وداعا ابو امنة ...ابوجمال ...الهدندوى العنيد ....

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 12:40 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة معالى ابوشريف (الكيك)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-02-2007, 09:32 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
وداعا ابو امنة ...ابوجمال ...الهدندوى العنيد ....

    اجمل اغانى الستينات والسبعينيات كانت للشاعر الفذ ابو امنة حامد وهى اغنية بنحب من بلدنا ما برة البلد سودانية تهوى عاشق ودبلد ..

    بنحب من بلدنا
    ـــــــــــــ

    بنحب من بلدنا ما برّا البلد
    سودانيّة تهوَى عاشق ود بلد
    في عيونها المفاتن شئ ما ليهُ حد

    *****

    التّوب المهبهب فوق أم الضّفائر
    والخد المعطّر زي أحلى الأزاهر
    والخطوة الأنيقة ترنيمة مشاعر
    أنا بيك كل عمري بمشيلها وبسافر

    *****

    مين في الدّنيا ديَّ أجمل من بناتنا
    الليهن قلوبنا والفيهن صفاتنا
    الكامنات بروحنا والعايشات في ذاتنا

    *****

    في حلفا البداية أحلامي وهنايَ
    أنا عايش لحبّي المخضر برايَ
    النّافرة الأليفة ست روحي وهنايَ

    *****

    أنا ليْ في كريمي شايقيي بشلوخها
    نعتز بي صفاتها ما نجهل تاريخها
    وما ها المابية ريدتي مو ياها المسيخة

    *****

    في شندي العظيمة تلقى بنات جعل
    واحدات في المتمّة زي لون العسل
    النايرات خدودِن زي فجراً أطلْ

    *****

    في سنكات بنعشق في السّمراء وأبيّة
    ترتاح في الضّريرة خُصلاتها الغنيّة
    عاشت في شعورى أحلَى هدندويّة

    *****

    الوارثات جدودن في الجّود والشّجاعة
    البظهر جمالن من زمن الرّضاعة
    سودانيّة ميّة الميّة في ذوقها وطباعها
    ياناس أرحموني انا قلبي في رفاعة

    *****

    لوزة القطن اليانعة السّمحة ونضيرة
    تِتّنَّىَ الحليوة في مشية أميرة
    أجمل حب عندي في قلب الجزيرة

    *****

    ليْ في الغرب أغْيَدْ في دار حَمَر والبقّارة
    نحميها بسيوفنا تفّاحة ونُضارة
    تسكرنا الليالي وتطربنا النُقّارة

    *****

    ليْ في جوبا ساحر تسلم ليْ خدودُه
    يمرح في غاباتُه ويسرح في ورودُه
    حبّي الغالي ليهُ ما بعرف حدودُه

    تلك الاغنية التى كنت احبها ولا امل السماع مهما تكرر وارتبطت باسم شاعرها ابوامنة حامد الذى يحب وطنه واهله وفريقه الهلال وكنت اتبع كتاباته الهلالية وهو يناكف القطب المريخى والوطنى الجسور حاج حسن عثمان ..
    بالصدفة تعرفت عليه عام 1979 فى القاهرة حيث جمعنا مكان واحد فى شارع البحر الاعظم بالجيزة .
    وتصادف ان سكنت بالبناية التى تقع خلف سكنه عند مستشفى الرمد حيث كان يسكن مع الاصدقاء على ادريس والمرحوم بهاء الدين وكانوا ثلاثتهم يدرسون حينها فى اعلام القاهرة ..
    ذهبت للزميل على ادريس وانا لا اعلم اننى سوف اجد امامى ابو امنة بشخصه وسمته الهدندوية الواضحة فعرفنى به الزميل على وكانت تلك من اجمل صدف الحياة ومنذ تلك اللحظة امتدت صداقتنا الى ان خرجت من السودان وظللت اتابع اخباره الى ان سمعت بالخبر المحزن امس ..
    قبل مغادرتى السودان بقليل جاءنى فى زيارة خاصة بالسوق العربي وقضى معى حوالى ساعة كاملة استعاد فيها ذكريات القاهرة وبعض الاحاديث التى كانت تدور بينى وبينه والاستاذ الريفى والطيب محمد الطيب فى اواخر عهد مايو فى مبنى صحيفة الايام ..
    وفى اثناء الحديث بدرت منى كلمة شمالية بحتة عندما سالنى عن الاحوال وحال السوق الذى كان يرحل ضمن هجمة الانقاذعلى الاسواق وتغيير المعالم الى مكان اخر خلف مدينة الصحافة ..
    قلت له نان شن نسوى مع الاخوان المسلمين وعمايلهم بس ورينى ..
    فقفز مثله مثل اى هدندوى فى البرية وقال لى والله اليوم ذكرتنى باعز اصدقائى اسماعيل حسن بالله انا من اسماعيل حسن مات ما سمعت بى كلمة نان هذه ياخى دى اكثر كلمة حنينة فى التاريخ ..
    هذه الكلمة التى نطقت بها ذكرته باعز اصدقائه الشاعر الكبير اسماعيل حسن ورايت دمعة تسيل من عينه تاثرا وسكت برهة وقال لى بالله عليك مشينى تانى ما حاجى بى هنا كله كله ..
    هذه الحادثة توضح مدى رهافة واحساس الشاعر ابوامنة وصدقه وعفويته وحبه للاخرين ..
    كما قلت ان القاهرة التى كانت تضم عددا كبيرا من الطلاب السودانيين فى الثمانينات والسبعينات كانت لياليلها عامرة بالنشاط الطلابى حفلات ورحلات وليالى سهر وفن وادب وكان ابوامنة ورفيق دربه الفنان صالح الضى هما القاسم المشترك فى اى محفل ..
    وكانت شقة الاستاذ ابوامنة هى شقة الفنانيين على ادريس وبهاء الدين وابوامنة وياتى اليهم بشكل منتظم الفنان الكبير صالح الضى ..
    تخرج ابو امنة حامد من كلية الشرطة وعمل فترة قصيرة ترك بعدها العمل فى هذا المجال الذى كان يقول انه عمل فيه بالغلط وانه رجل مدنى فى كل شىء وتم اختياره للقيام بمهمة الملحق الاعلامى بسفارة السودان فى القاهرة واستغل فترة وجوده هناك بان التحق بكلية الاعلام جامعة القاهرة حيث درس اعلام وتخصص فى الصحافة والنشر وكان فى الدفعة التى تسبق الاخوان بهاء الدين والاستاذ على ادريس الا انه تخرج معهم بسبب مادة الاحصاء التى حملها معه من السنة الثانية وحار به الدليل معها ..
    وكان يحكى عن ذلك طرف كثيرة منها انه ذهب لعميد الكلية وقال له بالله ادونى شهادتى وبدون احصاء وريحونا فضحك عميد الكلية وقال له ان شاء الله حنمشيك وتنجح باى جهد تبذله وقد كان حيث تخرج عام 1980مع الزملاء الذين ذكرتهم .. بعد تخرجه ذهب لاحدى دول الخليج وعمل فى صحيفة وسرعان ما اختلف مع رئيس تحرير الصحيفة وعاد للسودان والسبب كما قال ان رئيس التحرير ذيل اسمه بمقال كتبه ابوامنة فاحتج وقدم استقالته وقال لى انه قال له وهو يودعه عندنا حاجة اسمها القضارف تشق الارض وترمى فيها البذور فينزل الله لنا المطر وهذا رزقنا الذى حبانا الله به بلا خليج بلا لمة وودعته وذهبت للمطار ..وبعناد الهدندوى لم يخرج من السودان مرة اخرى لاى عملاخر اللهم الا الى لندن للعلاج .. عرف ابوامنة بحبه لشخص جمال عبد الناصر ومن شدة اعجابه به اطلق على ابنه الاول اسم جمال عبد الناصر حسين وكنت حين اقول له جمال فقط يكفى كان يقول لى لاشفى غليلى لابد ان يكون الاسم كاملا ثم ياتى اسمى فاصبح اسم ابنه جمال عبد الناصر حسين ابو امنة حامد ..اواصل

