لقد قلنا في كتابنا «فتنة إيران» الذي صدر عند قيام الخميني بالاستيلاء على الحكم في إيران، قلنا أن الخميني سيذهب .. فهو لم يأت ليبقى .. وها هو الآن بالفعل أخذ يستشعر فقدان السيطرة على الهوس الديني الذي أطلقه من عقاله .. وهذه هي بداية النهاية .. يدل على ذلك ما جاء في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ ١٢/٦/١٩٨٠:

    «حذّر الإمام الخميني الثورة الإيرانية من تدمير ذاتها إذا لم توقف الجماعات المتطرّفة التي تسيطر على البرلمان حملاتها ضد الرئيس الإيراني أبو الحسن بني صدر بشأن اختيار رئيس الوزراء.

    وأضاف الإمام في كلمة وجّهها إلى حكّام الأقاليم ‹إذا ظلّت الأشياء على ما هي عليه الآن فلن نستطيع البقاء ولا إدارة شئون هذا الوطن›» ..










    خاﺗﻤﺔ:
    لقد سقنا في هذا الكتاب صوراً شتّى، ونماذج مستفيضة للهوس الديني .. ومع ذلك فإنّا لو أردنا أن نتوسّع في هذا الباب لاحتجنا إلى مجلّدات، وإلى وقت عريض، ولذلك فقد اجتزأنا بما أوردناه، وهو كاف ليعطي الصورة الصارخة التي تهز، وتحرك كل مسئول، وكل مثقّف، بل كل مواطن في بلادنا، ليأخذ حذره، ويضطلع بواجبه في كشف الاتّجاهات الدينية المهووسة التي تستغل الدين، وتضلّل الشباب، وتنحرف بهم عن الطريق السوي ..

    إنّ آخر ما بلغنا من صور الهوس الديني، التي تترى أخبارها، وتتسع دائرتها، ذلك الحدث الذي وقع في «المغرب» قبل يومين، فقد أذاعت محطات الإذاعة، أنّ أستاذاً سابقاً بجامعة القيروان قد جمع حوله أتباعاً من الطلاب يقدّر عددهم بثلاثمائة، وأعلن بهم الجهاد على الكفّار .. ومن الكفر عنده سفور المرأة في البلاد الإسلامية – وقد اشتبك هؤلاء الطلاب مع البوليس، ونتج عن ذلك مقتل ١٤ من رجال البوليس و١٥ من الطلاب، واعتقل زعيم هذه الحركة رهن التحقيق والمحاكمة – هذا ما جاء في الراديو .. وجاء قريباً منه في الصحف: فقد نشرت جريدة الشرق الأوسط بتاريخ ١٢/٦/١٩٨٠ مايلي:

    «الرباط: قالت مصادر رسمية أنّ ثلاثة أشخاص قتلوا في اشتباك بين البوليس ومؤيّدي داعية إسلامي في الحي القديم في مدينة فاس. وبين القتلى واحد من رجال البوليس.

    وذكرت المصادر أنّ البوليس توجّه إلى منزل السيّد الحسين زيتوني بعد تلقّي شكاوى من السكّان هناك بأنّه يثير قلاقل في الحي القديم. وهاجم أنصار زيتوني البوليس بالحجارة والمياه الساخنة مما أدّى إلى مقتل رجل بوليس.

    وذكر أنّ مجموعة من الرجال كانوا يقومون بحملة ضد ما يعتبرونه انحلالاً خلقياً وكانوا يشتمون النساء السافرات في الشارع ويدينون مشاهدة التلفزيون والذهاب إلى السينما وتناول الطعام بالشوكة والسكّين وإرسال البنات إلى مدارس الدولة» - انتهى –

    يتّضح من هذا أنّ الهوس الديني لا حدود له، وهو، حيث وجد، إنّما يرتكز على طاقات الشباب، وعلى الجهل بالإسلام، وعلى ممارسة العنف لفرض جهالته بالقوّة على الناس ..

    إنّنا نحذّر من الهوس الديني الذي يستشري الآن، ويتصعّد، في البلاد الإسلامية .. فنحن، في السودان بخاصة، معرّضون إلى فتنة، وفوضى، يمكن أن تقضي على كل مكتسباتنا الوطنية، والإنسانية، بل تقضي على ميراثنا الديني السمح، العريق وتسد الطريق أمام البعث الإسلامي الواعي المرتقب ..

