المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 07:47 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة معالى ابوشريف (الكيك)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-04-2005, 02:06 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق

    الاثنيـن 28 جمـادى الاولـى 1426 هـ 4 يوليو 2005 العدد 9715
    إطبـــع هــذه الصفحــة

    الترابي: ما تعلنه الحكومة حول الفساد لا يساوي حجمه الحقيقي

    قال إن «السلطة تفسد 9 من بين كل 10 مسؤولين»

    الخرطوم: إسماعيل آدم
    قال الدكتور حسن عبد الله الترابي، زعيم حزب المؤتمر الشعبي المعارض، إن ما تعلنه الحكومة حول الفساد لا يساوي «ربع عشر» حجمه الحقيقي، مؤكدا ان حزبه لا ينوي الدخول في أية حكومة مقبلة، باعتبار ان «السلطة تفسد 9 من بين كل 10 مسؤولين». وأكد الترابي، في مؤتمر صحافي عقده أمس، وهو الأول من نوعه منذ خروجه من المعتقل الخميس بعد 15 شهر في الحبس، ان حزبه مع القضية السياسية لإقليم دارفور المضطرب بنسبة 100%، وتساءل «لماذا لا تعطى دارفور حقوقها بقدر عدد سكانها وعطائها». ووجه الترابي انتقادات للأوضاع في دارفور، وتساءل مجدداً «لماذا حتى الآن يسكن الملايين في دارفور في الخيام؟»، ومضى «من قبل جوعنا وعرينا الجنوب، لماذا لا نستفيد من دروس الماضي الآن؟»، ونفى وجود خطة بين حزبه وحركة العدل والمساواة المسلحة في دارفور.
    وصعد الترابي في مؤتمره الصحافي، الذي عقده فى دار حزبه فى ضاحية الرياض بالخرطوم، من هجومه على حكومة الرئيس عمر البشير، وجدد اتهامها بالفساد وقال إن «ما يكشفه المراجع العام، لا يساوي ربع عشر الفساد المستشري في البلاد»، وأضاف «كما لا توجد حرية الآن ولا علاقة ولا ضمانات لتنفيذ الاتفاقات»، وقال الترابي «لا تلوموا وزارة العدل والقضاة والصحافة والصحافيين، لأنهم يتعرضون إلى الضغوط من الأعلى»، مستدركاً «إن السودان لديه قضاة ممتازون، ولكنهم في النهاية قضاة موظفون يتعرضون إلى الضغوط»، وأضاف هؤلاء مساكين يتعرضون إلى الحصار». وكرر أن أوضاع الطوارئ في الدستور الجديد «أسوأ»، لأنها تأتي بالأغلبية المطلقة وغلبة الحكومة، وشدد على ان كل المفوضيات التى أقرها اتفاق السلام ستكون «هراء»، لأن الغلبة في اجازة الأمور المعروضة عليها، ستكون لحزب المؤتمر الوطني، وقال إن أوضاع الحريات كذلك سيئة، «لأنها جاءت في الدستور وفقاً للقانون»، وتساءل «ومن الذي يسمي القانون غير المؤتمر الوطني الحاكم، الذي حددت له اتفاقية السلام 52% من السلطة في كل شيء. وقال «بهذه النسبة كل العاملين مغلوبون على أمرهم»، (الشماليين والجنوبيين والحركة الشعبية)، واضاف «حسب اتفاق السلام والدستور، فإن الشعب سيظل مغيباً لمدة 4 سنوات قادمة». وحسب الترابي فإن التحديات التي تواجه السودان الآن «أخطر»، وقال «لقد بلغ الأمر، اننا فقدنا العلاقة، فجاءنا صاحب المحكمة الجنائية الدولية، وفقدنا القوة الدفاعية، فجاءت القوات من الخارج، وفقدنا المؤونة فجاءنا الخبز من الخارج». وحرص الترابي على طرح رؤية حزبه تجاه القضايا في الفترة المقبلة، وقال نحن نعمل في الفترة المقبلة، من أجل حرية بلا ضابط إلا المهنية والقضاء، وان تخرج المظاهرات بلا شروط، الا من إذن من شرطة المرور فقط، وحرية الموالاة والتنظيم. وسخر الترابي في أكثر من مرة في مؤتمره الصحافي، من نسب الـ 14% المخصصة لمشاركة القوى السياسية في الحكم في الفترة الانتقالية، وقال «الحكومة تقول لكل من تفاوضه، الآن نعطيكم من 14% فإلى أين تصل هذه النسبة؟»، ومضى «حتى مسلحو دارفور قالوا لهم في أبوجا تأخذوا من الـ14%». وقال إن «أغلب عناصر المؤتمر الوطني والحكومة آراؤهم حول القضايا المطروحة، تتفق معنا، لا يستطيعون الجهر بذلك خوفا على مواقعهم»، وأضاف أن الحكومة الآن لا تدار من مجلس الوزراء، وإنما عن طريق «بضعة أفراد والباقي هوامش وحوافز ووظائف».
    وردا على سؤال حول امكانية مشاركة حزبه في الحكومة، وقال «لسنا حزبا سياسيا، نحن حركة اجتماعية وثقافية غير مشغولين بالدخول في الحكومة، وحتى إذا ما فزنا في الانتخابات القادمة، فإن عددا قليلا منا، هم الذين سيدخلون جهاز الحكم، لأن السلطة تفسد 9 من بين كل 10 مسؤولين». وأكد الترابي ان حزبه يؤمن بالعلاقات الدولية وهي ضرورة، وآضاف «ولكن لن اذل أو استعمر»، وقال إن المؤتمر الشعبي ليس حزباً سياسياً فحسب، وانما يركز في برنامجه على العمل الثقافي والاجتماعي وسط المجتمع السوداني وبالتعاون معه، وقال «رغم البترول والثروات الأخرى، فإن 80% من ثروة السودان في يد المجتمع، وهو قادر على العمل». وقال زعيم الاسلاميين فى السودان، إن للمؤتمر الشعبي نسباً تتفاوت مع القوى السياسية الأخرى ،عبر تحالفات «لأننا نريد أن نضمن الاطار، الذي يحكم الحياة السياسية في البلاد، من ديمقراطية وشورى وحريات وقيام انتخابات في موعها». وأضاف ان التعاون في هذا الاتجاه، سيمتد إلى المؤتمر الوطني الحاكم، رغم السجن والطرد من الحياة الوظيفية العامة للمؤتمر الشعبي في الفترة الماضية.
    وقال «ان حزبه يشعر بأنه لديه القدرة على التعايش مع أي كيان أو قوى». ومع ذلك شدد الترابي ان الخلافات بين حزبه والمؤتمر الوطني جدية، «ليست سهلة.. بل جوهرية حول الطهارة والحرية والشورى والدستور». كما شدد على أن أي حوار مع المؤتمر الوطني مستقبلاً، لن يكون سهلاً أبداً، ومضى في تشدده، ان السرية قد أضرت بنا كثيراً، وقال «نخطر التحالف الوطني أولاً ثم نخطر الشعب».


    لاح الدين عووضة

    بعد ايه..؟!!

    هذا ما كنا نخشاه، ونُحذّر منه... ان يُرجأ أمر اطلاق سراح الدكتور الترابي إلى اللحظة التي يتعذر معها تبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من فجر المرحلة الجديدة... اللحظة التي يكون رد الفعل فيها ازاء قرار إطلاق سراحه: «ولا كتر خيرهم»... قالها الترابي بالأمس فور خروجه من الحبس... وقالها بشكل اكثر سفوراً المحبوب عبد السلام عبر قناة الجزيرة مساء اليوم نفسه... قال إن إطلاق سراح الشيخ جاء كأمر حتمي في إطار تداعيات المرحلة التي تمر بها البلاد... وقال إن قرنق سوف يؤدي القسم بعد ايام قليلة كنائب أول للرئيس... وان الدستور الانتقالي الجديد صار قيد التنفيذ... وان قرنق والدستور كليهما ـ ومن ورائهما العالم كله ـ سوف يرون غير ما ترى الحكومة في حال الاصرار على ابقاء الشيخ في حبسه... وسوف يتشككون في مدى جدية الحكومة في الاحتكام إلى نيفاشا، والدستور، والقانون...

    اذن لا مناص من اطلاق سراح الترابي، وفك الحظر عن نشاط حزبه، ورفع يد الدولة عن دور الحزب وصحيفته...

    طيب... اذا كانت الحكومة تعلم ـ وهي تعلم ـ انه لابد مما ليس منه بد فلماذا الانتظار حتى اللحظة الفاصلة بين «كتّر خيرك» و«لا كتّر خيرك»... لماذا الانتظار حتى اللحظة التي يختلط فيها الخيطان الأبيض والأسود ايذاناً بانقضاء مرحلة كل السلطة فيها بيد الحكومة وبداية مرحلة «بعض» السلطة فيها بيد الحكومة ولو كانت بنسبة «52%»؟!...

    والمحاذير التي اشرنا إليها في صدر هذه الكلمة ان وحدة الصف التي تحدث عنها الاستاذ فتحي خليل ـ المحسوب على الحكومة ـ في اللقاء الذي جمعه والمحبوب عبدالسلام والدكتور حيدر ابراهيم بقناة الجزيرة... وحدة الصف هذه تصبح مجرد حديث حالم وسط اجواء مشحونة بالمرارات... كانت هنالك اكثر من فرصة لو اغتنمتها الحكومة لما كانت عبارة «ولا كتّر خيرهم» هي التي في طرف لسان كل فرد من افراد المؤتمر الشعبي الآن... واعظم هذه الفرص على الاطلاق حين لزم الشيخ سرير المرض بمستشفى ساهرون وتدافع لزيارته نفر من أهل السلطة، وبدت الاجواء وكأنها في لحظة مخاض لقرار «انساني» اكثر من كونه سياسياً... وضاعت الفرصة... ومن قبلها ومن بعدها ضاعت فرص كثيرة آخرها القرار القضائى بتبرئة ساحة الشعبي من تهمة التآمر لقلب نظام الحكم..

    ضاعت كل هذه الفرص حتى غدونا امام اللحظة التي لاتحتمل سوى فعل واحد: اطلاق سراح الترابي... ورفع الحظر عن نشاط حزبه... وارجاع الدور والممتلكات المصادرة إلى اهلها...

    والآن لا احد يلوم أهل الشعبي اذا ما تغنّوا بلسان الحال:

    بعد ايه جيت تصالحني...

    بعد ايه؟!...









                  

07-04-2005, 02:17 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق (Re: الكيك)

    الدوحة.. محمد عبد القادر
    الترابي يصر على اللعب بالنار

    مثلما كان متوقعا فقد فتح الدكتورحسن الترابي زعيم المؤتمر الشعبي النار على الحكومة ودستور الفترة الانتقالية فورمغادرته المعتقل الذى مكث فيه عاما وثلاثة اشهر عقب اعادة احتجازه فى مارس من العام الماضي بتهم تأرجحت بين تأجيج النزاع في دارفور وتدبير محاولتين انقلابيتين.ولعل اختيار مربع المعارضة كان الرسالة الواضحة التى حرص الترابي على توجيهها الى الرأي العام السوداني وحلفائه القدامى فى الانقاذ -التى كان عرابها - والحركة الشعبية التى وقع معها مذكرة تفاهم تسببت فى احتجازه خلال الفترة من فبراير 2001 وحتى أكتوبر 2003 . وعلى الرغم من اهتبال الانقاذ لسانحة الاعياد الموسمية لتبرير اطلاق سراح زعيم المؤتمر الشعبي الا ان الخطوة فى قراءات المحللين تحسب لاتفاقية السلام.. فهي التى اخرجت الدكتور المثير للجدل .. الترابي اراد الاشارة الى هذا المعنى وهو يتنفس هواء خرطوم ما بعد السلام ويرفض الاعتراف بفضل الانقاذ التى افرجت عنه فى يوم عيدها وراح يؤكد على حقائق تهيئ المسرح السياسي الى معارضة قوية للحكومة القادمة قطباها حزبا المؤتمر الشعبي والامة. زعيم المؤتمر الشعبي لم يكن صادقا فى تخوفه من تأثير الاتفاقية على الحريات لان تصريحاته ثمرة لذات الاتفاق الذى مني منه بالانتقاد.. وبالامكان القول ان الحرية التى تتيحها نصوص الدستور" الذى اعتبره الشيخ فضيحة.. لا يعرف الهامش الذى كانت تتباهى به الانقاذ حينما كان الترابي عرابها.. وزعيما لبرلمان فصل قانون التوالي وهزم فكرة الاحزاب واضعف هيبتها السياسية حتى سميت فيما بعد بـ"احزاب التسالي.

    ويظل لوم الترابي للحركة الشعبية على اغفال مطالب الشمال والتركيز على حقوق الجنوب اخطر فصل فى تطورات اللعبة السياسية، اذ ان الشيخ الذى تعهد بالمعارضة الرشيدة فى تصريحاته للشرق القطرية يصر على الاستمرار فى ارتداء عباءة العرقية والطرق على اوتار القبلية لتعبئة مشاعر الشماليين... وهو امر ليس فى مصلحة البلاد ان يثار على هذا النحو.."وكفاية دارفور".
                  

07-04-2005, 02:32 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق (Re: الكيك)


    شهادتي لله
    الترابي خرج كما دخل
    وأخيراً... خرج الدكتور (الترابي) من وراء الاسوار، واطلق صوته عبر الفضائيات يردد ذات الآراء التي كانت سببا لاعتقاله على فترات متلاحقة خلال السنوات الاربع المنصرمة، وكأن شيئا لم يكن ...!!
    لم يغيّر الترابي، ولم يبدل حرفا واحدا، وخرج كما دخل.. !! اذن ما الذي جنته الحكومة وما هي المكاسب التي حققتها جراء ابقاء الشيخ السبعيني وراء الاسوار في ضاحية كافوري او في السجن المركزي بكوبر كل تلك الفترات المتطاولة ؟
    اعتقد ان الحكومة كانت تريد طقسا هادئا لا يعكره معكر لانجاز بعض الاهداف والبرامج على الصعيد السياسي، وربما كانت تظن - وبعض الظن اثم - ان وجود زعيم ا لحركة الاسلامية في ذات ا لساحة، حرا طليقا، يعني مواجهة حرب معنوية قاسية، تضرب بكل البرامج والمشروعات السياسية الحكومية عرض الحائط، وبالتالي يصبح (اصحاب القرار) مشغولين بالرجل اكثر من انشغالهم بالدولة ومستقبلها ...!!
    ولهذا، ولغيره ، ظل الترابي، المطلوب و(المحظور) الاول في القائمة الحكومية السوداء، شأنه شأن اسامة بن لادن، في قائمة (المطلوبين) الامريكية..!!
    والغريب ان الحكومة عرفت كيف تتعامل مع الميرغني والصادق المهدي، وشيخ الهدية، وشيخ ابوزيد، وخبرت التعامل مع عبدالحي يوسف، وتياره، ومع البعثيين، والناصريين وزعامات القبائل ورجال الطرق الصوفية، لكنها فشلت تماما في ان تجد طريقا الى عقل الترابي ..!
    والسبب انهم ما زالوا يتهيبونه، وما زال - في بواطنهم - هو ... هو ..! هو الشيخ.. وهم الحواريون ..!
    والحُوار - دائماً - تضرب أوصاله الرهبة بين يديّ شيخه..!!
    اذن كانت المعادلة السياسية مختلة عندما كان الرجل مغيباً ، ومال ميزان القوى باتجاه السلطة والمال ، فاضطربت الاوضاع، وصار الحكم مقيدا بأوامر دولية، وقرارات اممية و .... !!
    كنا بحاجة ماسة الى استقامة ميزان القوى السياسية الذي كان مختلا.. !! فالحكم الراشد لا ينشأ إلا في اطار معارضة (حُكماء) راشدة. وانفراد قلة بالقرار المصيري لبلد وأمة يقود - بلا شك - الى انهيار البلد، وهلاك الامة ..!
    الكل - مثلا - ايّد اتفاق السلام وبروتوكولاته الموقعة في نيروبي يوم التاسع من يناير المنصرم، لكن ذات (الكُل) يعلم علم اليقين انها بروتوكولات (كارثية) مثقوبة بين كل سطر وآخر من سطور بنودها..!
    وقرنق وفاولينو ماتيب ، تشاكسا في نيروبي قبل ايام حتى بلغا مرحلة الوعيد الذي لا يعرف غير الرصاص طريقا ..!
    ومتمردو دارفور لوحوا في ابوجا، بورقة (الوحدة الطوعية)، ! هل تعرفون ماذا يعني هذا المصطلح الكارثي؟
    ومتمردو شرق السودان لا يرون في نيفاشا ولا حتى القاهرة، آمالهم وأحلامهم، وما زالوا يحتفظون بكنز وجدوه على طريق كسلا - بورتسودان القومي، حيث ارسلوا بالامس شريطا مصورا بفضائية الجزيرة عن اعضاء المجلس التشريعي المختطفين !! لقد وجدوا كنزاً ونجا والي البحر الاحمر - من الاختطاف حسب تصريحه الذي نشرته الصحف - بسبب قبوله لدعوة غداء لم تكن في البرنامج..!!
    وفي حال كهذي، فإن معارضة الحكماء الراشدين مطلوبة.
    ولهذا فأنا سعيد بخروج محمد ابراهيم نقد، الى سطح الارض رغم الرهق (السياسي وليس البدني) الذي تبدى عليه ، وسعيد ايضا بعودة الصادق المهدي الى البلاد ، وتكتمل سعادتي وآخرين كثر على امتداد السودان باطلاق سراح الشيخ الترابي،
    صحيح أننا قدنا حربا شعواء على الشيخ السبعيني قبل وبعد قرارات الرابع من رمضان، ولكننا كُنا نبحث عن مزيد من الشورى والتحرر، فهل وجدناها ؟!
    اجردوا معنا حسابات الشورى والديمقراطية داخل الحزب الحاكم من نهايات العام 1999م، وحتى الآن وحدثونا بالنتيجة - اين غازي صلاح الدين، وامين بناني، وشرف الدين بانقا، وأين قطبي المهدي؟!
    نعم اختلفنا سابقا مع تيار الترابي ، وليس بالضرورة اننا اتفقنا معه اليوم، فللمؤتمر الشعبي اخطاؤه الفادحة في دارفور وفي غيرها..

















                  

07-04-2005, 02:51 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق (Re: الكيك)


    الترابي.. كلمات متقاطعة

    أحمد الربعي


    مواقف حسن الترابي تشبه الكلمات المتقاطعة، وكلما تحدث الرجل يثير وراءه زوبعة من المواقف التي يصعب فهمها، وهو لا يرى تناقضاً في ان يقول الشيء وضده في نفس الوقت، وبالتأكيد فإن هناك مدرسة فكرية في حياتنا تنطلق من فكرة ان الناس ذاكرتهم ضعيفة او انهم بلا ذاكرة اصلاً.
    في حديثه المطول مع صحيفة «السياسة» الكويتية يبرئ الترابي، اسامة بن لادن من احداث 11 سبتمبر، ورغم ان بن لادن نفسه وفي اشرطة مسجلة باسمه يتبنى العملية ورغم اطنان المعلومات عن دور تنظيم القاعدة، فإن حسن الترابي مصر على ان بن لادن بريء وانه «فرح بالأحداث ولكن لم يفعلها». ويكشف لنا حسن الترابي حقيقة جديدة وهي ان من قام بأحداث 11 سبتمبر هم «بناة الثقافة الاميركية وقد غضبوا على الولايات المتحدة وفعلوا ما فعلوه» اما من هم هؤلاء، فليس مهماً، المهم هو ان بن لادن بريء من العملية!!
    كلنا يتذكر حكاية الانقلاب العسكري الذي قامت به جماعة حسن الترابي، وكيف انهم استخدموا الرئيس البشير كواجهة سياسية، وكلنا يتذكر ان جماعة الترابي يتهربون من ذكر وقائع ذلك الانقلاب، الا ان حسن الترابي يعيد تذكيرنا بالحكاية من دون ان يشعر بحرج امام جمهوره وامام حزبه فهو يقول «جئنا بالبشير وادخلنا انفسنا السجن كي لا يشعر احد بقيام دولة اسلامية، ومع ذلك غدر البشير بنا وبالدستور». وبالتأكيد فإن هذه الجرأة يحسد عليها حسن الترابي، فكيف يمكن لسياسي ان يقول انه قام بمؤامرة او تمثيلية، وانه سجن نفسه ووضع واجهة اخرى هي الرئيس البشير، ثم بعد ذلك يتوقع الترابي ان يثق به الجمهور، وما الذي يمنعه من ان يفعل شيئا مشابها وهو الذي صرح قبل ايام انه تاب عن الانقلابات العسكرية!!
    حديث الترابي يستحق القراءة وخاصة لهواة الكلمات المتقاطعة، فالرجل يتحدث عن علاقاته بصدام وكيف انه كان يسمع منه ولا يطيعه، وعلاقته بابن لادن واستثمارات بن لادن في السودان، وعلاقاته بالقذافي وكيف «ان القذافي يكره الافارقة». وينقل الترابي رواية «غير مؤكدة»، مفادها ان القذافي هو الذي وشى بعالم الذرة الباكستاني عبد القدير خان لدى الاميركان. وكلام آخر طويل يؤكد ان افضل موقف يمكن ان يتخذه الترابي هو الصمت.


                  

07-04-2005, 02:58 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق (Re: الكيك)




    شاهد عيان يروي ما جرى بين البشير والترابي
    7 فبراير 2000م


    روى المستشار الشيخ فيصل مولوي -الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان- وأحد الذين توسطوا لتقريب وجهات لنظر بين الرئيس البشير والدكتور الترابي قبل استفحال الخلاف بينهما تفاصيل هامة حول حقيقة الخلاف في السودان أرجع فيها الأزمة الحالية إلى خطأين أساسيين هما ازدواجية القيادة وازدواجية المؤسسات.
    فقال: إنه في كلّ بلاد العالم، عندما ينتصر أحد الأحزاب في الانتخابات ويتولّى السلطة، يكون رئيسه هو المسئول الأول في السلطة التنفيذية، وبذلك تنعدم الازدواجية.
    أمّا في السودان فرئيس الجمهورية هو رئيس البلاد كلّها، والترابي كرئيس حزب يجب أن يكون مواطنًا خاضعًا لرئيس الدولة، وفي المفهوم الشرعي عليه أن يبايع ولي الأمر وأن يطيعه في غير معصية. ولكن رئيس الجمهورية هو في الوقت نفسه عضو في الهيئة القيادية للحزب التي يرأسها الترابي، وهو بذلك عليه أن يكون رئيسًا ومرؤوسًا، وكذلك الترابي، ممّا أوجد ازدواجية خطيرة دفعت بالرئيس البشير إلى اتخاذ الإجراءات الأخيرة لإزالتها. وأضاف مولوي أن هناك أيضًا ازدواجية في المؤسسات: فهناك مؤسسات دستورية، وهناك مؤسسات حزبية. وكلّها تتحرّك في نفس الساحة، مثلاً: وزارة الخارجية ترعى العمل السياسي الخارجي بكلّ أبعاده، ولديها موظّفون مختصّون ومتفرّغون يتابعون كلّ القضايا، والوزير مسئول عن أعمال وزارته أمام الرئيس وأمام المجلس الوطني [وهو مجلس النواب]. لكنّ المؤتمر الوطني باعتباره الحزب الحاكم أنشأ هيئة قيادية قومية [يرأسها الترابي] وجعل من اختصاصاتها [مناقشة السياسات العامّة للمؤتمر الوطني والدولة وإقرارها] وفرّع عن هذه الهيئة ثمانية قطاعات، منها قطاع العلاقات الخارجية الذي [يختصّ بالعلاقات والسياسات الخارجية للدولة ..] وينصّ النظام الأساسي للمؤتمر الوطني على أنّ [قرارات كلّ من هذه القطاعات نافذة وملزمة لكلّ عضو في المؤتمر الوطني فيما يليه من مسئولية في أجهزة الدولة أو المجتمع.
    وبالتالي أصبح للوزير مرجعيّتان: الأولى دستورية وهي الحكومة والمجلس الوطني، والثانية حزبية وهي القطاع المختصّ التابع للهيئة القيادية؟ ثم يتساءل: وهل من المعقول أن يتخذ القطاع الحزبي القرار ويقوم الوزير بتنفيذه، ويتحمّل وحده المسئولية أمام الرئيس ومجلس الوزراء والمجلس الوطني، بينما لا يتحمّل القطاع الحزبي أيّة مسؤولية عن قرار اتخذه؟
    وأضاف الشيخ مولوي يقول: إنّ المتتبّع للأحداث منذ سنوات يشعر بوجود خلاف حقيقي داخل الحزب الحاكم، ويرى أن القيادات التاريخية للجبهة الإسلامية القومية لم تكن مرتاحة إلى الأسلوب الذي يتّبعه الدكتور حسن الترابي في إدارة شئون البلاد متجاوزًا الرئيس والحكومة والمؤسسات الدستورية، ومنطلقًا من قيادته للحزب الحاكم. ولا نزال نذكر [مذكرة العشرة] التي رفعها بعض هؤلاء القياديين ينتقدون فيها هذا الأسلوب فكان مصيرهم أن أسقطوا في الانتخابات الحزبية بأسلوب ترتسم عليه كثير من علامات الاستفهام. والملاحظ الآن أنّ الرئيس البشير يتمتّع بتأييد شريحة كبيرة من هؤلاء، خاصّة من كان منهم ضمن السلطة التنفيذية. فنائب الرئيس الأستاذ علي عثمان محمود طه، كان نائبًا للدكتور الترابي في الجبهة الإسلامية القومية لأكثر من خمس عشرة سنة، وهو الذي رشّحه ليكون نائباً لرئيس الجمهورية بعد وفاة الفريق الزبير رحمه الله، ولكنّه الآن يتبنّى وجهة نظر الرئيس البشير في الخلاف مع الدكتور الترابي. والدكتور أحمد علي الإمام كان رئيساً لهيئة الشورى في الحزب الحاكم، ثمّ أصبح مستشاراً للتأصيل لدى رئيس الجمهورية، والدكتور غازي صلاح الدين الناطق باسم الحكومة، والدكتور سيّد الخطيب وغيرهم كثير من القيادات التاريخية للحركة الإسلامية، الذين كانوا دائماً إلى جانب الترابي، هم الآن مع فريق الرئيس البشير. وليس بين هؤلاء عسكري واحد، ممّا يؤكّد أنّ القضية في حقيقتها ليست انقلابًا عسكريًّا ضدّ سلطة مدنية، ولكنّها خلاف بين وجهتي نظر حسمه الرئيس البشير بموجب صلاحيّاته الدستورية.
    وقد صرّح هو وعدد من المسئولين بوضوح أنّه لا تراجع عن أيّ مكتسب من مكتسبات الإنقاذ سواء في إشاعة جوّ الحرّيات، وتبنّي التعدّدية السياسية، والسعي إلى الوفاق الوطني وغير ذلك.
                  

07-04-2005, 03:09 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق (Re: الكيك)



    مسيرة الجبهة القومية الإسلامية.. الأزمة والانشقاق
    7 فبراير 2000م


    خضعت العلاقة بين الإخوان والجبهة القومية الإسلامية لملابسات وأحداث مهمة تناولها العديد من الأقلام بالتحليل.. وقد كان الأستاذ صادق عبدالله عبدالماجد ـ المراقب العام للإخوان في السودان ـ طرفاً أساسياً في هذه الأحداث.. ولذا كان ضرورياً أن نسمع شهادته كاملة يقول:
    هي قصة قديمة، وهنا اسمح لي أن أعبر عما أريد في هذه النقطة وأنا مسؤول عن كل كلمة أقولها.. عندما قامت الدعوة في الأربعينيات، مرت بمرحلة أولى وهي المرحلة الذهبية في تاريخها. والكيان الإسلامي للإخوان ـ والذي كان موجوداً ـ لم يكن له مثيل فيما بعد، يعني مرحلة التأسيس والإقبال على الدعوة والإخاء والصفاء الذي كان بين الناس، لذلك لم تكن تجد فواصل في الجماعة، كبيرهم وصغيرهم على مستوى متقارب جداً، ولذلك انتشرت بسرعة غريبة في أقاصي الشرق والغرب والشمال والجنوب... مليون ميل مربع ورغم ذلك تجد الدعوة في كل مكان، حتى في الجنوب دخلت جبهة الميثاق الإسلامي 'إخوان' في الانتخابات وفاز أحد أعضائها ويدعى 'عبدالله آدم زكريا'، وهكذا يفوز إسلامي في عمق غابات الجنوب، لأنه يتعامل بالإسلام مع النصارى والوثنيين الجنوبيين.. أقول إن الدعوة انتشرت انتشاراً واسعاً جداً.
    هذه الفترة الذهبية.. استمرت كم عاماً؟
    كانت منذ أن بدأت الدعوة وإلى أن عاد د.حسن الترابي من فرنسا حاملاً الدكتوراه عام 1962م، وكانت لديه قناعات خاصة ولنسمها اجتهادات.. يرى أن تأخذ الجماعة مساراً معيناً، وله رأي في المرأة، وفي طريقة التنظيم نفسه، ورأي في الأسر وفي الكتائب، وفي المنهج.
    وهذه القناعات ألا تصلح؟ وهل ناقشتموها؟
    لا... لا تصلح.
    ما رأيه في المرأة؟
    منذ أن جاء من الخارج وله رأي.. أن 'الانغلاق' الذي يتخذه الإخوان المسلمون بالنسبة للمرأة يجب أن يقابله انفتاح، فالمرأة هي نصف المجتمع، و... و... ولا بد للإخوان أن يصححوا رأيهم وأسلوبهم ومنهجهم في تعاملهم مع المرأة، والمرأة لها عندنا نشاطها ومشاركتها، .. لكن د.الترابي يرى أننا نقيد المرأة أكثر مما يجب.. هذه قناعاته التي أباح بها رويداً رويداً، وبطريقة غير مباشرة وفي جلسات غير مرتبة.. والترابي معروف بحجته القوية ولسانه الذلق، وصفاته التي لا ينكرها أحد، وتلك نعمة منحها الله إياه.
    ماذا كان موقعه في الجماعة؟
    عندما عاد من الخارج، قدمه إخواننا في أحد الملتقيات على أنه حاصل على دكتوراه وعرَّفناه إلى الجماعة، وتولى موقع الرئيس.. المسؤول..الأمين.. أو المراقب، مع أنه لا يحب هذه الكلمة 'المراقب' وهي إحدى قناعاته.
    وهل بدأ يذيع قناعاته هذه؟
    لا.. ليس كذلك، ليست مسألة إذاعة بقدر ما هي مسألة تأثير كلما وجد فرصة ضيقة.. يعني عندما يلتقي به 8 ـ 10 أفراد، يتحدث عن قناعاته تلك، ويقتنع بها واحد، وبعد شهرين يصبحون ثلاثة، ثم سبعة أو ثمانية أشخاص، وهكذا.
    وهل كان يبث هذه القناعات وهو مراقب عام؟
    نعم.. كان يتحدث إلى الإخوان، معلناً أنه يحاول أن يأخذ بأيديهم ويرفعهم، فالقضايا التي يروِّج لها كانت تلقى القبول باعتبارها جاءت من شخص أكبر وأعدل، وأفهم منهم...
    في عام 1962م ظهرت هذه القضايا عند الترابي، وإلى ذلك الحين كان نظام عبود موجوداً، وفي عام 63 ـ 1964م وقعت الانتفاضة الأولى ضد عبود، وقويت جبهة الميثاق الإسلامي التي كونها الإخوان، لأنه عندما وقعت الانتفاضة في أكتوبر عام 1964م، اجتمع الإخوان ونشطوا وكونوا جبهة الميثاق الإسلامي، بهدف توسيع العمل الإسلامي بإيحاء من الترابي فقد كان رأيه أن يكون هناك وعاءان، الإخوان وعاء بقدر معين، وإلى جواره وعاء آخر نُدخل فيه كل الناس ومن بينهم نختار من ندخله للإخوان، يقول: هناك انتخابات عامة إذا خضناها باسم الإخوان المسلمين، يكون من المتعذر كسب أصوات وتأييد الكيان الثاني، لأن فيه أناساً يرفضون الإخوان، ولهذا السبب تكونت 'جبهة الميثاق الإسلامي'، وبعدها أصبحت وبالاً على الإخوان.
    لقد قيل وقتها إنك في الانتخابات إذا نزلت باسم الإخوان، فستنزل بدعاية مقروءة ومكتوبة ومتلفزة، في الليالي العامة والمناسبات والخطب، لكن أن يكون النزول باسم جديد 'جبهة الميثاق' والناس مقبلون عليها إقبالاً جيداً، فهذا أفضل، وبالفعل وافقنا على مضض على رغبة الترابي ونزلنا الانتخابات باسم جبهة الميثاق، وجعلنا اسم الإخوان بعيداً، إننا كنا نفهم ما أمامنا، لكن الثقة كانت هي التي تجعلنا نتنازل عن أشياء كثيرة جداً قد تكون خطأ، ولذلك فقد وضعت الثقة في غير مكانها، في هذه المسألة.. نزلنا الانتخابات أولاً سنة 1966م، ثم في المرحلة الأولى، وفاز عدد من الإخوان تحت اسم 'جبهة الميثاق الإسلامي' وبعدها حُل البرلمان لأسباب سياسية، وأجريت الانتخابات مرة أخرى عام 1968م، وشاركت فيها مرشحاً، وفزت وكان فوزاً عجيباً، فاليساريون فازوا في مدينة أم درمان، وأنا فزت في مدينة الخرطوم، وإذاعة لندن عندما تقول شيئاً، فإنها تنبه الأعداء.. قالت: 'العقائديون الشيوعيون والإخوان المسلمون فازوا في العاصمة'، أقول كان الفوز غريباً، فقد فزت أمام شخصية من أقوى الشخصيات الموجودة في 'الحزب الوطني الاتحادي'، وكانوا يسمونه 'دينامو الحزب'، لا يتوقف عن الحركة، واستمررنا لمدة سنة حتى جاء انقلاب جعفر نميري، وبعدها تم اعتقالنا كما تحدثنا من قبل، ثم خرجنا وعدنا إلى الساحة، وتوقف التنظيم، لكن العمل كان يسير سراً باسم الإخوان، وكانت العودة العلنية عام 1978م، وهنا بدأت 'مرحلة المداخلة'، وهي مرحلة جديدة وخطيرة في تاريخ الدعوة.
    أنا عدت من الخارج في أغسطس عام 1978م بعد غيبة ثلاث سنوات في الخارج، ووجدت الإخوان قد دخلوا في مصالحة قبل عام كامل مع جعفر نميري، وكنت أسمع بتلك المصالحة.. في عام 1976م، كانت هناك معارضة في الخارج شارك فيها الإخوان، وحزب الأمة، وجزء من الوطني الاتحادي، وكان مقرها لندن وليبيا.. وقامت هذه المعارضة بمحاولة دخول الخرطوم سنة 1976م قام بها صادق المهدي والإخوان، واستشهد منا تسعة من خريجي الجامعة وطلابها، في اقتحام الجامعة، وأذكر منهم 'عبدالله ميرغني، وعبدالإله خوجلي'.
    فقد وصلت قناعة جبهة المعارضة إلى مرحلة ضرورة غزو البلاد من الخارج وإسقاط النظام من خلال هذا الغزو، وشارك الإخوان في الخطة.
    مصالحة نميري الوطنية
    وفي يوليو 1977م، دخل نميري مع الاتجاهات السياسية كلها في حوار من أجل المصالحة الوطنية، وفعلاً اتصل بحزب الأمة والوطني الاتحادي والإخوان، وقد قبل حزب الأمة بالمصالحة، إذ شارك صادق المهدي في الاتحاد الاشتراكي، والمكتب السياسي فترة قصيرة، ثم انسحب، أما الإخوان فقد قبلوا ـ بلا شروط ـ الدخول مع نميري في المصالحة، لكن الشريف الهندي 'الحزب الاتحادي' وضع بضعة شروط، حتى يشارك في المصالحة، وكان يعلم أنها لن تُقبل وفعلاً لم تقبل، وانتهى، وكانت معه مجموعة صغيرة تقوم بدور المعارضة.. والحقيقة أن هذا الرجل ـ الشريف الهندي ـ يعمل بإخلاص، وقد توفي وجاء أخوه.
    ويبقى أن الإخوان شاركوا في النظام، وكنت أنا في ذلك الحين خارج البلاد، ولما عدت بعد سنة وشهر تقريباً، كان طبيعياً أن أدخل في التنظيم العادي من مجلس الشورى، والمكتب التنفيذي والمكتب السياسي، لكني رفضت، وقلت لهم أنا لا أشارك في عمل ليس لي فيه يد ولا رأي ولا نصيب، وقلت: كيف أغيب عن البلد هذه الفترة الطويلة، ثم آتي وأدخل فجأة في القطار وهو يسير، وتجاوز المحطة، هذا غير مقبول.
    وكان الإخوان في ذلك الوقت في الحكومة كجزء منها، وعُين الترابي نائباً عاماً، وفي النهاية أصبح مستشاراً لرئيس الجمهورية 'النميري'، ففضلت أن أمثل جانب المعارضة وسط الإخوان، وكذلك د. الحبر وآخرون، رافضين هذه الخطوة في المصالحة مع جعفر نميري.
    المهم.. ظل موقفي معارضاً للمصالحة مع حكومة نميري، وظللت أعلن ذلك في كل مكان أتكلم فيه.. وقد دعيت مرة للمشاركة في ندوة بجامعة الخرطوم، وكان معي ثلاثة آخرون من المتحدثين.. وكنت أنا الصوت المعارض الوحيد بينهم، وشاركت مرة في الموسم الثقافي بالجامعة، وكان معي الأستاذ أحمد عبدالحليم من الحكومة، وكان يتحدث في 'الشرق' وأنا أتحدث في 'الغرب'.
    والإخوان بصفة عامة لم يكونوا راضين عن الوضع، لكنهم لم يتكلموا في الأمر، غير أنني أكدت للجميع أنني سأعلن رأيي المعارض للمصالحة مع نميري أينما تكلمت، وهنا رأت قيادة الجماعة وقتها 'الترابي كان المراقب العام في ذلك الوقت' أن هناك أفراداً غير متوائمين معهم، وليس هناك بد من فصلهم، وكنت واحداً منهم، وكان معي د. الحبر، ومحمد محمد مدني، وهو من أقدم الإخوان في السودان.. لقد تم فصل حوالي ثمانية أو تسعة، وهو ما أحدث هزة كبيرة داخل الجماعة، لأن المفصولين لم يكونوا أفراداً عاديين، وإنما من مؤسسي الدعوة في البلاد.
    وقبل عملية الفصل بأيام، سرت إشاعة بأن لديَّ بياناً أو خطاباً سأعلنه، فبادر الترابي بفصلي قبل إعلان هذا البيان، وكان لدي بالفعل بيان أعددته من تسع صفحات 'فلوسكاب'، وسجلت فيه بعض الملاحظات إبراء ًلذمتي أمام الله سبحانه وتعالى، ثم للتاريخ.. وقلت فيه: إن هذا الذي يحدث عمل ضد الإسلام وضد الإخوان.
    وبعد الفصل التقينا نحن التسعة، وبدأنا العمل 'من جديد'، ولم نعلن اسم 'الإخوان' لأنه كان مثيراً لاستفزاز السلطات، بل إن النميري في مرحلة تعاون الترابي معه، هددنا مرة قائلاً: 'الرجل منكم يقول أنا من الإخوان المسلمين حتى أطيحه في عشر دقائق'، وقد كانت الإشارة واضحة، ولذلك فعداء نميري للإخوان موجود منذ أن بدأ يسب، ويتهم.. إلى آخره... ورغم كل ذلك، عمل المصالحة مع الإخوان وجعلهم يشاركون في الحكم وفي الاتحاد الاشتراكي وفي المكتب السياسي!
    وقد صدرت جريدة القبس في السودان مرة تحمل تصريحات للترابي يقول فيها: لايوجد شيء اسمه الإخوان المسلمون في السودان، وقال: الموجود هو 'الاتجاه الإسلامي'، وكانت وجهة نظره في ذلك أنك إذا عملت في الجامعة تحت اسم الاتجاه الإسلامي يمكنك اجتذاب عدد أكبر من الطلاب وبعدها يمكن الكلام معهم عن الإخوان المسلمين، أما إذا خاطبت الطلاب من أول مرة باسم الإخوان، فمن الجائز ألا يقبلوا....
    أما نحن المفصولين التسعة، فقد بدأنا عام 1979م العمل، والحقيقة أنها كانت فترة صعبة جداً، وعندما تفاقمت الأزمة بيننا وبين الجبهة القومية الإسلامية، حضر إلى السودان من الخارج وفدان من الإخوان ضما شخصيات من الكويت وسورية وفلسطين، ليستطلعوا الوضع ويدرسوا ما يجري ويصلحوا بيننا، وقد قابلنا أعضاء الوفدين، وظل أعضاء الوفدين يدرسون الوضع في زيارات متتالية، حتى توصلوا إلى تصور كامل للأوضاع.
    وقد طرحنا مآخذنا على اجتهادات جديدة للترابي، وهي تمثل في رأينا آراء خطيرة، مثل رأيه ـ مثلاً ـ في الاختلاط ـ فقد ذهب يوماً إلى الجامعة الإسلامية بالسودان، لإلقاء محاضرة، ولما وجد فيها كلية للبنين وأخرى للبنات، قال للطلاب: ما هذا؟! هذه أول مرة أعرف فيها أن هناك شيئاً اسمه كلية للبنين وأخرى للبنات، أنتم زملاء ولا شيء بينكم فلم لا تدرسون سوياً؟!
    بل إنه أثَّر على اتحاد الطلاب ليطالب بدمج الكليات بنين مع بنات، كما أنه لم يعجبه جلوس الطلاب في المدرج.. البنات في جانب والأولاد في جانب آخر، وبينهما حاجز، وقد قال في شريط مسجل بصوته: لو كان الأمر بيدي في الجامعات لأمرت بإزالة هذا الحاجز الموجود في المدرجات بين الطلبة والطالبات، فالتدين الموجود عند البنات في جامعة الخرطوم سببه اختلاطهن بالطلبة، ولو تركناهم سيأخذهم الشيوعيون!
    وقد استمع أعضاء الوفود هذا الكلام أكثر من مرة على التسجيل، وتعجبوا!
    وماذا عن قوله بزواج المسلمة من غير المسلم؟
    هو قال ذلك في الخارج أمام بعض المؤتمرات.
    بعد فصلكم.. هل ظل للترابي ارتباط بالإخوان؟
    من الأصل الترابي كان رافضاً لفكرة 'الإخوان' وقد سمعت من الأستاذ عمر التلمساني ـ رحمه الله ـ والأستاذ عبدالرحمن خليفة ـ مراقب عام الإخوان بالأردن سابقاً ـ أنه [د.الترابي] يرفض الفكرة، ومن جهة أخرى فإن تصرفاته كانت تخلط وتسعى لإقناع الإخوان بما يرى، ولكن بطريق غير مباشر.
    وهل قطع علاقاته بالإخوان في الخارج؟
    كان يحضر لقاءات الإخوان، ولكن بعد أن جاءت الوفود الإخوانية التي تحدثت عنها خرج أعضاؤها بقناعة مؤداها أن الترابي غير حريص على أن تكون له صلة بالإخوان المسلمين.
    لكن الأستاذ عمر التلمساني ـ رحمه الله ـ أثنى في تصريحات معلنة على اتجاه نميري في تطبيق الشريعة، فكيف ترفضون مصالحة الترابي مع نميري؟
    ثناء الأستاذ عمر كان عام 1983م، أما أنا فأكلمك عن عام 1979م، أما عام 1983م، فكان نميري قد انتهى وعلى وشك السقوط بعد إعلان تطبيق الشريعة.
    كيف سارت الأمور بعد ذلك؟
    بدأنا العمل في ظروف صعبة، وركزنا على دعوة الطلاب في المرحلة الثانوية والجامعية، وأخذت الأمور تسير بخير في بعض المدن، مثل شندي والأبيض وبابا نوسا والعاصمة، لكننا قاسينا الكثير في إفهام الناس الفارق بين 'الإخوان' و'الجبهة' فقد كنا حريصين على ألا يحسب علينا شيء من المآخذ على الجبهة، إلا أن الأمر ظل مختلطاً على بعض الناس الذين ظلوا يعتقدون أننا وجهان لعملة واحدة، وقد اجتهدنا كثيراً لتصحيح الصورة حتى صار الأمـــر واضحـــاً.
    هل صحيح أن الجبهة القومية في عهد البشير استطاعت أن تُضيق على الإخوان كثيراً؟
    لا.. لم يحصل، بالعكس، وهذه شهادة، فإلى الآن نظام البشير لم يقف في طريق الإخوان، والترابي ليس عضواً في الحكومة، لكنه شخص مؤثر من الخارج، باعتباره رئيس المجلس الوطني.
    وهل تشاركون في المجلس التشريعـــي؟
    رشحنا اثنين، اُسقط أحدهما، ونجح الآخر وهو الدكتور عصام البشير.. نحن ليس لدينا موقف مضاد للحكومة أو للبشير، وقد قلنا له 'للبشير' إننا معكم في كل ما هو حق، كما أننا عليكم ـ بالنقد ـ في أي خطأ أو انحراف عن الطريق.
    وماذا عن الجبهة الإسلامية القومية؟
    الآن لايوجد ما يسمى بـ 'الجبهة القومية الإسلامية'، لقد حُلَّت تماماً، وهناك شكل جديد لهــا.
    ما هـو ؟
    الترابي طرح طرحاً جديداً: تنظيم سوداني وحدوي سياسي يؤيد الشمولية، ولم يقل.. هل هذا التنظيم أعد ليحكم السودان أم لا؟!
    وقد كان تعليق الصحفيين الذين كتبوا وعلقوا على الموضوع أنهم لا يفهمون معنى تنظيم سياسي سوداني وحدوي حر، ماذا يعني؟! وأنا بصريح العبارة حللت هذا المعنى، ـ حسب مفهومي ـ في عمودي اليومي.. 'ما قل ودل' بصحيفة الأخبار السودانية، وقلت لهم: طوال فترة العمل الإسلامي في السودان، لا يوجد عمل قام به الإسلاميون إلا وفيه الإسلام، والآن أعلن الترابي أن الجبهة الإسلامية حُلَّت تماماً، وقال وهو يخاطب الصحفيين: إذا سمعتم أن هناك ما يسمى بـ'الجبهة الإسلامية القومية'، فثقوا أني لست عضواً فيها لا من قريب ولا من بعيد.
    وقلت لهم في تحليلي: أنتم جبهة إسلامية قومية، ودعوتم أصحاب الديانات القومية المختلفة في لقاء في الخرطوم لمؤتمر 'وحدة الأديان' بما فيها الإسلام، وكأنكم منذ البداية ليس لديكم مانع من أن يكون التنظيم الجديد مفتوحاً بلا حدود لمن يشاء أن يدخل: مسلماً، كافراً، أو اللاديني، وقد تفهم أناس كثيرون هذا التحليل بعدما كانوا يسألون عن معنى كلمة 'وحدوي وحر' والترابي لم يبين ما يقصده ولم يشرحه حتى الآن.
    وفي تصريح سابق للترابي.. قال عندما أراد أن يخرج من الإخوان: 'لقد استشهد الإخوان المسلمون بقيام الجبهة الإسلامية القومية، وسوف تستشهد الجبهة القومية الإسلامية بقيام كيان أكبر منها'.. وهكذا باعترافه لا يوجد شيء يسمى 'الجبهة' وأن زمن الجبهة مضى.
    وأعضاء الجبهة هل قبلوا هذا الطرح من الترابي؟
    الترابي لا يستشير أعضاءً.
    المجتمع
                  

07-04-2005, 03:28 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق (Re: الكيك)

    4يوليو , 2005

    1:11:13 مساءً


    28/05/1426هـ






    قراءة في حياة رجل صدامي
    الميكافيلية التي قتلت صاحبها




    - الدكتور حسن الترابي... و" البروتستانتية الإسلامية" ..!!
    - من الصدام السياسي إلى التناقض الفكري وتبني تصدير" الإرهاب" !
    - عارض النميري وتحالف معـــه وانقلب على التعدديــة وخطط لانقلاب البشير وحاول ابتلاعه
    - البشير: الترابي مخادع منافق يكره الإسلام ويبيح الخمر..
    - الترابــي وكيــف تحالــف مع ابن لادن والظواهري ومن سلم الإرهابي كارلوس لفرنسا..!!

    أراد الدكتور حسن الترابي- المفكر والسياسي- أن يكون دائماً مثيراً للجدل، محباً للصدام ، تارة مع نفسه، وأخرى مع أتباعه، بل مع أقرب المقربين له، وثالثة على من يناوئهم العداء، السياسي أو الفكري أو الثقافي..
    لقد أراد أن يكون د. الترابي مارتن لوثر الكينسة الكاثوليكية في الإسلام، بالتنظير والتكفير الذي شطح به كثيراً، لدرجة أن أطلق عليه البعض: لقب صاحب البروتستانيتة الإسلامية، فقد فكر أن يكون زعيماً سياسيا أوحدا فوقع في دهاليز السياسة التي غيبته وراء السجون مرارا وتكرارا، مرة مسجونا سياسيا، وأخرى معتقلا، وثالثة تحت الإقامة الجبرية..
    وهو مجادل مستبدا، لا يعترف بخصومه، ولا يحترم من يخالفه في الرأي، كان يسخر من علي عثمان طه نائب الرئيس السوداني الحالي وقائد المفاوضات في كينيا، وكان نائباً للترابي على الملا ويصفه بـ " السطحية" و" السذاجة" و"عدم الثقافة" ، كما كان يناصب صهره الدكتور صادق المهدي العداوة السياسية..!!
    ولم يستفد من الصوفية ولا من الأخوان ، ولا حتى من الجبهة القومية التي أسسها وخاضت الانتخابات التعددية بعد سقوط نظام نميري، ولا من مؤتمر الشعبي العام الذي خرج الكثيرين عليه وانضموا إلى حزب الرئيس عمر حسن البشير في صراعه مع د. الترابي، ولم يتعظ عبر التاريخ، ولا وضع حدوداً للجغرافيا، ولا استفاد من المتغيرات الإقليمية والدولية..
    أراد أن يكون حسن الترابي فقط، فدخل "عش الدبابير" مع أنصار الديكتاتورية، وخرج من سجن النميري وزيراً للعدل وكمستشار خاص، وانقلب على التعدديــة ليكون منظراً لانقلاب العسكر وأراد أن يضعهم في جيبه فوضعه البشير في السجن والاعتقال والإقامة الجبرية، وعندما أفرج عنه حـن إلى الصدام من جديد فدخل عش الدبابير بقدميه من جديد ، وقد يقضي بقيــة حياته فيه، إذا صحت الاتهامات الموجهة إليه، من قبل " البشير" تلميذه وحليفه السابق.
    اعتبر المتمردون في الحركة الشعبية عصاة وتدعهم الصليبية العالمية، وأعلن الحرب المقدسة عليهم ، ثم فاجىء الجميع بمذكرة تفاهم بينه وبين جون قرنق الأمر الذي أغضب السلطة، وها هو الآن يناصر التمرد في دارفور ويطالب بـ " رفع المظالم عنهم"، ويتفق مع مطالبهم..!!
    ولا يعرف بعد إلى أين يسير الترابي؟! في أي شيء يفكر..!!
    وبعد الاتهامات العنيفة والمتداولة بينه وبين الرئيس عمر البشير، اتهم الترابي الرئيس بالديكتاتورية، والتفريط، والثاني لم يتورع عن وصفه بـ "المخادع" و" المنافق" و" الرجل الذي حلل الخمر" و" فتح البارات"..!!

    ونسي الترابي أنه كان حليفه الاستراتيجي ، وتناسى البشير الدور الذي لعبه الترابي في انقلابه، والتمثيلية التي انطلت حتى على دول الجوار أثر انقلاب 1989م.
    فهل يبقي الترابي في السجن ؟ أم يبقى السجن في فكر وعقل الترابي؟!
    لنبدأ ببدايات الرجل حتى نحاول الوصول إلى خط النهاية ، في مسلسل درامي مثير للجدل، انتقل فيه من النقيض إلى النقيض، فكراً وحركة وثقافة ومواقف، بل وميكافيلية في التعامل..
    من كسلا إلى السربون
    ولد الدكتور حسن الترابي في مدينة كسلا شرق السوادن، من عائلة متوسطة، عرفت بالعلم والثقافة، ومشبعة بالصوفية، تتلمذ على يد والده شيخ الطريقة الصوفية، غير مشهورة، ثم درس تعليمه الأولى والمتوسط والثانوي في موطنه الأصلي، ثم انتقل إلى جامعة الخرطوم ليحصل على درجة الليسانس في الحقوق، وبعدها إلى آفاق الغرب حيث سافر إلى بريطانيا وحصل على درجة الماجستير في عام 1957م، ومنها إلى باريس حيث التحق بجامعة السربون ليحصل على درجة الدكتوراة في عام 1964م.
    وكما يتقن الدكتور حسن الترابي اللغة العربية ويتحدث بها بطلاقة، فهو خطيباً مفوه، يتقن ثلاث لغات أخرى وهي الإنجليزية والفرنسية والألمانية، وهذا أمر غير مألوف في الكثير من الشخصيات الإسلامية التي لا يعرف الكثيرين منهم سوى لغتهم العربية فقط..
    وإتقان ثلاث لغات أجنبية فتح الطريق أمام الترابي للإعلام العالمي، متحدثاً ومنظراً للإسلام السياسي، خاصة بعد عودته من أوروبا، ووقوع الثورة في إيران، وقد أصبح الترابي الأمين العام لجبهة الميثاق الإسلامية لدى تشكيلها، والتي انبثعت عنها جماعة الأخوان المسلمين، وقد اعتقل الترابي ثلاث مرات في عهد الرئيس النميري، ولكن في عام 1979م تحالف معه وصار نائباً عاماً في البلاد، وأيد- بل هو الذي أعدها قوانين الشريعة الإسلامية عام 1983، وبعد سقوط نظام النميري في عام 1986م شكل الجبهة القومية الإسلامية التي ضمت " ألوان الطيف الإسلامي"..!!
    وانقلب على التعددية في يونية 1989م، وتبنى تصدير " المد القومي الإسلامي" ، ووفر الدعم للفارين من الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد المصريين، وأوى أسامة بن لادن والظواهري وما يسمون بـ "الأفغان العرب" وحاول تصدير الإرهاب في اتجاه الدول المجاورة، واتهمته القاهرة بأنه وراء محاولة اغتيال الرئيس المصري في أديس أبابا في الحادثة المشهورة، التي قادها أبرز عناصر الجماعة الإسلامية المصرية والذي انطلق من السودان وفر عائداً إليها، وفي أبريل 1991 أسس المؤتمر الشعبي الإسلامي، ونصب أمينا عاماً له، وتبنى الدفاع عن نظام العراق والبعث وغزو صدام للكويت، وانتخب الترابي رئيساً للمجلس الوطني السوداني- البرلمان- في 1996م و 1998م، وبدأت علاقته تتوتر مع العسكر، وتدخل الكثيرين لوضع حد للخلافات، ولكن الأمور انتهت نحو التصعيد ووصلت إلى القطيعة التامة، ووجه البشير ضربة قاصمة للترابي، فأقصاه من رئاسة المجلس الوطني وحل المجلس في 12 ديسمبر 1999م، وأعلن حالة الطوارىء ، وعلق مواد الدستور، وتصاعد الصراع بين الرجلين على السلطة، وايهما يصل أولاً البشير أم الترابي، والذي انتهى باقتسام الحزب الحاكم الذي أنشطر إلى حزبين، وبدأ نجم الترابي يأقل بابتعاده عن السلطة وسيطرة العسكر، وفقد الترابي أقرب المقربين إليه علي عثمان طه، وجيل من الشباب، ولم يبق معه ألا بعض كبار السن، ثم تصاعد الموقف ليتم القبض عليه ويوضع في السجن 2001م-2003م..
    وعندما خرج الترابي من السجن وجد كل شيء تغير، مفاوضات سلام بين الحكومية والمتمردين في نيروبي وصلت إلي نقاط متقدمــة جداً، واتفاقيات برعايــة دوليــــة، وبدء انخراط الخرطوم في فلك واشنطن وكسبت " بعض" ودها، والأمر الذي حصلت بمقتضاه على الكثير من الدعم الخارجي، ورفع جزء من الحصار، والدخول في المنظومة العربية.
    وجاءت أحداث دارفور، وتصاعد الموقف ووجد الترابي نفسه منحازاً إلى الدارفوريين وطالب بـ " رفع المظالم عنهم"، وأخذ في التحرك وهو وأنصاره لإحراج البشير،، الذي رفض حضور حكومته مفاوضات تشاد مع المعارضة في دارفور برعاية خمس دول أوروبية والعديد من المنظمات، وتوتر الموقف بين الترابي والبشير من جديد، انتهى بالإعلان عند محاولة انقلاب للإطاحة بالحكومة، ومخطط يقوم به بعض الضباط الموالين للترابي للنقضاض وخلال ضربة جوية دك الرئاسة وبعض المناطق الحيوية، وهر الأمر الذي نفاه تماما الترابي ورجال حزبه..
    ثم اعتقل الترابي وبعض قادة حزبه وأغلقت مقار المؤتمر الشعبي، وأعلن عن اتهامات خطيرة وجهت إلى الترابي والمقبوض عليهم، التي إذا صحت ستجعله يمكث في السجن باقي حياته.
    ولكن الاتهام الأخطر الذي وجه إلى الترابي كان على لسان الرئيس عمر البشير في خطاب جماهيري بمناسبة افتتاح مشروع جديد لصناعة السكر في منطقة (أبو جبرة) على بعد 180كم شمال غربي الخرطوم فقد وصفه بأنه- أي الترابي- رجل مخادع، ومنافق، وقال البشير" الترابي ظل طوال عمره كله يغش ويخدع الناس ويدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، لكنه لا يريد الشريعة، لأنه أحل الخمر وفتح البارات في الخرطوم بعد أن أغلقها الرئيس جعفر النميري عام 1983م" في إشارة إلى اقتراح الترابي تطبيق القانون في العاصمة على أساس شخصي نظراً إلى تعدد أديان السكان!!
    وقال البشير أيضاً عن الترابي "انه كان شخينا وزعيمنا، ولكنه خدعنا فتخلينا عنه، أنه رجل منافق وكذاب، وضد الدين، ويسعى إلى الفتنة، ويحرض المسلمين على قتل بعضهم البعض في دارفور"..
    اما وزير داخلية الرئيس البشير فقد وجه للترابي ستة اتهامات منها" تقويص النظام" و" إثارة الكراهية ضد الدولة" و" التحريض على التخريب" و" أثارة الفتنة" وتصل عقوبات هذه الاتهامات إلى الإعدام..!!
    وهذه قد تقضي تماما على مستقبله السياسي أن لم تكن ذخيرة الترابي حبلى بانقلاب جديد!!
    اما على مستوى الفكر والتنظير فقد أثار الترابي "الشيخ" و" المفكر" العديد من التناقضات الفقهية والفكرية ، وتبنى أطروحات مثيرة، تجاوز في بعضها الاتجاهات العلمانية المتطرفة، خاصة بنظرته إلى المرأة، فقد تبنى خطابا أكثر من حركات التحرر النسائية العلمانية، وطالب بالمساواة المطلقة بين الرجال والنساء حتى في أصل الخلقة، ودعا إلى حرية المرأة في العمل والملبس، وأعتبر الحجاب خاصا بنساء النبي - صلى الله عليه وسلم-، وتبنى حزبه الاختلاط بين الرجال و النساء، وكان تنظيم الجبهة الإسلامية يعد أول تنظيم إسلامي في العالم كله يقبل الاختلاط بين الرجال والنساء، حتى داخل بنية الحزب التنظيمية..

    مفهوم المواطنة
    وأثار الجدل حول مفهوم المواطنة، وأكد على أنها تعني المساواة المطلقة بين المسلم وغير المسلم في كل شيء، دون أي تمييز على أساس ديني، وهو الأمر الذي دفع البعض الإفتاء بأن الرجل خرج عن الإسلام، وثوابت الشريعة، باعتماده عقيدة المواطنة بدلاً من عقيدة التوحيد، ورفض الترابي تطبيق حد الردة، بل رفض تطبيق أي عقوبة على من يترك دينه أو يبدله، واعتبر ذلك من قبل" حرية الفكر والاعتقاد"، ودعا الأخذ بجميع الفنون من مسرح وسينما وأفلام ومسلسلات وغيرها دون أي تحفظ طالما لا تؤدي إلى محظور أخلاقي، ودعا إلى تصالح المسلمين مع الفن الذي قال أنه "وسيلة إصلاح وتغيير ودعوة إلى الله".
    وكان الترابي في فكره متمرداً على كل شيء مما جعله يصطدم بالعلماء والفقهاء والدعاة ويتهم بأنه " ماسوني" و" منكر للسنة" ويدعو إلى " إفساد النساء" و" التحلل الأخلاقي"، أو أنه " مفكر تحت الطلب"، وما إلى ذلك من الاتهامات الجاهزة أو المتمذهبة في كل حال، أو الخاضعة للظروف السياسية التي لم تكن في صالح الترابي.
    وعلى أي حال فقد أثار الترابي بفكره ورواه حالة من التصادم مع العلماء، وأثار بالقدر نفسه حالة من التصادم مع السياسيين فخرج من السجن ليدخله، ولا ندري هل سيخرج منه في هذه المرة أم لا تسلم الجرة تلك المرة..
    وإذا كان البعض طرح البعد الدولي ورسالة الخرطوم إلى الأوروبيين والأمريكيين في توجيه ضربة إلى الترابي وحزبه العائد بقوة للساحة السياسية، فإن في الأمر ما يبرر هذا الاتجاه، وخاصة بعد ضغوط واشنطن القوية على الخرطوم، وقرب موعد مناقشة الكونغرس الأمريكي لرفع العقوبات الاقتصادية والحظر على السودان، والتدخل الأوروبي القوي في دارفور ودعم المتمردين..
    فالخرطوم أرادت إن توجه رسالة قوية إلى الخارج الذي لا يقبل أي دور للترابي في السودان الجديد ولا لحزبه، ولا المنظومة الإقليمية ولا الدولية تقبله أو تستطيع أن تهضم - في الوقت الحالي- تصدير الترابي لـ " الإسلام القومي" أو تقبل لعبته مع الحكومات في داخل البلاد، أو مناوشاته في الخارج ومغازلته للتيارات الراديكالية والإرهاب!!
    فهل يذهب الترابي هذه المرة وتدهب معه الميكافيلية الترابية؟!!
                  

07-04-2005, 03:49 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق (Re: الكيك)







    محمود محمد ط
    رئيس الحزب الجمهوري
    يقدم
    الدستور الإسلامي
    نعم .. ولا
    أمدرمان في شوال 1387هـ

    يناير 1968م

    الإهــــــداء :-
    إلى الشــعب الســـوداني الكــريم

    إن قافلتك اليوم تسير على حداء قادة قد ضلوا عن الحق .. وأضلوا !!

    فلا تصدق كل ما تسمع ..

    وليكن دليلك حديث المعصوم لعبد الله بن عمر ..

    (( دينك !! دينك !! يابن عمر !! ولا يغرنّك ماكان مني لأبويك ، فخذ ممن استقاموا ولا تأخذ ممن قالوا ..))

    بسم الله الرحمن الرحيم

    (( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا )) صدق الله العظيم

    المقدمــة

    جبهة الميثاق :

    لقد سقط الدستور الإسلامي الكامل في اللجنة القومية للدستور الدائم للسودان !!

    وعن بعض ملابسات سقوطه يحدثنا محضر مداولات هذه اللجنة في مجلده الثاني على النحو التالي :-

    ((السيد موسى المبارك : جاء في مذكرة اللجنة الفنية نبذة حول الدستور الإسلامي في صفحة (7) أن يكون رأس الدولة مسلما ، أود أن أسأل هل لغير المسلمين الحق في الاشتراك لانتخاب هذا الرئيس ؟))

    ((السيد حسن الترابي : ليس هناك ما يمنع غير المسلمين من انتخاب الرئيس المسلم ، الدولة تعتبر المسلمين وغير المسلمين مواطنين ، أما فيما يتعلق بالمسائل الاجتهادية فإذا لم يكن هناك نص يترك الأمر للمواطنين عموما ، لأن الأمر يكون عندئذ متوقفا على المصلحة ، ويترك للمواطنين عموما أن يقدروا هذه المصلحة ، وليس هناك ما يمنع غير المسلمين أن يشتركوا في انتخاب المسلم ، أو أن يشتركوا في البرلمان لوضع القوانين الإجتهادية التي لا تقيدها نصوص من الشريعة .))

    ((السيد فيليب عباس غبوش : أود أن اسأل ياسيدي الرئيس ، فهل من الممكن للرجل غير المسلم أن يكون في نفس المستوى فيختار ليكون رئيسا للدولة ؟))

    ((الدكتور حسن الترابي : الجواب واضح ياسيدي الرئيس فهناك شروط أهلية أخرى كالعمر والعدالة مثلا ، وأن يكون غير مرتكب جريمة ، والجنسية ، وما إلى مثل هذه الشروط القانونية .))

    ((السيد الرئيس : السيد فيليب عباس غبوش يكرر السؤال مرة أخرى .))

    ((السيد فيليب عباس غبوش : سؤالي يا سيدي الرئيس هو نفس السؤال الذي سأله زميلي قبل حين – فقط هذا الكلام بالعكس – فهل من الممكن أن يختار في الدولة – في إطار الدولة بالذات – رجل غير مسلم ليكون رئيسا للدولة ؟))

    ((الدكتور حسن الترابي : لا يا سيدي الرئيس ))

    هذه صورة مما جرى في بداية معارضة اقتراح الدستور الإسلامي الكامل .. ويلاحظ محاولة الدكتور الترابي التهرب من الإجابة مما أضطر معه السيد رئيس الجلسة أن يطلب من السيد فيليب عباس غبوش ليعيد السؤال ، بغية أن يتلقى عليه إجابة محددة ، لأنه سؤال في حد ذاته ، محدد .. فلما أعاده ، لم يجد الدكتور الترابي بدا من الإجابة ، فأجاب ب "لا" !! ومن تلك اللحظة بدأت المعارضة التي انتهت بهزيمة اقتراح الدستور الإسلامي الكامل ، وهي معارضة قد رصدت كلها في محاضر مداولات اللجنة القومية للدستور ، فلتراجع ..

    وتهرب الدكتور الترابي في أول أمره عن الرد المحدد ليس أمرا عرضيا ، وإنما هو أمر شديد الدلالة على مبلغ التناقض الذي يرزح تحته الدكتور الترابي وزملاؤه من دعاة الإسلام ، ممن تلقوا ثقافة غربية واسعة .. فهم يشعرون بضرورة مسايرة العصر الحاضر في منشآته التقدمية ، وبصورة خاصة الديمقراطية ، والاشتراكية ، ثم انهم لا يجدون في الفكر الإسلامي الذي تتلمذوا عليه ما يسعفهم بهذه المسايرة ، فظلوا يعيشون تناقضا مزعجا ، جنى على ملكاتهم ، وعطل طاقاتهم ، وأظهرهم بمظهر يستوجب الرثاء ، ويستدر الإشفاق .

    ودعاة إسلاميون آخرون

    وحين سقط الدستور الإسلامي الكامل في اللجنة القومية قام نفر من كرام المواطنين ، يمثلون صفوة ممن جمعوا بين الثقافة الغربية وبعض الثقافة الإسلامية ، وأسموا أنفسهم "الهيئة الوطنية للدستور الإسلامي" وأصدروا مذكرة عن "الدستور الإسلامي الكامل ، لجمهورية السودان" .. وقد جاء في ديباجة هذه المذكرة قولهم : ((وقد كان نتيجة لذلك أن أعلنت الأحزاب الشمالية الرضا بالدستور الإسلامي على اختلاف بينها . وأن ذلك الخلاف الذي حدث داخل اللجنة القومية للدستور أدى إلى أن يجتمع فريق من إخوانكم بالعاصمة المثلثة ويتشاوروا في الطريقة المثلى التي تفضي بنا إلى دستور إسلامي كامل .

    ((وقد شكلت هيئة تحت اسم الهيئة الوطنية للدستور الإسلامي الكامل . وبعد عديد من الاجتماعات أنهت الهيئة إلى تشكيل مجلس للبحث والتشاور والاتصال بالسادة زعماء الأحزاب تسألهم مناصرة الدستور الإسلامي الكامل ، ماداموا مقتنعين بأن بناء الدولة وفقه سيؤدي إلى سعادة المواطنين أجمعين مسلمين وغيرهم .))

    ((وقد اتصلت الهيئة بالسادة رؤساء الأحزاب وزعماء الطوائف فوجدت منهم ترحيبا وتأييدا ومنهم من رغب إلى هذه الهيئة أن تضع مذكرة تحدد فيها السمات البارزة التي يتميز بها الدستور الإسلامي عما عداه من الدساتير .))

    ((لذلك فقد كلفت الهيئة سبعة من أعضائها لصياغة المذكرة . ولما فرغت اللجنة من وضع المذكرة عرضتها على الهيئة فناقشتها ثم أقرتها على هذا الوضع الذي بين يدي القارئ.

    وفيما يلي أسماء الهيئة ولجنة الصياغة :

    السيد الدرديري محمد عثمان رئيسا

    السيد الدكتور كامل الباقر سكرتيرا

    السيد أحمد البيلي مقررا

    السيد عبد الماجد علي أبوقصيصة

    السيد عوض الله صالح

    السيد مندور المهدي

    السيد بدوي مصطفى

    السيد مجذوب مدثر الحجاز

    السيد محمد العربي

    السيد أبشر أحمد حميده

    السيد داؤد الخليفة عبد الله

    السيد يوسف اسحق حمد النيل

    السيد على طالب الله

    السيد محمد هاشم الهدية

    السيد عوض حامد جبر الدار

    السيد يوسف الخليفة أبوبكر

    السيد عمر عبد الله صبير

    أسماء لجنة الصياغة

    السيد الدرديري محمد عثمان

    السيد الدكتور كامل الباقر

    السيد مجذوب مدثر الحجاز

    السيد عوض الله صالح

    السيد بدوي مصطفى

    السيد مندور المهدي

    السيد أحمد البيلي

    (( هذا – ونحن نأمل أن تقف الأحزاب على اختلافها إلى جانب هذه المبادئ ، وأن يقف بجانبها كذلك اعضاء الجمعية التأسيسية حتى يضعوا للأمة ما نادت به من دستور إسلامي كامل يحقق الخير لأفرادها أجمعين .))

    ((وإننا لنهيب بأفراد الأمة على اختلاف أحزابهم وطوائفهم أن تعمل في تكاتف ودأب وصلابة لبناء دولتنا على أساس الإسلام ، ومن كان ذلك هدفه فالنصر حليفه .)) انتهى قولهم .

    ولقد أوردنا لك هنا كشفا بأسماء السادة أعضاء هذه الهيئة حتى تتعرف عليهم ، فإنهم من أكبر رجالات هذه البلاد من جهة التحصيل العلمي ، والمناصب الرسمية في الدولة ، فماذا قالوا في هذه المبادئ التي يدعون الأحزاب والطوائف للوقوف بجانبها "في تكاتف ودأب وصلابة لبناء دولتنا على أساس الإسلام" ؟ - "ما داموا مقتنعين بأن بناء الدولة وفقه سيؤدي إلى سعادة المواطنين أجمعين مسلمين وغيرهم" ؟ قالوا من صفحة (5) " عندما ننادي بقيام الدستور الإسلامي وتحقيق مبادئ الشريعة الإسلامية إنما ننادي بقيام دولة حديثة بكل ما في هذه الكلمة من مفهوم . فالديمقراطية بكل أشكالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية عرف الإسلام مضمونها قبل أن تتصورها الدول الحديثة . إن نظام الحكم في الإسلام يقوم على أساس أن الدولة أرض ، وشعب ، وحكومة ، كما هو الحال في تصورها الحديث" هذا ما قالوه في صفحة نمرة 5 ولكن اقرأ ما قالوه في صفحة نمرة 11 .

    ((1- الديمقراطية

    صارت الديمقراطية من الشعارات التي تحمل معاني كثيرة ومتناقضة بمستوى التناقض القائم بين الشرق الشيوعي والغرب الرأسمالي . فالدول الشيوعية تصف أنظمتها بالديمقراطية وكذلك تفعل الدول الغربية الرأسمالية على الرغم مما بين الشرق والغرب من خلاف في المبادئ والفلسفات أما المسلمون فقد وصفهم الله بقوله ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ) 143 – البقرة .

    ((2- الاشتراكية

    كذلك يحمل لفظ "الاشتراكية" من المعاني المتناقضة ما يجعل استعماله في أي شكل من الأشكال وسيلة لاستغلاله للانحراف بمبادئ العدالة الإنسانية وإشعال حرب الطبقات بين المجتمع وإذا كان الإسلام متضمنا لجميع معاني العدالة والورى وكل مبادئ الإنسانية السليمة إذن فلا نرى أي مبرر لورود كلمتي "الاشتراكية" "والديمقراطية" ضمن بنود الدستور ، ويكفى أن يوصف الدستور بأنه إسلامي .

    "اللهم إلا إذا اتهمنا الإسلام بالقصور وعدم الكمال والشمول وهو أمر لا يدور بخلد واحد من المسلمين " انتهي كلامهم .

    القصور قصور المسلمين لا قصور الإسلام

    والذي يطلع على مذكرة "الهيئة الوطنية للدستور الإسلامي" من المسلمين الواعين لا يخطر بباله قصور الإسلام ولكن يتجسد أمامه قصور دعاة الإسلام ، حتى عن الإدراك السليم لقضايا العصر فضلا عن الإدراك السليم لحقائق الإسلام . يضاف إلى كل ذلك أن هذه الهيئة يمكن أن تتهم بعدم الأمانة الفكرية . فهي قد شعرت بالحاجة إلى المراوغة التي شعر بها الدكتور الترابي ، ولما لم يكن عندها فيليب عباس غبوش ليضطرها إلى التحديد ، كما جرى للدكتور الترابي ، حاولت أن تغرق غموضها في الأسلوب المنمق ، الفج ، الذي لا يحوي من الحق شيئا ، بل إنه ليقوم على الباطل .. فاقرأوا إن شئتم قولهم من صفحة نمرة 8 ، تحت عنوان "حقوق غير المسلم" .

    "1- سكان الدولة من غير المسلمين يتمتعون ، في حدود القانون ، بحرية تامة في دياناتهم ، وعباداتهم ، وتعليمهم الديني ، (لا إكراه في الدين ، قد تبين الرشد من الغي) "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ، إن الله يحب المقسطين " "وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد"

    "2- من حقهم أن يطالبوا بالقضاء في أحوالهم الشخصية حسب قانونهم الديني أو تقاليدهم الخاصة "

    "3- يتساوون مع المسلمين في الحقوق والواجبات الأخرى"

    هذا مع أن كل من أوتي أقل حظ من المعرفة بالشريعة يعلم أن سكان الدولة من غير المسلمين - من يهود ونصارى وغيرهم - يعرفون باسم الذميين ، وهم من أعطاهم المسلمون الأمان على مالهم ، وعرضهم ، ودمهم ، مقابل أن يعطوا الجزية - فحين يعطي المسلم القادر الزكاة يعطي الذمي الجزية - ومن هاهنا فان القول بالمساواة في الحقوق ، والواجبات ، يصبح هراء باطلا .

    ثم إن الآيات التي أوردوها في نمرة 1 أعلاه كلها منسوخة ولم تقم عليها الشريعة ، وهي منسوخة بآية السيف "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " ومنسوخة بآية "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ، ولا باليوم الآخر ، ولا يحرمون ما حرم الله ، ورسوله ، ولا يدينون دين الحق ، من الذين أوتوا الكتاب ، حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" فهل مع هذه العبارة الواضحة يزعم زاعم أنهم "يتساوون مع المسلمين في الحقوق والواجبات الأخرى" ؟

    ثم انك عندما تتحدث عن الديمقراطية - وأنت تتحدث عنها بمجرد حديثك عن الدستور - فإنه لا يكفي أن تساوي بين المواطنين في بعض الحقوق والواجبات ، وتميز بينهم في بعضها الآخر تمييزا يقوم على أساس العقيدة ، أو العنصر ، أو الطبقة ، مثلا . ولابد من المساواة التامة بين المواطنين في جميع الحقوق والواجبات - وإلا فلا تتحدث عن الدستور ، ولا تتحدث عن الديمقراطية .

    بين الشريعة والدين

    إن قومنا من دعاة الفكر الإسلامي ، في جميع مدارسه ، يخلطون خلطا ذريعا بين الشريعة والدين ، وهم من أجل ذلك يتناقضون ، وعندما يشعرون بالتناقض يحاولون التهرب ، أو التعمية والتمويه ، فلا يبلغون طائلا . وقد أوردنا لك كيف حاول الدكتور حسن الترابي أن يتهرب عن الإجابة حتى حوصر ، فاضطر إلى المواجهة اضطرارا لم يملك معه منصرفا ، ذات اليمين ، ولا ذات الشمال .. وكيف أن الهيئة القومية للدستور الإسلامي الكامل حاولت أن تغرق مسائل حيوية في تعمية تلبس بهرج الأسلوب ، ولتدس فيه عبارة خاطئة من أولها لآخرها ، وذلك قولها "3- يتساوون مع المسلمين في الحقوق والواجبات الأخرى" ثم ذهبت تسوق في حججها آيات منسوخة ..

    أول ما تجب الإشارة إليه هو أن الشريعة الإسلامية ليست هي الإسلام ، وإنما هي المدخل على الإسلام .. هي طرف الإسلام الذي نزل إلى أرض الناس منذ أربعة عشر قرنا ، وهي في بعض صورها تحمل سمة "الموقوتية" وهي من ثم قابلة للتطور ، وهي في تطورها تنتقل من نص فرعي في القرآن تنزل لأرض الناس من نص أصلي . وقد اعتبر النص الأصلي منسوخا ، بمعنى أنه مرجأ إلى يومه ، واعتبر النص الفرعي صاحب الوقت ، يومئذ . فتطور الشريعة الإسلامية ، في بعض صورها ، إذن ، إنما يعني انتقالها من نص ، إلى نص ، في القرآن .. فآية السيف ، وأخواتها ليست ، في الإسلام ، أصلا وإنما هي فرع .. وقد تنزل الفرع ، عن الأصل ، بفعل الضرورة ، ليكون قريبا لأرض الناس ، حتى ينقلهم ، على مكث ، إلى الأصل .. فالأصل هي الآيات المنسوخة والفرع الآيات الناسخة .. فإذا كنا نتحدث عن الشريعة الإسلامية فيجب ألا نزج بآية " لا إكراه في الدين ، قد تبين الرشد من الغي" إلا إذا كنا ندعو إلى أن تتطور الشريعة ، من آيات الإكراه ، إلى آيات الإسماح . وهو أمر لا يدعو إليه ، بل ولا يعقله دعاة الإسلام عندنا ، إلى الآن .

    وهناك أمر خطير يجب تقريره هنا ، وهو أن الشريعة الإسلامية ليست ديمقراطية ، ولا هي اشتراكية ، وإنما هي تقوم ، في السياسة ، على آية الشورى ، وهي آية حكم الفرد الرشيد ، الذي جعل وصيا على قوم قصر ، وقد طلب إليه أن يحسن تربيتهم ، ورعايتهم ، وترشيدهم ليكونوا أهلا للديمقراطية . ويومئذ تتطور شريعتهم لتنتقل من فروع القرآن إلى أصوله - من آية الشورى إلى آيتي " فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر " فتكون بهذا التطوير أدخل في الإسلام من سابقتها . أو قل منها قبل أن تتطور .

    ومثل هذا يقال عن الاشتراكية ، فإن شريعة الإسلام الحاضرة ليست اشتراكية ، وإنما هي رأسمالية ، أريد بها أن تكون مرحلة تسير الأمة السالفة إلى منازل الاشتراكية . ويومئذ تتطور الشريعة الحاضرة ، بأن تنتقل من فروع القرآن إلى أصوله - من آية الزكاة الصغرى (الفرعية) " خذ من أمولهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ، والله سميع عليم " إلى آية الزكاة الكبرى (الأصلية) " يسألونك ماذا ينفقون قل العفو " .

    ففي الشريعة الحاضرة ليست هناك ديمقراطية ومن ثم ليس هناك دستور إسلامي .. وكل حديث عن الدستور الإسلامي من الذين لا يرون تطوير الشريعة الإسلامية إنما هو جهل مزدوج - جهل بالإسلام ، وجهل بثقافة العصر .. وهو ما يقوم عليه أمر دعاة الإسلام عندنا . ونحن نحب أن نقول لهم في ختام هذه المقدمة أنكم إن لم تفهموا حقيقة الإسلام ، وطبيعة ثقافة العصر الحاضر ، فمن الخير أن تكفوا عن الدعوة إلى الإسلام .. وإلا فإنكم تحملون وزر تعويق الدعوة إليه بجهالات تحاولون أن تلصقوها به ، وهو منها براء .. وستكون حصيلة محاولتكم تأخير قافلة الدعاة الحقيقيين بعض الوقت . وبحسب المرء من الشر أن يعوق بجهالته ، دعوة الخير ، ولو لحظة واحدة ، وهو يعلم .

    الديمقراطية والاشتراكية والإسلام

    الديمقراطية

    " وإذا كان الإسلام متضمنا لجميع معاني العدالة والشورى وكل المبادئ الإنسانية السليمة إذن فلا نرى أي مبرر لورود كلمتي (الاشتراكية والديمقراطية) ضمن بنود الدستور ويكفي أن يوصف بأنه إسلامي " "اللهم إلا إذا اتهمنا الإسلام بالقصور وعدم الكمال والشمول وهو أمر لا يدور بخلد واحد من المسلمين " بهذه العبارات اختتمت " الهيئة الوطنية للدستور الإسلامي مذكرتها عن الدستور الإسلامي الكامل . وهذه الهيئة ترفض الديمقراطية .. لماذا ؟ هي تحدثنا في مذكرتها فتقول " صارت الديمقراطية من الشعارات التي تحمل معاني كثيرة ومتناقضة بمستوى التناقض القائم بين الشرق الشيوعي والغرب الرأسمالي . فالدول الشيوعية تصف أنظمتها بالديمقراطية وكذلك تفعل الدولة الغربية الرأسمالية على الرغم مما بين الشرق والغرب من خلاف في المبادئ والفلسفات . أما المسلمون فقد وصفهم الله بقوله " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على لناس "

    وأنا شديد اليقين بأن من يقول مثل هذا القول لا يحق له أن يتحدث عن الديمقراطية ، ولا يحق له أن يتحدث عن الإسلام ، فإن تحدث فإنه لا يعدو أن يكون رجلا يقول على الله مالا يعلم . وقد يكون رجلا لا يرجو لله وقارا ..

    أما الإسلام ، فإن هذه الآية لا يصح إيرادها في هذا المقام ، لأنه ليس هناك بين الشيوعية والرأسمالية الغربية موضع وسط ، فإنهما كلاهما مادي .. فالرأسمالية الغربية هي التي زيفت الديمقراطية في الغرب ، والشيوعية هي التي زيفت الديمقراطية في الشرق ، وإن كان تزييف الديمقراطية في الغرب أقل ، بما لا يقاس من تزييفها في الشرق - ولكن المهم أن هناك جنفا عن الروح ، في الشرق ، وفي الغرب ، مما يجعل المدنية الغربية ، بشطريها : الرأسمالي ، والشيوعي مدنية مادية ، عاجزة ، عن استيعاب طاقة الإنسان المعاصر ، الذي أصبح يطلب الحرية ، ويطلب الرخاء المادي ، كوسيلة إليها ، لا كبديل عنها . وقد ورد في كتاب الحزب الجمهوري " التحدي الذي يواجه العرب" صفحة 19 قولنا " وتوحيد البشرية عن طريق الفكر - وليس هناك من طريق سواه - يتطلب مدنية تعطي منزلة الشرف للفكر ، وما هكذا المدنية الغربية الحاضرة : لا في شقها الرأسمالي الغربي ، ولا في شقها الشيوعي الشرقي .. بل إن هذه المدنية الغربية لتقوم أساسا على إنكار الفكر .. فهي مدنية مادية يستوي في ذلك شقها الشيوعي ، مع شقها الرأسمالي ، فليس الاختلاف بين الشيوعية والرأسمالية إلا اختلاف مقدار .. وواضح جدا عند الشيوعية تحقير الفكر وكبت حريته .

    "والمدنية الغربية أعلنت إفلاسها ، ووصلت إلى نهاية مقدرتها التطورية .. وعجزت عن استيعاب طاقة بشرية اليوم ، وتطلعها إلى تحقيق الاشتراكية والديمقراطية في جهاز حكومي واحد .. لأن الإنسان المعاصر يريد الحرية ، ويرى أن الاشتراكية حق طبيعي له ووسيلة لازمة لتحقيق هذه الحرية ، ومن خطل الرأي عنده ، أن يطلب إليه ، أن يتنازل عن حريته لقاء تمتعه بالحقوق التي تكفلها له الاشتراكية ، كما تريد له الشيوعية الماركسية الآن . أو أن يطلب إليه أن يحقق حريته الديمقراطية في ظل نظام اقتصادي رأسمالي لا تتوفر له فيه حاجة المعدة والجسد إلا بشق الأنفس ، كما تريد له الرأسمالية الغربية .. فليس ، إذن ، بين الديمقراطية الغربية ، وبين الشيوعية الماركسية ، موضع وسط يحتله المسلمون ، وتساق في تحديده تلك الآية الكريمة . وإنما سيقت الآية لتوسط المسلمين بين إفراط المسيحيين في الروحانية ، وإفراط اليهود في المادية ، وقد تحدثنا عن ذلك بتطويل في كتابنا " الرسالة الثانية من الإسلام " صفحة نمرة 108 فليراجع .

    وأما الديمقراطية فإنه من الخطأ أن ينسب لها تقصير المقصرين في تطبيقها ، أو تزييف المزيفين لمحتواها . ولم تخبرنا هذه الهيئة عن الديمقراطية في جوهرها ، وإنما اكتفت برفضها لأنها ، عندها ، أصبحت "من الشعارات التي تحمل معاني كثيرة ومتناقضة " وهذا محض سطحية ، وإفلاس فكري .. ونحن لن نتوسع هنا في شرح معنى الديمقراطية في جوهرها وإنما نترك ذلك لحين صدور كتابنا "الإسلام ديمقراطي اشتراكي" ولكننا لا بد لنا قبل ذلك من أن نشير القارئ إلى كتابنا "زعيم جبهة الميثاق في ميزان 1_ الثقافة الغربية 2- الإسلام " صفحة 9 وما بعدها ليراجع حقيقة الديمقراطية بصورة موجزة ولكنها كافية لحاجته الحاضرة .. ونستطيع أن نورد هنا شيئا يسيرا مما جاء في ذلك الكتاب . "وتعد المساواة الأساسية بين كافة الناس مظهرا من أهم المظاهر للمذهب الديمقراطي . فالناس من حيث هم ناس ، مهما فرقت بينهم فوارق الجنس ، أو اللون ، أو اللغة ، أو الدين ، أو القومية أو الطبقة فان هناك شيئا أساسيا مشتركا بينهم ، هو العقل .. والقدرة على التفكير . والناس بهذه النظرة ليسوا مجرد أعضاء في طائفة اجتماعية ، أو طبقة اقتصادية ، أو قومية معينة ، لأن (الذي يتساوون فيه بصفة أساسية يأتي مما يشتركون فيه ، لا مما يفرق بينهم) " هذا ما قلناه هناك فالديمقراطية هي نظام الحكم الذي يكون فيه لكل مواطن كرامة .. وكرامة الإنسان ليست في توفير (العلف) له وإنما في احترام حرية فكره فما كرم الإنسان على الحيوان إلا بالفكر .

    ولقد ورد في كتاب الحزب الجمهوري "الرسالة الثانية من الإسلام" في صفحة نمرة 165 قولنا " وإنما تجئ كرامة الإنسان من كونه أقدر الأحياء على التعلم والترقي ، وإنما تجئ كرامة الديمقراطية من كونها ، كأسلوب للحكم ، أقدر الأساليب لإتاحة الفرص للإنسان ليبلغ منازل كرامته وشرفه ، وإنما يتعلم الإنسان من أخطائه وتلك هي الطريقة المثلى للتعليم "ففي الديكتاتورية تمنع الحكومة الفرد من أن يجرب ، أو يعمل بنفسه ، وبذلك تعطل نموه الفكري والعاطفي ، والخلقي ، لأن كل أولئك إنما يتوقف نموه على ممارسة العمل ، وتحمل مسئولية الخطأ في القول وفي العمل ، ثم التعلم من الخطأ . وعلى العكس من الديكتاتورية ، نجد أن الديمقراطية قائمة على الحق في ارتكاب الأخطاء ، وهذا ليس معناه الخطأ من أجل الخطأ وإنما اعترافا بأن الحرية توجب الاختيار بين السبل المختلفة للعمل ، ولا يمكن للإنسان أن يكون ديمقراطيا حقا دون أن يتعلم كيف يختار ، وأن يحسن الاختيار ، وأن يصحح ، باستمرار خطأ الاختيار الذي يبدو منه ، الفينة بعد الفينة ،. وفي واقع الأمر فإن السلوك جميعه ، وممارسة الحرية برمتها ، إنما هي سلسلة من التصرف الفردي في الاختيار والتنفيذ .. أو قل في حرية الفكر وحرية القول وحرية العمل ، على شرط واحد هو أن الإنسان يتحمل نتيجة خطئه في القول ، وفي العمل ، وفق قانون دستوري . "فالديمقراطية هي حق الخطأ ، وفي قمة هذا التعريف جاء حديث المعصوم (إن لم تخطئوا وتستغفروا فسيأتي الله بقوم يخطئون ويستغفرون فيغفر لهم.) " هذا ما أوردناه يومئذ وسنخوض في تفصيل أمر الديمقراطية في كتابنا المقبل إن شاء الله وهو الذي سيصدر باسم " الإسلام ديمقراطي اشتراكي" ولكن هذا القدر الذي أوردناه كافي للتدليل على أن الديمقراطية أسلوب حياة ينطبق عليه الأسلوب الإسلامي تمام الانطباق ، فإذا زيفها الشيوعيون ، أو زيفها الفاشيون ، أو زيفها الرأسماليون الغربيون فقد وجب أن نرفض التزييف من حيث جاء ، ونتمسك بالديمقراطية في أصالتها وجوهرها ، ونقوم على حمايتها ، لأنها النهج الإنساني الوحيد في أسلوب الحكم الذي يليق بشرف ، وكرامة الإنسان .

    والاشتراكية

    وماذا قالت هذه الهيئة عن الاشتراكية ؟ قالت " كذلك يحمل لفظ الاشتراكية من المعاني المتناقضة ما يجعل استعماله في أي شكل من الأشكال وسيلة لاستغلاله للانحراف بمبادئ العدالة الإنسانية وإشعال حرب الطبقات بين المجتمع "

    وهنا أيضا غاب عن هذه الهيئة جوهر الاشتراكية وتورطوا ، فنسبوا لها سوء التطبيق ، والتزييف الذي تعرضت له ، كما تعرضت صنوها "الديمقراطية" فالاشتراكية هي "الديمقراطية الاقتصادية" حين كانت الديمقراطية هي "الاشتراكية السياسية" ، وهما لا ينفصلان ، وإنما هما ، للمجتمع الراقي ، كالجناحين للطائر .. فكما أن الطائر لا يستطيع أن ينهض بغيرهما معا ، وغرضهما إحراز كرامة الإنسان . ولقد سبق أن قررنا أن المدنية الغربية الحاضرة إنما أعلنت إفلاسها عن استيعاب طاقة الإنسان المعاصر لأنها عجزت عن الجمع بين الديمقراطية والاشتراكية في جهاز حكومي واحد .. فالإنسان "المعاصر يريد الحرية ، ويرى أن الاشتراكية حق طبيعي له ، ووسيلة لازمة لتحقيق هذه الحرية ، ومن خطل الرأي عنده ، أن يطلب إليه ، أن يتنازل عن حريته لقاء تمتعه بالحقوق التي تكفلها له الاشتراكية ، كما تريد له الشيوعية الماركسية الآن ، أو أن يطلب إليه أن يحقق حريته الديمقراطية في ظل نظام اقتصادي رأسمالي لا تتوفر له فيه حاجة المعدة والجسد إلا بشق الأنفس ، كما تريد له الرأسمالية الغربية."

    والعبارة التي أوردتها هذه الهيئة في مذكرتها ، وهي قولها "وإشعال حرب الطبقات بين المجتمع" تدل أتم الدلالة على أن الهيئة تعتقد أن الاشتراكية هي الماركسية ، وهذا وهم شائع ، إن جاز أن يتورط فيه قارئ الصحف اليومية العادي ، فلا يجوز أن يتورط فيه نفر يتصدون للكتابة ، ولتوجيه الشعب ، في أمر من أهم أموره ، ألا وهو الدستور ، فإن الماركسية مدرسة من مدارس الاشتراكية ، لها حسناتها ، وعليها سيئاتها وما ينبغي أن نحسب أخطاء الماركسية على الاشتراكية ، بحال من الأحوال : والاشتراكية تعني ببساطة ، أن يكون الناس شركاء في خيرات الأرض ، فلا يكون لبعضهم حق وللبعض الآخر صدقة .. ولقد جاءت كنتيجة طبيعية للصراع الطويل المرير بين " الما عندهم والعندهم" وقبل أن تظهر الاشتراكية العلمية كانت الاشتراكية البدائية ، وهي تعني المشاركة في الخيرات التي لا تضيق بأحد ، ولا يقع عليها الحوز ، ولقد عبر المعصوم عن هذه حين قال "الناس شركاء في ثلاثة: الماء والكلأ والنار" وفي هذا الحديث إشارة رصينة إلى وجوب الاشتراكية بين الناس حين تفيض الخيرات باستغلال الموارد الطبيعية والصناعية ، وهو ما عليه قامت الاشتراكية العلمية.

    ولقد ورد في كتاب الجمهوريين "الرسالة الثانية من الإسلام" صفحة 158 عن الاشتراكية الآتي :

    "فالاشتراكية العلمية ، عند الجمهوريين ، تقوم على دعامتين اثنتين ، وفي آن واحد : أولاهما زيادة الإنتاج من مصادر الإنتاج ، وهي المعادن ، والزراعة ، والصناعة ، والحيوان ، وذلك باستخدام الآلة ، والعلم ، وبتجويد الخبرة الإدارية ، والفنية ، وثانيتهما عدالة التوزيع ، وهي تعني ، في مرحلة الاشتراكية أن يكون هناك حد أعلى لدخول الأفراد ، وحد أدنى . على أن يكون الحد الأدنى مكفولا لجميع المواطنين ، بما في ذلك الأطفال ، والعجائز ، والعاجزين عن الإنتاج ، وعلى أن يكون كافيا ليعيش المواطن في مستواه معيشة تحفظ عليه كرامته البشرية ، وأما الحد الأعلى للدخول فيشترط فيه ألا يكون أكبر من الحد الأدنى بأضعاف كثيرة ، حتى لا يخلق طبقة عليا تستنكف أن تتزاوج مع الطبقة ذات الدخول الدنيا .. ومن أجل زيادة الإنتاج وجب تحريم ملكية مصادر الإنتاج ، ووسائل الإنتاج على الفرد الواحد ، أو الأفراد القلائل في صورة شركة ، سواء أكانت شركة إنتاج أو شركة توزيع . . ولا يحل للمواطن أن يملك ملكا فرديا إلا المنزل ، والحديقة حوله ، والأثاث داخله ، والسيارة ، وما إلى ذلك مما لا يتعدى إلى استخدام مواطن استخداما يستغل فيه عرقه لزيادة دخل مواطن آخر . والملكية الفردية ، حتى في هذه الحدود الضيقة ، يجب ألا تكون ملكية عين للأشياء المملوكة ، وإنما هي ملكية ارتفاق بها ، وتظل عينها مملوكة لله ثم للجماعة بأسرها .

    "ثم إنه كلما زاد الإنتاج من مصادر الإنتاج اتجهت عدالة التوزيع إلى الإتقان ، وتقريب الفوارق ، وذلك برفع الحد الأدنى وبرفع الحد الأعلى ، على السواء . ولكن رفع الحد الأدنى يكون نسبيا أكبر من رفع الحد الأعلى ، وذلك بغية تحقيق المساواة المطلقة . وعند تحقيق المساواة المطلقة بفضل الله ، ثم بفضل وفرة الإنتاج ، تتحقق الشيوعية ، وهي تعني شيوع خيرات الأرض بين الناس .. فالشيوعية إنما تختلف عن الاشتراكية اختلاف مقدار .. فكأن الاشتراكية إنما هي طور مرحلي نحو الشيوعية ، "ولقد عاش المعصوم الشيوعية في قمتها حين كانت شريعته في مستوى آية الزكاة الكبرى "يسألونك ماذا ينفقون قل العفو" ولقد فسر العفو بما يزيد عن الحاجة الحاضرة ، وحديثه عن الأشعريين في مستوى الشيوعية ، وذلك حين قال "كان الأشعريون إذا أملقوا ، أو كانوا على سفر ، فرشوا ثوبا ، فوضعوا عليه ما عندهم من زاد ، فاقتسموه بالسوية ، أولئك قوم أنا منهم ، وهم مني" .

    وحديث آخر رواه أحد الأصحاب قال ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقال " من كان له فضل مال فليعد به على من لا مال له ، ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له ، ومن كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ، ومن كان له فضل ماء فليعد به على من لا ماء له ." ثم ذهب يعدد الفصول حتى ظننا أن ليس لأحد حق في فضل )

    وزيادة الإنتاج إنما تكون باستخدام الآلة ، وبالخبرة العلمية ، والإدارة الرشيدة ، على أسلوب التعاون بين المواطنين المنتجين ، لا على أسلوب الامتلاك المركزي للدولة ..

    ونحن الجمهوريين حين نتحدث عن الاشتراكية العلمية ، أو عن الشيوعية ، فيما ندعو إليه ، لا نريد مذهب كارل ماركس هذا المعروف باسم الماركسية اللينينية ، بل إننا لنعلم أن اشتراكية كارل ماركس ليست علمية ، وإنما هي متورطة في خطأ أساسي ، وجسيم ، وهو خطأ يشكل أكبر عقبة في سبيل انتصار الاشتراكية في الأرض وهي لن تنتصر إلا إذا صححت هذا الخطأ الأساسي ، وقد وردت الإشارة إلى هذا الخطأ بإيجاز في كتابنا "التحدي الذي يواجه العرب" الصفحة نمرة 14 ، وموعدنا بالتفصيل كتابنا المقبل "الإسلام ديمقراطي اشتراكي" الذي سيصدر قريبا إن شاء الله .

    الجمع بين الديمقراطية والاشتراكية

    يمكن القول بأن نظاما يستطيع أن يجمع بين الديمقراطية والاشتراكية في جهاز حكومي واحد هو حاجة البشرية منذ اليوم . وقد عجزت الرأسمالية الغربية في ذلك حين زعمت ، تمشيا مع مفهوم سلفي . إن من لوازم الحرية الفردية حرية الامتلاك الفردي حتى لوسائل الإنتاج ، وحين رفضت أن تتطور عن هذا الموقف نحو الاشتراكية إلا تطورا وئيدا يمليه الضغط الشيوعي ، ويحفزه الخوف من الثورة الشيوعية المجتاحة ، وبذلك فقد فرط الغرب في الجانب الاشتراكي ، وأصبح يوهم نفسه بأنه ديمقراطي وفي الحق ليس هناك ديمقراطية تهمل الاشتراكية إلا أن تكون حبرا على ورق .

    وقد عجزت ، من الجانب الآخر ، الشيوعية الماركسية اللينينية عن الجمع بين الديمقراطية والاشتراكية ، واتجهت إلى تزييف الديمقراطية زاعمة أن الديمقراطية الغربية غير صالحة ، لأنها ديمقراطية رأس المال والإقطاع .. وقد اتجهت هي إلى ديمقراطية تصادر حرية رأس المال ، والإقطاع ، وتعطي الحق للعمال . والمزارعين ، والمثقفين الوطنيين ، وأسمت هذه بالديمقراطية الصحيحة ، وفي الحق أن هذا تزييف للديمقراطية ..فما هي إلا دكتاتورية المثقفين الوطنيين على العمال والمزارعين . إن الوهم الفكري الكبير عند هؤلاء القوم هو ما نعيناه على الهيئة الوطنية للدستور الإسلامي وذلك هو توهم النقص في الديمقراطية لأن الغرب أساء تطبيقها . والنظرة السليمة تقول إن الديمقراطية لا عيب فيها ، ولكن العيب في من أساء تطبيقها ، ولن يكون المخرج من ورطة سوء التطبيق بتزييف الديمقراطية ، وإنما بتصحيح التطبيق ..

    وفي الحق أن الماركسية لن تستطيع أن تطبق إلا ديمقراطية زائفة – دكتاتورية تسمى زورا وبهتانا ، ديمقراطية – وذلك لأن قصر نظر الماركسية الذي ورطها في إنكار القيم الروحية قد أعجزها عن تقديم بديل لدافع الإنتاج التقليدي الذي قوضته .. فقد كان دافع الإنتاج القديم ، في النظام الإقطاعي ، والرأسمالي ، الذي ورثته الماركسية ، أن فائض إنتاجك لك ، تدخره ليوم حاجتك ، بعد أن تدفع ما عليه من وظيفة مالية . ثم جاء النظام الاشتراكي ، وهو لا يقوم إلا على أخذ فائض إنتاجي وإنتاجك ، من القادرين على الإنتاج عن هذا الوضع مؤقتا ، ريثما نبلغ شاطئ الشيوعية ، حيث نصبح كلنا في بحبوحة وسعة ، ننتج ما نطيق ، ولكنا ، بفضل وفرة الإنتاج ، نأخذ كل ما نحتاج .. ولكن مرت السنون ولم تقطع الماركسية مرحلة الاشتراكية ، وهاهي ، في نهاية نصف قرن من بداية تطبيقها ، في روسيا ، تحاول أن ترتد إلى استعمال حوافز رأسمالية ، تضمن بها زيادة الإنتاج ، وجودة الإنتاج . وتلك هي إجراءات الاقتصادي السوفيتي لبرمان .. ويحدثنا لبرمان ، وغيره من الماركسيين ، أن حوافز الإنتاج التي تقوم على المكافأة المادية ليست ، بالضرورة ، رأسمالية ، وإنما تتمشى مع الاشتراكية . وهو قول مردود ، بالطبع . وستظهر حقيقة هذه الحوافز التي أدخلها لبرمان بدافع الضرورة في قصور الماركسية ، حين تتداعى هذه الحوافز إلى نهايتها المنطقية .. يومئذ ستظهر أنها ، في واقع أمرها ، نكسة إلى الرأسمالية اضطرت الماركسية إليها بسبب قصر نظرها حين أنكرت القيم الروحية .

