ربع قرن على رحيل يحيى الطاهر عبدالله:

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 05:53 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-06-2008, 10:29 AM

zumrawi

تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ربع قرن على رحيل يحيى الطاهر عبدالله:

    ربع قرن على رحيل يحيى الطاهر عبدالله:


    الصعيدى الذى هدّه التعب فنام

    حلمى سالم



    لو قدر لذلك الفتى الأسمر النحيل، يحيى الطاهر عبدالله، أن يعيش عمرا أطول من العقود الأربعة التى عاشها، لكان له - على الأرجح - شأن لم يسبقه إليه كاتب فى أدبنا العربى الحديث.
    ذلك أن هذا المبدع المتفرد ترك لنا فى هذا العمر القصير، مجموعة من الأعمال الأدبية، القليلة من حيث عددها الكمي، لكن الباهرة من حيث قيمتها الفنية والفكرية والجمالية.
    وقد تميزت نصوص يحيى الطاهر عبدالله - بين نصوص أبناء جيله ممن نسميهم جيل الستينيات - باكتناز شعرى مكثف يقربها مما صار يعرف ب قصيدة النثر، وبتوتر حاد مرهف مستقى من توتر وحدة ورهافة المجتمع الصعيدى المغلق فى جنوب مصر الذى كان المجال الحيوى لرواياته وقصصه، وبلمسة أسطورية تراجيدية تفرزها حياة الناس الذين يدبون على الأرض، حتى تنعجن الخرافة بالحقيقة، فيتساءل المرء: هل الواقع هو أسطورة، أم الأسطورة هى واقع؟.
    أنا لى عمر حريص عليه، أنا وصلت للسن الحرجة، أنا شاب، أديب شاب، هكذا تحدث يحيى الطاهر عبدالله فى حديث صحفى أجراه سمير غريب رئيس جهاز التنسيق الحضاري، حاليا، ونشر بمجلة المستقبل فى أوائل عام 1981 لكن حرص الأديب الشاب على عمره لم يدم أكثر من ثلاثة شهور، حيث رحل بغتة فى التاسع من أبريل نيسان 1981، إثر حادث سيارة أليم على طريق القاهرة - الواحات، وهو فى الثالثة والأربعين من عمره، شابا بحق، لكن أديبا كبيرا بحق.
    بيننا إذن وبين العام الذى مات فيه يحيى ربع قرن بالتمام والكمال، مما يستوجب التذكير والذكري، لعل الذكرى تنفع المبدعين.
    ولد عبدالفتاح يحيى اسمه الأول الطاهر محمد عبدالله فى 3. أبريل نيسان 1938 بقرية الكرنك مركز الأقصر بمحافظة قنا، فى أسرة متواضعة.
    وبذلك يكون صاحب أنا وهى وزهور العالم قد ولد فى الربيع ومات فى الربيع، وبين الربيعين حياة مضطربة غنية متوهجة.
    كان أبوه شيخا معمما يقوم بالتدريس فى إحدى المدارس الابتدائية بالقرية، ولعل ذلك كان مصدر غرام قصاصنا باللغة العربية، أما أقاربه فمعظمهم من المزارعين، ماعدا قلة منهم مارست النشاط السياحى القائم على ما تحويه هذه المنطقة من آثار مصرية قديمة، بعد سنوات سيقول يحيى الطاهر فى الصحف:
    أنا ابن القرية وسأظل فتجربتى تكاد تكون كلها فى القرية، والقرية حياة قائمة هى الكرنك فى الأقصر، أى طيبة القديمة وأرى أن ما وقع على الوطن وقع عليها، وهى قرية منسية منفية كما أنا منفى ومنسي.
    ظل بالكرنك إلى أن حصل على دبلوم الزراعة المتوسطة، وعمل بوزارة الزراعة فترة قصيرة، ثم انتقل عام 1959 إلى مدينة قنا، حيث التقى فيها بالشاعرين عبدالرحمن الأبنودى وأمل دنقل، وكان هذا اللقاء بداية رحلة طويلة وصداقة ممتدة بين الثلاثة، فى هذه الفترة كان يحيى الطاهر شغوفا بكتابات العقاد والمازني، وكان الأبنودى مهتما بالموروث الشعبى العامي، أما أمل دنقل فكان اهتمامه بالموروث العربى الفصيح.
    فى عام 1961 كتب يحيى الطاهر أولى قصصه القصيرة محبوب الشمس، وأعقبها بقصة جبل الشاى الأخضر، فى نهاية 1962 انتقل عبدالرحمن الأبنودى إلى القاهرة، وانتقل أمل دنقل إلى الإسكندرية حيث عمل كاتبا فى الميناء بينما ظل يحيى الطاهر مقيما مع أسرة الأبنودى فى قنا ما يقرب من عامين، فى عام 1964 لحق يحيى بالأبنودى فى القاهرة وأقاما معا، حيث كتب بقية قصص مجموعته الأولى ثلاث شجرات تثمر برتقالا.
    فى القاهرة بدأ يتردد على المقاهى والمنتديات الثقافية، وبدأ يعرف كظاهرةٍ فنيةٍ متميزة، كان يلقى قصصه التى كان يحفظها بذاكرة قوية إلى حد الغرابة ودونما اعتماد على الورق، وكان يرى فى ذلك محاولة لتقريب المسافة بين كاتب القصة والرواة الشعبيين، كأن القرية ماتزال فى عمق قلبه، بعد ذلك سيقول:
    عندما أبتعد عن قريتى أسعى إليها فى المدينة، وأبحث عن أهلى وأقربائى وناسى الذين يعيشون معي، وأنا لا أحيا إلا فى عالمها السفلي، فحين ألتقى بهم نلتقى كصعايدة وكأبناء كرنك، ونحيا معا ألمنا المصرى وفجيعتنا العربية، وبُعدنا عن العصر كشخوص مغتربة.
    احتل يحيى مكانه كواحد من أهم القصاصين والروائيين المصريين الذين شكلوا ما عرف ب جيل الستينيات، وفى أكتوبر تشرين 1966 تم اعتقال مجموعة من الكتاب والفنانين المصريين، منهم يحيى والأبنودي، ثم أطلق سراحهم فى أبريل نيسان 1967، أى قبل هزيمة يونيو حزيران بحوالى شهرين!.
    تزوج فى مارس آذار 1975، أخت صديقه الناقد د. عبدالمنعم تليمة، وأنجب بنتين هما: أسماء وهالة، وعمل لفترة قصيرة فى منظمة التضامن الأفروآسيوى مع أمل دنقل، برئاسة يوسف السباعي، وكانت أعماله تتوالي:
    ثلاث شجرات تثمر برتقالا 197.، الدفّ والصندوق 1974، أنا وهى وزهور العالم 1977، حكايات للأمير حتى ينام 1978، الطوق والأسورة 1975، الحقائق القديمة صالحة لإثارة الدهشة 1977، تصاوير من التراب والماء والشمس 1981، الأعمال الكاملة صدرت بعد رحيله، عن دار المستقبل العربى بالقاهرة عام 1983، بإشراف المخرجة عطيات الأبنودي، التى قامت باحتضان أسماء يحيى الطاهر وتربيتها، ود. حسين حمودة، الشاعر والناقد، الذى كانت رسالته للدكتوراة عن يحيى الطاهر عبدالله.
    عندما صدرت مجموعته الأولى ثلاث شجرات تثمر برتقالا أحدثت دويا مؤثرا فى الحياة الأدبية المصرية، لأنها كانت تحمل رعشة جديدة فى الجسد الإبداعي، حسب تعبير فيكتور هوجو عن شعر بودلير، وفى تفسيره لهذه الرعشة كتب الروائى الكبير إدوار الخراط مقدمة ضافية لهذه المجموعة، أوضح فيها أن القضية التى أزعم أن لها مكانا أساسيا فى عمل يحيى الطاهر عبدالله هى - على وجه الدقة - العلاقة الجدلية، الميتاواقعية، بين الواقع والخرافة.
    ويفصل الخراط هذه العلاقة بين الواقع والخرافة عند الطاهر، بتأكيده على أن الطاهر لم يكن يهوى الكتابة لمجرد التجريب، ولم تكن رحلته فيما وراء الواقعية مجرد مغامرة غير محسوبة، بل قادته روح التكشف غير المكبوحة، وغير المنفلتة، إلى أحدث مكتشفات الحساسية الجديدة، وأعنى بها القصة القصيدة، ولهذا فإن الخراط يرى فى يحيى الطاهر عبدالله نموذجا مميزا للكتابة عبر النوعية، وقد خصص له فصلا ضافيا فى كتابه الكتابة عبر النوعية، أشار فيه إلى امتزاج الشعر بالنسيج القصصى والروائي، بحيث إن موسيقى الشعر نفسها وروحه أصبحت تخامر وتسرى فى تضاعيف كل البناء والنسيج الروائى والقصصى لديه.
    وعندي، أن كتابة يحيى الطاهر عبدالله - فوق ما رصده الخراط - تتميز بخمسة ملامح بارزة:
    الأول: هو ذلك الخليط المركب المرهف بين مخيلة الواقع وواقع المخيلة، مما درج بعض النقاد على تسمية أسطرة الواقع ودرج البعض الآخر على تسميته الواقعية السحرية.
    الثاني: هو ذلك الميل الواضح إلى سرد التفاصيل النثرية اليومية البسيطة، مما صار بعد ذلك سمة أساسية من سمات الكتابة القصصية فى جيلى الثمانينيات والتسعينيات من شباب القص فى مصر.
    الثالث: هو خصوصية المكان، إذ ارتبط الطاهر ببيئته ومحيطه الصعيدي، فى قصص القرية وقصص المدينة على السواء، حيث غدا المكان زمانا للروح والوجدان، لا مجرد جغرافيا صامتة.
    الرابع: هو ذلك الالتفات اليقظ إلى نماذج المهمشين من الناس، حيث يحتل بؤرة المشهد منسيون ومهملون ومهتوكون وشذاذ آفاق ومشوهون وغيرهم ممن لم يعتد متن القص التقليدى على اعتبارهم أبطالا دراميين.
    الخامس: هو تلك العناية الملحوظة باللغة وجمالياتها الدفينة، مع عدم الخضوع لبنيتها التقليدية أو علاقاتها المنجزة سابقا، ولعل فى هذا الملمح درسا باقيا للأجيال الجديدة التى تعتبر اللغة فى القصة زائدة دودية أو مجرد عربة نقل تحمل الفكرة أو الحكاية.
    أنا وضعت فى مجموعتى الأولى ثلاث شجرات كبيرة تثمر برتقالا حيرتى فى البحث عن شكل ولغة ورؤية.
    كانت هذه جملة يحيى فى حواره مع سمير غريب، المذكور سالفا، وقد أنجز المبدع سعيه، وتحقق له الشكل المتفرد واللغة الخصوصية والرؤية الثاقبة.
    شكل يجدل بين القصة والقصيدة، مستلهما التراث العربى واليونانى والحكى الشعبى فى سبيكة واحدة.
    ولغة تمزج بين السرد والإنجاز، فى أداء يجمع بين الفصيحة المقدسة والدارجة المدنسة، وبين الخالد واليومي.
    ورؤية تضفر بين الميتافيزيقى الهائم والفيزيقى المغروس فى الطين، فى سياق وعى يدمغ القهر الاجتماعى والإنساني، منحازا للبساطة والبسطاء.
    والمدهش، هنا، أن هذا الشكل المتميز، الذى صار علامة على كاتبه إنما أتى يحيى عفو الخاطر الخلاق، بدون عمد ثقافى مسبق وبلا قصد مفتعل مصنوع.
    وهذا ما أكده المبدع بنفسه، حينما صرح قائلا: أنا لا أسعى نحو الشكل، وذلك لأن إنجازه المتفرد هو وليد الروح القلقة المتوثبة، وثمرة البصيرة النابضة المدركة.
    مثل هذا الفنان لا يسعى نحو الشكل، بل إن الشكل هو الذى يسعى إليه، أليس هذا الكاتب هو الذى صدر روايته الدف والصندوق بجملة سان جون بيرس: لا تمض أبدا، أيها الصديق، من هذه الجهة للمدن، حيث الشيوخ ينسجون لك ذات يوم قش الأكاليل، لا المجد ولا القوة يترنحان إلا فى ذروة القلب البشري؟.
    ثم أليس هو الذى صدّر قصته الرقصة المباحة بقوله: عقدى مفصل: بين كل لؤلوتين خرزة؟.
    المصدر : جريدة الاهالى الناطقة باسم حزب التجمع الوحدوى المصرى

    http://www.al-ahaly.com/articles/06-10-18/1299-art01.htm

    (عدل بواسطة zumrawi on 05-06-2008, 10:36 AM)

                  

05-06-2008, 10:32 AM

zumrawi

تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ربع قرن على رحيل يحيى الطاهر عبدالله: (Re: zumrawi)

    يحيى الطاهر عبدالله
    حكاية للأمير حتى ينام

    ياسين النصير (ناقد من العراق)


    --------------------------------------------------------------------------------


    يعدا لقاص يحيى الطاهر عبدالله الأسماء القصصية اللامعة التي أكدت منحى جديدا للقمة الحديثة، فهو وان غادر عالمنا الأرضي هذا، ما يزال أحد الأصوات الستينية المؤثرة في القصة العربية، الصوت الذي أنبت مفرداته في أرض مصر، فاستخلص منها ميثولوجياه الخاصة من ميثولوجيا مصر. ومازلنا نتذكر قصته القصيرة -الطويلة "الطوق والأسورة" التي أنشأت فكرة مصرا لمعاصرة من خلال رمز امرأة نشأت وحملت في معابد مصر القديمة.

    في هذه الحكايات يعود يحيى الطاهر عبدالله الى المناخ نفسه ولكن بإطار تجريبي جديد، هناك يقظة أسلوبية، يمارسها الطاهر عبدالله في كل تجربة قصصية له وهذا ما يميزه عن أقرانه القصاصين، ونعني بها تغييرا جوهريا في إطار السرد بنقله من إطار الراوي المهيمن الى اطار الرواة المشاركين، هذه الطريقة تعيدنا الى مفهوم النثر البارد في القصة الأمريكية: أي هيمنة الكلام المباشر على مسار السرد. فالمشاهد الحياتية التي نمر بها يوميا دون أن تكون مؤسسة للدخول في أي نص، هي نتاج الحياة اليومية، الذي نشترك جميعا في تكوينه، فكل الناس بمعزل عن درجاتهم الاجتماعية يمارسون هذه النثرية الحياتية. القصة الامريكية انتبهت اليها مبكرا، وخاصة في قصص سالنجر، لتصبح طريقة فنية تمهد لقيام الرؤية الشيئية اللاحقة في القصة الفرنسية.

    إلا أن ما يميز القصة الفرنسية وخاصة الرواية الجديدة على يد آلن روب غرييه ونتالي ساروت وغيرهما، أنهم أضافوا لها بعدا فلسفيا أتى اليها من المدرسة "الظاهراتية" التي وجدت في مقالات مرتو بونتي وهوسرل ما يفيد بتحويل العياني اليومي المباشر من خلال النظر، الى فن سردي ويشترك في صياغته القاريء أيضا.

    ولدت هذه الأرضية "الحساسية الجديدة" المصطلح النقدي الذي لادنت القصة المصرية أكثر النتاجات القصصية العربية انتباها لها وقد نظر لها نقديا القاص ادوار الخراط وطبقها قاصون معروفون من أمثال ابراهيم أصلان وعبدالحكيم قاسم ومحمد البساطي ويحيى الطاهر عبدالله وآخرون.

    إلا أن ما يميز "حكايات للأمير حتى ينام" هو استعارتها للميثولوجية المصرية الشعبية، وهو ما يطبعها بطابع تاريخي شعبي، وكان الزمن الحاضر كائنا في تلك اللغة المبهمة البريئة التي يتداولها الناس في أحاديثهم عفوا، في حين أنها تحمل في داخلها قوة معرفية لحياتهم اليومية المعاشة، إن القاص يميل للتعامل مع أعقد المشكلات بوساطة الكلام البسيط والعادي واليومي، ولكنها المحمل بدلالات تعبيرية شفافية آتية اليه من خبرة القاص في تحويل العادي الى فني. هذه اليقظة الأسلوبية التي جسدها يحيى الطاهر عبدالله، في قصصه وعدد من القاصين في رؤيتهم المعاصرة لأحداث مرت على المجتمع اخربي، كانت تستدعي أحداثا معاشة ولكنها مبهمة، تمت في مرحلة غياب للوعي الوطني كالاختلال العسكري للأرض العربية، أو الغزو الأجنبي لبعض قطاعاتها، أو البعثات التبشيرية التي تمتزج بين الدين والسياسة، أو المنقبين عن الآثار القديمة بحجة كشفها أولا ثم سرقتها..الخ هذه المناخات التي تحتمل الوضوح والابهام أعطت للقمة المعا هوة رؤية أكثر دقة لقياس الظلال التي خلفتها تلك الأحداث على المجتمع المعاصر.

    فالأمير ليس إلا استعارة للحاكم العربي الذي يجد في النوم الوسيلة الوحيدة التي يتعرف بوساطتها على ما يجري لمجتمعه، ومادمنا لا نحكم إلا ونحن نائمون فصوت شهرزاد ما يزال يرن في أسماعنا ليغمض أعيننا عن الحركة الدائبة للحياة. في حين أن العالم يتقدم باليقظة متجاوزا حتى نفسه، إن الكشف عن الوعي المستلب هو غاية القاص في هذه الحكايات التي يختار المؤلف بطلا لها هو "الأمير" مجردا من أي لقب أو بلد، ومعه ثمة أسماء دلالات مثل: الشيخ المسن، رامزا به الى التاريخ أو الى الخبرة، والمرأة الجميلة رامزا بها الى الغو اية والأم، والطفل رامزا به الى المستقبل والفلاح رامزا به الى الأرض،... الخ. اضافة الى أسماء أخرى من قبيل عبدالحليم رامزا به الى الحلم والوداعة والولد الغائب رامزا به الى البعد والهجرة، والخرقاء رامزا بها الى الخروج على منطق الحياة..الخ ولأن فن القص عند يحيى الطاهر عبدالله لا يسير باتجاه عادي للقص، بداية ووسط ونهاية، لذلك جاءت استعارته لرواة ثلاثة يروون ما يحدث من وجهات نظر عدة بمثابة الوقوف على الحدث من أزمنة وأمكنة مختلفة كي يدلنا القاص على أن أي حدث لا يكتمل الفعل فيه إلا من وجهات نظر متباينة.

    فصفية بنت الفلاح الفقير لا تملك إلا جمالها، كواجهة اجتماعية وذاتية لها تعلنه للناس بوصفه هويتها، هذا الجمال الاستثنائي يستدعي بالضرورة الفنية أميرا، وإلا لم يكن لوجوده من مبرر، والأمير ليس إلا ذلك الحاكم الذي لا ينزل الى الشارع ليرى ويستطلع أحوال شعبه، فهو قرين للنوم، والنوم يستدعي نط الحكي، ومكانه القصر،، وعندما تستوي معادلة القص عند الطاهر بين الجمال الشعبي المتفرد، والأمير المعزول في القصر، لابد من لقاء يجمع بين الاثنين، عندئذ يطلب الأمير صفية ليراها، وما إن يردها حتى يخطب ودها. الود في مفهوم الحكاية، هو الشيء المفقود بوجودها في بيئة فقيرة، والقاص يحاول جعل هذا الود المقترن بوجاهة القصر والأمير، الثيمة الحكائية التي لا تروى إلا من وجهات نظر عدة:القاص، وهو الراوي الأول يحاول تقديم ما يجري بحيادية يروي بها حال الاثنين: الأمير وصفية وكأنهما من عالمين مختلفين: القرية والقصر، وصفية وهي الراوية الثانية تحاول تقديم الحدث كما لو كان لا يخصها لوحدها بل لكل بنات جنسها، والبطل الذي هو الراوي الثالث الذي يقدم الحدث كما لو كان حدثه الخاص، كل هؤلاء يقيسون لنا المسافة بين فكرة الجمال لصفية، ووجاهة أمير لا يعلم من واقع شعبه شيئا. ولم تكن صفية في الحكايات إلا رمزا لشخصية مبهمة هي شهرزاد أو أي امرأة تملك من الارث الشفاهي ما يؤهلها للقول الواضح، فالقاص يتعمد أسلوبيا لأن يجلب لحكايته شخصية تمتلك غرابة ما، فهناك: الخواجة أو السائح المسلح بالمعرفة، أو شخصية أجنبية احتلت مصر، أو عسكري أجنبي يتحكم بالناس، ومعهم عاداتهم ولهجاتهم وتقاليدهم، والى جوارهم ابن مصر الفرح والأرض، الصوت الشعبي المختزن لكل التواريخ الصغيرة وما إن يجتمعا في بيت القصة، حتى تتحول الى حكايته القديمة التي تقال بلغة معاصرة الى حكاية معاصرة، لأن ابن القرية في عرف القاص يحيى الطاهر عبدالله هو الصوت النقي الذي مازال يحفظ مصر في ذاكرته تعويذة لا تقبل أن تمس بأي دنس من أجنبي ما. - كل الحكايات تحدث في القرية وضواحي المدن - مما يعطيها بعدا فنيا متوازنا مع البعد التاريخي لها. فيمتلك فن القص صدق الرؤية لما جرى على أرض مصر خلال الأزمنة المتأخرة والحكايات السياسية لا تقال إلا بلغة شعبية، تعودنا على سماعها على لسان ابن الريف الفصيح الذي يصبح وعيه البديهي - الفطري في معاينته لما يجري لمصر من خلال حكامها الذين ينامون ولا يفعلون هو الطريقة الفنية الحديثة. إن هم الأمير هو سماع حكايات ترويها له شهرزاد معاصرة - ابنة الريف - والوعي الفطري أسلوب لطرد أي أجنبي محتل، فما كان من ابن الريف إلا السعي لطرد هذا المحتل بآليات دفاعية ذاتية ممثلة بالرؤية الناقدة والرافضة لما يجري أمامه، ولذلك ما إن يبدأ الأجنبي السائح أو المنقب في الأرض بحثا عن آثار قديمة أو تراث وتاريخ، حتى يتساءل الفلاح المصري عما تخبئه أرض مصر من كنوز، هذه المفارقة بين فلاح لا يعرف عن أرضه إلا سطحها، وبين أجنبي يعرف باطنها، بمعرفة علمية متقدمة، تبدأ الحكاية لتصبح مادة القص لهذه الحكايات. أما القاص فيقف بين الاثنين ليروي لنا هذه المفارقة، ومن داخل لفتي القص المختلفتين، البساطة والعفوية واليومية المشبعة بالسكونية ومتطلبات العيش لابن الريف، وبين لغة العلم والغرابة والمشحونة بالمعرفة، وبسلوك غير معتاد للاجنبي السائح والمنقب عن الآثار: فالقاص يرى ابن مصر أرضا بكرا لم يعط بعد ما عنده، في حين لا يرى الخواجة إلا متسلحا بالعلم، فما كان من القاص إلا أن يعمق هذه المفارقة المعرفية ليجعل منها اطارا عاما لفعل الحكي، انه هنا يعيدنا الى دور الشفاهي في فن القص وهو الدور الذي اختفى بفعل الأساليب الحديثة التي لا تركن الى قرار أسلوبي يدخلنا الى بيت القصة الحديثة. من هنا جاءت الحكايات مستبطنة للماضي من خلال الحاضر، - وهذه طريقة فنية عمد اليها قاصون آخرون مثل جمال الغيطاني ومحمد خضير وآخرون.

    المصدر : مجلة نزوى العمانية
    http://www.nizwa.com/volume20/p233_234.html
                  

05-06-2008, 10:45 AM

zumrawi

تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ربع قرن على رحيل يحيى الطاهر عبدالله: (Re: zumrawi)

    قصة قصيرة بخط يحيى الطاهر عبد الله


    فى الحلم يعشق الموتى

    سمعت الصوت «الجبل يا سارية .. الجبل» ورأيت :

    طائرة العدو تطير ، وتكرهنى ، دمرت بيتى بقنبلة ورمت قلبى بقنبلة ورمت قلب محبوبتى بقنبلة - وكنت قد سمعت الصوت .

    «لم يعد قلبى فى بدنى ، فحملنى ذلك على قطع الصحراء . لم يلمنى أحد ، ولم يبصق فى وجهى أحد ، ولم أسمع أية إهانة ، ولم يرد اسمى على فم أى مخبر » .

    بيدى ، زرقاء من ورق لكنها تطير ، طائرتى ، أنا ، الملاح الماهر صانع الصندوق والقارب ، الروح الحية الهائمة بغير ظل ، عدوى أرميه بقنبلة، والعاشق والعاشقة أرميهما بوردتين ..

    «لا تفلت الخيط ، أنت من صلبى ،

    لا تفلت الخيط » .
    المصدر
    موقع مجلة سمارت ويب اون لاين

    http://www.smartwebonline.com/NewCulture/cont/017800070011.asp
                  

05-07-2008, 07:04 PM

عبدالله شمس الدين مصطفى
<aعبدالله شمس الدين مصطفى
تاريخ التسجيل: 09-14-2006
مجموع المشاركات: 3253

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ربع قرن على رحيل يحيى الطاهر عبدالله: (Re: zumrawi)

    ليت أسماء تعرف أن أباها صعد
    لم يمت
    هل يموت الذي كان يحيا
    كأن الحياة أبد
    وكأن الشراب نفد
    و كأن البنات الجميلات يمشين فوق الزبد
    عاش منتصباً، بينما
    ينحني القلب يبحث عما فقد.

    ليت "أسماء"
    تعرف أن أباها الذي
    حفظ الحب والأصدقاء تصاويره
    وهو يضحك
    وهو يفكر
    وهو يفتش عما يقيم الأود .
    ليت "أسماء" تعرف أن البنات الجميلات
    خبأنه بين أوراقهن
    وعلمنه أن يسير
    ولا يلتقي بأحد .

    وهى القصيدة التى كتبها أمل دنقل فى رثاء الراحل يحى الطاهر عبدالله .
    كان قاصّاً، وروائياً بارعاً، من أشهر أعماله الروائية (الطوق والأسورة)،
    والذى تم تحويله إلى فلمٍ سينمائى .

    شكراً لك عزيزى زمراوى .

    (عدل بواسطة عبدالله شمس الدين مصطفى on 05-08-2008, 06:36 AM)

                  

05-07-2008, 10:04 PM

أحمد طراوه
<aأحمد طراوه
تاريخ التسجيل: 12-25-2006
مجموع المشاركات: 4206

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ربع قرن على رحيل يحيى الطاهر عبدالله: (Re: zumrawi)


    .. شكرا لهذه الإنتباهة يا زمراوي .. اراك ممن اختصهم الله
    بما يفيد الناس

    شكرا لهذه المؤشرات المنسوبة لذاك الزمن
    الثقافي الرصين .. وهي ما تنفك تلقي بحِزم
    ضوئها الفسفوري في عتمة واقعنا البائس هذا

    .. جهزنا انفسنا ذات مرة لملاقاة يحي الطاهر عبد الله
    مع صديق يعرفه اسمه رشدي يوسف .. كنا طلابا بمصر
    قبلها بايام اعتقلته اجهزت الامن ثم زجت به
    في مستشفي العباسية الخاص بالامراض النفسية - العقلية
    قالوا انه مجنون ! تفانين اجهزة الامن العربية .. ان يقولوا:
    شنق روحوا ، لعن الذات الالهية و خرج عن الاسلام ، فقد عقله .. الخ

    ظلت فريدة النقاش تكتب بقوة عن جريمة مستشفى العباسية
    هذه .. و قال عنه صديقي محمد السبع يوم وفاته :

    " لم نقتسم بعد هريسة خبزنا القروي و لا بيض العُشاش ..
    و لكن في زمن قادم جميل سوف نفعل "

    .. و نحتاج نحن ايضا ان نعيد اكتشاف اديبنا: معاوية محمد نور

                  

05-08-2008, 09:32 AM

zumrawi

تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ربع قرن على رحيل يحيى الطاهر عبدالله: (Re: zumrawi)

    عزيزى عبدالله شمس الدين مصطفى
    شكرا على الانتباهة للبوست وشكرا على قصيدة
    امل دنقل
    الواقع الان فى مصر اعاد دنقل ويحى الى الواجهة
    من جديد....
    شكرا وتسلم
                  

05-08-2008, 09:36 AM

zumrawi

تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ربع قرن على رحيل يحيى الطاهر عبدالله: (Re: zumrawi)

    عزيزى الاستاذ احمد طراوة
    شكرا لمديح ظلك العالى
    ارانى احتار فى تقدير عمرك فصورتك تقول
    انك شاب فى الثلاثينات بينما تقول
    انك كنت ستلتقى بيحى
    اكتب لنا اكثر عنه وحدثنا عنه رجاءا
                  

05-10-2008, 08:32 PM

أحمد طراوه
<aأحمد طراوه
تاريخ التسجيل: 12-25-2006
مجموع المشاركات: 4206

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ربع قرن على رحيل يحيى الطاهر عبدالله: (Re: zumrawi)


    .. لا تحتار يا زمراوي ، انا بالفعل اكبر
    كثيرا من صورتي الحالية اللتي امامك
    ، وهذه صورة ماخوذة في يونيو 2007

    .. و للحق
    جيلنا هذا و لاسباب عديدة ، فإن ارومته
    و تكوينه الذهني - النفسي قد تقرر و إنرسم
    بفعل الاحداث و اتجاهات
    حركتنا و خياراتنا بالاساس .. و ليس
    السنين و مداها !

    في خواتيم 1980 ، اطلت ظاهرة يحيى
    الطاهر عبد الله في سماوات و عينا الثقافي -
    السياسي .. ساعدنا في ذلك وثيق صلتنا بشباب
    اليسار - الماركسي المصري .. هم بالاساس كانوا
    يحملون لنا إعزاز اصيل ..

    .. اوعدك بالعودة لسيرة يحيى الطاهر عبد الله
    فهو عندي مربوط بقضايا و ذكريات عديدة

    سلمت يا أخي
                  

05-14-2008, 04:00 PM

zumrawi

تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ربع قرن على رحيل يحيى الطاهر عبدالله: (Re: zumrawi)

    عزيزى الدكتور احمد طراوة
    فى انتظار قصصك مع يحى الطاهر عبدالله

    وتسلم ياامير
                  

05-17-2008, 10:45 AM

zumrawi

تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ربع قرن على رحيل يحيى الطاهر عبدالله: (Re: zumrawi)

    لم يعد قلبي في بدني،فحملني ذلك على قطع الصحراء.لم يلمني أحد ،ولم بيصق في وجهي أحد، ولم أسمع أية إهانة،ولم يَرِد اسمي على فم أي مخبر.

    بيدي (صنعتها)،زرقاءَ من ورقة،لكنها تطير،طائرتي،أنا،الملاحُ الماهر صانع الصندوق والقارب،الروح الحية الهائمة بغير ظل،عدوي أدميه بقنبلة،والعاشق والعاشقة أرميهما بوردتين.

    "لا تفلت الخيط" ،أنت من صُلبي ، " لاتفلت الخيط" .

    ___________

    من مجموعة (الرقصة المباحة)

    --------------------------------------------------------------------------------

    أنا وهي ..وزهور العالم

    كنا بالحديقة_أناوهي،وكنتُ طامعًا في علاقة تربطني بها: أي علاقة .

    وكان بالحديقة شجرمورق،وحشائش خضراء،وطير بأجنحة،وعين ماء_أراها مرة ياقوتة ومرة زمردة ._

    إنه الربيع : وتلك شمسهُ اللينة تنفذُ من بين أفرع الشجر بشعلع كأنه الفضة النقية _وقد رمت فوق الحشائش: الضوء واللون والظل والشكل .

    كان للشجر رائحة،وللأرض رائحة، وللحشائش رائحة،ولشعرها رائحة،ولفمي رائحة .

    هو الربيع،وتلك طيور الربيع عند عين الماء تطلب الماء،وتغتسل وتنفض عن ريشها الماء،وتتمرغ بالحشائش وتنط وترف في الجو بأجنحة وتصوصو وتحتمي بأفرع الشجر.

    _ أحب الموت،وكلما أجدني على حافته أحب الحياة.

    _ أود لو أمتلك زهرة سوداء .

    _ ثمة زهور سوداء بالعالم..ثمة زهور سوداء .

    * * *


    بالحديقة كنا_ أناوهي،وكنتُ طامعًا في علاقة تربطني بها: أي علاقة .

    كان بالحديقة شجرٌ سقط ورقه وحشائش يابسة وكل الطيور ،وكانت الشمسُ طالعة ،وعين الماء قلّ فيها الماء وغطّاها الورق اليابس والكلس، إنه الخريف .

    _ أحب الحياة، وكلما أجدني فيها أعرف أنها الموت..

    _أودّ لو أمتلك زهرةً بيضاء ..

    _ ثمة زهور بيضاء بالعالم..ثمة زهور بيضاء .


    ___________
    من مجموعة (أنا وهي.. وزهورالعالم.)


    --------------------------------------------------------------------------------
    * مقطع من قصيدة للشاعر عبد المنعم رمضان في رثاء يحيى الطاهر عبد الله

    --------------------------------------------------------------------------------

    المصادر:
    - مجلة الثقافة الجديدة
    - مجموعات القصصية للكاتب
    - " المختار من روائع القصة العربية الحديثة "، مهرجان القراءة للجميع 2000، ضمن إصدارات مكتبة الأسرة.


    --------------------------------------------------------------------------------

    المصدر : موقع الورشة الادبى
    http://www.alwarsha.com/modules.php?name=News&file=article&sid=3534
                  

05-17-2008, 02:22 PM

Solafa Alagib

تاريخ التسجيل: 09-13-2006
مجموع المشاركات: 563

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ربع قرن على رحيل يحيى الطاهر عبدالله: (Re: zumrawi)

    عليه الرحمة ومن كان يريد التعرف علي الاديب يحي الطاهر عبدالله قليقرا كلام الخال
    الابنودي كما يحلو للمصريين ان يسموه في واحدة من اجمل حلقات برنامج المذيع شريف منير عامر
    في قناة الحياة

    د:سلافا العاقب
                  

05-18-2008, 04:34 PM

zumrawi

تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ربع قرن على رحيل يحيى الطاهر عبدالله: (Re: zumrawi)

    العزيزة الدكتورة سلافة
    شكرا للمرور والتنبية للقاء الابنودى
    مرفق لقاء فى اخبار الادب مع الابنودى حول يحى
                  

05-18-2008, 04:42 PM

zumrawi

تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ربع قرن على رحيل يحيى الطاهر عبدالله: (Re: zumrawi)

    عبد الرحمن الأبنودي:
    لم أكن أخشي أحدا سوي يحيي الطاهر عبد الله!


    يحيي الطاهر عبد الله



    ذات صباح شتائي منذ حوالي أربعين عاما أو أكثر دلف إلي مكتبي بمحكمة قنا الشرعية شاب نحيل الجسم جدا ضعيف البنية، قلق النظرات كأن به مسا وقال في 'عظمة': هل أنت عبد الرحمن الأبنودي أنا يحيي الطاهر عبد الله من كرنك الأقصر: جئت للتعرف عليكما أنت وأمل دنقل أغلقت الدوسيهات التي أمامي ودفعت بها إلي أحد الأدراج وقلت له إذن هيا بنا حتى هذا الوقت لم أكن قد عرفت شيئا عن يحيي الطاهر عبد الله ولكني كنت أعرف عن عمه الحساني عبدالله وهو شاعر كلاسيكي ومن تلامذة العقاد ومن أتباعه وأشياعه المتطرفين في الطريق الى البيت اكتشفت أن يحيي الطاهر 'عقادي' أكثر من عمه، حين تأتي سيرة العقاد تستطيل سبابته لكي تصبح في طول ذراع وتخترق عيوننا ويتشنج وجهه الذي لم يكن ينقصه جنون، ويخرسنا جميعا ويستمر في قوة يحاورنا من طرف واحد ونحن صامتون.. صامتون خوفا منه أو خوفا عليه أو إشفاقا علي جسده النحيل من تلك التشنجات القاسية.
    في ذلك اليوم أخذنا المسير الى منزل الشيخ الأبنودي ولم أكن أعلم أن يحيي الطاهر عبد الله لن يغادر هذا البيت إلا بعد ثلاث سنوات. منذ أول يوم أصبح فردا من أفراد العائلة ينادي أمي (يا أمه) ويتعامل مع الشيخ الأبنودي كأنه والده واستولي مني علي أخوتي.
    وكان أينما يذهب تمشي الشجارات والمشاكل بين أقدامه.
    فوجئنا أمل دنقل وأنا أن يحيي شديد النهم للقراءة وأن اطلاعاته الأدبية تفوقنا بكثير، ربما لأنه أتيح له أن يقرأ في مكتبة عمه. ولأول مرة في حياتنا نكتشف إنسانا ينتمي حقيقة الى الثقافة يدافع عن آرائه حتى الموت، بحميمية وصدق مما يدل علي أنه اتخذ الثقافة أهلا ومنهج حياة ودارا وعائلة ويتحزب تحزبا مصيريا لما يعتقده. كان قد استقال لفوره من عمله في مديرية زراعة الأقصر، فقط ليأتي إلينا، كان يعاني من مشاكل رهيبة مع زوجة أبيه التي هرب بعض أبنائها من هيمنتها الرهيبة الى الوادي الجديد وغيره وترك بقية أخوته تحت سطوتها وجاء يحتمي بنا.
    لم يكن أمل دنقل كما يعرف معظم من عرفه رقيقا مع يحيي وإنما كثيرا ما كان يترجم حبه له في شكل إثارة وشجارات ومعارك لاشك أفادتنا كثيرا إذ كانت تكشف عن مساحات رائعة في ثقافة يحيي وخيالاته الجنونية الجامحة التي لا حد لحريتها كذلك كان سلوكه 'كوارثيا' إذ كان يطبق نفس هذا الخيال الجامح علي الحياة الواقعية للبشر، وفيما بعد حين كتب القصة كان يستعمل بسطاء الناس والمغفلين والمندهشين موضوعات يكتبها بصوت عال ويمارس عليهم ألاعيبه الخارقة التي هي مزيج من العبقرية والعبث الواعي والجنون.
    في عام 1962 غادرت إلي القاهرة بعد ان استقلت من عملي بمحكمة قنا وتلا ذلك استقالة أمل واتجاهه إلي القاهرة مثلي وهكذا فرغ الكون حول يحيي في قنا وان كان استمر مقيما في بيت الشيخ الأبنودي عاما آخر بدوني، وقد توثقت علاقته بأهل البيت واعتبر ابنا سابعا للشيخ الأبنودي وفاطمة قنديل التي كانت تحبه شديدا وتعطف عليه شديدا ويخيل لها يوميا أنه سيموت في اليوم المقبل، فقد كان يحيي يجبد التمارض واستحلاب عواطف الآخرين وكان بارعا في ذلك ومعظم ممارساته في ذلك الشأن كانت مقصودة.
    كان يحيي يكره الغباء كما لا يكره شيئا آخر وكانت معاركه وصراعاته مع الأغبياء سواء أكانوا أناسا عاديين أو مثقفين أو مبدعين خائبين منطفئين فيما بعد تقلقني سواء في فترة الصعيد أو في فترة القاهرة فيما بعد حين جاء ولكني كنت أدخل معاركه الى جواره دون أن اسأل من المخطئ، فقد كنت اعتقد أن من حق العبقري يحيي الطاهر أن يفعل ما يشاء بالبشر وعليهم الاحتمال.
    بعد عام جاء يحيي إلي القاهرة مصطحبا أخي كمال الذي يصغرني مباشرة واضطررت أن أغير سكني بجوار سينما اوديون لأسكن معهما في شقة حقيرة مليئة بالأسرة في بولاق الدكرور وهي الشقة التي كانت أشبه بالملكية العامة والتي كان يتردد عليها أصدقاؤه من أمثال طارق عبد الحكيم، وأحمد فؤاد نجم في ذلك الوقت إلي كمال الطويل كانت هذه الشقة أشبه بالمقهى الشعبي وحولها يحيي الطاهر الى ما يشبه سوق الثلاثاء، فكانت الأسرة تزدحم بالمشردين والغرباء من المثقفين والمبدعين وكان علي أنا أن أطعم كل هذا الجيش من الجنيهات التي أتكسبها من الأغنيات التي كنت اكتبها في ذلك الوقت حيث كان من النادر ان تجد أحدا من أبناء جيلي قادرا علي الكسب.
    كان يحيي الطاهر مدخنا بطريقة مفرطة وكنت رغم أني كنت أدخن أنا أيضا لا أطيق الدخول الى غرفته المعبأة بالدخان والتي كان ينام فيها كأنه لن يقوم أبدا.
    وكنا ننطلق لشراء الكتب من سور الأزبكية وتعلم يحيي الانفلات من 'سطوتي' ليبيت بعض الليلات عند بعض الأصدقاء لكنه كان دائما حبيب الأمهات جميعا وفتاهن المفضل لمعسول لسانه ولصدقه الشديد في المودة التي تحول فيما بعد إلي 'اسكافي' لها وكتب رائعته (اسكافي المودة).
    حتى رحيلنا من قنا أمل دنقل وأنا لم يكن يحيي الطاهر قد كتب قصة واحدة بعد، وعلي ما يبدو فإن وجودنا بثقلنا الإبداعي في قنا كان يعوقه عن التعبير عن نفسه خاصة بعد أن 'توبناه' من التحزب للعقاد وأسهمنا في 'فتح مخه' علي الثقافة الإنسانية الرحبة دون الوقوع في حبائل أحد بالذات.
    وكأنه وجدها فرصة في ذلك العام الذي قضاه بمفرده في بيت الأبنودي.
    ليكتب رائعته الأولي 'محبوب الشمس' قصته الأولي التي نشرها ثم توالت أقاصيصه العجيبة عن عالمه الأعجب وبدأ يحيي الطاهر شيئا فشيئا يكتشف لغته الساحرة التي مازالت محط أنظار كل القصاصين الكبار والصغار وحلمهم في أن يتملوكها وقد شابهوها وقلدوها ولكن سوف تظل هذه اللغة العظيمة مرتبطة بساحرها الأعظم يحيي.
    ثم بدأ اتجاهه للكتابة عن صعيد مصر فسحر العالم وقدمه يوسف إدريس في مجلة الكاتب بمقدمة ساحرة وكنت دائما أقول ليحيي الطاهر إنني محظوظ أنه لم يكن شاعرا فهو الوحيد الذي كان يمكن له ان يشكل خطرا علي إبداعي لأنه كان يغترف من نفس البئر وعاشر نفس الواقع بمخلوقاته وعلاقاته ومشاكله ومفارقاته وأساطيره لم أكن اخشي أمل دنقل فأمل لم يتجه للكتابة عن الريف أو عن قرانا وحياتنا رغم انه عاش نفس الحياة ولكنه كان يؤمن بالفصل بين الذات والموضوع سواء علي مستوي التجربة الحياتية والسلوك الشخصي.
    إما يحيي فكان ابنا مخلصا لتجربته مثلي تماما ووهبته قريته الكرنك القديمة حبها واحتضنته بحب وأطلعته علي اسرارها وفتحت لها صندوقها وأطلعته علي حليها الموروث وأشيائها الخاصة جدا وحين تقرأ 'جبل الشاي الأخضر'، 'العالية'، 'طاحونة الشيخ موسي' أو حتى روايته ' الطوق والأسورة' التي كتبت لها الحوار في الفيلم المعروف الذي يحمل اسمها سوف تكتشف انه ينزح من بئر لا ينضب وأن لديه من الكنوز ما لو كان القدر انتظر عليه بعض سنوات لأدهشنا أكثر مما أدهشنا.

