فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين اخوان السودان ..!!11....

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 05:26 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة معالى ابوشريف (الكيك)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-10-2008, 09:32 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين اخوان السودان ..!!11....

    رقم: 1075 2008-11-10

    بين قوسين
    وكيف يعض المرء بنان الندم؟

    عبد الرحمن الزومة
    كُتب في: 2008-11-02


    السودانى

    تابعت قبل أيام سلسلة المقابلات الصحفية التى أجرتها صحيفة (آخر لحظة) مع السيد حسن الترابى وهى فى شكل (محاكمات) اذ يتميز هذا النوع من المقابلات بتوجيه الأسئلة الصعبة للشخص. توقفت عند عبارة قالها الترابى في معرض رده على سؤال حول علاقته بالانقاذ وهو سؤال كثيراً ما تم توجيهه له وكانت اجابته المعتادة والمتوقعة حكاية (اعتذاره) للشعب السودانى عن مشاركته في (نظام الانقاذ). وبما أن لا أحد من أفراد الشعب السودانى يبدو أنه قد قبل (الاعتذارات) السابقة من زعيم المؤتمر الشعبى فقد غير النبرة هذه المرة. قال لأركان حرب الصحيفة انه لم (يعض بنان الندم) على الانقاذ! وشرح ذلك بأنه (ليس قطة)!
    وبما أنه لا أحد تحدث عن الندم و لا عن (عض بنانه) ولم يكن في طيات السؤال ما يشير من قريب أو بعيد لفكرة (الندم) فقد ذكرتنى تلك العبارة بقصة الرجل الذى كان يتحدث مع أصحابه في أول يوم من نهار رمضان حار. وبدون أن يسأله أحد عن تأثير الصيام عليه طفق الرجل يحدثهم عن أن رمضان (والله ما عمل لى أى حاجة) وأن شاى الصباح بالذات ولا حتى (الصعوط) كان لهما عليه أى أثر واستمر الرجل (يربرب) هكذا حتى قاطعه أحدهم قائلاً : وماذا تتوقع من رمضان أن يفعل بك غير هذا! ساعتها قلت: وما هو عض بنان الندم بالنسبة للترابى ان لم يكن ما قاله لمحررى الصحيفة!
    عندها لم تكن صحيفة (الرائد) قد نشرت في خبرها الرئيسى صباح الأحد الماضى قصة (الندم) الحقيقى للترابى وهو ندم مسجل (صوت وصورة) و بدون علم الرجل فيما يبدو! لأن الخبر الذى نشرته الصحيفة كان من داخل اجتماع (خاص) للمكتب السياسى للحزب حيث كان الرجل يتحدث (بصدق ومرارة) عن مبادرة أهل السودان. اعترف الرجل أن المؤتمر الوطنى قد (نجح) ليس فقط في عقد المبادرة بل انه نجح في حشد عدد مقدر و فاعل من القوى السياسية حولها. ويستمر الرجل وهو يعض ليس البنان بل (كل أصابع الندم) حين يعترف أنه هو وحلفاؤه الشيوعيون فشلوا فى (افشال) المبادرة. ثم صب الرجل جام غضبه على حزب الأمة بقيادة الامام الصادق المهدى ووصفه بأنه (خائن)! خان ماذا؟ لم يوضح! ويقول ان الصادق قد منح المبادرة تميزاً و فعالية وأكسبها وزناً لا يمكن انكاره. كل هذه النجاحات يعتبرها الرجل فشلاً (شخصياً) له لأنه لا أحد بذل ما بذله الترابى من أجل افشال المبادرة! ثم يلتفت الرجل الى حليفه الحزب الشيوعى فيتهمه بأنه (يسرق) مجهودات تجمع الأحزاب المعارضة. طبعاً بما أنه لا توجد (أحزاب معارضة) للمبادرة غير الترابى والشيوعيين فان عملية (السرقة الشيوعية) تكون من (ممتلكات) الترابى! و لا يقتصر (غيظ) الترابى على هذين بل طال (البعث) الذى وصفه بأنه (تمومة جرتق)! من الواضح أن الترابى عندما كان يتحدث الى (آخر لحظة) فقد كان يتحدث بلغة الشخص (اللامبالى) لكنه في اجتماع مكتبه السياسى فقد كان (يفضفض) ويعبر عما في نفسه بكل (مرارة) وندم لكن يبدو أنه قد نسى أن يغلق (المايكرفون)!



                  

11-11-2008, 03:46 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين اخوان السودان ..!!11.... (Re: الكيك)


    مساعد الرئيس السوداني لـ«الشرق الأوسط»: الترابي يشبه أوكامبو في مواقفه
    نافع علي نافع قال إن مذكرة مدعي المحكمة الجنائية الدولية تمت محاصرتها * مبارك يعمل مع الخرطوم لجعل الوحدة بين الشمال والجنوب جاذبة
    الثلاثـاء 13 ذو القعـدة 1429 هـ 11 نوفمبر 2008 العدد 10941
    جريدة الشرق الاوسط
    الصفحة: أخبــــــار
    سوسن أبو حسين
    كشف مساعد الرئيس السوداني نافع علي نافع عن وجود تطورات جديدة في المسعى السياسي لضم حركات التمرد إلى الحوار واتفاق السلام في دارفور، وأكد في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن زيارة الرئيس مبارك للسودان كان مخططاً لها منذ فترة، موضحاً أن مبارك حريص على جعل الوحدة بين الشمال والجنوب جاذبة. وقال «إن وجهات نظر مصر والسودان متطابقة في هذا الشأن، إضافة للعمل على تطوير وتنشيط العلاقات الثنائية بين البلدين». وفي حوار مع «الشرق الأوسط» أشاد نافع بالموقف العربي والأفريقي في احتواء تداعيات الآثار السلبية التي أحدثتها التدخلات الخارجية في ملف دارفور، وطالب الإدارة الأميركية الجديدة والرئيس المنتخب باراك اوباما بالتعامل مع السودان على أساس «المصالح المشتركة وليس إستراتيجية تغيير النظام»، لكنه قال في ذات الوقت إنه تم محاصرة مذكرة أوكامبو، وأشار إلى «إن موقف المؤتمر الشعبي الذي يرأسه الدكتور حسن الترابي يتشابه مع مذكرة أوكامبو التي تسعى لاستهداف النظام»، وقال ان المؤتمر الشعبي يريد تغيير النظام حتى ولو كان عبر أوكامبو، ورغم ذلك أكد أن الدعوة وجهت الى الترابي عدة مرات للمشاركة في الحوار، واشار الى احتمال ان يطرأ «تحول» على موقف الترابي من المشاركة في أي لحظة ويعود الى المشاركة. واشار نافع الى وجود مخططات خارجية لتقسيم السودان لخمس دويلات اذا انفصل الجنوب عبر الاستفتاء المقرر عام 2011 لكنه قال انه مخطط محكوم عليه بالفشل.

    وفيما يلي نص الحوار الذي اجرته «الشرق الأوسط» في القاهرة:

    * ما هي أسباب الزيارة المفاجئة للرئيس مبارك إلى الخرطوم وجوبا؟ ـ زيارة الرئيس مبارك للسودان كان متفقاً عليها منذ فترة، وهي تأتي في إطار التنسيق والتشاور بين قيادتي البلدين، وقد أجرى الرئيس مبارك مشاورات مع الرئيس البشير وامتدت إلى جوبا حيث التقى مع الفريق سلفا كير النائب الأول للرئيس.. وهذا يعكس الاهتمام باتفاقية السلام الشامل وإعطاءَه المزيد من القوة لجعل الوحدة السودانية جاذبة ولدعم أطر السلام في دارفور، إضافة إلى الاتفاق على تطوير العلاقات الثنائية والتشاور حول القضايا ذات الاهتمام المشترك في المنطقة العربية.

    * إلى أين وصلت مبادرة أهل السودان ومتى تعلن توصيات كنانة؟ ـ التوصيات لم تصدر بعد وكل الذي تم في الكنانة حوار حول مبادرة أهل السودان، وسيتم تجميع كل المواقف بواسطة الدكتور الطيب حياتية من معهد السلام بجامعة السودان، وسوف يعلن عن التوصيات خلال الأيام القليلة المقبلة، وقد ركزت المبادرة على سبعة محاور لمعالجة قضية دارفور والتي تتمثل في الأمن والمصالحات الاجتماعية والتنمية والخدمات والإعلام والحلول السياسية واللاجئين والنازحين والعودة الطوعية.

    * هل سيتم وضع توصيات مبادرة أهل السودان أمام الاجتماع الوزاري العربي الأفريقي المشترك المقرر انعقاده برئاسة قطر في الدوحة؟ ـ مبادرة أهل السودان تعد خريطة طريق للسلام في السودان وستكون جزءا من المطروح خلال أعمال مؤتمر الدوحة الذي سيركز في اجتماعه الأول على ترتيبات وأولويات ملف السلام في السودان.

    * هل تراجع الدور القطري فيما يتعلق بقضية دارفور خاصة في ظل الحديث حول حساسية الأدوار في هذا الملف الذي بذلت فيه كل من مصر وليبيا جهوداً كبيرة؟ ـ من المبكر الحديث عن تراجع الدور القطري لأنه لم ينطلق بعد بالمعنى المتفق عليه كما أن المبادرة العربية أصبحت مبادرة عربية أفريقية بعد انضمام عدد من الدول الأفريقية إليها وقد تحركت الرئاسة الثلاثية لهذه اللجنة في اتجاه إجراء اتصالات مع الدول المؤثرة ودول الجوار وبالتالي يمكن القول بأن اللجنة التي تشرف عليها قطر قامت بعمل نشط وكبير ولا يوجد مجال للتشكيك فيها ولا يوجد صراع على الأدوار ولا يوجد شيء من هذا واضح خاصة أن المبادرة تشارك فيها مصر وليبيا واريتريا وسوف تساهم فيها السعودية وسورية لأن كل هذه الدول هدفها تحقيق السلام في السودان وتسريع الحل في دارفور.

