عبدالله جلاب وجمهورية الإسلامويين الاولي (3—3)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 11:48 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-01-2008, 09:22 PM

Seddig Elmarioud
<aSeddig Elmarioud
تاريخ التسجيل: 10-19-2007
مجموع المشاركات: 78

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عبدالله جلاب وجمهورية الإسلامويين الاولي (3—3)


    مصطفى عبد العزيز البطل



    غربا باتجاه الشرق:

    عبدالله جلاب وجمهورية الإسلامويين الاولي (3—3)

    ( سمعنا بالهرة التي اكلت بنيها، و لكننا لم نسمع قط بالابناء الذين اكلوا امهم )

    العقيد جون قرنق


    يشتمل الجزء الثالث و الاخير من كتاب الدكتور عبدالله جلاب أستاذ الدراسات الإفريقية في جامعة ولاية أريزونا (جمهورية الإسلامويين الأولى: تطور وتحلل الإسلاموية في السودان)

    The First Islamist Republic: Development and Disintegration of Islamism in the Sudan

    على تحليل عام للتحولات الكبرى التي ميزت الحركة الإسلاموية في السودان قبل وبعد وصولها للحكم عن طريق إنقلاب عام 1989 وحتى نهاية الجمهورية الأولى في العام 1999. و قبل ان اشرع في استعراض هذا الجزء اود ان الفت نظر القارئ الي معلومة وصلتني من مصادر متعددة تعقيبا علي ما ورد في الحلقة السابقة بشأن " مجموعة السبعة " التي شكلت النواة الاولي للحركة الاسلاموية، بحسب مؤرخي الحركة المؤسسين، و هي المجموعة التي اعتادت ان تعقد اجتماعاتها السرية في الميدان الغربي للكلية الجامعية (جامعة الخرطوم حاليا) و ذلك في العام ١٩٤٩، فقد نبهني بعض العارفين الي ان الطيب محمد صالح الذي ورد اسمه في الكتاب و في المصادر الاصلية علي انه واحد من اولئك السبعة هو نفسه الاديب السوداني العالمي المعروف الاستاذ الطيب صالح. و قد وجدت توثيقا جيدا لهذه المعلومة في الصفحة ٨٧ من كتاب (علي الدرب مع الطيب صالح) للاستاذ طلحة جبريل و قد ورد فيها التأكيد علي لسان الاستاذ الطيب صالح نفسه انه كان واحدا من تلك المجموعة، و لكن ماركيز غارسيا السودان يمضي قدما فيقول في نفس الصفحة: ( و بعد فترة لم اعد اجالسهم فقد تركتهم و مضيت الي حال سبيلي)! و من عجائب تصاريف الاقدار ان اديبنا الكبير قد عاد بعد ذلك الزمان بما يقرب من نصف قرن ليطرح سؤاله الشهير: ( من اين جاء هؤلاء؟)، و هو سؤال ربما كانت اجابته الصحيحة هي ان (هؤلاء) انما جاؤوا من الميدان الغربي للكلية الجامعية التي عرفت بعد ذلك باسم: جامعة الخرطوم!

    يذهب الدكتور عبدالله جلاب إلى أن هنالك شبه إجماع في أوساط السودانيين من أصدقاء الترابي و اعدائه سواءً بسواء علي أنه إنتقل بالحركة الإسلاموية من تنظيم هامشي صغير لا يتجاوز عدد أعضائه المئات الي تيار سياسي جارف إحتل المرتبة الثالثة في البرلمان المنتخب ذات يوم. وهناك ايضا و بالمثل ما يشبه الإجماع بين السودانيين، بما فيهم بعض الإسلامويين، بأن الترابي و حركته ومشروعه الحضاري قد أدخلوا البلاد في نفق من الازمات المحكمة التي يمسك بعضها برقاب بعض. غير انه من المدهش اننا نجد اليوم في أوساط الإسلامويين، ممن تتلمذوا علي الدكتور الترابي، من يزعم بأن الترابي قد صمم المشروع الإسلاموي بكامله لغرض وحيد و هو وصوله شخصيا لحكم البلاد. فالدكتور غازي صلاح الدين في حديث سجله المؤلف لا يتردد في القول بأن الحركة الإسلاموية كانت بمثابة (السلم الذي صعد به الترابي إلى السلطة ومن ثم قذف به بعيداً عندما شعر بانه وصل إلى هدفه). ويضيف غازي: (غير أن الترابي لم يجد ذلك السلم عندما إحتاج إليه بعد ذلك). وهناك من رفقاء درب الترابي من عجز عن اخفاء مشاعر الشماتة فقال بأن الترابي قد عاد ليشرب من نفس الكأس الذي سقى منه الآخرين في مراحل سابقة. و رغماً عن ذلك فقد ظل بعض المراقبين في حالة وسطي بين الشك و اليقين عما اذا كان امر الانقسام في وسط الإسلامويين حقيقة مؤكدة ام انه لا يعدو أن يكون مسرحية جديدة أشبه بتلك التي قدمها " الممثلون " صبيحة 30 يوليو 1989 عندما ذهب الترابي إلى السجن "حبيسا" بينما ذهب العميد البشير إلى القصر " رئيسا"!
    لقد تحول الترابي بين يوم وليلة إلى شخصية تراجيدية أشبه برموز الميثولوجيات الإغريقية وأمسي كل ما بناه أثراً بعد عين، وقد عبر عن ذلك الموقف بسخرية لاذعة الراحل جون قرنق عندما قال: ( لقد سمعنا بالهرة التي أكلت بنيها ولكننا لم نسمع قط بالأبناء الذين أكلوا أمهم). غير ان جلاب يبرز لنا من شواهد التاريخ ما يفند مقولة قرنق، فلقد طالما اكل الابناء من "العسكريين" امهاتهم من "المدنيين"، و هو المصيرالمأساوي الذي سعي الترابي جاهدا لتفاديه بمحاولته أن يؤسس من شخصية "الشيخ حسن" (اللقب الذي أسبغ عليه في ظل الجمهورية الأولي بدلا من "الدكتور حسن" الذي صحبه طوال المرحلة السابقة لها) شكلاً مبتكراً من "ولاية الفقيه السنية"، فقد كان بعض تلاميذ الترابي قد شرعوا بالفعل في الترويج له باعتباره مجدد العصر وصاحب الزمان. ويفرد الدكتور عبدالله جلاب حيزا كبيرا لتلك التطورات التي بدأت من مرحلة ما قبل الدولة إلى مرحلة الدولة وصولا إلى مرحلة الإنهيار ويذهب بالتحليل إلى أن ما حدث للحركة الإسلاموية وجمهوريتها الأولى هو في واقع الامر أكبر بكثير مما حدث لفرد واحد بعينه، و ذلك علي الرغم من ان التربية السياسية لعناصر الحركة كانت قد كرست أيديولوجية وممارسة شمولية تقترب من طقوس "عبادة الفرد" في داخل التنظيم و في العقل الجماعي للحركة فلا تكاد ترى الأحداث إلا في إطار شخص الزعيم. وقد يكون لهيمنة و تأثير الشموليات الأخرى في الفضاء التاريخي السوداني دورها في تأطير مثال الشخصية القائدة، لذلك فأن المؤلف يذهب إلى أن المدخل لفهم تعقيدات الأمر لا يقف عند خصوصية تجربة الإسلامويين وإنما يضع تجربة الإسلامويين في مكانها الطبيعي كاحد النماذج الموازية في الفكر والنهج الشموليين للتجارب الاخري التي عرفها التاريخ. هذه الحالة الشمولية اذن لم تكن بالأمر الجديد الذي ظهر بعد إستيلاء الحركة على الحكم و إنما كان خصيصةً راكزة متأصلة في روح التنظيم و جسده، و الذي استجد بعد الإنقلاب انما هو الإنتقال بتلك الشمولية من محيط التنظيم الخاص إلى المحيط السوداني العام. و قد هيأ الإنقلاب لذلك بالإستيلاء على جهاز الدولة و تسخير أجهزه السلطة التنفيذية القمعية ممثلة في آليات البطش الامني، القديمة والمبتكرة، فضلا عن الاعلام و مالية الدولة في اتجاه ما عرف في المصطلح الاسلاموي باسم خطة "التمكين".

    في إطار تحليله لظاهرة الشمولية يذهب المؤلف إلى أن بناء التنظيم اكتمل و استقر منذ زمن بعيد على أساس أنه تنظيم طليعي ذي قيادة كاريزمية. ولكن مشروع الترابي، كما ذكر الدكتور حسن مكي في حديثه للمؤلف، لا يقف في حدود نظام الإنقاذ وإنما يتجاوزه بحيث يضع ذلك التنظيم الطليعي في موضع القيادة لتيار أوسع يضم جهات وعناصر سياسية أخرى قد تتفق مع الإسلامويين مرحليا او استراتيجيا حول قضايا بعينها، ومن هنا جاءت التسميات المتعددة للإسلامويين مقترنة بصيغة " الجبهة" مثل جبهة الميثاق الاسلامي والجبهة الإسلامية القومية. وفي كل الاحوال كان أمرالتفكير والتدبير في يد الزعيم ذي الصفات الكاريزمية وأمر التنفيذ من واجبات المجموعة، وإصبح التنظيم بذلك جهازاً حديدياً محكم الإغلاق. ويذهب المؤلف إلى أن التنظيم قد إنتقل بخصائص الشمولية الداخلية تلك الى مراحل التحولات الكبرى التي انتهت بالجماعة الي ما انتهت اليه، ولذلك لم يكن مستغربا إن يكون لما اصاب الرأس المفكر من بأس وقْعْ الصاعقة علي الحركة بكاملها بحيث انه اصابها بحالة من الشلل المؤقت كما أصاب القائد و المفكر الكاريزمي ذاته بحالة من الذهول افقدته البوصلة فكان ان انقلب السحر علي الساحر وتشرذمت الحركة التي كانت قد بلغت الخمسين من عمرها فرقا متنافرة "تحسبهم جميعا و قلوبهم شتي بأسهم بينهم شديد".

    يقف المؤلف عند ثلاث مراحل في تطور الحركة الإسلامويه بداية بمرحلة ما بعد أكتوبر 1964 التي شهدت صعود الدكتور حسن الترابي إلى قمة التنظيم هو ومجموعته ذات التعليم الجامعي السوداني والغربي وهي المجموعة التي ضمت محمد يوسف محمد وأحمد عبدالرحمن محمد وعثمان خالد مضوي وزين العابدين الركابي وسعاد الفاتح البدوي و يس عمر الإمام وأبعدت من سدة القيادة مجموعات التيار الإخواني المحافظ ذي المرجعية الإخوانية المصرية. وبذا أصبحت القيادة الجديدة أقرب إلى تيار بابكر كرار و ان بغير مشاركته الشخصية اذ كان قد إنسلخ قبل ذلك التاريخ ليكون الجماعة الإسلامية التي ضمت ميرغني النصري وعبدالله زكريا وآخرين. وقد أعطت روح أكتوبر والجو العام الذي جعل من جامعة الخرطوم منارة للتحول الديمقراطي تلك المجموعات دفعة قوية إلى الأمام. ومع مرور الزمان و توالي الاحداث أخذت تتفسخ و تتفلت من تلك الحركة مجموعات ضمت شخصيات ذات وزن مقدر مثل جعفر شيخ إدريس و مالك بدري مفسحة المجال للترابي وجماعته. في ذات الوقت وجدت اعداد من الطلاب القادمين من غرب السودان إلي العاصمة ومعاهدها التعليمية العليا وعلى رأسها جامعة الخرطوم في تنظيم الإسلامويين ما يخفف عليهم من "غربة الخرطوم"، كما وجد التنظيم فيهم ما يشد من بنيانه ويقوي من مقدراته التنافسية. و يذهب المؤلف إلي أن إبتعاد الترابي وتياره الإسلاموي من المدرسة الإخوانية المصرية المحافظة والقائمة على التربية والدعوة قد يعود إلى تزاوج مؤثرات مدرسة بابكر كرار التأصيلية و مدرسة المودودي والندوي التحديثية والتي تقوم على إقتباس الأفكار الغربية كإطار للحداثة الإسلامية. كما ان مجاهرة المودودي بان الدولة الاسلامية القادمة ستكون في واقع الامر دولة شمولية و هو ما اطلق عليه ( الشمولية الاسلامية) صادفت هوي في نفس الترابي. و المعروف ان المودودي يذهب إلى أن الوصول إلى هذه الدولة يتم عن طريق (الإستيلاء على مراكز السلطة السياسية وتفعيل الإصلاح الشامل من القمة إلى القاع). و من المؤكد ان الترابي و صحبه استلهموا المودودي و افكاره حين إتخذوا من الانقلاب العسكري سلما و مطية للإستيلاء على مراكز السلطة السياسية و السيطرة علي المجتمع بهدف اعادة صياغته.


    أما التحول الكبير الثاني فيتمثل في تطور الحركة الإسلاموية من تنظيم سياسي إلى مؤسسة إقتصادية خفية Invisible Corporation An وما ترتب على دخول الجماعة عالم المال والأعمال ودروبه المتشعبة تحت إشراف التنظيم واثر ذلك في تحول الجماعة من "متعلمين حفاة" إلى طبقة وسطى شرهة و شرسة ثم ما ادي اليه ذلك من تحول الي واقع جديد أسماه المؤلف بالمؤسسة "القابضة"، كانت من ابرز معالمه تحول زعيم الحركة من مرشد للجماعة الي رئيس لمجلس إدارة المؤسسة القابضة ثم تحول أعضاء القيادة العليا من مجاهدين إلى أعضاء في مجلس إدارة المؤسسة! و في صدد تفسير تلك الظاهرة يفرد المؤلف اكثر من فصل و هو يري ان الامر يعود في بداياته الاولي الي بطش نظام جعفر نميري عام ١٩٦٩ بالإسلامويين و مطاردتهم و التضييق عليهم مما اجبرأعداد كبيرة منهم علي الهجرة إلى خارج البلاد وبوجه خاص المملكة السعودية ودول الخليج حيث التقي هؤلاء بالأفراد والجماعات الإسلاموية الأخرى الهاربة من بطش مماثل في دولها الأم، و قد تمت بعض هذه اللقاءات و التلاقحات في الجامعات والمنتديات حيث منظري الإقتصاد الإسلامي، و قد نقل بعض الاسلاميون في اعقاب المصالحة الوطنية مع نظام مايوفي العام 1977 إلى البلاد جزءاً كبيراً من تجربة الإقتصاد الإسلامي المتمثلة في البنوك الإسلامية والمؤسسات والشركات بالاضافة الي منظمات الدعوة و الاغاثة الإسلامية بإسمائها وأشكالها المتعددة وإمتدادتها الخارجية. وبمقدار ما كان النظام المايوي في مسيس الحاجة للعملات الاجنبية بغرض الخروج من أزماته التي إستفحلت وقتذاك فقد كان التنظيم الاسلاموي في حاجة مماثلة للانتقال من ذل الإستضعاف إلى عز الإستقواء. ولما كانت حاجة المواطنين من عامة الناس و خاصتهم للعملات الصعبة قائمة و متصاعدة من أجل قضاء ضروريات العمل أو العلاج أو التجارة وما شابه ذلك فقد فقد اهتبل الاسلامويون الفرصة لبناء تجارة النقد الاجنبي التي تبلورت في ما عرف بشبكات تحويل الأموال. ومن واقع النمو السريع لمؤسسات المال الإسلامية فقد طفت علي السطح طبقة تجارية جديدة تم التعارف عليها بإسم "تجار الجبهة". و ظل هذ الفصيل في نمو متصل خاصة بعد الإنقلاب. و قد قاد تطور تلك المؤسسة القابضة والنجاح السريع لها الي بروز فصيل من العاملين في هذه المؤسسات من اصحاب المعارف الخاصة - مثل كهنة المعابد - ساهمت في " هندسة هوية " الملتحقين بالطبقة الجديدة. ويذهب المؤلف الي أن شمولية التنظيم قد ساهمت تلقائيا في نجاح المؤسسة و ازدهارها. و الكتاب يعبر عن قناعة راسخة بان "جشع" المؤسسة كان واحدا من الدوافع الخفية للتفكير في الإنقلاب كما أن " هندسة هوية " الدخول والخروج من الطبقة الجديدة كانت واحدا من أهم أسباب إنقسام الإسلامويين و بروز ازمة دارفور بداية بتمرد المهندس داؤد بولاد وما لحق ذلك من تطورات أخرى انتجها حلول موسم الهجرة من الأممية إلي القبلية و هو الموسم الذي شهد كتابة الفصل الاخير في حياة الجمهورية الأولى.

    أما التحول الثالث فهو الذي شهدته مرحلة ما بعد الإنقلاب و يتمثل في احداث و ملابسات حل التنظيم و تسريح مجلس شوراه وتكوين مجلس سري بديل تم إختياره بواسطة " رئيس مجلس إدارة المؤسسة" ضم من يمكن أن يطلق عليهم اعضاء مجلس الإدارة للمؤسسة بعد وصولها سدة الحكم بحيث تتتسق شمولية المؤسسة مع شمولية النظام. وفي تداخل تلك الشموليات تم تصميم النظام الجديد الذي سعى منذ يومه الأول إلى طرد الطبقة الوسطي القديمة تجارية أو صناعية أو زراعية أو من كبار الموظفين و اواسطهم وإستبدالها بطبقة جديدة وفق معايير "هندسة الهوية" التي اعتمدتها المؤسسة. وحتى يستقر الأمر في ضوء تصور مهندسي مرحلة ما بعد الوصول الي السلطة فقد تم اجلاء او علي الاقل تهميش قيادات الحرس القديم من الإسلامويين من خلال الخطوة التي عرفت في التعبير الصحافي باسم مراسم " تسليم المصاحف". ولضمان إستقرار الحكم كان لا بد من إخماد اي معارضة للنظام و المؤسسة و ذلك بتوظيف وتائر متصاعدة من ممارسات عنف الدولة كانت من ابرز مظاهرها بيوت الأشباح و شن الحروب الجهادية وتشوين الدبابين. ثم توسعت المجموعة التي اوكلت الي نفسها ادارة المؤسسة بعد ان تحولت الي نظام حكم و دولة و تبلورت تدريجيا لتصبح النواه الأساسية لحزب المؤتمرالوطني الحاكم. و بتطور الايام و الحادثات توسع نظام " هندسة الهوية " ليشمل الارتقاء و التمترس في جهاز الدولة حيث السلطة و الثروة والجاه، و بقي جهاز الحزب حيث الدعوة التي لا يسندها مال أو جاه في إطار واقع معاد. وبذلك تكاملت عوامل الشد و الجذب و الصراع و الاقصاء في حلقات متوالية كانت اولاها " مذكرة العشرة" التي كشفت امام عامة الشعب للمرة الاولي رأس جبل الجليد في الازمة التي انتهت بسقوط الجمهورية الإولى.

    الا ان المؤلف لا يكتفي بذلك التحليل بل يمضي الي القول بان هناك أسبابا أخرى تضامنت مع غيرها لاحكام عوامل سقوط الجمهورية الأولى أولها: الإسلام نفسه! فالإسلام، بحسب جلاب، كان بمثابة الصخرة التي أوهت قرن الوعل الإسلاموي. و آية ذلك ان الإسلامويون عندما حاولوا بقوة الجبر و الالزام فرض تصوراتهم للاسلام كدين علي جميع مواطني الدولة جوبهت محاولاتهم بتعارض اساسي مع الإرث السوداني الإسلامي في تنوعه و تعدد مشاربه و إتساع فضاءات التدين في أشكاله الصوفية وغير الصوفية. و يشير المؤلف كذلك الي دور بعض الشخصيات ذات الوزن الفكري و السياسي و الاعلامي في توجيه ضربات قوية موجعة الي جسم الجمهورية الاسلاموية، و قد ساهمت هذه العناصر بصورة او باخري في زعزعة النظام و حلحلة عقده و ذلك باتخاذ مواقف متحدية لفرضياته الاساسية و ممارساته، و كان من نتائجها اضعاف هيبته في نفوس العامة و محاصرة اهل المعسكر الاسلاموي و الزامهم بمراجعة خططهم و برامجهم. وعلي رأس هؤلاء يضع المؤلف بعضا ممن كان يفترض انهم من رموز الجمهورية الاولي من الذين ثاروا عليها و علي مشروعاتها فكانت مناصحاتهم الجهيرة و انفعالاتهم المريرة بمثابة المسمار الاول في نعشها، و يسمي المؤلف من هؤلاء د. الطيب زين العابدين و د. عبدالوهاب الافندي و د. حسن مكي. كما ينوه الكتاب بعدد آخر من الكتاب و الصحافيين كانت لمعارضاتهم و مجاهداتهم من خلال الصحافة المكتوبة اثر ظاهر في اجبار النظام علي توسيع دائرة الحريات و يورد في هذا الصدد عددا من صحافيي و كتاب الداخل و الخارج، و ذلك بالاضافة الي ما يسميه المؤلف "دور العولمة في مجال الاتصالات" ممثلا في شبكات الحوار الالكتروني عبر منابر الشبكة الدولية التي نشطت ابتداء من النصف الاول من التسعينات و اتخذت منها اعداد غفيرة من المثقفين و المتعلمين اداة لمجابهة الجمهورية الاسلاموية و منازلتها.

    ينسب الدكتور عبدالله جلاب الي الدكتور غازي صلاح الدين احد رموز المشروع الاسلاموي قوله في حوار سجله المؤلف: ( ان الإسلاميين في واقع الامر لم يحكموا السودان)! وتلك مقولة تنطوي علي مفارقة صارخة و تستدعي تلقائيا السؤال: من الذي حكم ولا يزال يحكم إذن؟ أهي "المؤسسة القابضة" أم هي "الطبقة الوسطى الجديدة" التي ولدت من رحم الكيان الإسلاموي؟ مهما يكن من امر فان جلاب يقرر بعزم و ثقة بأنه على الإسلامويين ومن عاضدهم من الفصائل الاخري مسئولية أخلاقية وواجب وطني لا محيص عنه يتمثل في مراجعة شاملة و صادقة مع النفس، ومع شعب السودان باسره، حول تجربة الجمهورية الاسلاموية التي أدخلت البلاد في مضيق مظلم حرج و انتهت بها الي سلسلة من الازمات القومية المستحكمة تنؤء بحملها الجبال الراسيات، من حيث ارادت ان تجعل منها انموذجا تهفو اليه نفوس المسلمين في مشارق الارض و مغاربها يستعيد للدين مجده و للحضارة الاسلامية وهجها و اشراقها. و فارق بين الحلم الباذخ و الواقع القمئ!

    نقلا عن صحيفة ( الاحداث )
                  

04-02-2008, 10:28 PM

Seddig Elmarioud
<aSeddig Elmarioud
تاريخ التسجيل: 10-19-2007
مجموع المشاركات: 78

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبدالله جلاب وجمهورية الإسلامويين الاولي (3—3) (Re: Seddig Elmarioud)

    up
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de