    ***

    مازلت أعود الى قصص يحيي الطاهر عبد الله كلما أردت الاتصال به ولقد كانت علاقتنا أكثر من حميمة وكان بالنسبة لي أكثر من شقيق وكانت القاهرة تتعامل معنا علي هذا الأساس بل لقد دعت غرابة محبتنا كلا للآخر الى أن تندهش القاهرة لمثل هذه العلاقة التي لا يمكن أن تتحقق إلا بين أبناء الصعيد وبالذات في الغربة فيما بعد تركني يحيي ليتزوج وينجب وبدأنا نلتقي كلما وضعته الأيام في مأزق كنت دائما ألعب في حياته دور الوالد بشقيه الجانب الذي كرهه وهو جانب الناصح والمحجم والمنظم للسلوك، والجانب الحنون الذي كان يوقن أن كل ما ملكه هو ملكه في أية لحظة إذا ما احتاجه.
    في ليلة عرسه وزواجه من السيدة مديحة أخت الدكتور عبد المنعم تليمه اختفي يحيي ولم يأت وكنا هناك الدكاترة جابر عصفور وعبد المحسن طه بدر وسيد البحراوي والأساتذة فاروق شوشة وسليمان فياض والكثيرون.
    ولم يكن هناك إلا ان اجلس علي كرسي العريس بجوار العروس الى ان جاءنا في آخر الليل يصطحب طفلا فقيرا وجده ملقي مشردا تحت أحد الكباري التي ذهب عندها ليحتسي بعض زجاجات البيرة وبجهد جهيد وضعناه علي كرسي العريس وأتممنا الليلة بهرولة قبل أن يرجع في قوله.
    يعتبر يحيي الطاهر عبد الله أصدق من عبر عن عالم الصعيد بلا منافس في أدب شديد الحيوية متوهج الأداء خاصة اللغة وقد تكون هناك محاولات لطه حسين أو يحيي حقي لكنها لا يمكن أن تصل الى حرارة صدق التوغل والمعايشة ووحشية الأداء ورقته التي تمتع بها أخونا القاص الفذ يحيي الطاهر عبد الله، ومازلت أري أن حصوله علي جائزة الدولة التشجيعية شي ء قليل جدا بالنسبة لما يستحقه ومازلت أري أن الكثير من أبناء جيله يمارس غيرته منه حتى في موته ويسهم في إسدال ستائر التجاهل والتورية والأبعاد عن يحيي حتى لا تكتشف قيمته الحقيقية بصفته معني القصة القصيرة.

    ***

    كان يحيي في السنوات الأخيرة شديد الاهتمام بالملاحم المصرية وبدأ بالزير سالم فلما أفسدها عليه أمل دنقل في قصيدته العبقرية لم يدع مجالا لأن يستفيد منها شخص آخر في نفس الفترة، فاستعان يحيي بي في فهم السيرة الهلالية وانكب علي قراءة السيرة التونسية بلهجتها الصعبة التي جمعها عبد الرحمن قيقة من الجنوب التونسي، والتي قدم لها ونشرها الطاهر قيقة وكيل وزارة الثقافة التونسية السابق.
    وكما كان يحضر بعض الجلسات التي اشرح فيها لأصدقائي مواقف من السيرة واسمعهم بعض التسجيلات.
    إن علاقتي بأخي يحيي الطاهر أعمق بكثير من أن تحضر في كلمات يظل يحيي جرحا عاطفيا غائرا في عواطفي الصادقة وضميري وكلما تذكرته اعتصرني وجدانيا بطريقة خاصة جدا، واعتبر إنني قد فقدت جناحي طيراني حين فقدتهما أحدهما بعد الآخر: يحيي الطاهر عبد الله وأمل دنقل!



    أخبار الأدب- 22 ابريل 2001
    عن موقع جهة الشعر

    http://www.jehat.com


                  

05-18-2008, 04:48 PM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 30720

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ربع قرن على رحيل يحيى الطاهر عبدالله: (Re: zumrawi)

    يا سلام يا زمراوى
    شكرالاشراكنا فى هذه السياحة الجميلة
    جنى
                  

05-19-2008, 09:10 AM

shaheen shaheen
<ashaheen shaheen
تاريخ التسجيل: 11-13-2005
مجموع المشاركات: 5039

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ربع قرن على رحيل يحيى الطاهر عبدالله: (Re: zumrawi)

    مشكلة يحيى الطاهر عبدالله .. هى مشكلة الادب مع السياسة .
    يحيى تمرد على السياسة وعلى الاحزاب وعلى النظام .
    امل دنقل تمرد على السياسة وعلى الاحزاب وعلى النظام .
    وانبرش الابنودى لنظام (عبدالناصر) .. اخرج اجمل ما كتب من اشعار فى مدح (ناصر) - الذى احبه انا ايضا حتى الان !! - .
    لذلك اشتهر (الابنودى) وذاع صيته واحتصنه تيار القومية العربية المخلوط بشيوعيين حلوا حزبهم من اجل مقاعد فى (الاتحاد الاشتراكى) .
    رحلة الثلاثى هذه مدهشة .. هى رحلة (جمهورية مصر العربية) نفسها من ستينيات القرن المنصرم حتى الان .
    من اقصى اقاصى الصعيد هم.. فقراء وابناء فقراء .
    مات الاول - يحيى - فى حادث سير .. وذهب الثانى - امل - الى مستشفى الاورام سيرا على قدمه كما قالت سيدة مصر الاولى بلا منازع (عبلة الروينى) ويموت بداء القرن (السرطان) .
    ويبقى (الابنودى) - امد الله فى عمره - .. يمد حبال الود مع نظام الرئيس المثقف (محمد حسنى مبارك) .. ينشرخ صوته , يبتعد عن (عطيات) وعن هموم (ابنود) , ويقترب من ولى العهد (جمال) .
    هذا هو ترتيبى
    الاول / امل دنقل .. هو رب الشعر العربى الحديث .
    الثانى/ يحيى الطاهر عبدالله .. هو رسول القصة العربية .
    الثالث/ عبدالرحمن الابنودى .. يهوذا الذى لاتنقصه الموهبة والايمان , ولكنه سلم عيسى ابن مريم .
    خلطت هنا التقييم الادبى بالسياسى ؟ .
    قلت من البداية ان مشكلة الادب مع السياسة , مشكلة عويصة .
    لو تعلم الشرق ان المبدع هو القمة .
    وان السياسى هو الادنى مرتبة .
    لتقدم خطوة الى الامام .
    ولكن كيف ؟ .. وهو نفسه الشرق قاتل الانبياء , وحارق الفلاسفة , ومشعل بخور للسادة الساسة الاغبياء .
    *****
    مثل كلمات الكتاب المقدس , اتذكر كلمات يحيى الطاهر عبدالله :-
    نحن الصعايدة نبنى العمارات .. ولا نسكن العمارات
    اليست هذه عبارات قريبة الشبه من عبارات (الانجيل) ؟ .
                  

05-19-2008, 09:14 AM

zumrawi

تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ربع قرن على رحيل يحيى الطاهر عبدالله: (Re: zumrawi)

    عزيزى جنى
    كيفك ياانيق عساك طيب
    شكرا للمرور وهذا مزيد عن يحى
    ارقد عافية



    يبدو أنك غير مسجل لدينا. للتسجيل من فضلك اضغط هنا ...
















    المكتبة الذهبية أعلن معنا إتفاقية الاستخدام قوانين المنتدى

    أكاديمية البورصة > مـــــــنتديـــــات الـــــمساهــــمين > اســتراحة الـمـساهمين > المــــــــــنتــدى الادبـــــى
    يحي الطاهر عبدالله
    اسم المستخدم حفظ معلومات الدخول
    كلمة المرور


    التّسجيل

    مركز التحميل
    صور العضو
    تحميل الصور
    صور الأعضاء

    اذهب الى الصفحة





    يحي الطاهر عبدالله
    صفحة 2 من 2 < 1 2

    LinkBack خيارات الموضوع طريقة العرض

    23-08-2007, 03:02 PM #11 (permalink)
    e-nemr






    الملف الشخصي




















    مشاركة: يحي الطاهر عبدالله

    --------------------------------------------------------------------------------

    أنا وهي ..وزهور العالم - (يحيى الطاهر عبدالله)

    كنا بالحديقة_أناوهي،وكنتُ طامعًا في علاقة تربطني بها: أي علاقة .

    وكان بالحديقة شجرمورق،وحشائش خضراء،وطير بأجنحة،وعين ماء_أراها مرة ياقوتة ومرة زمردة ._

    إنه الربيع : وتلك شمسهُ اللينة تنفذُ من بين أفرع الشجر بشعلع كأنه الفضة النقية _وقد رمت فوق الحشائش: الضوء واللون والظل والشكل .

    كان للشجر رائحة،وللأرض رائحة، وللحشائش رائحة،ولشعرها رائحة،ولفمي رائحة .

    هو الربيع،وتلك طيور الربيع عند عين الماء تطلب الماء،وتغتسل وتنفض عن ريشها الماء،وتتمرغ بالحشائش وتنط وترف في الجو بأجنحة وتصوصو وتحتمي بأفرع الشجر.

    _ أحب الموت،وكلما أجدني على حافته أحب الحياة.

    _ أود لو أمتلك زهرة سوداء .

    _ ثمة زهور سوداء بالعالم..ثمة زهور سوداء .



    * * *


    بالحديقة كنا_ أناوهي،وكنتُ طامعًا في علاقة تربطني بها: أي علاقة .

    كان بالحديقة شجرٌ سقط ورقه وحشائش يابسة وكل الطيور ،وكانت الشمسُ طالعة ،وعين الماء قلّ فيها الماء وغطّاها الورق اليابس والكلس، إنه الخريف .

    _ أحب الحياة، وكلما أجدني فيها أعرف أنها الموت..

    _أودّ لو أمتلك زهرةً بيضاء ..

    _ ثمة زهور بيضاء بالعالم..ثمة زهور بيضاء .




    ___________




    24-08-2007, 04:02 PM #12 (permalink)
    e-nemr






    الملف الشخصي




















    مشاركة: يحي الطاهر عبدالله

    --------------------------------------------------------------------------------

    من الذاكرة
    من "حكايات للأمير
    حتي ينام"يحيي الطاهر عبدالله
    بعد الثناء عليك أميري والصلاة علي النبي -لله الحمد علي هذه الخاتمة الحسنة:

    فها هي ذي العربة قادمة من البعيد بستائر زرقاء مسدلة.. وقد داست بعجلاتها فوق بشر وشجر وحيوان وطير داجن وهدمت بيوت النمل ووقفت أمام البوابة وهبط منها الرجال الأقوياء الصالحون لكل شيء.. رفع الكونت قبعته الزرقاء بيد. وأشار بيد ممسكة بالغليون للكلاب فكفت عن النباح. وبأسي قال الكونت للرجال: كيف جاء الموعد هكذا سريعا. ولم يسمع جوابا. فركب العربة وركب بعده الرجال. وركضت الخيل. وتصاعد الغبار فغطي كل شيء.



    من مواضيع : e-nemr0 صحيفة عالم المال 20ابريل2008 نظرة فنية على بعض الأسهم ومقارنة أداؤها في ظل أداء المؤش
    0 يحي الطاهر عبدالله
    0 تحليل .. وشارت ..
    0 ما هي رؤيتك للسوق في 2007
    0 المؤشرات The Indexs وكيفية بناؤها

    __________________
    البورصة عملة ذات وجهين عائد ومخاطر
    فهل هناك من يستطيع ان يمسك بأحد بوجهي العملة دون الوجه الأخر ؟ !!



    من دفتري القديم
    بورصة على ضفاف النيل
    التحليل الفني
    http://adabwafan.blogspot.com/


    e-nemr
    عرض الملف الشخصي الخاص بالعضو
    إرسال رسالة خاصة إلى e-nemr
    إيجاد المزيد من المشاركات لـ e-nemr

    24-08-2007, 05:00 PM #13 (permalink)
    عربية
    أكاديمى مجتهد






    الملف الشخصي





















    مشاركة: يحي الطاهر عبدالله

    --------------------------------------------------------------------------------

    إقتباس:
    المشاركة الأصلية بواسطة e-nemr
    وردة كبيرة ..إلي يحيي الطاهر عبد الله

    بقلم / محمد كشيك

    بتزقزق العصافير في أقفاصها

    بتزقزق العصافير

    علي الأغصان

    ماشي هناك يا ابو القميص متكرِمِشْ

    في مجّرة الأكوان

    عمّال بتحضن سحابه

    متلوِنة بألوان

    ما زلت شايل مطره.. بتمطَّر

    يا يحيي.. يا فنان

    * * *

    - كان يجلس هناك، علي المقهي العالي الكبير، بالسيدة عيشه، وكنت أذهب إليه، فأجده يراقب بإمعان، من فوق الربوة العالية، الصنّاع المهرة، وهم ينحنون، يقبضون بيد من حديد، علي «أزاميلهم» الخاصة، ينحتون في صمت، «الهاونات» الضخمة، وسط إيقاعات كونية، يرتلّون بصوت أجش - أغاني عن الموت والحياة والفراق..

    ** *

    بتراقب الحكايات

    من مكمنك يا أمير

    سبع بنات تايهين

    مع الطيور طايرين

    طايرين مع العصافير

    ماشيين يغنوا - وراك

    غنيوّه لاجل الشتا

    غنيوه لاجل الصيف

    غنيوّه لاجل الخريف

    - كامن هناك في مكمنك

    يا نحيف ...

    لابس قميص غلبان

    ماسِك في إيدك زهره مستمِوتَهْ

    عايز تزور

    - خليك هناك في الصومعَهْ

    إياك تقرّب - دي الزهور.. ميته

    فيه فخ.. يا عصفور

    - كل البنات ع الشط مستنيين.


    - كنت أذهب إليه هناك ، بالقرب من شارع القرافة الكبيرة، يضربنا التسيم برقّه الموتي، تهبط النجوم من السماء. يأتي حسين حمودة، ينادي للقمر، نشمّ رائحة النباتات المسقية.. من أين كل هذا الماء؟!. يهبط القمر، يضيء وجه يحيي، يمسك بالنجوم، يمضي ناحية الشواهد - أقول له: ألم تتعب يا يحيي؟!.

    لكنه لا يستمع لصوت أحد، ويمضي إلي الناحية الأخري، يحكي ونسمع صوته، عن «هالة»، وعن «أسماء»، وعن النسور المدربة، التي تملأ الطرقات:

    بيجرجر الأغنيات

    ويلحّن الأمنيه

    ما تقرّبوا

    يا بنات!!

    وردّدوا الأغنيه

    - دا - أبوكوا جاي يزور

    من غير ما ياخُد إذن

    ياللا افتحوا له الباب،

    واستقبلوه بالحضن

    - دا - أبوكوا، جاي بيحِّن

    - جاي بيزور عدّي وحم الجن

    عدّي السوّر / حاسب.. من الفخ

    .. تحتك فخ يا عصفور.