    إنّ الأخوان المسلمين، ومن ورائهم الطائفية، إنّما يتحفّزون، ويعدّون العدّة لإثارة قاعدة عريضة من الهوس، والفتنة الدينية، مستهدفين الوحدة الوطنية، ومقوّضين لاستقرارنا، ولأمننا، في سبيل الوصول إلى السلطة .. ويكفي للتدليل على ذلك مباركة قادة هذه القوى المتخلّفة، الصادق المهدي، والترابي وزملائه، ومسارعتهم لتأييد فتنة إيران، وتصويرها على أنّها مثل أعلى يتطلّعون لحدوثه في السودان .. وليس هناك شيء يحول دون حدوث هذه الفتنة في السودان، ما لم نأخذ هذا الأمر مأخذ الجد، ونتعامل معه بالحذر، والحزم، والوعي بكل أبعاده ومنطلقاته .. إنّه ليكفي عبرة، وعظة، ما حدث في مصر بين المسيحيين، وبين المسلمين، بسبب هذا الهوس .. ومصر مكان يصعب للمرء أن ينتظر فيه أن يحرّك الهوس الديني الفتنة، والصراع الدموي، بين مسلميه، ومسيحييه .. ولكن الغفلة عن خطر الأخوان المسلمين، وتجاهل هوسهم، وسوء تقدير المسئولين لإمكانية تضليلهم للشعب، وللشباب، كل أولئك نتج عنه ما وقع في مصر فكاد يعصف بكل مكتسباتها الحضارية، والمدنية .. فإذا حدث هذا في مصر، فكيف بنا نحن الذين يجد التضليل باسم الدين، وتجد فرص الإثارة به، أرضاً خصبة بين ظهرانينا؟

    يجب أن نكون واضحين، ومحدّدين في ذلك، فإنّ الوضع الدقيق الذي تنفرد به بلادنا، من تكوينات عرقية متباينة، ومن اختلافات عقائدية متعدّدة، ومن استعداد عميق للإنسياق العفوي مع العاطفة الدينية، كل ذلك يجعل موقفنا دقيقاً، وحسّاساً وقابلاً للإلتهاب والانفجار بفعل العبث الذي يمارسه الأخوان المسلمون في تجرّد من الورع الديني، وتنصّل من المسئولية القانونية .. يشهد على ذلك ما سقناه عن معرضهم في «أبي جنزير»، وما حواه من عناصر الإثارة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين ..

    إنّنا ندق ناقوس الخطر، محذّرين، ومشفقين من مصير أسود قد يجر الهوس الديني بلادنا إليه، على أيدي مهووسين، باسم الدين، وباسم الشعب، هم للشعب، ولدين الله يكيدون: «اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً، فصدّوا عن سبيله، إنّهم ساء ما كانوا يعملون  لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمّة، أولئك هم المعتدون» .. فلنحذرهم .. وإنّا لمسئولون، ومحاسبون، كل فرد منّا، شعباً وحكومة، محاسبة من فرّط في حق شعبه، وفرّط في جنب الله، إذا قعدنا عن واجبنا في كشف الهوس الديني، أو تقاعسنا عن كف أيدي المهووسين الدينيين ..

    والله المستعان على إحقاق الحق، وإزهاق الباطل، إنّ الباطل كان زهوقاً ..













    ﻓﻲ هذا الكتاب
    ﻧﻤﺎذج من السودان:
    • حادث أمستري
    • كتب الوهابية مع اﻟﺤﺮاب
    • حادث عرض الفنون الشعبية
    • الاعتداء على الجمهورﻳﻴﻦ
    • اعتداؤهم على حفل طلاﺑﻲ باﻟﻤﻬﺪية
    اﻟﻬﻮس الدﻳﻨﻲ ﺑﻤﺼﺮ:
    • ﺟﻤﺎعة اﻟﺘﻜﻔﻴﺮ واﻟﻬﺠﺮة
    • أحداث أسيوط
    • اشتباك ﻓﻲ جامعة الإسكندرية
    • الاحتجاج على وجود وزراء ﻣﺴﻴﺤﻴﻴﻦ
    • التلمساﻧﻲ ﻳﺨﺪع الشباب
    ومثل من سوريا:
    • عبوات ناسفة ﻓﻲ مدرسة
    • اغتيال شيخ ﻓﻲ حرم اﻟﻤﺴﺠﺪ
    اﻟﻬﻮس الدﻳﻨﻲ وفتنة إيران
    حادث اﻟﻤﻐﺮب

    الثمن ٧٥ قرشاً
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de