    إن الذي حدث في الاتحاد السوفيتي هو لأمر طبيعي ، وهو أننا ، نحن البشر ، لا نفعل أمرا ، ولا نترك أمرا ، إلا لغرض يدور حول ذواتنا .. فإذا قالت الدولة للناس أنتجوا بكل طاقتكم الإنتاجية ، وضحوا في المرحلة الحاضرة بفائض إنتاجكم لأننا نبني النظام الاشتراكي الذي هو مرحلة فقط ، نحو النظام الشيوعي ، وحين نبلغ النظام الشيوعي ، بفضل تضحيتكم في مرحلة الاشتراكية ، فإن مكافأتكم ستكون أن تنالوا كل ما تحتاجون إليه ، مع قلة في ساعات العمل ، فإن الناس ، كراهة منهم للوضع الإقطاعي ، والرأسمالي الماضي ، وثقة منهم في النظام الجديد ، الذي جاء بخلاصهم ، وفتح لهم باب الأمل على جنة الأرض ، سينتجون . ولكن حين يطول الأمد على الموعود فإن الأمر الطبيعي هو ضعف الثقة بالنظام الجديد من جانب المخضرمين الذين عاشوا سوء النظام القديم ، وتفتحت نفوسهم بالأمل في النظام الجديد .. وأما الأجيال الجديدة التي لم تعرف شيئا كثيرا عن سوء النظام القديم فإنها لا تفهم معنى لكل هذه التضحية وإنما تنتظر عائد التضحية أن يكون فوريا . أو هو ان تراخي فإنما يتراخى لمدة قصيرة ، وذلك لأن الحياة في حد ذاتها قصيرة . وعمر الاستمتاع بالخيرات فيها أقصر .. والنتيجة الطبيعية من المخضرمين ، ومن الأجيال الجديدة ، هي التذمر ، والتمرد ، والعصيان المكبوت ، الذي لا يجد فرصة للتعبير عن نفسه ، أمام إرهاب الدولة ، وقوة مركزيتها ، إلا في قلة الإنتاج المتعمد .

    إن الدولة الماركسية في مثل هذا الموقف ، أمام إحدى ثلاث خصال : فهي إما أن توجد دافعا جديدا ، وبديلا لدافع الإنتاج التقليدي الذي قوضته ، أو أن تقوم بالمراقبة ، والتجسس الدقيق ، والمستمر على المنتجين ، أو أن تنهار .. فأما الخصلة الأولى فإن الماركسية لا تجد إليها سبيلا . وأما الخصلة الأخيرة فإنها لا تريدها ، بالطبع . فلم تبق إلا الخصلة الثانية وهي المراقبة الدقيقة ، وهي ما قامت عليه الماركسية في الاتحاد السوفيتي . وفي الحقيقة لقد قامت عليه منذ بداية نشأتها . ولكن المراقبة ، والتجسس ، قد كان في أول الأمر موجها ضد من سموا أعداء النظام الجديد من سدنة النظام القديم ، من الإقطاعيين ، والرأسماليين . ثم أصبحت المراقبة ، والتجسس لازمة من لوازم التطبيق الماركسي على مرور الزمن ، لأن أعداء النظام الجديد قد أصبحوا بعض أعوانه القدامى ، الذين فقدوا الأمل فيه ، من المخضرمين ، ومن الأجيال الجديدة ، كما ذكرنا .. وكان أمر التجسس والمراقبة والبوليسية على أشده على عهد استالين . وكانت نتيجته حمامات الدماء التي زعم خريشوف ، في أحد تصريحاته ضد استالين ، أن ستالين قتل فيها ما يبلغ خمسة ملايين من المواطنين فلما انتهي عهد استالين ، وأقبل عهد خلفائه من بعده ، وأظهرهم خريشوف جاء عهد انحلال الماركسية ، وضعف القوة الكابتة التي كانت في يدي استالين ، وبدأ ضعف الثقة ، لطول ما مر من الزمن دون أن تظهر صورة الشيوعية حتى في الأفق البعيد .. وبدأ ضعف الإنتاج ، وأصبحت الدولة الحديثة في روسيا بحاجة إلى دافع يدفع لزيادة الإنتاج ، يحل محل الخوف الذي فرضه استالين ، ولم يعد من الممكن استمراره في عهد خلفائه ، فلم تسعف الماركسية – اللينينية أتباعها بحافز جديد ، فارتدوا إلى الحوافز الرأسمالية . وبذلك أصبحوا مرتدين في نظر منافسيهم الصينيين .. وإنهم بحق ، لمرتدون ، ولكن الماركسية نفسها لم تسعفهم بما يعصمهم عن الردة .. وهي لن تسعف ماو تسي تونغ بشئ . بل ، الحقيقة ، أن فشلها على يديه لهو أسرع من فشلها على يدي الروس ، ويكفي الآن ما أغرق فيه الصين من فوضى تسمى ، سخرية ، بالثورة الثقافية ، يقوم بها الأيفاع والمراهقون ، ضد أساتذة الجامعات ، وضد فلاسفة الماركسية ، من أمثال ليوشاوشي ..

    إن الماركسية تحمل عناصر فشلها في ذاتها ، وهذا أمر نترك تفصيله لحين صدور كتابنا المقبل وهو باسم "الإسلام ديمقراطي اشتراكي" ولكنا نستطيع أن نؤكد هذه العبارة ، وهي عبارة لا يذهل عنها إلا تابع ذليل ، مخدوع ، أو مفكر لا يستحق اسمه ، فهو كليل الذهن ، قاصر الفكر ..

    وقصور الماركسية يكمن فيما تتبجح به جهلا ، وتسميه علما ، وهو الإلحاد . ولن يكون الإلحاد علما ، إلا إذا انطمست العقول ، وتخلت عن وظائفها . وإلا فإنه قد قيل :-

    فليس يصح في الأذهان شئ: إذا احتاج النهار إلى دليل . وهنا يجئ دور الإسلام ليتمم النقص في الماركسية بإدخاله عنصر الروح الذي جحدته ، وبإدخاله لعنصر الروح تصبح القيمة على مستويين : المستوى المادي ، والمستوى الروحي : والمادة وسيلة للروح ، بمعنى "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، بل بكل كلمة من الله" كما قال المسيح أو "الدنيا مطية الآخرة" كما قال المعصوم . وهذه النظرة تعوض دافع الإنتاج التقليدي الذي لابد له من أن يتقوض ليفتح الطريق للاشتراكية ، لأنه كما سبق أن قررنا ، لولا انك تنتج أكثر مما تستهلك ولولا أن ما يفيض من إنتاجك عن استهلاكك يؤخذ منك ، لما أمكن إمداد العاجزين عن الإنتاج بما يحتاجونه لاستهلاكهم ..وإمداد هؤلاء هو من ضمن محاسن النظام الاشتراكي ، لأن به تظهر إنسانية الإنسان . وفي إنسانية الإنسان كل القيمة للأفراد وللجماعة ، فإنك برضا نفسك ، أن تجتهد في زيادة الإنتاج ، وأن تقتصد في استهلاكك ، توفر السعادة لقوم آخرين ، من أطفال ، ونساء ، وعجزة ، وعجائز . وبتوفيرك السعادة لهؤلاء ، بتقديم تعبك ، وعرقك ، ووقتك وفكرك ، تجد زيادة ، وسعة في طمأنينة نفسك ، ورضا قلبك ، ورحابة إنسانيتك .. ومن ثم سعادتك .. والإسلام يركز على ذلك تركيزا يجعل عبادته ان هي إلا نهج تربوي يعدني ويعدك لنكون صالحين ، ونافعين لإخواننا في الحياة .. فهو يقول "الدين المعاملة" ويقول "الخلق عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله" ويقول "من غشنا ليس منا" ويقول "المسلم من سلم الناس من لسانه ويده " ..

    ثم هو في تربيته يجعل ضميرك الرقيب عليك ، وهذا يغنيك عن مراقبة غيرك عليك ، سواء أكان هذا الغير رئيس الوحدة الإنتاجية التي تشتغل فيها ، أم كان البوليس السري الذي تحتاجه الماركسية ، ولا تستغني عنه في حمايتها لنظامها .. فإذا كان الرقيب عليك ضميرك فأنت حر . وإذا كان المواطنون أحرارا فقد أمكن للاشتراكية أن تطبق تحت ظل الديمقراطية .. وهذا ما جعلنا نزعم أن الإسلام وحده هو الذي يستطيع أن يجمع بين الديمقراطية ، والاشتراكية ، في نظام حكومي واحد ..

    هذا ، ولا يظنن أحد أن الإسلام لا يفرض قيام الاشتراكية بالقانون ، وإنما يتركها لضمائر الأفراد . فإن مثل هذا الظن سيكون خاطئا .. والمقصود أن الإسلام إنما يتخذ القانون وسيلة من وسائل التربية يضاف إلى وسائل أخرى ، في النهج التعبدي ، فمن استغنى عن القانون بفضل تربيته فذلك هو الرجل الحر ، ومن احتاج لتطبيق القانون عليه طبق عليه ، كوسيلة لإعانته على التربية ، وليس كوسيلة للردع فقط ..

    والإسلام:

    إن موضوع الإسلام هذا لن نحتاج إلى الإطالة في أمره هنا، لأننا أفردنا له كتابا صدر منذ حين باسم "الرسالة الثانية من الإسلام" فمن شاء فليرجع إليها، ولكننا تحب هنا أن نقرر أن من يعرف حقيقة الإسلام ويعرف حقيقة الديمقراطية والاشتراكية، لا يسعه إلا أن يعترف بان الإسلام أولى بهما من الشرق، ومن الغرب، وبصورة حاسمة.. فإذا قال داعية إسلامي أن الإسلام لادخل له بالاشتراكية، ولا بالديمقراطية، وإنما هو إسلام كما يقول دعاة الإسلام عامة، وكما قالت هذه الهيئة الوطنية للدستور الإسلامي، فان هذا القائل لايزيد على أن يدلل على عظيم جهله بأمر الاشتراكية، وأمر الديمقراطية، وأمر الإسلام .. وهذا جهل لا يملك المرزوء به حق الحديث في أمور الناس العامة ..

    إن عصرنا الحاضر يتميز على سائر عصور البشرية بأنه عصر العلم: ويغلب عليه، في المرحلة الحاضرة، العلم بالقوانين التي تحكم النفس البشرية، وهو في ذلك وشيك النجاح، وسيتوج علمنا بالوجود الذي يحيط بنا، بعلمنا بأنفسنا، فان الإنسان، في جميع محاولاته، في البر وفي البحر، وفي الفضاء الخارجي، إنما يبحث عن نفسه. ولقد جعل الله تبارك وتعالى، معرفتنا بالبيئة المادية التي تحيط بنا وسيلة، ومجازا إلى معرفتنا أنفسنا.. فهو يقول، جل من قائل، "وفي الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم. أفلا تبصرون؟" ويقول أيضا "سنريهم آياتنا في الآفاق، وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم انه الحق. أولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد"؟ ثم انه جعل معرفتنا أنفسنا مجازا، ومعبرا، إلى معرفته هو، وهي أعلى، وأشرف المعرفة.. ولقد قال المعصوم، في ذلك "من عرف نفسه فقد عرف ربه".

    وفي مجالات العلم فان الإسلام على مرحلتين: مرحلته الأولى مرحلة عقيدة، ومرحلته الثانية مرحلة علم: هو في مرحلة العقيدة إسلام بدائي، ثم إيمان ، ثم إحسان ، وهذه قصاراه .. وهو في مرحلة العلم علم يقين ، وعلم عين اليقين ، وعلم حق اليقين. وهذه حسبه .. ومرحلة العلم إنما تجيء بالترقي من مرحلة العقيدة..

    فكأن الإنسان يدخل في الإسلام أول مرة قبل أن يؤمن بالله، لأنه لا يعرف عنه ما يكفي، ولكنه يؤمن بصدق النبي، فيصدقه، ويطيعه. وهذه مرتبة القول باللسان، والعمل بالجوارح. فإذا احسن الاقتداء في ذلك بالنبي يدخل في قلبه معنى هو الإيمان، فيصير مؤمنا بالله وتلك مرتبة تصديق بالقلب، واقرار باللسان، وعمل بالجوارح. ثم يزيد الإيمان فيصبح علم عين اليقين، ثم يزيد الإيمان أيضا فيصبح علم حق اليقين ، وعندها تطمئن النفس إلى الله، وتسلم له قيادها، وتعيش وفق تدبيره وسيرا خلف إرادته. وهي راضية، قريرة العين، لأنها علمت وجودها في الله. وهذا الانقياد القرير العين هو الإسلام الذي قال تعالى عنه "إن الدين عند الله الإسلام".

    ولقد قلنا عنه في "رسالة الصلاة" من صفحة (46) "إن الإسلام، في حقيقته، ليس دينا بالمعنى المألوف في الأديان، وإنما مرحلة العقيدة فيه مرحلة انتقال إلى المرحلة العلمية منه: .. مرحلة الشريعة فيه مرحلة انتقال إلى مرتبة الحقيقة .. حيث يرتفع الإفراد، من الشريعة الجماعية، إلى الشرائع الفردية، التي هي طرف من حقيقة كل صاحب حقيقة، وتكون الشريعة الجماعية محفوظة، ومرعية لمصلحة السلوك، والتربية، والتنظيم للقاعدة البشرية، التي تستجد كل يوم وتجاهد بالتجارب كل حين لترقي المراقي.

    "والذين يدخلون في مراتب الشرائع الفردية هم المسلمون حقا – هم الأحرار، الذين سبقت الإشارة إليهم، في هذا الحديث، حين قلنا ان الحر حرية فردية مطلقة هو الذي استطاع أن يعيد وحدة الفكر، والقول، والعمل إلى بنيته، فاصبح يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، ثم لاتكون عاقبة عمله إلا خيرا للناس، وبرا بهم وبذلك يستطيع أن يعيش فوق قوانين الجماعة، لأنه ملزم نفسه بشريعته الفردية، وهي فوق مستوى الشريعة الجماعية، في التجويد والإحسان، والبر والتسامي". "(الإسلام دين الفطرة) معناها دين (علم النفس) وهو سيهدي البشرية، من حيث هي بشرية، بصرف النظر عن ألوانها، وألسنتها، إلى ضالتها المنشودة .. وهو سيهدي كل إنسان إلى نفسه، لأنه كما قلنا (علم نفس) وهو بهذا المستوى العلمي سيتنصر في عصر العلم على الأديان التقليدية فيتحقق موعود الله تعالى (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) – (بالهدى) إلى النفوس كما قال تعالى (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه) ( ودين الحق) يعنى دين العلم، ولسنا نريد الإطالة هاهنا. فان له سفرا خاصا سيكون عنوانه (العهد الذهبي للإسلام أمامنا)" هذا ما قلناه عن الإسلام في "رسالة الصلاة"

    ونريد أن نقرر هنا أن الإسلام في هذا المستوى نهجه السياسي "ديمقراطي" ، ونهجه الاقتصادى "اشتراكي" ونهجه الفردي أعني في أسلوب التربية الفردية – "الحرية الفردية المطلقة"، فإن عجز عنها الفرد صودرت بقانون دستوري، والقانون الدستوري هو الذي يوفق بين حاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة، وحاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة.. فهو لا يضحي بحق الجماعة لمصلحة الفرد، كما تفعل الرأسمالية الغربية الحاضرة، ولا يضحي بحق الفرد لمصلحة الجماعة، كما تفعل الشيوعية الماركسية الحاضرة. وهذا القانون إنما هو تنسيق بين الغاية، التي هي الفرد، والوسيلة التي هي الجماعة وهو لذلك حين يصادر حرية الفرد إنما يصادرها مؤقتا وإنما يجعل عقوبة المصادرة علاجا لقصور الفرد في حسن التصرف في الحرية، لاتشفيا منه، وهو بهذه المصادرة إنما يعده ليقبل على ممارسة حريته بطاقة اكبر، وكفاءة اكفأ مما كان عليه قبل وقوع المصادرة عليه..

    ولقد تحدثنا عن هذا الإسلام باستفاضة في جميع كتبنا التي صدرت حتى اليوم وهي "رسالة الصلاة" و"الرسالة الثانية من الإسلام" ، و "زعيم جبهة الميثاق الإسلامي في الميزان" "والتحدي الذي يواجه العرب" "ومشكلة الشرق الأوسط" فلتراجع فان فيها عن الإطالة هنا غناء.

    تعالوا إلى كلمة سواء

    هذه كلمة نوجهها إلى "جبهة الميثاق الوطني" والى "الحزب الاشتراكي الإسلامي" والى "الهيئة الوطنية للدستور الإسلامي" كهيئات، والى كل مهتم بالدستور الإسلامي، من المواطنين كأفراد .. فان الدستور الإسلامي اليوم لا تمليه حاجة المسلمين فحسب، وإنما تمليه حاجة البشرية جمعاء، تلك البشرية التي ضاقت عن استيعاب طاقاتها المدنية الغربية الحاضرة، فأصبحت تبحث عن مدنية جديدة هي في الإسلام عتيدة وحاضرة وفي غير الإسلام لا وجود لها وأصبح بذلك علينا، نحن المسلمين، واجب تقديم هذه المدنية الجديدة، التي تتولى توجيه الطاقة البشرية الحاضرة، والمجهود البشري الجبار، المعاصر، إلى باحات الأمن والسلام.. إن الإسلام كامل، ولا عيب فيه، على الإطلاق، ولكن العيب فينا، نحن المسلمين، فإننا قاصرون، كل القصور، عن فهمه واسوأ من ذلك، فإننا نرمي الإسلام بقصورنا عن الإدراك.. فكل عالم من علماء الفقه، اليوم، يكاد يجعل نفسه حجة على الإسلام.. فما علمه هو فهو الإسلام وما علمه سواه، ممن خالفه الرأي، فهو الكفر، والمروق..

    التقينا مرة برجل من هذا القبيل، ممن يعتبرون في قمة من قمم المسئولية "العلمية الدينية" وكان غرضنا من لقائه أن نعرض عليه الفكرة الجمهورية لنعلم ماعنده عن الإسلام، وقد جرى على لساننا قوله تعالى "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا" ونحن نفكر في مستقبل الإسلام، فقال "قد ظهر، فان المقصود ظهور البرهان. وقد ظهر" قلنا فأنت لا تنتظر ظهورا للإسلام في مستقبل الأيام على الأديان كلها؟ فقال "لا!! فقد ظهر!"؟

    إن مثل هذا الرجل لا يحق له أن يتحدث باسم الإسلام، إلا إذا كان الحديث باسم الإسلام لا يستتبع مسئولية علمية، كما هي الحال عندنا الآن..

    الإسلام عائد، ما في ذلك أدنى ريب، وذلك موعود الله ، وموعود المعصوم، وعلى المسلمين عامه، وعلى العرب منهم بوجه خاص، يقع واجب النهوض بعبء التبشير به، وبعودته، حتى تفىء البشرية التي لوحتها هاجرة الشقاق إلى ظله الوريف..

    ولن يعود الإسلام في مستواه "العقيدي" وإنما سيعود في مستواه "العلمي" وقد تحدث الجمهوريون عن ذلك كثيرا، ولو لم يكن في الإسلام غير العقيدة لكان وقته انقضى، لأنه في مستوى العقيدة تقابله عقائد عديدة لن يتخلى عنها أهلها حين يدعون إلى اعتناق عقيدة أخرى.. فانه في مستوى العقائد "كل حزب بما لديهم فرحون" فالعقائد بذلك تفرق البشرية ولا تجمعها .. ولكن في مستوى العلم فان الإسلام يقف قمة تنتهي عندها كل القمم. ويلتقي عندها كل البشر فيجدوا حاجتهم. فعبارة "الإسلام دين الفطرة" التي قالها المعصوم تشير إلى هذه المرتبة العلمية من الإسلام التي نتحدث عنها .. وفي هذه المرتبة تظهر، وتتحقق الوحدة البشرية، لان الفطرة البشرية، حيث وجدت، فهي بشرية.. وعن ذلك تحدثنا بشيء من الإسهاب في كتبنا مما يغنينا عن الإطالة هاهنا. والإسلام في مستواه العلمي "ديمقراطي اشتراكي"



    هل في الإسلام دستور إسلامي؟ الجواب نعم .. ولا!!

    ليس في الشريعة الإسلامية، التي بين أيدينا الآن دستور، لسبب واحد بسيط، هو أن الحكم الذي كان عليه سلفنا لم يكن حكما ديمقراطيا، وإنما كان حكم الفرد الرشيد، الذي جعل وصيا على قوم قصر، وفرض عليه، في مباشرة هذه الوصاية أن يستشير هؤلاء القصر ليشعرهم بكرامتهم الإنسانية وليعطيهم الفرصة في مباشرة شئونهم، حتى يتعلموا، تحت توجيهه، كيف يحسنون التصرف فيها، ليتأهلوا، لمرحلة الحكم الديمقراطي حين يبلغون سن الرشد.. ولقد جاءت آية الشورى في ذلك "فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب، لانفضوا من حولك، فاعف عنهم، واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين" وهذه الآية يزعمها دعاة الإسلام عندنا آية ديمقراطية أو قالوا إنها آية حكم الشورى وان الإسلام لاعلاقة له بالديمقراطية وإنما هو حكم الشورى، في مقابلة الحكم الديمقراطي .. ومع ذلك هؤلاء الدعاة يتحدثون عن الدستور، وما من دستور إلا وهو عنوان للحكم الديمقراطي، فيما عدا حالات التزييف الذي يقوم عليه الحكم المطلق، في الفاشية، وفي الشيوعية، وفي غيرهما.. وهو تزييف لا ينطلي على أحد من المفكرين.

    فآية الشورى أية حكم الفرد الرشيد ، وعليها قامت الشريعة الإسلامية في حق المؤمنين ، وهي ، في هذا المستوى، ناسخة لآيتي الديمقراطية في الإسلام، وهما "فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر" فإذا أردنا أن نتحدث عن الدستور الإسلامي فقد وجب أن نطور الشريعة الإسلامية، في أمر السياسة، من الشورى إلى هاتين الآيتين الكريمتين: وآلا فإننا نهرف بما لا نعرف..



    ليس في الشريعة الإسلامية دستور وإنما الدستور في الإسلام

    ولقد تحدثنا عن التمييز بين الشريعة الإسلامية، والإسلام، فليراجع في موضعه من "الرسالة الثانية من الإسلام."

    ولما كانت الاشتراكية جناح المجتمع الثاني، حين تكون الديمقراطية جناحه الأول، فإنه، وبنفس القدر لا توجد في الشريعة الإسلامية اشتراكية ، ولكن الإسلام اشتراكي.. ويزيد !! ونحن نذكر هذا هنا، ونكتفي به، لأن الدستور يقوم على هذين الجناحين .. ولأننا سبق أن تحدثنا عن تطوير شريعة الزكاة ذات المقادير لتستلهم أكبر قدر ممكن من زكاة المعصوم وتحدثنا بتطويل في "الرسالة الثانية من الإسلام"

    بإيجاز؟؟ لا يحق لنا أن نتحدث عن الدستور الإسلامي إذا كنا لا نرى تطوير الشريعة الإسلامية، فيما يخص السياسة **** السلفي الذي قامت عليه الشريعة ديمقراطيا، وإنما كان حكم شورى، والشورى ليست ديمقراطية ، لان الوصي ليس ملزما باتباع رأي القصر، إذا رأى رأيا يخالفه، وما هكذا الديمقراطية، الشورى مشاورة تملك حق المخالفة..

    فإذا كنا نرى تطوير الشريعة الإسلامية في السياسة والاقتصاد لننتقل من نص فرعي، إلى نص أصلي، نزل عنه، مراعاة لظروف الوقت، وطاقة الناس، فإننا بذلك نستطيع أن نتحدث عن الدستور.. راجع في تفصيل التطوير "الرسالة الثانية من الإسلام"



    مرة أخرى..هل في الإسلام دستور إسلامي؟؟

    الجواب نعم – ولا!! نعم، في الإسلام دستور! ولا

    ليس في الشريعة الإسلامية التي بين أيدينا دستور..

    فيا دعاة الإسلام في هذه البلاد تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن نجلس، ونترك وراءنا حظوظ نفوسنا، فنجود فهم ديننا، ولا يصدنكم عن هذه ماترونه من غرابة فكرة الحزب الجمهوري، فلعل هذه الغرابة أن تكون مظنة الرشد، أكثر منها مظنة الغواية، ألم يقل المعصوم "بدأ الدين غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء!! قالوا من الغرباء يا رسول الله؟ قال الذين يحيون سنتي بعد اندثارها"؟؟ وفي رواية أخرى قال عن الغرباء "فئة قليلة مهتدية في فئة كبيرة ضالة"

    ومن يدري فلعلكم واجدون في دعوة الحزب الجمهوري إحياء لسنة المعصوم بعد اندثارها؟؟

    ومن يدري فلعل الجمهوريين أن يكونوا الفئة القليلة المهتدية في فئة كبيرة ضالة؟؟

    خاتمة:

    قلنا في مستهل هذا السفر أن اقتراح الدستور الكامل قد سقط. ونحب أن نكون واضحين فان الدستور الإسلامي لم يسقط لأنه لم يقدم، وإنما سقط دستور ناقص، جاهل، انتحل له اسم الدستور الإسلامي الكامل. ومن حسن التوفيق أنه سقط، وقد سقط هذا الاقتراح وهو مقدم من اللجنة الفنية. ويمثل وجهة نظر جبهة الميثاق الإسلامي، عن الدستور الإسلامي فماذا قالت جبهة الميثاق الإسلامي بعد سقوطه؟ قالت في العدد الخاص الذي أصدرته، من جريدة الميثاق بتاريخ 31 ديسمبر عام 1967 تحت عنوان "صورة المستقبل في السودان كما يرسمها الدستور الإسلامي" قالت "لقد اكتملت اليوم قرارات اللجنة القومية للدستور أجيزت مسودة الدستور الدائم ويمكن أن يقال عن الدستور الدائم أنه به درجة معقولة من الالتزام بالإسلام يظهر ذلك في المادة الأولى "أن يكون دستور السودان مستمدا من مبادئ الإسلام وروحه" فهم قد أسموه الدستور الإسلامي وقالوا "انه به درجة معقولة من الالتزام بالإسلام" هذا وكل من يعرف يعرف أن الإسلام لا يتجزأ، وانه إذا كان عندك دستور هو خمسة وتسعون في المائة إسلامي، وخمسة في المائة غير إسلامي فهو دستور غير إسلامي، ومن يدري فلعل عند الله الخمسة في المائة التي فاتتك أهم من الخمسة والتسعين في المائة التي أحرزتها، وما أجد بين يدي الآن عبارة تدل على جهل جبهة الميثاق بالإسلام مثل هذه العبارة التي أوردناها آنفا .. ثم تمضي هذه الجريدة في تضليل للناس مؤسف، فاسمعها تقول "إن إقرار الدستور الدائم سيضع أمامنا وأمام السودان كله فكرة إيجابية ستكون منظارا نرى به أوضاعنا ونعمل على تغييرها وفق الفكرة الإسلامية" ثم تمضي في ذلك إلى أن تقول "والحل الشافي في نظري للقضايا المختلفة المتشابكة التي تعاني منها البلاد ينبغي أن، يكون حلا ينبع من تصور للحياة مقبول لدى الناس أولا وثانيا أن يكون حلا متناسقا مع كافة الحلول الفرعية، مثل هذا الوضع سيمكن الجهاز التنفيذي أن يكون فعالا وغير متناقض وسيجنبه الضغط المتلاحق ليتخذ قرارات أما متناقضة أو غير منسجمة يفسرها اتجاه عام وتصور واضح من ناحية أخرى فان التكوين العقائدي لعامة الناس سيقوى الآن بعد اقرار الدستور الإسلامي (كذا) حاستهم لتلمس النواحي السياسية التخطيطية، والتطبيقات العملية للسياسة في كافة أوجه الحياة والتي تعارض نظرة الإسلام للحياة ومن ناحية أخرى فان التخطيط سيتجه إلى الوجهة التي سيضعها الشعب كمقياس لصلاحيتها وسيتجه كذلك التفكير السياسي وجهة يجتهد ليقترب بها من الإسلام" هذا ماقالته هذه الصحيفة، واعترف للقارىء أن قلبي انقبض قبضة شديدة وأنا أتابع هذه الأسطر لأنقلها لك، فإنها شديدة الظلام، وتمضي الصحيفة في حديثها، وما تريد أن تقوله للناس هو أننا نريدكم أن تعطونا فرصة أخرى في الانتخابات المقبلة لنواصل النضال لنحقق لكم الإسلام الكامل، ولقد كنت أنوي أن، أنقل لكم فقرات من هذه العبارات، ولكن نفسي انقبضت، فمن شاء فليراجع هذا المقال بنفسه.

    إن جبهة الميثاق أسوأ من استغل الإسلام في هذه البلاد لأغراض السياسة.. ولقد أصدر الحزب الجمهوري منشورا بتاريخ 21/11/1965 بعنوان "استغلال الدين للأغراض السياسية أضر بالدين، وبأخلاق الأمة، من دعوة الإلحاد السافرة" ولقد جاء في ذلك المنشور قولنا:- "طاعتنا الصحف بخبر عن الطالب المنكوب شوقى محمد على يقول أنه "سيطلق سراحه بعد أن يتم أخذ أقوال السيدة سعاد الفاتح كتابة، وبعد إرساله إلى لمستشفى الأمراض العصبية، بناء على طلب السيد فتحي حسن كاشف محامي المتهم الذي قدم طلبا للمحاكمة قال فيه أن المتهم مصاب بمرض عصبي، وكان يتعالج في مستشفى الأمراض العصبية"، ومعنى هذا أن جميع أقوال، وأعمال المسئولين في هذا البلد قد انبنت على قولة طالب غير مسئول شرعا، ونحن لم نكتب الآن لنقرر هذه الحقيقة المؤلمة، فإن محاسبة المسؤولين، غير المسئولين، سيجيء بها يوم تجف من هول سؤاله أسلات الألسن، وإنا لذلك اليوم لمنتظرون.. فلينتظروا ، ولكننا كتبنا لنبين للشعب الأتي:-

    "1 - الحزب الجمهوري يدعو لتطوير بعض صور الشريعة الإسلامية التي جاءت وهي تحمل سمة "الموقوتية" لتصبح أقدر على حل مشاكل عالم اليوم، فتصبح بذلك أدخل في أغراض الإسلام، لأن أغراض الإسلام التشريع للمجتمع في مستوى مشاكله، ومستوى إمكانه، ومستوى مجتمعنا الحاضر، من جميع الوجوه ، غير مستوى مجتمع أسلافنا.

    2- جميع الهيئات الإسلامية، وعلى رأسها الإخوان المسلمون، يعارضون رأي الحزب الجمهوري في التطوير، ويرون أن جميع صور الشريعة الإسلامية الواردة فيها النصوص القطعية لا تحتاج منا إلا إلى التطبيق من جديد لتحل مشاكل عالمنا الحاضر على أتم الوجوه.

    3- مع ذلك، فأن جماعة الإخوان المسلمين، مجاراة منها لحكومة أكتوبر الأولى، أعطت المرأة المسلمة حق التصويت، وحق الترشيح، على قدم المساواة مع الرجل.

    4- جماعة الإخوان المسلمين قدمت امرأة شابة، هي السيدة سعاد الفاتح، لتحاضر طلبة معهد المعلمين العالي في بعض شؤون المرأة المسلمة، كما بلغنا. وقد وقع الحادث المشئوم في تلك الحاضرة.

    5- من حق هذا الشعب المسلم أن يسأل هذه الجماعة من أين جاءت بعملها هذا الذي تنسبه للإسلام بتشريعه الحاضر؟" هذا ما حواه منشورنا يومئذ، ونحن نضيف اليوم أن جبهة الميثاق لا تعرف الإسلام، ولا يهمها أن تعرفه، وإنما تستغله أشنع استغلال، وتضلل به هذا الشعب حين تحدثه عن الدستور الإسلامي بالأسلوب الذي أوردنا لكم نمطا منه..

    وهذا الدستور الذي بين يدي الجمعية التأسيسية الآن، والذي تسميه جريدة الميثاق دستورا إسلاميا، لا يستحق أن، يسمى دستورا، على الإطلاق، فهو قد تغول على أصل الحقوق الأساسية تحت ستار محاربة الشيوعية، وتغول على استقلال القضاء، ثم هو مثل من التناقض المحزن .. ففي المادة الأولى يقول "السودان جمهورية ديمقراطية اشتراكية، تقوم على هدي الإسلام" وفي المادة نمرة 113 يقول "الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي لقوانين الدولة" وفي المادة نمرة 114 يقول "يعتبر باطلا كل نص في أي قانون يصدر بعد إجازة هذا الدستور ويكون مخالفا لأي حكم من أحكام الكتاب والسنة إلا إذا كانت تلك المخالفة قائمة في جوهرها قبل إجازة الدستور" ونحن نقرر هنا أن ليس في الشريعة الإسلامية – الزكاة ذات المقادير – اشتراكية وليس في الشريعة ديمقراطية.. ومن ثم فإن في هذه المواد تناقضا يجعل الدستور حبرا على ورق.

    وتناقض آخر، على سبيل المثال، في المادة نمرة 18 "تكفل الدولة للوالدين الحق في اختبار التعليم الذي يريدونه لأبنائهم" وفي المادة نمرة 22 "تعمل الدولة على تحقيق العدالة الاجتماعية في الاقتصاد وتحرير المجتمع من الظلم والاحتكار والربا وعلى توجيه النهضة الاقتصادية بالتخطيط العلمي الدقيق بما يضمن زيادة مضطردة في الإنتاج تحقق الاكتفاء الذاتي وتكفل العيش الكريم للمواطنين وبما يمنع الاستغلال الاقتصادي ويحقق توزيع الدخل القومي توزيعا عادلا بين المواطنين." هذا مجرد إنشاء جميل، ولم يقصد منه غير ذلك، وإلا فكل من أوتي أدنى بصر بالأمور يعرف أن التخطيط الاقتصادي الدقيق يعني إعداد فنيين بأعيانهم، كما، وكيفا، فأنت لابد لك من أن تخرج مهندسين معماريين، وميكانيكيين، وكهربائيين، وزراعيين، ولابد لك من أطباء بيطريين، وبشريين. ولابد لك من كافة الفنيين، لتخرجهم بأعداد مرسومة، فإذا قلت كما تريد كما قالت المادة نمرة 18 "تكفل الدولة للوالدين الحق في اختيار التعليم الذي يريدونه لأبنائهم" فانك تكون أحد رجلين .. إما رجلا لا يعني ما يقول ، حين تتحدث عن التخطيط الاقتصادي ، أو رجلا لا يفهم ما يقول..

    والإنشاء الجميل هو المظهر العام لمشروع الدستور الذي تناقشه الجمعية الآن، وغياب المنهاج المرسوم للتنفيذ يدفع الإنسان ليظن أن ليس هناك أمر يراد وراء الإنشاء الجميل.. وليس الأمر بالطبع يقوم على سوء نية عند أحد ممن باشروا إعداد هذا المشروع، ولكنه يقوم على جهل موبق..

    اقرأ إن شئت المادة نمرة 14 "تسعى الدولة جاهدة لبث الوعي الديني بين المواطنين وتعمل على تطهير المجتمع من الإلحاد ومن كافة صور الفساد والانحلال الخلقي" تجد إنشاء جميلا يروقك، وقد يكسبك بسرعة إلى جانب مشروع الدستور.. ولكن قف، واسأل، كيف يتم للدولة "تطهير المجتمع من الإلحاد ومن كافة صور الفساد"؟ السنا جميعا نعرف أن أجهزة الدولة كلها فاسدة؟ ألسنا نشكو هذا الفساد في الوزراء؟ وفي الخدمة المدنية؟ وفي النظام الحزبي؟؟ أم هل ننتظر أن نجني من الشوك العنب؟؟

    واقرأ المادة نمرة 15 وهي أغرب من سابقتها:-

    "تشرف الدولة على المناهج الدراسية والتربوية في جميع المؤسسات التعليمية وتوجهها لتمكين الإيمان بالله وحب الوطن وغرس الفضيلة والقيم الأخلاقية والشعور بالمسئولية"

    انظر إلى عبارة "الايمان بالله" هذه التي تأتي عن طريق "المناهج الدراسية" التي تشرف عليها أجهزة طوعت لها قلة إيمانها بالله أن تستغل دينه لدنياها؟

    إن الحزب الجمهوري ظل يدعو، ولن ينفك، إلى إحداث ثورة فكرية، وقد قال في احدث كتبه، وهو "مشكلة الشرق الأوسط" .. "لابد من الثورة الفكرية وسط الشعوب العربية، وذلك بعودة (لا اله إلا الله) في بساطتها، ونقاوتها، وصدقها، كعهدنا بها في القرن السابع الميلادي، في شعاب مكة، وإرجاء الحجاز"

    وهذه الدعوة قد وجدت الاستجابة لها، ونشأ على أساسها مجتمع جمهوري صغير، وسط المجتمع السوداني. وهذا المجتمع الصغير آخذة حدوده في الاتساع باستمرار، وهو، إن شاء الله، المقصود بالإشارة النبوية الكريمة في حديث الغرباء ولدى هذا المجتمع الجمهوري فان مشروع الدستور الذي تناقشه الجمعية الآن ليس فقط دستورا مزيفا، بل انه، على التحقيق، أكبر وثيقة تضليل رسمية، "أو تحاول أن تكون رسمية" منى بها هذا الشعب السوداني، منذ أن عرف الاستقلال أو قل، منذ أن جلا عنه الحاكم الأجنبي، إن أردت الدقة في التعبير ..

    إذا اصبح هذا المشروع دستورا فان الحزب الجمهوري أول من يعلن عدم احترامه إياه..

    تحت الإعداد الآن مشروع للدستور الدائم للسودان، وهو دستور القرآن، وهو، على ذلك، دستور سينتفع به كل الناس، على اختلاف ألسنتهم، ونحلهم، وألوانهم، لأن القرآن في حقيقته قد جاء لكافة الناس وسيخرج به سفر عما قريب، إن شاء الله، والله ولي التوفيق وولي التسديد..
                  

07-04-2005, 04:00 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق (Re: الكيك)

    حسن الترابي والبحث عن المصداقية
    هانى رسلان


    ومما أخذه الكثيرون أيضا علي الترابي داخل السودان وخارجه‏,‏ لجوءه إلي المناورة والمراوغة وتوسعه في استخدام التقية رغم أن السودان بلد له خصوصية متميزة‏,‏ لا تشبه العرب ولا الأفارقة‏,‏ ويتمتع بطابع من السماحة وروح المجتمع الرعوي المفتوح‏,‏ إلا أن الترابي لجأ إلي الكثير من الألاعيب والمناورات السياسية حين خاض المصالحة مع النميري وكرر العمل نفسه حين دبر انقلاب الإنقاذ‏,‏ فأدخل نفسه السجن‏,‏ ثم صارع البشير ونائبه‏'‏ علي عثمان‏'‏ بطريقة لم يعتد عليها السودانيون ولم يألفوها‏.‏ وفي معظم حياته السياسية اعتاد علي الكر والفر وكان مسلكه يعكس دائما سلوك الرجل السياسي الذي يستخدم الحيلة والمناورة ليبلغ أهدافه بأكثر مما يعكس سلوك الرجل الداعية إلي فكر يعتمد علي منهج ومثاليات أخلاقية‏.‏ ولاشك أن نزوع الترابي المتكرر إلي ارتداء الأقنعة وتبديلها قد فتح ثغرة واسعة لخصومه للهجوم عليه كما أثر سلبا علي أفكاره والمشروع الذي يسعي له‏,‏ حيث صوره خصومه في نهاية المطاف بأنه طالب منصب وجاه وليس صاحب قضية‏,‏ ولو كان قد نأي بنفسه عن التصادم مع نظام الإنقاذ‏,‏ وبقي بعيدا عن الشأن اليومي والإداري والسياسي المباشر لربما اكتسب مكانة أرفع وأثرا أبقي‏,‏ إذ أن تشبثه بالبقاء في موقع التفرد والتحكم في توجيه الأحداث جعله يواجه أعدادا من الخصوم الذين تتلمذوا علي يديه وهم حريصون علي تصغير حجمه والنيل منه وقتل الهالة التي تحيط به‏,‏ أو صادقون يرون فيه من العيوب ما لا يراه الآخرون‏,‏ ورأوا أنه قد قام بما يكفي من الإيجابيات والسلبيات وأن لكل عهد دولة ورجالا‏.‏

    أزمة نظام الإنقاذ
    هناك بعض التحليلات تري أن الترابي ونتيجة لخبراته الطويلة قد رأي أن مآلات تجربة الإنقاذ تتجه إلي الفشل بعد أن تكاثرت عليها العداوات الإقليمية والدولية فضلا عن التجاوزات الكثيرة التي حدثت في الداخل خاصة في عهدالإنقاذ الأول‏(1989-1996),‏ من إيغال في ممارسات غير معهودة في السودان مثل الاعتقال والتعذيب والطرد من الخدمة المدنية وما حاولت حكومة الإنقاذ القيام به من تغيير شامل في النظامين الاجتماعي والاقتصادي وتجييش للشعب وتجنيده في قوات الدفاع الشعبي للقتال في الجنوب‏.‏ ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن الترابي أدرك أن آليات النظام لن تسمح له بالاستمرار وأن مآله هو السقوط ومن ثم اختار أن ينتقل إلي الصف المعارض لإنقاذ اسمه ومكانته في تاريخ السودان‏,‏ وكذلك محاولة الفصل بين مقولات الحركة الإسلامية والنظام‏,‏ وأن صراعه مع البشير ومجموعته لم يتطور إلي الصدام المسلح نتيجة لذلك‏.‏ فالترابي حين يأس من إجبار المعارضين له علي اتباع نهجه والائتمار برأيه‏,‏ جعل هدفه هو الانفصال والانتقال إلي المعارضة وليس الاستئثار بالسلطة عنوة‏,‏ فهو يعرف أنه لن يكون مقبولا من الولايات المتحدة فضلا عن مصر وبلدان الخليج العربي‏,‏ ومن ثم لم يتجه إلي التصعيد العسكري والصدام المسلح رغم أنه كان يحظي آنذاك بتأييد قطاعات واسعة في قواعد الحركة وكذلك قوات الدفاع الشعبي وبخاصة‏'‏ فرق الدبابين‏'‏ التي كانت قد اكتسبت شهرة واسعة نتيجة لأدائها القتالي المؤثر في معارك الجنوب‏.‏

    وبناء علي ما سبق فإنه يمكن القول أن ما حدث من صراع جعل الحركة الإسلامية منقسمة إلي قسمين‏:‏ الشيخ الترابي الذي هندس كل شئ في بناء الحركة الإسلامية وقد انتقل إلي الصف المعارض ينتقد التجربة بعنف ويبرئ نفسه منها ويبتعد بقدر ما يستطيع عن أخطاء الإنقاذ وكأنه يقوم بعملية غسيل سياسي لمساهمته السابقة فيها‏,‏ أما القسم الثاني من الحركة فهم الذين استقلوا ركب النظام بالقول أن هذا النظام كان ثمرة جهد الحركة الإسلامية‏,‏ وهو كسب لا يمكن التخلي عنه أو الزهد فيه أو التنكر له‏,‏ وأن ما ترتب علي الإنقاذ من تحالف وطني عريض تمثل في حزب المؤتمر الوطني إنما هو كسب لا يمكن إضعافه أو تهميشه وأن مسيرة الحركة لا ترتبط بالأشخاص قدر ارتباطها بمبادئها وموجهاتها في العمل‏.‏
    إلا أن انحسار الأزمة بعد المفاصلة واستقرار الأمر لجناح طه‏/‏ البشير‏,‏ طرح سؤالا هاما حول مرجعية نظام الإنقاذ وأصبح النظام مطالبا بمرجعية بديلة ومقنعة وقوية خاصة في ظل الظروف التي تحيط بعملية تسوية الأزمة السودانية ومفاوضاتها التي تدور في كينيا حيث يجد نظام الإنقاذ نفسه كمن يسير في رمال متحركة يحاول فيها‏-‏ دون نجاح كبير حتي الآن‏-‏ أن يفي بالمتطلبات المفروضة عليه بعد تدويل الأزمة والتدخل الأمريكي المباشر فيها وبين محاولة الاحتفاظ بمصدر شرعيته المستمدة من الخطاب الإسلامي ومقولات المشروع الحضاري وتطبيق الشريعة‏.‏

    أزمة دارفور
    وبرغم محاولة نظام الإنقاذ التهدئة مع الترابي بعد الإفراج عنه‏,‏ إلا أن الأخير استخدم قدراته السياسية والإعلامية في شن حملة واسعة النطاق ساند فيها مطالب المسلحين في دارفور ولعب بعض قادة المؤتمر الشعبي بعض الأدوار في مساعدة التمرد أدت إلي اعتقال بعضهم‏,‏ رغم أن الترابي وكل قادة حزب المؤتمر الشعبي أكدوا بشكل متكرر أنهم يعارضون استخدام العنف بأي صورة وأنهم يؤيدون مطالب دارفور سياسيا من أجل صالح السودان‏,‏ وأكدوا كذلك وأن من يتورط في هذه الأحداث‏,‏ فهو متورط فيها بشكل شخصي ولا يعبر عن المؤتمر الشعبي أو خطه السياسي‏.‏ وفي النهاية لم يستطع نظام الإنقاذ وهو يمر بهذه الظروف الدقيقة في ظل بطء المباحثات في كينيا وتعثرها‏,‏ وكذلك اشتعال أزمة دارفور وانتقالها بالفعل إلي حيز التدويل‏,‏ أن يتحمل الإزعاج المستمر من الترابي وحزبه فأعاد اعتقاله من جديد ولكن هذه المرة مع حل المؤتمر الشعبي كتنظيم ونزع المشروعية القانونية عنه‏.‏




                  

07-04-2005, 04:10 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق (Re: الكيك)

    أزمة الحركة الاسلامية المعاصرة: السودان نموذجا*
    التاريخ: 22-2-1426 هـ
    الموضوع: في آفاق المراجعات


    بقلم: د. عبدالوهاب الافندي
    قبل حوالي الاسبوع عقدت هيئة الاعمال الفكرية في الخرطوم حلقة نقاشية بعنوان معالم في طريق الاحياء: دعوة لاحياء العمل الاسلامي الوطني وكان هذا هو عنوان ورقة قدمها الدكتور غازي صلاح الدين، الوزير السابق، والمستشار (السابق ايضا) لرئيس الجمهورية لتكون محور النقاش.

    ولعله من المفيد ان نذكر بأن هيئة الاعمال الفكرية كانت مؤسسة انشأها الدكتور حسن الترابي في مطلع التسعينات كمنبر لطرح اسهاماته الفكرية، وخاصة تفسيره الجديد للقرآن، وكان يتولي ادارتها مساعده المقرب المحبوب عبد السلام. ولهذا فان اتخاذها منبرا لهذا الحوار حول واقع ومصير الحركة الاسلامية يعتبر امرا له دلالاته العميقة، خاصة علي خلفية وجود مؤسسها خلف جدران السجن.
    ولكن الدلالة الابلغ هي لعقد ندوة تتحدث عن الاحياء الاسلامي في دولة من المفترض فيها ان تكون قد بلغت من الاحياء الاسلامي غايته، وهي اقامة الدولة الاسلامية، فلو ان ندوة اقيمت لمناقشة الاحياء الاسلامي في دول آسيا الوسطي بعد خروجها من تحت وطأة القهر الشيوعي، او في تركيا ونظيراتها من الدول العربية المتطرفة علمانيا، لكان هذا الامر مفهوما. اما ان يجتمع حشد كبير من الناشطين الاسلاميين للتداول بمشروع احياء اسلامي في دولة تتصدي لنشر الاسلام عالميا فهو امر يدعو لكثير من التدبر.

    أحد الحاضرين اثار هذه النقطة من منطلق مختلف تماما، حين رد علي شكوي الحاضرين من تصدع وتراجع الحركة الاسلامية بالقول بأنه بعد قيام الدولة الاسلامية لم يعد هناك مبرر لوجود حركة اسلامية، فالمرجعية الان هي الدولة الاسلامية، واذا كانت هناك حاجة لحركة اسلامية فان هذه الحركة يجب ان تكون اداة للدولة وليس العكس.

    وهذا يبدو لاول وهلة حلا منطقيا وبسيطا في نفس الوقت. ذلك ان غاية الحركات الاسلامية هو اقامة دولة الشرع، وبمجرد قيام هذه الدولة فان المعادلة تتغير، وتصبح الدولة هي الاداة الرئيسية للعمل السياسي الاسلامي، والمبرر لقيام الحركات الاسلامية هو الاعتقاد بأن المجتمع والدولة معا قد ابتعدا عن المرجعية الاسلامية، مما يتطلب استنفار المتطوعين وتنظيمهم وحشدهم لتحقيق مهمة استعادة الاسلام الي صدارة الحياة السياسية والاجتماعية، فاذا نجح هذا الاستنفار، وقامت الدولة، لم تعد هناك اي حاجة ككيان نشأ في ظروف مختلفة تماما.

    وكما المح ذلك المتحدث فانه لم يكن يتصور وجود شيء اسمه الحركة الاسلامية في دولة النبوة او دولة الخلافة الراشدة ذلك لان كل الامة ومعها الدولة كانت حينها حركة اسلامية.

    هذا المنطق، كما اسلفنا، يبدو غير قابل للنقض، وقد يصلح كحجة ومبرر للقرار الذي اتخذته قيادات الحركة بعد انقلاب الثلاثين من حزيران (يونيو) مباشرة بحل كل هياكل التنظيم. سوي ان هناك ثلاث نقاط رئيسية لا تهز الصلابة البادية لهذا المنطق، بل تقوض كل الاسس التي تقوم عليها.

    واول هذه النقاط فهي ان هذه الدولة الاسلامية المفترضة تبدو بعيدة جدا عن المثال الاسلامي، بحيث لا تصلح لان تكون مرجعية اسلامية بل تحتاج هي نفسها الي مرجعية تقوم من شأنها. ورغم ان د. غازي ومتحدثين آخرين اجتهدوا في تعداد ما حسبوه انجازات اسلامية يعود الفضل فيها للحركة، ومنها اقامة الدولة الاسلامية والتحولات الاجتماعية المتمثلة في التدين الواسع الانتشار في المجتمع، الا ان الصورة العامة التي طرحت كانت تشير الي ازمة عميقة في اوساط الاسلاميين واحساس بالفشل اكثر منه بالانجاز.

    هذه الازمة تمثلت في احباط واسع، وتشكك في مشروعية واسس التوجه الاسلامي الحركي، وانفراط في عقد الجماعة، وانتكاس في صفوف الاسلاميين الي القبلية والانتماء العرقي. وبحسب غازي فان بعض ما اصاب الاسلاميين في السودان كان احساسا متداخلا بتآكل المشروع، وفقدان المصداقية الذاتية . وانعكس ذلك في تراجع نفوذ الاسلاميين داخل الاوساط الطلابية والنقابية والمهنية والجماهيرية واهم من ذلك في تخلف الانتاج الفكري الاسلامي بصورة مزعجة وتراجعه كما وكيفا .

    اضافة الي ذلك فان الاسلاميين فقدوا الثقة في انفسهم وفي مشروعهم، بل في بعضهم البعض، حيث نجد ان سوء الظن تعمق بين كثيرين من ابناء الحركة في ذواتهم، فلا تكاد تجد اكثرهم الا متحاربين . اما الحركة نفسها فقد انهار بنيانها واصبحت هياكل فارغة وتراجع العمل الاسلامي الي اضيق مما كان عليه قبل خمسين عاما.. بحيث اختزلت هياكل التنظيم في التذكرة و التنوير هياكل مفرغة من الرسالة والقصد، خالية من الاهداف العظام .

    واذا كانت هذه صورة الدولة الاسلامية التي تغني عن مرجعية الحركة فانها بالقطع لم تكن تستحق عناء التعب في اقامتها. ولكن اذا كان هذا لا يكفي، فان الدولة نفسها الان في طريقها لان تصبح اثرا بعد عين، فالدولة الاسلامية السودانية، بحسب د. غازي بعدت من ان تحسب كما ذا مغزي في اي تشكيل اقليمي او عالمي فاعل، وبدلا من ذلك اصبح السودان هو الحالة النموذجية للأزمة يسعي كل من يؤبه له ومن لا يؤبه له من الدول والمنظمات للتدخل في شؤونه بدعوي الوساطة والمبادرة لحل ازماته .

    وهذا يقودنا الي النقطة الثانية، وهي ان الزعم بان الدولة اصبحت مرجعية بدل الحركة، لا يلغي سؤال المرجعية بل يحيله الي الدولة وهياكلها. فالدولة السودانية كيان يقوم في محيط دولي وداخلي معقد، وهي علي كل تظهر بأكثر من وجه وتشكل مرجعية لاكثر من جهة. فالمسؤولون عن الدولة يحتجون حين يواجهون بطلبات المحاسبة والمساءلة من انصارهم الاسلاميين بأنهم يمثلون الآن دولة الخلافة الاسلامية، المرجعية الاسمي لكل المؤمنين. ولكنهم في نفس الوقت يزعمون في مقامات اخري ان هذه دولة وطنية تتساوي فيها حقوق المسلمين مع غيرهم. ونفس الدعاوي تتضارب في داخل حزبهم الافتراضي متعدد الوجوه، فارغ المحتوي. ومهما يكن الامر فان كل حالة تتطلب آليات مساءلة تتناسب مع الدعوي، فاذا كانت هذه الدولة اسلامية فلا بد من وجود آليات تحاكمها الي الشريعة، والي اهل الحل والعقد في الامة، واذا كانت دولة وطنية فانها مطالبة باقامة آليات تستند الي مرجعية الشعب ومؤسساته وهي في الحالين تقف امام مرجعية المجتمع الدولي الذي نصب نفسه وصيا عليها بصورة سلبتها معظم مقومات السيادة. وبحسب د. غازي فان ممثل الامم المتحدة المقيم اصبح اليوم سلطة قائمة بذاتها، لعله يضاهي المندوب السامي في ايام الاستعمار، وقد رد عليه متحدث اخر بأن هذا اهون الشرين، واخف من مصير العراق، وكأن الاستسلام بدون قتال افضل واشرف من الاستسلام بعد الحرب والنزال!

    وهناك نقطة ثالثة وهي ان كل المزاعم حول الدولة الاسلامية ـ المرجع لا تصطدم فقط بغياب آليات تحدد كيفية اختيار القيادة في هذه الدولة ومحاسبتها وتقويمها، بل كذلك بواقع وجود آليات ومؤسسات اخري داخلية وخارجية، فبخلاف المندوب السامي الاممي توجد في البلاد احزاب سياسية مسلمة وغير مسلمة، ومنظمات مجتمع مدني وحقوق انسان محلية واجنبية ودستور واتفاقيات سلام وتعهدات، ومؤسسات سياسية رسمية من برلمانات ولجان قومية ومؤسسات اخري لا حصر لها. الكيان الوحيد الغائب في كل هذه الزفة هو التنظيم السياسي الاسلامي.

    وبحسب علمنا فان دولة الخلافة لم تكن فيها احزاب علمانية ولم تكن عضوا في الامم المتحدة ولم يكن دستورها يشتمل علي اتفاقيات سلام تتعهد المساواة الكاملة من اهل الذمة، واهل الملة، ولم تكن فيها برلمانات ولا محاكم مستقلة ولا حكم فيدرالي ولا قوات حفظ سلام بيزنطية. اذن فالتحجج بوجود مرجعية اسلامية في شكل الدولة ما هو الا حيلة قصد بها خداع انصار الحكومة من الاسلاميين حتي لا يطالبوا بان يكون لهم حزب سياسي حقيقي مثل الاخرين وهو ايضا تعبير عن افتقاد القيادة الحالية للثقة بشعبيتها وسط الاسلاميين. وهذا حكم صائب من هذه القيادة لانها لو سمحت بقيام كيان ديمقراطي يضم الاسلاميين فان اول ما سيقوم به هذا الكيان هو اطاحة هذه القيادة.

    وهذا يعيدنا الي السؤال الاول حول مهمة الاحياء الاسلامي المفترض وهو يحيل الي سؤال آخر: من اين جاء الموت حتي اصبح الاحياء ضروريا؟ ومن المسؤول عن تراجع العمل الاسلامي الي ما دون مستوي ما قبل نصف قرن؟ وكيف يتم الاحياء ما لم يتم تحديد هوية القاتل وكف يده عن مزيد من القتل والتدمير؟

    وهناك سؤال اخر: ما هو تصور القيادة الحالية للدولة السودانية عن مستقبلها هي وعن مستقبل البلاد؟ فاذا كانت هذه القيادة تزعم انها علي رأس دولة اسلامية ولكنها تعادي الحركة الاسلامية وتصر علي وأدها، وتعارض احياءها واذا كانت هذه القيادة وقعت اتفاقيات داخلية وقبلت بقرارات دولية تصب كلها في اتجاه اخضاع الدولة لعملية ديمقراطية تحت مراقبة دولية فما هي خطة هذه المجموعة للبقاء في السلطة والاحتفاظ بمشروع الدولة الاسلامية في نفس الوقت؟

    يبدو ان هذه المجموعة تود الاقتباس من عبارة غسان سلامة المشهورة في عنوان كتابه عن ديمقراطية بدون ديمقراطية وتريد ان تقيم نظاما اسلاميا من دون اسلاميين. ويبدو ان الجماعة يؤمنون حقا بالتدخل السماوي المباشر، وان هناك ملائكة ستهبط من السماء للتصويت لصالحهم في الانتخابات القادمة، واذا كانوا بهذا القدر من التوكل، فلا شك ان استقالتهم بصورة جماعة وفورية لن تؤثر في مجريات الامور كذلك.

    مهما يكن فان التجربة الاسلامية السودانية تستحق الدراسة المتأنية، ليس من قبل الاسلاميين فقط، بل من قبل خصومهم ايضا. رئيس الوزراء السابق السيد الصادق المهدي وصف التجربة بأنها نموذج يخدم خطة الغرب في ابعاد الناس عن الاسلام . وقد ظل خصوم الاسلاميين يتهمونهم بأن مجيئهم الي السلطة سيؤدي الي اقصاء الاخرين من الساحة السياسية. ولكن الذي كشفت عنه التجربة السودانية هو ان الاسلاميين سيكونون اول من يواجه الاقصاء والاحباط حين تقوم الدولة الاسلامية وقد اكتشف ذلك مهدي بازركان وابراهيم يازدي وآية الله منتظري، كما اكتشفه حسن الترابي ومئات غيرهم.

    من هنا لعلها تكون خطة ماكرة تخدم مصلحة الادارة الامريكية ان تساعد الاسلاميين للوصول الي السلطة في البلدان التي لهم فيها نفوذ قوي لان النتيجة اذا كانت التجارب السودانية والايرانية مما يعتبر به، هي ان الاسلاميين قبل غيرهم سيكفرون فكرة ومبدأ الدولة الاسلامية، ويفقدون الثقة بالكامل في المشروع الاسلامي وقياداته.

    اما بالنسبة لدعاة الاحياء الاسلامي فان العبرة يجب ان تبدأ من عدم الثقة في القيادات التي تزين لهم تفويضها للانفراد بالسلطة في الحركة من اجل تحقيق هدف اقامة الدولة، ثم بالانفراد بالسلطة داخل الدولة بدعوي الدفاع عن الحركة. وهذا يعني العمل علي بناء تصور ديمقراطي للحركة الاسلامية والدولة الاسلامية معا، لان هذا هو الطريق الحقيقي لاحياء الامة.




                  

07-04-2005, 04:23 AM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق (Re: الكيك)

    شكرا الكيك
    على هذا البوست القيم والكامل الدسم.
    آمل أن يعيد للناسين حسابه...يوم يسالهم الله
                  

07-04-2005, 04:32 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق (Re: nadus2000)

    شكرا الاخ نادوس على الاطراء
    هذا البوست للتوثيق لا للتعليق واشكرك مرة اخرى
                  

07-05-2005, 00:21 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق (Re: الكيك)

    بسم الله الرحمن الرحيم



    بيان صحافي


    المركز السوداني للخدمات الصحافية

    يقول الله تعالي في محكم تنزيله:
    (يأيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)
    صدق الله العظيم
    المواطنون الكرام ...
    الإخوة الزملاء حملة الأقلام وحماة الكلمة .
    جرياً على واجب المركز السوداني للخدمات الصحافية في ملاحقة الأحداث وإحاطة الرأي السوداني العام الناضج المستنير بمادة هامة من مظان الثقة والمصداقية ومن موقع وواقع الحدث، وبعد استبشارنا كغيرنا بإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين ومن بينهم الدكتور حسن عبد الله الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي، ولدي علمنا بتنظيم الحزب لمؤتمر صحافي، أرسلنا أحد محررينا الأكفاء وبرفقته مصوّر بمعداته لموقع الحدث لنقله وتوثيقه كما يقتضي الواجب المهني. غير أن أننا فوجئنا وصدمنا في مسلك الدكتور الترابي وهو يطرد مندوبي المركز من موقع المؤتمر دون احترام وتقدير لحرمات الإعلام والإعلاميين وواجبهم المقدس.. وصدمتنا كانت عظيمة لأسباب رئيسية ثلاث:-
    أولها .. أن الحادثة هي الأولى التي يتعرض لها المركز منذ بداية نشاطه، وربما أنها الأولى التي يتعرض لها وسيط إعلامي سوداني من أحد القادة والسياسيين بالبلاد.
    ثانيها.. أن المركز ظل ومنذ مولده يغطى الأحداث بالكفاءة والحياد والموضوعية، ونقل عشرات التصريحات والتعليقات عن قيادات بارزة بحزب المؤتمر الشعبي وغيره من الأحزاب والتنظيمات.
    ثالثها.. أن الطرد جاء من زعيم حزب سياسي ظل يرفع شعارات الديمقراطية وينادي بالحرية ويؤكد إيمانه بها، وتكفى شاهدة في هذا الصدد تصريحاته في الزميلة الصحافة التي جاء فيها بالحرف الواحد أنه "دعا إلى نبذ العنف في الحياة السياسية وإعلاء قيم الحوار والجدل"..
    الإخوة زملاء المهنة..
    كيف نفهم دعوة زعيم المؤتمر الشعبي لنبذ العنف وتعظيم قيمة الحرية والديمقراطية وهو يطرد الإعلاميين من مؤتمر صحافي معلن ؟ .. وأي "قيم للحوار والجدل" يمكن أن يتبناها من يطرد الإعلاميين من قاعة مؤتمر صحافي مفتوح مهما كانت الدواعي والأسباب؟
    المواطنون الأفاضل .. الإخوة زملاء المهنة..
    إن شعارات الديمقراطية والحرية والشفافية تبدو مهددة بالخطر حتى من الذين يدعون لها قولاً ويخاصمونها فعلا ً.. وإننا إذ نراجع د. الترابي فيما اقترف في حق المركز إنما نطالبه بالاعتذار علناً.. ونؤكد للجميع أن المركز السوداني للخدمات الصحافية (smc) سيبقى وعاء مهنيا يتحرى الصدق والموضوعية ويسهم بقوة في بناء صرح الوطن الشامخ المتصالح الذي يسع الجميع..
    والله المستعان وهو الهادى إلى سواء السبيل ،،،


    مهندس/ عبدالرحمن إبراهيم عبدالله

    المدير العام للمركز السوداني للخدمات الصحافية

    الخرطوم 3/7/2005م
                  

07-05-2005, 01:44 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق (Re: الكيك)