    * * *

    - وكنت أذهب إلي شارع «عمرو» بمصر العتيقة، يجلس «يحيي» مقرفصاً بالحجرة الضيقة، مشفوعاً بالحكايات، وكانت اليد الصغيرة لأسماء تبرز في الظلام - والطاقة المدّوره بأعلي الحائط، تحدق دفقات صغيرة من النور، وكان «يحيي» يحكي، عن الشجية.. والأزهار، والغزالة التي كانت تبكي، فأجارها الرسول، من شر صاحبها اللئيم.. كان يحكي عن «العالية» وعن الجذور بالكرنك القديم، والجد «حسن» والأقفاص المصنوعة لكل الطيور، وكان ينكمش فجأة، ويحلم ببيت صغير، له نافذة، وحديقة.. وفتاة - تربطه بها علاقة.. أي علاقة - تنقشع العتمة، وتغيب الرطوبة، ويضيء الحجرة نور شفاف - تظهر شجرة الحواديت ، ويمد يحيي يده إلي الثمار الدانية، يحصل علي البرتقالة الكبيرة، يهديها لأسماء - ويعيد ترتيب الزهور، كان يجلبها من حدائقه السحرية التي تتدفق بالعبير، والتي لا يعلم بها أحد: «إنه الربيع، وتلك شمسه اللينة تنفذ من بين أفرع الشجر، وشعاع كأنه الفضة النقية - أنه الربيع، وكان بالحديقة شجر سقط ورقه، وحشائش يابسة، وكل الطيور - وكانت الشمس الطالعة، وعين الماء يقل فيها الماء، غطاها الورق اليابس، والكلس - إنه الخريف».

    * * *

    (أود لو أمتلك زهرة بيضاء

    ثمة زهور بيضاء بالعالم

    ثمة زهور بيضاء)

    * * *

    «عمّال بتفتل في خيط

    مجدول من الحكايات

    بتمد في جدورك كأنك نبات

    الدنيا متعفرته

    الدنيا متجننه

    من اختلاف الفصول

    ومن اختلاف الجني

    وكأنك العصفور

    بتدور مع الجنيات

    في عالم الحواديت..

    بتركب الأحصنه

    تجري وراك المهور

    والدنيا متجنّنه

    من الخيال اللي جاي

    ومن الخيال اللي فات

    .............................

    بتمدّ في جذورك.. كأنك نبات

    في 1/7/1980 (جزيرة الشاي) - وكان عيد الميلاد - لم يظهر القمر، قمر يوليه، جلسنا علي أرائك بجوار البحيرة، وكان هناك بط يسبح، وسياج، وشماسي ملوّنة - وكان ثمة أصدقاء يتضاحكون: حسين حمودة، بهاء جاهين، ويوسف أبو رية - وكان حشد الزقزقات والعصافير التي تهتز بداخل القفص، والكاميرا التي تدور، وكنت حزيناً، متعباً، تحمل أسماء، وتميل ناحية الماء، تصعد إلي أقرب غصن وتصدح بالحكاية

    «أحب الحياة

    وكلما أجدني فيها

    أعرف أنها الموت»

    * * *

    يا ماشي ومروّح

    يا سايق الدفّه

    الصورة زي ماهي تشبه هلال

    عمّال بتجري بتوزن الدّفه

    زهقت ليه م الغربه والتِرِْحَال

    مش كنت بتقول لي

    بدال «محمد» يا خال

    وكنت بتصدقني..

    ع الميه ماشي يا «يحيي» وبتسبقني

    والدنيا بتعاكس خطوط الزوال..

    * * *

    وكنا نذهب في كل فجر عند حدائق لا مثيل لها، مثقلة بأعناب، وورد - وتين، العصافير تتقافز في كل مكان، والأغصان تحتلها أسراب من كل شكل ولون.. ملوّنة - وغير ملوّنه - يتصاعد منها حشد الزقزقات، وفي نهاية النهار نذهب إلي المقهي المرتفع العالي، بجوار شارع القرافة الكبيرة، ندوس علي النباتات الصغيرة التي تنمو وسط الممرات، وكانت الشواهد الصغيرة ترتفع، كان يحيي يتوقف ليقرأ «النقوش» المكتوبة بخطوط بدائية، نسمع صوت النحيب، ويحاول يحيي الذهاب إلي الناحية الأخري، فأقول له: ألم تتعب يا يحيي؟! فلا يجيب، ويستمر في تجواله الأبدي في مدن الصمت:

    * * *

    فاضل تلات سماوات

    فاضل تلات خطوات

    فاضل قناية من سبع قنايات

    فاضل حكايه

    من سبع حكايات

    إلي هالة - ولأسماء

    ألضم خيوطك في خيطهم

    كون ورده في جونلِّتِْهم

    وكون أبدي - وزي ما انت وحيد

    ولا يوم حلمت بكذب دنيتهم

    ولا عشت وهم العبيد.

    - كان يحيي يميل ناحية النهر، ذاهباً حيث الباب الصغير المقوّس الذي تخفيه الأعشاب، وتتخلله النباتات أحاول اللحاق به، فلا أستطيع، كان يحجل وهو يقفز مبتعداً، يذوب في الغبشة الرمادية، يحرّك يده ملوحاً، فاقول له: ألم تتعب يا يحيي؟! لكنه لا يتكلم.. فقط يرفع يده، ويميل ناحية الباب المقوس، لم يكن بمقدور أحد الذهاب وراءه إلي هناك، كان يتحول تدريجيا إلي ظل، ويحاول الاختفاء، يميل كأنه يهبط درجات.. غير مرئية، وكنت أرقبه ولا أستطيع أن أبارح مكاني: يتقوس، ينحني، يحاول المروق بجسده النحيل من الباب الوهمي، وكان البدن يختفي رويداً رويداً، إلي أن تلاشي تماماً، ولم يكن هناك سوي مستطيل صغير، وبضع زهيرات، وعصافير ملوّنة، تطير هنا وهناك - والسماء الزرقاء تستوعب كل الطيور - بينما كانت تنبت هناك بجوار الشجيرات الصغيرة المشرئبة: وردة كبيرة ليحيي.

    * * *

    أحب الموت

    وكلما أجدني علي حافته

    أحب الحياة

    أود لو أمتلك زهرة سوداء

    ثمة زهور سوداء بالعالم

    .. ثمة زهور سوداء..

    * * *

    ماشي بيعرج خفيف

    في الميه بيقدّف

    عصفور وحيد فوق الغصون كمْشَان

    ماسك في إيده الورد، بيحدّف

    الغاب مع الأزاهير

    علي البنات - بينادي - مِتشَحتِفْ

    طاير مع العصافير

    يصدح وبيؤلّف

    مازلت باسمع صوته حتي الآن

    علي الغصون قلقان

    صابر - ومستعجل..

    ماشي بيعرج، يئن

    صوت الجرَّس م الآخِرَه.. بِيرن

    صوت الجرس - لخفوت

    ويحيي عايز يعدّي / عايز يفوت

    وبترحل الباخره

    إلي شاطئ الآخرة

    ...........

    بتزقزق العصافير في محراب واسع

    والعابدين في الصوامع

    بيرتلّوا - كالعادة

    «ويحيي» جاي في إيده زوّاده

    م الآخِره، بيزُّك في الشبوره

    بيبتسم للجِّن

    لاجْلِن ما بينهم يفوت

    طاير يرفرف زي عصفوره

    وإلي بناته يحِّن

    فوق السطوح بيلّف عمّال يدور

    يقفز كما العصفور

    جاي يا بنات يطمئن

    عايز يعدّي يزور

    عمّال بيحِجل جوه شبوره

    من تحت خط الموت

    إسكافي عايز يفوت

    بيبتسم للجن

    عدّي في غفله بدون ماياخد إذن..

    متخفي كالمسحور

    من بين فروج السجن

    ظاهر في هيئة نبات

    عايز يزور البنات

    وعلي البلد - يطمئن

    ياللا افتحوا - يا ولاد

    واستقبلوه بالحضن...

    لاجلن في قبره - يبتسم يحيي !.





                  

05-19-2008, 09:20 AM

zumrawi

تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ربع قرن على رحيل يحيى الطاهر عبدالله: (Re: zumrawi)

    عزيزى شاهين
    كيفك ياجميل عساك طيب
    الابوندى انبرش ذلك لان مبارك تكفل بتكاليف عمليته الجراحية
    بينما لايملك الشيوعيين المصريين التمن او الترابط للقيام بذلك
    عندنا فى السودان كتير الانبرشو ويبدو ان السكة قد طالت فى السودان
    وفى مصر
    فقط هو احمد فواد نجم فى مصر يحمل لؤاء الشعر الثورى
    تسلم وشكرا على المرور
                  

05-21-2008, 10:08 AM

zumrawi

تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ربع قرن على رحيل يحيى الطاهر عبدالله: (Re: zumrawi)

    يحيى الطاهر عبدالله وآفاق القصة
    عدد القراء: 434


    02/04/2008 منذ ان بدأ شعبان يوسف نشاطه في ورشة الزيتون الثقافية، ولا تخلو جريدة او مجلة من خبر حول احد الانشطة التي تقدمه الورشة، ولا يمر يوم من دون خبر من هذا القبيل.
    وبمناسبة ذكري ميلاد الراحل يحيى الطاهر عبدالله، تنظم الورشة مؤتمرا ثقافيا بعنوان «يحيى الطاهر عبدالله وآفاق القصة القصيرة»، على مدار ثلاثة ايام بداية من 28 ابريل المقبل، وعلى الهامش تدار مجموعة من حلقات النقاش حول اهم وابرز ما صدر من مجموعات خلال السنوات العشر الاخيرة.
    تشارك مجموعة من الاسماء في فعاليات المؤتمر نذكر منهم: يوسف القعيد، منتصر النقاش، عفاف عبدالمعطي، سلوى بكسر، حسين حمودة، واسماء يحيى الطاهر.

    المصدر جريدة القبس الكويتية
    http://www.alqabas.com.kw/Final/NewspaperWebsite/Newspa...spx?ArticleID=377269
                  

05-21-2008, 10:14 AM

zumrawi

تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ربع قرن على رحيل يحيى الطاهر عبدالله: (Re: zumrawi)

    --------------------------------------------------------------------------------

    الحلقة السابعة / شريهان فراشة بلا أجنحة


    ماذا حدث بين شيري وعادل امام؟
    بدأنا في الحلقات السابقة التعرف على جوانب من حياة شريهان واستعرضنا ملامح تشكيلها في الطفولة، والمنابع التي شربت منها الحس الفني، وعرفنا كيف نشأت في مناخ فنى مفروش بزهور الحرية والتفتح بفضل رعاية شقيقها الأكبر عازف الغيتار الساحر عمر خورشيد، الذي استطاع أن يقنع الأم بموهبة شيري الفنية فوقفت وراءها بكل ما تملك من مال وعلاقات، ووفرت لها العديد من الفرص، بل وأسست لها شركة انتاج لتحميها من «ذئاب الفن» كما صرحت لاحدى الصحف قبل رحيلها.
    وفي هذه الحلقة تستكمل شريهان رحلة صعودها من سفح البدايات الى قمة النجومية وتقول:
    «في بداية عام 1985 كنت بطلة أمام السوبر ستار عادل امام في فيلمين متتاليين هما «مين فينا الحرامي» و«خللي بالك من عقلك» وكان فيلم «قفص الحريم» مع المخرج الكبير حسين كمال بداية تغيير وجهتي حيث تركت أدوار البنت الصغيرة الجميلة وخضت تجربة الأدوار المركبة التي تمر بمراحل مختلفة وفية جسدت شخصيتين مختلفتين، شخصية الزوجة الأم المطحونة في حياة جافة فقيرة، وشخصية الابنة التي تدفعها ظروفها الاجتماعية الى الانحراف، ومن هذا الفيلم الى «الطوق والأسورة» مع المخرج خيري بشارة والذي لعبت فيه شخصيتين أيضا هما الأم «فهيمة» والابنة «فرحانة»، من خلال قصة واقعية اجتماعية وقعت أحداثها في قرية من قرى مدينة الأقصر الصعيدية والتي نلمس من خلالها واقعا مؤلما ومريرا وهو الجهل الذي مازال يسيطر على عقول الناس في هذه المناطق مما يجعلهم يسيرون على درب العادات والتقاليد القديمة، التي تقترب من الحكايات الشعبية والفلكلورية التي نسمع عنها, ولا نعيشها لأنها عادة تكون موجودة في مناطق منعزلة ويعيدة عن الحضارة والتأثر بالجديد.
    وكان هذا الفيلم، حسب رأي النقاد، أبرز علامة في مشوار شريهان في التمثيل السينمائي، كما أنه واحد من أعظم أفلام السينما العربية بشكل عام، وهذا ما جاء في مقال كتبه في ذلك الحين الناقد السينمائي سمير فريد الذي أحاط بظروف الفيلم كاملة منذ كان قصة يحفظها كاتبها، ويلقيها على سامعيه وكأنه هوميروس شاعر الاغريق في ثوب جنوبي معاصر، متى تحول الى تحفة سينمائية تضافرت فيها كل العناصر في تكامل وتناغم مثالي».
    ويقول سمير فريد: «ذات يوم من العام الثاني أو العام الثالث من العقد السابع في القرن العشرين دعاني رجاء النقاش الصديق والأستاذ الى الذهاب لمنزل الصديق غالب هلسا في ميدان الدقي لنستمع الى قاص جديد جاء من الصعيد».
    تساءلت مندهشا: نستمع الى قصاص؟
    قال: «نعم انه يلقى قصصه كما يلقى الشاعر قصائده ويحفظهما عن ظهر قلب».
    فى منزله المتواضع رحب بنا غالب هلسا وقدم الينا يحيى الطاهر عبد الله الذي جلس على أحد الآرائك دون أن يسند ظهره، ورشق يديه في الأريكة فامتدت ذراعاه الى جانبيه وتطلع الى السقف,,, الى الفراغ، وبدأ يتلو علينا قصته الأولى التي نشرت بعد ذلك في مجلة «الكاتب» بمقدمة طويلة ليوسف ادريس، كانت القصة حدثا وكان القاص جديدا حقا.
    ويضيف سمير: «مرت الأيام، وباعدت ظروف العمل وأحوال الدنيا بيني وبين يحيى الطاهر عبدالله ولكن ظل كل منا يقرأ الآخر ويتابعه ويحبه وكان يساورني احساس عميق أخفيه ولا أبو ح به بأن يحيى الطاهر عبد الله في صراع مرير مع الزمن وأنه كما يقولون في الصعيد «ابن موت»، وعندما جاء الخبر الفاجع بالنهاية العبثية في حادت سيارة مثل ألبير كامي بدا الأمر طبيعيا,,, أن يسطع الشهاب ويمر لأنها طبيعة الشهب.
    مات يحيى وهو لا يتصور أن حلمه سوف يتحقق يوما، لكن المخرج خيري بشارة ظل يحلم ويحاول الى أن اقتنع بالفيلم المنتج حسين القلا الذي جاء من فلسطين الى القاهرة وكله طموح الى صنع كل ما هو مختلف وأصيل، وبعد سنوات من الاعداد والتصوير عرض عام 1986 فيلم «الطوق والاسورة» فكان أحد أعياد السينما الكبيرة».
    العشق
    ولأن شريهان:كانت تعشق فنها,,, وتدخل في مغامرات جريئة لتحقيق ذاتها,,, أوضح لها المخرج خيري بشارة أثناء تصوير فيلم «الطوق والأسورة» المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها، لكنها استمرت، وأصرت على تصوير مشاهدها من دون «دوبليرة»، أو شروط خاصة تميزها عن بقية عناصر الفريق، لاسيما أن ما تفعله من الممكن أن يعرض حياتها للخطر، أو يصيبها بأمراض خطيرة,,, مثل المشهد الذي كان يتطلب أن تلقي بنفسها في الترعة أمام الكاميرا وتسبح حتى الشط الثاني,,, ونفذت الدور بنفسها,,, وسط تحذيرات العاملين بالفيلم!! لأنها أحبت العمل وأجادته.
    وفي أكثر من مشهد من مشاهد الفيلم تعرضت شريهان لأخطار بسبب رفضها الكامل للاستعانة بالدوبليرة علما بأن الدور يحتاج الى خبرات جديدة تماما عليها حيث تلعب شخصية صعيدية تواجه القيود والضغوط المفروضة حولها من كل جانب.
    لعبت شريهان دوري «فهيمة» وابنتها «فرحانة» ,,, فهيمة تتزوج من الحداد (أحمد عبد العزيز) وتكتشف عجزه الجنسي، وتحاول أمها علاج هذا العجز من خلال طقوس الخرافة المنتشرة في هذا المجتمع فتلجأ الى أحد المشعوذين الذي يتحايل عليها، وتحمل منه «فهيمة» لكنها تموت أثناء الولادة، وتكبر طفلتها لتواجه كل قيود الصعيد الى جانب نظرة الناس اليها، حيث لا يعرفون لها أباً, كان الفيلم قد صور بأكمله في مدينة الأقصر وقضت شريهان كل أيام التصوير هناك رغم الجو البدائي، وقلة الخدمات، والحرارة الشديدة جداً وتحذيرات الأطباء، وكان تصرفها يدل على عنادها وحبها لعملها مهما كانت التضحيات
    الغريب ان ابنة الزمالك نجحت بجدارة في تجسيد شخصية المرأة الصعيدية في مراحل عمرية مختلفة، أدهشت النقاد، وفازت بجائزة أحسن ممثل عن دورها في الفيلم، وأجادت الى الدرجة التي جعلت المخرج رضوان الكاشف يستعين بها في دور قريب من دوري فهيمة وفرحانة في فيلمه «عرق البلح»,, وكأن قدر شيري المدللة أن تحقق شهرتها وتميزها من خلال أدوار نقيضة لطبيعتها الارستقراطية، وزن تشابهت مع تكوينها النفسي المرهف والذي يتصادم مع واقع قاس مغلق مما يؤدي الى تفجر المآسي الترا.يدية، وهذا هو سر الأسرار في التشابه غير المرئي بين حياة شريهان وأجواء فيلم «الطوق والأسورة» التي يصفها سمير فريد قائلا:
    «اذا كان نجيب محفوظ قد عبر عن مجتمع الطبقة الوسطى بالقاهرة في ثلاثيته الشهيرة متابعا حركة أجيال ثلاثة عبر نحو ربع قرن منذ ثورة 1919 بالأسلوب الواقعي الذي وضع أسسه بلزاك وكبار روائيي القرن التاسع عشر فقد عبر يحيى الطاهر عبد الله في «الطوق والاسورة» عن مجتمع الصعيد متابعا لحركة أجيال ثلاثة أيضا وعبر نحو ربع قرن من مطلع الثلاثينات ولكن بالأسلوب الواقعي الذي وضع أسسه كافكا وكبار روائيي القرن العشرين والذي أطلق عليه جارودي الواقعية بلا ضفاف.
    فكل شيء في رواية «الطوق والاسورة» يأخذ شكل دائرة، الاسورة دائرة والطوق دائرة ودورة الزمن في الرواية دائرة وكل دوائر يحيى الطاهر عبد الله كاملة ، والتساؤل الذي يتخلق عبر الوعي باكتمال هذه الدوائر هو: هل من مخرج؟
    انه يضع التساؤل ويترك للقارئ -كل حسب وعيه- البحث عن المخرج».
    هي وفهيمة
    ربما شعرت شريهان من دون أن تدري بمدى التشابه النفسي بينها وبين كل من فهيمة وفرحانة التي لعبت دوريهما، فهي الشخصية الصادقة المتصادمة مع واقع متخلف قاس ليست مسؤولة عنه، وتسعى للتمرد عليه ببراءة حتى من خلال تناقض اسمها «فرحانة» مع اسم جدتها «حزينة» ومن هنا يبدو دورها غير المقصود في كسر الأطواق والأساور التي تحاصرها والتي تحاصر كل الشخصيات من حولها وكأنه قدر مأساوي لا فكاك منه حيث يسافر الابن مصطفى ويموت الأب بخيت وتتزوج الابنة فهيمة من الحداد العاجز، وتلجأ الأم حزينة الى خرافات الأولين لتخصب ابنتها وبينما تموت فهيمة على يد مشعوذ القرية الذي يعتبرونه طبيبا ويموت الحداد حرقا نتيجة الجشع والحقد تأتى الحفيدة ويعود الابن الغائب ويقوم السعدي ابن شقيقة الحداد بقطع رقبة الفتاة التي أغواها شاب من الجيران, يقول فريد: تلك هي الخطوط الخارجية لحركة أحداث «الطوق والاسورة» عبر الأجيال الثلاثة (الأم حزينة التي قامت بدورها الفنانة فردوس عبد الحميد، والابنة فهيمة والحفيدة فرحانة التي قامت بدورهما شريهان)، وقد أدرك كاتب السيناريو يحيى عزمي ومخرج الفيلم خيري بشارة العلاقة بين الأحداث والمعنى في الرواية واستطاعا من خلال السيناريو والاخراج أن يعبرا عن هذه العلاقة بلغة السينما حيث تبدأ رواية يحيى الطاهر بالأب العاجز وتنتهي بالابن وقد صار مثل أبيه، أما فيلم خيري بشارة فيبدأ بطائر النورس يطير محلقا عبر النيل والأشجار وينتهي بطائر النورس يواصل التحليق، اننا نرى في الفيلم أيضا الابن وقد صار مثل أبيه، وندرك معنى صعوبة التغيير ولكن طائر النورس هنا ليس رمزا ولكنه تكثيف للتطلع الى الحرية والرغبة في التغيير واطلاق طاقات الانسان الكامنة وتمجيد الحياة والأمل في الحياة الأفضل».
    تقول شريهان: «عندما قرأت السيناريو في المرة الأولي، لم أحبه، ولم أقتنع به وقررت رفضه، لكن شيئاً ما ظل يؤرقني، وبدأت الشخصيات تفرض نفسها على حياتي ومشاعري، كنت أحس أنها تتحرك أمامي، وتتكلم أمامي ولم يكن أمامي خيار الا الموافقة ، لكي تخرج هذه الشخصيات من داخلي وتمارس حياتها، ورغم أن الفيلم ينتمي الى فترة سابقة ، لكن القيم التي يقدمها معاصرة ومهمة ومجودة الآن، وقد عشت بعضها في حياتي بصورة أو أخري وأعتقد أننا جميعاً نعاني من أوجاع أبطال «الطوق والاسورة» وهذا ما أشار اليه سمير فريد أيضاً عندما قال: كل حدث في الفيلم يرتبط بالانسان الذي يعيش في قرية الكرنك بالأقصر ويحمل معه كل تراث الزمان الممتد في حياة القرية في تصرفاته وفى ردود أفعاله تجاه الأشياء، الناس هنا في الثلاثينيات يشترون السكر والشاي بالمقايضة بالبيض ويرفضون الطاحونة لأنها لابد أن تتغذى على دماء الأطفال ويلجأون الى السحرة والمشعوذين لانجاب الأطفال وعلاج المرضى ويدفنون الفتاة عندما تحمل دون زواج ويكسرون القلة على عتبة الباب عندما يعلن العريس عذرية عروسه وهو يلوح بالمنديل الأبيض وعليه بقع الدماء وسط طلقات الرصاص وغناء النساء والرجال، وكل هذه التصرفات بالاضافة الى طقوس الموت والميلاد هي التي تحكم حركة السيناريو، والبطل في سيناريو يحيى عزمي ليس مصطفى البشاري الذي قام بدوره الفنان عزت العلايلي الذي يغيب عن القرية 20 عاما ويعود ليجد كل شيء على ما هو عليه وانما هو القرية كلها، فهناك أيضا الحداد العاجز جنسيا الذي تزوج فهيمة، وأخته الأرملة الحقود كارهة البشر، وابنها الأرعن الذي يقتل ابنة خاله ليحصل عليها، ومنصور البقال الذي يحلم بانشاء طاحونة، ومحمد أفندي المدرس الذي يحاول أن يزرع الاستنارة في الظلام الكثيف، وبلاطه الصعلوك الذي عمل مع السياح، ونعيمة ابنة الصياد التي يتزوجها الحداد بعد موت فهيمة ويقتلها وينتحر حرقا والشيخ هارون الدجال وفى مقابلة الشيخ فاضل المتعلم وابنه صابر أفندي الذي يذهب الى القاهرة للدراسة بعد أن أغوى الحفيدة فرحانة وهو يعلم علم اليقين المصير الذي ينتظرها بعد سفره ويأتي حوار الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي ليثرى هذا النص السينمائي على نحو يجعله أقرب الى التكامل الفني».
    تقول شريهان ايضا: «بكيت وأنا أقرأ مشهد تعذيب «فرحانة»، حتى تعترف باسم حبيبها، بكيت كثيراً ,,.