    * ما هي نتائج الاتصالات مع حركات التمرد للانخراط في عملية السلام؟ ـ أولا نحن نرحب بمشاركة خليل إبراهيم وحركة العدل والمساواة في حوار الدولة باعتبار أن الحوار خيارنا الأفضل للحل، وكذلك الإشارات الايجابية التي ظهرت من عبد الواحد نور ونأمل أن تتواصل الجهود في تشجيعه للمشاركة في مؤتمر الدوحة وكل هذا نعتبره مؤشرات ايجابية.

    * ما هي الإشارات الايجابية التي خرجت من عبد الواحد نور من وجهة نظركم؟ ـ عبد الواحد نور تحدث بلهجة أقل حدة من ذي قبل وأبدى الاستعداد للمشاركة في الحوار وأعتقد أن هذه إشارات ايجابية ولو ساهمت كل الحركات في التفاوض سيكون هناك فرصة للنجاح.

    * ماذا بشأن تطورات الموقف من مذكرة اوكامبو.. هل توارى هذا الموضوع؟ ـ مذكرة اوكامبو تمت محاصرتها تماما ليس من السودان فحسب وإنما من كل دول العالم الثالث من منطلق رفض المساس بسيادة الدول وأن هذه المذكرة سياسية، والتأكيد على أن مذكرة اوكامبو ليس لها صلة بموضوع دارفور أو تحقيق العدالة وإنما فرضها جاء سياسيا لأهداف وأجندات ليس من بينها السلام في السودان.

    * ما هي الاولويات الان بعد ان تحل قضية دارفور؟

    ـ سنعمل لجعل الوحدة جاذبة بين الشمال والجنوب، حفاظا على وحدة البلاد حتى لا يتعرض للتقسيم وفقاً لأجندات خارجية، وذلك ببناء جسور قوية من الثقة والعلاقات بين الاحزاب والحركة الشعبية لقيام برنامج سياسي شامل يقوم على توطيد الوحدة الوطنية. وكذلك التعاون في مجال التنفيذ الرسمي للاتفاقيات ودعم مجهودات حكومة الجنوب في أن تعطي مزيدا من الاهتمام للتنمية والخدمات عبر الخزينة المركزية وإعطاء الأولوية لقروض الأعمار والتنمية في الجنوب، ونحن لدينا روشتة كاملة لحماية السودان من أي تقسيم ولكنني أريد توضيح أمرا مهما وهو لا قدر الله وانفصل الجنوب.. فهذا يعنى تقسيم السودان إلى خمس دول وقد يكون ذلك برنامج دول أجنبية بعينها.. لكنه برنامج سيُهزم بإذن الله.

    * الدكتور حسن الترابي أعلن مقاطعة الحوار ماذا يريد؟ ـ موقف المؤتمر الشعبي المعارض لمبادرة أهل السودان وجد الاستنكار من كل القوى السياسية لأنه لم يُؤَسَسْ على شيء وحتى الإدعاء الذي قام عليه بأنه لم توجه له الدعوة هذا غير صحيح لأن الدعوة وجهت له أكثر من مرة وبأكثر من صورة ولذلك أعتقد أن موقف المؤتمر الشعبي معزول واليوم يلمح الدكتور الترابي إلى أن حزبه سوف يشارك في مراحل أخرى للحوار، وربما في الحوار الدارفوري.. ولكن كل هذا لا يؤثر على التفاف القوى السياسية حول المبادرة والآراء التي تشذ عن الإجماع الوطني سواء في قضية دارفور أو في موقف المؤتمر الشعبي من المحكمة الجنائية الذي وصل تقريبا إلى التشابه مع موقف المدعي العام اوكامبو. وهذا يزيد من عزلة المؤتمر الشعبي ويكشف كثيرا عن عدم الواقعية في مواقفه ورغبته في إسقاط النظام ولو على أيدي اوكامبو.

    * بوصفك كنت رئيسا للوفد المفاوض مع المبعوث الخاص للرئيس الأميركي.. إلى أي مدى ترون مستقبل العلاقة مع واشنطن؟ ـ لدينا رغبة حقيقية لتطبيع العلاقات مع أميركا ونحن لا نرى مبرراً لموقف الولايات المتحدة من السودان وأبدينا رغبتنا في التعاون في كل المجالات.. حتى في المجال الاقتصادي لكن يبدو أن الإستراتيجية التي كانت تقوم على أن النظام في السودان لا يقاد كما تريد أميركا وهو يرفض التبعية وبالتالي كانت تعمل على تغيير هذا النظام.. لكن نحن نرحب بإستراتيجية التعاون.

    * ما هي العقبة في تطبيع العلاقات بين واشنطن والخرطوم؟ ـ انقسام إدارة بوش في التعامل مع السودان وتقع تحت تأثير قوي للوبيات معروفة بتطرفها نحو السودان والتي تطمع في أن تحمل الإدارة الأميركية على المزيد من الضغوط التي تقود في نهاية المطاف إلى تغيير النظام ولكن في النهاية أعتقد أن الفشل المتوالي لهذه الإستراتيجية الأميركية في السودان والعراق ومناطق في الشرق الأوسط قد تكون دافعاً للإدارة الأميركية الجديدة أن تغير هذا المن

    10/11/2008
                  

11-18-2008, 05:41 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين اخوان السودان ..!!11.... (Re: الكيك)

    آخر الدواء: الحركة الإسلامية في السودان والحل على طريقة براون
    د. عبدالوهاب الأفندي