    كشف الحساب الختامي لحكومة الانقاذ الوطني في السودان
    ssد. عبدالوهاب الافنديsss
    ppفي بدء الاحتفالات بالذكري السادسة عشرة لثورة الانقاذ الوطني في السودان يوم الثلاثين من حزيران (يونيو) الماضي، افتتح قاريء القرآن الحفل بآيات قرآنية مختارة كان منهاpp
    ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا، ويشهد الله علي ما في قلبه وهو ألد الخصام. واذا تولي في الارض سعي فيها ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد. واذا قيل له اتق الله اخذته العزة بالاثم، فحسبه جهنم ولبئس المهاد .
    ويبدو ان قاريء القرآن، وهو من المفترض ان يكون من أنصار النظام، اراد ايصال رسالة واضحة لحكام السودان الحاليين عن المفارقة بين القول والعمل، وحتي لا يترك القوم في اي لبس من محتوي الرسالة، فانه توقف هنا ولم يتل الآية التالية ونصها: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله، واللـــه رؤوف بالعباد .
    هذه الرسالة تلخص الي حد كبير مأزق نظام الانقاذ وهو يحتفل هذا الشهر بأطول فترة حكم وطني في تاريخ السودان الحديث، وفي نفس الوقت يمهد لتسلم الحكم لحكومة جديدة تقوم علي اسس مختلفة تنهي احتكار النظام الاسلامي التوجه للسلطة. وهذا مصدر التباس محوري يثير التساؤل حول ما اذا كان احتفال الشهر الماضي كان احتفالا بالنصر ام اعلانا للتصفية.
    والحقيقة ان الوضع مزيج من الامرين، وهو اشبه بما يحدث في عالم الاعمال حين تحدث تصفية او دمج الشركات.. عملية الدمج هذه رتبت بصورة تجارية، تقاسم فيها الطرفان المهيمنان وهما حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان، اغلبية الأسهم، مع ترك الباب مفتوحا لمساهمي اقلية آخرين، ولكل الطرفين طموحات في ان يظل نصيبهما من الاسهم ثابتا، ان لم يكن في ازدياد، وان تزداد ارباحهما حتي بعد تحرير السوق وعرض الشركة للاكتتاب العام. ولكن هذه آمال لا يراهن عليها اقتصادي عاقل.
    حظوظ حكومة الانقاذ الوطني تقلبت كثيرا منذ توليها السلطة في عام 1989 وهي اليوم افضل منها في اي وقت مضي كحكومة لانها تواجه اليوم اقل معارضة داخليا وخارجيا، وتتصرف في موارد لم تتوفر لاي حكومة سودانية قبلها. ولكن هذا الحظ لا ينعكس علي الحركة السياسية التي تقف خلفها، ولاعلي المستقبل طويل المدي لاهل الحكم. فالحركة السياسية التي تقف خلفها، ولا علي المستقبل طويل المدي لأهل الحكم. فالحركة السياسية التي انبثقت منها الحكومة تعاني من تشرذم غير مسبوق، ومن تدهور في المعنويات، ومن تضعضع موقفها جماهيريا بسبب ممارستها الدكتاتورية والاقصائية، والانطباع السائد حول استحواذ انصار الحكومة علي المناصب والثروة بغير حق.
    وكنا قد تعودنا منذ الذكري الاولي للانقاذ ان نقدم لقراء هذه الصحيفة كشف حساب عن نجاحات واخفاقات الحكم خلال ذلك العام. وفي عام 1955 رأينا ان الامر اكثر من ان تستوفيه مقالة واحدة، مضمنا ملاحظاتنا علي الاداء في كتاب كنا ما زلنا نأمل ان يساعد علي تلافي اخطاء فادحة كانت توشك ان تقود الحكم والبلاد الي طريق مسدود.
    ولا شك ان الاحتفال الختامي لعهد الانقاذ الذي جري في الايام القليلة الماضية كان يستحق كتابا آخر، خاصة وان حقائق جديدة تكشفت، وحرجا كان لا يزال قائما حول الخوض في المسكوت عنه قد رفع. ولكن المشاغل الاهم لا تسمح بهذا في الوقت الحالي، وان كان لا مناص من الاشارة الي بعض العبر والدروس.
    واول الدروس هو درس مستفاد من قبل عهد الانقاذ، ويتعلق بأزمة المنهج الثوري الانقلابي، فالانقاذ حجت والناس راجعة، ودبرت انقلابا ذا شعارات تقدمية، ومجلس قيادة ثورة في عام 1989 الذي شهد سقوط حائط برلين ووفاة آية الله الخميني، والهزات التي اصابت الانظمة في الصين والجزائر، وهرولة الانظمة العربية نحو توفيق اوضاعها مع المد الديمقراطي الرأسمالي الهادر.
    وكانت اول نصيحة تقدمنا بها لاهل الحكم في ذلك الوقت (في سلسلة مقالات نشرتها في الحياة في آب (اغسطس) 1989) تركز تحديدا علي هذه النقطة. ولم تكن احداث اوروبا الشرقية قد تفجرت وقتها حتي نشير علي عظتها والعبرة منها، ولكننا نبهنا الي مصائر الانظمة الانقلابية ـ وما اكثرها ـ التي جاءت الي الحكم بشعارات رنانة عن التحرر والوحدة والتنمية، فانتهي بها الامر الي عبودية مزدوجة: استعباد للشعوب في الداخل، وتبعية الانظمة للخارج. وقد لخصنا هذه العبرة وقتها بالقول بأن كل نظام هو امام خيارين: التذلل لشعبه، وهو ما يسمي بالديمقراطية او التذلل للخارج، وهو ما يسمي بالتبعية او الحالة.
    أهل الرأي في الانقاذ كانوا قد اختاروا الطريق الثاني ودخلوا في حرب مع كافة قوي الشعب، وكان لا بد لهذا المسار من ان يؤدي الي نتيجته الطبيعية، وهي التبعية للخارج، وهو ما نري مظاهره اليوم من افتخار بتقديم الخدمات لاجهزة المخابرات الاجنبية، ومن الانصياع الي اتفاقيات سلام مصنوعة ومفروضة من الخارج، وقوات تدخل اجنبية والقية تأتي.
    نظام الانقاذ حقق انجازات لا جدال فيها، واول انجازاته هو استمرار النظام وبقاؤه رغم المصاعب الداخلية والخارجية الكثيرة التي واجهها، وثاني اهم انجاز هو استخراج النفط في عام 1999، وهو انجاز له اهمية كبري لانه حول مسار الاقتصاد وقامت عليه انجازات اقتصادية اخري كثيرة. وقد ساهم النفط في تقوية موقف الحكومة اقليميا ودوليا، ولا شك انه كان عاملا مهما في دفع المتمردين في الجنوب للقبول بالدخول في مفاوضات جادة للسلام، حتي لا يفوتهم قطـــار المغانم.
    البعض يري في ابرام اتفاق السلام في الجنوب انجازا ربما كان اهم من تدفق النفط، ولا شك ان عقد صفقة السلام ولا نقول تحقيق السلام هو انجاز كبير بلا شك، ولكنه انجاز ملتبس لان الانجاز لو صح فانه يكون نجاح النظام في تصفية نفسه سلما، ذلك ان تطبيق الاتفاق الحالي بجدية سيؤدي بالضبط الي هذه النتيجة، ولكن الذي يبعث علي القلق هو ان اهل الحكم الغارقين في احتفالات اعلان الظفر لا يبدو انهم يرون الامر علي هذا النحو.
    ويكفي فقط متابعة الاعلام الرسمي، وهو اعلام ما زال يتكلم بلسان الحزب الواحد والرأي الواحد، ليدرك المرء كم القوم غافلون تماما عن التحول القادم، وكم هم بعيدون عن الاستعداد له، فاذا كانت الايام القليلة القادمة ستشهد حقا اطلاق حريات التعبير والتنظيم، وفتح المنافسة السياسية الحرة، وكانت هذه البضاعة الاعلامية الكاسدة هي كل ما عند الحكومة لتعرضه في سوق المنافسة ذاك، فان صدمة كبيرة تنتظر البعض.
    الساحة السياسية ستشهد مع توقيع الدستور الجديد هذا الاسبوع انفجارا غير مسبوق في النشاط السياسي والنقابي، واعادة صياغة التحالفات، وقد ظهر اتجاه الريح بوضوح، في هذا المجال في انتخابات اتحاد طلاب جامعة الخرطوم قبل بضعة اسابيع، حين فاز تحالف يضم ابرز احزاب المعارضة في تلك الانتخابات، وقد كشفت الحكومة وحزبها الحاكم عن عدم الاستعداد للطوفان القادم حين لم تجد في الشهر الماضي وسيلة لمنع هزيمة اخري في انتخابات جامعة ام درمان الاهلية الا باستخدام العنف. فقد قام طلاب محسوبون علي الحزب الحاكم (تدعمهم اجهزة امنية بحسب البيانات ـ الصادرة من ادارة الجامعة) باحراق جزء كبير من مباني الجامعة وضرب الطلاب والاساتذة واعتقال بعضهم، ثم قامت الحكومة باغلاق الجامعة ضد ارادة الادارة التي كانت تريد بقاءها مفتوحة. كل ذلك لمنع عقد انتخابات اتحاد الطلاب هناك.
    الحكومة اذن مقبلة علي مرحلة حرجة، واذا كان الدستور الانتقالي المرتقب يسمح لها بالبقاء في الحكم لاربع سنوات علي الاقل، فان هذا البقاء مشروط بمشاركة الاخوة الاعداء لها في السلطة، وتثبيت واضعاف هذه السلطة بتوزيعها الي الولايات، والحد منها باحاطتها برقابة داخلية من الاعلام الحر والمنظمات السياسية والنقابية والمدنية، ومن القوي الدولية الراعية للاتفاق، وعلي رأسها الامم المتحدة وبعثتها المكونة من عشرة آلاف موظف مدني وعسكري بدأ نشرهم فعلا في كل انحاء البلاد.
    نجاح وفشل اي نظام لا بد ان يقاس بأهدافه الاساسية. وقد كان الهدف الاول لنظام الانقاذ هو الاستمرار في السلطة الي ما لا نهاية، ثم استخدام السلطة لاسلمة المجتمع حسب رؤيتها. النجاح في الهدف الاول كان جزئيا، لان مهندس الانقلاب والحاكم الفعلي للبلاد خلال سنوات الانقاذ الاولي (الدكتور حسن الترابي) قد فقد موقعه في السلطة وان كانت مجموعة الصف الثاني التي اطاحت به ابقت علي النظام عبر عقد صفقات مع جهات عدة (مصر، الولايات المتحدة، بعض فصائل المعارضة) علي حساب مشروع الاسلمة الاصلي ـ وهذا البقاء يبدو الآن موضع شك كبير.
    ويمكن هنا ان نقارن وضع ثورة الانقاذ بمصير ثورة 32 يوليو في مصر، التي تعرضت بدورها لانقلاب قصر علي يد السادات عام 1971 ثم ضمنت بعد ذلك استمرارية النظام بعقد صفقات مع العدو الاسرائيلي والخصم الامريكي، وتخلت كليا عن شعارات التحرر والاشتراكية والوحدة العربية، ولكن النظام القائم علي وراثة ثورة يوليو ما زال يفتقد الشرعية القائمة علي القبول الشعبي كما اوضح محمد حسنين هيكل في تعليقه الشهير علي قناة الجزيرة الشهر الماضي. وكل الدلائل تشير الي ان النظام القائم سيندثر تماما مع فتح الحريات المحتوم كما اندثرت انظمة اوروبا الشرقية، ولن يبقي من تركته التاريخية اي شيء يذكر له او يحمد.
    نظام الانقاذ في السودان يواجه نفس المصير مع الفارق، وهو انه وقع بنفسه علي صك التصفية. النظام المصري رغم ضعفه ما زال ينفرد بالسلطة، وما زال يحتفل بعيد ثورة يوليو ويرفع بعض شعاراتها، في السودان من غير المتوقع ان تسمح الحكومة القادمة بالاحتفال بثورة الانقاذ مرة اخري، كما ان الحكومة الحالية تخلت طواعية عن شعاراتها الاسلامية حين وقعت علي نصوص دستورية تضمن المواثيق الدولية لحقوق الانسان في الدستور السوداني وتفرض احترامها، وتعطي القيادات الجنوبية المعارضة حق الفيتو في التشريع والقرارات التنفيذية. وهي في كل ذلك رهنت مستقبلها السياسي بيد حركة معارضة معادية للتوجه الاسلامي ولها طموحها الخاص في بناء تحالف سياسي معاد تأمل ان ينجح في تحويل السودان الي نظام علماني لا مكان في فضائه السياسي للدين.
    لقد فشل نظام الانقاذ في المجال الجوهري، وهو المجال السياسي المتمثل في بناء شرعية للنظام وبرنامجه السياسي، وبناء قاعدة شعبية تضمن استمرارية النظام وبرنامجه في مناخ ديمقراطي بل بالعكس ان اكبر نجاح للنظام كان يتمثل في تدمير وتمزيق القاعدة الشعبية الاسلامية وتدمير رصيدها الاخلاقي حين قرنت الاسلاميين في المخيلة الشعبية بالاستبداد والفساد، وحين حولت قطاعا مقدرا من الاسلاميين الي مجموعة من المرتزقة والانتهازيين الذين يخدمون السلطان وينطقون باسمه.
    وبالمقابل فان اوجه نجاح النظام هي من النوع التقني الذي لا يحمد صاحبه، بل بالعكس، يكون كمن حفر قبره بيده ما لم يكن له وعاء سياسي يجمع فيه هذا الرصيد، فتوسيع التعليم وتحسين الاقتصاد لا يؤديان الي تعزيز قبضة الانظمة السلطوية علي الحكم بل العكس، يمهد لزوالها كما كان الحال في كوريا والفليبين واندونيسيا وكما هو الحال في مصر والسعودية اليوم، والسودان نفسه في عهود سابقة.
    وتلخيصا يمكن ان نقول ان نظام الانقاذ حقق الكثير من الانجازات التاريخية المهمة والايجابية، ولكنه لن يخلف تركة سياسية باقية، وسيكون قادته محظوظين لو نجوا من الملاحقة القانونية، وهو امر غير مضمون. وهم في هذا اشبه بنظام الفريق ابراهيم عبود الذي حكم السودان بين عامي 1958 و1964 وحقق انجازات كبري علي صعيد البنية التحتية والرخاء الاقتصادي، ولكن لا يكاد يوجد اليوم سوداني واحد يذكر ذلك النظام بخير، ومثله نظام النميري، الذي حقق انجازات اقل، ابرزها السلام في الجنوب، ولكنه ايضا اخفق سياسيا، فكثر لاعنوه وقل مادحوه، ولعلها مفارقة لها دلالتها ان الحزب الحاكم كان قد اعلن قبل بضعة اشهر الاندماج بينه وبين حزب الرئيس النميري، والطيور علي اشكالها تقع كما يقول المثل.
    9
    QPT4
                  

07-05-2005, 02:17 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق (Re: الكيك)



    ديمقراطية الترابي المزعومة تقدم الأحزاب كخراف للذبح الحلال

    الخاتم عدلان





    هل يمكن للترابي أن يكون بديلا لنظامه؟

    الديمقراطية بالنسبة للترابي ليست طريقا " لتمكين الإسلام".

    في ديمقراطية الترابي المزعومة تقدم الأحزاب السياسية الأخرى، ليس كبدائل ممكنة، بل كخراف للذبح الحلال.



    لا يمكن هزيمة الإنقاذ، هزيمة سلمية ديمقراطية، ولكنها جذرية وحاسمة، إلا وفق برنامج سياسي شامل، يطرح تصورات وحلولا يقبلها الشعب، للمشاكل المعقدة التي ظل يعاني منها السودان عبر الحقب، وتفاقمت إلى درجة الحرج المفضي إلى التهلكة على عهد الإنقاذ. وبعد سقطته من الأعالي عاد حسن عبد الله الترابي ليطرح نفسه بديلا للنظام الذي بناه وشيده بيديه. وقد كتبت في مقالات سابقة عن تصوراتي لمصائر الصراع المسلح الدائر بينه وبين السلطة، وهو بالنسبة لي صراع عدو أمقته، اراه يسمل عينيه ويجدع أنفه، إنتقاما من وجهه وتنكيلا به! ما يهمني هنا هو هل يمكن للبرنامج الجديد الذي طرحه الترابي أن يكون بديلا للإنقاذ؟ وهذا ما سأناقشه في سلسلة من المقالات.

    عندما كنت في طريقي إلى خارج السودان قبل عشر سنوات، قال لي رجل جمعتني وإياه مصادفات الأسفار، وهو يتحدث عن أهل الإنقاذ، أن " هؤلاء" لن يذهبوا إلا إذا أنشق منهم جناح. وعندما سالته كاتما غيظي من تحليله الذي لم يكن يخلو من حقيقة، ومن تصغيره وتصفيره وأزدرائه للمعارضة القائمة، قال لي ما معناه: إنهم يجيدون المعارضة وليس الحكم. وهو يعني بالطبع أنهم يجيدون الهدم وليس البناء. وهاهم مصداقا لقول ذلك الرجل الذي لم يحضر شهادة في السربون، قد هدموا السودان، بمعنى أنهم وهم الحاكمون، لم يكونوا سوى معارضة هادمة لكل آمال شعبنا، ليس في السعادة والرفاه، بل في العافية والوجود.

    إنشقت الحركة الإسلامية، الربانية، المدبرة عن مكاسب الدنيا، العفيفة التي لا تزكي نفسها، المستعلية على المنصب والجاه، الميممة وجهها شطر الدين والمزكية لأفعالها بخلو ضمائر أصحابها من الضغائن والحسد والمباهاة. والاوصاف الواردة هنا كلها من قاموس الترابي، الذي اراد في كل ما كتب أن يشيع وهما كبيرا عن حركته، لم يصدقه في النهاية إلا هو. وصدقت فرضية ذلك الرجل المجهول، جاء الترابي بعد الإنشقاق ببرنامج جديد يريد أن يكون بديلا للنظام القائم. وقد الف كتابه المسمى " السياسة والحكم: النظم السلطانية بين الاصول وسنن الواقع" ليطرح هذا البرنامج الجديد، معلنا إيمانه بالتعددية الحزبية التي أكتشف أنها ركن من أركان الإسلام، وبحق الأحزاب الكافرة في الوجود الشرعي والعمل السياسي الطليق، ومكتشفا لاول مرة أن القرآن يعطي الناس حق أن يؤمنوا وأن يكفروا وأن " السلطان" ليس من حقه أن يحاسبهم لأن شأنهم متروك لله.

    ونحن سنورد إقتطافات محددة من هذا الكتاب، حتى يقف الناس على ما جاء في نص ليس قابلا للقراءة، من فرط تنطعه، وتوغله في ابتداع لغة خاصة، متداعية داخليا، مشوبة بالغموض، وتمثل في حد ذاتها هجوما سافرا على خصائص الإبانة والمباشرة في اللغة العربية الفصحى، حتى يسهل التنصل منها عندما تتغير الظروف، وتتهيأ من جديد لاجتياح المجتمع.

    يقول الترابي:

    " حرية الخلاف مذهبا والموالاة عليها تعددا حزبيا من أصول الحكمة والحكم في دين الإسلام." ( ص 207)

    ثم يؤكد المعنى ذاته فيقول:

    " فهدي الدين أن الحياة العامة فاسحة مسامحة لشتى الأحزاب، لكل وجهة هو موليها بغير إذن أو ترخيص من أمر مرسوم من سلطان الدولة، لئلا يقوم الوالي متسلطا لا يبيح لمن يخالفه مجال خلاف ونصح." ( ص 210)

    ثم يصل إلى الدرجة القصوى في السماح ويعلن:

    " ومهما تذهب الأحزاب وراء الحق إلى ما يحرمه الشرع أو يكرهه فضلا عما يكره الأمير، فإن سنة دولة المدينة أسوة بينة لترك من يحمل كفرا كتابيا أو منافقة مفضولة أو ترددا بين الكفر والإيمان ليعمل سياسة بتعبير رأي وموالاة عليه كما يشاء." ( ص 211)

    وإذا تجاوزنا عن ركاكة العبارات الأخيرة والتواءاتها، فإننا نلاحظ أن الترابي لا يعترف بالتعددية الحزبية، الطليقة من الإذن والترخيص، فحسب، بل يسمح بالأحزاب الكافرة والمنافقة والمترددة بين الكفر والإيمان. وقد تداعت، بالمعنى الحرفي للكلمة، الأحزاب السياسية السودانية، أو أغلبها، مستقبلة الترابي بالأحضان، ومطمئنة نفسها بأنه صار من دعاة الديمقراطية الكبار ومن منظريها الذين لا يشق لهم غبار، متبعة بعض المثقفين الناشرين للأوهام، والذين نصبوه قائدا للبعث الإسلامي الجديد، قبل أن يسقط من سدة الحكم. فأين كل ذلك من الصدق؟ بل أين هو من تاريخ الرجل وفكره ودوره الممتد في الحياة السياسية السودانية، في الحكومة أو المعارضة؟ بل ما هو مكان هذه الاقوال ذاتها من بنيته الفكرية القائمة، في كتابه هذا المنشور ؟

    أول ما يلحظه المرء هنا هو أن الترابي يتحدث من مواقع الملكية الفردية المطلقة للإسلام وللقرآن. فما يدلي به من آراء هو الإسلام، وما يبيحه ويحرمه هو ما يبيحه وما يحرمه الإسلام، والقرآن. وليس غريبا أن أول جملة وردت في كتابه المذكور، هي " هذا كتاب من وحي الإسلام". ومن بين كل أنواع جنون العظمة، والذهول عن الواقع والإفتتان بالنفس، فإن هذه أقصاها مدى. والملاحظة الثانية هي أن الأحزاب الأخرى، والتي يجود عليها بحرية العمل السياسي هي إما كافرة أو منافقة أو مترددة بين الكفر والإيمان. وهو هنا يقدمها إلى الشعب المسلم ككباش جاهزة للذبح، وليس كبدائل للحزب الإسلامي الذي يمثله هو دون سواه. أما الملاحظة الثالثة والأخيرة، فإن ما يتبرع به الترابي هنا هو من وحي الهزيمة الساحقة التي مني بها على غير ما كان يتوقع من أشخاص صنعهم بيديه، كادوا يسمونه " ولي الله"، ومن وحي المرارة التي لا توصف لراس لفظه الجسد بعد أن أنبت رؤوسا جديدة على طريقة الهايدرا.

    عندما وصل إئتلاف حزب الأمة والإتحاد الديمقراطي إلى طريق مسدود عام 1988، لم يتردد الصادق المهدي، وفي سبيل الحفاظ على الحكم بأي ثمن، من مد يده إلى الجبهة الإسلامية لإشراكها في الحكم، لأنها كما كان يقول قد اختارت الديمقراطية بصورة نهائية. فكيف كانت الجبهة الإسلامية تفكر في تلك اللحظة التي لاحت فيها فرصة المشاركة في الحكم؟

    على هذا السؤال يجيبنا حسن عبد الله الترابي في كتابه الآخر والذي كتبه وهو في قمة السطة وجاء بعنوان: الحركة الإسلامية في السودان: التطور والمنهج والكسب." والذي ربما يعتقد أننا نسيناه وهو يسطر كتابه الجديد. ونلاحظ عرضا أن "المنهج" في عنوان الكتاب، يجيئ لاحقا للتطور، أي أن التطور يحدث دون منهج، وهذا واحد من أسرار فكر الترابي الذي سنلخصه بتركيز في نهاية المقالات. يقول الترابي في ذلك الكتاب وهو يعرض المناظرات التي دارت داخل الجبهة إستجابة لدعوة الإشتراك في الحكم كما يلي:

    " أولا: المناظرة بين استراتيجية التمكن أو الأخذ العام، أو استرايتجية التدرج أو الأخذ على خوف- أي بين الذين يرون أن منهج التحول الإسلامي الاسلم هو في قيام الحركة بديلا موازيا ومتميزا عن النظام الحزبي القائم ثم مجابهته وإجتثاثه جملة واحدة وتولي خلافته السياسية، والذين يرون بلوغ ذات النتيجة من خلال إدخال التحولات في السياق القائم شيئا فشيئا بما يربي الجماعة ويؤهلها تدرجا على احتمال المسؤوليات الأكبر" ( ص 222)

    والمعنى الواضح هنا هو أن الفريقين المتناظرين، وهما كل قيادة الجبهة، كانا متفقين على مجابهة "النظام الحزبي القائم ثم اجتثاثه جملة واحدة وتولي خلافته السياسية" ومختلفين فقط في الوسائل تدرجا أو أخذا على خوف!

    كانت الجبهة الإسلامية تناقش اجتثاث النظام الذي يجلس على قمته الصادق المهدي، وهو يدعوها إلى المشاركة في الحكم! وكان يتساءل وقد نقلت إليه أخبار الإنقلاب الوشيك: متى يعرف الناس أن الجبهة الإسلامية قد اختارت الديمقراطية كخيار نهائي؟ وكان علام الغيوب وصاحب المعارف الإلهامية جاهلا كليا، وما يزال، بطبيعة عدوه اللدود الذي اعتبره كل حياته صديقا حميما. وبدلا من أن تزداد الأحزاب السياسية الرجعية و" التقدمية" حكمة من كل ذلك فإنها تخف لتحتضن الترابي وتكافئه على عودته الكذوب إلى ساحة الديمقراطية الموهومة.

    هذا رجل يفخر ما يزال بحل الحزب الشيوعي، الذي يمكن أن يؤرخ به إنهيار الديمقراطية اللبرالية في السودان:

    " وشأن آخر كان محور تعبئة جليلة ولدت ضغطا حرك الإجراءات الرسمية ووعيا كيف الإتجاهات الشعبية هو حل الحزب الشيوعي- حين عبأت الحركة حملة جسدتها حجة المداولات السياسية وقوة التظاهرات الشعبية فتمخضت عن موقف سياسي غالب يدين الشيوعية وإجراء قانوني يحرمها." ( ص 201)

    هذا رجل يتحدث بتشف يكشف عن نفس مريضة مستعصية على العلاج عن إعدام الشهيد محمود محمد طه، الذي يستكثر عليه حتى إسمه بوضعه بين قوسين:

    " وقد كان صاحب الدعوى عدوا كائدا للحركة وليا لإسرائيل والغرب، ولكنه بمذاهبه ومواقفه لم يستخف الحركة لتنصرف إليه بالمجادلة والمجاهدة، بل صبرت على فتنته المحدودة، حتى لقي حتفه بحد الردة القضائي أيام النميري الذي كان الرجل نصيره قبل تطبيق الشريعة."

    هذا النص المريض يغفل أن " كيد" محمود للحركة كان مجابهة فكرية لها في المنابر، وأن موالاته لإسرائيل كانت دعوة مفتوحة لهزيمتها حضاريا وليس عسكريا، كما يغفل أن حد الردة "القضائي" كان نوعا من الإجرام الصريح من حاكم معتوه، تدفعه قوى ماكرة حاقدة كان على راسها حسن عبد الله الترابي وجبهته الإسلامية.

    هذا رجل يعلن في أكثر مواضع في كتابه ذاك أن "الديمقراطية" ليست هي طريق " الإسلام" للوصول إلى الحكم. فهو يقول عن حركته أنها بعد ثورة أكتوبر " تبينت مدى زيف الاشكال الديمقراطية في تمثيل إرادة الأمة" (ص 276) ويواصل فيقول ان الديمقراطية، حيثما كانت، خاطئة من حيث نظريتها ذاتها " فالحركة تعلم أنها في السودان أشد زيفا واسرع تلفا من جراء الخلل السياسي الداخلي والتدخل الإمبريالي الخارجي."

    على هذه النظريات المبثوثة في كل مؤلفاته قام إنقلاب الثلاثين من يونيو 1989. وعلى هذا الأساس النظري هجم هجمته البربرية تلك على المجتمع، وبقيادة مباشرة من الترابي نشأت كل مؤسسات النظام القائمة حاليا. وبقلم الترابي كتب دستوره القائم على " التوالي" أي الإذعان الكامل من قبل القوى السياسية للنظام القائم، وبمبادرة الترابي صيغت كل قوانينه التي سيحاكم بها هي ذاتها على حد قول مقدمي القرابين وفاصلي الرؤوس عن الرقاب. وعلى نفسها جنت براقش التي سعت إلى حتفها بظلفها وعادت إليها الشرور التي فتحت صناديقها البندورية النكراء.



    ما يهمنا إثباته هنا هو أن هذه النصوص ظلت هي الغذاء اليومي لحركة الترابي طوال أكثر من نصف قرن وأنه لم يتنازل عنها عن إقتناع، بل تنازل عنها مؤقتا بمقتضيات فقه الضرورة. وحتى لا يقال لنا أن الترابي يمكن أن يكون قد نادى بتلك الآراء وتنازل عنها حاليا فإننا نرجع إلى كتابه الحالي نفسه لنوضح ان التعددية الحزبية التي يدعو إليها، والحكم الديمقراطي الذي يدعيه ليست سوى أوهام محضة، أوردها الترابي وهو واثق من العودة إلى السلطة عن طريق " الأخذ العام" جملة واحدة، بعد أن يكون قد حيد القوى السياسية كلها بالوعود الفارغة. وهذا وغيره مما سنناقشه لاحقا



    الخاتم عدلان للأضواء 12 أكتوبر 2004



                  

07-05-2005, 04:24 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق (Re: الكيك)



    المشير البشير وعشرون عاما من سفك الدماء بقلم سارة عيسي
    سودانيزاونلاين.كوم
    sudaneseonline.com
    6/30/2005 2:11 ص
    تقول الاديبة البوليسية الكبيرة أجاثا كريستي وهي تحلل نفسية القاتل أنه عند ارتكابه للجريمة الاولي يكون مترددا بحكم تعرضه لنوبات الخوف من العقوبة ، وعندما ارتكابه للجريمة الثانية يكون تردده أقل من السابق ، وفي حالة ارتكابه للجريمة الثالثة يقوم بقتل ضحيته من غير تردد ولا تهمه العواقب ، وعند ارتكابه للجريمة الرابعة يجد القاتل نفسه مولعا بقتل الضحايا ويستلذ بمنظر الدماء ، وتعتبر المرحلة الاخيرة من أخطر المراحل النفسية التي يمر بها القاتل حيث يتحول الي مسخ ووحش بشري لا يضع قيمة كبيرة لحياة الناس ، وقتلة الانقاذ مروا بكل تلك المراحل السابقة واستقروا الان في المرحلة الاخيرة ، واصبح لا يهمهم كثيرا أن يقتل أربعمائة ألف شخص في دارفور أو أن يسقط عشرون شخصا قتلي برصاص الشرطة في بورتسودان ، والكثير من المتابعين لتشرنق الانقاذ وتقلباتها الكثيرة خلال عقد ونصف يعتبرون أن أولي جرائم الانقاذ بدأت عندما تم اغتيال الطالب بشير الطيب البشير في جامعة الخرطوم في ديسمبر 1989م ، وتلي ذلك الحدث المروع اغنيال كل من الشهيدة التاية أبو عاقلة والشهيد سليم أبو بكر ،وفي ابريل من عام 1990 تم تصفية ضباط حركة 28 رمضان ، وفي عام 1991 قام جهاز الامن والذي كان يرأسه الدكتور علي نافع باغتيال الشهيد طارق محمد ابراهيم الطالب بكلية العلوم قسم الأحياء بجامعة الخرطوم ، وفي الخارج كانت عمليات القتل والاغتيال تجري علي قدم وساق فتم تعذيب الدكتور علي فضل حتي لفظ أنفاسه الاخيرة كما تم تم اغتيال المهندس أبو بكر الراسخ عندما كان يتمشي علي قارعة الطريق في عام 1994 ، كان المشروع الحضاري الذي دعت اليه الانقاذ اشبه بالرجل الجريح في غرفة العمليات والذي يحتاج دائما الي دماء غزيرة لتنعشه من الغيبوبة المستديمة والتي كان مصدرها الطلاب والقوات المسلحة وقادة العمل النقابي ، الكل دفع من دمه فاتورة المشروع الحضاري و ذلك لم يمنع الانقاذ من طلب المزيد ، وقد استدعت الضرورة خوض حرب الجنوب من أجل مواصلة مشروع القتل والدمار ، كان الثمن الذي دفعه الشعب السوداني في حرب الجنوب باهظا ومكلفا ، فقدنا الكثير من الانفس مقابل اللا شئ ومن أجل عبثية ثبت حمق نظرياتها في اخر المطاف ، واصاب الفقر المدقع السواد الاعظم من ابناء الشعب ، كانت الانقاذ ترفع شعارات في غاية الحدة ولا تقبل التنازل عن ثوابتها العظيمة ، اما الشهادة أو النصر ، وكان أول قطاع غرر به هم المسحوقين من ابناء الحركة الاسلامية والذي أستهوتهم فكرة مفارقة الحياة الدنيا وعقد القران علي الحور العين في الجنان ، ضمنت الانقاذ للجبهة الاسلامية الاستئثار بموارد البلاد الاقتصادية وضمنت لقتلاها حق الاقامة السرمدية في جنان الخلد والفردوس الاعلي ، بدأ المشروع الحضاري في السودان عنيفا كعنف أهل الانقاذ وطحن بكلكله كل من اعترض عليه أو وقف في طريقه ، رحل عن دنيانا د.احمد علي الريس ود.محمود شريف و د.محمد أحمد عمر ود.اسامة أحمد فضل الله ، هولاء ذهبوا الي ربهم من أجل غاية شريفة والله اعلم بصدق نواياهم من كذبها ، لم يمت في حرب الجنوب غلام بلاط الانقاذ المدلل الاستاذ حسين خوجلي وهو من دعاة استمرار الحرب ليحرم قرنق من دخول المتمة فاتحا ويسبي الجعليات الحرائر كما كان يكتب في جريدة ألوان ، وبقي محمد طه محمد احمد علي قيد الحياة ليتناسل ويطلق علي ابنائه الكثر اسماء أبطال المسلسات التاريخية السورية ولقد دفعه الفراغ الكبير الي الحط من قدر رسولنا الكريم في أيام الاحتفالات بمولده فركب مع المقريزي سفينة الغمز والطعن والتشكيك في نسب مخلص البشرية من الاثام والشرور ، انصفت الانقاذ ابنها محمد طه وقرأت عليه كافة حقوقه القانونية من اختيار الشهود الي تقسيط مبلغ الغرامة لينجو من جريمة سب نبي الامة ، ولكن من يقتص لكل من قتل أو اغتصب شرفه في دارفور ، لا يوجد أحد فالمعتصم الذي احرق جيش الروم بسبب استغاثة صدرت من فوه امرأة في العمورية أصبح الان مشغولا بالاعداد الي الحرب الجديدة في شرق السودان ليمارس فيها حضارة النهب والسلب والاغتصاب كما حدث في دارفور ، واذا تساءلنا من الذين يقودون هذه الحرب الجديدة ويحركون اعلامها ويضربون طبلها في الصباح والمساء ، انهم ليسوا برجال غرباء عن واقعنا السوداني فقد حفظناهم علي ظهور قلوبنا منذ أن كانوا شبابا وحتي علا راسهم الشيب ولا زالوا علي ضلالهم القديم ، لقد عاشوا علي دمائنا طوال الاعوام الماضية ، فالوزير سبدرات ود.مصطفي عثمان اسماعيل هم من دعاة الحرب الجديدة ، عاش سبدرات علي التملق ورهن نفسه كخادم مطيع لطاغوت الانقاذ مدي الحياة ، فسبدرات بدأ حياته وهو يقرض الشعر علي النخب المايوية في ( خمارات) المقرن وانتهي به الحال الي وزير لا يجيد سوي الحديث عن الحرب والدعوة لها ، هولاء هم ورثة المشروع الحضاري الذي مات من أجله كل من د.محمد أحمد عمر ود.محمود شريف وغيرهم من رجال الانقاذ الذين دخلوها علي اساس المبادئ السامية وليس علي مبادئ الطمع والجشع كما يفعل سبدرات ومصطفي اسماعيل ، وسبدرات عندما طلب منه الذهاب الي الجنوب تعلل بالمرض وسافر الي الاردن وأجري عملية استئصال للزائدة الدودية من غير ضرورة لذلك حتي ينفذ بجلده ويبقي بعيدا عن منطقة الخطر ، ومصطفي عثمان أعتبر أن جهاده ضد المجتمع الدولي وهويراس مجلس الصداقة الشعبية العالمية لا يقل عن الجهاد بحمل السيف وخوض المعركة ، كل هرب من جحيم الحرب ووجد لنفسه العذر في الخلاص ولكنهم لماذا لم يعذروا أبناء الشعب السوداني الذين دفعوهم دفعا الي موارد الموت .
    وأولي دعوات القتل والحرب صدرت من المشير البشير حينما خاطب الحشود بقوله ( نحن وصلنا للسلطة بقوة السلاح ومن أراد أن يأخذها منا فعليه استعمال السلاح )) ، ولم يخيب الشعب السوداني ظن المشير المشير فحمل الجميع السلاح في الجنوب وفي كردفان وفي دار فور وفي شرق السودان ، ويعتقد الكثير من الناس أن المشير البشير كما قال الرئيس المصري حسني مبارك (( رجل طيب وعلي نياته )) ويلصقون تهم التشدد واستخدام العنف بنائبه علي عثمان طه ولكن الذين يعرفون المشير البشير عن قرب يؤكدون أن هذا الرجل يعتبر مثلا في الدموية والعنف والغرور ، وفي عام 1986 في عهد الديمقراطية الثالثة كان العقيد البشير قائد حامية حربية في جنوب كردفان ، وصادف أن دعا اهل المنطقة العقيد البشير وباقي أفراد حاميته لتناول وجبة العشاء بمناسبة زواج ابن شيخ المنطقة ، فحضر العقيد البشير وهو يلبس الزي العسكري ويجمع أكمام البدلة الي منتصف الذراع كما يفعل الان ، وبعد انتهاء العشاء اصر العقيد البشير علي اطلاق الذخيرة الحية كدلالة علي الفرح والابتهاج ، وبالفعل أمسك بالبندقية وبدأ في اطلاق الرصاص بصورة عشوائية فانزلقت البندقية من يده وأنطلقت من فوهتها رصاصة طائشة استقرت في صدر فتاه صغيرة تبلغ من العمر تسعة سنوات ، ماتت الفتاة علي الفور وسط ذهول أهلها المكلومين وصدمة أهل الفرح والذي تحول الي مأتم بسبب تهور قائد الحامية ، وزاد من استغراب الاهالي ان العقيد البشير لم تكن تظهر عليه علامات التاثر او الحزن بل كان يردد بكل برود مقولة ( قدر الله وما شاء فعل )) وترك الجموع الغاضبة وذهب الي الحامية وأمر الجنود بالاستعداد للمواجهة ، قام بعض الضباط الصغار بابلاغ القيادة العامة بكتابة تقرير موجز شرحوا فيه ملابسات الحادث والذي كاد أن يؤدي فتنة بين أحد قبائل التماس الكبيرة والقوات المسلحة ، ووصل التقرير الي مكتب المشير محمد حسن سوار الدهب وكان وقتها يراس المجلس الانتقالي الحاكم الذي تكون بعد الانتفاضة ، وكان من الممكن أن يؤدي هذا الحدث الي مضاعفات خطيرة اذا طالب اهالي المنطقة بالثأر من الحكومة ، فعمل المشير سوار الدهب علي تجاهل هذا التقرير و قام بنقل العقيد البشير الي حامية أخري ولم يعرضه علي المحاكمة العسكرية كما جرت العادة عندما يستخدم الجندي سلاح الدولة في المناسبات العامة ويتسبب في الحاق الاذي بالمواطنين ، وأعتبر المشير سوار الدهب أن الحادث كان عرضيا وحرص علي ازالة كل البرقيات والملفات التي اشارت اليه، والان كافأت الجبهة الاسلامية المشير سوار الدهب علي مكره ومساندته للانقلابيين منذ ذلك التاريخ عندما كان يغطي علي جرائمهم ومنحته معاشا مدي الحياة وهو رئاسة منظمة الدعوة الاسلامية ، وقبل عام تابعت علي القناة السعودية خبر تكريم المشير سوار الدهب ومنحه جائزة الملك فيصل علي العمل الاسلامي ، وفي سرده لسجل انجازات المنظمة ذكر سوار الدهب أن المنظمة قامت ببناء المدارس والمستشفيات والمعاهد الدينية في خمسين دولة اسلامية والمضحك ان التقرير لم يشر الي اسم السودان من بين تلك الدول التي أغدق عليها المشير سوار الدهب بكرمه الفياض من غير أن يتذكر أن له اخوة في الاسلام من أهل دارفور يحتاجون الي كل شئ يذكرهم بحضارة الالفية الثالثة ، انهم يحتاجون الي الماء والخيام والامان والدواء ولكن عيون المشير سوار الدهب لا تري الماسأة الا في البوسنة والصومال والشيشان . وهذه هي رحلة المشير البشير مع العنف وارقة الدماء بدأ بقتل فتاه صغيرة وانتهت بالمجازر الدموية في كل أنحاء السودان ولن يترك المشير البشير السلطة التي جعلته يقول في حق شيخه الترابي (( والله أنا قادر علي دق عنق الترابي وأن أذهب الي الله مطمئنا بذلك )) ، وهذا ما لم تعلمنا أياه اليه كاتبتنا أجاثا كريستي وهي ان يعتبر المجرم أن القتل فضيلة تورد صاحبها الي جنات الخلد وهو مطمئن .
    ولنا عودة

    سارة عيسي
    [email protected]

                  

07-06-2005, 00:16 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق (Re: الكيك)



    للشعب ذاكرة وللناس وأقلام والسن
    التـــــرابي.. من گـــان دستــــوره بلا ثقــوب فليـرمـــه بحجــــــر!!
    إعداد: علاء الدين بشير
    عقب الافراج عنه بعد حبس دام خمسة عشر شهراً حسوماً، خرج الدكتور حسن الترابي الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي، وهو اكثر حماساً للفعل السياسي المضاد تجاه تلامذته واشقائه بالأمس في المؤتمر الوطني الحاكم ونظام الانقاذ. وفي الوقت نفسه اراد الترابي التشكيك في ترتيبات المرحلة القادمة وتقليل درجة الحفاوة بها لدى كثيرين، خاصة أن هناك لاعبا جديدا على الساحة هو الحركة الشعبية ينتظر الجميع ان يروا اداءه، وذلك حتى لا يخفت البريق منه كزعيم سياسي وروحي ذي اثر وخطر في حياة السودانيين، ولذلك عمد الترابي الى تصويب حزمة انتقادات لاذعة للدستور المنتظر اجازته من قبل البرلمان في الخرطوم ومجلس التحرير الوطني في رمبيك في غضون اليومين القادمين، والذي سيدشن الدخول في المرحلة القادمة ويرتب الحياة السياسية فيها، حيث وصف الدستور «بانه لا يعني شيئاً بالمرة» وانتقد وضع الحريات فيه ورأى أنها صودرت بموجب التشريعات التي ستسن لاحقاً، وركز على سلطات الرئيس الممنوحة له بموجب الدستور، وانتقد التمديد له لفترتين رئاسيتين عقب الاربع سنوات الاولى، خاصة انه سيكون اكمل بموجب دستور 98 فترتين سابقتين، وبدا ان الترابي يرفض الاحكام الانتقالية التي ترتبت عليها بعض بنود الدستور قبل اجراء الانتخابات، حيث انصبت كثير من انتقاداته على تلك الأوضاع التي يرى طرفا الاتفاق انها كانت ضرورية، لان ايقاف الحرب ترتب عليها. وركز الترابي على تجريد الدستور من اية توجهات اسلامية احراجاً لحلفاء الامس وخصوم اليوم، مزاحمة لهم في ما تبقى من قواعد الاسلاميين وتأكيداً على انه صاحب المشروع الاسلامي وعرابه ومرجعيته، وذهب حد ان وصف الدستور بانه لا ديني.
    شكوك!!
    ورغم الحيوية التي أضفاها الترابي على الساحة السياسية بخروجه خلال الأيام الماضية، إلا ان كثيرين وخاصة خصومه لا يزالون لا يثقون في مقولاته، ويعتقدون انه مخاتل وبراغماتي من الطراز الاول، بل أن بعضاً من هؤلاء يرون انه غير مؤهل بالمرة لانتقاد الدستور واوضاع الحريات، لسيرته السياسية الخالية من اية سدانة للحريات والحقوق، ويذهبون الى تحميله وزر الكبت والقمع الذي مارسته الانقاذ ضد خصومها، باعتباره من صاغ افكارها وسياساتها وقوانينها وشكل مؤسساتها.
    شواهد تاريخية!!
    ويستدعى خصوم الترابي بعضاً من سير التاريخ لكشف مواقفه المناوئة للحريات والحقوق، وبالتركيز على واقعة حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان عام 1966م، والتي كان وقتها عضواً بالجمعية التأسيسية ومستشاراً لمجلس السيادة. ومن موقعيه هذين كان ضالعاً في الأزمة الدستورية التي نشبت بواقعة حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه المنتخبين من قبل الشعب من البرلمان، وقد وضع الترابي «وكان وقتها ايضاً زعيماً لجبهة الميثاق الاسلامي»، كتاباً في ذلك الحين بعنوان «اضواء على المشكلة الدستورية» يناقش الازمة الناشبة، وحاول من خلاله ان يجد السند الفكري والقانوني «كفقيه دستوري» لقرار الحل الذي كان يمثل خرقاً واضحاً للدستور، بعد ان صدرت الفتوى بذلك. وتم تعديل الدستور حتى يتسنى ابتلاع القرار. وقد كتب الترابي في كتابه مدافعاً عن هذا التعديل الذي كان قد وجد اعتراضاً واسعاً من قادة الرأي والقانونيين، باعتباره مكيدة لمصادرة حق أساسي في الدستور لا يجوز مصادرته، بل أنه وفي الفقه الدستوري لا يمكن اجراء تعديل في باب الحقوق الأساسية، الا لمزيد من توسيع الحقوق وليس لمصادرتها، وتراه يقول في صفحة «16» من الكتاب:« وليس في متن الدستور ولا في مبادئ التفسير بالطبع ما يعول عليه للتفريق بين نص ونص، على اساس ان هذا قابل للتعديل والآخر غير قابل، ولا ما يسند الزعم بأن لفصل الحقوق الاساسية خاصية تميزه في هذا الصدد عن سائر الفصول، فكلها تستوي في قوة مفعولها، وأيما قانوني تعلل بمجرد الاهمية النسبية لهذا الفصل او ذاك في تقديره الشخصي، فإنما هو متكلف لا شاهد له من الدستور، مغالط لا حجة له من القانون، ومعتبط يتجنى على القانون».
    وقد كانت المادة المعدلة في دستور السودان المؤقت لعام 1965م هي المادة 5 «2» وهي من المواد غير القابلة للتعديل، لأنها ضمن فصل الحقوق الاساسية الذي هو من اول ابواب الدستور، وكانت المادة تقول: «لجميع الاشخاص الحق في حرية التعبير عن آرائهم والحق في تأليف الجمعيات والاتحادات في حدود القانون»، و لا يستقيم الحديث عن الحكم الديمقراطي الا على أساس الديمقراطية المزيفة اذا اجري عليها تعديل صادر حرية التعبير عن الرأي لان ذلك يقوِّض الدستور تماماً.
    سيرة أخرى:
    وتابع الدكتور الترابي في كتابه ذاك مجافاته لقيم الحرية والتمسك بها وذلك في قوله:«ولو صحت المفاضلة القانونية بين فصول الدستور، لكان فصل الحريات من اضعفها لأنه يخضع للتشريع». وتؤشر هذه الجزئية لعدم مركزية الحريات في تفكير الترابي. وكان الأستاذ محمود محمد طه قد رد عليه في كتاب صدر رداً على كتاب الترابي بعنوان «زعيم جبهة الميثاق الإسلامي في ميزان الثقافة الغربية - الثقافة الإسلامية» قال فيه:«فعبارة لأنه يخضع للتشريع» تدل دلالة قوية على أن الدكتور يجهل أموراً ما ينبغي ان تجهل في امر الحرية وفي امر التشريع.. واول هذه الامور ان الحرية لا تضار بالتشريع، وانما تزدهر بالتشريع، اللهم الا اذا كان هذا التشريع يقوم على نزوات الحكم المطلق الذي يسمي نفسه ديمقراطية زوراً وبهتاناً».
    ويضيف: فعبارة «في حدود القانون» التي وردت في عجز المادة 5 «2» هي روح المادة.. لأن القانون هو الذي يعطي الحرية معناها ويميزها عن الفوضى.. فالتشريع صديق الحرية وليس عدوها. وكل تشريع غير ذلك لا يسمى تشريعاً الا من قبيل تضليل الناس.. فالتشريع في النظام الديمقراطي طرف من الدستور، وهذا هو المعني بدستورية القوانين.. فكل تشريع يعارض الحرية ليس تشريعاً دستورياً. انتهى.
    سلطات!!
    وبينما ينتقد الدكتور الترابي في الدستور الحالي وابان خلافه مع القصر، سلطات الرئيس الواسعة، فإنه يرى ان تؤول السلطات للبرلمان بشكل مطلق، بما يعني قيام ديكتاتورية نيابية، فانظره يقول في صفحة «3» من ذات كتابه: (واذا كانت نظريات القانون الدستوري «الوضعي» تعرف السيادة بأنها صفة السلطة المطلقة المنفردة التي تملك صلاحية شاملة ليس لمداها من حدود ولا لصاحبها من شريك، فهذه السلطة مودعة في الجمعية التأسيسية، وبحكم هذه غير المقيدة تشكل الجمعية الفاعل المطلق، لا تضاهيها هيئة أخرى ولا يراجعها رقيب، ولا يحدها ضابط قانوني)!! فهو يريد أن يجعل من البرلمان سلطة فوق القانون يتناسى مبدأ حكم القانون الذي هو عماد الدولة الديمقراطية.
    الدكتور الترابي هو أحد الفقهاء الدستوريين. وقد نال درجة الدكتوراة في القانون الدستوري من جامعة السوربون العريقة بفرنسا، وكانت رسالته بعنوان «حالات الطوارئ في الدستور» وقد ذهب البعض وبينهم الاكاديمي السوداني المقيم بفرنسا الدكتور حسن موسى، الى رد مواقف الترابي المتلجلجة ازاء الحريات الى رسالته في الدكتوراة والتي بحث فيها شرعية تعطيل أحكام الدستور ومصادرة الحقوق الأساسية فيه!!
    وقائع معاصرة:
    يقر الجميع بأن الدكتور الترابي هو من وضع دستور 1998م، وهو دستور أثار جدلاً كثيفاً حتى من قبل اللجنة التي كلفت باعداده. حيث انها وضعت مسودة دستور، وعندما دخلت القصر الرئاسي لإجازتها خرجت مختلفة اختلافاً جوهرياً عن اصلها المعد. ويقول مولانا خلف الله الرشيد رئيس اللجنة لـ «الصحافة» انه لا يمكن للجنة مكلفة بإعداد دستور أن تضع دستوراً يرضي السلطة ولذلك فإنها - اي السلطة - دائماً ما تتغول لإجراء التعديلات التي تراها. وأضاف انهم اصدروا بياناً عقب معرفتهم بالتعديلات الجوهرية التي اجريت على المسودة التي اعدتها لجنتهم، والتي تمت بموجبها مصادرة كل الحقوق والحريات الأساسية بموجب القوانين، والغاء الصلاحيات الواسعة التي كفلتها المسودة للولايات في اطار النظام الفيدرالي، وغيرها من التعديلات، ومع ان مولانا خلف الله الرشيد اوضح ان الترابي حمل الرئيس مسؤولية هذه التعديلات لاحقاً عقب المفاصلة بينهما، ولكن الرئيس ايضاً اتهمه هو بها، الا ان مولانا الرشيد يشير الى ان مذكرتهم التي كشفوا فيها حقيقة التعديلات التي أجريت على مسودتهم واحتجاجهم على ذلك لم تعرض على نواب البرلمان الذي كان الترابي رئيساً له في ذلك الوقت.
    ويرى كثيرون ان الترابي ضمن الدستور أفكاره وقناعاته بما جعله مغايراً لما هو متعارف عليه في الدساتير الديمقراطية من مبدأ الحاكمية لله، الى وضع الجيش كحامٍ للنظام الاسلامي، الأمر الذي يجعله فوق الدستور مثلما هو موجود في تركيا الآن، إضافة الى فكرة التوالي السياسي والتي حيرت كثيرين واعيتهم في فك طلاسمها، الى جانب تعيين ولاة الولايات وغيرها من الثقوب والمآخذ الكثيرة على ذلك الدستور ولكن الترابي عاد وقال في مؤتمره الصحفي الاخير :«لايعجبني الدستور السابق وكنت اريد ان اطوره»!!.
    للناس ألسن!
    انتقادات الترابي للدستور الحالي ووصفه بانه «لا يعني شيئاً بالمرة» بالتأكيد ستغضب طرفي اتفاقية السلام والدستور والذين ساهموا في اعداده، خاصة انه سخر من أن تعد لجنة الدستور!! ويقول د. لوكا بيونق عضو لجنة «7+7» التي أعدت مسودة الدستور التي انبنى عليها النقاش داخل مفوضية الدستور وعضو المفوضية عن الحركة الشعبية لـ «الصحافة» ان الدستور الحالي مبنى على اتفاقية السلام ودستور 98 الذي هو دستور الترابي نفسه، ورأى أن هذا الدستور هو حصيلة عشرة اعوام من التفاوض والجدل والحوار حول كيف يحكم السودان، بينما قال الرئيس المشترك للمفوضية د. عبد الله إدريس أن دستور 98م وضع في ساعات فقط. واعتبر د. لوكا تقييم الترابي للدستور بأنه لا يعني شيئاً بالمرة، رأياً شخصياً له ويجب أن يحترم، غير أنه قال إن تقييم الدستور بشكل حقيقي متروك للشعب، مؤكداً انه احتوى على وثيقة كاملة للحقوق، كما نصت عليها مواثيق حقوق الانسان الدولية.
    وبخصوص انتقادات الترابي لفترات الرئيس وسلطاته، رد د. لوكا هذا الامر إلى طبيعة الاتفاقية التي قامت على نظامين في دولة واحدة، نتيجة مواقف المؤتمر الوطني «الذي قال إن الترابي يوافقه عليها بالتأكيد» لقيام نظام حكم مدني في كل السودان، بالاضافة الى ان موقفهم التفاوضي كان يطالب برئاسة بالتناوب، ولكن رفض الأمر من قبل الحكومة، الامر الذي جعلهم يقبلون بهذه التسوية التي مكنت للرئيس لفترتين اضافيتين. واعتبر د. لوكا أن الترابي هو سبب هذه الأوضاع التي ينتقدها. وخلص الى انه طالما لا يوجد تداول للسلطة في الأحزاب، فلا بد ان ينسحب الامر علي الدولة.
    التجمع حذر!!
    لكن الأستاذ علي محمود حسنين رئيس وفد التجمع الوطني في مفوضية الدستور. لم يرد ان يبدي رأياً حول انتقادات الترابي للدستور الذي شاركوا في اعداده في ايامه الاخيرة، واعتبر انتقادات الترابي موقفاً سياسياً في اطار الصراع السياسي بين القوى السياسية المختلفة، ولكنه اكد انهم في التجمع يعترضون أيضاً على كثير من نصوص الدستور، والذي مرجعيته الأساسية هي اتفاقية السلام الموقعة بين الحكومة والحركة، غير أنهم تعاملوا مع الامر الواقع حتى لا يبدون كمن يعترض على اتفاقية السلام. واكد حسنين انهم راضون عما انجزوه في الدستور الحالي خلال الايام الاربعة التي التحقوا فيها بمفوضية الدستور، والتي ادخلت اضافات حقيقية لصالح الحريات والتحول الديمقراطي، رغم اختلافهم في اشياء كثيرة وجوهرية مع الدستور، وعد ذلك من مبادئ الممارسة الديمقراطية وانه لا يتم اخذ كل ما يطلب.
    واتفق مولانا خلف الله الرشيد مع حسنين، في أن انتقادات الترابي للدستور رأيا سياسياً وليس قانونياً، لان الصراع السياسي في السودان يحتم عليه قول ذلك، ولكنه رأى أن هناك قصورا في جوانب كثيرة من الدستور الحالي، ردها الى ان الدستور يوضع بشروط الطرفين اصحاب الثقل السياسي، وهما الحكومة والحركة الشعبية. ودعا الترابي للتعامل مع الواقع كسياسي كما فعل التجمع.
    وبالتأكيد لا يمكن لأحد أن يحجر على الترابي إبداء آرائه في الدستور وفي الحريات، غير أن مسؤوليته تجاه الشعب تتطلب منه العودة الى الوراء قليلاً، لان لهذا الشعب ذاكرة ولن يقبل بضاعته مجاناً من غير ثمن، رغم ما دفعه من ثمن



















                  

07-06-2005, 03:18 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق (Re: الكيك)




    تحت الضوء

    بين ميكافيلية الترابي ووضوح نقد وضبابية المرحلة

    كيف يكون هناك تحالف استراتيجي مع نصف الحكومة وعداء للنصف الآخر؟

    بقلم: رئيس التحرير

    منذ توقيع اتفاق السلام.. بدأ المشهد السياسي السوداني في التبدل نحو إنفراج واضح.. وبدأت الدولة تهيئ المجتمع والقوى السياسية للمرحلة الجديدة المقبلة بعد التاسع من يوليو. فكثير من الأشياء والقضايا حتى تلك الشخصية ربطوها بما بعد التاسع من يوليو.

    صحيح أن ما بعد التاسع من يوليو سيشهد فيه السودان نقلة كبيرة وواسعة ولكن إذا لم نحسن التعامل المسؤول معها.. سيضيع كل شئ.. نحن نريد حكومة قوية.. تتكون من عناصر كفؤة.. في ما يتعلق بالجانب الحكومي وكما ذكر السيد رئيس الجمهورية في حواره مع «الرأي العام» الذي نشر صباح الثلاثين من يونيو.. إن عناصر الكفاءة والإنجاز والإخلاص هي المعايير التي سيتم بها اختيار طاقم الحكم في المرحلة المقبلة.

    كذلك المطلوب من الحركة والأحزاب التي ستشارك أن تكون هذه هي المعايير التي ستقدم بها من ترشحه لشغل الوظيفة العامة وزيراً كان أم والياً.. وأن لا يكون الولاء الأعمى.. ومكافأة العمل النضالي أو الجهادي وحدها هي المعيار.

    أولى الصفحات في المشهد السياسي الجديد.. دشنها الأستاذ محمد ابراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني.. في أول ندوة له في الهواء الطلق التي زحف لحضورها الآلاف من محبي الديمقراطية ومحبي المشاهدة المباشرة.. لسياسي عركته التجربة ويحمل هموم جماهير الطبقة الكادحة.. كما حمل مشاعل التنوير في المجتمع السوداني منذ نصف قرن من الزمان.

    فقد تحدث الأستاذ نقد في جملة من القضايا التي تهم البلاد.. كان ذهنه.. متقداً وأفكاره مرتبة.. وكعادته كان مهذباً.. وعقله وقلبه خاليين من الحقد والمرارة.. لم تؤثر سنوات الإختفاء الطويلة على رؤيته الثاقبة رغم معرفتنا بالمشاكل التي يخلقها العمل تحت الأرض لكن الأستاذ نقد.. خرج قوياً.. كما دخل تحت الأرض قوياً.

    ثم تحدث الدكتور الترابي.. في مؤتمر صحفي نقلته قناة الجزيرة كاملاً ومباشراً.. وتحدث بشكل أكثر هدوءاً من تصريحاته التي أطلقها يوم خروجه من قصر كافوري..

    والملاحظة الأساسية.. التي لاحظتها في حديث الدكتور الترابي.. أنه ولأول مرة يبدي استعداده للحوار بهدف توحيد الحركة الإسلامية، وتلك بادرة إيجابية.. يمكن معها فهم مفردات خطابه المعارض. فالحوار يتم أصلاً بين طرفين مختلفين.. سياسياً وعلى الرغم من أن الدكتور الترابي قد استبعد عملية توحيد الإسلاميين في القريب العاجل لأن الاختلافات بين الحزبين.. أو (المؤتمرين) ما زالت عصية على التجسير على حد قوله.. إلا أن التمسك بالحوار بدلاً من العنف هو تطور إيجابي بحسبانه هو السبيل الوحيد لتجاوز الخلافات وسط الإسلاميين ووسط القوى السياسية كافة.. كما أنه الوسيلة الأساسية لتعميق وترسيخ الديمقراطية في ظل هذا الالتزام بالحوار فإنه يمكن التعاطي المدرك والواعي مع الانتقادات الحادة التي وجهها للحكومة.. وقد سبق أن أطلقها عشية الإفراج عنه.

    فالنقد والنقد الذاتي والحوار الموضوعي شروط لا غنى عنها للممارسة الديمقراطية الحقيقية.

    أما السمة الإيجابية الثانية في تقديري الشخصي.. فهي خلو خطاب الدكتور الترابي السياسي من الصبغة الدينية المتزمتة.. فالاختلافات التي تحدث عنها بين المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي لم تعد خلافات دينية ولم يتم التعبير عنها بمفردات الدين.. والتكفير التي كانت طابع اتهامات للحكومة في الفترات السابقة.. وإنما تمت بلغة السياسة ومفرداتها.. وهو بلا شك تطور كبير ومتقدم يبشر بتخلص السياسة والحوار السياسي والصراع السياسي السلمي من التكفير والتكفير المضاد، لينطلق حراً في فضاء الاعتراف بالآخر والاختلاف المشروع.

    واعتقد.. أن الخطاب السياسي الجديد الذي خرج به الدكتور الترابي الذي عرف بالذكاء.. هو مسايرة ومواكبة لما بعد التاسع من يوليو.. وهو يغازل الشيوعيين والحركة الشعبية ويقترب من علمانيتهما كثيراً.

    ولا أريد أن اتهم الدكتور الترابي بأنه ترك خطابه الديني الحاد في معتقله وأتى بخطاب سياسي أشبه بالعلماني إن لم يكن علمانياً.

    كان الدكتور مرناً للغاية.. في قبوله للآخر.. وإن دعا الأمر الى تغيير اسم حزبه المؤتمر الشعبي.

    كان يغازل بشكل واضح الشيوعيين والحركة الشعبية.. والاتحاديين وهي دعوة مبطنة أو علانية لإقامة حلف معارض للحكومة القادمة.

    لم يتحدث الشيخ كثيراً عن شمولية الإنقاذ.. لأنه تذكر أنه هو الذي أرسى دعائمها قبل خمسة عشر عاماً وهو المسؤول عن المرحلة الحديدية التي مرت بها الإنقاذ.. وتحللت منها بعد خروجه منها بالرغم من أنه حاول كثيراً أن يبعد مسؤوليته عن تلك الفترة الصعبة من الإنقاذ.

    فالرقابة على الصحف.. وغياب الحريات.. والاعتقال التحفظي بدأ وهو عراب الحكومة ومرشدها.. وكان بإمكانه أن يبدل تلك السياسات.

    وملاحظة أخرى.. أقولها.. وآمل أن لا تغضب الشيخ.. وهي أن في حديثه.. إشارات واضحة تؤكد أن المرارات القديمة ما زالت تسكن عقله ووجدانه.. وهو أول من يعلم أن السياسة ليس فيها ثابت.. بل الثابت هو المتحول.. لأن قرارات الرابع من رمضان.. واضح جداً أنها سبب تلك الغضبة وتلك المرارات التي يرسلها الشيخ في شكل إشارات واضحة للجميع.. ونأمل وأنه مقدم على مرحلة جديدة.. وبخطاب جديد.. وربما تشهد هذه المرحلة (تحالف المتناقضات) أن يترك كل تلك الإشارات خلفه.. لأن الحركة الإسلامية طوال تاريخها.. كان خصمها الأول الحزب الشيوعي.. ثم جاءت بعد فترة الحركة الشعبية.. التي ناصبتها الحركة الإسلامية العداء السافر بقيادة الشيخ.. الآن يسعى الشيخ لتكوين حلف مع أعداء الأمس.. لذلك ينبغي أن تبنى تحالفاته الجديدة من أجل السودان ووحدته وسلامته وليس من أجل إقصاء الآخر.. والانتقام لما حدث في الرابع من رمضان.

    ويبدو أن العجلة وتراكم الأفكار وازدحامها جعل الدكتور الترابي يبدو متناقضاً بشكل لافت.. وهي أولاً.. عقب خروجه من المعتقل هاجم الحركة الشعبية وقال إنها نسيت شعاراتها وانساقت وراء السلطة وجاء ليلاً وفد من الحركة الشعبية يهنئه على سلامة الخروج وفي اليوم التالي أعلن في المؤتمر الصحفي.. أن تحالف حزبه مع الحركة الشعبية تحالف استراتيجي.. فكيف نفهم أن يتحالف حزب مع نصف الحكومة ويكون ضد النصف الآخر.. وهل تذكر الدكتور أن الحركة الشعبية لم تنس شعاراتها ولم تنسق الى السلطة.

    ثانياً.. هاجم الدكتور الترابي الدستور الانتقالي بعد خروجه الى الهواء الطلق.. وقال إن الدستور لا يمكن أن تضعه لجنة.. بل يجب أن يضعه الشعب.. يصيغه ويحرره.. وهل تجاهل أو تناسى الدكتور متعمداً.. أن الدستورالحالي هو الذي كتبه وحده ورفض حذف المادة التي تتحدث عن أحزاب التوالي.. بل رفض التخلي عن هذه الفكرة فكيف يرفضها الآن؟

    هناك نقطة ثالثة.. وهي حديثه حول نسبة المشاركة. حيث هاجم نسبة المؤتمر الوطني (52%) وسخر منها.. وقلل من أهمية نسبة الـ (14%) للأحزاب الأخرى بما فيها التجمع.. فهل إذا ما زيدت هذه النسبة ستكون المشاركة عادلة. إذن فالمسألة تفهم أنها صراع على الكراسي وعلى السلطة وليست مسألة مبدأ ورؤى وأفكار للحكم فهل هي ميكافيلية.. أم ماذا؟

    إن ما بعد التاسع من يوليو يحتاج الى ترابط قوي للجبهة الداخلية والى جهاز أمن مفتوح العينين.. والى قوات شرطة يقظة.. حتى تحافظ على الجبهة الداخلية من أية محاولات انفلات.

    وبصراحة.. ينتظر الكثير من المواطنين العاديين المرحلة الجديدة بكثير من الحذر المشوب بالخوف.

    كما نأمل أن تكون هناك معارضة راشدة وبناءة.. وأن توافق الأحزاب على المشاركة في الحكم.. ومعارضة تختلف عن ما شاهدناه في الحقب السياسية الماضية. معارضة تعمل على ترسيخ الديمقراطية وتسهم في التحول الديمقراطي لا معارضة تهئ لإجهاض الديمقراطية وتهئ الساحة السياسية لانقلاب عسكري أو تدخل أجنبي.

    إنها مرحلة من أدق المراحل التي سيمر بها السودان طوال تاريخه السياسي.

    وبحضر الدكتور جون قرنق.. نأمل أن يكون هناك تأمين كامل للوحدة الوطنية.. وتنفيذ دقيق لاتفاقية السلام والالتزام بها.. وعدم الموافقة على أي تجاوزات تحدث.

    أهلاً.. بالدكتور قرنق في بلده.. وأهلاً بالدكتور الترابي في الهواء الطلق.. وأهلاً بالأستاذ نقد على السطح..

    والله الموفق وهو المستعان.
                  

07-06-2005, 03:34 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق (Re: الكيك)



    رسالة الى حضرة الهمام الصادق الامام؟؟

    هشام هباني
    [email protected]

    لا ولا وألف لا و(رب الامام) صاحب المقام يا أيها الرئيس سيد الوزراء أيها الامام الصادق الهمام و(أمل امة) لا زالت تضام بكل اجرام وكل انتقام لا وألف لا لهكذا انهزام وهكذا سقوط يبدو مستدام ... فقد كان طموح شعبنا المضام وأنت المكلف أنت الرئيس سيد الوزراء وسيد المهام أن ترد اعتبارنا وتحفظ خيارنا وتصلح مسارنا وتثبت قرارنا بعد أن تسترد الامانة وتكشف الخيانة وتحاسب العصابة الجبانة وتعيد اعتبارا لامة مهانة أهانها من بين يديك حليفك رصيفك صديقك و صهرك حائك الخيانة وخائن الامانة الذي طعن ظهرك والذي قرر قهرك ونشد قسرك وأحسن (ضفرك) والذي أمر بأ سرك والذي أحب كسرك والذي جوّد غدرك والذي أفشى سرك والذي خرب قصرك والذي حقر قدرك والذي أراد قبرك بعد (الملح والملاح) وانت حاكم البلاد وصاحب المهام بكل احترام بشرعة الدستور وقوة الاحكام وقد وثقنا فيك وفي ذلك الكلام وذلك الكلام وذلك الكلام ولم نحصد غير ذلك الكلام وسوف وسوف وذلك الكلام حتى جاءنا الظلام ليوقف الكلام ويزرع الخصام ويقتل السلام؟؟

    لا وألف لا و(رب الامام) يا سعادة الامام لهكذا انهزام اذ كان حريا بك ايها الديموقراطي أن تشاورالاحرار من اهلك الانصار في هكذا قرار وهكذا مسار قد حير الانصار وأذهل الجان والشيطان وادهش الاحجار والاشجار والاطيار وانت صاحب شورى وديموقراطي بل سيد الشطار اذ كيف تجهض رأيهم في هكذا اختيار وانت المنادي بحرية الافكار اذ كيف تقرر أنى شئت بلا رجوع لاهلك الاخيار وهم طيبون اذا طلبت منهم شيئا حتما لن يردوك الا غانما بذلك القرار لانك المدار وسيد المسار وصاحب الافكار ووحدك الفكّار اذ كيف تحالف ذلك الكذاب سيد الخراب وصاحب الهباب وصانع الدواب وزارع اليباب ذلك العراب ؟؟ وكيف تحالف قاتل العباد وجالب الفساد ومخرب البلاد ذلك الحاوي سيد الافاعي وهو المسئول عن كل هذه البلاوى وهذه المساوىء وهذه الاراذل وهذه المهازل وتلكم المحارق وتلكم المشانق وتلكم المقاصل؟

    انه راسبوتين الحاوي وسيد الافاعي وصاحب اللئام و سيد النظام وحارق البلاد وقاتل العباد وناشر الفساد وصاحب الظلام وصانع الحطام محرم الحلال ومحلل الحرام صهرك الهمام والذي تبجح ولم يراعي لحمة الاخاء وأواصر الدماء ونهب من بين يديك شرعة النظام في ذلك الزمان لتبقي اسيرا سجينا طريدا شريدا بغير احترام( تهتدون ترجعون تفلحون تحردون وترجعون وتنتهون و تحرقون في صحبة الدجال سيد الظلام؟؟؟ و(رب الامام) يا سيدي الهمام انه انهزام ؟؟ فقد كانت سلطة جاءتك يا سيدي الامام بثورة الجياع منهم اهلنا الانصار وسائر الانام في موطني المضام واعطوك اياها امانة بمطلق المهام اضعتموها بذلك الهزال وحالة التخذيل والتفريط والاختلال في ذلك المجال ؟؟

    برب الامام ماذا انت قائل يا سيدي الامام يا صاحب العزيمة اذا سألتك الصغيرة اليتيمة الكليمة الازيمة بنت ( الزين)* ذلك الشهيد ذلك العنيد من جيشك العتيد والذي استشهد كغيره من آلاف الشهداء برصاص حليفك العتيد وصهرك الوحيد وهو يزود عن شرف عبادنا العبيد اذا سألتك اليتيمة الصغيرة عن دم أبيها ودم الشهداء في كل البلاد في كل المنازل وعن وجع الثكالى والارامل وضحايا الموت من قصف القنابل في دارفور في الشرق المقاتل اذا سألتك عن هذي المهازل ماذا انت قائل ؟؟ اذا سألتك عن هذا التخاذل ماذا انت قائل؟؟ واذا سألتك عن هذا التنازل ماذا انت قائل؟؟ فأين الثأر لابيها والثأر للوطن الممرغ في المذابل والثأر للشعب المكبل بالسلاسل والثأر للعرض الممزق في المواحل برب الامام ماذا أنت قائل ماذا أنت فاعل ؟؟ هل صدقت أن الافعى قد تغدو زهرة تعبق بالعطر جهرا ؟؟ وأن ابليسا قد يغدو أنيسا يدعو للخير والمسرة ؟؟؟ هل صدقت أن البصل ليس بواحد فالابصال يا سيدي الامام هي الابصال داخل السلال وخارج السلال؟؟

    ورب الامام يا هذا الامام لو أن (ابليس) آب للرشد التمام وقدم الاعتذار تلو الاعتذار وأعلن الحرب على ابنائه الاشرار وفضح المسكوت عنه وأفشى بالاسرار في نظامه الجبار بل صار نبيا يزار سوف لن يروي غليلنا ولن يوقف صهيلنا الا بعد يوم الحساب وبعد يوم العقاب حيث لا فرق بين ابليس وآفاته شر الدواب فهو رب الشر جلاب العذاب وهو صاحب الامر اولا واخيرا في هذا الخراب ولن يسقط حق الناس في كشف الحساب و في رسم العقاب ؟؟

    فيا سيدي الامام الصادق الهمام أصدق مع نفسك ولك الاحترام وراهن على شعبك التعيس ولا تراهن على ابليس وخداعه البئيس وفكرة البوليس وحالة التدليس فلا وطن يباع بهكذا ارتخاص لاجل صهر قطع الارحام وأكثر الايتام ووزع الآلام وشوه الاحلام ومكّن الانعام ووطن الاجرام ولوّث الاسلام لانه وحده لا شريك له هو الظلام والموت الزؤام ووحده صانع( النظام) وسيد الحرام فلا معنى يا سيدي الامام لهكذا وئام وهكذا غرام والا فانه الفصام أيها الامام والانحياز لعصبة الانقاذ بكل اعتزاز ولك معزة حتى تقدم اعتذار وتقلع عن هكذا قرار أحرج الانصار فمنهم من يغلي في الخفاء من هكذا تذبذب من هكذا تقلب يا سماحة الامام ولك السلام.

    هشام هباني

    * الزين هو الشهيد البطل محمد زين وهو ضابط بجيش الامة استشهد في جبهة الشرق في داخل الاراضي السودانية في عام 1999م



                  

07-09-2005, 01:15 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق (Re: الكيك)



    تحت الضوء

    علي اسماعيل العتباني

    Email: [email protected]

    البشير.. من الثورة إلى الدولة ومن الدولة إلى الإجماع الشعبي

    الترابي فشل في إمامة المصلين بكوبر.. فكيف ينجح في جمع أهل السودان؟


    ... كان حري بي وقد قضيت أسبوعين في جمهورية الصين الشعبية بدعوة كريمة من وزارة الخارجية الصينية أن أبدأ هذا المقال بالصين وإعجازها ونموها وبالمستقبل العظيم الذي تشق مساراته الكبرى دولة الصين العظمى. ولكن عدنا لنجد أن بين المستجدات المحلية وأولويات المسألة الداخلية ما يدفعنا لتأجيل مقالاتنا عن الصين التي يممناها شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً وتحدثنا فيها وتعرفنا على المعجزة الصينية وعلى الأسرار الصينية وعلى التفوق التقني الصيني وعلى العقل الصيني وحتى على المسلمين الصينيين وأن ذلك سيأتي لاحقاً بمشيئة الله تعالى.

    ولكن نجد أنفسنا مدفوعين بالعودة الى صيف العبور السياسي بعد أن قاد الرئيس المشير عمر البشير صيف العبور عسكرياً واستطاع أن يخترق بقواته المسلحة وقوات الأمن والشرطة ومجاهدي الدفاع الشعبي السودان وأن يحقق الأمن والسلام وأن يجعل هنالك استحالة مادية في قهر القوات المسلحة السودانية فإنه في هذه الأيام يقود الرئيس البشير صيف العبور سياسياً. ولعل هذا ما سنشرحه لأن ما يحدث الآن رغم إشفاقات المشفقين ورغم آهات العاجزين ورغم تندر المتندرين ورغم تشاؤم المتشائمين.. إلا أن الحقيقة الكبرى تبقى وتبرز لتقول إن الرئيس البشير يقود صيف عبور جديد من الناحية السياسية .ولعلنا نعلم أن الرئيس البشير اعتلى سدة الحكم عن طريق انقلاب عسكري قطع الطريق أمام العديد من الانقلابات في 30 يونيو 1989 وأن هذا التغيير العسكري جاء نتيجة حتمية ومنطقية للتفكك الداخلي الذي برز في تفكك المركز الذي هو أخطر وأصعب من تفكك الهوامش.. ولقد جاء تفكك المركز نتيجة لعجز القيادات الحزبية عن قيادة البلاد ونتيجة لمذكرة القوات المسلحة ونتيجة لاستشراء التمرد في جنوب السودان ونتيجة للتدخلات الدولية. فكان انقلاب .1989 ولقد قدم الرئيس البشير رأسه في ذلك الانقلاب.. بينما آثر رجل (الباطن) الدكتور حسن الترابي أن يذهب الى السجن حتى يحفظ رأسه وحتى لا يساءل سياسياً ولا جنائياً.. حمل الرئيس البشر رأسه على كفيه كما يقولون وهو في ريعان الشباب وأذاع البيان الأول وحسم الأسئلة الصعبة في السياسة السودانية. ثم كانت المرحلة الثانية من الإنقاذ التي بدأت باستشهاد نائبه الأول اللواء الزبير محمد صالح والانقسام الذي أطل مع تدشين دستور .1998 وحسم كذلك الرئيس البشير هذه المسألة بفروسية سودانية وفراسة سياسية. وكان ما كان وما لا نريد ذكره والوقوف عنده بعد أن قدم الدكتور حسن الترابي نفسه لمنصب النائب الأول وبعد أن تم رفضه قدم الدكتور علي الحاج ولكن فراسة المشير البشير جعلته يختار الأستاذ علي عثمان محمد طه.

    ثم كان الحوار الصعب الذي امتد من العام 1999 الى 2005 وأدى هذا الحوار الصعب الى دخول الحركة الشعبية لتحرير السودان في إطار الوفاق السياسي وفي إطار اتفاقيات السلام في شراكة سياسية ومباركة دولية وإقليمية ومحلية مع المؤتمر الوطني.. ثم تلى ذلك اتفاق السيد الصادق المهدي مع الرئيس البشير في جيبوتي ثم اتفاق القاهرة الأخير الذي وقع عليه السيد محمد عثمان الميرغني.

    ولكن ما مغزى هذه الاتفاقيات؟ لعل مغزاها أنها اتفقت على أن يصبح الرئيس البشير رجل المرحلة المقبلة.. ويمكن أن نفهم هذه المعادلة ببساطة.. إنه في العام 1989 لم يكن هناك خيار أمام الجيش إلا أن يفرض الرئيس البشير كرئيس على البلاد والعباد.

    ثم في إطار دستور 1998 جاءت الانتخابات التي فوضت الرئيس البشير كرئيس منتخب للشعب السوداني ومثل ذلك انتقال الرئاسة من مرحلة الثورة الى الدولة. ولكن بعض القوى السياسية أخذت تزايد ورفضت المشروعية الدستورية ورفضت الإجماع السياسي الذي اختاره الشعب السوداني.. وبقيت تغرد خارج السرب وخارج الحراك والمدافعة السياسية من أسمرا ومن القاهرة ومن تشاد.

    إذاً ما هو المتغير الثالث الجديد؟.. لعل المتغير الثالث الجديد أنه مع الإجماع الشعبي وإجماع القوات المسلحة السودانية الآن انضمت المعارضة السياسية التي كانت تغرد خارج السرب وبرز عنها إجماع (سكوتي) على أن الرئيس البشير هو وحده قائد المرحلة المقبلة.. وأنه هو الذي يملك مفاتيح المرحلة المقبلة.. وضمن ذلك في اتفاقية السلام وبشهود دوليين من شركاء الإيقاد ودول الجوار ومن كل أطراف المعادلة السياسية الدولية وكذلك وبشهود من الداخل. والآن اكتمل هذا الشهود الداخلي بتراضي السيد محمد عثمان الميرغني والتجمع الوطني على أن يسيروا في إطار راية البشير.

    إذاً ليس هنالك في السودان الآن من يشذ عن الإجماع الوطني ومن يشذ عن رفض الراية التي يرفعها الرئيس البشير.. وأصبحت الآن الخلافات خلافات ثانوية في حصة القوى السياسية في السلطة وهل ستكون وزيرين أو ثلاثة وماذا ستنال حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة في غرب السودان.. وماهو موقف الدكتور حسن الترابي في المرحلة المقبلة.

    إذاً الرئيس البشير بعد أن انتقل عملياً من الثورة الى الدولة فإنه الآن ينتقل من الدولة الى الإجماع الشعبي وبذلك ينتقل من أعاصير السياسة الدولية ومطبات السياسة المحلية الى الاستقامة السياسية وهو في ذلك أيضاً يمثل انتقاله التدريجي من سنة أولى حكم الى سنوات النضج والخبرة والإحاطة السياسية والفكرية.. إذاً هو بحق رجل المرحلة. وكونه كذلك فهو ينتقل أيضاً من المشروعية الانتخابية وسلطان الدولة الى إجماع أهل الحل والعقد عليه.

    ولعل هذا يرتب على الرئيس البشير مسؤولية كبرى.. يرتب عليه أن يجدد فريقه السياسي وأن يجهز مبادراته السياسية وكذلك أن يبدأ بالحوار ليس مع نادي السلطة السياسي الذي برز مع ثورة أكتوبر الذي ظل أربعين سنة يتكلم ويعتلي المنصة السياسية ويقود السودان الى الأزمات ولكن على الرئيس البشير أن يقود في المرحلة المقبلة المبادرات السياسية للحوار مع الشباب ومع أجيال ما بعد أكتوبر.. لأن هذه الأجيال التي ولدت بعد 1965 بلغت الآن أربعين سنة.. وقالت ربنا أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا.. وبلغت سن الكهولة.. وهذه الأجيال من الشباب ما بين الأربعين والثمانية عشر عاماً تريد أن تعرف كذلك حظها من السلطة ومن الوظائف وحظها في المستقبل وهي التي تتحدث باسم الإنقاذ وهي التي دافعت عن السودان وهي عهدة ومستقبل السودان.

    أما النادي السياسي السوداني الذي برز بعد العام 1965 والذي فوض الرئيس البشير وكان آخر تفويض له في اجتماع القاهرة فهذا النادي يجب أن يذهب الى مجلس (الشيوخ).. فلقد كانوا شباباً بعد ثورة أكتوبر ولكنهم الآن صاروا شيوخاً وأكلوا أكثر من خريف.. وعرفهم الشعب وخبرهم وليس هنالك مجال لعودتهم إلا إذا كان هناك مجال لعودة المرأة الحديدية (تاتشر) لتحكم بريطانيا ولعودة كارتر ليحكم أمريكا.. ولعودة زكريا محي الدين أو ثوار ثورة يوليو ليحكموا مصر. .أو لعودة القادة الأفارقة القدامى الذين عرفناهم وخبرناهم لأن يحكموا كينيا ويوغندا وإثيوبيا وغيرها.

    ونحن نقول لأقطاب النادي السياسي القديم إنهم الآن (زينة) وتمامة لجرتق الحفل الكبير الذي يلتئم فيه السودان وينطلق فيه مشروع السنوات الأربع القادمة.. الذي يمثل تدشين الأجيال الجديدة من الشباب لقيادة السودان ولبناء البنيات التحتية سواء كان على مستوى الطرق القومية أو على مستوى الاتصالات أو على مستوى استكمال ثورة البترول أو على مستوى استكمال النهج السياسي.

    ولعلنا نشير الى أن هذا الحديث إذا كان ينطبق على الميرغني والمهدي ونقد الذين يخطون نحو عقدهم الثامن فإنه كذلك ينطبق على الدكتور حسن الترابي الذي يملأ الدنيا هذه الأيام بالتصريحات والمؤتمرات الصحفية. ولعلنا ظللنا حيناً نكتب ونضغط على الرئيس البشير وعلى نائبه الأول الأستاذ علي عثمان محمد طه لإطلاق سراح الدكتور حسن الترابي لإكمال عقد الحريات.

    وكنا نعلم أن الحوار مع الدكتور حسن الترابي سيكون حواراً صعباً لأن الترابي لا يرى إلا نفسه التواقة الى السلطة ولا يرى إلا مشروعه الخاص وجدول أعماله الشخصي.. ولنبدأ بما أسماه الترابي بفضيحة (الدستور) حيث يقول إن الدستور الذي اجتمع حوله الشعب السوداني والتجمع والحركة الشعبية والإرادة الدولية والإقليمية ناقص وفاضح.. وحتى إذا اتفقنا مع الدكتور حسن الترابي ورددنا معه كلامه إلا أن هذا الذي لفه الإجماع هو الدستور الذي أوقف الحرب وسيوقف الحرب.. ويبرز السؤال أخيرٌ هذا الدستور أم دستور 1998؟ وما أدراك ما دستور 1998 الذي شكلت له لجنة قومية جامعة برئاسة مولانا خلف الله الرشيد والذي تراضى الشعب السوداني على مسودته ولكن الترابي أبى إلا أن يحمل تلك المسودة ويذهب بها الى (وادمدني) لثلاثة أيام عمل فيها تبديلاً وتغييراً وترقيعاً ورجع بها من هناك بمسودة مغايرة تماماً ودفع بها الى مجلسه الوطني الشئ الذي أدى الى الاستقطاب السياسي الحاد والى فضيحة التوالي السياسي والى فضيحة إدخال مصطلحات مائعة وحمالة أوجه لم يعرفها الفقه الدستوري.. وأيهما أكمل وأحسن أن ينزل دستور يكون مبوباً تبويباً غربياً وتكون فيه هندسة وأناقة في الكلمات وجمال في العبارات ولكن يظل الدم يتدفق جنوباً وشمالاً وغرباً وشرقاً.. أم دستور رغم مافيه من عيوب يحصن الدماء والأنفس والأعراض ويجعل للسودان مناعة سياسية واقتصادية أمام أعاصير السياسة الدولية ومطبات السياسة المحلية.

    ويتحدث الترابي اليوم شاناً حرباً على الدستور واصفاً إياه بأنه ابتدع بعد النائب الأول نائباً آخر لرئيس الجمهورية علماً بأن هذه البدعة إذا كانت كذلك فإنها كانت متوطنة وموجودة في كل دساتير السودان مع النميري وما بعد النميري والترابي نفسه في ساعة قوته وجبروته عندما كان يحكم من (الباطن) هو الذي استن سنة نائباً آخر في رئاسة الجمهورية. .ولكننا ندرك أيضاً إنما يريد د. الترابي بمثل هذا الكلام أن يصفي الحسابات مع رجل السودان الذي قاد حركة السلام وقاد مفاوضات أبوجا بعد نيفاشا بأعصابه وعقله الأستاذ علي عثمان محمد طه صاحب الذهن الراجح والعقل الثاقب وصاحب الإرادة والشكيمة.

    ولكن نقول للدكتور الترابي إن تصفية الحسابات ما ينبغي أن تكون على حساب الأوطان وعلى حساب المسارات الكبرى.. وماذا نكسب الآن إن جئنا بدستور خالٍ من الموازنات واحترق على اثره السودان؟!.. وماذا سنخسر إذا جئنا بدستور انتقالي لمدة أربع سنوات وفيه ثغرات هنا وهناك ولكنه يؤمن البلاد ويؤمن حقوق العباد.. كما أن الدستور ليس كل شئ فها هي بريطانيا العظمى التي كانت امبراطورية لا تغرب عنها الشمس ليس فيها دستور مكتوب وإنما تحكمها تقاليد ويحكمها مبدأ فصل السلطات.. وها هي اسرائيل التي تحكم العالم العربي وتحكم العالم كله ليس فيها دستور وماذا أضارها وأنقصها ذلك؟

    ولكن عقلية الدكتور الترابي التي قامت على دستور أسماه الدستور الإسلامي وصاغه بنفسه وفرضه بنفسه ثم لم تمض عليه بضعة أشهر إلا وأراد أن يعدله باستحداث منصب رئيس وزراء وباستحداث تعديلات في باب الحريات وغيرها خدمة لجدول أعماله الخاص في صراعه مع الرئيس البشير ونائبه الأول وجعل الدستور (ملعبة) ومطية لطموحه السياسي وولهه بالقيادة والسلطان.

    هل هذا هو الدستور الذي يريده؟!.. وهل هذا هو الخيار الذي يريد أن يقود الشعب إليه؟!.. أم عليه أن ينضم الى الركب والمسار وينضم الى الوئام والانسجام والتوافق السياسي ووحدة الصف وإطفاء لهيب الحرب وجذوة الصراع. وها نحن الآن نلمس ونقطف ثمار سنوات ثلاث في الجنوب بدون موت وبدون تخريب ودمار.. وغداً يحل علينا الدكتور جون قرنق في الخرطوم نائباً أولاً لرئيس الجمهورية.. أليست عودة جون قرنق ولأول مرة بعد (22 عاماً) تعني بالنسبة للدكتور الترابي شيئاً؟! أليس الدستور الذي جاء بقرنق وجاء بدعاة الحرب أفضل من دستور تنطبق عليه كل جماليات وتقسيمات الدساتير الأوربية ولكن تنطوي تحته النار والصراع والقتل وسفك الدماء.

    ولعلنا مدفوعون أيضاً للعودة الى الدكتور الترابي ونتذكر أنه حينما ذهب وبإرادته ودهائه السياسي الى سجن كوبر في العام 1989 كان بجواره على السرير الآخر عضو مجلس السيادة السابق الأستاذ ميرغني النصري.. وكان هنالك السيد محمد عثمان الميرغني وكان هنالك السيد أحمد عبد الرحمن محمد وكان هناك السيد الصادق المهدي وكان هنالك السيد محمد ابراهيم نقد.. وكان الدكتور الترابي وقتها يصلي بالجميع في السجن ويؤذن صباحاً ومساءً بأن لاصلة له بالإنقاذ.. بل أنه أقسم بشرفه أمام لجنة الاستماع للشؤون الإفريقية بالكونغرس الأمريكي بأن لا صلة له بانقلاب الإنقاذ.. وتذكر الذاكرة ولعل كل الذين ذكرناهم الآن بالاسم شهود على ما نقوله أنه في أحد الأيام عندما كان يريد أن يصلي إماماً في صلاة الظهر في السجن دخل الأمير الحاج عبدالرحمن عبدالله نقد الله -رد الله عافيته وعافاه وشفاه- وحينما رأى الدكتور الترابي يتقدم الى الصلاة إماماً صرخ قائلاً يا أنصار انسحبوا من هذه الصلاة.. كيف يؤمكم في الصلاة من يقوم رجاله في الخارج باعتقالنا وإذلالنا.. فتقهقر أربعون رجلاً عن الصلاة خلف الترابي وهنا ارتبك السيد الصادق المهدي وما درى ماذا سيفعل.. هل يبقى مع الترابي أم يذهب مع الأنصار ومع الأمير نقد الله.. وآثر في النهاية أن يبقى مع الترابي في الصلاة وحينما انتهت الصلاة أصبح الجو داخل السجن متأزماً.. بفعل صلاتين في حضرة عدد من الأئمة.. الإمام محمد عثمان الميرغني والإمام الصادق المهدي والإمام رئيس الجمهورية من الباطن الدكتور حسن الترابي.. وهنا جاء السيد الصادق المهدي للأستاذ ميرغني النصري وطلب منه حفاظاً لوحدة الصف داخل المعتقل أن يقوم بإمامة الصلاة فرفض الأستاذ ميرغني النصري قائلاً إنه لا يمكن أن يقوم بإمامة الصلاة لأن هذا سيفهم من قبل الإسلاميين أنه انتزع الإمامة من الدكتور الترابي ومن الأفضل أن يتنحى الترابي عن الصلاة وقال للسيد الصادق إذا كنت حريصاً على هذه المسألة وتريد حسمها حتى تحدث وحدة الصف داخل السجن فعليك أن تقنع (نسيبك) بأن ينسحب من إمامة الصلاة. فذهب السيد الصادق المهدي واتصل بالترابي الذي جاء الى ميرغني النصري وقال له صلي بالناس في السجن فقال له ميرغني النصري وهو الآن موجود كما أن الصادق المهدي موجود أنا لن أصلي بالناس إلا إذا جاءني أحمد عبد الرحمن محمد وابراهيم السنوسي من أتباعك ليأذنوا لي بالصلاة.. فقال الترابي إذاً ساتصل أنا بالإثنين وأخبرك ثم جاءه وأخبره أن أحمد عبد الرحمن وابراهيم السنوسي موافقان على أن تؤم الصلاة وهكذا حسمت هذه القضية وأصبح ميرغني النصري إماماً للصلاة ووحدة الصف داخل السجن بانسحاب الترابي. ولعلنا الآن نجد الدكتور الترابي أمام نفس الخيار.. فالترابي الآن لا يستطيع أن يعيد ترتيب الأمور في السودان ولا يمكن أن يثق فيه محمد ابراهيم نقد ولا الصادق المهدي وقد خدعهم في السجن لمدة ستة شهور وكان يقول لهم بشرفي أنه لاصلة لي بهذا الانقلاب.

    إذاً الترابي فقد مصداقيته أمام الكونغرس الأمريكي والرأي العام العالمي والمحلي وأمام الزعامات السودانية وأمام الرئيس البشير وأمام الحركة الإسلامية التي حلها وحل مجلس شوراها.. ولم يبق أمام الترابي إلا أن ينسحب.. وهذا لا ينفي في ظننا صحة أن له دوراً مهماً سيلعبه كقائد وكمرجعية فكرية وكصاحب خبرات متراكمة وهذا مجال واسع ولكنه لا يمكن أن يقوم بدور سياسي.

    فإذا فشل في السابق بالقيام بالدور السياسي وإمامة المصلين داخل السجن فهل يستطيع أن يجتمع حوله السودان (30 مليون نسمة) منهم المسيحي ومنهم المسلم ومنهم أصحاب التدخلات الخارجية ومنهم من لهم مشاكل وإشكالات. خصوصاً وأن الشعب السوداني كله يشهد أن الترابي كذب عليه وغشه.

    إذاً المطلوب من الدكتور حسن الترابي أن يدرك هذه المتغيرات وأن ينضم الى الركب.. وأن ينظر الى رصيده في انتخابات جامعة الخرطوم فمن بين كل مائة طالب كان هنالك طالب واحد فقط مؤيد للمؤتمر الشعبي علماً بأنه في سنة 1955 -أي قبل خمسين عاماً- كان من بين كل مائة طالب ما لايقل عن الثلاثين طالباً مؤيدين للحركة الإسلامية.

    إذاً ظاهرة الترابي ومشروع الترابي يتلاشى وسط الطلاب والعمال والمهنيين والموظفين ووسط الشباب وما نراه في دارفور إنما مرده للاستقطاب السياسي وأن الترابي يريد أن يستثمر في (مأساة) عصفت بالسودان وفي دماء نقية طاهرة.. وهذا لايليق به ولا بتاريخه ولا بأمجاده.. وإنما عليه أن يحصن دماء وأموال المسلمين وأرواحهم وأن ينضم الى هذا الإجماع الشعبي الذي تحدثنا عنه في مراحله المتعددة من الثورة الى الدولة الى إجماع النادي السياسي الذي برز بعد ثورة أكتوبر والتف حول قيادة البشير.

    ونقول لتلاميذ الدكتور الترابي ونعد أنفسنا منهم أن هذه (التلمذة) ما عادت إلا أن تكون مجرد (إدمان) كما يدمن جمهور كرة القدم نجمها الساحر (بيليه) وكما يدمنون الآن (الفيس بريسلي) أو كما يدمنون الآن (مايكل جاكسون). وهكذا إدمان عبادة النجوم البشرية.

    وما يحدث في الغرب يحدث الآن عندنا في السودان فالذين يناصرون الدكتور الترابي يعرفون أن الترابي ليس وراءه الآن مشروع إسلامي ويعرفون أنه ليس أمامه تجديد إسلامي ويعرفون أنه لا يتكلم الآن باسم الشريعة.. بل أنه يحاول أن ينسق مع جون قرنق ولكنه فشل.. ويحاول أن ينسق مع محمد ابراهيم نقد ولكنه فشل.. ويتحدث عن إنقاذ ذاتي ولذلك حري به إن كان يريدها إسلامية ووطنية أن لايشذ عن الإجماع الوطني وأن لا يشذ عن الحوار.

    ومهما قلنا أو شططنا في هذا الحوار وإن كانت كلماتنا قاسية فعزاؤنا انها تصدر عن محب وتلميذ سابق نهل وتعلم من الترابي الكثير وأخذ عنه منهجية التشريع في الإسلام ولهذا نحسبها تصدر من قلب صادق انضم الى الحركة الإسلامية وقضى فيها جل شبابه ولا يريد أن ينظر الى الحركة الإسلامية تحترق ويخبو نجمها ويضعف صفها ولا يريد أن يمضي في موكب الزيف وموكب الاحتيال وموكب ألاعيب السياسة.. لأننا نريدها مبرأة من هذه الأشياء والمفردات.. كما أن الدكتور الترابي تحدث عن التوبة والآن هذا أوان التوبة وأوان الأوبة.. ونرجو أن تكون هذه الكلمات مفتاحاً لحوار صادق وعميق. ومن الله التوفيق.


    reserved
                  

07-12-2005, 08:01 AM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق (Re: الكيك)

    رغم مخالفتي لكل ما ورد بالقراءة، ولكنها للتذكير.
    قراءة في رسالة الدكتور حسن الترابي

    كان العزم قد انعقد على استئناف الحديث هذا الاسبوع عن الوضع الفلسطيني الذي شهدت ساحته تطورات حادة ولكنني عدلت عن ذلك لما اطلعت على رسالة تقييم ومراجعة صدرت عن الدكتور حسن الترابي الذي يقبع الآن في اقامة جبرية فرضها عليه اخلاء الامس. وقد سولت لي نفسي الاكتفاء بقراءتها على عجل ثم الاعراض عنها عسى ان تجود الايام بقراءة اخرى اعمق استيعابا لمحتوى الرسالة غير ان باعثا ملحا اخفقت في مقاومته دفعني الى العكوف على تلك الصحيفة لارتياد مراجعها والوقوف على ظاهر القول ومحاولة النفاذ الى ما لم تظهره الالفاظ منطوقا ولكن ابانت عنه اللهجة وكشفت عنه ملامح الصوت وقسمات النبرة اذا جاز التعبير فحينما تصدر مثل هذه المضامين عن رجل كالشيخ الترابي وفي لحظة تاريخية تشهد تمزق المشروع الفكري والسياسي الذي حمله على كاهله قرابة اربعين عاما منذ ان تألق نجمه واجتمعت له رئاسة التنظيم الحركي ورئاسة الحزب السياسي المعلن (جبهة الميثاق الاسلامي) عام 1964م فأنت لا تملك الا ان تقف عندها متأملا ناظرا وفاصحا متعظا بعبر الزمان وتقلبات الاحوال سيما وان الحركة الاسلامية على وجه الاجمال يعز فيها ادب النقد الذاتي وتنحسر فيها ادوات المراجعة والتصويب دفعا للشماتة واستتارا عن الخصوم المتربصين.

    لك ان تحب الرجل او تبغضه ولك ان تقبل كل آرائه او بعضها وان ترفض بعض آرائه او كلها وكل يؤخذ من قوله ويترك ولكنك في كل الاحوال لا تستطيع ان تعرض عن اطروحاته الفكرية ومرئايته السياسية وذلك لجملة اسباب جوهرية منها ان الدكتور حسن الترابي كاد ينفرد بالقيادة الفكرية للتيار الاسلامي الاكبر في السودان فقد اصبحت مجمل مبادئه ورؤاه الفكرية تشكل محاور ارتكاز لمشروع الاصلاح والتغيير واكتسب هو بمقتضى ذلك رمزية فكرية وقيادية داخل السودان وخارجه ومنها ان التجربة الاسلامية في السودان هي النجاح الاول للاسلاميين في الوصول الى السلطة اذا استثنينا التجربة الافغانية لاسباب ليس هذا مقام تناولها وكان ذلك تدبير الشيخ ورهانه الذي افنى فيه زهرة عمره ومنها ان التجربة السودانية بحلوها ومرها بكدرها وصفائها مما يحمد لها ويعاب عليها بنجاحاتها واخفاقاتها تمر منذ ديسمبر 1999م بمرحلة مفصلية تمزق فيها نسيجها وانشقت عصاها وتفرقت سبلها وحسن الترابي مرة اخرى هو صانع احداث هذه المرحلة ومنها ان الرجل سواء بشخصه او برمزيته الفكرية والقيادية ما انفك يستقطب اهتماما محليا وعالميا قلما يحظى به زعيم اسلامي آخر.

    تلكم هي مجمل الاسباب التي تنهض مسوغات لتسليط شيء من اضواء التحليل على ما يصدر عن الدكتور الترابي وخاصة في هذه المرحلة المحورية.

    تأتي هذه الرسالة بعنوان (عبرة المسير لاثني عشر عاما) وتبدو فيها لهجة الشيخ عنيفة حادة ولكنها لا تخلو من مرارة ولوعة مردها في اغلب الظن الى طبيعة الابتلاء الذي اصيب به هذه المرة فقد جاءت الضربة من الاصفياء الخلص الذين كان يعتد بهم زينة في الرخاء وعدة في البلاء ولئن ابدى في رسالته مرارة ازاء من نصبته الحركة اميرا على الناس على حد وصف الشيخ فان مرارته من تلاميذه الاقربين اشد بأسا واثقل وقعا وخاصة من الاربعة اللذين خلفوا فعسى ان يتوب الله عليهم.

    وقد ابرزت الرسالة في غير موضع بعد الافتتان بالسلطة واتباع الهوى والسقوط في اختبارات الحكم والتنكر للتربية الايمانية الراشدة كأحد اهم الاسباب التي عصفت بالتجربة السودانية كان الامل ان يتناول الشيخ في هذا السياق ليس فقط النوازع النفسية التي قدر انها العنصر الرئيس الذي قاد الى الاخفاق والتمزق ولكن النظم والآليات التي صاغت العلاقة وحددت طبيعة التواصل بين اجهزة الحزب (الحركة) واجهزة الدولة فقد كان التطاحن بينهما شديدا والفجوة واسعة فهل اسهمت تلك الآليات في الانفجارات التي حدثت لاحقا ان الامر محصور فقط في معاني التربية الايمانية التي ضاقت مساحاتها عند اهل الحكم واولياء السلطة وانحسرت تفاعلاتها في نفوسهم فغلبهم الهوى واستبد بهم الاغراء وجذبتهم مغانم الجاه والاستعلاء؟.

    اما موقف المجتمع من التجربة فتقسمه المذكرة الى ثلاث مراحل اولها الترقب والانتظار حتى اذا اسفرت ثورة الانقاذ عن وجهها الاسلامي وبشرت بمشروعها الحضاري ونزلت احكامها وقيمها واقعا ملموسا اقبل الناس عليها بكل طوائفهم انخراطا في صفوفها واسنادا لمشروعها ثم ما لبث الناس بعد ان رأوا بعض التراجعات ان انفضوا عنها ويبرز الدكتور الترابي بعدا آخر في العلاقة بين حركة الاحياء الاسلامي والمجتمع فقد حسبت الحركة السودانية بعد ان تمكنت من الحكم انها بسطت وعيا اسلاميا واسعا وثقافة ايمانية كثيفة اطمأنت الى حدوث تحولات كبرى في اصول الفهم وعمق الانفعال ولكن بين لها ان الامر ليس بمستوى النضج الذي كانت تقدره ولعل ذلك ناشىء في جزء منه كما يقرر الشيخ عن طبيعة النشأة التي صاحبت الحركة الاسلامية وطبيعة الابتلاء الذي يستبد بها في كل مرحلة من مراحل السير فنشأتها السرية واستغراقها في حماية الذات وتدابير الوقاية من الاضطهاد قد افرزت اعتزالا لقضايا المجتمع وانصرافا عن هموم ومن اجل استدراك ذلك يجب الاقبال على المجتمع تزكية لدينه واتصالا برغائبه واشواقه.

    ويمضي الدكتور الترابي واصفا قيادة الانقاذ في مراحلها الاولى بأنها كانت معلومة بسبب طائفة من العناصر التي انحازت الى الثورة واردة اليها من مواقع شتى دون ان يكتمل بنائها التربوي او يصلب عودها وفق مقتضيات نهج الاصطفاء الذي ساءت عليه الحركة واتخذته سبيلا للاعداد والانضاج والترقي غير ان الذين قادوا الانشقاق كانوا من ابناء الحركة الخلص الذين قضوا دهرا طويلا في محاضنها وتبوأوا مواقع متقدمة في مؤسساتها.
    رغم ما احاط بها من لوعة وغمرها من الم الا ان لهجة الشيخ كانت خالية من الانكسار والذبول بل تبدى فيها كثير من روح التحدي والاصرار على استئناف المسار وتلك سجية غالبة في الرجل فقد خاض عبر مسيرته الطويلة معارك شتى وتعرض لابتلاءات شتى واصابه ومن معه الوان من الفتنة والعناء والخصومات الا انه في كل مرة يحتفظ بقدر من الطاقة تمكنه من الكر ومعاودة الاقتحام ولكن الخصومة هذه المرة تختلف جوهرا وشكلا في عسى ان يكون مصير الشيخ واصحابه الذين انحازوا اليه وهم كثرة كاثرة تنتشر في الاتحادات الطلابية والمؤسسات النسوية والجمعيات العامة ولا يخلو منها الدفاع الشعبي واجهزة الدولة بل ما عسى ان يكون مصير التجربة الاسلامية برمتها في ظل التداعيات الاقليمية والدولية التي تحيط بها.

    عبدالله بن محمد الغيلاني

                  

07-13-2005, 04:46 AM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق (Re: nadus2000)
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de