    الزمن و«الطوق والاسورة»

    الزمن عند نجيب محفوظ في الثلاثية يتحرك الى الأمام، ولكن يحيى الطاهر يغلق الدائرة باحكام ويجعل الابن العائد من الغربة بعد عشرين عاما ينتهي مثل أبيه الذي نراه في بداية الرواية عاجزا تحمله زوجته وابنته مثل «القفة»من الظل الى الشمس ومن الشمس الى الظل، لأن حركة التاريخ في «الطوق والأسورة» حركة داخل الشخصيات يتسع زمانها ليشمل الأساطير والخرافات والماضي الفرعوني السحيق ويتسع مكانها ويتجاوز قرية الكرنك ليشمل كل الصعيد وكل مصر بحثا عن الأطواق التي تقيد الانسان ويتحلى بها كالأساور أو الأساور التي يتحلى بها وهى الأطواق التي تشله وتعجزه عن الحركة.
    المصدر :
    http://egyfilm.com/Forums/viewtopic.php?p=95264
                  

05-21-2008, 10:14 AM

zumrawi

تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ربع قرن على رحيل يحيى الطاهر عبدالله: (Re: zumrawi)

    --------------------------------------------------------------------------------

    الحلقة السابعة / شريهان فراشة بلا أجنحة


    ماذا حدث بين شيري وعادل امام؟
    بدأنا في الحلقات السابقة التعرف على جوانب من حياة شريهان واستعرضنا ملامح تشكيلها في الطفولة، والمنابع التي شربت منها الحس الفني، وعرفنا كيف نشأت في مناخ فنى مفروش بزهور الحرية والتفتح بفضل رعاية شقيقها الأكبر عازف الغيتار الساحر عمر خورشيد، الذي استطاع أن يقنع الأم بموهبة شيري الفنية فوقفت وراءها بكل ما تملك من مال وعلاقات، ووفرت لها العديد من الفرص، بل وأسست لها شركة انتاج لتحميها من «ذئاب الفن» كما صرحت لاحدى الصحف قبل رحيلها.
    وفي هذه الحلقة تستكمل شريهان رحلة صعودها من سفح البدايات الى قمة النجومية وتقول:
    «في بداية عام 1985 كنت بطلة أمام السوبر ستار عادل امام في فيلمين متتاليين هما «مين فينا الحرامي» و«خللي بالك من عقلك» وكان فيلم «قفص الحريم» مع المخرج الكبير حسين كمال بداية تغيير وجهتي حيث تركت أدوار البنت الصغيرة الجميلة وخضت تجربة الأدوار المركبة التي تمر بمراحل مختلفة وفية جسدت شخصيتين مختلفتين، شخصية الزوجة الأم المطحونة في حياة جافة فقيرة، وشخصية الابنة التي تدفعها ظروفها الاجتماعية الى الانحراف، ومن هذا الفيلم الى «الطوق والأسورة» مع المخرج خيري بشارة والذي لعبت فيه شخصيتين أيضا هما الأم «فهيمة» والابنة «فرحانة»، من خلال قصة واقعية اجتماعية وقعت أحداثها في قرية من قرى مدينة الأقصر الصعيدية والتي نلمس من خلالها واقعا مؤلما ومريرا وهو الجهل الذي مازال يسيطر على عقول الناس في هذه المناطق مما يجعلهم يسيرون على درب العادات والتقاليد القديمة، التي تقترب من الحكايات الشعبية والفلكلورية التي نسمع عنها, ولا نعيشها لأنها عادة تكون موجودة في مناطق منعزلة ويعيدة عن الحضارة والتأثر بالجديد.
    وكان هذا الفيلم، حسب رأي النقاد، أبرز علامة في مشوار شريهان في التمثيل السينمائي، كما أنه واحد من أعظم أفلام السينما العربية بشكل عام، وهذا ما جاء في مقال كتبه في ذلك الحين الناقد السينمائي سمير فريد الذي أحاط بظروف الفيلم كاملة منذ كان قصة يحفظها كاتبها، ويلقيها على سامعيه وكأنه هوميروس شاعر الاغريق في ثوب جنوبي معاصر، متى تحول الى تحفة سينمائية تضافرت فيها كل العناصر في تكامل وتناغم مثالي».
    ويقول سمير فريد: «ذات يوم من العام الثاني أو العام الثالث من العقد السابع في القرن العشرين دعاني رجاء النقاش الصديق والأستاذ الى الذهاب لمنزل الصديق غالب هلسا في ميدان الدقي لنستمع الى قاص جديد جاء من الصعيد».
    تساءلت مندهشا: نستمع الى قصاص؟
    قال: «نعم انه يلقى قصصه كما يلقى الشاعر قصائده ويحفظهما عن ظهر قلب».
    فى منزله المتواضع رحب بنا غالب هلسا وقدم الينا يحيى الطاهر عبد الله الذي جلس على أحد الآرائك دون أن يسند ظهره، ورشق يديه في الأريكة فامتدت ذراعاه الى جانبيه وتطلع الى السقف,,, الى الفراغ، وبدأ يتلو علينا قصته الأولى التي نشرت بعد ذلك في مجلة «الكاتب» بمقدمة طويلة ليوسف ادريس، كانت القصة حدثا وكان القاص جديدا حقا.
    ويضيف سمير: «مرت الأيام، وباعدت ظروف العمل وأحوال الدنيا بيني وبين يحيى الطاهر عبدالله ولكن ظل كل منا يقرأ الآخر ويتابعه ويحبه وكان يساورني احساس عميق أخفيه ولا أبو ح به بأن يحيى الطاهر عبد الله في صراع مرير مع الزمن وأنه كما يقولون في الصعيد «ابن موت»، وعندما جاء الخبر الفاجع بالنهاية العبثية في حادت سيارة مثل ألبير كامي بدا الأمر طبيعيا,,, أن يسطع الشهاب ويمر لأنها طبيعة الشهب.
    مات يحيى وهو لا يتصور أن حلمه سوف يتحقق يوما، لكن المخرج خيري بشارة ظل يحلم ويحاول الى أن اقتنع بالفيلم المنتج حسين القلا الذي جاء من فلسطين الى القاهرة وكله طموح الى صنع كل ما هو مختلف وأصيل، وبعد سنوات من الاعداد والتصوير عرض عام 1986 فيلم «الطوق والاسورة» فكان أحد أعياد السينما الكبيرة».
    العشق
    ولأن شريهان:كانت تعشق فنها,,, وتدخل في مغامرات جريئة لتحقيق ذاتها,,, أوضح لها المخرج خيري بشارة أثناء تصوير فيلم «الطوق والأسورة» المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها، لكنها استمرت، وأصرت على تصوير مشاهدها من دون «دوبليرة»، أو شروط خاصة تميزها عن بقية عناصر الفريق، لاسيما أن ما تفعله من الممكن أن يعرض حياتها للخطر، أو يصيبها بأمراض خطيرة,,, مثل المشهد الذي كان يتطلب أن تلقي بنفسها في الترعة أمام الكاميرا وتسبح حتى الشط الثاني,,, ونفذت الدور بنفسها,,, وسط تحذيرات العاملين بالفيلم!! لأنها أحبت العمل وأجادته.
    وفي أكثر من مشهد من مشاهد الفيلم تعرضت شريهان لأخطار بسبب رفضها الكامل للاستعانة بالدوبليرة علما بأن الدور يحتاج الى خبرات جديدة تماما عليها حيث تلعب شخصية صعيدية تواجه القيود والضغوط المفروضة حولها من كل جانب.
    لعبت شريهان دوري «فهيمة» وابنتها «فرحانة» ,,, فهيمة تتزوج من الحداد (أحمد عبد العزيز) وتكتشف عجزه الجنسي، وتحاول أمها علاج هذا العجز من خلال طقوس الخرافة المنتشرة في هذا المجتمع فتلجأ الى أحد المشعوذين الذي يتحايل عليها، وتحمل منه «فهيمة» لكنها تموت أثناء الولادة، وتكبر طفلتها لتواجه كل قيود الصعيد الى جانب نظرة الناس اليها، حيث لا يعرفون لها أباً, كان الفيلم قد صور بأكمله في مدينة الأقصر وقضت شريهان كل أيام التصوير هناك رغم الجو البدائي، وقلة الخدمات، والحرارة الشديدة جداً وتحذيرات الأطباء، وكان تصرفها يدل على عنادها وحبها لعملها مهما كانت التضحيات
    الغريب ان ابنة الزمالك نجحت بجدارة في تجسيد شخصية المرأة الصعيدية في مراحل عمرية مختلفة، أدهشت النقاد، وفازت بجائزة أحسن ممثل عن دورها في الفيلم، وأجادت الى الدرجة التي جعلت المخرج رضوان الكاشف يستعين بها في دور قريب من دوري فهيمة وفرحانة في فيلمه «عرق البلح»,, وكأن قدر شيري المدللة أن تحقق شهرتها وتميزها من خلال أدوار نقيضة لطبيعتها الارستقراطية، وزن تشابهت مع تكوينها النفسي المرهف والذي يتصادم مع واقع قاس مغلق مما يؤدي الى تفجر المآسي الترا.يدية، وهذا هو سر الأسرار في التشابه غير المرئي بين حياة شريهان وأجواء فيلم «الطوق والأسورة» التي يصفها سمير فريد قائلا:
    «اذا كان نجيب محفوظ قد عبر عن مجتمع الطبقة الوسطى بالقاهرة في ثلاثيته الشهيرة متابعا حركة أجيال ثلاثة عبر نحو ربع قرن منذ ثورة 1919 بالأسلوب الواقعي الذي وضع أسسه بلزاك وكبار روائيي القرن التاسع عشر فقد عبر يحيى الطاهر عبد الله في «الطوق والاسورة» عن مجتمع الصعيد متابعا لحركة أجيال ثلاثة أيضا وعبر نحو ربع قرن من مطلع الثلاثينات ولكن بالأسلوب الواقعي الذي وضع أسسه كافكا وكبار روائيي القرن العشرين والذي أطلق عليه جارودي الواقعية بلا ضفاف.
    فكل شيء في رواية «الطوق والاسورة» يأخذ شكل دائرة، الاسورة دائرة والطوق دائرة ودورة الزمن في الرواية دائرة وكل دوائر يحيى الطاهر عبد الله كاملة ، والتساؤل الذي يتخلق عبر الوعي باكتمال هذه الدوائر هو: هل من مخرج؟
    انه يضع التساؤل ويترك للقارئ -كل حسب وعيه- البحث عن المخرج».
    هي وفهيمة
    ربما شعرت شريهان من دون أن تدري بمدى التشابه النفسي بينها وبين كل من فهيمة وفرحانة التي لعبت دوريهما، فهي الشخصية الصادقة المتصادمة مع واقع متخلف قاس ليست مسؤولة عنه، وتسعى للتمرد عليه ببراءة حتى من خلال تناقض اسمها «فرحانة» مع اسم جدتها «حزينة» ومن هنا يبدو دورها غير المقصود في كسر الأطواق والأساور التي تحاصرها والتي تحاصر كل الشخصيات من حولها وكأنه قدر مأساوي لا فكاك منه حيث يسافر الابن مصطفى ويموت الأب بخيت وتتزوج الابنة فهيمة من الحداد العاجز، وتلجأ الأم حزينة الى خرافات الأولين لتخصب ابنتها وبينما تموت فهيمة على يد مشعوذ القرية الذي يعتبرونه طبيبا ويموت الحداد حرقا نتيجة الجشع والحقد تأتى الحفيدة ويعود الابن الغائب ويقوم السعدي ابن شقيقة الحداد بقطع رقبة الفتاة التي أغواها شاب من الجيران, يقول فريد: تلك هي الخطوط الخارجية لحركة أحداث «الطوق والاسورة» عبر الأجيال الثلاثة (الأم حزينة التي قامت بدورها الفنانة فردوس عبد الحميد، والابنة فهيمة والحفيدة فرحانة التي قامت بدورهما شريهان)، وقد أدرك كاتب السيناريو يحيى عزمي ومخرج الفيلم خيري بشارة العلاقة بين الأحداث والمعنى في الرواية واستطاعا من خلال السيناريو والاخراج أن يعبرا عن هذه العلاقة بلغة السينما حيث تبدأ رواية يحيى الطاهر بالأب العاجز وتنتهي بالابن وقد صار مثل أبيه، أما فيلم خيري بشارة فيبدأ بطائر النورس يطير محلقا عبر النيل والأشجار وينتهي بطائر النورس يواصل التحليق، اننا نرى في الفيلم أيضا الابن وقد صار مثل أبيه، وندرك معنى صعوبة التغيير ولكن طائر النورس هنا ليس رمزا ولكنه تكثيف للتطلع الى الحرية والرغبة في التغيير واطلاق طاقات الانسان الكامنة وتمجيد الحياة والأمل في الحياة الأفضل».
    تقول شريهان: «عندما قرأت السيناريو في المرة الأولي، لم أحبه، ولم أقتنع به وقررت رفضه، لكن شيئاً ما ظل يؤرقني، وبدأت الشخصيات تفرض نفسها على حياتي ومشاعري، كنت أحس أنها تتحرك أمامي، وتتكلم أمامي ولم يكن أمامي خيار الا الموافقة ، لكي تخرج هذه الشخصيات من داخلي وتمارس حياتها، ورغم أن الفيلم ينتمي الى فترة سابقة ، لكن القيم التي يقدمها معاصرة ومهمة ومجودة الآن، وقد عشت بعضها في حياتي بصورة أو أخري وأعتقد أننا جميعاً نعاني من أوجاع أبطال «الطوق والاسورة» وهذا ما أشار اليه سمير فريد أيضاً عندما قال: كل حدث في الفيلم يرتبط بالانسان الذي يعيش في قرية الكرنك بالأقصر ويحمل معه كل تراث الزمان الممتد في حياة القرية في تصرفاته وفى ردود أفعاله تجاه الأشياء، الناس هنا في الثلاثينيات يشترون السكر والشاي بالمقايضة بالبيض ويرفضون الطاحونة لأنها لابد أن تتغذى على دماء الأطفال ويلجأون الى السحرة والمشعوذين لانجاب الأطفال وعلاج المرضى ويدفنون الفتاة عندما تحمل دون زواج ويكسرون القلة على عتبة الباب عندما يعلن العريس عذرية عروسه وهو يلوح بالمنديل الأبيض وعليه بقع الدماء وسط طلقات الرصاص وغناء النساء والرجال، وكل هذه التصرفات بالاضافة الى طقوس الموت والميلاد هي التي تحكم حركة السيناريو، والبطل في سيناريو يحيى عزمي ليس مصطفى البشاري الذي قام بدوره الفنان عزت العلايلي الذي يغيب عن القرية 20 عاما ويعود ليجد كل شيء على ما هو عليه وانما هو القرية كلها، فهناك أيضا الحداد العاجز جنسيا الذي تزوج فهيمة، وأخته الأرملة الحقود كارهة البشر، وابنها الأرعن الذي يقتل ابنة خاله ليحصل عليها، ومنصور البقال الذي يحلم بانشاء طاحونة، ومحمد أفندي المدرس الذي يحاول أن يزرع الاستنارة في الظلام الكثيف، وبلاطه الصعلوك الذي عمل مع السياح، ونعيمة ابنة الصياد التي يتزوجها الحداد بعد موت فهيمة ويقتلها وينتحر حرقا والشيخ هارون الدجال وفى مقابلة الشيخ فاضل المتعلم وابنه صابر أفندي الذي يذهب الى القاهرة للدراسة بعد أن أغوى الحفيدة فرحانة وهو يعلم علم اليقين المصير الذي ينتظرها بعد سفره ويأتي حوار الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي ليثرى هذا النص السينمائي على نحو يجعله أقرب الى التكامل الفني».
    تقول شريهان ايضا: «بكيت وأنا أقرأ مشهد تعذيب «فرحانة»، حتى تعترف باسم حبيبها، بكيت كثيراً ,,.