    (عدل بواسطة الكيك on 01-02-2007, 09:44 AM)

                  

01-02-2007, 11:18 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وداعا ابو امنة ...ابوجمال ...الهدندوى العنيد .... (Re: الكيك)

    كان ابو امنة من كتاب صحيفة الايام وكانت تربطه علاقات خاصة بالصحفيين فيها خاصة حسن ساتى ومرتضى الغالى ومحمد الخليفة طه الريفى وكان له مجلس يومى للنقاش مع الاستاذ الطيب محمد الطيب والاستاذ الريفى وجدت نفسي انضم اليهم فى عام 1980
    عندما كنت اتدرب بالصحيفة ..
    وكان يطلق على الريفى تهكما شعب الله المختار عندما يذكر له الريفى مدى تخلف الشرق مقارنة باهل الشمال ويحكى له قصص نميرى مع ابناء الشرق عند زيارته لهم فيصيح ابوامنة فيه خلاص يا شعب الله المختار ..
    ومن قصصه الاخرى ان خطاط الايام اخطا فى عنوان كان يقول اليوم اجتماع القيادة المركزية للاتحاد الاشتراكى فقلب القاق عين وصارت العيادة المركزية .. كنا فى المجلس نتحدث عن هذا الخطا فقال ابوامنة الخطاط ما غلطان ما صحى عيادة والناس الفيه عيانين..
    ايام التكامل الاولى قبل اغتيال السادات كانت مصر كلها تتحدث عن التكامل ووصل هذا الحديث حتى مدرجات الجامعة فتحدث احد الدكاترة عن التكامل بين الشعبين الشقيقين وحكى الموال الذى يكرره الاخوة فى مصر عن وحدة وادى النيل فقام ابوامنة وهب بضجر وتحدث وقال لهم الكلام عن وحدة وادى النيل والشعبين الشقيقين فى اجهزة الاعلام بالطريقة دى نقبله اما ان يتحول الموضوع الى شىء جدى والله نحنا هنى كلنا كسودانيين نقول السودان للسودانيين ونبقى حزب امة ..فبهت الطلاب من طريقته وحدته فى الحديث فقال لهم احد الزملاء انه ككل السودانيين هو هكذا... نجاملكم الى ابعد مدى ولكن فى لحظة من اللحظات نتغير ونعكر مثل نيلنا بدرجة عكسية وهذا لن تفهموه بالساهل لان هناك تراكم تاريخى يحفظه كل سودانى عن مصر ودورها مع الانظمة السياسية فى السودان وخاصة الشمولية منها وموقفها من النظام بعد ثورة اكتوبر ..
    اواصل

                  

01-02-2007, 11:29 AM

لؤى
<aلؤى
تاريخ التسجيل: 06-01-2003
مجموع المشاركات: 14343

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وداعا ابو امنة ...ابوجمال ...الهدندوى العنيد .... (Re: الكيك)
                  

01-02-2007, 12:18 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وداعا ابو امنة ...ابوجمال ...الهدندوى العنيد .... (Re: لؤى)

    ابو امنة مثال للشخصية السودانية المعتزة بنفسها وبوطنها لابعد الحدود وكانت له وجهات نظر كثيرة يفصح عنها علنا ولا يجامل فيها احدا وهذا احد اسباب عدم استقراره فى وظيفة واحدة وكان ينتقل من وظيفة لاخرى ويترك العمل لابسط االاسباب ويقول انه لو استمر فى العمل يخشى ان يسبب اذى لاخرين فاحسن حاجة يبتعد عنهم ..
    فى احد المرات ذهب لمكتب اسماعيل الحاج موسي فى وزارة الاعلام فقال انه وجد منتظرين فى الاستقبال فسال السكرتيرة التى اخبرته انه فى اجتماع وعليه ان ينتظر مع الاخرين وجلس مع المنتظرين ..
    فى هذه الاثناء جاء محمد محجوب سليمان المستشار الصحفى لنميرى وسال السكرتيرة ...اسماعيل الحقى موجود وامسك بعكرة الباب يريد الدخول وهنا هب ابوامنة واقفا وقال له حقى موسى ولا حق زفت نحن هنا مابتدخل قبلنا لو انطبق السماء مع الارض وبدات الهيصة الى ان خرج اسماعيل من مكتبه وفض الاشتباك اواصل

    (عدل بواسطة الكيك on 01-03-2007, 04:38 AM)

                  

01-03-2007, 04:41 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وداعا ابو امنة ...ابوجمال ...الهدندوى العنيد .... (Re: الكيك)

    الاخ لؤى
    اشكرك وما نعزيكم ان شاءالله فى كعب
    رحم الله ابوامنة الصافى النقى الشجاع فى كلمة الحقوانا لله وانا اليه راجعون
                  

01-03-2007, 04:50 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وداعا ابو امنة ...ابوجمال ...الهدندوى العنيد .... (Re: الكيك)

    فى اوائل عهد الانقاذ سرت اشاعة شارك فيها اعلام الحكومة بان ابوامنة انتقل الى رحمة الله .
    وكتب موسي يعقوب معزيا الشعب السودانى فى فقد الشاعر الكبير فى صحيفة الانقاذ وقرا الناس الصحف وذهبوا ليجدوا ابوامنة امامهم وقال لهم ديل مش يكتلونى قبل يومى ديل حيقتلوا الشعب السودانى كله بالطريقة دى ..
    وبعد ايام من هذه الحادثة جاءنى فى السوق العربي واول ما بادرته اهلا بالمرحوم فضحك وقال لى ما بتجى تعزى فينى ليه انا من الحادثة دى عرفت منو القريب لى والبعزنى منو ما شفتك ضمن المعزين واتممنا باقى القصة ضحكا و..
    هذا اليوم جاء اليوم وسوف ياتى الى كل انسان فى يوم من الايام انه الموت انه الحق الالهى الذى ننتظره ونكرهه ولكنه ات لا محالة وكلنا لها
    رحمالله ابوامنة واسكنه فسيح جناته وانا لله وانا اليه راجعون .
    صدق الله العظيم
                  

01-09-2007, 12:13 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وداعا ابو امنة ...ابوجمال ...الهدندوى العنيد .... (Re: الكيك)

