|
|
 السودان في الانتقالية ؛ حالة حادة من انعدام الكفاءة والفوضى غير المسبوقة
|
السودان في الانتقالية ؛ حالة حادة من انعدام الكفاءة والفوضى غير المسبوقة
مؤيد شريف
الفترة الانتقالية هي الفترة الأدق والاخطر في تاريخ ومستقبل السودان لما تضمنته بموجب اتفاق نيفاشا من مطلوبات دستورية وقانونية يستوجب الالتزام الدقيق بها ليس فقط اقرارا لدستور انتقالي أو تعديل لقوانين غير متوافقة والدستور وانما يفترض فيها ، أي الفترة الانتقالية ، أن تحرص علي تهيئة الاجواء المناسبة للانتقال بالسودان كـ"دولة" (بما يشمل تاسيساً لنوعية جديدة من العلاقات البينية والقائمة علي صيغ متوافق عليها ) ، وليس مقبولا أن يعمل أطراف التسوية والشراكة بنفسيهما علي الاضرار بمخرجات ومنتجات الاتفاق بعد أن جعلا منه محورا ودعامة رئيسة تقوم عليها كافة الترتيبات وتعلق عليه جميع الآمال في الاستقرار والتنمية والانطلاق .
تسبب ،ما لا يمكن أن تخطئه العين من تنازع للسلطات وتشاكس سياسي متصل بين الشركاء وغياب الاتساق والتوافق في أجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية ، تسبب في فقدان فعالية الاجهزة الرسمية في مواجهتها لتحديات السياسة والاقتصاد والمجتمعات المتراكمة والمتشعبة فضلاً عن التنازع الداخلي والذاتي بين التيارات والتي تصطرع داخل كل طرف ؛ نتج عن هذه الحالة المتسعة من التنازع صعودا مفاجئا لقيادات وقيادات وسيطة وقاعدية لا ترقى مخزوناتها ومقدراتها العلمية والعملانية لمستوى التحديات المطروحة علي ضخامتها ما تسبب في حالة من التراجع والانكفاء واللاكفاءة اعترت وضربت أجهزة الدولة في الشمال والجنوب علي السواء منعكسة سلباً علي مستوى الاداء والانجاز .
حالة انعدام الكفاءة لم تك وليست هي وليدة لاتفاق التسوية فقد وجدت قبلاً وتأصلت باختيارات معلنة وليست مستترة واعتمادا علي مبررات تفتقر للاقناع المنطقي من جانب الحزب الحاكم والمسيطر في المؤتمر الوطني ؛ وبوشرت علي عجلة وتسرع كبيرين عملية كثيفة ومتسارعة لاحلال وابدال كوادر "الاسلاميين" بمبرر التمكين وتثبين النظام ليتسببوا في حالة تاريخية نادرة الحدوث ، ان لم تك فريدة وغير مسبوقة في حجمها ، بضياع وفقدان المسحة الوطنية لمؤسسات الدولة المدنية منها والعسكرية والأمنية لتصبح شبيهة ان لم تك متطابقة وادارات الحزب الداخلية حتى ان ادوار الدولة الكبرى ومعالمها بالتماهي والاندغام في محدودية النظرة الحزبية ومصلحية الكسب الضيقة لديها ؛ وفي ذلك أورد القيادي بالحركة الشعبية فاقان أموم في الايام الأول لعودة الحركة الي الخرطوم بشيء من السذاجة السياسية وربما الافراط في الظن الحسن بأن من الممكن استعادة المسحة الوطنية لمؤسسات وأجهزة الدولة من خلال تصفية الوجود الحزبي المنحشر بغير طبيعة واعادتها لصفتها القومية الأولى ، وبعد سنوات من حديثه هذا لا أعتقد أن ما أورده قابلا للتطبيق وان كان مطلباً منطقيا وواقعيا في سياق مطلوبات التغيير والتحول المتواضع عليه . ويمكن ايراد نموذج وأحد فقط من بين الكثير