    الزمن و«الطوق والاسورة»

    الزمن عند نجيب محفوظ في الثلاثية يتحرك الى الأمام، ولكن يحيى الطاهر يغلق الدائرة باحكام ويجعل الابن العائد من الغربة بعد عشرين عاما ينتهي مثل أبيه الذي نراه في بداية الرواية عاجزا تحمله زوجته وابنته مثل «القفة»من الظل الى الشمس ومن الشمس الى الظل، لأن حركة التاريخ في «الطوق والأسورة» حركة داخل الشخصيات يتسع زمانها ليشمل الأساطير والخرافات والماضي الفرعوني السحيق ويتسع مكانها ويتجاوز قرية الكرنك ليشمل كل الصعيد وكل مصر بحثا عن الأطواق التي تقيد الانسان ويتحلى بها كالأساور أو الأساور التي يتحلى بها وهى الأطواق التي تشله وتعجزه عن الحركة.
    المصدر :
    http://egyfilm.com/Forums/viewtopic.php?p=95264
                  

05-25-2008, 11:39 AM

zumrawi

تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ربع قرن على رحيل يحيى الطاهر عبدالله: (Re: zumrawi)

    تقوم ورشة الزيتون بالقاهرة في الفترة من 19 مايوم 2008 وحتى 21 مايو 2008 بالاحتفال بمرور سبعين عاما علي ميلاد القاص الجنوبي المصري يحي الطاهر عبد الله الذي ولد في الثلاثين من أبريل عام 1938 ..وذلك بإقامة مؤتمر يستمر لمدة ثلاثة أيام متتالية .

    وقد كان ليحي الطاهر دورا مهما في إثراء القصة المصرية والانتقال بها من الأشكال التقليدية إلي أشكال أكثر تجريبية ، وقد كان التجريب الذي قام به في القصة نقلة نوعية في القصة القصيرة ..

    يشارك في الاحتفالية كل من

    سعيد الكفراوي

    سلوي بكر

    شعبان يوسف

    منتصر القفاش

    هويدا صالح

    ميرال الطحاوي

    أمينة زيدان

    جمال زكي مقار

    محمد إبراهيم طه

    رجب الصاوي

    السيد ضيف الله

    محمد جابر غريب

    وبحضور نخبة من المثقفين

    وتتنوع الاحتفالية ما بين

    ـ أوراق نقدية لأهم أعمال يحي الطاهر عبد الله

    ـ شهادات إبداعية وكيف تعاملت الأجيال الشابة مع إبداعه

    ـ قصة بصوت القاص نفسه

    ـ شهادة لابنته أسماء يحي الطاهر عبد الله

    وقد كشف الشاعر شعبان يوسف عن ستة نصوص قصصية جديدة لم تنشر من قبل

    وستقوم الورشة بإصدار كتاب يضم الجهود النقدية مع نصوص الشهادات بالإضافة للنصوص الإبداعية التي وجدت للقاص ولم تنشر في كتاب من قبل .

    والدعوة عامة للحضور والمشاركة والإدالاء بشهادات عن يحي الطاهر
                  

05-25-2008, 11:45 AM

zumrawi

تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ربع قرن على رحيل يحيى الطاهر عبدالله: (Re: zumrawi)

    من هو يحيى الطاهر عبد الله ؟
    منتدى القصة العربية > منتديات القصة العربية > أَعـــــــــلام و إِعــــــلام
    سمير الفيل17-05-2005, 08:20 pm


    سيرة حياة


    * ولد عبد الفتاح يحيى الطاهر محمد عبد الله فى 30 أبريل 1938 بقرية الكرنك - مركز الأقصر بمحافظة قنا ، وكان أبوه شيخاً معمماً يقوم بالتدريس فى إحدى المدارس بالقرية .

    * ماتت أمه وهو صغير فربته خالته التى أصبحت استمراراً لأعراف مورثة زوجة لأبيه فيما بعد . وله من الإخوة والأخوات - الأشقاء وغير الأشقاء ثمانية هو الثانى فى الترتيب .

    * تلقى تعليمه بالكرنك حتى حصل على دبلوم الزراعة المتوسطة وعمل بوزارة الزراعة فترة قصيرة ثم انتقل إلى مدينة قنا عام 1959 وهناك التقى بالشاعرين عبد الرحمن الأبنودى وأمل دنقل فامتدت علاقتهما فى رحلة صداقة طويلة .

    * كان يحيى الطاهر شغوفاً بكتابات العقاد والمازنى وكان الأبنودى مهتماً بالموروث الشعبى العامى أما أمل دنقل فكان اهتمامه بالموروث العربى الفصيح ، وفى ذلك الوقت لم يكن يحيى الطاهر قد مارس أى شكل من أشكال الكتابة ، وبعد فترة من هذا اللقاء نظم الثلاثة أمسية أدبية ثابتة فى الجامعة الشعبية (قصور الثقافة حالياً) .

    * فى عام 1961 كتب يحيى الطاهر أولى قصصه القصيرة (محبوب الشمس) وأعقبها بقصة جبل الشاى الأخضر .

    * فى نهاية 1961 انتقل الأبنودى إلى القاهرة وانتقل أمل دنقل إلى الإسكندرية بينما ظل يحيى الطاهر مقيماً مع أسرة الأبنودى فى قنا لمدة عامين .

    * فى عام 1964 لحق يحيى الطاهر بالأبنودى فى القاهرة وأقام معه فى شقة بحى بولاق الدكرور حيث كتب بقية قصص مجموعته الأولى « ثلاث شجرات كبيرة تثمر برتقالاً » .

    * بدأ يحيى الطاهر يتردد على المقاهى والمنتديات الثقافية وعرف كظاهرة فنية متميزة حيث كان يلقى قصصه التى كان يحفظها بذاكرة قوية إلى حد الغرابة ودنما اعتماد على أية أوراق ، وكان يحيى الطاهر يرى فى ذلك محاولة لتقريب المسافة بين كاتب القصة والرواة الشعبيين.

    * قدمه يوسف إدريس فى مجلة «الكاتب» كما قدمه عبد الفتاح الجمل فى الملحق الأدبى بجريدة المساء وسرعان ما احتل مكانته كواحد من أهم وأبرز كتاب القصة والروائيين المصريين الذين عرفوا بجيل أدباء الستينيات .

    * فى أكتوبر 1966 صدر أمر باعتقال يحيى الطاهر ضمن مجموعة من الكتاب والفنانين فهرب لفترة ثم قبض عليه وأطلق سراحه فى أبريل 1967 .

    *تزوج يحيى الطاهر عبد الله فى مارس 1975 وأنجب بنتين هما«أسماء » و«هالة » وابناً سماه «محمد» ، توفى بعد ميلاده بفترة قصيرة

    * ترجمت له أعمال كثيرة إلى لغات مختلفة

    * لم ينشر له فى حياته سوى حوار صحفى وحيد أجراه معه سمير غريب ونشر فى العدد الثالث من مجلة خطوة فى 1982 .

    * صدر عن أعماله القصصية كتاب نقدى وحيد هو «شجو الطائر .. شدو السرب» لصديقه الدكتور حسين حمودة عام 1996 عن هيئة قصور الثقافة .

    * كتب يحيى الطاهر عبد الله فى بداية حياته بعض القصص والسيناريوهات لمجلة الأطفال المتخصصة «سمير» .

    * تعتبر قصة «الرسول» آخر ما كتبه يحيى الطاهر إذ كتبها فى الأيام الأولى من شهر أبريل 1981 .

    * توفى يحيى الطاهر عبد الله فى حادث سيارة على طريق القاهرة - الواحات ، يوم الخميس 9 أبريل 1981 ودفن فى قريته الكرنك .


    أعماله الأدبية :

    - ثلاث شجرات كبيرة تثمر برتقالاً - 1970 .

    - الدف والصندوق - 1974 .

    - أنا وهى وزهور العالم - 1977 .

    - حكايات للأمير حتى ينام - 1978 .

    - الطوق والأسورة - 1975 .

    - الحقائق القديمة صالحة لإثارة الدهشة - 1977 .

    - تصاوير من التراب والماء والشمس- 1981 .

    - الرقصة المباحة (مجموعة قصصية ، كان يحيى قد أعدها للنشر فى مجموعة قبل وفاته ).

    - حكاية على لسان كلب .

    مصدر : الثقافة الجديدة ( المصرية ) ، العدد 178 ، مايو 2005.
    محمد عبد الله الهادي18-05-2005, 12:29 am
    شكراً أخي العزيز سمير
    أحببت يحيى الطاهر وقرأته في بداياتي ، رحل مبكراً في حادث سيارة ، فكتبت قصة بعنوان ( الصباح رباح ) علي غرار طريقته في قصته ( حكاية علي لسان كلب ) .. أهديتها لروحه .. وفازت القصة بجوائز.. وأكملتها بجزء أخير وأسميتها ( الدنيا سيرك كبير ) ..
    لو نوه إخواننا في الثقافة الجديدة عن ملف عنه لأرسلتها إليهم ..
    القصة هاهي .. ولتكن عودة واستعادة ليحيى ..
    قصة
    الدنيا سيرك كبير
    بقلم
    محمد عبد الله الهادي
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    مفتتح :
    " لعقتُ الدورق الكبير الذي يطفح منه اللبن الدافئ ـ لتهدأ أعصابي الثائرة ، ونظرتُ إلي المرآة ـ وأنا أكلم خيـالي : قل لي يا خيـالي : خيال من أنت .. خيال ميزو أم خيال محفوظ ؟! "
    { يحيى الطاهر عبد الله في حكاية علي لسان كلب }
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    " دنـــيا "
    ــــــــــــــــــــــــ
    1 ـ فرفور
    أنا فرفور .. أنا جحش وابن حمار ، أمي تناديني بـ " فرفر " ، وقصة قدومي إلي ظهر البسيطة قصتها أمي لي :
    ـ " أبوك هو حمار العمدة .. أنت صورة منه يا فرفر .. في يوم ربيعي أسلمتُ لأبيك نفسي عندما رغبني وأودعك أحشائي وحملتك في بطني .. عند قدومك يا فرفر فرح صاحبنا فرحاً عظيماً .. صاحبنا فلاَّح فقير والعمدة صاحب أبيك رجلٌ غني .. أنا وصاحبنا نشقى أجراء في الأرض وأبوك لا يتعب مع العمدة الذي لا يعمل .. صاحبنا لا يملك الأرض فيرضى بالقليل والعمدة صاحب أبيك لا يقنع بالكثير ..
    يا فرفر : صاحبنا أحب شقاوتك وهو الذي اسماك فرفور " .
    قلت لأمي :
    ـ " لكني أريد أن أرى أبي يا أمي " .
    قالت :
    ـ " أبوك يحمل العمدة فقط للأفراح أو المآتم أو الأسواق " .

    2 ـ أبــي
    في عز الظهر القاسي كان الطريق الترابي مغبراً ، الشمس الكبيرة تحلب الحر والصهد والشعاع الأصفر ، أشعر بالضيق وأنا أمضي خلف أمي يمتطيها صاحبنا ، جلباب صاحبنا الكتَّان مصبوغ بلون النيلة الأزرق الكالح ، ويقي رأسه الصغير بمنديل عريض " محلاَّوي " ، أمي تعرف الأصول لمَّا سارت بمحاذاة الطريق تحت ظلال الكازورينا والكافور ، غمزت أمي بعينها وقالت بلسانها :
    ـ " أبوك قادم يا فرفر " .
    قفز صاحبنا للأرض لمَّا رأى أبي قادماً يحمل العمدة بملابسه الزاهية ..
    حزنتُ لمَّا رأيته يحني رأسه ويميل علي يد العمدة بشفتيه والتي سحبها مستغفراً ، لكني فرحتُ لمَّا رأيت أبي يشمخ برأسه للسماء ، لون شعره بني مثل لون شعري ، أبي بلونه البني يبدو فتياً بعكس أمي التي كانت تبدو عجوزاً وأحزنني أن أراها تطأطأ رأسها للأرض ، دنوتُ من أبي ، شممته ، أحسستُ بشفتيه وأنفاسه تمسح ظهري ، كان صاحبنا منهمكاً في حديث مع العمدة عندما نهرني وأبعدني عن أبي ،طيبتْ أمي خاطري ولعقتْ شعري الناعم بلسانها وأعطتني أثداءها الوفيرة ..
    كان لقائي بأبي مفعماً بشعور يتأرجح ما بين الحزن والفرح ، لقد أدركتُ أن عينيه وقلبه معي .
    * * *
    " مسرى اللعين "
    ــــــ
    1 ـ مـرض
    لمَّا حلَّ شهر " مسرى " اللعين مرضتْ أمي مرضاً شديداً ، ظللتُ بجوارها عندما رفض صاحبنا النطع أن يحضر البيطار ، أتتْ زوجته بمسمار " حدادي " له رأس كبير ، دفنته في الجمرات الملتهبة ، تشاءمتُ عندما أمسك صاحبنا المسمار بخلقة قديمة ، وبرأسه المتوهج رسم علي ظهر أمي " رجل غراب " ، أناخت أمي للأرض ، أنَّتْ أنيناً أوجع قلبي ، نامتْ .

    2 ـ لــص
    لم تذق عيناي طعم النوم طوال الليل ، كان تفكيري يتراوح ما بين أمي وصاحبنا تارةً ، وأبي والعمدة تارةً أخرى ..
    تحت جنح الظلام قفز الرجل سور الحظيرة الواطئ والمكشوف ، أقبل ناحيتنا ومدَّ يده نحو مقود أمي ، حدقتً في وجهه الغريب ، أدركتُ أنه لص فصرخت وعضضتُ يده الآثمة فولَّى مدبراً ، لكن أمي المريضة لم تحرك ساكناً .

    3 ـ رحيـل
    في الصباح رحلت روح أمي من عالم الباطل إلي عالم الحق ، بكيتها بحـر الدمع وفيما تفيد الدموع ؟ ، سحلها أولاد صاحبنا إلي التلال البعيدة وأنا خلفها أبكي ..
    " الغرابلي " : صانع المنخل والغربال شحذ مشرطه اللامع علي الحجر الصوان وراح يعمله في جلدها الذي يبتغيه ، حزنتُ ونهقتُ في وجه الكلاب أبناء الكلاب الذين كانوا يتقافزون بسعادة ويسنون أسنانهم وينتظرون ، لمَّا رأيت " غراب البين " يحجل رجليه بالقرب مني قلت في نفسي : هذه أيام شؤم وطالعها أسود ..
    وكانت الحدأة .. وكان الصقر الجارح .. يحومان في الأفق بعيداً ويقبلان .

    4 ـ الصبر والسلوان
    عدتُ وأنا أتمتم : عزائي يا أمي أنني سأذكرك وأرى طيفك مع كل هزة غربال أو منخل في أيدي الفلاَّحات في صحون الدور أو علي المصاطب أو في ساحات الأجران .

    * * *
    " أمور جديدة "
    ــــــ
    1ـ الهروب الأول
    امتطى صاحبي ظهري ليعلمني الخطو المنتظم بين المسالك والدروب لأحل محل أمي الراحلة ، كان يوجهني بعصا قصيرة ، قلت : " العيش معك حرام أيها النطع " ، رفعتُ قدميَّ الأماميتين في الهواء ثم قفزت عالياً وأطحتُ به أرضاً وفررت هارباً ..

    2 ـ مناقشة وقرار
    كان أبي تحت النخلة الحياني للعمدة وأمامه مزود يمتلئ بالتبن والفول ودلو كبير يطفح بالماء ، قال أبي بلهجة ناصحة :
    ـ " عُدْ إلي صاحبك يا فرفر ، لا تكن طائشاً ، نحن لم نخلق سوى للعمل والصبر " .
    صحتُ في وجهه :
    ـ " لستُ طائشاً يا أبي .. لكني أرى في بني قومي " العبط " والغباء .. كيف ترضون حياة الذل والهوان يا أبي ؟ " .
    قال أبي بلهجة تحذيرية :
    ـ " اليوم هو سوق القرية .. لو رآك رجال " الشفاخانة " لن يتركوك يا ولدى " .
    قلتُ بلا مبالاة وقد جاءتني الفكرة :
    ـ " شكراً يا أبي .. سأذهب إليهم بنفسي ولن أرجع للنطع مرة أخرى .

    3 ـ رحيـل
    تصنعتُ المرض ، سعلتً مراراً ، بصقتً ، دفعني رجال " الشفاخانة " داخل العربة الكبيرة بين أقراني ، ضحكتُ لمَّا رأيتُ صاحبي يضرب كفَّا بكف والعربة تمضي مسرعة صوب المدينة ، علي الطريق كان التعارف مع أقراني سريعاً ، لمَّا كان البغل أكبرنا حجماً فقد بايعناه قائداً لنا نجتمع حول كلمته في الرحلة المجهولة .

    * * *
    دار الشفاء " الشفاخانة "
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    1 ـ عناية
    الإسطبلات واسعة ، الحيوانات كثيرة علي كل شكل ولون ، العناية مركزة من البيطريين المهرة والممرضين الأشداء ، جاء دوري فوضعوا عصا قصيرة بين فكيَّ ، فحصوا أسناني وجسُّوا جسمي وأنا مقيد تماماً ، رشقوا سائل الحقنة في كفلي ، أغرقوا جسدي بسائل لبني له رائحة نفاذة ، وأخيراً فكوا قيدي وقدموا لي الطعام والشراب .

    2 ـ ليلة التسليم
    قالت حمارة عجوز سوداء :
    ـ " صاحبي لا يرحم شيخوختي فأنا أعمل ليلاً ونهاراً " .
    وقال حمار حصاوي :
    ـ " لا يهمني جهد العمل .. مشكلتي قلة الطعام والضرب بلا مبرر " .
    بكتْ حمارة أخرى وقالت بخجل :
    ـ " ابن صاحبي غير متزوج .. جلف مثل أبيه ، يرفع ذيلي في الظلام ويواقعني رغم أنفي".
    تعجبتُ من قائدنا البغل الذي قهقه ضاحكاً حتى بانتْ نواجذه ، فقلتُ :
    ـ " ماتت أمي وصاحبي لم يعتن بها في مرضها " .
    كان البغل ما زال يسمع ويفتح فمه بابتسامة بلهاء أغاظتني ، قلت له :
    ـ " ما رأيك يا قائدنا .. يا كبيرنا .. يا حكيمنا ؟ " .
    نظر نحوي بسذاجة ، ضرب حافره في الأرض ، قال :
    ـ " لكم الجنَّة معشر الحمير .. هذه حياتكم .. هذا قدركم ! " .
    قلت في سري :
    ـ بغلٌ وأمك حمارة عرجاء " .
    وانتحيت بباقي المجموعة نتدبر الأمـر .

    3 ـ الهروب الثاني
    لمَّا رأيت صاحبي واقفاً مع الآخرين في انتظار تسلم حيواناتهم ، نفر الدم في عروقي فنهقتُ معطياً الإشارة المتفق عليها ، صرخ الجميع وهاجتْ معاشر الحمير في ثورة عارمة ، تقطع القيود وتتخلص منها ، ترفس وتركل وتعض ، تصدر نهيقاً مدوياً يشق عنان السماء . جرى الأطباء وانزوى الممرضون في الأركان وتفرق الجمع ، اختلط الحابل بالنابل عندما انطلقنا كل في اتجاه ، الوحيد الذي لم يتحرك كان البغل فقلت : بغل وابن عرجاء ، نجحت خطتي الثورية وانجلى ليل الذل وكُسرت قُيود الهوان في هروب جماعي من قيود الأسر .

    * * *
    " عالم الحريَّة ـ ما أحلاه "
    ما أروع عالم الأحرار وأنا أسرح بلا قيود في شوارع المدينة البعيدة ، أشم نسيم الحرية وأمتع عيني بالنظر للمعروضات خلف زجاج " الفترينات " ، لخلق الله من كل لون وكل ملَّة ، المركبات التي تروح وتجئ بكافة الأحجام والألوان ، تمنيتُ أن يمنحني الله جناحين لأجوب الأفق مسافراً وأرى هذا الكون البديع ، ظللت أمشي وأمشي وأمشي ، من شارع إلي حارة إلي زقاق حتى هدَّني التعب ، عند طرف المدينة ملتُ بجوار أحد المنازل وغفوتُ .

    " اللص مرة أخرى "
    أفقتُ علي يد تهزني وتجذب حبلاً حول رقبتي ، عرفته : كان اللص نفسه مرة أخرى ، قلت لنفسي : كمن يستجير من الرمضاء بالنار جئتك أيها اللص ، والمكتوب ليس منه هروب .

    * * *
    " حياة الليل والسهر والشهرة "
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    " أ " السـيرك
    ساوم اللص علي ثمني مع صاحب السيرك الذي اشتراني طعاماً من أجل أسوده ونموره ، ندبتُ حظي وقلت الهلاك قادم لا محالة ، لكني تبينت الفرج كضوء الصبح ينبلج من ظلمة الليل ، عندما رآني المهرج وتوسم في وجهي نباهة وقال : " اختبره " فقلتُ : " إني لها " ..
    وقفتُ علي رِجليَّ الخلفيتين ، هززتُ ذيلي تارة لليمين وأخرى للشمال ، لعبتُ أذنيَّ ، أغمضتُ عينيَّ ثم فتحتها .. لكني لم أفتح فمي ، قال المهرج لصاحب السيرك :
    " فرفور هو المطلوب " .

    " ب " صرتُ نجــماً
    ـ 1 ـ
    في المساء أدخل الحلبة مسرعاُ ، أجري علي محيط دائرة حول صديقي المهرج الذي يصبغ وجهه وملابسه بألوان صارخة ، أحبائي الأطفال يصيحون : " فرفور .. فرفور .. فرفور " ، يمتطي المهرج ظهري بخفة وأنا أجري ، تطير ملابسه الملونة في الهواء ، يضحك الأطفال وهم يصيحون باستجداء : " فرفور .. فرفور .. فرفور " ، ينتظرون مني ـ بفارغ صبر ـ أن أرفع قدميَّ في الهواء ليسقط المهرج أرضاً وليغرقوا هم في ضحك متواصل لا ينقطع .

    ـ 2 ـ
    طاب العيش ، أحببتُ الشهرة ، أدمنتُ السهر ، الأطفال يعشقونني ، يحتفظون بصوري التذكارية معهم موقعاً عليها بحافري ، السائس يقدم لي البرسيم الأخضر صباحاً والفول المدشوش مساءاً مع اللبن والماء ، صديقي المهرج يلف يده حول عنقي في صورة كبيرة تتصدر واجهة السيرك ، صار اسمي مع صورتي " ماركة مسجلة " فوق لعب الأطفال ، وجهي المبتسم مرسوم علي قمصانهم وسراويلهم وفوق زجاج السيارات ، صنعوا لي التماثيل من الحلوى والجص والطين الصلصال ، أقيم الآن في مسكن خاص مزود بكافة الضروريات والكماليات .

    ج ـ أنا ابن أبي
    أطلب من السائس أن يأخذني ـ بين الحين والآخر ـ إلي حظيرة الحمير التي تنتظر الذبح من أجل وحوش السيرك ، أنتقي أنثى تروق لي وترافقني ليلة أو ليلتين ثم أتركها لمصيرها وأنساها ، أنا ابن أبي ، لقد غلفت حياة الليل قلبي بغلالة من حديد .

    * * *
    " دوام الحال من المحال "
    ـــــــــ
    1 ـ سياسة .. لعنها الله
    هاجتْ المدينة وماجتْ ، الانتخابات علي الأبواب ، صفق صاحب السيرك وهلل وألقى المفاجأة :
    ـ " حزب الحكومة اختار الأسد شعاراً له .. وحزب المعارضة اختار فرفوراً شعاراً له " .
    قلت له :
    ـ " لا جديد تحت الشمس فأنا أصلاً معارض قديم .. ورحم الله أيام صاحبي النطع " .

    2ـ مناظـرة
    أمام كاميرات التليفزيون الملون قال الأسد وهو يزأر :
    ـ " أنا الملك .. أنا الحكومة .. أنا القوَّة .. انتخبونا أيها السادة وأيتها السيدات .
    قلتُ بتواضع :
    ـ " أيها الشعب .. نحن ممثلوكم الشرفاء .. نحن الذين نعمل بصبر وأناة ولا ننتظر جزاءاً إلاَّ من الله " .
    زأر الأسد ساخراً ، أردفتُ بلسان فصيح :
    ـ " الأسود ينامون .. لا يعملون .. هم عالة علي المجتمع " .
    قال الأسد غاضباً :
    ـ " أنا السيِّد .. نحن السَّادة " .
    قلتُ :
    ـ " انتهى عصر السادة ومضى زمن العبـيد " .
    وصرختُ بأعلى صوتي :
    ـ " يحيا الشعب .. يحيا الشعب " .
    نظر الأسد نحوي غاضباً وكشَّر عن أنيابه وزأر زئيراً مخيــفاً ، لكني أخرجتُ له لساني ولعبتُ أذنيّ وهززتُ ذيلي وقلتُ :
    ـ " طـــز "
    جرتْ المناظرة الانتخابية علي كل لسان في المدينة .

    2 ـ مؤامـرة
    المؤامرة : شممتُ رائحتها بأنفي ورأيتها بعيني وسمعتها بأذني ..
    ثأثأ وفأفأ صديقي المهرج بلسان الخوف :
    ـ " فرفور كبر وخرف وشاخ .. فرفور غير قادر علي أداء النمرة .. سأستبدله بمعزة " .
    قال صاحب السيرك :
    ـ " ما أكثر الحمير .. الباب الذي يأتي منه الريح .. سدُّه واستريح " .
    قال مدرب الأسود بخيلاء :
    ـ " السيرك هو الأسد والأسد هو السيرك " .
    بعيني رأيت صورتي تنزل من واجهة السيرك ، بعيني رأيت اسمي يُشطب من فقرات " البروجرام " .

    4 ـ الصباح ربــاح
    من مقامي المريح إلي حظيرة الحمير أنزلني صاحب السيرك انتظاراً للذبح من أجل عيون الأسود ، كنت ما زلت مذهولاً من هول المفاجأة وشارداً عندما رفسني أحدهم بغلظة ، انتبهتُ وعرفته : إنه البغل ابن العرجاء ، قلتُ بدهشة :
    ـ " أنت مرة أخرى " .
    قال :
    ـ " باعني صاحبي للسيرك فلم أعد قادراً علي العمل " .
    ـ " وماذا أنت فاعل ؟ " .
    ـ " هذا حال الدنيا فالكل إلي زوال " .
    لم أحتمله هذه المرة ، صرختُ في وجهه :
    ـ " اصمت أيها البغل .. يا ابن العرجاء " .
    ضحك ساخراً مني وانكمش بعيداً ينظر نحوي في بلاهة ، لكنني تبينتُ أن لسان حاله يخاطبني قائلاً :
    " ماذا ستفعل هذه المرَّة يا فرفور ؟ .. أنت مُحاط بأسوار عالية وقيود وحرَّاس .. ليس معك سوى عجزة الحمير ومرضاهم .. هل تنتظر النهاية المحتومة ؟ .. عينا الأسد تحدقان فيك من وراء القضبان ولا تناما .. إنه ينتظر ليشفي غليله عندما ينهش لحمك ويمزقه بأنياب من حديد .. " .
    هززتُ رأسي أنفض عنها الوساوس والأفكار السوداء وخاطبتُ داخلي :
    " لماذا لا أنام الآن والصباح رباح ؟ .. والصباح رباح .. رباح .. رباح ..

    * * *
    " اللهم اجعله خيراً "
    ـــــــ
    1 ـ غفـوة
    .. أمي تموت وصاحبي لا يحرك ساكناً .. أمي تستغيث .. تناديني بصوتها الذي يقطر لوعة فيتقطع فؤادي .. صوتها ينسحب رويداً رويداً : " فرفور أنقذني .. فرفور أنقذني " .. العجز يكبلني ولا أدري كنهه .. كلما هممتُ بالتدخل لأحول بينها وبين الموت عجزتُ .. أطرافي لا تتحرك وكأنها مثبتة بأثقال من حديد .. أمي تموت وصاحبي يلقيها للكلاب أبناء الكلاب .. صارت أمي وليمة فصارت شمس النهار في عيني سوداء ..

    2 ـ لعبة الموت
    .. فجأة كانوا حولي في دائرة .. أبي تلومني عيناه بينما قلبه يتحسر عليَّ .. البغل ابن العرجاء تستفزني بلاهته .. صاحبي قاتل أمي .. اللص وصاحب السيرك والمهرج صديقي الخائن .. يحيطونني في حلقة جهنمية محكمة الحصار .. الأسد يطاردني بلا هوادة .. يلاعبني لعبة الموت .. لا فكاك .. بقفزة واحدة لو أراد يكون فوقي لينهش لحمي بمخالبه وأنيابه .. أهو يسليهم أم يسلي نفسه ؟ .. أيلعب معي لعبة " حاوريني يا طيطه " أم أنها لعبة الموت ؟ .. يتلمظ ويتناثر لعابه كأنني قطعة حلوى في يدي طفل يستعذب حلاوتها .. كلما دنا مني فررتُ من جهة إلي أخرى .. هم يسدون المنافذ .. أعرف أنها حلاوة الروح التي تتشبث بالحياة قبل العـدم ..

    3 ـ صحـوة
    .. كدتُ أموت في جلدي عندما لمسني في قفزة فكاد يقضي عليَّ .. لعبة الموت مستمرة .. هم يتفرجون ويهللون .. الأسد في قمة انبساطه .. مع كل اقتراب منه وقفزة هروب مني يذكرني بالمناظرة إياها .. يتهكم باللوم والتوبيخ والسؤال الاستنكاري :
    " أنا عالة علي المجتمع ؟! .. الأسود ينامون ؟! .. انتهى عصر السادة ؟! " ..
    يبدو أنه قد ملَّ اللعبة .. أُدرك هذا من نظرة عينيه وهو يقفز نحوي قفزته الأخيرة .. قفزة هائلة حمَّلها كل غضبه وقوته .. علا عالياً ثم هبط نحوي كمصارع هائل يريد إنهاء الجولة بتثبيت الأكتاف .. قبل أن يهوي فوقي صرختُ بأعلى صوتي ولمحتُ وجهاً مألوفاً يشق صفوفهم نحوي .. من هو ؟ .. لم تسعفني اللحظة القاتلة بالتذكر .. سحبني في سرعة البرق من تحت الأسد الذي هوى علي الأرض يصرخ متألماً .. حدث هذا في لمح البصر .. فصحوت ..

    الهروب الثالث
    ـ 1 ـ
    صحوتُ علي صوتي المنفلت والحيوانات الفزعة حولي ، عيناي تتآلفان مع المرئيات ، البغل يسألني :
    ـ ما بك ؟ .. هل تحلم حلماً مزعجاً ؟ " .
    يشد انتباهنا الحائط الخشبي الذي يحيط بنا وهو يتململ من موضعه ، ماذا يحدث يا ربي بالخارج ؟ ، فجأة سقط الحائط فوق رأس البغل فخر ساقطاً ، ورأيته مقبلاً نحوي ، نفس الوجه المألوف الذي حلمتُ به ، لكنني الآن عرفته ، إنه : " الحمار الحصاوي " الذي عرفته من قبل في " الشفاخانة " ، الذي قاد معي ثورة الهروب الجماعي من قيود الأسر ، كان يجذبني وهو عجول ويهمس لي :
    ـ " هيا .. هيا قبل أن ينتبهوا .. هيا .. " .
    رحتُ أعدو خلفه وأنا غير مصدق ، كان يعدو ويحثني وأنا أجاهد بالجري وراءه ، ننعطف من شارع لآخر ، الدموع تتساقط من عيني ، ونفسي تحادث نفسي متسائلة : هل ما زلت أحلم أم أنني أعدو في اليقظة والصحو وأتحرر ؟ ، الدموع تتبعثر فوق الأرض ..
    لقد أرهقتني الأحداث فلم أعد قادراً علي التمييز بين الحلم والحقيقة .

    ـ 2 ـ
    كنا قد خلفنا المدينة بأضوائها وصخبها وخرجنا إلي طريق يخترق الحقول ، هدأنا قليلاً ورحنا نمشي بتؤدة بعدما أحسسنا بالآمان ، نلتقط ما تبعثر من أنفاسنا المتعبة ، كان صديقي الحصاوي يحدثني وأنا غير مصدق ، جاءني صوته في هدأة الليل كأنه صوت كروان يصدح :
    ـ " لقد سمعت بمناظرتك للأسد يا سيدي .. إنني معجب علي نحو خاص بتجربتك الثرية ، بل إنني أعتبرك مثلي الأعلى في الإقدام واقتحام المجهول .. لم يكن ليرتاح ضميري يا سيدي أن أتركك لهم .. نهباً لمؤامراتهم .. لقد كانوا ينوون القضاء عليك لا محالة .. لقد عتَّموا علي أخبارك في الصحف المحلية .. لكنني سمعتُ بها في الإذاعات الأجنبية .. لهذا فكرت ونفذت .. تركت الوسيَّة في أول الليل دون أن يشعر أحد بي واتجهت للمدينة صوب السيرك .. هانحن قد نجحنا أخيراً .. حمداً لله علي سلامتك سيدي فرفور " .
    استمع إليه صامتاً ، تمنيت أن يعضني الحصاوي أو يركلني حتى أتأكد أنني لست نائماً ، لكنه لم يفعل وهو يواصل :
    ـ " لماذا أنت صامت يا سيدي ؟ .. هل تشعر بالتعب أو وعكة بسبب ما بذلناه من جهد ؟ .. لا عليك يا سيدي لقد اقتربنا وسنستريح " .
    كنت آنئذ أخاطب داخلي :
    " لقد تحول نصف حلمي إلي حقيقة " .

    ـ 3 ـ
    جلسنا بجوار قناة ، أرتشف الماء الزلال وأرتوي ، أنظر للسماء مبهوراً ، الليل يؤذن بالرحيل ، نجمة وحيدة في ركن السماء ، افتح صدري وأستقبل أريج النوَّار في الحقول ، يصافح سمعي أصوات حيوان الليل ، انبلج نور الفجر ، تبينت وجه صديقي المخلص الحصاوي ، كافور عملاق ونخيل باسق وصفصافات متهدلات الأغصان ، حقول ممتدة علي مدد الشوف ، طيور تستيقظ من أعشاشها ساعية لأرزاقها ، آخذ نفساً عميقاً من الهواء النقي المندَّى ، أخذتني ذاكرتي لأيامي الخوالي حيث أمي وصاحبنا وأبي والعمدة وقريتنا الجميلة ، هل كنت علي صواب في هروبي الأول من القرية إلي المدينة ؟ ، خرجتُ مؤملاً بالأماني العظام لكنني لم أحصد سوى الرياح ، رحت أعزِّي نفسي قائلاً لها : إن شجرة " يا ليت " لا تثمر بتاتاً ، وقلت لها أيضاً إن هذا هو قدري وذاك هو نصيبي ، كنت أحدق مبهوراً في جمال الطبيعة الساحرة عندما أخرجني الحصاوي من شرودي :
    ـ " هل أنت بخير يا سيدي فرفور ؟ " .
    قلت له :
    ـ " نعم .. ولكن دعك من سيدي هذه .. أنت أخي وصديقي المخلص .. لقد أنقذت حياتي" .
    قال لي :
    ـ " لقد أنقذت أنت يا سيدي حياتي من قبل وأنا مدين لك " .
    قلت وأنا أشيح بوجهي عنه :
    ـ " أوه .. سيدي مرة أخرى ! أنا جائع يا صديقي " .
    نهق ضاحكاً وهو يقول :
    ـ " أنت الآن في الوسية يا سيدي " .
    وأشار لحقل البرسيم فاندفعت نحوه ، برسيم الصبح أحسسته في فمي أجمل طعام الدنيا .

    * * *
    الوسـيَّة
    ــــــ
    1 ـ زواج
    أحواش وإسطبلات ومزارع ، حيوانات من كل جنس ولون ، قصر كبير وباشا له كرش وفلاحون فقراء أجراء ذكروني بصاحبي القديم ، تهت في هذه المتاهة ، العمل في الوسيَّة لا أعرف بدايته من نهايته ، أعمال كثيرة تصب في مجاري صغيرة ، تتجمع بدورها في مجرى أكبر ينتهي مصبه في كرش الباشا ، نفترق ـ أنا وصديقي الحصاوي ـ في الصباح ونلتقي في المساء ، هذا يحمل العلف وذاك يذهب للحقول وآخر يجر العربات وهكذا ..
    ذات مساء ، لاحظ صديقي شرودي فسألني ، صارحت بالقول :
    ـ " العمر يجري سريعاً وأنا لم أعقب لي ولداً حتى الآن .. ولداً يحمل اسمي ويكون امتداداً لحياتي .. علاقاتي بالجنس الآخر كلها علاقات عابرة .. صخب ومجون .. لم أتزوج حتى الآن وأعتقد أن الوقت قد حان " .
    ضحك الحصاوي وفهم مقصدي ، لكزني بحافره وغمز لي بعينه وأشار ناحية الركن ، كانت حمارة بيضاء وشابة لم انتبه لوجودها من قبل ، أحببتها من أول نظرة ، تابعتها كظلها في الغدو والرواح حتى اطمأنت لي وأحبتني ، وفي يوم ربيعي ، وفي حقل برسيم ، أسلمتْ لي نفسها فأودعته أحشاءها .

    2 ـ صرتُ أبـاً
    جاء ابني للدنيا وقد أخذ من أمه لونها الأبيض ومني شقاوتي وعفرتتي ، أسميته " فرفور الصغير " أحبه الكل وهو يتدلل عليهم جميعاً ، قلتُ لنفسي : هو " ابن عِـز " ، جاء ميلاده في وسيَّة وليس في كوخ فقـير ، رحتُ أعلمه وأمنحه خبرتي وتجاربي في الدنيا ، وراح هو يكبر أمام عينيَّ وأنا أحوطه برعايتي .
    لكن لأن دوام الحال من المحال فقد تغيرت الدنيا فجأة ما بين عشية وضحاها ، اندلعت في البلاد ثورة كبرى غيرتْ كل الأوضاع ، لم تعد المدينة ملكية ، صارت جمهورية ، ولأن كل الأشياء تغيرتْ فقد جاء الوقت علي الوسيَّة ، تفتتْ بقوانين قيل أنها اشتراكية ، ولم يعد الباشا باشا ولا لكرشه وجود .
    كنت أسأل نفسي : هل تحقق النصف الآخر من حلمي أم لا ؟! .

    3ـ مـزاد
    " آلا أونا .. آلا دو .. آلا تري " ..
    هزَّ الخبير المثمن جرسه فصلصل وهو يصيح :
    " آلا أونا .. آلا دو .. آلا تري " ..
    كانت دموعنا تتساقط حزناً ، الدنيا دنيا الفراق كما قالوا ، هاهو المزاد يُفتح ، هانحن نُباع لمن يدفع أكثر ..
    " آلا أونا .. آلا دو .. آلا تري " ..
    عندما أشارا لـ " فرفور الصغير " ورسا المزاد عليهما ، عرفتُ واحداً منهما : صديقي المهرج ، معه رجل آخر لا أعرفه قيل أنه : مدير السيرك الجديد بعد تأميمه ..
    فرفور يا ولدي الصغير هل ستعيد سيرتي الأولى مرَّة أخرى ؟ ..
    فرفور يودعنا بالبكاء ويمضي معهما ، حمدت الله أن المهرج لم يعرفني فلابد وأنني قد تغيرتُ كثيراً ، لكنه يذكرني من خلال ولدي الصغير ، أمَّا صديقي الحصاوي فقد اشتراه رجل غني من أثرياء العصر الجديد ، وبيعت الحيوانات الأخرى ولم يبق إلاَّ سوانا : أنا وزوجتي الحمارة البيضاء ، رسا مزادنا علي مندوب مجلس المدينة بأبخث الأثمان ..
    هكذا افترقنا كل في طريق ، وكل الطرق انتهتْ عند المدينة ، حمدنا الله أننا لم نبتعد كثيراً .
    في مجلس المدينة تم تسجيلنا في الدفاتر الرسمية ، صار لكل منا ملف يحمل الاسم والعمر والدرجة المالية والعمل المكلف به حسب اللوائح والقوانين ، صرنا موظفي حكومة والحمد لله الذي لا يُحمد علي مكروه سواه .

    * * *
    " موظفون في الأرض "
    ـــــــ
    خُصص لكل منَّا " عربة كسح مجاري " لكسح المجاري ، نجرها في أوقات العمل الرسمية للأماكن التي لم يدخلها الصرف الصحي بعد ، عمل وضيع لاشك في هذا ، لكن ما باليد حيلة كما يقول المثل ، ماسح الأحذية ـ مثلاً ـ ينحني علي أحذية القوم ينظفها ويلمعها لهم مقابل قروش قليلة ، فليكن ، نحن ـ أيضاً ـ ننحني خلفهم لننظف ما تجود به مؤخراتهم ، قائد عربتي كأنه " رومل " في زمانه ، متجهم دائماً ومكتئب ، كأنه غير راضٍ مثلي عن عمله ، يُفرغ شحنات همومه فيَّ بالطبع فيلهب بسوطه ظهري وهو يتنقل من مجرور إلي آخر ، هكذا الأمر من الصباح إلي آخر النهار ، عمل لا يكف وكأن الناس تأكل آخر زادها ، نكسح المجرور ونخرج من المدينة لنتخلص من حمولتنا في أحد المصارف أو الأنهار البعيدة ، أحياناً يكثر العمل فأشقى أنا ويسعد هو بـ " البقشيش " الذي يحصل عليه ، آنئذ ، يعطي لذمته إجازة فلا ينظف الخزانات تنظيفاً جيداً ، ولا يبعد كثيراً عن المدينة مكتفياً بإلقاء الحمولة في مكان مهجور أو علي جانب الطريق ، المهم لديه أن يتخلص منها بسرعة ثم يسرع بالعودة قبل أن ترصده العيون ، كما إنه رجل "طِفس " ، أي يستكثر عليَّ نعمة الوظيفة ، فهو يعرف أن الموظف المختص بنا يسرق نصف العلف المخصص لنا ، ويأتي هو ليسرق نصف النصف ، فلا يتبقى سوى القليل من الطعام الذي يقيم بالكاد أودنا ، شكوتُ لزوجتي الحمارة البيضاء منه في مرَّة فعرفتُ أن الحال من بعضه ، بل ربما كان حالها أسوأ ، قالت بصوتٍ كسير :
    ـ " تقدم العمر يا فرفور .. لمن نلجأ ؟ .. لنحمد الله إننا موظفان وعلي درجة " .
    رضيتُ بواقع الحال ، لم يكن هناك ما يرطب حياتي الجافة إلاَّ سماعي بأنباء نجاح فرفور الصغير في عالم السيرك .

    * * *
    ربَّ صـدفة
    ـــ
    كانت مصادفةً عجيبةً حقاً تلك التي جمعتْ بيننا ، التقينا جميعاً مرَّة أخرى بلا ميعاد ، أنا وزوجتي نجر عربتي الكسح لننزح مجرور السيرك ، ولدي فرفور والسائس ينزهه في الهواء الطلق أمام السيرك ، الحصاوي يجر " كارتة " جميلة تحمل طفلين كملاكين جميلين .
    اهتز قلبي لرؤية السيرك ، لأول مرَّة أعود إليه منذ تركته هارباً ، يا لها من سنوات مرَّتْ أخذتْ معها العمر ومضتْ كأنها سويعات قلائل ..
    صاح الحصاوي مبتهجاً باللقاء :
    ـ " الدنيا حقاً صغيرة " .
    لكني كنت أشبع عيني برؤية ولدي فرفور الصغير ، أشفقتُ عليه من مغبَّة رؤيتنا بعد كل هذه السنوات علي هذه الحال التي لا تسر عدواً أو حبيباً ، كانت عيناه تشرقان بالدمع وهو يخاطبنا بصوت متهدج :
    ـ " كيف حالك يا أبي ؟ .. كيف حالك يا أمي ؟ " .
    لم نكن بالطبع نود إحراجه بهمومنا الكثيرة ، قلنا له :
    ـ " بخير يا ولدي .. تسعدنا أخبارك دائماً " .
    وانتبهتُ للحصاوي الذي كان يمعن النظر بي فاتحاً فمه بدهشة وبلاهة ذكرتني بالبغل ابن العرجاء ، وكان سؤاله :
    ـ " كيف يحدث هذا ؟ .. كيف ترضى بهذا يا سيدي ؟ .. إن صاحبي خصص لي هذه " الكارتة " .. إنني أحمل الطفلين للمدرسة أو التنزه فقط .. فقط يا سيدي .. كيف ترضى؟!"
    شر البلية ما يُضحك ، أأضحك علي حالي أم أضحك علي هذا البغل الذي يناديني بسيدي ؟! ، أشحتً بوجهي بعيداً عنه وقلت لنفسي : السكوت من ذهب ، لحرج الموقف تطوعتْ زوجتي بالرد ، لا أدري لماذا كان صوتها عالياً ؟ :
    ـ " الحمد لله .. آه .. ألا تعرف يا سيِّد حصاوي إننا موظفان بالحكومة ؟ .. لكل منا ملف خدمة ودرجة مالية .. مرتبات وعلاوات وحوافز و.. و.. " .

    " الدنيا سـيرك كبير "
    ـــــــــ
    الدنيا دنيا الفراق
    مضــوا جميـعاً ..
    الحصاوي بـ " الكارتة " ، فرفور مع السائس ، زوجتي بعربتها ..
    أمَّا أنا فقد حرنت ، تسمرت حوافري أمام السيرك والرجل ينهال عليَّ ضرباً ، اخشوشن جلدي من كثرة الضرب وماتت خلاياه ولم أعد أحس ، تمنيتً أن يخرج الأسد الآن من عرينه بالسيرك لكي ينهش لحمي بأنيابه ، ويقضي عليَّ كي استريح من هموم الدنيا ، لكنه أسدٌ جديدٌ ، لا أعرفه ولا يعرف هو تاريخي المأسوف عليه ، ظلَّت الدموع تنهمر من عيني والرجل يرفع السوط في الهواء ويهوي به فوق جسدي وأنا واقف لا أتحرك ، يأخذ أنفاسه وهو يضرب كفاً بكف ويتعجب من حالي ، كنت أنهنه كالمرأة المكلومة وأبكي حتى جفَّتْ منابع الدمع في عيني فلم يعد هناك دمعٌ ولا يحزنون ، كففتُ ، رفعتُ رأسي لواجهة السيرك ، طالعتني الصورة الكبيرة :
    " المهرج يلف يده حول عنق فرفور الصغير وهو يبتسم ابتسامة وسعة "
    كأني أعود لسيرتي الأولى وروحي المسحوبة تعود ، اغتصبت شفتاي بسمة ولعقتُ بلساني بقايا الدموع ، تمتمتُ أطيب خاطري :
    ـ " فعلاُ .. الدنيا سيركٌ كبير "
    ومضـيتُ ...
    ــــــــــــــــــــــــــ




    د. حسين علي محمد11-07-2005, 10:27 am
    الأستاذان سمير الفيل ومحمد عبد الله الهادي
    أشكر لكما هذه الحفاوة بيحيى الطاهر عبد الله

    المصدر : منتدى القصة العربيةhttp://www.arabicstory.net/forum/lofiversion/index.php/t2273.html
                  

06-02-2008, 09:09 AM

zumrawi

تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ربع قرن على رحيل يحيى الطاهر عبدالله: (Re: zumrawi)

    قال أبي في أمر قاطع:
    - روح شوف البهايم في الحوش.. خل نوال أختك تجيب اللبن بسرعة.
    ونظر إلى عمتي "شرقاوية" وقال في أمر أخف:
    - خدي البنت ونضفي شعرها في الشمس بره..خليها تغسله بعد كده.
    كنت قد جريت حتى السقيفة وتخطيت السقف العاري النائم تحت الشمس الحرة من الغيوم – قبل أن تصل عمتي "شرقاوية" ممسكة أختي عواطف بيدها وكانت أختي عواطف متململة فأخرجت لها لساني وجريت باتجاه الحوش. كنت أسمع عواطف تشتمني.
    - إن شاء الله ضربة دم يا بو..
    كانت تفهم أنني سأضربها فلم تكمل.. نظرت لها وأبديت الشر
    قلت:
    - طيب يا أم قملة
    كنت أسمعها تبكي مجرورة خلف عمتي وأنا أدفع باب الحوش كانت نوال أختي والتي تكبرني بتسعة شهور كاملة – راقدة فوق ظهر جاموستنا.. وكانت نائمة بصدورها وقد حضنت عنق الجاموسة بكلتا ذراعيها.. وكانت تمرجح ساقيها وتحك فخذيها ببطن الجاموسة الأسود السخين.. كنت أرى أصابع قدمها التي تواجهني كخمسة مسامير دقت أسفل بطن الجاموسة.
    صرخت معلناً عن وجودي فقفزت نوال على الأرض مفزوعة ودلقت ماجور اللبن المملوء.. وجريت أنا لأنقل الخبر لأبي وجدي.
    مررت بالسقف: كانت الشمس الحرة من الغيوم قد ألهبته بالسخونة.. وكانت عواطف وعمتي " شرقاوية" محتميتين بظل الجدار القصير..وكانت عمتي تقلب شعر عواطف وتدهنه بالجاز الأبيض من كوز صفيح يجاورهما.
    في الغرفة كان جدي يصب لنفسه كوباً من الشاي الأخضر.. وكانت أمي موجودة ترضع رمضان أخي الصغير جداُ..قلت لأبي إن نوال دلقت اللبن وأنني وجدتها فوق ظهر الجاموسة وأنها كانت تحرك ساقيها..وقلت إن أصابع قدميها العشرة كانت كعشرة مسامير من الحديد دقت أسفل بطن الجاموسة..أصفر وجه أمي وسحبت ثديها من فم الولد رمضان فبكى..وأرقدت هي ثديها تحت ثوبها الأسود "الباتستا"، أما أبي فقد قام منتصباً كالقصبة المشدودة المسنونة الرأس وكان جدي يدوس شفته السفلى تحت أسنانه، أما أمي فقد خرجت من الغرفة ولاحظت أنها راغبة في البكاء.
    وفي لحظة كان أبي قد عاد وصرخ بأنها غير موجودة.. وزعق طالباً أمي وصرخ فيها طالباً منها أن تحضر نوال من تحت باطن الأرض.. وفي غمضة العين كانت أمي قد أحضرت نوال وهي تجرها ونوال تصرخ بصوتها العالي الباكي لأمها وأبي بأنني كذاب..صرخت فيها بدوري:
    - أنا مش كداب..أنت اللي كدابة.
    سقط كف أبي على صدغي بقسوة أوقعتني وصنعت خيطاً من الدم:
    كان دافئاً .. كنت ملقى على أرض الغرفة التربة المرشوشة بالماء..وكان أبي يسحب نوال من ضفيرتيها ويجرجرها على الأرض..كانت عمتي "شرقاوية" قد جاءت وكانت أختي عواطف منكمشة وملتصقة وممسكة بثوب عمتها..وكان جدي ممسكاً بسيخ ينتهي بحلقة وخطاف يقلب به الجمر..كان يأمر أبي في غيظ:
    - إضرب..إضرب يا كامل.
    كنت أشعر بطعم الطين في فمي وجانب وجهي نائم على السطح الترابي الذي لم يعد جافاً..وكان الدم يسيل من جانب فمي ولا يتوقف..وكان ساخناً مازال..وكانت نوال أختي معلقة من عرقوبها بحبل مشدود إلى وتد ثبت بجدار الغرفة..وكان أبي يصعد ويهبط بكل جسمه كثور مذبوح. كان يرفع يده ويهوي بعصاة لينة رفيعة ويضرب الجسم العاري..والدم كان يشخب من الجسد العاري ويغطي وجهي ولا يجعلني أرى..كانت أمي تصرخ..وكان صوتها باكياً..وكان أخي رمضان على صدرها لاشك يبكي..وكانت تخاطب أبي:
    - جوزها يا كامل..كفاية يا كامل وتتجوز
    كنت مغمض العينين وكنت أبكي..وكنت مازلت على الأرض نائماًً ولم أعد منتبهاً للدم يطفر حاراً من جانب فمي..ولم أع بعد لماذا طلبت أمي من أبي أن يكف عن ضرب نوال وأن يزوجها..لكني كنت أتمنى لو يتم ذلك..أن تتزوج نوال وأن يكف أبي عن ضربها وأن تخرج من هذا البيت.

    من قصة محبوب الشمس
    ليحيي الطاهر عبد الله
    -لم يكن تجاوز الثالثة والأربعين حين رحل في حادثة سيارة. (1981-1938 )
    - كتب أولى قصصه "محبوب الشمس" عام 1961
    - من قصصه: الطوق والأسورة.
    - يعتبره الكثيرون "شاعر القصة القصيرة"
                  

06-02-2008, 09:10 AM

zumrawi

تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ربع قرن على رحيل يحيى الطاهر عبدالله: (Re: zumrawi)

    قال أبي في أمر قاطع:
    - روح شوف البهايم في الحوش.. خل نوال أختك تجيب اللبن بسرعة.
    ونظر إلى عمتي "شرقاوية" وقال في أمر أخف:
    - خدي البنت ونضفي شعرها في الشمس بره..خليها تغسله بعد كده.
    كنت قد جريت حتى السقيفة وتخطيت السقف العاري النائم تحت الشمس الحرة من الغيوم – قبل أن تصل عمتي "شرقاوية" ممسكة أختي عواطف بيدها وكانت أختي عواطف متململة فأخرجت لها لساني وجريت باتجاه الحوش. كنت أسمع عواطف تشتمني.
    - إن شاء الله ضربة دم يا بو..
    كانت تفهم أنني سأضربها فلم تكمل.. نظرت لها وأبديت الشر
    قلت:
    - طيب يا أم قملة
    كنت أسمعها تبكي مجرورة خلف عمتي وأنا أدفع باب الحوش كانت نوال أختي والتي تكبرني بتسعة شهور كاملة – راقدة فوق ظهر جاموستنا.. وكانت نائمة بصدورها وقد حضنت عنق الجاموسة بكلتا ذراعيها.. وكانت تمرجح ساقيها وتحك فخذيها ببطن الجاموسة الأسود السخين.. كنت أرى أصابع قدمها التي تواجهني كخمسة مسامير دقت أسفل بطن الجاموسة.
    صرخت معلناً عن وجودي فقفزت نوال على الأرض مفزوعة ودلقت ماجور اللبن المملوء.. وجريت أنا لأنقل الخبر لأبي وجدي.
    مررت بالسقف: كانت الشمس الحرة من الغيوم قد ألهبته بالسخونة.. وكانت عواطف وعمتي " شرقاوية" محتميتين بظل الجدار القصير..وكانت عمتي تقلب شعر عواطف وتدهنه بالجاز الأبيض من كوز صفيح يجاورهما.
    في الغرفة كان جدي يصب لنفسه كوباً من الشاي الأخضر.. وكانت أمي موجودة ترضع رمضان أخي الصغير جداُ..قلت لأبي إن نوال دلقت اللبن وأنني وجدتها فوق ظهر الجاموسة وأنها كانت تحرك ساقيها..وقلت إن أصابع قدميها العشرة كانت كعشرة مسامير من الحديد دقت أسفل بطن الجاموسة..أصفر وجه أمي وسحبت ثديها من فم الولد رمضان فبكى..وأرقدت هي ثديها تحت ثوبها الأسود "الباتستا"، أما أبي فقد قام منتصباً كالقصبة المشدودة المسنونة الرأس وكان جدي يدوس شفته السفلى تحت أسنانه، أما أمي فقد خرجت من الغرفة ولاحظت أنها راغبة في البكاء.
    وفي لحظة كان أبي قد عاد وصرخ بأنها غير موجودة.. وزعق طالباً أمي وصرخ فيها طالباً منها أن تحضر نوال من تحت باطن الأرض.. وفي غمضة العين كانت أمي قد أحضرت نوال وهي تجرها ونوال تصرخ بصوتها العالي الباكي لأمها وأبي بأنني كذاب..صرخت فيها بدوري:
    - أنا مش كداب..أنت اللي كدابة.
    سقط كف أبي على صدغي بقسوة أوقعتني وصنعت خيطاً من الدم:
    كان دافئاً .. كنت ملقى على أرض الغرفة التربة المرشوشة بالماء..وكان أبي يسحب نوال من ضفيرتيها ويجرجرها على الأرض..كانت عمتي "شرقاوية" قد جاءت وكانت أختي عواطف منكمشة وملتصقة وممسكة بثوب عمتها..وكان جدي ممسكاً بسيخ ينتهي بحلقة وخطاف يقلب به الجمر..كان يأمر أبي في غيظ:
    - إضرب..إضرب يا كامل.
    كنت أشعر بطعم الطين في فمي وجانب وجهي نائم على السطح الترابي الذي لم يعد جافاً..وكان الدم يسيل من جانب فمي ولا يتوقف..وكان ساخناً مازال..وكانت نوال أختي معلقة من عرقوبها بحبل مشدود إلى وتد ثبت بجدار الغرفة..وكان أبي يصعد ويهبط بكل جسمه كثور مذبوح. كان يرفع يده ويهوي بعصاة لينة رفيعة ويضرب الجسم العاري..والدم كان يشخب من الجسد العاري ويغطي وجهي ولا يجعلني أرى..كانت أمي تصرخ..وكان صوتها باكياً..وكان أخي رمضان على صدرها لاشك يبكي..وكانت تخاطب أبي:
    - جوزها يا كامل..كفاية يا كامل وتتجوز
    كنت مغمض العينين وكنت أبكي..وكنت مازلت على الأرض نائماًً ولم أعد منتبهاً للدم يطفر حاراً من جانب فمي..ولم أع بعد لماذا طلبت أمي من أبي أن يكف عن ضرب نوال وأن يزوجها..لكني كنت أتمنى لو يتم ذلك..أن تتزوج نوال وأن يكف أبي عن ضربها وأن تخرج من هذا البيت.

    من قصة محبوب الشمس
    ليحيي الطاهر عبد الله
    -لم يكن تجاوز الثالثة والأربعين حين رحل في حادثة سيارة. (1981-1938 )
    - كتب أولى قصصه "محبوب الشمس" عام 1961
    - من قصصه: الطوق والأسورة.
    - يعتبره الكثيرون "شاعر القصة القصيرة"

    http://www.arabicrecovery.com/Article.aspx?ArticleId=455
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de