    الصحافة 9/1/2007

    أبو آمنة حامد..
    الموهبة الساطعة
    م. عيدروس
    لقي أبو آمنة حامد وجه ربه في أيام مباركة.. بعد أن قدَّم مجموعة من الأشعار كانت هي جواز سفره لولوج مدائن الإبداع والدهشة.. واللافت للنظر أن شعره قد ارتبط بالغناء.. وتناثرت قصائده المغناة بين المطربين: محمد وردي، واحمد الجابري، وصلاح بن البادية، وغيرهم.. ولم ترسخ في الذاكرة قصائده الجيدة التي حواها ديوانه شعرها الذهب، ودواوينه الاخرى التي تغنى فيها بالناصرية، والتي ادى بعضها عبد الكريم الكابلي.
    كتب ابو آمنة حامد قصائد ديوانه «شعرها الذهب» وهو بعد طالب في المرحلة الثانوية، وقدم لها الشاعر عبد الرحمن الخميسي «مصر»، وهو شاعر كان محباً للسودان والسودانيين، ولا يمكن ان ننسى له قصيدته «ذكرى الزعيم» وهي موجهة الى زعيم جمعية اللواء الابيض (علي عبد اللطيف).
    وإذا نظرنا إلى هذا الديوان، الذي كتب الشاعر قصائده وهو طالب في المرحلة الثانوية وهي بدايات قوية بشرت بشاعر كبير، وفي ما ساقه الكاتب محمود السعدني عن الخميسي وزكريا الحجاوي واحتفاؤهما بالمواهب الجديدة، ففي هذه المقدمة يكتب الخميسي بمحبة عن الشاعر الجديد آنذاك ابو آمنة حامد.
    «اخذتني في شعر الشاعر (ابي آمنة حامد) خصائص جوهرية متى توفرت في عمل.. أصبح ذلك العمل فناً صرفاً.. ومن تلك الخصائص أذكر الرنين الذي يمكن أن يقودنا إلى الموسيقى في الشعر عامة، وإلى قدرة الشاعر على استعمال تلك الموسيقى بطرائق مختلفة، متعانقة الأنغام، أو متضادة الأنغام بهدف فني مقصود..!».
    والموسيقى في شعر ابي آمنة حامد تنهض بدور فعال في الإيحاء، وحسب الفن أن يوحي.. لا أن يفصح. وأن يشير.. لا أن يخطب.. وأن يهمس لا أن يزعق.
    استمع إلى قوله:
    مشينا الطريق يداً بيد
    واسكرنا الحب جفناً بجفن
    ونبقى شموخاً تعالى
    وحباً عصياً على كل شك وظن
    فلا ذبل الورد في حقله
    ولا جف في الحرف نبض التغني
    ونذكر هنا بأن الخميسي قد كتب مقدمته لديوان «شعرها الذهب» في أعقاب المعركة بين الشعر العمودي وشعر التفعيلة، وهو يسميه بالشعر المرسل. «إن الشعر العمودي ليس كله جيداً.. ولا الشعر المرسل كله جيداً إنما تستطيع الموهبة المتمرسة القادرة أن تبدع سواء نظمت ملتزمة بالشعر العمودي أو المرسل.
    الأساس في الحالتين هو الموهبة.. وعندي أن التمرس بالشعر العمودي يخصّب امكانات الشاعر الموسيقية ويثريها كما يحدث عند ابو آمنة حامد».. وقد توزَّعت قصائد ابو آمنة حامد سواء في ديوانه هذا أو في (ناصريون نعم)، أو في أغنياته (شعرها الذهب) (وما نسيناك) و(قالوا بنحبه) و(بنحب من بلدنا)، وهي سياحة في أقاليم السودان، ومن بواكير شعره في جمال عبد الناصر «صديقي جمال»:
    ولبيك لبيك ناصر..
    باسمك اطفال حيفا يغنون
    باسمك تنفلت العاصفة
    تروى دماً حقنا المغتصب
    وتغسل باللهب جبل الغضب
    وحين نعود لننفض عنا الحكايا القديمة
    ونرمي على الشاطئ المحترق
    بقايا الجريمة
    تموت قرون من الاتكال
    ونمشي الى المعركة
    ملايين تهدر باسم العرب
    فدى يا جمال!!
    وابو آمنة حامد الشاعر الشاب الذي كان مقبلاً على الحياة. وقد عمل في أول الأمر ضابط شرطة، وكانت ود مدني من محطاته الاولى، ثم درس القانون بجامعة القاهرة بالخرطوم، وعمل في مصر ثم عاد الى السودان، وليس من شك في أن الموهبة الشعرية المتفتحة، قد بشرت بشاعر كبير، ولا نقول شيئاً سوى أن أقدار المبدعين السودانيين، وخصومات السياسة، وعواصف الحياة، قد أسهمت إلى حد بعيد في عدم اكتمال المشروع الشعري لابي آمنة حامد.. ويذكر الكثيرون المعركة التي دارت حول آراء للعلامة عبد الله الطيب، والتي رد فيها ابو آمنة حامد.. وثار جدل بينه والراحل طه حسين الكد.. عليهم الرحمة والمغفرة والرضوان.. وظل ينافح عن آرائه في صبر وجلد. فهو رغم رقة شعره، إلا أنه فارس بجاوي، ذو انتماء عربي واضح.. مشاكس، وهو يكتب «نحن مع الفيل اما الظل فلا».. ويطرح الرحيل الفاجع لابي آمنة حامد سؤالاً حول المنجز الشعري لشعراء كانت صورهم في ذهني تتقارب وكلهم قد رحلوا في الآونة الاخيرة، وهم: محمد سعد دياب، وعوض مالك، وابو آمنة حامد، وتلك حكاية سنعود إليها قريباً.

                  

01-09-2007, 12:55 PM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وداعا ابو امنة ...ابوجمال ...الهدندوى العنيد .... (Re: الكيك)

    الصفحة الأولى> محطات
    02:01 آخــر تحديــــث 2007-01-09

    بداية عام حزينة في السودان

    الخرطوم “الخليج”:
    مركز "الخليج" للدراسات 2007, 01, 09- Tue

    فجع السودانيون مطلع العام الجديد برحيل اثنين من أبنائه المبدعين، حيث توفي في اليوم الأول من يناير/كانون الثاني الجاري الشاعر الفنان أبو آمنة حامد، ولحق به في اليوم الرابع التشكيلي عثمان وقيع الله.

    تخرج ابو آمنة حامد في كلية الشرطة وعمل فترة قصيرة ترك بعدها العمل في هذا المجال وتم اختياره للقيام بمهمة الملحق الاعلامي بسفارة السودان في القاهرة واستغل فترة وجوده هناك بأن التحق بكلية الإعلام جامعة القاهرة حيث درس اعلام وتخصص في (الصحافة) والنشر.

    اما وقيع الله الذي رحل اثر علة فقد كان أحد أعمدة حركة الحداثة الفنية في السودان ويحفظ له تاريخ حركة التشكيل في العالم العربي مكان الريادة ضمن تيار الحروفية العربية
                  

01-10-2007, 04:57 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وداعا ابو امنة ...ابوجمال ...الهدندوى العنيد .... (Re: بكري الصايغ)

    شكرا الاخ بكرى الصايغ على المرور
    لم اجد اى كتابات عن الشاعر الكبير ابوامنة فى الصحف السودانية ولم اجد جديدا فيما نشر عن ما كتبته عنه وكنت اتوقع اضافات وكتابات ممن عاصره فى الفترة الاخيرة من حياته ..موثقة اكثر .
    ما كتبه مركز الخليج مقتبس مما كتبت ولم تضف للقارىء اشياء كثيرة لو قام المركز فعلا كمركز بدوره فى هذا المجال ووثق لشاعرنا وزميلنا الراحل ابوامنة
    ..
                  

01-14-2007, 08:26 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وداعا ابو امنة ...ابوجمال ...الهدندوى العنيد .... (Re: الكيك)



    Last Update 12 يناير, 2007 05:16:21 PM
    سودانايل ش
    أبو آمنه حامد:

    رحيل الشعراء , أم رحيل التاريخ ؟
    الي الصديق عمر جعفر السوري الذي وعد بالكتابة عن عوض مالك

    صديق محيسي
    [email protected]

    كان ا خرهم أبو أمنه حامد , وقبله بقليل عوض مالك , والفاتح الجاني , ذلك الزمان النضير الذي حمل في أهابه ضوء عصر مضي , وأهطل فيه الشعر سحائب انتظمت روح الحياة . ليس من باب الدخول وحده اطل ابومنة حامد برأسه إلي عالم الشعر والشرطة والتدريس والصحافة , ولكن من مسامات الوجد تسرب هذا السوداني الهدندوي إلي وجدان الناس والشرطة, والتدريس , والصحافة في عام 1956 فصل ابومنه حامد من ثانوية وادي سيدنا لأنه قاد مظاهرة بالمعالق احتجاجا علي الطعام الذي كانت تقدمه إدارة المدرسة للطلاب , وعلي الفور جاء والده من بور تسودان وأخذه إلي البيه عبد الله خليل رئيس الوزراء وسكرتير حزب الأمة الذي كان يسكن امدرمان محاولا ارجاعة إلي المدرسة مرة أخري ,غير إن البيه اعتذر إن يراجع قرار الفصل احتراما منه لقيم التربية وقدسية
    التعليم في ذلك الوقت, وتجنب خلط الخاص بالعام , فوعده بأن يجد له مقعدا في ثانوية الخرطوم , ولكن العم حامد الذي كان قطبا شعبيا من أقطاب حزب الأمة في شرق السودان , وتلك من غرائب الجغرافيا السياسية في السودان ,اثأر إمام البيه مشكلة أخري , وهي إن ابنه إذا قبل في تلك المدرسة البعيدة فلن يستطيع الوصول إليها لأنه لايقدر إن يوفر له (حق) المواصلات , فحسم البيه
    الأمر, وتعهد ( لزولهم ) الأنصاري الهدندوي إن يقطن ابوا منه معه في منزله , وان يرافقه كل صباح في سيارة رئيس الوزراء الي الخرطوم , يذهب عبد الله خليل إلي الوزارة , و يواصل السائق مشواره يحمل الفتي الوسيم إلي مدرسة الخرطوم الثانوية بعد جسر بري ( ايه من ذلك الزمان) , كان منظرا مألوفا إن يشاهد أهالي امدرمان والخرطوم أبو أمنه حامد يركب مع رئيس وزراء
    السودان والسيارة الرئاسية تتهادي بشارع النيل وتنحرف إلي شارع الجامعة حتي هدفها اليومي .
    عاش ابو منه حامد في دعة من العيش كأنه احد أبناء البيه إلي إن التحق بكلية الشرطة1960 التي تخرج منها 1962 وأرسل ضابطا شابا إلي وادمدني العام نفسه , اذكر ونحن شباب كيف استقبلنا واستقبلت مدينتنا الشاعر الشاب الذي كان يملا صيته الإرجاء , ذهبنا إليه في مكتبه برئاسة البوليس الأصدقاء شريف مطر, وسعيد احمد خير , ومحمد عبد الحي, وعمر محمد الحاج لنتعرف عليه غير مصدقين إن نشهد الفتي الضابط الذي كنا نقرا شعره في صحيفة الإخبار والايام والراي العام وصوت السودان والعلم ,عاش أبو أمنه حامد في مدني عامان عطر جوها شعرا , وحضر فيها ثورة أكتوبر الشعبية التي أطاحت حكم الرئيس عبود, اذكر كيف كان وسط دخان القنابل المسيلة للدموع يأمر الشرطة بأن لتسرف في استخدام العنف ضد المتظاهرين , وان تكتفي بفضهم بالعصي حتى يتوقفون عن تكسيرا لسوق وإشعال الحرائق في البارات و المحال التجارية, لم يستطع ابوامنه حامد الاستمرار في
    سلك الشرطة , تغلب الشاعر علي العسكري, فاستقال, وعاد إلي الخرطوم كاتبا في الصحافة ومعلما في دنقلا .
    كان قلقا قلق ألمبدعين لايستقر في وظيفة إلا وتركها إلي أخري , طبيعة الشاعر ضد الصرامة والانضباط , والشرطة لم تكن مكان أبو أمنه حامد , لقد قبل دخولها ارضاء لوالده الذي كان سيفاخر بابنه الذي صار ضابطا .
    في أجزخانة العاصمة بالسوق العربي بالقرب من مدرسة الكمبوني المنتدى المسائي اليومي للشاعر(* الرهيب) منير صالح عبد القادر, كان ابومنه حامد وسط رهط كبار الشعراء محمد المهدي المجذوب , محمد محمد علي , ابو القاسم عثمان , محمد الفيتوري, الطيب محمد خير, الطيب شبشه , هناك يعرض شعره , ومن هناك يجد طريقه إلي صفحة الإخبار الأدبية التي كان يشرف عليها منير صالح عبد القادر, شارك أبو أمنه في محكمة الأدب التي قاضيها الرهيب ممتعا القراء بقفشاته
    الساخرة , وثقافته الغزيرة في متابعة المجلات الأدبية.
    في عصر ابوامنه ازدهرت المدرسة النزارية في السودان ازدهار الحب في قلوب الشباب, فانتشرت مفردات جديدة راقصة حررت الشعر من رزانة اللغة وصرامة الصورة ,كان ذلك الجيل التهم (قالت لي السمراء وطفولة نهد ) لنزار قباني وافاعي الفردوس والقيثارة للياس ابوشبكة , بجانب أباريق مهشمة لعبد الوهاب ألبياتي , وليالي الصبا لعمر ابوريشة , ابوامنه وعوض مالك , وعثمان عبد
    السيد , وسيد احمد الحار دلو والفاتح التجاني , والسر دوليب, هم الذين أسسوا رابطة أدباء بحري في ستينات القرن الماضي تلك الرابطة التي روجت لشعر الحب مقتفين اثأر نزار قباني ومحاولين تقديم نمط سوداني متحرر من عبوس السياسة, كانوا نجوما تطرز سماء الشعر في العاصمة المثلثة , في عام 1966 عند قيام ( ثورة مايو) اختير أبو أمنه حامد ملحقا صحافيا بسفارة السودان في
    القاهرة لكونه من القوميين العرب ومن جماعة بالبكر عوض الله, وهناك حقق أمنيته بالعمل بالقرب من ثورة جمال عبد الناصر ووسط من أحب من الشعراء والأدباء والكتاب المصريين ,عبدالرحمن الابنودي, امل دنقل , صلاح جاهين يوسف الشريف , كان هؤلاء يسهرون أسبوعيا في منزله بقاردن سيتي , وهناك أعطي أبو أمنه أجمل شعره لصالح الضي , وكتب في رو ز اليوسف, وصباح الخير,
    عاد بعد ذلك إلي السودان ليفصله منصور خالد من وظيفته عندما تسلم حقيبة الخارجية , وروي لي احد الأصدقاء الذين عاصروا الشاعر سرعدم استلطاف منصور خالد لأبي أمنه حامد والعهدة علي الراوي , قال الصديق إن منصور خالد كان ولايزال يحرص علي إخفاء تاريخه الخصوصي وراء تاريخه السياسي الرسمي , وكان أبو أمنه حامد والوحيد الحامل لمفتاح ذلك السر, فهو ومنصور سكنا سويا وفي سريرين متقابلين في (جراج ) البيت الذي خصصه لهما البيه عبد الله خليل رئيس الوزراء والذي أصبح منصور سكرتيرا له فيما بعد هذا ماقاله الصديق عن سر كراهية منصور لأبي أمنه حامد الأمر الذي ادي إلي فصله من وزارة الخارجية , غير ا ن هنالك رواية أحري يرويها المقربون من الشاعر الذي رحل تقول إن منصورا فصل أبو امنه لأنه كان لايهتم بهندامه كثيرا وهذا عند الوزير يصل إلي جريمة دبلوماسية لا يمكن السكوت عليها, ويروي ابو أمنه نفسه انه تفاجأ يوما وهو يركب (بوكسا ) من بحري إلي الوزارة بعربة الوزير منصور في ذيل البوكس, وحاول أبو منه الاختفا ء ورا ء صحيفة الرأي العام التي كان يحملها حتى لايشاهده الوزير, وفي وسط الكوبري توقفت الحركة تماما لحادث مروري بين عربيتين, وهنا طالت مدة قراءة أبو أمنه للجريدة, ومقابلها طالت نظرات منصور
    خالد له متوعدا إياه بالويل والثبور عندما يصل الوزارة , فليس عند منصور خالد دبلوماسيين يركبون الباكسي وقمصانهم ( مكرفسة) كحاله ابو امنه , وبعد انفراج كربة ابو امنه واختيار الوزير لشارع أخر تنفس الصعداء , وجهز نفسه لمقلاة منصور خالد, ويروي الشاعرنفسه عند بوابة الوزارة القديمة وخارج سورها قررت إن امسح حذائي بالاورنيش لأنني إذا دخلت علي الوزير فهو حتما سيبدأ
    النظرلي من تحت لفوق, وبهذا ربما يشفع لي حذائي عن قميصي المكرفس , وكرفتتي التي تشبه مصران الجدادة ,وجلس ابوا منه حامد بالقرب من (درابزين) وزارة الخارجية إمام ست الشاي, وبدا يرشف من فنجان القهوة للانتعاش , وهنا وقعت الكارثة الثانية فالوزير الذي كان خارجا لتوه لحضور اجتماع لمجلس الوزراء لمح أبو أمنه مرة أخري وهو يجلس علي صفيحة قديمة إمام ست الشاي وتأكد تماما من خلال فتحات سيخ الدرابزين ان الجالس هو ابو امنه بلحمه ودمه فاستشاط غضبا , وعلي الفور طلب من مسئول الاستقبال إن يطلب له ابوامنه بمجرد عودته من اجتماع المجلس, و يروي الرواة إن مقابلة منصور مع ابو امنه انتهت بأن يذهب الشاعر إلي جورج ترزي الوزارة ليفصل له ثلاثة بدل جديدة علي حساب الوزير,مع انذار شديد اللهجة بالفصل اذا شاهده مرة اخري علي هذا الحال, او يعثر عليه ثانية في احد باكسي بحري , وهنا انشد ابو امنه قصيده اذكر مطلعها فقط ( في سور وداخل سور, قالوا الوزير منصور,مابعرف الهواء, من بوكسي لي حنطور, في بحري لي كم دور, شاعر بالجوي )
    لم يصفق جمال عبد الناصر لا لام كلثوم , ولا لعبد الحليم حافظ أشهر من غنيا لثورة يوليو وانتصاراتها , ولكنه صفق ووقف طويلا لأبي امنه حامد عندما ادي عبد الكريم الكابلي رائعة الشاعر( قم صلاح الذين واشهد بعثنا في لقاء القائد المنتصر) قدمه عمر الحاج موسي ابوامنه حامد لعبد الناصر الذي كان يزور السودان في مطلع السبعينات دعما لثورة النميري, وقال له هذا هو الناصري الهدندوي كاتب الأغنية فصافحه عبد الناصر ووجه له دعوة لزيارة القاهرة علي ضيافة رئاسة الجمهورية .
    كان ابو امنه حامد شديد السخرية, بليغ العبارة سريع النكتة , عاشقا لهلال , ولعبد الناصر, ولحسين بازرعه , ولعثمان حسين, لم يكن شيوعيا ولكنه كان صديق للشيوعيين, ولم يكن اتحاديا ولكنه كان صديقا للاتحاديين, ولم يكن أنصاريا بالرغم من إن والده كان أنصاريا, ومع ذلك كان صديقا للجميع, في أيامه الأخيرة عندما أوهنه المرض طلعت شائعة بموته فأصدر بيانا ساخرا ينفي ذلك , وظهر من علي التلفاز مؤكدا انه لايزال حيا , في أيامه الأخيرة تخلي عنه الجميع إلا الأخ الكلس رجل الحارة منبع الانسانية صلاح مطر الذي ظل يراعاه في صحته ومرضه حتي لحظة وفاته .
    في العام قبل الماضي , وانا في اجازتي السنوية للوطن رافقت صديق العمر شريف مطر لغداء الجمعة الذي يقيمه منذ سنوات شقيقه الوجيه ورجل الاعمال الكبير صلاح, وهناك انتظم عقد عجيب من الناس سياسيون من حزب الامة , والاتحادي , والشيوعي والبعثي, ولاعبو كرة قدامي , وفنانون , وسماسرة, ومقاولون وعشيرة , واناس بسطاء جاء بهم الطريق, ومن بين هؤلاء كان يجلس شخص اشبه بمومياء رمسيس في المتحف المصري , كان الجالس عبارة عن جلد ناشف يكسوه عظما قديما , قال لي صلاح هل عرفت هذا الرجل ؟ وبعد قدح شديد للذاكرة الخربة توصلت الي ان الجالس هو ابو امنه حامد الذي لم يعرفني عندما قدمت نفسي له , حكي لي ابومنه حكاية مع شرطة النظام العام اربعة مرات فتيقنت ان ظلالا من النسيان بدأت تزحف علي الجزء المضيء في الذاكرة , وقد أطلت النظر إليه خفية فوجدت محاق المرض يحاصر ( جتته ) من كل جانب, كان التاريخ لئيما معه , شجرة كانت خضراء يطوحها السوس فيحولها إلي عجز خاو, ( إيه من ذلك الزمان ) في الثمانينات اتصل بي الصديق المفكر الراحل محمد أبو القاسم حاج حمد من ابوظبي ليختارني رئيسا للقسم السياسي لصحيفة الفجر التي تولي إدارة تحريرها , وعند وصولي من الخرطوم إلي ابوظبي , سألني إن كنت اعرف عنوان ابو امنه حامد في السودان , قال لي محمد لقد سمعت إن ظروفه سيئة للغاية وأريده مديرا لمكتب الصحيفة في دبي, وسعينا للاتصال به , ولكنا اكتشفنا انه وصل إلي المملكة العربية السعودية , ومن السعودية وصل ابو منه حامد لينزل مع الصديق حسين شريف في شارع الجوازات, وفرحنا كلنا بوجود شاعر في قامة ابو امنه بالإمارات, ذهب أبو أمنه إلي دبي ونزل مع الصديق الصحفي بالبيان يومذاك محجوب شعراتي , وفي دبي تسلم ابوا منه مكتب الجريدة واجتمع بمحرريه , ولكنه كان الاجتماع الوحيد اليتيم, لم ترق له فكرة الهجرة عموما , وترك شعبية بحري كان بالنسبة له كترك
    السمكة للماء, كان يقول لنا بالليل ( إنا إيه اللجابني هنا حيث عاش عنتر وعبلة وشيبوب ), انا مالي ومال طحنون وظربون وجكنون , أريد العودة سريعا إلي الشعبية في بحري , جلسة في الكراسي إمام البيت في بحري تسوي الإمارات وبترولها, يا أخي إنا بناع بترول , إنا بناع ....... عاد أبو أمنه إلي ابوظبي , وحاول أبو القاسم أقناعة بالبقاء , ولكنه رفض بشدة , قال إن هذا لإيقاع لاينفع معه,ولما إصر علي العودة اتفق معه أبو القاسم علي الذهاب إلي أديس أبابا لإجراء حوار مع الرئيس الاثيوبي حينذاك منقستو هبلا ماريام , ووافق ابوامنه, فأعطي من إدارة الجريدة ثلاثة ألاف دولار تكلفة الرحلة, وانتظرنا طويلا ليوافينا بالسبق الصحفي, ولكن إخباره انقطعت تماما حتى علمنا انه وصل
    إلي شعبية بحرية , وهو جالس ألان إمام بيته يحي المعجبين في سبق صحفي أخر , ومن هناك اتصل بنا تلفونيا ليقول لنا إن الدولارات ( وقعت له في جرح )فقد نفعته تماما , فهو الحين أعاد إصلاح بئر ادباخانته المنهارة وسيذبح يوم الجمعة ( كرامة ) لنجاته من مؤامرة الغربة, وضحكنا يومها طويلا , وعلق الصديق ابو القاسم بقول ( إن بوأمنه حامد لايمكن الا ان يكون ابوامنه حامد ) ادخله
    الله جنات الخلد , فهو لم يؤذ أحدا في حياته, و لكن الحياة آذته كثيرا,
    * اطلق محمود ابو العزائم هذا اللقب علي منير صالح عبد القادر لانه كان عملاقا ضخم الجثة وراي فيه شبها بايفان الرهيب الذي عاش في العصر القيصري الروس



                  

01-28-2007, 05:51 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وداعا ابو امنة ...ابوجمال ...الهدندوى العنيد .... (Re: الكيك)

    عن سودانايل Last Update 27 يناير, 2007 09:52:57 PM

    شوارد عن عوض مالك وأبي أمنة حامد وعثمان وقيع الله وآخرين وزمنهم

    عمر جعفر السوري

    قدستم رفقة

    .................

    إن دار الليل حديث القلب إلى القلب

    و تذاكر أصغرهم قدري

    لاذوا بالصمت.. و من يدري؟!

    قد يدرك يوما إن العالم ربح و خسارة

    (النور عثمان أبكر في خاتمة المنفى و المملكة)

    ******************

    خلال الأيام القليلة الفائتة رحل ثلاثة مبدعين في صمت مريب من السودانيين عموما و معاصريهم على وجه الخصوص. سطور قليلة هنا و هناك في صفحات "الاجتماعيات". و لكن ألم يصبح هذا دأبنا في كل حال. حتى الدمع السخين الذي كنا نذرفه علي الراحلين نضب، و جفت مآقي الباكين و المتباكين المدرارة. فقد كادت المروءة أن تفقد أهلها في سودان الحروب الضروس والمجاعة و الفساد و السرقة و الرجرجة و الدهماء و السوقة.

    اثنان من الثلاثة لبسا الرداء الرسمي بلونه الطيني ثم الأخضر الطحلبي و لكنهما كانا يخلعانه عند عتبة باب الدار ليستردا حريتهما المقيدة بنجوم مصطنعة و هما قد تجاوزا النجوم بفراسخ فلكية و دخلا مدارات عبقرية. و الثالث حمل عصاه و ارتحل شمالا، حينما كان أهل الشمال يهشون و يبشون للقادمين إليهم، و كانت لندن تمتلئ بأهلها قبل أن يتركوها للغرباء، و قبل أن يتدافع إلى أبوابهم سقط المتاع لينقلبوا إلى العنصرية المقيتة.

    رحيل عوض مالك و أبي أمنة حامد و عثمان وقيع الله كان له وقع أليم في نفسي، و قد كنت أحدثها عن لقائهم قبل فراقهم و أحثها على ذلك. كان الثلاثة يجولون في خواطري في الشهور القليلة الماضية دونما باعث ملحاح، و بلا سبب مباشر. و فقدهم أضاع مني فرصة أن اجمع منهم بعض شعر و أدب جعفر السّورْي و رهطه الذي كتبوه لأصدقائهم يمازحونهم به و هو ما يعرف (بالحلمنتيشي). فقد كادت أن تخلو الفانية من عارفيهم و العارفين بهذا الشعر، بدءا من محمد أحمد نور الذي كتب مقدمة كتاب جعفر السوري عن شاعر البطانة الكبير الحاردلو، مرورا بجماعة أجزخانة العاصمة المثلثة التي اخذ فندق "أراك" مكانها. و من بين الجماعة صاحب ذلك الملتقى الصيدلاني (الاجزجي) زهير صالح عبدالقادر و شقيقيه السياسي و الوزير الدكتور عبدالحميد صالح و الشاعر الرهيب منير صالح و حتى عثمان وقيع الله.

    عرفت الرائد عوض مالك و أنا طفل يحبو في بلاط صاحبة الجلالة الصحافة. فقبل احترافي كنت أتردد على دار الرأي العام، فألقى الترحيب من العاملين فيها و من صحافييها و خصوصا الفاتح التيجاني و جمال عبدالملك (ابن خلدون). و قد تطوعا بنشر مقالات لي جلها عن القرن الأفريقي. ثم افرد لي مساحة – بين الفينة و الأخرى - الأديب و الدبلوماسي سيد أحمد الحردلو في صفحة كان يحررها في الرأي العام كل يوم أحد (إن لم تخني الذاكرة). بعيد تخرجه مباشرة من الجامعة. فور قدومه من القاهرة التحق الحردلو بوزارة التربية و التعليم التي بعثت به مدرسا للغة الإنجليزية في الأهلية الثانوية بامدرمان حيث درسّني و مجموعة طيبة من الأدباء و الشعراء بينهم مأمون بابكر زروق و فتحي عبدالرؤوف الخانجي و التيجاني سعيد. و من العسكريين/السياسيين عبدالعزيز خالد. و قد ربط الشعر و الأدب بيننا و بين صاحب "غدا نلتقي" و "ملعون ابوكي بلد"، فلم تقم بيننا حواجز المعلم و التلميذ بل امتدت جسور الصداقة. و في دار الرأي العام التقيت الرائد، حينذاك، عوض مالك و توطدت بينه و الفاتح التيجاني و سيد أحمد الحردلو و بيني عرى الصداقة. كنا نلتقي كل ليلة في دار الصحيفة لننطلق حتى منتصف الليل في حدائق امدرمان الرحيبة قبل أن تصّوح أشجارها و تذبل أزهارها. و لم يكن مقرن النيلين مكانا مفضلا لنا، بل الضفة الأخرى من النيل الأبيض، فهو اقرب إلى داري في امدرمان. لقيت من الثلاثة رعاية و تشجيعا و من عوض مالك إنصاتا لشعري.

    بقي عوض مالك عندي رائدا، ليس في سلاح الإشارة الذي كان يؤدي خدمته العسكرية فيه، بل في حسن الخلق و المروءة و التسامح و رقة الحس. مد يده للكثيرين حتى يجدوا طريقهم في عالم الإبداع و سعى وراء آخرين حتى ينهضوا إلى حيث هم الآن. كان عوض مالك وراء وزير الإعلام الراحل عبدالماجد ابوحسبو ليستمع إلى المطرب محمد ميرغني و يدفع به إلى الإذاعة. تحت إلحاح عوض مالك و صديق محيسي، استقبل عبدالماجد ابوحسبو محمد ميرغني في منزله. غناه المطرب الشاب فطرب الوزير و أمر بإذاعة أغنياته. كان عوض من جماعة أدباء بحري و فنانيها. قلة تعرف إن عوض مالك كان وراء استمرار خضر بشير في الغناء، و قد ضمه إلى جماعة الخرطوم بحري.

    في يوم قائظ من صيف الخرطوم اللاهب ذهبنا إلى منزل الفاتح التيجاني في الخرطوم بحري لتناول الغداء، و حينما كان بيننا و بين المنزل مسافة مئات الأمتار تناهى إلى سمعنا صوت خضر بشير يغني بصوت عالي. كان الصوت آتيا من بيت الفاتح، فبادره احدنا بأنه قد نسي المذياع مفتوحا إلى أخره قبل خروجه و تسبب في إزعاج الجيران، إلا إن عوض مالك قال: هذا خضر بلحمه و شحمه يغني لذاته في نوبة من نوباته الروحية و وجده و انجذابه الوجداني. و هو ما وجدنا خضر بشير عليه حينما دلفنا إلى البيت الذي لم يكن بابه مغلقا. و من كان يغلق بابه في ذلك الزمان و مما كان يخشى الناس؟! كان خضر يقف في باحة المنزل و تحت سياط أشعة الشمس الحارقة يغني طربا. أكمل غناءه و لم يأبه بدخولنا عليه. قال أحد الحاضرين: معرفة وجود خضر بشير في البيت من خلال الصوت و الغناء هو نتاج خبرة تلقاها في سلاح الإشارة و تلك دربة العسكريين. بل هو حس الشاعر المرهف و أذنه "النظيفة" التي تميز بين الإنساني و الآلي، كان قولي لهم.

    في تلك الأيام وفد إلى الخرطوم نزار قباني فوجد فيها الشعر انهارا تفيض أكثر من النيلين على ضفاف العاصمة المثلثة. و لم يلق من جمهور الخرطوم ما تعود عليه من جماهير العواصم الاخرى. استمع إليه الناس و رحبوا به ترحابهم بالزائر الكريم و الضيف العزيز، إلا إنني كنت أراه أكثر من مرة يذرع بهو فندق السودان، حيث أقام، لوحده جيئة و ذهابا. مكث نزار في الخرطوم مدة ليست بالقصيرة، إلا انه لم يذكرها ضمن فتوحاته و صولاته و جولاته!

    في إحدى أمسياتنا ذكرت وحدة نزار "للشلة" فأجابني عوض مالك، ما نزار إلا سقا في حارة السقايين. انشد السودانيون شعر الغزل و برعوا فيه منذ مئات السنين، فهو في عجينتهم الثقافية و ما زال. الغزل فولكلور سوداني صرف لهم فيه أساطير و ملاحم و روايات و ما أبا مسيكه و تاجوج إلا مثال على ذلك، فهل تجد مثلهما من حيث أتى نزار. حينما سكنت بلاد الشام ردحا من الزمن، كان هذا التعليق في خاطري، فحثيثا بحثت، فلم أجد في "العتابة" و "الميجنا" ما يشبه ارث الغزل في السودان.

    و حينما افترقنا ظللت اسأل عن "الرائد" كلما التقيت صديقا يعرفه. و كانوا يجيبون بان الرائد أصبح مقدما ثم عقيدا ثم عميدا و لواءا فيما بعد. لكنني كنت أسألهم مرة اخرى عن الرائد و ما كنت اعني رتبته العسكريه، بل ريادته في غير مجال. في العام 1984 كنت في جنيف لحضور اجتماعات اتحاد البرلمانات الدولي. كان رئيس الاتحاد وقتذاك، رئيس مجلس الشعب، عزالدين السيد. و المجلس أوفد عددا من أعضائه بينهم الصديق بخاري. و في معية الوفد أتى بعض الصحافيين و الإعلاميين من بينهم الفاتح التيجاني. و جاء صحافيون سودانيون آخرون و لكن صحبة وفود عربية اخرى و فيهم صهر الفاتح، الزميل عبدالله الجبلي، الذي عملت معه في وكالة أخبار الخرطوم و مع صاحبها الصحافي الجهبذ النبيل، سعد أحمد الشيخ. جاء عبدالله مع وفد الأمارات العربية المتحدة. دعانا عبدالله إلى سهرة في غرفته و كان معنا طه محمد نور، احد القيادات التأريخية لجبهة التحرير الإرترية. فسألت الفاتح عن الرائد و أحواله. فهم من اعني، و قال لي انه بخير و سيحدثني عنه غدا في قصر الأمم أو سهرة اخرى. و لكن بقية الحاضرين استبد بهم العجب و حركهم الفضول فجعلوا يحذرون من يكون هذا الرائد الذي كتم الفاتح التيجاني أخباره أمامهم. ذكروا أسماء الرواد المشهورين بعضهم من قادة انقلاب مايو و آخرين إليهم اقرب، و لكن لم يتبادر إلى ذهن احد منهم اسم الشاعر الانيق عوض مالك.

    في الغد، قال لي الفاتح التيجاني لنسهر أنا و أنت فقط مع ذكريات عوض مالك، فهو أحرى بسهرة لا تخالطها أية أحاديث اخرى. لكن سهرتنا تلك بدأت بشكوى سمعتها من الدكتور محسن بلال، وزير الإعلام السوري الحالي، و كان حينذاك عضوا في مجلس الشعب. الدكتور محسن بلال رجل رقيق و مرهف الشعور بالقومية العربية و يساري بطبعه و متواضع.

    لقيني في مقهى قصر المؤتمرات فطلب مني أن نتمشى حين فراغي من شرب فنجان القهوة، و قد رفض دعوتي لتناول بعضها، رغم إصراري. كان وجهه حزينا و مكتئبا. لما بدأنا نذرع أروقة القصر، بادرني بالقول انه حزين للغاية، حزنا لم يسبق أن أحس به. فهو يرى شقيقتنا البرلمانية السودانية لا تفارق الوفد الإسرائيلي منذ قدومها. عرفت من يعني و قد رأيت ذلك بنفسي. كانت هذه البرلمانية الشابة ابنة سياسي وطني كبير من جنوب البلاد تبوأ أعلى منصب في البلاد بعيد الاستقلال مباشرة. أخذت تهدئة روعه مني الكثير من الجهد، لا سيما بيني و بين ما جد في السودان من أحداث و تطورات عقد و نصف.

    سألت الفاتح أن كان ما يحدث أصبح مقبولا في سودان جعفر نميري. فقال لي تلك قصة اخرى نأتي إليها في يوم آخر. دعنا الآن مع عوض مالك.

    و لي عودة مع شعره حينما تكون هي أمام ناظري و ليست خيالات في الذاكرة.

    ثم رحل بعد عوض بأيام أبو أمنة حامد، شاعر اختزن ارث أهله الهدندوة و قبائل الشرق كلها ليخرجها بلسان غير لسانه و بفصاحة تضاهي من كانت العربية لغته التي لا يسمع غيرها في البيت. و استطاع هذه الحامي أن ينطق لغة الساميين بلثغة محببة و يهديهم الموعظة و الحكمة الحسنة. ففي بيت واحد برهن على عبقرية لا تحدها حدود:

    قم صلاح الدين و اشهد بعثنا يوم صافحنا جمال العربي.

    هو يريد من بطل كردي أسطوري أن يشهد هذا البعث الذي يمثله هذا العربي. هذه اللوحة تلخص ثقافة السودانيين الأصيلة التي استوعبت الثقافات الأخرى و خرجت بخليط خلاق، لا ينظر إلى احن الماضي و لا إلى ما يقسم الناس عموديا، بل إلى القواسم. لعله مصطفى سند (إن اسعفتني الذاكرة) الذي قال ذات مرة: "جماع الغابة و الصحراء لم يكن وديا في البداية. و لكن من رخام هذا اللقاء الشرس بين فرسان الخيول العربية و سبايا الغاب الإفريقي نحتنا وجهنا. الإنكار لا يجدي. و الاعتراف عودة إلى الجذور الأصيلة المنسية."

    التقيت أبو أمنة في مناسبات قليلة و نادرة و لكنها كانت حميمة. هو لم يسافر، و لم يهاجر، و أكثر من اتاح لي الوقت معرفتهم عن قرب كانوا من رواد المهاجر. قلت له ذات مرة إن شعرك بالعربية، لكنني أحس انك تنطق بلسانك الآخر و بلغتك الصامته. تحدثنا في تلك المرات القليلة عن شعر التقري و طلبت منه أن يروى لي بعض شعر الهدارب (أو البداويت) مع ترجمتها. فمعرفتي بهذه اللغة فقيرة على عكس التقري التي لا يتقنها هو. رويت له عن الكتاب الذي أصدرته بعثة جامعة برنستون في أخريات القرن التاسع عشر عن شعر التقري. هذا الكتاب هو أول دراسة علمية لشعر و أدب غير مكتوب في تلك المنطقة من العالم. و هي دراسة ثرة اعدتها مجموعة من الباحثين الجلدين من جامعة مات صاحب النسبية، اينشتاين، و هو يدرس فيها. هو يعرف إن الهدارب هي لغة ملوك و أمراء و أرستقراطية البني عامر. و النابتاب لا يتكلمون التقري حتى و لو كانوا يعرفونها. فهي عندهم لغة العامة التي لا تليق بهم. أنا اطرب لسماع الهدارب، رغم عدم معرفتي بها، ففيها موسيقى و إيقاع. و احسب إن شعرها كذلك. وافقني فيما ذهبت إليه. و لما قلت له إن قصيدته (سال من شعرها الذهب) تذكرني بقصيدة من شعر التقري يصف الشاعر شعر حبيبته فيها بظل جبل فلستّاي – و هو جبل عالي في أواسط ارتريا – عند المغيب يمتد إلى الأفق. أعجبه ذلك و قال: ربما كما ذكرت هي اللغة الصامتة في داخلي خرجت بغير لسان.

    تحدثنا عن النابتاب و عن أصولهم التي تمتد إلى منطقة الجعليين و شمال السودان، إلا إن نسلهم لا يتكلم العربية. سكنوا الشرق أو غرب ارتريا و لعلهم تبنوا الهدارب لغة لييبقوا على تميزهم عن سكان المنطقة التي لجأوا إليها. و أثناء الحديث أشرت إلى دراسة عميقة و ضافية ألقاها في نادي الخريجين بامدرمان أواخر ستينيات القرن الماضي حسب الله محمد أحمد الذي كان موظفا في السلك الإداري بوزارة الخارجية السودانية. و قد فقدت أثره بعد كتاب صدر له بداية السبيعنيات عن حضارة بلاد النوبة (لا يحضرني عنوانه الآن). في كل مرة من المرات القلائل التي التقيت فيها ابا امنة، كان ذكر حسب الله الحاج يوسف (ود محلق) حاضرا. و تلك قصة اخرى في حاجة إلى مجلدات.

    كان أبو أمنه اقرب إلى الناصريين و القوميين العرب و يسارهم من أي اتجاه أخر. و ليس هذا مدعاة للعجب. بل هو تأكيد على أن تلك الأفكار، في تلك المرحلة لم يكن لها علاقة بالعرق. و هاهو احد أهم دعاة القومية العربية و فلاسفتها في مصر، الدكتور عصمت سيف الدولة، من اصل نوبي، داكن البشرة؛ ممن يطلق عليهم غوغاء القاهرة لفظ "بربري".