من نماذج اهتراء الخدمة المدنية وتحزيبها والمتعلق بقضية المتقدمين لشغل وظائف السكرتيرين الثوالث بالخارجية ، والتي تناولها قلم الصحفي الهمام الطاهر ساتي، حيث تم استبدال القائمة الاساسية بعد أن نشرت علي موقع "لجنة الاختيار للخدمة العامة" بذريعة عدم مراعاتها لاشتراطات وتعهدات اتفاق السلام !! ليتم بعد ذلك بعدة أيام استبدالها بقائمة أخرى تختلف جذريا عن الأولى وترد في القائمة الثانية أسماء لم تخضع في الاساس لاجراءات التقديم الاولية واختبارات القدرات والتي كانت تحت اشراف "اللجنة" ، ما يعطي الاحساس بان الحادثة لا علاقة لها بالتزامات السلام بقدر ما كانت ، وكما عبر لي أحد السكرتيرين الثواني بالخارجية والذي كان قريبا من الامر ، - كل زول جاب ناسو- وعلي حد علمي فان الحادثة كانت الاولى في تاريخ الدبلوماسية السودانية وعكست الأزمة المتطاولة تأصلاً والتي كانت تعيشها الخدمة المدنية عامةً أو "الحزبية" بالأحرى ، ويمكن أن يكون مفيدا هنا ايراد أنني كنت من الواردة أسمائهم ضمن القائمة الأولى ما يعني أننا استبعدنا من الأخرى لاعتبارات ربما أمنية أو خاصة بعدم الانتماء أو رفض الانتماء للحزب الحاكم !!..
النموذج الثاني لحالة اللاكفاءة والفوضى الفريدة في تاريخ السودان علي اتساعه هي حادثة تغيير امتحانات الشهادة العريقة لجزء من السودان حصرا وقصرا اعتمادا علي تبرير لا أعتقد ان أكثر المنافحين عنه والسائرين به علي اقتناع به ..
أما في مجال الاقتصاد والمال فتكفينا تقارير المراجعة العامة وما رصدته من تجاوزات متصاعدة في انتهاك لحرمة المال العام ، ما تسبب في تغير لمفهوم الفساد وادراك الناس له فاصبح متطبعا يعيش بيننا ونعايشه في كل لحظة من حياتنا : بدء بالجبايات علي أنواعها والتي لا تستند في تحصيله علي قانون أو حتي لائحة محلية وليس انتهاء باموال البنوك والتمويل والتي حجبت عن السواد الاعظم من المحتاجين والعاطلين عن العمل من الجامعيين أصحاب المهارات العالية ، وهم الأحق بها ، لتعطى أو "تهب" لقلة قليلة من ديناصورات المال المنقول والاستثمارات الوهمية والتي لا ترفد اقتصادا ولا تسهم في تشغيل عاطل ، وبعد أن يعجزوا عن السداد والايفاء بمال الشعب تتم التسوية أو الجدولة "المريحة" لعشر سنوات يقتطع منهم فيها الاستحقاق الواجب السداد "علي أقل من مهلهم" .. هذا كله يحدث في المال العام في الوقت الذي تصطف فيه جحافل العاطلين عن العمل من أصحاب الشهادات الجامعية والعليا ،طبعا من غير الموالين للنظام !!!، أمام "لجانهم ومعايناتهم" ويذهب آخرون من أصحاب (المصارين البيض) بـ"كروت نافذة" يكفي أن تستل من الجيب وتعرض أمام الوجه لتنال الحظوة والوظيفة والعيش الرغيد !!!!.....
اذا رغبتم في" سودان " فاعملوا علي اذالة كل مظاهر الظلم والغبن العديدة والنداء لم يعد هنا لأهل سلطة فقد بلغ اليأس منهم مبلغا ، وانما هو لبعض جيوب يمكن أن يكون فيها بقية من تعقل ،، هذا ان رغبتم في أن "يكون" و "نكون" ......
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست