|
الفاتح التجانى ....الذى رحل ...حزين منذ الطفولة
|
الحزن طفولتى ..وصباى ..ورجولتى .. وكهولتى . انا بلا حزن كطبل اجوف ..انسان بلا ظل .. وكلمة بلا معنى . الحزن يكلمنى .. ويصوغنى .ويعطيني معنى الحياة .. ويعلمنى كيف اخرج .. الحزن مبتداى .ومنتهاى .وما بين بين فكيف اهجره..؟ اتصل بي احد الزملاء مساء الاربعاء ليخبرنى بالنبا الحزين خبر انتقال روح اخونا وكبيرنا فى المهنة الاستاذ الصحفى والمهندس الاستاذ الفاتح التجانى .. رئيس تحرير صحيفة الايام ومن ثم مدير تحرير صحيفة الاتحاد الاماراتية والصحفى والكاتب بصحيفة الراى العام التى نشا وترعرع فى وسطها الملييء بالاخوة الصحفيين المشهود لهم بالكفاءة فى ذلك الوقت .. وقع علي الخبر كالصاعقة وانا متابع لما يكتب يوميا فى الراى العام واسال عن صحته دوما استاذنا عبد الله الجبلى الذى قال لى فى اخر لقاء بيننا انه بعد ان عاد من الاردن بعد مرضه الاخير عاد اكثر تفاؤلا وصحة وعافية وكنت اتحدث معه علي ان مكان الفاتح الاساسي حيث بدا ..الراى العام .. وان الاضواء واهلها غرباء عليه ..وانه لا محالة عائد الى اهله وقد كان .. تعرفت علي الاستاذ الفاتح التجانى من خلال كتاباته فى صحيفة الايام وكنت اسمع به واقرا له الى ان حطت بى الاقدار فى دولة الامارات العربية المتحدة ..واول شىء نبتديء به هو البحث عن اهل قبيلتنا للتواصل والتعارف ومن ثم التقديم للعمل ان سمحت الظروف .. ذهبت للاتحاد على موعد مع الاستاذ الصحفى اللامع عبد الله الجبلى وهو رجل شهم عرف عنه تقديم المساعدة لاى شخص يطلبها منه خاصة فى هذا المجال بغض النظر عن جنسيته مع اعتبار خاص لبنى جنسه ..فاستقبلنى استقبالا حارا احسست انه استقبال من رجل شهم وذهب معى لمديرتحرير الاتحاد وقدمنى اليه وقال لى تعال اعرفك علي الفاتح التجانى وذهبت معه وقدمنى اليه ايضا ورغم مشغولياته وقف الرجل لتحيتى مدة من الزمن يسالنى عن احوال السودان والظروف الداخلية التى كانت لا تسر احدا فى ذلك الوقت ..وكانت هذه البداية ثم توثقت علاقتنا مع ببعض نلتقى احيانا نتناقش فى شان الوطن .... بدات هذا المقال عن الحزنوهى من همسات الاستاذ الفاتح التجانى اقتبستها من كتاب الاستاذ محمد سعيد محمد الجسن امد الله فى عمره ...شخصيات صحفية عرفتها والذى اصبح مرجعا لنا كلما احتجنا الى سيرة عظماء الصحافة السودانية ..وهو من اختار ورغب الاستاذ الفاتح التجانى لهذه المهنة وابعده عن مجال تخصصه فى الهندسة .. ويقول عنه :- لقد جاء للصحافة صدفة واثبت وجودا فعالا وكان صادقا مع نفسه فلم يدع انه ابن المهنة .انما هو فضل الانتماء اليها باعتبارها منبرا للعمل السياسي .. ومن ثم حرصت علي ان لا اتعرض له من خلال قلمه السياسي او مقالاته السياسية فذلك لون لا احبه ولا اميل اليه .. يقول الفاتح ان طلب الانضمام الي الراى العام صادف هوى فى نفسه اذ كانت حياته فى المعهد الفنى مملة ووقتها كان مشغولا بالعمل السياسي دون الالتزام تجاه اى حزب ودون اى تنازلات فكرية .. ويقول..بدات حياتى الصحفية كتلة من الحماس مما ادى بي الى الارتطام اكثر من مرة بكثير من الحواجز من قوة الاندفاع وهاترنى قوم كثيرون وهاترت قوما كثيرين واظن اننى عبر السنيين نضجت فكريا وسياسيا بفضل الممارسة وقراءة تاريخ السودان الحديث بنظرة معاصرة والتامل فى المدارس الفكرية المختلفة ..واستطيع ان اقول الان اننى اكثر ميلا للتامل منه للحماسة التى كانت من طبعى فى بداية عمرى السياسي .. ويقول محمد سعيد محمد الحسن ...الكثيرون لا يعرفون ان الفاتح فنان رقيق صاغ الكلمة الحلوة التى تغنى بها بعض الفنانيين وله قصائد نشرت فى صفحة بطاقة حب للجميع فى الراى العام ..كما كتب همسا رقيقا تحت عنوان اوراق خاصة وبتوقيع ..ف.. كتب مرة ...فى قلبي ملايين الكلمات .الف ينبوع وينبوع حديث تصطرع الحروف وتتراكم النقاط وقلمى يعجز عن الكتابة .. حاولت ان اكتب شعرا ..ولكن دواة حبرى اندلقت وشرد شيطان شعري..تنمرت القوافى . ووجدت صوتى اجش قبيحا نفرت منه اذناى ..حاولت ان اكتب نثرا ..ولكن الكلمات ارادت ان تتدفق حزينة دامعة وخفت ان تحزنى .. وخفت الا تفهمى حزنى ..فانا سعيد بك ..سعيد بحبك ..وقد ان الاوان ان اركل كل احزانى ولكن الحزن قدرى .. يا عزيزة .. ونحن ايضا اليوم الحزن قدرنا وانا لمحزونون لفراقك .. رحم الله الفاتح التجانى بقدر ما خطت يداه ..واسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء . وانا لله وانا اليه راجعون.
|
|
 
|
|
|
|
|
|
Re: الفاتح التجانى ....الذى رحل ...حزين منذ الطفولة (Re: الكيك)
|
الجدير بالذكر كان بيننا طويل القامة فارع الكلمة جهورها .. مكث بيننا في الرأي العام فكان نعم الاخ للكبير والأب للصغير .. نافح عن القضايا بقلمه القوي رغم وطأة المرض .
في حضرة من أسبل جفنيه الوديعين وأغفى ..
.. في مشهد مؤثر ، جلس على شمو ، وإدريس حسن ومحمد سعيد والعتباني وفضل الله محمد . يتلقون العزاء في الفاتح التجاني الذي غادر الفانية إلى دار القرار.
.. ثمة حزن جثم على وجوه أهل مهنة النكد دفعت المعزين إيثارهم بالمواساة بأشد مما واسو به أهل الفقيد . كأن وشيجة المهنة أصلى سعيراً من علاقة الدم والمصاهرة.
كأنما اليراع الذي جف منه المداد بفعل المنية ، يلح على أهل القضية تكملة المشوار ترسماً لذات الخطى حتي تبقى المهنة حاضرة لا تغيب.
.. كان محمد الأمين الذي غنى للتعلم من الأيام ، يتلوع من فعال الايام التي جعلته يدرك في تلك اللحظة ان الناس نيام . إذا ما ماتوا أنتبهوا . يتلوع بفعل هذه اللحظة التي ما تمني أن يغني لها.
مثله كان د. الباقر ومحمد عبد الله الريح وابراهيم دقش وعبد المجيد حاج الأمين وعوض مالك ود. وجدي .
.. لم يشأ محمد سعيد أن يصبر على نصب صيوان العزاء فنادى في أهل الفقيد التعجيل بزف المصاب الى مثواه الأخير . أخذاً بالسنة .
.. إدريس حسن الذي استبدل باكراً الزي الرسمي بالعمامة والجلباب ، تهيأ للصبر على فداحة المحنة كل ايام العزاء نكبته في العزيز الغالي جعلته أحق بالمواساة دون سائر الآخرين .
..عندما وورى الجثمان الثرى ، كانت المآثر التي عددها شمو في الفقد الكبير مثار تجله وتبجيل من محمد محجوب هارون وابو القاسم محمد ابراهيم وعون الشريف وضياء بلال وكمال بخيت والتاج عثمان وباقي عقد الرأي العام النضديد.
.. نميري لم يقو على رؤية رحيل الفقيد القامة وهو محمول على اكتاف المشيعين انتبذ مكاناً قصياً وهو جالس على الكرسي يتأمل زمناً تولى ايام ما كان الفقيد يناكف صحيفة الأيام من أسترهبوا الناس باسم الاتحاد الاشتراكي . جلس يردد في السر (كل من عليها فان) .
.. محمد رشوان استبدت به الدهشة عندما قرأ آخر ماكتبه الفقيد في عمود الجدير بالذكر في الرأي العام.
جعل يردد أن الفقيد كان يدرك أنه مغادر . بدليل أن آخر ماكتبه كان وصية للصحفيين.
حث الصحفيين أن يطلعوا بواجباتهم بمسئولية ويعملوا على إعادة تكوين هيئتهم النقابية التي لا يبدو لها نشاط أو حراك حتى يتعافى الجسم الصحفي ويتكامل عمل الجميع من أجل تطوير المهنة وترقيتها.
.. بروفسير شمو الذي خطب في المشيعين ، ذكر انه لم ير في حياته إنساناً يمثل شجاعة الفاتح التجاني رغم أنه موقن أن أيامه معدودة ، إلا أنه كان يمسك بالقلم. ويكتب دون أن يكل أو يمل.
.. استحسن الناس من شمو قوله (أن مجلس الصحافة والمطبوعات سيعقد الندوات والمحاضرات لابراز كفاح ونضال الفاتح التجاني للتعريف بعطاء ونضال الراحل الشمس.
.. لفيف من المشيعين تأهبوا لقلب العزاء الى تظاهرة ثقافية .
... محمد صالح يعقوب ظل صامتاً وهو يتلقى العزاء الا من بعض الكلمات كانت تخرج من فمه بصعوبة.
.. لفيف أخر من الصحفيين لم يسمعوا بالمصيبة الا بعد دفن الجثمان .. أثناء تواجدهم في سرادق العزاء جعل كل واحد منهم يوقن ان مهنة الصحافة الى جانب كونها مهنة النكد ، فهي ايضاً مهنة المواقف الصريحة . ومصادقة الأهوال بالجرأة ونكران الذات..
..انتقل الفاتح لمثواه الأخير ..
وعندما أسبل جفنيه الوديعين وأغفى خلته نام ...
وكأم رحت يا ويحي أناغيه بغنائي
واغطيه بقلبي وروائي
وتنبهت له عند المساء
فإذا الطفل الالهي الذي ضوأ قلبي بالفرح
والذي أدفأني طول الشتاء
جثة هامدة بين ذراعي انطرح
وبالموت أتشح
بقلم : محمود الجراح 2003 Copyright © 2001 AL RAYAAM NEWSPAPER. All rights reserved
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: الفاتح التجانى ....الذى رحل ...حزين منذ الطفولة (Re: الكيك)
|
--------------------------------------------------------------------------------
الفاتح التيجاني: موت الصحفي وعافية الصحافة د. عبد الله علي إبراهيم [email protected] تلقيت نبأ وفاة المرحوم الفاتح التيجاني وأنا في عنت تصحيح اختبار لطلبتي عن رواية" العصر الحديدي" لكويتزي، الكاتب من جنوب أفريقيا" الذي نال جائزة نوبل للآداب في هذا العام. والرواية بلسان أمراة بيضاء عجوز ينهش داء السرطان جسدها ويدنيها من الموت. وقد ألجاها العجز الي الاعتماد علي نفر من الخدم السود ثم تورطت تباعاً في حياتهم الشظف العنيفة في ظل نظام الفصل العنصري في منتصف الثمانينات وعلي أيام المواجهات الدرامية الختامية بين السود والدولة العنصرية. وأنتهز الكاتب خروج هذه المرأة البيضاء من قشرة عزلتها لتمتزج بالسود ليراوح بين جسدها الذابل وجسد جنوب افريقيا الذي كان يضمر بداء الأبارتيد ويتحلل من فرط احتقاره للسود. وكان الفاتح،عليه رحمة الله، يغالب المرض حيناً طويلاً ويرثي لجسد بلدنا الذي تنهشه الفتنة والحرب. وعدت أقرا عموده الأخير الصادر يوم وفاته ذاتها. وادهشتني خاتمته. فقد دعا فيه الي استعادة نقابة الصحافيين "حتي يتعافي الجسد الصحفي". وما لبث أن تداعي الجسد الكردفاني الفارع بعد هذا البيان الذي لخص فيه حياة طويلة في مهنة المتاعب. اكانت هذه "صلاة الفاتح" التيجانية المشهودة.
لقد اخذه الداء عنا قليبق الوطن.
رحمه الله.
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: الفاتح التجانى ....الذى رحل ...حزين منذ الطفولة (Re: الكيك)
|
الفاتح التجاني شهاب انطفأ في ذروة توهجه
بقلم محمد صالح يعقوب
في أزمنة غير متباعدة كثيراً فقدت صاحبة الجلالة الصحافة بعض أعز رجالها وأندرهم إبتداء من أحمد باشري ورحمي سليمان وعثمان علي نور وأخيراً الفاتح التيجاني دثره الله بغفرانه ورحمته .. مثل هؤلاء الرائعين كان فراقه قاسياً وخبر موته صاعقاً . ويزيدنا حسرة في موت الفاتح التيجاني انه لم يؤد رسالته الصحفية في وطنه وحده فقط وإنما أداها أيضاً في آفاق أرحب في صحافة الامارات وفي المجلات والدوريات العربية التي تصدر في لندن ، فأسهم في التعريف بقضايا بلاده في هذه الآفاق وأثبت لدي القراء في مساحة واسعة من الارض كيف أن الكتاب من أبناء السودان يملكون أقلاماً راسخة قل أن تجاريها أقلام غيرهم من المحللين واصحاب الفكر.
.. إن إنتقال الفاتح التيجاني عن دنيانا هذه فاجعة لا سبيل إلى تحملها الا بلطف من الله وبصبرجميل يحيطه الرضا بقضاء الله وقدره مع قسوته علينا جميعاً نحن ابناء هذه المهنة مع اصدقائه وهم كثيرون في أنحاء الدنيا وكذلك اسرته المكلومة التي كاد موت الفاتح التجاني أن يمزق أكبادها وأسى ويزيدنا حيرة وألماً وتفجعاً على فراق الفاتح التيجاني أن الموت يتخطفه من بين أهله وأبناء جلدته في زمان تزايدت فيه الحاجة إلى كلمته وفكره وتسليطه أضواء كاشفة على قضايا وطنه المعقدة والمزمنة كما عهدناه دائماً ..وهذا الوطن الذي ظل شغل الفاتح الشاغل له عن كل ما عداه وجدناه وقد أقبل مؤخرا يكتب عن هموم أهله في «الرأي العام» كل يوم .. يعمل قلمه الرصين كأنه مشرط جراح ماهر يريد تخليص الاحشاء من أدرانها وأدوائها فيحدثنا عن كل قضية ومسألة بكلمات العارف لكيفية إستخدام الكلمة القوية الرصينة الكيسة في مكانها المطلوب تماماً .. يفعل ذلك بتعابيره البارعة التي تجسد أمامك غضبه على سلبيات إعترت حياتنا فيطرحها دون مغالاة ميئسة ولا إثارة تحارب السحاب ، فقد عود الفاتح قراءه أن لا يفجر بين أيديهم الاحباط برغم سرده لكثير من المحن القاسية التي أراد ايصالها لاصحاب القرار والفعل حتى يتخذوا من كلماته عوناً على ايجاد الحلول ، وليس قرعاً على جدار الاحقاد كما يفعل البعض بكيل الإتهامات وإثارة النفور وبذا يتبين أن الفاتح التيجاني الذي صدع أفئدتنا جميعاً رحيله كان نهجاً قائما بذاته في صناعة الكلمة في ممارسة مهنته الصحفية هذا ما عرفناه فيه منذ بدأنا نقرأ أولى مقالاته وتحليلاته السياسية التي كانت تغطي صفحات كاملة من صحف «الرأي العام» «والايام» والصحف الخليجية ومجلة التضامن التي كانت تصدر من لندن لصاحبها فؤاد مطر .. عرف فيما يكتب بجدية ورسوخ مسئولية لا يرسل القول بغير دليل .. ولا يدبج كلماته مفرغة من المعلومة والاسانيد التاريخية أو الرقمية أو النصوص الداعمة لآرائه. إلى جانب هذا عرف الفاتح التيجاني بشجاعة تطالعك من أسطره الاولى فيما يكتب .. ولهذا كانت نشأت بينه وقيادات حكومية حتى مستوى رئاسة الدولة خلافات وأجهها بصموده على مواقفه ورفضه أن يجعل قلمه يطأطي لاحد مهما كانت العواقب .. وله في ذلك حكايات رائعة لابد لمن وقف عليها بقرب اكبر أن يكتبها للناس رحم الله الفاتح التيجاني ذلك الصحفي رفيع القدر قوي البيان شجاع الفؤاد .. ذلك الصحفي الذي أحاطه كل من قرأ له أوعرفه بإحترام كبير وتقدير ومحبة لا تتأتي الا للقلة من الخلق . ألا رحم الله الفاتح التيجاني وأسكنه فسيح جناته مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقاً ولاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.. [email protected] Copyright © 2003 AL RAYAAM NEWSPAPER. All rights reserved
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: الفاتح التجانى ....الذى رحل ...حزين منذ الطفولة (Re: الكيك)
|
اسم ارتبط بكل ما هو جميل ونبيل عندما بدأت كتابة هذه الزاوية في «الرأي العام»، وصلتني رسالة من قارئ يطلع على الصحيفة مثلي على الانترنت، وقال ان صورتي في موقع الجريدة على الشبكة العنكبوتية العالمية تحتل نفس مكان قصي صدام حسين في الكوتشينة التي اصدرها الأمريكان بعد احتلالهم العراق لدوافع «انسانية»، من بينها التوزيع العادل «للسلطة والثروة»!! وكان صديقي عبد الله علي ابراهيم يحتل موقع عدي، ثم أختفى لسبب لا أدريه، فحزنت لذلك فبيني وبين الرجل ود قديم وقد كنت من قرائه المواظبين منذ ان خرج بقلمه الى المنابر العامة، واعتقد انه افضل «ناثر» سوداني الى جانب كوكبة أخرى من بينها منصور خالد وصلاح احمد ابراهيم وعبد القدوس الخاتم، وفوق هذا فعبد الله جليس لا يمل ورباطابي أصيل به قطامة أهله وخفة روحهم وسرعة بديهتهم،.. ثم حل الفاتح التيجاني محل عبد الله في ترتيب الصور في موقع الجريدة على الانترنت، وكان آخرنا انضماماً الى قائمة كتاب الجريدة، رغم انه أقدمنا صلة بها، فعلى صفحاتها عرفناه منذ الستينات،.. والملايين من اهل السودان يعرفون الفاتح التجاني كاتباً وصحافياً وموظفاً حكومياً ذا منصب رفيع (سابقاً)، ولكنني أحسب أنني من قلة تعرفه معرفة لصيقة، فقد عملنا زهاء ثماني سنوات سوياً في صحيفة «الاتحاد» الاماراتية في ابو ظبي وكان الفاتح وقتها أعلى مسؤول عن هيئة التحرير،... وكان ما يميزه عنا جميعاً انه انسان «جاد»، فالجدية كانت الميسم الأساسي لشخصية الفاتح، يتعامل مع مسؤولياته بجدية ويعامل الناس بجدية ودون انفعال، وكاذب من يزعم انه شهد او سمع الفاتح يصرخ اثناء الكلام، ولا اذكر أنني رأيته غاضباً إلا عندما كنا نناقش الشأن السوداني في جلسات خاصة، وكانت تلك ميزة عظيمة في انسان يعمل في مجال الاعلام، وهو ميدان يتسم العديد من العاملين فيه بالغرض والمرض، وتجد فيه جيوشاً من العاطلين من كل موهبة الذين كل همهم ان تظهر صورهم واسماؤهم على الورق او الشاشات او من خلال المايكروفونات، والإعلام في كل الدول العربية عاطل وباطل وفاشل ومن البدهي ان يجتذب زوائد دودية بشرية تتعامل مع الجمهور باستعلاء من موقع «النجومية» المتوهمة!! وكان معنا في جريدة «الاتحاد» الاماراتية مصحح لغوي حقود يتلذذ بتشويه مقالاتنا، وكان ديناصوراً افلت من الانقراض وتوقف عن التحصيل والاجتهاد منذ تخرجه في كلية دار العلوم بعد عام الفيل بسنتين او ثلاث، وذات يوم طفح بي الكيل وسألته لماذا يتعمد تغيير نصف محتوى مقالاتي فقال: هذا من حقي كمصحح، فقلت له بأعلى صوت وقد حباني الله بحنجرة أسهمت بها في زلزلة نظام ابراهيم عبود فقد كنت من النوع الذي يحملونه على الاكتاف لاطلاق الهتاف في عصر ما قبل وصول المايكروفون الى السودان): اسمعني يا ابو جهل،.. انت لا تصلح حتى مجرد قارئ لمقالاتي...
E-mail:
[email protected] وخلال دقائق كان اسم ابو جهل قد سرى سريان النار في الهشيم، والأرانب في البرسيم، وتناقلته الألسن،.. ورغم ان الفاتح لم يكن يحب أبا جهل ذاك، فقد استاء من ان اسماً بغيضاً سيلتصق به، فعاتبني بقسوة وطلب مني ان اعتذر للرجل، فذهبنا الىه سوياً وقلت له: أنا آسف على الكلام الذي قلته بحقك يا ابو جهل!! كاد الفاتح ان يغمى علىه من الدهشة وخرج من المكتب مندفعا فخرجت وراءه ووجدته يقف خارجاً وهو يضحك بهستيريا ثم قال لي: الآن فقط اقتنعت بأنك بربري ميؤوس منه... وأحيي فيك ثباتك على «المبدأ»!
كان فقيدنا الكبير عاقلاً ورصينا ًورزيناً ومتزناً، ويستطيع السيطرة على اعصابه في اصعب المواقف، ورغم ان مواقع العمل في دول الخليج تعرف التكتلات والعصبيات، حيث يشكل ابناء كل بلد عصابة لزحزحة ابناء البلدان الأخرى من مواقعهم، إلا ان الفاتح كان يحظى بثقة واحترام الصحافيين العاملين معنا من كل الجنسيات، ولم يتهمه احد قط بموالاة السودانيين والكيد لغيرهم، فقد كان أكبر من تلك الممارسات الصغيرة، بل كان يقسو علىنا نحن السودانيين كي نُجوّد عملنا ونتقنه، ويشرشرح من يقصر منا أو يهمل في واجبه أمام الصحافيين من الجنسيات الأخرى، وذات ليلة من اوائل ثمانينات القرن الماضي، كان من المقرر ان يلقي الرئيس حسني مبارك خطاباً مهماً في جامعة الاسكندرية، وتم تكليف زميل سوداني شاطر ويتسم بالمسؤولية، بمتابعة الخطاب وتلخيصه لينشر جزء منه على الصفحة الاولى على ان ينشر نص الخطاب كاملاً في صفحة داخلية، واكتملت كافة عناصر الصحيفة وبقي فقط الجزء المتعلق بخطاب الرئيس مبارك، وقبل منتصف الليل بقليل جاء الزول الى كبير المحررين المناوب، وكان اسمه عبد العال الباقوري، وهو فلاح مصري كانت بيني وبينه مناقرات لأنه كان قومياً عربياً على السكين بينما كنت وما زلت من ألد اعداء الوحدة العربية،... كان الباقوري ولا يزال من اميز الصحافيين العرب وقد اصبح لاحقاً رئيساً لتحرير صحيفة «الاهالى» المعارضة لسان حال حزب التجمع في مصر، المهم جاء صاحبنا للباقوري وقال له: مبارك ألغى خطابه.. ثم غادر المكان،.. وضع الباقوري رأسه بين يديه، لأنه وقع في حيص بيص، فهناك مساحة ضخمة في الجريدة كانت مخصصة للخطاب، ولابد من توفير بعض المواد «البايتة» لملء تلك المساحة، وجرى من هنا الى هناك وجمع شتاتاً من المواد ملأ بها الفراغات ودفع بالصحيفة الى المطبعة، ثم خرج الى بيته وهو يتساءل عن السبب الذي حدا برئيس بلاده الى الغاء خطاب كان الجميع ينتظرونه، وفي صبيحة الىوم التالى كانت جريدة «الاتحاد» هي الجريدة الوحيدة في العالم العربي التي لم تحمل سطرًا من خطاب مبارك بل اشارت (بكل بجاحة وقوة عين) الى انه ألغى الخطاب... وكانت فضيحة وتم استجواب الصحافي السوداني بحضور الفاتح التيجاني، فقال انه ابلغ الباقوري بأن مبارك «ألغى» خطابه وعاد الى مكتبه لكتابة ملخص الخطاب ووضع عناوين لنص الخطاب، وبعد ان فرغ من كل ذلك اكتشف ان الباقوري خرج، وان المطبعة دارت قبل ان يتمكن من تسليم المادة، وأبرز أمام لجنة التحقيق المادة التي أعدها الليلة الفائتة، فصاح فيه مدير التحرير وهو من أهل الامارات: شلون يلغي خطابو؟ وشلون تقدر انت تلخصو وتضع له العناوين؟! وانفجر آخرون غاضبين... ولكن الفاتح التجاني وبهدوئه المعهود قال لهم ان الصحافي السوداني ذاك لم يخطئ وان التقصير كان من جانب الباقوري، فتعجب الحضور من كلام التيجاني لأنهم عهدوه منصفاً وعقلانياً لا يحابي ولا يجامل في أمور العمل، وصاح الباقوري: ازاي يا استاذ فاتح؟ ده الراجل قال لي بعضمة لسانو إن الخطاب اتلغى تقوم انت تقول معاه حق.. معقولة دي يا استاذ؟ هنا ضحك الفاتح، فغضب الباقوري ونهض كي يغادر المكان ولكن الفاتح قال له: لحظة يا استاذ.. الزول قال لك ان مبارك «ألغى» خطابو بمعنى «القى» خطابو وعاد الى مكتبه ليلخص الخطاب ويضع له العناوين!! هنا صاح الباقوري: إزاي فاتتني دي! وسمع رئيس مجلس ادارة الصحيفة بحكاية القاف السودانية التي تجعل الالقاء الغاء وقال: هذا أجمل وأحلى تقصير مهني، ولولا ان الفاتح كان هو مسؤول التحرير لراح فيها صاحبنا!
هذه شذرات مما سيبقى في ذاكرتي عن فقيدنا الكبير... أعني مهنيته واستقامته وجديته واحترامه لعمله وللآخرين.. ليرحمك الله يا فاتح ويلهمنا نحن محبوك الصبر الجميل! ©جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع صحيفة الراي العام 2003 Copyright © 2003 AL RAYAAM NEWSPAPER. All rights reserved
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: الفاتح التجانى ....الذى رحل ...حزين منذ الطفولة (Re: الكيك)
|
أول صحيفة سودانية تصدر عبر الإنترنت من الخرطوم - أسسها خالد عز الدين و محمد علي عبد الحليم
-------------------------------------------------------------------------------- Last وداعاً.. الفاتح التجاني مكي ابوقرجة [email protected] كان لا يشكو مما يعانيه من أسقام، ولا يسخو بمشاعره كثيراً ولا يفصح عن تفاصيل. ولم يكن برماً يضيق بما يكابد. سلوكه كان أقرب إلى التسليم، تراه راضياً متماسكاً، جلداً، صبوراً يتملكه يقين. وحين بلغنا نعيه الفاجع انهال حزن "رصاصي" ثقيل على صالة التحرير فدب في الأوصال وحاصر الروح.. أقبل الزملاء على بعضهم يعزون ثم لاذوا بصمت وسكون. كان طيفه لايزال ماثلاً- رغم عودته قبل اكثر من عام- غدواته وروحاته من مكتبه إلى قسم التنفيذ أو إلى صالة التحرير.. يتوقف قليلاً مع أحدهم يهمس بكلمة أو كلمتين ثم يمضي. لم يكن الكثيرون ممن هم حوله يدركون أن هذا الرجل البسيط كان يوماً على رأس الأجهزة الإعلامية في السودان، وكيلاً للوزارة وفي درجة وزير دولة. تجده دائماً في مكتبه إما غارقاً في الكتابة أو القراءة.. يمارسهما كطقسين لا يقبلان التأجيل.. ينفذ ببصره وبصيرته في أكوام الصحف العربية والإنجليزية فيستلّ منها ما يريد شأن المهني الحاذق والقارئ المحترف. يدلف إليّ، يقف قليلاً أمام المكتب يلقي بكلمات معدودات مستفسراً أو معلقاً على أمر ما. هذه المساحة التي أكتب عليها الآن تدين له بالفضل.. فقد كان صاحب فكرتها. كتبت مرة حول تجربة اجتماعية للروائي الطيب صالح في نيويورك وأطلعته عليها. كنت أظنه سيحيلها إلى الملحق الثقافي لـ"الإتحاد" إلا أنه اقترح مباشرة أن أستهل بها عموداً في صفحة "السودان من الداخل". وظل يتابعه مادحاً مستحسناً بأسلوبه المقتضب وعاتباً حين أتوقف بدعوى الضجر. كان كثيراً ما يأتي إليّ حاملاً قصاصة مما انتقاه من ملحق "التايمز" أو "الصنداى تلجراف". وكان اختياره يروقني.. قصة أو قصيدة أو مقالاً نقدياً أو تحقيقاً يتعلق بشؤون السودان. فأقوم بترجمته وأعيده إليه ويتملكه سرور غامر لا يعبر عنه إلا بكلمة واحدة ثم يحدد مكان وميعاد نشره. حمل إليّ مرة قصيدة للشاعر الإنجليزي ويستان اودن يرثي فيها صديقاً له.. كلمات ملتاعة تمور بحزن غريب وتجيش بصور غير مألوفة. ما عهدنا ذلك في شعر المراثي العربية. وكانت تلك القصيدة قد أحدثت ضجة كبرى في الأوساط الثقافية البريطانية بعد أن وردت في أحد الأفلام السينمائية. فانتبه الجمهور مجدداً لعظمة أودن الشعرية بعد أكثر من سبعين عاماً من بداية صدور مجموعاته الشعرية. واستغلت دار النشر ذلك الشعور العام فأعادت طبعها. وبعد أن قمت بترجمة تلك القصيدة بعنوان "أحزان الجنازة" نشرتها "الإتحاد" في ملحقها الثقافي الأسبوعي وأعادت نشرها صحيفة "الأيام" السودانية. فلتقف عقارب الساعة ولتسكن حرارة الأسلاك في الهاتف وليكف الكلب عن العواء ويتلاش نغم البيانو وبقرع واهن على الطبول ليتقدم النعش ويتدفق المعزون دع الطائرات تحوِّم نائحة فوق الرؤوس تخط على عجل في الفضاء نبأ نعيه الفاجع لتلتف ربطات "الكريب" حول رقاب الحمائم البيضاء وترتدي شرطة المرور قفازاتها السوداء فقد كان شمالي وجنوبي معقد آمالي وتكأتي في الخطوب وكان شرقي وغربي ذخري وغاية الأرب كان أسبوعاً من الكدح الدؤوب ويوماً باذخاً من الوجد الطروب فيا مسائي وهجوعي وسراً طويته في ضلوعي فلتتوار النجوم وراء سدوف الغيوم وليذهب القمر بددا وتحتجب الشمس أبدا وتغيض مياه المحيط الكبير ولعل هذه القصيدة التي انتقاها ذات يوم وقدمها إليّ تعبّر عن فقده الكبير. ألا رحم الله الأستاذ الفاتح التجاني وأفسح له مثوىً رحيباً في جناته وألهم أهله وعشيرته وزوجته السيدة الفضلى رجاء الأمين وكريمته السيدة أسماء الصبر الجميل.
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: الفاتح التجانى ....الذى رحل ...حزين منذ الطفولة (Re: الكيك)
|
زمان
الفاتح التجانى وخوة زمان
فى سنه1959 جلسنا لامتحان الشهاده فى ملكال لدخول المدرسه الثانويه ولأننا كنا من كل انحاء السودان فقد كان الوداع مهيباً لأننا كنا نعرف أن الأغلبيه لن يتلآقوا مرةً أُخرى . حموده كان يقول لى سنتقابل فى امدرمان. ولأننى كنت أعرف انه من كردفان فلقد بدأ الأمر غريباً . وبعد فتره بسيطه دخلت متجر اليمنى بالقرب من جامع الهاشماب وفجأه أشاهد حموده يقف مع الفاتح التجانى وشقيقه صلاح التجانى يجلس على عتبه الدكان. وعرفت ان حموده الذى هو حفيد الامير حموده فى المهديه يمت بالقرابه الى الفاتح وصلاح . ووالد الفاتح من شركيله أما والدته من البرام . وعمنا محمد التجانى سلوم كان يسكن فى نفس شارع جامع الهاشماب وهو جار للعم الصادق الطيب الذى كان مديراً للسجون. وبما إن صلاح كان صديق شقيقى الشنقيطى الذى لا يفترق عنه فلذا كنت أشاهد الفاتح يومياً لأننا كنا وقتها نسكن فى السرداريه على بُعد ثلاثمائه أو أربعمائه متر من منزل أهل الفاتح التجانى. وبما إن الفاتح قد سكن فى ملكال قبل حضورهم الى امدرمان فلقد كان يستفسر عن كثير من زملاء الدراسه والمدرسين وبعض ابناء التجار الذين ربطتهم به صله . الفاتح كان جاداً ويختلف عنا جميعاً ولكن لم يكن انطوائياً بل كان عميقاً وكأنه يشع حكمه ومعقوليه , فصلاح الذى كان أكبر من الفاتح كان محبوباً من الجميع يحب النكات والدردشه يجتمع الناس حوله ويخلق صداقات بسهوله . أما الفاتح فكان يعطى شعوراً بالثقه ويجبر الجميع على إحترامه . ويحمل دائماً الصحف والمجلات ويبحث عن كتاب ليستعيره , كما كان يقرض الشعر منذ صغره . وأذكر أنه مع بدايه حكم عبود قد نظم قصيده يحث فيها الحكومه الجديده على البناء وتعليم الشعب وتطوير البلد, هذه القصيده كان صلاح يحملها فى جيبه فخوراً . عندما إنتقل العم محمد التجانى سلوم إلى انزارا فى مشروع الزاندى كان التجانى يستعد للجلوس لامتحان الشهاده الجامعيه ولأننا صرنا بمثابه الاهل فلقد أقنع شقيقى الشنقيطى أهل التجانى بتركه فى امدرمان فى المنزل . صرنا نأخذ له الشاى فى الصباح والغداء وكل ما يحتاجه . وبما اننى الاخ الاصغر فقد كانت أغلب المراسيل مسئوليتى. الى أن نجح التجانى ودخل كليه التجاره . وهذه الفتره ساعدت كثيراً فى تكوين شخصيتى لأن التجانى الذى عُرف بتجنر كان عميقاَ مطلعاً والمنزل يمتلئ بمجموعه ضخمه من أصدقائه لكونه كابتن فريق المورده لكره السله ومن الاصدقاء ولاعبى كره السله الاخ بدوى المشهور بلون وشقيقه كوفاديس, وود اليمانى , عبد القادر الطيب وكان يتواجد معهم بإستمرار أخ يونانى . وصار التجانى بمثابه الاخ الاكبر لى نذهب سوياً لصيد السمك ويوجهنى, وفى بعض الاوقات يقراء على الشعر ويناقش معى السياسه والفلسفه . وفى الاجازه المدرسيه سافر الشنقيطى مع الفاتح والتجانى وصلاح الى الاستوائيه لقضاء الصيف . وبالرغم من اقتراب مواعيد المدرسه ورجوع والدى ووالدتى من انجلترا الا ان الشنقيطى وصلاح لم يظهرا فطلب منى والدى ان ارسل تلغراف وهذا التلغراف كان لسنين عديده مصدر ضحك وسخريه الفاتح كلما يلقانى يردد لى جملة التلغراف ( والدنا حضر أين الشنقيطى بدرى شوقى بدرى ) ويبدو ان هذا التلغراف كان مصدر فكاهه فى انزارا . وحضر الشنقيطى وصلاح بالطائره وبعد عده أسابيع حضر التجانى بالباخره وفى الطريق تعرف بإثنين من الهنود المسلمين من يوغندا أحدهم زاهر والآخر أمير. ثم حضر عبد اللطيف شقيق الفاتح الأكبر ومكث معنا لمده قصيره . وتلك الفتره كانت من أجمل فترات حياتى والفاتح كان وقتها يسكن عند أقربائه فى حى الضناقله فى الخرطوم بحرى ويحضر فى يوم الجمعه ( للمقيل ) أو أذهب اليه مع صلاح إلا انه كان يقول إن زيارتنا تخرب ميزانيته لانه كانت لى وصلاح شهيه خرافيه . تلك الفتره كنا نسكن بالقرب من ميدان الربيع ولنا منزل منفصل عن منزل الاسره لسكن الشباب أو الطلاب من الأقاليم ومن الساكنين حموده أبو سن إبن الناظر وعبد المجيد محمد سعيد العباسى إبن الشاعر محمد سعيد العباسى ومرغنى أبتر إبن عم والدتى والذى كان يعمل فى النقل الميكانيكى ومعتصم أحمد الحاج وشقيقه بدرالدين من الدويم وسليمان والطيب من اولاد المسلميه لصلتهم بكمال ابراهيم بدرى الذى كان يعمل بالجزيره ولفترات تطول أو تقصر عثمان عبد المجيد على طه إبن عمتى , محمد بشير الطيب , طه إمام عبد الله شقيق عبد المجيد إمام وسولومون ميخائيل بخيت شقيق جوزيف المدعى العام وكثير من زملائنا فى مدرسه الاحفاد والذين يسكنون فى الجوار مثل محمد المهدى مسعود الحلو , عز الدين مرجان اقور , صديقى فقوق نقور ( مصطفى ) وعبد الله فرح وشندى وعرفات على شريف . وأذكر ان الفاتح عندما كان يحضر كان يهز رأسه غير مصدقاً وكان يسألنا ( إنتو بتزاكروا بتين ) وكنا نكتفى بالضحك لانها لم تكن إحدى نشاطاتنا. والغريبه إن استاذنا وإبن عمتى فى الاحفاد الطيب مرغنى شكاك سكن معنا فى ذلك المنزل لفتره .ولم يكن يسلف سيارته الا لصلاح التجانى الذى كان نجم المنزل ولم يحدث ان أكل اى انسان منا أو جالس ابراهيم بدرى سوى صلاح التجانى . الفاتح كان وقتها يدرس فى المعهد الفنى فى الخرطوم وأذكره عادةً أنيقاً نظيف الثياب ويستطيع أن يتحدث فى أى موضوع ولا يحتد فى نقاشه ولكن لا يعطى أى فرصه لأى انسان فى اى وقت أن يتطاول عليه ويترفع عن المهاترات. ولا أذكره ابداً يستعمل أى كلمه نابئه أو فى غير مكانها . وكان لا يساوم أبداً فى كرامته ويقول الحقيقه . وعندما حضر الى براغ سنه 66 لكورس وحضر معه خاطر الذى كانت له وظيفه كبيره فى الاذاعه السودانيه كان يقول أمام الاستاذ أحمد النظيف الملحق الثقافى إن خاطر كان من المفروض ان يترك الفرصه لصحفى أصغر سناً للإستفاده من ذلك الكورس . وأذكر عندما تقابلنا فى براغ أن قال لى بعد التحيه مباشرةً ( والدنا حضر اين الشنقيطى بدرى شوقى بدرى ) وحاولت أن اشرح له إننى وقتها كنت فى الخامسه عشر من عمرى . فى سنه1996 أيقظنى صديقى عبد الله السفاح ونحن فى منزل الخال محجوب عثمان فى القاهره وطلب منى ان ارافقه الى البريد بمظروف الى جريده الاتحاد فى ابوظبى وعرفت إن الخال محجوب عثمان كان يكتب اسبوعياً لجريده الاتحاد فى الامارات وكنت أعرف ان الفاتح فى جريده الاتحاد وكانت تربطه بالخال محجوب صله حميمه . وإتصلت بالفاتح عدة مرات للتحيه وإجترار الزكريات. وتحدثنا عن اللقاء اذا سمحت الظروف . ثم اتصلت به مرةً اخرى فى نهايه التسعينات مزكياً الاخ الاديب احمد عبد المكرم , ثم اتصلت به مرةً اخرى لان شقيقه صلاح قد طلب منى الاتصال به لايجاد عمل فى الامارات وإن البنات كبروا والطلبات ذادت فشرح لى الفاتح صعوبه ايجاد العمل وان العمل فى الامارات لم يعد مجزياً وانه يفكر بالرجوع الى السودان وإن وجود صلاح فى السودان مهم لأن الوالد محمد التجانى سلوم قد تقدم العمر ويحتاج لمساعده صلاح فإقترحته انه فى حاله رجوع الفاتح ان يوصى احد الاخوان لايجاد عمل لصلاح وتنهد الفاتح وقال لي ( إنت يا شوقى قايل الدنيا ذى زمان والخوه والصداقه ذى خوتكم وصداقتكم انت وشنقيطى مع التجانى وصلاح , الدنيا اتغيرت والناس ما ذى زمان ) وربما لهذا غادرنا الفاتح . وآخر اتصال كان عندما اتصلت به لكى أعزيه لوفاة والده وكنت أحسب إننا سنتقابل مره أخرى فى السودان ونعيد الذكريات , وهذا وعد آخر أخلفته أنا . رحم الله اخى الفاتح . شوقى......
-------------------------------------------------------------------------------- العمر عاريه وما بيربطوه بي سير واللدر العشاري يوما بياكلو الصير
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: الفاتح التجانى ....الذى رحل ...حزين منذ الطفولة (Re: الكيك)
|
بعض أشكال الرحيل بلا انتهاء : هو الموت يسعى الينا في الدجى والنهار ولدنا له ناضجين استدرنا له فلماذا البكاء: أتبكي الثمار اذا اقبل الصيف يحقنها في الخلايا بنار الدمار؟
ذات مرة فاجأني بسؤال مباشر: كيف السبيل الى الهواء ؟ أجبته وبرد مباشر: أن تفشي أسرار ذاكرتك للثعالب اللعينة والطروب، ان تعيد ذئاب السلالات الخبيثة واللعوب ذاهلة عند عتبات الاسئلة، أن تعيش كالخوف في الطريدة اذ تتوغل بين المنافي، وان تفسد على النخل شمس الظهيرة، وعلى الزهور ندى الفجر، وأن تتحرر من بقايا الكلام، وتخرج صديد السنين ونص الاعتراف المخبأ في عتمة الروح. كان ذلك قبل فترة قصيرة جدا من اعلان قراره الاخير، والعودة الاخيرة، الى الارض الحميمة، والتي وسد ثراها أخيرا، ابتسم الفاتح التجاني من تسرعي في الاجابة، وقال: مهلا، مهلا، ليس هذا ما قصدت ورميت، لكنني أتفهم ضيقك وتبرمك واندفاعك، أكرر السؤال بصيغة اكثر وضوحا: كيف تعود الى وطنك لابسا حلمه صحوا، وحاملا حلمه هما، بعد كل ما جرى، وبعد ما مضى من العمر؟ قلت لنفسي: يا للهول هل أحس هذا الانسان الرهيف ان المنادي قد أطلق صيحته الاخيرة، ونداءه الجنائزي الحزين: أما زلت في مكانك لا تبرحه، قم، اسرع،الحق فقد تبحر السفينة بغتة ومن غير ملاح الى وجهتها الابدية؟ كان في الفاتح التجاني بعض من طل الغمام يلطف ويلون بوادينا الجديبة بالوان البهجة والسرور، وكثير من خير السحاب، يغشى اباطحنا العطشى بهاطل رزم من الايثار والشهامة، كان اشارة فرح وحزن في آن معا، تمتد من وتر الى وترعلى غيثارة الارض الخصيبة، كان كالشجرة التي لا تحجب ظلها حتى عن الحطاب، وكالنجم في مشيمة سماواتنا الفارغة من النجوم، ترجل ورحل، لكن بعض اشكال الرحيل بلا انتهاء، ذلك ان الفاتح التجاني خلف ارثا متدفقا من الخلق الكريم، ومن التجربة الغنية في شتى مناحي الحياة، وفي مجال الصحافة خصوصا وانه لم يفارق القلم حتى لحظة رحيله.
عيسى البشير
من هو الفاتح التجاني ؟!
ما وصلني عنه قبل التحاقي بجريدة “الاتحاد” كان خليطا من معلومات تتعلق بالجانب الوظيفي فمن قائل : إنه وزير سابق للإعلام ، ومن قائل : بل وكيل سابق لوزارة الإعلام وثالث تحدث عن دوره النقابي، لكن لا أحد ذكر دوره الصحفي، وتلك هي نظرتنا القاصرة عن الدور في الحياة لجهة الحديث عن موقع الإنسان داخل السلطة ، لذلك لم يشد انتباهي حين كنت بعيدا، وعندما اقتربت منه - بدرجة نسبية - أبصرت تجربة إعلامية تراكمت لعقود، أدركت بعضا من جمالياتها بعد التعامل معه بشكل مباشر مما زاد في ثراء تجربتي الصحفية .. إنه الفاتح التجاني الصحفي السوداني فقيد الصحافة العربية .
من الظلم الادعاء هنا بالإجابة عن سؤال العنوان، لأن معرفته من خلال الحياة اليومية لم تتحقق بالنسبة لي، كما أن المعايشة عن قرب في الجانب العملي اليومي كانت قصيرة،لهذا سأكتفي هنا بالحديث المعني العميق للصحفي العربي عن تجربة الأستاذ الفاتح - رحمه الله - من خلال علاقته بالمكان الأول أو ما يعرف بالوطن ليس بالمعنى القطري الضيق، حيث لا يمثل قيمة - بالنسبة لي إلا إذا نظر إليه من زاوية المولد والنشأة - وإنما بمعنى الامتداد حيث الأمة في زمنها الأول الجميل قبل أن يضيق الفكر بأهله ويتحول إلى أسوار تقام على الأرض بعد أن زرعت شرا داخل الأنفس، وقيمة المكان تأتي من وجود الإنسان المعمر، واعتقد أن الفاتح التجاني قد عمل طول حياته - حسب قناعته - في الحقل الإعلامي من منظور التعمير في هذا المجال وبالتالي في الأرض العربية بغض النظر عن حسابات البعض لمسألة الأوطان والنظر إليها من حيث هي وظيفة قبل أن تكون هوية .
لقد كنت أنظر إليه في غدوه ورواحه، في صمته ونطقه، في فرحه وغضبه، في صحته وعافيته، نظرة تحاول قراءة تجربة ماثلة للعيان ما قدروها أهل المنبع ولا أهل المصب حق قدرها لانشغالهم بالهم السياسي على حساب الهم الصحفي وكانت النتيجة الغرق في تفاصيل المتابعة اليومية وما تبعها من انفصال شبه تام عن الكتابة وابتعاد عن نقل التجارب للأجيال، حتى إذا ما أدركنا جميعا قالت أولانا لأخرانا: في الأمس القريب كان الأستاذ الفاتح بيننا، هنالك وهنا لم يعد الكلام مجديا فقد قدم إلى ما عمل عبر عقود، ولا نزال نحن - على امتداد الوطن العربي - غير مبالين بما يحدث رغم حضور الموت. إذن لولا التجربة الثرية الممتدة هنا وهناك لكان رحيل الفاتح سودانيا فقط ولشاركنا أفريقيا نحيبها اليوم لأنه ابنها البار الذي مكنها من قلبه.. ثراء تجربته وأخلاقه السامقة وحسن معاملته جعلتنا نشارك في تأبينه كتابة، وإن كنا في حقيقة الأمر نؤبن أنفسنا على المستويين الإعلامي والإنساني، داعين المولى جل وعلا أن يشمله برحمته الواسعة وأن يرزقنا وأهله الصبر .
خالد عمر بن ققه
غائب يدعونا الى ان نتذكــــــره
"هل رأيتم آخر الليل وقد ران على الناس الوسن جثة تدفن طاهرة طاهرة قبل الكفن؟ هامسا في أذن الغابة والصبح تهيأ مات، لكن صار أحيي منه حيا”
قبل أن يرتحل قبل أن يترجل قبل ان تغرب - تشرق ثلاثة وستون ربيعا مرة واحدة قبل ان يمضي مضيئا كسوقيّ في المعبد
كتب المرحوم الفاتح التيجاني، آخر عمود، لنقل: كتب وصيته، ونشر العمود في يوم وفاته، في اليوم الذي أشرقت فيه شمسه مرة أخرى، طالب فيه باستعادة نقابة الصحافيين السودانيين، جاء العنوان: “حتى يتعافى الجسد الصحفي”، أما الجسد الكردفاني السامق فقد ودّع حميدا، وورى الثرى، والتأمت عليه الصفائح، تاركا الأمانة لجيل كامل من زملائه كتاب “الاتحاد”، ولنا جمهور قرائها أيضا من المحيط الى الخليج، جيل نهل من معين عطائه الثر، وأخلاقه العالية، ووقاره وتواضعه اللامحدود، رحمه الله. من أفضال “الاتحاد” الكثيرة عليّ شخصيا، انها أتاحت فرصة التعرف على المرحوم الفاتح عن قرب، وان كنت لم أدرك سوى سنواته الأخيرة فيها، أو لعلي أكون أكثر دقة لو قلت: سنته الأخيرة فيها، أما قبل ذلك فقد تعرفت عليه حين كنت أنشر قراءات أدبية في الملحق الثقافي لإحدى الصحف، وكان بكل تواضع وسمو نفس يقرأ تلك المقالات، ويربت على كتفي ويشجعني على شرف المحاولة، ويسمعني عندما اتصل عليه، من الاطراء ما يعبر في الحقيقة، عن درجة تواضعه الجم وأخلاقه العالية، التي تندّ عن كل وصف، ولولا ذلك لما عبر وهو الكاتب الكبير المبدع عن اعجابه بمحاولات قارىء مبتدىء ما زال يلتمس طريقه الى القراءة. رحمك الله يا استاذنا الفاتح التجاني وأحسن اليك. (بلدة طيبة ورب غفور).
حسن ولد المختارالفاتح
في الذاكرة يضيء عتماتها هي الحياة طريق الفرح والحزن، الخير والشر، الولادة والموت، ثنائية تندس فينا ولا نملك تغييرها، وكل ما نستطيعه هو تلطيفها وتجميلها. في هذا الطريق نلتقي أناسا كثيرين ونفارق كذلك كثيرين إلا ان قلة فقط من يرسخون في الذاكرة متربعين فيها بلطف، ونحن نعتني بأن لا يغادروها لأن تذكرهم فقط يضيء ملامح وعتمات. الفاتح التجاني أحد هؤلاء الأشخاص، لقد جمعنا العمل المشترك في قسم المراسلين في الاتحاد، ولقد التقيته: خفيفا كظل، ممتلئا خبرة وتجربة وحكمة، مغسولا بالهدوء، متفرسا في عشرات من السنين التي رواها بعمر الشباب، العمر الذي أخذت منه صاحبة الجلالة كثيرا، والغربة أكثر. رجل كان يجلس دائما بوقار، ينفث دخان سيجارته بوداعة، يلتفت اليك ويبتسم كلما ألقيت عليه تحية الصباح، ويعرف جيدا كيف تتوالى أحداث العالم في كل صباح وكيف يتحول الخير الى نجمة في اليوم التالي، أو الى نجمة تهوي من العلى. الفاتح كان من هؤلاء الذين يرسخون في الذاكرة، هؤلاء الذين يضيئون ملامح وعتمات. قبل ما يزيد على العام تقريبا قرر ان يغادر الإمارات بعد سنين طويلة كان فيها من الكفاءات العربية التي ساهمت في النهوض بالصحافة هنا من خلال عمله في صحيفة “الاتحاد” قرر ان يعود الى حضن وطنه السودان كي يلم جسده بهواء الوطن، ويغسل سنين الاغتراب بالنيل، لكن.. في يوم الاربعاء الماضي لم يستطع هواء الوطن - السودان - ان يشفع لرئته.
سعد جمعة
وداعـــــــا للصديق
كان الفاتح التيجاني - طيب الله ثراه - رجلا نبيلا بكل ما تحمل الكلمة من خصائص فأحنت حتى أطراف أظافره، كان جم الأدب شديد التواضع، حاتمي الكرم وكقارىء وكاتب يبهرك بسعة الادراك ورصانة الاسلوب، ويقيني ان الفاتح كان أهلا لحياة أكبر شأنا وأعظم نفوذا، ومنذ عودته الأخيرة الى أرض الوطن تجدد لقاؤه الفكري مع قرائه المعجبين وهو يرفع لواء الدفاع عن من حاق بهم ظلم وامتهان. ولسنين طويلة كانت داره في أطراف الخرطوم بحري، مكان لقاء يسعد الأصدقاء فيه بأحاديث الود وتبادل الرأي في الشأن العام والأدب، وحتى في بلاد الاغتراب حافظ الفاتح على الود القديم وجعل من داره محل ترحيب وكرم. وبالنسبة لي ولأسرتي فقد كنا نحرص دائما على زيارته وأسرته دون موعد مسبق وذلك لتناول وجبة طعام والحديث عن هموم الوطن. منذ عامين أو أكثر قليلا قام الفاتح التيجاني بترجمة كتابي “السودان .. الوحدة أم التمزق” فاستطاع ان يعكس ما جاء فيه من آراء وأحاسيس ببراعة فائقة تميزت بالدقة وسهولة البيان، ولا شك عندي انه قام بذلك العمل رغم ارهاصات المرض التي اشتدت بعد عودته الى أرض الوطن فسافر وزوجته الى الأردن للعلاج ليعود الى داره بصورة فيها الكثير من الاطمئنان. كان وقع نبأ وفاة الفاتح التيجاني مؤلما عند سماعه، وقفز ذهني الى لقائنا الأخير، بعد عودته من الأردن، وأنا مغادر لداره الأنيقة ومدخلها الذي تحف به زهور يانعة متعددة الألوان والأشكال! انها مشيئة الله جل شأنه قصر ام طال عمر كل شيء جميل.
عبد الرحمن عبدالله
التجاني.. آخر سلالته
أغلب الوجوه والأسماء والصفات، تمر في حياتنا مرورا عابرا مسرعا، بلا وشم ولا صدى، وأحيانا دون ما أثر على الإطلاق. أما الفاتح التيجاني الذي رزئت عائلة الصحافة العربية برحيله بداية الأسبوع الحالي، فيظل ببهائه ووهجه المشرق، نموذجا ماثلا في عقول معارفه وأصدقائه وقلوبهم، أكان حيا يمشي بين الأحياء أم ميتا ميتة الباقين الخالدين. صورته فينا، معشر تلامذته وأصدقائه، ضمير حي ما فتئ يداري عاديات الزمن وأجوائه الموبوءة بالقحط والنسيان والرذيلة. ذلك هو الأثر الخفي والعلني معا لمركب المحبة والإخلاص والصدق والاستقامة.. الذي كان يسري منسابا من أنامله وشفيته ورموشه وخلجاته الشاعرة، وهو الحقيقة العنيدة ذاتها التي انطبعت في جوانحي بقوة وتتملكني منذ التقيت فقيدنا الفاتح أول مرة. كان ذلك ذات يوم، قبل نحو ست سنوات من الآن، عندما رأيت الرجل المعمم طويل القامة، صاحب النظارات السميكة، بجلبابه السوداني الأبيض، يتجه نحو باب يؤدي إلى مكتب رئيس التحرير في مبنى صحيفة “الاتحاد”، كان يمشي بخطوات واثقة ومتواضعة ومؤدبة. تبادلنا السلام والتحية وعبارات أخرى مختصرة، نبرات صوته قوية وموحية وآسرة في الأعماق، وكان يطرق برأسه ونظراته قليلا إلى أسفل، في أدب وحياء قل نظيراهما اليوم، وربما ليصرف انتباهه تماما إلى كل ما يقال أو يحدث أو يفكر فيه. فاسترعى اهتمامي كثيرا ذلك الرجل الهادئ الباش الذي لم أعرف اسمه حينها . في ذلك الأوان كنت أكتب مقالا أسبوعيا في صفحتي “قضايا ودراسات” بجريدة “الاتحاد”، وفي مرة من المرات جئت لأسلمه باليد، فشعرت بضيق شديد حين علمت أن الأشراف على الصفحات أسند إلى شخص آخر اسمه الفاتح التيجاني. لكن ما هي إلا أيام حتى وجدت أن الأمر يتعلق بشخص ينتمي إلى سلالة من الكرام توشك على الانقراض، وأنها فرصة مثالية حين يتاح لكاتب مبتدئ مثلي، كي يضع إنتاجه المتواضع تحت رعاية الملاحظة الحصيفة والثاقبة لكاتب بحجم الفاتح التيجاني وقامته. وبعد حوالى سنتين على التحاقي بالعمل في “الاتحاد”، وكان للفاتح نصيب فضل فيه يذكر ويشكر، جاءت تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، ومرت من جرائها ظروف عصيبة على كل الصحف والمؤسسات الإعلامية في العالم أجمع. وفي تلك الأجواء المشحونة والمحتقنة، كان قليلل من كتاب صفحات الرأي في “الاتحاد”، يوزعون تهما افتراضية هنا وهناك حول المسؤولية عن تلك التفجيرات ومن الجهات الضالعة في تدبيرها. وكانت الذاتية الزائدة والمغرقة في بعض المقالات التي تردنا من الكتاب، تضعنا أحيانا في إحراج شديد معهم. وفي هذه الحالات كنت ألجأ إلى الفاتح التيجاني، لأستشيره حول نوعية التصرف المناسب، وكان رده في الغالب: “استشر عقلك وافعل ما ترى أنه الصواب، ولا تتردد”. ثم في ثاني أو ثالث يوم يبادرني بالملاحظة مبتسما: “اختيارك كان هو الصواب”، وفي أحيان أخرى كان يقول وفي فمه ضحكة: “كان عليك بغيره”! وكما كنت أجد ملاحظاته صحيحة على الدوام وموضوعية، أدركت فيما بعد أنه كان يرمي من وراء “تهربه” أحيانا، كي أتعود على أن أكون حاسما وعازما وقادرا على تحمل مسؤولية القرار بمفردي، في مواقف تستدعي ذلك بسرعة وجرأة. وما الحسم والعزم والإقدام والتواضع ونفاذ البصيرة وإباء النفس.. إلا صفات ثابتة وأصيلة في شخص الفاتح، قبل أي شيء آخر. وما الاستئناس أعلاه إلا مقطع دال جزئيا على حياة إنسانية وصحفية بالغة العمق والثراء والإيثار، امتدت بالفاتح نحو 36 عاما من الاستقامة والتواضع والزهد والإباء. فلك الله من قلم عجنته قيم الإنسان الناصعة وإنسان وفي قلمه حقا وصدقا.. سيندبه حزنا ويتما أقرباء المهنة، مثلما يبكيه بدم الفجيعة ودموعها أقرباء الدم الأدنون. وذلك ببساطة، لأنه آخر سلالته.
محمد ولد المنى
الفاتح التجاني في سطور
ولد الفاتح محمد التجاني سلّوم في أسرة تنتمي الى قبيلة الهبانية وظلت تتسنم نظارتها في شرق كردفان. وكان مولده عام 1940 في بلدة شركيلا التي تبعد نحو 48 كيلومتراً الى الجنوب من مدينة أم روابة حيث كان يوجد مجلس ريفي شرق كردفان. لا تزال أسرته تتمتع بنفوذ قبلي واجتماعي كبير في منطقتها التي تقع شرق بلدة شركيلا، وإن كان إلغاء نظام الإدارة الأهلية في عهد الرئيس السابق جعفر نميري قد سلبها كثيراً من امتيازاتها ومخصصاتها. غير أنها بقيت ديواناً مفتوحاً للعشيرة ومن جاورها من العشائر والأهالي. بعد فراغه من الدراسة الثانوية، التحق الفاتح التجانب بقسم التجارة التابع للمعهد الفني الذي صير الى ترفيعه وتسميته جامعة السودان. وقد حصل على دبلوم التجارة بتقدير ممتاز بعد ثلاث سنوات من الدراسة امتدت من 1960 الى .1963 وبسبب تفوقه الأكاديمي حرص المعهد الفني على تعيينه مساعداً للتدريس، وهي الوظيفة التي شغلها باقتدار من لدن تخرجه حتى العام .1965 وكان يفترض أن تنطلق به الأقدار في المسار الأكاديمي المعلوم، بابتعاثه للتحضير لدرجتي الماجستير والدكتوراة ليعود الى هيئة التدريس في المعهد. غير أن الصحافة كانت قدره الحقيقي الذي لازمه حتى اليوم الأخير. فقد أثارت مساهماته التحريرية وهو بعد طالب اهتمام الأستاذ اسماعيل العتباني - أطال الله عمره - مؤسس الرأي العام، الذي استطاع إقناعه بالاستقالة من وظيفته الأكاديمية لينضم الى هيئة التحرير في منصب نائب رئيس التحرير. وكانت الرأي العام آنذاك مدرسة بكتابها ومحرريها، وكانت مدرسة بتقاليدها الصحافية والتزامها الدقة في الأخبار، والحرص على استقلال الرأي، وعدم الخلط بين الخبر والتحليل والرأي. وكما كان متوقعاً فقد سكب الفاتح التجاني ذكاءه في المحاسبة والعلوم التجارية في المهنة الصحافية، وما لبث أن اختير رئيساً لتحرير الرأي العام. وعندما قام الرئيس نميري بتأميم الصحافة السودانية، اختار الفاتح التجاني رئيسا لتحرير صحيفة “الأيام” ورئيساً لمجلس إدارتها خلال الفترة من 1971 الى .1974 وبعد خلافات في التوجهات والرؤى، آثر الفاتح أن ينأى عن الصحافة الرسمية، وانضم الى رفيق دربه الأستاذ محمد الحسن أحمد حيث أقاما شركة ميديا للطباعة والنشر التي فتحت فرعاً في لندن تولى إدارته الفاتح التجاني. وفي عام 1977 أصدر الرئيس السابق نميري قراراً عين بموجبه الفاتح التجاني وكيلاً لوزارة الثقافة والإعلام. وبقي في منصبه حتى عام .1981 وقد شغل خلال هذه الفترة منصب رئيس مجلس إدارة مجلة الثقافة السودانية ومجلة الإذاعة والتلفزيون والمسرح ومجلة سوداناو ورئاسة لجنة الإنتاج السينمائي التابعة للوزارة. وفي 1981 عينه الرئيس نميري رئيساً لمجلس الإدارة ومديراً عاماً للهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون التي تقرر إنشاؤها في سياق توجه هدف الى إلغاء مركزية الهيئات التابعة لوزارة الثقافة والإعلام. وظل يشغل هذا المنصب بمرتبة وزير دولة حتى إعفائه منه بناء على طلبه عام .1983 وبدأ الفاتح تجربة الاغتراب بعدما تعدى عقده الخامس، حيث انتقل الى دولة الإمارات العربية المتحدة والتحق بصحيفة الأتحاد وظل يتقلب في مناصبها التحريرية حتى اشتد عليه الداء اللعين وقرر العودة الى السودان العام الماضي (2002). وقبل أن يتذوق طعم العودة بعد طول اغتراب، اشتد عليه المرض فنُقل الى العاصمة الأردنية عمان حيث أجريت له عملية جراحية دقيقة خففت شيئاً من آلام المرض الخبيث الذي ظل ينهش جسده النحيل ببطء شديد حتى وافاه الأجل المحتوم الأربعاء. تزوج الفاتح التجاني من الأستاذة المربية رجاء الأمين، ورزقهما الله بوحيدتهما أسماء (سوما) في عام .1971 اللهم أرحم الأستاذ الفاتح التجاني وتقبله قبولاً حسناً وأنزله مع الصديقين والشهداء. فقد كان باراً بأهله، عطوفاً على أسرته الصغيرة، رفيقاً بزملائه والعاملين معه. وكان قلمه ماضياً في قول الحق، ومتمسكاً بميزان الحقيقة. وكان صبوراً الى أقصى حد، حتى أنه لم يشك مرضه المرعب الى أحد، وربما لهذا سيكون وقع هذا النعى أليماً بالنسبة لمن واظبوا على متابعة عموده الممتع على صفحات “الرأي العام”.
نقلاً عن موقع سوانيز أون لاين
جريدة الاتحاد : العدد 10364 بتاريخ 11/19/2003 www.atittihad.ae
مؤسسة الإمارات للإعلام www.emi.co.ae
| |
 
|
|
|
|
|
|
|