    و بعد أيام تعد على أصابع اليد، تبعهم إلى الخلود عثمان وقيع الله الذي لم يكن خطاطا فحسب (كلوغرفيست). هذا ظلم ما بعده ظلم لمبدع لا يشق له غبار. كان عثمان وقيع الله فنانا بكل ما تعنيه الكلمة من معني، و كان إنسانا نبيلا مرهفا. و في شيخوخته كان طفلا يدهش لكل ما هو جديد.

    رأيت عثمان وقيع الله في دار أبي فقد كان من ندمائه. و لكن تلك الفترة لم ترسخ في الذاكرة كما يجب. ثم التقيته منتصف السبعينيات في دار شقيقه فيصل وقيع الله بدمشق، و هو فنان أخر، قارع طبول و عازف دفوف لا يبارى. لم اسمع طبلا يحدثك و يروي لك حكايا شموس مشرقة و أشجار مورقة و غابات مطيرة إلا عند فيصل و فرقة الطبول البصرية. فقد كانت فرقة البصرة للفنون الشعبية تضم مجموعة من عازفي الطبول لا يشق لهم غبار، لا يملك المرء إلا أن يكون أسير إيقاعهم حتى بعض أن ينفض السامر. و في بيت فيصل أيضا رأيت لوحاته التي جردت الحرف العربي ليكتسب قيمة جمالية تتخطى قيمته المعرفيه بأزمان و دهور. و هو رائد هذا الفن و إن نسب لغيره. و عثمان وقيع الله لم يجرد الحرف العربي فحسب، بل جسد الجملة العربية و القصيدة العربية كائنا حيا ناطقا و ليس نصا بهيما ينطقه القارئ. تجد ذلك في كل لوحاته، اذكر منها: العودة إلى سنار و هي رسم لقصيدة محمد عبدالحي التي تحمل ذات العنوان، و اللوح المحفوظ التي رسمها على لوح من ألواح الخلاوي، و الف لام ميم، و كاف لام ميم، و غيرها. إلا إن عمله الباهر هو خطه للمصحف الذي انفق فيه ما يقارب الثلاثة عقود.

    في مطلع الثمانينات شرّع المتحف القومي بدمشق أبوابه لمعرض عثمان وقيع الله و جاء لافتتاحه وزير الإعلام السوري الأسبق، احمد اسكندر أحمد. و تلك نادرة للذين يعرفون تقاليد المعارض و المناسبات في سورية. و قد بهر المعرض زواره من أي جنس كانوا.

    و عثمان محدث لا يمل و راوية كأنه الأصمعي. في تلك الأيام توقفت لمدة يومين في لندن عند عودتي من أكابولكو بالمكسيك حيث انعقد الاجتماع الثاني لوكالات الأنباء العربية و الاميريكية اللاتينية. و كالعادة كان السودان - ممثلا بوكالة إنبائه - غائبا عن كل تلك المؤتمرات و الاجتماعات. كنت احرص على أن التقي بعثمان وقيع الله في المرات المتباعدة التي ازور فيها عاصمة الإنجليز. حينذاك اتصلت به فأنبأني بان صديقنا الشاعر الكبير محمد عبدالحي في العاصمة البريطانية للعلاج تصحبه زوجه و والدته. فطلبت منه أن يصحبني إليهم لأعوده و ازور أسرته الكريمة. كنت اسكن – كما اعتدت – في كيو غاردنز في منزل صديق و زميل صحافي اميركي، هو شارلس غلاس، تربطني به وشائج قديمة. و لشارلي كتاب حاول أن يسبر - من خلال رحلة برية قام بها - ما وراء سايكس – بيكو. "قبائل ترفع أعلاما: رحلة مبتورة من الاسكندرون إلى العقبة" مرجع مهم لكيفية تقسيم المشرق. و قد انقطع خط رحلته عندما خطف في بيروت صحبة علي عادل عسيران، نجل رئيس البرلمان اللبناني الأسبق، ثم أطلق سراحه بعد عشرة أسابيع.

    ألح أن يصحبني عثمان وقيع الله من كيوغاردنز رغم بعد المسافة إلى حيث يقيم محمد عبدالحي. و لم أتمنع كثيرا، إذ عرفت إن تنقلنا من قطار إلى حافلة حتى نصل هناك سيمتعني بطلاوة حديثه و روائع رواياته. و كان كما حسبت. كان عثمان من جيل أبي و لكنه أبى إلا أن يأتي ليصحبني بدلا من ان نلتقي عند شاعر الكبير.

    أخر لقاء لي بعثمان وقيع الله، كان حينما زارني في منزلي بدمشق منتصف الثمانينيات مهنئا بمولد ابنتي الكبرى. أمضى معي وقتا ليس بالقصير. قبل مجيئه كنت اقرأ في ديوان المجذوب (الشرافة و الهجرة)، أهداه إلي فتحي الخانجي في زيارتي الأخيرة إلى الخرطوم. أمسك بالديوان و طلب أن اختار قصيدة أو أبيات ليرسمها لوحة هدية للمولودة. و اخترت أبياتا، ثم لم نلتق من بعد، و لا اعرف إن رسم اللوحة. قبل أن يغادر طلب أن يرى المولودة، و حينما أحضرتها إليه و كان عمرها لا يتجاوز الأسبوعين احتضنها بين ذراعية ثم قرب فاه من أذنها اليمني و رفع همسا بصوته الرخيم الآذان، و جعل ينتقل من أذن إلى اخرى حتى فرغ. كنت انظر إلى وجهها أثناء الآذان. رأيت فيه تعابير تكاد تنطق حبورا و سكينة و راحة و دعة. لم تبك رانية تلك الليلة مطلقا!

    كان عثمان وقيع الله صاحب صوت رخيم شجي، يغني في مجالس بعينها، فينتشي كل من سمع الغناء حتى لو لم يعرف لغة القصيد.

    يحضرني في رحيلهم هذا، بيت محمد عبدالقادر كرف و هو يرثي أحد بناة الأهلية الثانوية – لعله صديق فريد :

    فيا رحمة الرحمن صوبي غمامة و يا غيث روّي القبر من مائك الجم

    هذه خواطر عمر جعفر عن ثلاثة نجوم تاخوصت في سديم العدم , عثمان وقيعة الله , أبو أمنه حامد , عوض مالك وقبلهم محمد أبو القاسم حاج حمد, محمد المهدي المجذوب, الجاني يوسف بشير معاوية نور, إدريس جماع, محمد علي, محمد عبد الحي, صلاح احمد إبراهيم, علي ألمك, علي عبد القيوم , والأخوين طه و خالد الكد , الهادي ادم , عبد الله الطيب, وصف طويل من مبدعينا الذين سيطويهم النسيان في غمرة فلسفة الفوضى التي تضرب إنحاء السودان , لست ادري ما إذا كان لاتحاد الكتاب وعلي رأسه الصديق الشاعر كمال الجز ولي إن يفعل شيئا تجاه الذين رحلوا والذين علي وشك الرحيل, والشيء الذي اعنيه ليس هو إن يبتني الاتحاد لهؤلاء دورا لان الاتحاد نفسه ليملك دارا, ولكن الذي اعنيه هو إن نعلق صورهم داخل دار الاتحاد علي الأقل في اطر جميلة مكتوب داخلها سير حيوانهم وإضافاتهم ورياضتهم لحركة الإبداع في السودان, كما اقترح إن يكلف الاتحاد لجنة من عضويته لإصدار كتاب أو كتب بالتعاون مع مركز عبد الكريم يمرغني عن هؤلاء كمراجع للذين يودون دراسة إعمالهم الأدبية , وان يسارع الاتحاد بتكريم كل من محجوب عمر باشري , ومحي الدين فارس , ومحمد المكي إبراهيم و مصطفي سند , وهم إحياء تقديرا لدورهم في إثراء الثقافة الوطنية , بذلك وحده نكو ن قد هزمنا الدولة الصودا نية التي تخاصم الثقافة والإبداع , ولاعترف إلا بالجهلة, وشذا الأفاق والانتهازيين , واللصوص الملتحين

    صديق محيسي


                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de