    18/11/2008




    أصل اليوم إلى ختام التأملات التي انشغلت بها ـ وشغلت القراء بها معي - لعدة أسابيع حول الحالة السودانية ونظام الإنقاذ خاصة. وقد كان الغرض من هذه التأملات هو إشراك القارئ معي في الرحلة الطويلة التي قطعناها حتى بلغنا حالة اليأس من أي إصلاح ممكن للنظام يحوله إلى عنصر بناء وتطوير للوضع السوداني بدلاً من أن يكون مصدر مشاكل لنفسه وللبلد والشعب والعالم. ولا شك أن من تابع هذه السلسلة من المقالات يتضح له بجلاء أننا لم نبلغ هذه المرحلة بسهولة، ولا بين عشية وضحاها، بل بعد مكابدة طالت كنا نمد خلالها حبال الصبر والأمل رغم كل الدلائل المضادة. وإذا كانت هناك تهمة فقد تكون أننا تعلقنا أطول من اللازم بأوهام الإصلاح وإمكان التأثير على وضع كان ينبغي على العاقل أن ينفض منه يده قبل ذلك بكثير.
    فقد بدأنا بالتعبير عن آرائنا وتحفظاتنا في المجالس المغلقة شفاهة، ثم انتقلنا إلى الكتابة، أيضاً في الدوائر المغلقة عبر المذكرات والأوراق. ثم انتقلنا إلى الحديث والكتابة على الملأ، تعبئة للرأي العام الإسلامي وتبرئة للذمة أمام الله والأمة. ولم يكن توضيح موقفنا هو نهاية المطاف. فبخلاف ما قيل من أننا أدرنا ظهرنا للوضع في السودان (لأي سبب ظنه أهل الظنون) فإن ما حدث هو أننا بالعكس، ظللنا نشغل أنفسنا بالشأن السوداني بصورة كادت أن تقارب الهوس، كتابة ونصحاً ومشاركة في كل ما شأنه أن يساعد في حل المشاكل، سواءً أكان ذلك قضية السلام في الجنوب أو شأن العلاقات الخارجية.
    ولا علاقة لذلك برفضنا الطلب بالعودة إلى وزارة الخارجية في مطلع عام 1997 وهو رفض عللناه في خطاب الرد لوزارة الخارجية بجملة مقتضبة، جاء فيها أن الظروف التي دفعتنا إلى ترك العمل في الوزارة ما تزال قائمة، ولكن الإخوة سيجدوننا متى ما طلبوا مسارعين لكل ما فيه خدمة الدين والوطن، بدون التزام بوظيفة أو صفة رسمية.
    وقد تلقيت حينها رداً مكتوباً من وزارة الخارجية بتاريخ 5 شباط (فبراير) 1997 جاء فيه بعد التحية:
    'بالإشارة لخطاب سفارتنا في لندن س س ل/11/1 بتاريخ 3/1/1997 ومرفقاته خطابكم بتاريخ 27/12/1996 بشأن إعفائكم من وظيفة الوزير المفوض بوزارة العلاقات الخارجية. أرجو أن أنقل لكم موافقة وكيل أول وزارة العلاقات الخارجية على إعفائكم من المنصب المشار إليه حسب طلبكم، وأرجو أن أنتهز هذه الفرصة لأتقدم لكم بخالص الشكر والتقدير على الجهود القيمة التي بذلتموها إبان عملكم مع الوزارة كملحق إعلامي في سفارتنا في لندن طوال الفترة من 18/6/1990 وحتى 1/1/1996. ويسعدني أن أشيد بصفة خاصة بما وجدناه منكم من تعاون مع العاملين بالوزارة ومن تفان فيما اضطلعتم به من مهام. وإنا لعلى ثقة من استجابتكم السريعة لكل داعٍ لخدمة قضايا الوطن والعقيدة. سائلين الله لكم جزيل الثواب.
    'توقيع: السفير د. عبدالحميد عبداللطيف.'
    ولعل المستغرب هو أنني قضيت بعد الاستقالة من الخارجية جزءاً كبيراً من وقتي، إن لم يكن معظمه، أعمل متطوعاً في أمور لها علاقة بجهود السلام أو إصلاح علاقات السودان الخارجية. وقد كلفني ذلك الكثير من الجهد وبعضاً من مواردي الشحيحة، بالإضافة إلى آلاف الأميال من الأسفار في كل أصقاع الأرض. وهو أمر لم نندم عليه ولا نمن به على أحد، بل هو جزء قليل من واجبنا. ولم أدع فرصة لمخاطبة المسؤولين وكل من يسمع بما نراه يعين على تجاوز المصاعب والخروج من الأزمات. وقد كان آخر جهد قمت به في هذا المجال لقاءات مع كبار المسؤولين في الخرطوم في خريف عام 2005 كان محورها اقتراحات لتجنب قضية المحكمة الجنائية عبر تضمين اتفاق أبوجا الذي كان قيد التفاوض وقتها، بنوداً تتعلق بكيفية التعامل داخلياً مع تجاوزات الحرب، وهو اقتراح لو أخذ به لما كنا حيث نحن اليوم.
    وقد كان محور كل هذا الجهد الاعتقاد بأن مستقبل السودان ومستقبل الحركة الإسلامية فيه مترابطان، مثلما هو الحال في معظم بقية بلدان المسلمين. ذلك أن المحاولات التي جرت في معظم البلدان العربية لإقصاء وضرب الحركات الإسلامية لم تفلح لا في القضاء على هذه الحركات ولا في إقامة نظام علماني ديمقراطي.
    ويكفي ما حدث في تركيا التي قضى حكامها ثمانية عقود وهم يحاولون بالحديد والنار ليس فقط إقصاء الحركات الإسلامية بل القضاء على الإسلام ومحوه من الحياة العامة، وأحياناً الخاصة. ولكن تركيا أخيراً لم تجد الديمقراطية إلا على يد حركة تستهدي بالإسلام. وعليه كنا نرى أن الحركة الإسلامية في السودان يمكن أن تلعب دوراً مباشراً ومؤثراً في إنشاء ديمقراطية حقيقية ومستقرة، ولكن ذلك يعتمد على سياسة لا تقصي الإخوة في الوطن، مسلمين وغير مسلمين، ولا تكون على حساب حريات الخلق وحقوقهم.
    ولهذا السبب كنا نرى إعطاء أولوية قصوى لتحقيق السلام عبر عقد سياسي اجتماعي يتيح لكل قطاعات المواطنين العمل لتحقيق الطموحات المشتركة في العيش المشترك والتنافس الشريف بدون سقف. وكما أوضحنا في كتاب 'الثورة والإصلاح السياسي في السودان'، فإن قيادة الحركة الإسلامية للعملية الديمقراطية لها شروط، من أهمها أن يكون للحركة سند شعبي واسع، وقبول عند كافة القوى السياسية المهمة، وقدرة على التعاون مع هذه القوى. وقد كان الكتاب آخر محاولة لتقديم طرح فكري وخريطة طريق للخروج من المأزق الذي أدخلت فيه الحركة نفسها والبلاد، وذلك عبر طرح رؤية سبق أن أوردنا ملامحها في كتابات سابقة صدرت في كتب ودوريات عدة أشرنا إليها في غير هذا الموقع.
    ولكن هذا الأمل لم يتحقق، بل أدهى من ذلك، كان الركب يسير في الاتجاه المعاكس. فبدلاً من زيادة شعبية الحركة وتحسين صورتها، تعرضت الحركة ومسيرتها لتشويه واتهامات تراوحت بين التعذيب والقهر والقتل الجماعي، ثم الفساد والولوغ في مهاوي الترف في بلد يموت فقراؤه جوعاً ومرضاً وكمداً. وبدلاً من توسيع القاعدة، انكمشت الحركة على نفسها، وانقسمت وانفرط عقدها وأعرض عنها كل من له فضل دين وعقل وخلق إلا قلة ما زالت تستعصم بآمال هي للسراب أقرب. وبدلاً من بسط يد التعاون إلى القوى الأخرى اتبعت سياسة الإلغاء والإقصاء بالقهر والقمع.
    وعندما فشلت هذه السياسات الخرقاء، اتجه المسار نحو عقد صفقات تشرك كل من شاء في فساد النظام وتقتسم معه مغانمه. وهكذا بدلاً من أن تكون الحركة هي التي تدعو الناس للمثل العليا والمبادئ السامية، وهي أمور تركها القوم وراءهم ظهرياً، أصبحت الدعوة هي للتعاون في الإثم والعدوان، والمشاركة في أكل أموال الأمة بالباطل. فإذا بكل من سارع إلى خيمة النظام النفطية شيطان أخرس عن الحق، يزين للقوم باطلهم، ويكذب ما كان يقوله بالأمس، ويزعم مع الزاعمين بأن دارفور وأهلها لا يشكون إلا أن الخير خنقهم، كما في القصة المتداولة عن السلطان علي دينار وبعض حرسه.
    وإن كانت اتفاقيات نيفاشا للسلام تمثل في بعض جوانبها خطوة للأمام، فإنها في جوانب أخرى، وفي المبادئ التي قامت عليها، تشكل خطوة أكبر للوراء. فقد كرست مبدأ تقاسم الغنائم والمناصب، حتى أصبحت عبارة 'اقتسام السلطة والثروة' عبارة متداولة يفخر بها البعض ويراها مبدأً من المبادئ السامية. وقد مهدت هذه الخطوة غير الميمونة لما حدث في دارفور إذ أرست مبدأ أن الأمر قصعة يتقاسمها المتقاسمون، وأن نصيب المرء فيها يكبر كلما جرد سلاحه وكان على سفك الدماء أجرأ.
    ولكن المطلوب لم يكن تقاسم المغانم على طريقة قطاع الطرق وعصابات المافيا بين عناصر القتل والإجرام، بل إرساء مبادئ تحقق العدل وتفتح أبواب التنافس على الخير. فمهما يقال عن النظام الأمريكي ومثالبه، فإن ما كشف عنه انتخاب باراك أوباما رئيساً ليس هو تقاسم أسلاب ورد اعتبار للأقلية السوداء، بل هو تحقيق لمبدأ فتح الباب أمام الأكفأ والأصلح بغض النظر عن أصله، لتولي أرفع المناصب بدون سقف أو حاجز، وهو مبدأ إسلامي أصيل. فأوباما لم يتول الرئاسة باعتباره شخصاً أسود اللون ينال حصة تركت جانباً لهذه الفئة أو تلك، وإنما كمواطن أمريكي مؤهل لذلك المنصب. ونحن لا نريد في السودان أكثر من هذا.
    وبما أنني أتناول المسألة هنا من وجهة نظر إسلامية فإن ما يهمني هنا هو أن ما يسمى بالحركة الإسلامية قد انحدرت تحت قيادتها الحالية إلى درك سحيق من سوء السمعة، وأصبح ينظر إليها من قبل عامة الشعب ومن غالب أهل الخارج بأنها جهة غير مؤهلة للحكم أو لتمثيل الشعب. والادهى من هذا هو أن معظم الإسلاميين هم متهمون معها في ذممهم وخلقهم وأدائهم. ولا يهم إن كانت هذه التهم صحيحة أم لا، لأن الجريرة تكون أعظم لو كانت هذه التهم باطلة. فالمحامي الذي يفشل في إثبات براءة موكله البريء هو شر مكاناً مما لو كان الموكل مجرماً.
    إضافة إلى ذلك فإن ادعاء تمثيل الحركة الإسلامية صاحبه ادعاء آخر بتمثيل أهل الشمال. وتحت هذا الادعاء فإن أهل الشمال أصبحوا، بدون أن يشاوروا أو ينيبوا عنهم أحداً، متهمين بجرائر لا يد لهم فيها، وموسومين ـ وفقراؤهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء- بأنهم حازوا ثروات الأرض واحتكروها. وتحت هذا المدعى أصبح هؤلاء المتنفذون باسم الإسلام حيناً والشمال حيناً آخر، يتقاسمون مع أهل المناطق الأخرى المناصب نيابة عن أهل الشمال المغيبين، ويدفعون من حر مال الأمة ديات قتلى لم تتضرج بدمائهم أيدي أصحاب الحق في هذه الأموال من سواد الأمة.
    وليت هذا يكفي ويخرج القوم من ورطتهم، ولكن الذي نخشاه هو أن يحوق بالإسلاميين خاصة وأهل الشمال عامة ما حاق بالهوتو في رواندا والصرب في يوغسلافيا وغيرهم ممن أمروا على أنفسهم قوماً من أهل التطرف زعموا أنهم الأقدر على إحقاق حقهم ونكاية عدوهم، فكان أن أحلوا قومهم دار البوار وأوقعوهم في ملكة عدوهم أذلاء صاغرين. وأصبح أولئك القادة الذين كانوا يتبجحون بغرور السلطان هاربين مطاردين، أو أسرى مكبلين، أو هم يحتمون بمن زعموا أنهم حماتهم.
    ولا شك أن أهل الشمال عموماً والإسلاميين خصوصاً مهددون بمصير مماثل ما لم يحزموا أمرهم ويبادروا بما يكف عنهم شر المآل. ولعل أقرب الحلول وأيسرها منالاً بالنسبة للحركة الإسلامية، أو ما بقي منها، هو تدارك الأمر بتغيير القيادات الحالية في شقي الحركة، وإبعاد رموز الشقاق والفساد والفشل، وإعادة تشكيل الحركة وحزبها المسمى حاكماً تحت قيادة جديدة تجمع بين طهارة اليد والبصر بالأمور والقبول عند الآخرين. وعلى القيادة الجديدة أن تستغل ما بقي من الفترة الانتقالية حتى تعيد بناء صورة أنصع للفكر الإسلامي والممارسة الإسلامية بعد ما لحقها من تشويه، وأن تمد يد التعاون للآخرين بصدق نية لبناء سودان يشعر الجميع فيه أنهم في وطنهم. وهذه مهمة ليست باليسيرة إذا نظرنا إلى نماذج أخرى كانت المهمة فيها أقل تعقيداً، شأن حزب العمال البريطاني بعد أن تخلص من توني بلير وأمر عليه غوردون براون. ولكن أي تأخر في إجراء هذا التغيير المطلوب سيكون كارثة على الحركة الإسلامية وعلى السودان أيضاً، لأن البديل هو الصراع بلا نهاية بين من يتمسكون بالسلطة بأي ثمن وبين من ينازعهم إياها.
    ونحن نهيب بالجميع أن يتعاونوا في ذلك. فها نحن نسمع كبار القادة من أهل الحكم يرددون مراراً أنهم على استعداد للاستشهاد فداءً للوطن ودفاعاً عن الإسلام. والمطلوب منهم أيسر بكثير من الشهادة، وهو التقاعد بشروط مريحة، يكسبون معها إنقاذ البلاد وإنقاذ أنفسهم من عواقب الفشل السابق. وهذا لن يحمد لهم فقط، بل سيحمدونه هم أنفسهم. وقد شهدنا كيف أن معارضي أوباما كانوا أول من سارع إلى وصف انتخابه بأنه انتصار للأمة الأمريكية جمعاء، وهو كذلك فعلاً، وإن كان هؤلاء القوم يستقتلون حتى لا يتحقق. وبالمثل فإن توحيد الحركة الإسلامية تحت قيادة جديدة نظيفة يد سيكون انتصاراً للجميع، بمن فيهم من سيتقاعدون ويعودون إلى مكانهم الطبيعي في مؤخرة الصفوف ويتفرجون على البلاد وجراحها تلتئم وصفوفها تتوحد ومستقبلها يشرق. فليتهم يفعلون فيريحون ويرتاحون.

    ' كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن
                  

11-18-2008, 05:55 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين اخوان السودان ..!!11.... (Re: الكيك)
                  

11-18-2008, 06:02 AM

Abdlaziz Eisa
<aAbdlaziz Eisa
تاريخ التسجيل: 02-03-2007
مجموع المشاركات: 22291

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين اخوان السودان ..!!11.... (Re: الكيك)

    سلام


    كل المآسي..
    كل الجرئم..
    كل الفساد..
    أتى ويأتي من من يسمون بالأخوان المسلمون..
    من يسمون بالإتجاه الإسلامي..
    من يسمون بالحركة الإسلامية..
    لا فيهم خير ولا فيهم صليح..

    قاتلهم الله أنى يؤفكون..

                  

11-22-2008, 02:08 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين اخوان السودان ..!!11.... (Re: Abdlaziz Eisa)

    قال إنها تسعى لإعادة السلطة ودعا لعدم الاقتدا-ء بالتجربة
    د. مصطفى: الحركة الإسلامية نفذت الإنقلاب (مضطرة).. المهدي: رفضت طلبا لاخراج الجبهة من الحكومة مقابل إمداد الجيش


    "الرأى العام"

    الرأي العام: وكالات

    أدان د. مصطفى عثمان اسماعيل الإنقلابات العسكرية للوصول للسلطة ونصح الحركات الاسلامية في العالم لعدم الاقتداء بالحركة الاسلامية في السودان واللجوء لمثل تلك الانقلابات.
    وقال مصطفى في ختام أعمال جلسات عمل المؤتمر الرابع للوسطية، الذي انعقد في العاصمة الأردنية عمان تحت عنوان «نحو مشروع نهضوي اسلامي» -بحضور الصادق المهدي رئيس حزب الامة القومي- «الآن نريد أن نرد السلطة إلى الشعب، وله أن يعيدنا إلى السلطة انتخابيا، إن أراد ذلك». واعتبر اسماعيل الإنقلابات العسكرية محرمات، واضاف إن الحركة الإسلامية في السودان تعاطت معها مضطرة، مقارنا ما فعلته الحركة الإسلامية السودانية بما اضطرت إليه الحركة الإسلامية الجزائرية حين تم الغاء نتائج المرحلة الأولى من الإنتخابات العامة سنة 1992م.
    وأكد اسماعيل أن الإنقلاب العسكري غير محلل، واستخدامنا له كان استثناء، واضاف: نحن ندفع الآن جزءاً من الثمن، ويكون العلاج برد الأمر لأهله..للشعب.
    وبرر إقدام الجبهة القومية الإسلامية بالإنقلاب العسكري في 30 يونيو إلى أنها وجدت نفسها أمام ثلاثة خيارات وهي البحث في كيفية رد الظلم الواقع عليها، او القيام بثورة شعبية للحفاظ على مكاسبها الإنتخابية، أو القيام بإنقلاب عسكري.
    من جانبه اعتبر المهدي في اجابته لـ «الوطن» أن اسماعيل وقع في مغالطة حين شبه ما جرى في السودان، بما حدث في الجزائر. وقال: في الجزائر تم إلغاء نتيجة المرحلة الأولى من الإنتخابات، وعدم إجراء المرحلة الثانية منها، في حين أن ما جرى في السودان كان شديد الإختلاف ، لافتاً الى أن الجبهة القومية الإسلامية شاركت في الإنتخابات، وحصلت فيها على الترتيب الثالث وكانت ضمن الإئتلاف الحكومي الذي أطاح به الإنقلاب الذي نفذته.
    واضاف المهدي أن القائد العام للجيش ورئيس الأركان في حينه، زاراه في مكتبه، وأبلغاه ضرورة إخراج الجبهة القومية من حكومته الإئتلافية، بدعوى ان الدول المصدرة للسلاح أصبحت تشترط ذلك لمواصلة إمداد الجيش السوداني.
    وقال المهدي: أبلغت قائد الجيش ورئيس الأركان رفضي للطلب، وأبديا أمامي التزامهما بقراري، واوضح: أبلغت د. حسن الترابي الأمين العام للجبهة القومية الإسلامية بما حدث، وقلت له إنني أقوم بإبلاغك بهذا حرصاً على معرفتكم للحقيقة، وعدم تشوش افكاركم في حال تم ابلاغكم بغيرها. وقال ان الترابي التزم الصمت مكتفيا بقول كلمة واحدة «علم»..!
                  

12-07-2008, 06:20 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين اخوان السودان ..!!11.... (Re: الكيك)

    العدد رقم: 1101 2008-12-07

    حديث المدينة
    شعبنا ..!!

    عثمان ميرغني
    كُتب في: 2008-12-06

    [email protected]


    في خطبة صلاة الجمعة أمس.. تحدث شيخنا الخطيب المعروف وطلب من المصلين التبرع بخروف الأضحية لأخوانهم في (غزة) المحاصرة .. وأوضح لهم أن التبرع لا يعني نقل الخراف حية الى غزة.. فلربما تكون هناك (أرخص) منها في السودان.. ولكن بالتبرع بثمنها نقداً لجمعية (أنصار).. وتكون وكيلاً عن كل مسلم متبرع لتذبح له الأضحية في غزة.. وتوزع على إخوانهم الفلسطنيين هناك..
    كنت أسمع الخطبة عبر المذياع وتشتد حيرتي.. ربما أكون خاطئاً لكني فعلاً في حاجة لمن يصوبني.. نحن نحب إخواننا في فلسطين كلها ..في رام الله وغزة.. ونتعاطف (جداً) مع الإبتلاء الذي يكابدونه.. ليس ابتلاء الحصار الإسرائيلي فذلك أهون بل الذي جاء به.. هوان الذات ونكبة التفرق والإحتراب والتشاقق والفجور في الخصومة بين فتح وحماس الذي يدفع ثمنه الشعب الفلسطيني المنكوب..ولكن ..!!
    ألم يسمع مولانا الكاروري .. بمعسكرات إخوانه في دارفور..؟؟ أم أنها مسؤولية أخيه عبد الواحد محمد نور؟.. ومنظمات الأمم المتحدة والخيرين في أوروبا وأمريكا..؟؟
    في معسكرات دارفور.. مولاي.. مواطنون سودانيون لا ينتظرون (خروف العيد) بل ربما (بطانية) تقيهم البرد.. وجرعة ماء نظيفة..و مدرسة لأطفالهم المحرومين لا يشترط أن تكون مدرسة بالمعنى الذي يظنه إخواننا في غزة..بل مجرد حرز خلف ستار من (قش) أو جوالات فارغة.. وستر لنسائهم في خيام المعسكرات..التي تتزاحم فيها المناكب كتفا بكتف.. وقبل ذلك حلم.. مجرد حلم.. بيوم العودة.. ليس عودة لمدن مترفة بالمباهج.. بل لقراهم التي لا ماء فيها ولا كهرباء.. فيها (سكن) بالمعنى الحقيقي للكلمة.. حينما تسكن النفس آمنة مطمئنة..
    في معسكرات دارفور.. يا مولاي.. شعب ربما يبلغ تعداده ضعفي شعب غزة ورام الله معاً.. وأيضا محاصرون..صحيح لا تستطيع اسرائيل قطع التيار الكهربائي عنهم.. لأنهم أصلا لا يحلمون بكهرباء ولا غاز ولا كل تلك البضائع التي تمر عبر المعابر الاسرائيلية..شعب ليس محاصرا بالجوع والمرض والشقاء فحسب.. بل بالمجهول الذي لا يدرون متى يخرجون من نفقه المظلم.. تصور – يا مولاي- رجل وزوجته وأولاده في أتون المعسكر.. وأي معسكر..ليس كمعسكرات فلسطين التي نراها في الفضائيات تخترقها الشوارع المسفلتة وتحتشد فيها المساكن الأسمنتية متعددة الطوابق..تصور أسرة في معسكر "كلمة" أو "أبوشوك".. ينظر الأب لأبنائه وهم ينبتون في تربة المجهول.. لا يعرف مستقبله هو حتى يعرف مستقبلهم هم ..
    هؤلاء السودانيون.. في معسكرات دارفور هم (الأقربون أولى بالمعروف..) ليس لأنهم من دمنا ولحمنا فحسب..بل لأنهم (ثغرتنا) التي يسألنا الله عنها.. ألا تجود عليهم – يا مولاي – بخطبة .. وتبرعات .. وقبلها دعوات أن يرفع الله عنهم غبن الإغتراب وهو في حضن وطنهم و أن يردهم إلى بيوتهم وقراهم وأهاليهم.. أن يردهم إلى الحياة ..!!

    http://hadithalmadina.blogspot.com


                  

12-07-2008, 07:17 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين اخوان السودان ..!!11.... (Re: الكيك)

    المحبوب عبد السلام في حوار مع (الصحافة) حول المشروع الذي كان

    *كُنا نتـــوهم إعـــادة التــاريخ الإسـلامي لمسـاره الصحيح

    *كنا انتلجينسيا مضطهدة داخل الحركة الاسلامية

    *الترابي شبه فكر محمود محمد طه بالحشرة

    *سأرد على الخاتم عدلان

    *صلاح احمد ابراهيم كان معجبا بقصائد الدفاع الشعبي

    حوار : علاء الدين محمود

    هذا حوار مع المحبوب عبد السلام حول مقالات كتبها في التسعينيات في صحيفة الانقاذ الوطني تحت عنوان (العبرة والاعتبار في الحزب الذي كان) وكان يقصد الحزب الشيوعي، وكان المحبوب وقتها قيادياً بالانقاذ التي كانت في تمام (تمكينها) مارس المحبوب في هذه المقالات نقداً شرساً على الحزب الشيوعي مستصحباً تجربة الشاعر صلاح محمد ابراهيم ... (الصحافة) تحاور المحبوب حول هذه المقالات وتضعه ايضاً في مواجهة (المشروع الذي كان) وهو المشروع الحضاري للحركة الاسلامية.

    * في (الحزب الذي كان) صليتُ الحزب الشيوعي بألسنة حداد ومداد حارق وكانت روح الناقم والناقض تحل محل الناقد، الناقم الذي يطل في تلك الفترة من شرفة انتصارات انقلاب عسكري ومشروع حضاري، مقحما في نقمتك هذه قضية صلاح أحمد ابراهيم ـ الذي كان يعاني بالفعل ـ لتحاكم بها الحزب وتحكم عليه ؟

    - فلنتعرض هنا اولاً لهذه الجزئية الصغيرة المتعلقة بصلاح أحمد ابراهيم ، وهذا كان في اطار رؤية لي من ايام الجامعة انني لاحظت ان غالب الشعراء يتركون الحزب الشيوعي صلاح كان واحدا منهم ، السياب قال في بيت شعر مشهور : وإذ يتمرد الانسان فتى علي العبودية يثور علي الشيوعية وانا كنت ابحث في هذه الظاهرة ولا اشمت، المقالات نفسها لم تكن تحليلا واسعا لأنني كنت اعتمد علي وثائق سربت من الحزب الشيوعي، بالتالي لم تكن تحليلا واسعا لموقف الحزب الشيوعي، انا كذلك كتبت كتابا عن تجربتنا في الحكم ، وإذا اعتبرت انت انني سلقت الحزب الشيوعي بألسنة حداد فانا كذلك مارست هذا الفعل تجاه تجربتنا في الحركة الإسلامية وليس المقصود طبعاً ألسنة العدو الذي يرُيد أن يشمت علي الاطلال، ولكن المقصود هو النقد الذاتي وحتي اليوم انا إذا اعدت تقييم تجربة الحزب الشيوعي أو حزب الامة او الاتحادي الديمقراطي اعتبرها قوى وطنية ، واحاول ان اتعامل معها بموضوعية، ولكن مشكلة الموضوعية في اطار الثقافة السودانية تعني ان تبذل الكثير من المجاملة لمن تتحدث عنه، وفي مجال نقدنا لتجربتنا انا كتبت كتابا الآن هو يعد للنشر، كتبت عن البناء نفسه وكيف بدأنا التخطيط الاستراتيجي منذ المصالحة الوطنية، وتحدثت باستفاضة عن الجبهة الإسلامية ثم تحدثت عن فكرة الانقلاب نفسها وكيف قُلبلت وتحدثت عن الاجهزة التي نفذت هذا الانقلاب، وتحدثت عن مسارنا من التنظيم الخاص إلى النظام السياسي العام، وتحدثت عن تجربة الجهاد والتجييش والشرطة والأمن وتحدثت عن تجربة الحكم الاتحادي ومشكلة الجنوب وما اعتراها من مسالب كبيرة، وكذلك تناولت السياسة الخارجية والمنعطفات الكبرى، وكذلك تناولت المفاصلة وحاولت ان ارسم آفاقا للمستقبل، ونجد في ذلك نقداً حاداً جداً وربما هي المرة الاولي يصدر من شخص ينتمي لحزب بهذا الوضوح، وهو تقويم موضوعي وكثير من الاخوة خارج الحركة الإسلامية يقولون ذلك واعتقد انك ايضاً تقول بذلك اننا لا ندري ما يدور داخل هذا البيت دائما نري منتجات البيت لكننا لا نري المطبخ الداخلي فانا حاولت بهذا الكتاب ان ادخلك الي البيت واعرفك علي المطبخ وعن كيف صدرت القرارات وماهو الخطأ وماهو الصواب في هذه الاشياء.

    سنأتي الى ذلك ولكن ...؟

    - مقاطعاً : جداً ولكن انا اقصد ان اعرفك بطبيعتي الناقدة، انا اذكر عندما نشرت هذه المقالات في صحيفة الانقاذ الوطني كان يرأس تحريرها الاخ سيد الخطيب وأذكر جيداً تعليق سيد الخطيب علي هذه المقالات (العبرة والاعتبار في الحزب الذي كان) وهو قد وصفها (بالمشابهات) وفي الحقيقة نحن (الحزب الشيوعي) و(الحركة الإسلامية) احزاب عقائدية وتتشابه شيئاً ما في اطروحاتها.

    *ذكرت لي انك تعتبر الحزب الشيوعي حزبا وطنيا من الاحزاب الوطنية ،ولكن في نفس هذه المقالات نفيت ذلك ، وقلت ان مشكلة الحزب الشيوعي انه ليس سودانياً ولا ماركسياً ؟

    - هذه ايضاً من المآخذ التي كنا من الجامعة نأخذها على الحزب الشيوعي وهي ليست جديدة بعد الانقاذ، بعد الشعور بالانتصارات ولكننا كنّا نعتقد ان الحزب مرتبط بسياسات الاتحاد السوفيتي وكُنّا نقول ذلك حتي على بعض الاحزاب حتي الدينية التي كُنّا نراها مرتبطة بانظمة في الخليج او هيئات دينية في المملكة العربية السعودية وكان هذا مرفوضا لدينا كنا نرى ان الحزب ينبغي ان يكون سودانياً واذكر كذلك انني قد شهدت الندوة التي أقامها مركز الخاتم عدلان وتحدث فيها د. فاروق محمد ابراهيم، واشار فاروق الى هذا المعني انهم كحزب توصلوا الي افضلية ان يصبح الحزب الشيوعي حزباً سودانياً وان هنالك مئات من المثقفين يؤمنون بالبرنامج الاشتراكي ولكنهم لا يريدون الالتزام في اطار حزب ماركسي، وكان هذا المخرج الافضل لهم وكان طرح فاروق هذا قد أُعتمد كرأي، ولكن فجأة تم الخروج عن هذا الرأي لأن الاتحاد السوفيتي كان له رأي آخر في هذا التحول الكبير ، وهذا أمرٌ معلوم، قد أكون قد مارست بعض الشطط في ذلك المقال «العبرة والاعتبار في الحزب الذي كان» ، عندما وصفته بأنه ليس سودانياً، انا الآن في هذه اللحظة التي اتحدث فيها اعتقد ان الحزب الشيوعي حزب سوداني حقيقي، وحزب سوداني وطني، وله تجربة جيدة جداً في التنظيم وفي الفكر ومنذ الستينات كان الحزب الشيوعي يُقيم ندوة اسبوعية ومساهماته في الادب والفكر السوداني كنت أقرأ في الطائرة كتاب فاطمة بابكر عن الرأسمالية السودانية ورغم خلافي معها في بعض التحليل ولكني استفدت جداً من الكتاب حتي في نقده للتجربة الاقتصادية لدي الانقاذ، فلدي الشيوعيين اسهام كبير ولكن الآن معظم الكوادر الفاعلة للحزب مازالت خارج السودان وهؤلاء كذلك تطوروا، خرجوا شبابا صغارا من السودان وتزوجوا وانجبوا في المهجر وقطعاً طول مكوثهم في المنافي قد اكسبهم نُضجاً وهذا ليس تحليلاً ولكنها تجربة، انا حضرت سمنارات عقدها افراد من الحزب الشيوعي ورأيت النضج الذي بلغوه، واذا كان لي نقد أوجهه الآن للحزب الشيوعي فانا أسف انه حتي الآن لم يحدث حتي الآن التغيير المطلوب مع مقدرته على ذلك.

    *سرعان ما انهارت شرفة الانتصار التي كنت تطل منها بانهيار ما اسميتموه (المشروع الحضاري) الذي انهار على الرؤوس ، انهار المشروع غير القابل للنقد والانهيار لانه متعلق باسباب السماء !! فصار (المشروع الذي كان) ؟

    - والله طبعاً هو متعلق باسباب السماء بمعني انه جهد المؤمنين، فالمؤمن ينبغي أن يربط عمله كله بالسماء حتي إن أخطأ، لذلك كنت اتساءل دائما لماذا يحدثنا القرآن دائما عن السلبيات اكثر من الايجابيات، فثلثا القرآن عن بني اسرائيل والنصارى، وهم آخر تجربة كتابية، نحن كان لدينا أوهام وهي اننا نستطيع ان نستدرك أكثر من اربعة عشر قرنا اى منذ ان تركت الخلافة الراشدة مسارها الراشد واصبحت ملكاً عضوضا، كان عندنا توهم اننا نستطيع ان نستدرك هذه الفجوة التاريخية الكبيرة وان نعيد التاريخ الإسلامي الى مساره ولكننا عندما خرجنا من الحركة الى الدولة وجدنا الدولة مثل الجدار كلما حاولت ان تمد يديك لتحيط بالجدار تجده اوسع منك، وهذه النقلة كانت تحتاج الى تركيز اكثر، واقول انا كنت واحدا من اناس كثيرين يميلون الي ان فترة الديمقراطية ان تترك لتكمل تجربتها وان لا نقوم باي انقلاب حتي نبلغ البرلمان بالانتخابات، وكثير من الناس في الحركة الإسلامية كانوا يدعون انهم لا يعرفون شيئاً عن الانقلاب، ولكن هذا غير صحيح كنا نعلم عن الانقلاب وانا كنت طالبا في فرنسا والتقت بي قيادة الحركة هنالك وابلغتني بانهم مُقبلون على تغيير كبير، وكان هذا مفهوما وواضحا جداً وانا قلت للشخص الذي ابلغني : لماذا لا تتركون الحركة الإسلامية تنضج في نار الديمقراطية الهادئة ورد على قائلا : واين هي هذه الديمقراطية التي تتحدث عنها البرلمان غير موجود، وكل الحكومة تُدار من القصر، الجيش الذي ينبغي ان يحرس الديمقراطية هدد رئيس الوزراء واعطاه مهلة اسبوع، وكنا نتناقش في ذلك الوقت وكانت هذه نظرة ذكية أن الإسلام لن يجد طريقه بسهولة عبر الانتخابات كما نري اليوم في تركيا، وكما رأينا في الجزائر، كما نري في مصر حتي الآن رغم ان حزب الاخوان المسلمين في مصر حزب مسالم جداً إلا انه لم يمنح رخصة العمل الرسمي، وتري كذلك مثالا للحزب في تركيا فاز ثلاث مرات متوالية بغالبية الاصوات إلا انه يواجه جدلا هل يُحل أم يترك والذي منع ـ بالمناسبة ـ حزب العدالة في تركيا من ان يحل هو الاتحاد الاوروبي وليس العلمانية التركية، فالعلمانية كذلك شرسة جداً، ورأينا في السودان كيف حوصرت الجبهة الإسلامية القومية من قبل احزاب اليسار ومن قبل الاحزاب التقليدية، كل مؤتمراتنا كانت تحاصر، ولذلك اشخاص امثالي كانوا يدعون الي ان تنضج الحركة الإسلامية في نار الديمقراطية الهادئة كانت حججهم ضعيفة في النظر الي الواقع ويبدو انهم ـ دُعاة الانقلاب ـ كانوا منطقيين وكما قال أحمد سليمان المحامي انه خرج من اجتماع المكتب السياسي لان هنالك شخصا داخل اجتماع المكتب السياسي يحمل هذا الرأي وهو ينبغي الا نقوم بانقلاب، وحلف أحمد سليمان المحامي بالطلاق انه لن يحضر اجتماعا مع شخص يحمل مثل هذا الفكر المتخلف، وكان يقول هاهي السلطة منثورة في الارض تحتاج الى من يلتقطها ، وان لم تُسارع فسيلتقطها شخص آخر وسوف تُنصب لكم المشانق، المهم هذه مسألة تحتاج الي فحص دقيق، فحص معلوماتي دقيق، نحن كانت لنا اوهام ، فالنظرية رمادية والتجربة خضراء كما يقول جوته وهذه العبارة أشتهر بها لينين ولكنها لجوته وقد تعلمنا منها، وليست تجربة محبطة او ان الشرفة انهارت كما قلت انت، ولكن نحن بشر في سلسلة تاريخ طويل لذلك ينبغي ان لا نقيس الاشياء باعمارنا ونريد ان نعيد مشروعا إسلاميا في الدولة والحياة والمجتمع ، وعندما استلمنا السلطة كتبنا «الاستراتيجية القومية الشاملة» ، ان الاصل هو المجتمع، المجتمع المؤمن يقوم بغالب وظائفه وهو مجتمع مبادر والصدفة عندها دور مُحدد في دورها القهري ان تضبط الناس بالقوة في بعض المسائل حتي البارحة القريبة انا كنت اتناقش مع بعض الكبار من الإسلاميين حول مفهوم السُلطة كيف ناقشها الفكر الغربي وكيف ناقشها التُرابي في كتابه الاخير فهذا المبلغ لم نبلغه في 1989م.

    *تحدثت عن صلاح أحمد ابراهيم لحظة التقائه بكم في (الانقاذ) التي ترمونها بحجارة من سجيل، تلك اللحظة التي كانت بالنسبة لصلاح بنت الصراعات الشخصية التي بالفعل تأذى منها صلاح وآخرون من الشيوعيين فاختار الالتقاء بمعسكر لعنه الشعب ـ الانقاذ ـ ثم لعنتموه انتم عقب خروجكم عليه، انت لم تفعل في تلك الايام غير ان استثمرت صلاح في صراعك الناقم ضد الشيوعيين الذين هم العدو الاكبر ساعتها ؟

    - طبعاً هذا الكلام بعيد جداً عن الحقيقة فصلاح أحمد ابراهيم شخص لا يمكن ان اؤثر عليه انا فكنت حينها شاباً وهو تجاوز الخمسين وصلاح نفسه بعد الفترة التي قضاها في باريس متأملاً للتجربة شخص لا تبرد عاطفته تجاه السودان والقضايا الوطنية ولكن نظر للافكار والتجربة وكان يتحدث عن الشيوعيين بهدوء شديد ولو كان هذا مجال لحدثتك عن هذا الامر فقد نضجت افكاره ونظرته للتجربة ولكنني كنت اختلف مع صلاح كثيرا فمثلاً صلاح ـ وهذه مفارقة ـ لديه موقف جذري من طبيعة علاقة بعض السودانيين بمصر وانسحب هذا الموقف على موقفه من جمهورية مصر الشقيقة، وانا كنت اعتقد ـ وهذا رأي الكثيرين في الحركة الإسلامية ـ ان مصر مهمة جدا للسودان ، وكان هو يقول ينبغي ان نتحرر من طبيعة العلاقة مع مصر ونؤسس علاقة جديدة مع مصر ولذلك صلاح كان يقول : ان كثيرا من السودانيين يعتقدون ان السودان تابع ينبغي ان يوضع تحت الاقدام المصرية وكان هذا مثار جدل بيننا وبينه وكان كذلك لديه موقف جذري من الحركة الشعبية لتحرير السودان في ذلك الوقت، واذكر اننا ذهبنا الي سمنار كان يتحدث عن الرق في موريتانيا والسودان، وعُدنا انا وابن عم لي من باريس وكان لنا تعاطف مع هذه القضية وكان صلاح يري ان هذا مجرد توظيف لقضية من اجل شق وحدة السودان وكان لديه موقف جذري من دكتور جون قرنق ، وكان يقول ان دكتور جون قرنق صهيوني وانفصالي وكنت أرى رأياً مختلفاً منذ ذلك الوقت حول الحركة الشعبية، وهكذا كان صلاح مستقلا جداً ولكن انت تعني اللحظة التي انحاز فيها صلاح لمشروع المقاومة في الجنوب وليس للانقاذ، رأي صلاح في الانقاذ حدده في الرسالة التي بعث بها الي رئيس الجمهورية، وانا عندما عدت الى السودان واصبحت مسؤولا في الاعلام الخارجي كان يقول لي بوضوح ان الشخصيات الجيدة من امثالك في الاحزاب هم الذين يدفعون الثمن كما دفعه الشفيع أحمد الشيخ ، وقال لي انت الان مسؤول الاعلام الخارجي وكل ما ستفعله هو القيام بعكس ما يدور في الخارج، وان الحمار اذا نظر في المرأة سيري وجه حمار ولا يمكن ان تحسن صورة غير موجودة وهذا كان حديثه باستمرار وبعث برسالة ارجو ان تنشر مرة اخري لرئيس الجمهورية ،الذي حفز صلاح هو ما رأى من بعض اشرطة الفيديو التي وصلت باريس حول مجاهدات الدفاع الشعبي والقصائد التي تُليت، وكان يقول من اين يأتي هؤلاء الاولاد بهذا الكلام (ملعون ابو القمح الوراه مذلة) وكان معجبا جداً بقصائد الدفاع الشعبي وكان يقول لي انه يتمني ان يموت ولا يري السودان يتمزق وكانت هذه دوافعه في تأييد الانقاذ في تلك المرحلة، وقال لي انه يرُيد ان يقابل مدير جهاز الأمن فاخبرت نافع علي نافع وكان يتقلد هذا المنصب في ذلك الوقت فقال لي نافع ان صلاح اذا جاء الي السودان سأقابله واذا ذهبت الي اوروبا ساغشى باريس بالتخصيص لمقابلته وفعلاً أوفى د . نافع بوعده فعندما جاء صلاح ذهبنا انا وهو الى نافع واثار معه صلاح موضوع فاروق محمد ابراهيم وقال لنافع «انا اسمع حديثا عن بيوت الاشباح واسمع انكم ترفضون هذا الحديث ولكن هنالك شخص واحد لا يمكن ان يكذب وهو فاروق محمد ابراهيم»، وهذه شهادة ارويها من صلاح عن فاروق محمد ابراهيم فصلاح وصف فاروق بأنه لا يكذب ونافع نفسه كان يقول ان فاروق لا يكذب لانه يعرفه شخصياً ولذلك اتفق نافع مع صلاح في هذا الطرح وقال نافع لصلاح : (ينبغي ان تعزرنا فبلد فيها حروب لا يمكن ان يكون فيها حقوق انسان بهذا المعني) ، وفي النهاية خرج صلاح وهو راضٍ عن لقائه مع نافع علي نافع ووجاهة وجهة نظره ان البلد فيها حروب لا يمكن ان يكون فيها حقوق انسان بالمعني الذي نتطلع اليه في اوروبا ولكننا كسودانيين ينبغي ان تكون هنالك حقوق انسان. ولكن المرافعة القوية التي كانت في تجربة الدفاع الشعبي ادرك جوهرها صلاح أحمد ابراهيم ورأى انها ستنقذ السودان من مصير الانفصال وكان له هاجس قوي جداً من إطروحة دكتور جون قرنق واطروحة فليب عباس غبوش، واطروحة د. بلدو، ود . عشاري وكان هذا قبل الانقاذ، وقال لي صلاح انه قال لفاطمة محمد ابراهيم : «اذا جاء د. جون قرنق الي الخرطوم لن يُفرق بينك وبين د. الترابي»، وكان هذا قبل الانقاذ واعتقد ان صلاح لم يجد الوقت الكافي لتأمل اطروحة د . جون قرنق والحركة الشعبية ولو عاش الى اليوم اعتقد انه كان سيغير موقفه هذا، فصلاح كان منحازا جداً لقضايا المهمشين وعند زياراته للسودان كان يصر علي الذهاب الي المويلح وكان يحمل معه اغاثة لهم.


    * قلت إن صدق صلاح أحمد ابراهيم في سودانيته هو الذي عمق احساسه بالخطر على السودان، وجعله يبحث عما يجمع الصادقين في صف واحد، كان لا يرضى لأبناء السودان أن ينتشروا في دول الجوار باسم المعارضة في حين الخطر على السودان و.... ؟



    «مقاطعاً»: الكلام ده كتبتو أنا؟

    *مواصلاً: نعم.. وقلت عن صلاح أيضاً إنه يرى ببصره الحاذق د. منصور خالد في معسكر الأعداء، وها قد دارت الأيام أو بلغتك دارت الدوائر وتحالفتم مع معسكر الاعداء (المعارضة - الحركة الشعبية)، بل والحزب الشيوعي الذي ـ يا سبحان الله ـ نفخ الله في صوره فاستبدله بـ «الحزب الذي صار».. كيف تقيِّم مسيرة الانتقال هذه من النقيض الى النقيض؟ وكيف تنظر الى انتشار كوادر المؤتمر الشعبي في معاقل الامبريالية الآن؟ كيف تقف مواجهاً للموقف القديم؟

    - والله تعلمنا، اعتقد اننا قد تعلمنا، طبعاً المواقف الحادة هذه كانت موجودة منذ أن كُنّا طلابا بيننا وبين الشيوعيين ومعسكر اليسار عموماً. وكان جيلنا جيل السبعينيات في نظر جيل الستينيات دفع الأمور في الجامعة في اتجاه غير سوداني، وهو اتجاه العنف والمحاداة والمواجهة، فهذه هي الأجواء التي تربينا فيها. ولكني كنت شخصياً - ويمكنك أن تسأل - اكثر أخ مسلم له علاقة بالشيوعيين والبعثيين في جامعة القاهرة وجامعة الخرطوم. وكان هذا معروفا عني، ولكن هذه كانت هي الاجواء، واستمرت هذه الجواء ايام الجبهة الاسلامية، لاننا كنا آخر حزب مع النميري أيام انهياره، واستثمر هذا لاقصاء الجبهة الاسلامية، نحن كنا نملك جريدة واحدة امام عدد من الجرائد كانت للقوى التقليدية واليسار، ولكن وقّع اكثر من اربعين مثقفا مشهورين وكبار من مثقفي اليسار لحظر صحيفة «ألوان»، ثم بعد ذلك حظر الحزب نفسه حزب الجبهة الاسلامية القومية، وأية ندوة شهدناها كنا نشهد فيها هذه العنف. ونحن في جريدة الراية كُنّا نسخر من أنفسنا، لأن الخط الرئيسي للجريدة كان يحمل كل يوم اسم التجمع أو جون قرنق. وكان هذا هو العدو الرئيسي الذي صوبنا إليه كل جهدنا.. وطبعاً كانت تلك ايام محتدمة جداً، وانتقلت هذه الأجواء الى الانقاذ الأولى (بداية عهد الانقاذ) كان فيها هذا العنف بين المعارضة والحكومة، وحكمنا عشر سنوات تعلمنا فيها الكثير.. ولكن المفاصلة بين شقي الحركة الإسلامية كانت درسا كبيرا، التأمل ومراجعة المواقف، ولا توجد مواقف تنشأ بين يوم وليلة، ولكن تتبلور في رحم القديم، فإذا ظهر ضوء الصباح يبرز هذا الشئ الجديد.. فنحن منذ عام 1996م داخل الانقاذ بدأنا نتحدث عن ضرورة بسط الحريات، وكُنّا نعتبر انتلجينسيا، والانتلجنسيا مضطهدة شيئا ما، داخل الحركة الاسلامية، فقد كانوا يطلقون عليهم عبارات مثل المنظراتية والمفكراتية، كما قال التيجاني عبد القادر، وذلك بغرض تخفيض دورهم. وعندما جاءت معركة التوالي التي بدأت عام 1996م ووصلت قمتها عام 1998م عندما أعلن الترابي انه اذا لم تجز اطروحة التوالي فإنه سيتخلى عن الأمانة العامة. ونحن كُنّا أكثر حدة، فالترابي كان يراعي أشياءً كثيرة، ولكن المجموعة التي كانت حول الترابي كانت حادة جداً في مواجهة العسكريين والمدنيين ، كانت مواجهة حادة جداً، وفي ذلك الوقت كنا مانزال حزباً واحداً، ولكن عندما حدث الانشقاق كل هذه الافكار أضاءت، فكرة الحرية، فكرة اللا مركزية، فكرة الهامش الذي يقاتل من أجل حقوقه.. هذه المفاهيم بدأت جذورها ومكوناتها منذ فترة بعيدة، ولكن الانفصال اعطانا قوة فكرية في اتخاذ هذه المواقف. وأذكر أنني قابلت شخصية إسلامية بارزة في الدوحة بعد المفاصلة، فرفض ان يُسلم عليَّ باعتبار أنني كنت في أسمرا ووقعت مذكرة التفاهم مع الحركة الشعبية، وهو شخص كبير واستاذ للفلسفة، وقابلت آخر في لندن وقال لي لائماً: حملت القلم ووقعت اتفاقاً مع ياسر عرمان هذا الشيوعي وباقان أموم الذي احتل كسلا؟. وجلست مع هذا الشخص أكثر من ساعة وحدثته عن التطور الفكري والنفسي الذي حدث لي شخصياً، والتطور الذي حدث في كل مسار الحركة، وهذه تطورات مهمة ينبغي أن تقرأ في مسار حركة اجتماعية، سياسية، وللأسف فإن القراءات ليست كثيرة في السودان، لا يقرأ الناس التجارب ولا يراجعونها، وأنا لست أدري ما الذي يحدث، فالطاقة الفكرية في السودان كان ينبغي أن تستفيد من هذه التجارب، وبالتالي يتكون لدينا أكثر من حل للمشاكل التي نواجهها، ولكني أقول وكنت اقول هذا دائماً، إن الحركة الاسلامية والحركة السياسية السودانية كلها في مرحلة نضوج، فنحن في لندن نلتقي عادة أنا وحاتم السر وعادل سيد أحمد والهادي الرشيد وياسر عرمان والرشيد سعيد، ونتحدث كأصدقاء ينتمون الى أصل واحد، يحملون نفس الهموم، ويتفقون في أكثر من 90% من الرؤى، ولو وجدنا حتى شخصا من المؤتمر الوطني متجردا من الضغوط السياسية، يمكن أن يصل معنا لنفس النتائج. ولكن الذي يمنع ذلك هو الاجواء غير الطبيعية الناتجة عن الوجود الطويل للإخوة في المؤتمر الوطني في السلطة. ? تناولت ما أسميته عقلية وروح الفكي والحيران التي سادت حياة الحزب الداخلية التي ساد فيها قمع العضوية ومصادرة حقها في الادلاء برأيها، والرضا بدور المتلقي حتى تحنط عقول العضوية وتكف عن التفكير وتنتظر رأي الحزب في كل المسائل. صدقني رغم اتفاقي معك في بعض ما ذكرته إلا انني لم امنع نفسي من الضحك خاصة وان هذا هو عينة واقع الانقاذ عندما كنت أنت أحد قادتها، وواقع المؤتمر الشعبي بعد ذلك فلم تكونوا إلا حيرانا للترابي، والبعض يراك أنت بالذات الحوار الذي يأبى مفارقة شيخه، وتسير معه على طريقة (إن كان قد قال فقد صدق)؟ - هذه طبعاً نلوم عليها الحزب الشيوعي الذي اعطانا النُسخة السوفيتية من الماركسية، طبعاً ما كُنا نجد كتبا عن الماركسية نقرأها غير كتب المركز الثقافي السوفيتي، وكانت تؤكد لنا هذا المعنى ولكنني بعد ان ذهبت الى فرنسا اعطتنا النسخة الاوروبية اضاءة اعمق للماركسية غير السوفيتية، فالذي اعترى التجربة الشيوعية في السودان من ازمات كانت تشير الى هذا المعنى واذكر انني جلست الى الخاتم عدلان وسألته عن التقييم الذي صدر بعد ثلاثين عاماً عن احداث يوليو 1971م، فكان منفعلاً جداً وثائرا على التقييم الذي وضع المسؤولية على الضباط الماركسيين، وقال لي بالحرف الواحد ان هؤلاء الضباط من اشرف الناس وأكثرهم انضباطاً والتزاماً بقرارات الحزب ولا يمكن للحزب ان يتبرأ منهم بهذه الطريقة. هذا كان رأي الخاتم عدلان فإذا كنت انا اقرب حوار للشيخ الترابي فالخاتم عدلان كذلك حوار كبير لعبد الخالق محجوب، ولكن كانت هنالك مركزية واضحة جداً في تجربة الحزب الشيوعي وأظن أنا لا امتلك معلومات جدية ولكن اظن ان هذه المركزية هي التي تعيق عملية التجديد في الحزب، فالحزب الشيوعي ليس في حاجة الى اصلاح فقط ولكن ايضاً الى تجديد وهذا رأي كثير من الماركسيين. فيما يتعلق بتجرية الحركة الاسلامية أنا اشرت في اكثر من مرة الى انها حركة أنداد بدأت في المدارس والجامعات بين شباب في ذات العمر، لم يكن بينهم شيخ ومن أهم الاصلاحات التي قام بها الشيخ الترابي انه لم يسم منصب القائد في الحركة الاسلامية بالمرشد العام كما كان في مصر، بل سماه الأمين العام فقط سكرتير منظم للعلاقات ولكن كذلك اشرت اكثر من مرة الى عبد الخالق محجوب وحسن الترابي باعتبارهما شخصيتين استثنائيتين مفيدتين جداً، ولكن في نفس الوقت تحدث بعض المشاكل عادة فالانسان العادي تنتهي طاقته في الستين ولا يستطيع ان يقدم الجديد ولكن الشخصيات الاستثنائية تظل تقدم ود. الترابي من هذه الشاكلة، واظن عبد الخالق محجوب كان من هذه الشاكلة أنا قرأت مقارنة طريفة جداً بين عبد الخالق والترابي لم تنشر، كتبها الدكتور احمد عز الدين أبو القاسم هاشم، وهو طبيب وماركسي كان في الامارات وكان في القوات المسلحة ضابطا صغيرا في 1971م، وهو شديد الاعجاب بعبد الخالق والترابي وليس اعجاباً ساذجا بل لأنهما من المفكرين الاستثنائيين والاستراتيجيين، الترابي مفكر استراتيجي نحن لم نستفد من افكاره فقط بل وتتلمذنا على يديه نحن تلامذة الترابي ومتأثرين بمنهجه كما قال مرة أمين حسن عمر ان للحركة الاسلامية مفكر واحد والبقية شراح على المتون، ولكن كانت عندنا فرصة كبيرة جداً للشرح فالترابي بطبعه ليس مركزياً بل يتيح فرصة كبيرة جداً للقيادة من حوله ان تفكر وان تتصرف، وهذا بعض الذي اضر بتجربة الانقاذ ان الترابي فوض غالب سلطاته الى النواب وآخرين لم يكونوا بمستوى فهمه للتحديات التي تواجه السودان وتواجه وضعه في الداخل وفي العالم. صحيح اننا تلاميذ د. الترابي بهذا المعنى ولكننا أبداً لمن نشعر انه يمارس دكتاتورية علينا خاصة عندما نقارن انفسنا بالاخوة في الحركات الاسلامية العربية، ونجد الحظر الذي يفرض على آرائهم وافكارهم وقراءاتهم، وكنا نقارن انفسنا في الجامعة بالفكر الجمهوري، الفكر الجمهوري كان يقوم على الأستاذ محمود محمد طه ولا يمكن لجمهوري أن ينطق كلمة ما لم يراجع لكتب الأستاذ أو يسأله مباشرة، لكن الترابي حتى في أصول الفقه التي له فيها إسهام مهم جدا، أشار إلى أن الفكر الإسلامي في أصله تفاعل بين النص والواقع وعقل الإنسان وتجربته الشخصية ونسبيته، وكان يقول أنتم تريدون أن أكتب كتبا كما يكتب محمود محمد طه وأن تستندوا إليّ، وكنا فعلا نطلب ذلك في أول الجامعة، وكان يقول أنتم إذا سألكم سائل في حلقة نقاش يمكنكم أن تجتهدوا وتفكروا، فهو لا يحتكر الاجتهاد للعلماء ولا يعترف بطبقة اسمها العلماء، ولكي يجعل من الاجتهاد شركة مساهمة يساهم فيها كل الناس فهذه هي الأفكار التي كان الترابي يشرحها جيداً وينادي بها، وتشبعنا بها لذلك لم نشعر أبداً أننا مجرد تُبّع وعندما كبرنا ونضجت تجربتنا كثيراً ما كُنّا نجادله ولم يكن يمارس علينا إرهاباً فكرياً كما يظن الناس.

    *رُحت تدبج مقالك «الحزب الذي كان» بالآراء الفكرية المصطرعة داخل الحزب الشيوعي ـ وهي حالة حميدة ـ التي حفلت بها مجلة قضايا سودانية لتبرهن علي اقتراب نهاية الشيوعية، ألا تشبه هذه الحالة بتلك التي انخرط فيها مثقفو الحركة الإسلامية بعد انهيار مشروعهم الحضاري على رؤوسهم ناقدين ومدافعين وباحثين عن أفق، ألم تنخرط أنت نفسك ليس في نقد عنيف ليس دفاعاً عن «المشروع الرباني» بل عن الشيخ ـ طبعاً إلا إذا كانا شيئا واحداً ـ في وجه من خرجوا عنه وتخلوا عن أفكاره ووصفت هؤلاء «الحيران الفارين عن شيخهم ـ بالانتجلنسيا الإسلامية المتولية يوم الزحف» بل وأسست لهذه الحالة «الفكي والحيران» عندما قلت: «إن الحالة الأشد خصوصية، حالة المجموعة حول الأمين العام مؤسس الحركة ومفكرها من التلاميذ النجباء والأذكياء، والحوار بينهم بالتواجد الروحي والفكري وأحياناً بالتواجد المادي الفعلي ولمدى يقارب العقود الثلاثة 1974 م ـ 1999م»؟

    ـ نعم، أنا حتى اليوم ما زلت أقول بذلك إن الشخصية السودانية لا تملك رصيداً نفسياً وفكرياً جيداً للمقاومة، وليست لنا الطاقة النفسية التي عند العراقيين أو الفلسطينيين أو حتى بعض الأخوة الافارقة أو الاخوة في الجنوب التي تقبل الأحوال الصعبة «كسر العظام، عض الأصابع» وتخرج من التجربة مستعداً أن تواصل، هذا عيب في شخصيتنا بالنسبة للإخوة في الحزب الشيوعي تجربة 1971م ما زالت ماثلة فهم أقرب للشخص الذي جرب عض الدبيب ويخاف جر الحبل، الأخوة الإسلاميين بعد الانشقاق انفضوا، بعضهم ذهب إلى أفكار صوفية مناوئة جداً لمشروع التجديد الذي قامت به الحركة الإسلامية، وبعضهم وقف في الرصيف محتارا، وبعضهم أصبح ناقما وناقدا جداً، وبعضهم ذهبت به الحياة في دروب أخرى وعرة. على أية حال أنا أقول إن التجارب سواء أكانت داخل الحركة الإسلامية أو داخل الفكر الماركسي ينبغي أن تُلهم الناس لجولة جديدة من العمل والتفاعل، وهذا لم يحدث يمكن أن تكون هنالك عيوب متعلقة بإدارة الحركة من قبل قيادتها، مثلاً كثير من الناس كانوا يقولون لي: أنتم طلبتم منّا التصويت لدستور 1998م، ولكن لم تشرحوا لنا هذا الدستور، وصوّتنا لأنكم أنتم طلبتم ذلك، ولكن لم نعرف أن هذا الدستور مؤسس علي الحريات، دستور مقدس ومحترم. وأنا كنت في غالب الندوات عقب الرابع من رمضان أقول إن هذاالدستور قد خرق وأن هذا الدستور هو عهد الولاء الأعظم بين الشعب ولكن قيادة الشعب خرقت هذا الدستور ولذلك ليست لها أية ولاية عليه حتى تعود عن هذا الأمر. ولذلك عدم شرحنا لهذا الدستور كان عيباً، لكن أنا قابلت إسلاميين أقصى أمريكا وتحدثت إليهم وعجبوا جداً لوضوح الرؤية فهم ما كانوا يدركون التفاصيل ولكن كان عندهم بصيرة نافذة جداً لأن يروا المواقف وعندما حدثتهم عن التفاصيل لم يندهشوا كثيراً لكن فقط عضضت مواقفهم، فأنا ألوم الانتلجنسيا في هذا. فيما يتعلق برأب الصدع هذه لجنة جاءت تصلح بين طرفين كما تقول آية قرآنية «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله» لكن فوجئنا في اليوم الثاني أنهم كلهم أصبحوا وزراء فهذا يعني أنهم جاءوا من الطرف الآخر خلطوا أهداف الحركة الإسلامية العظيمة بطموحاتهم كنخبة، أن يتولوا مناصب، يصبحون وزراء، ويصرفوا دولارات وهكذا... وهذا شيء مؤسف.

    *من ضمن من استخدمتهم في هجومك على الحزب الشيوعي كان الخاتم عدلان الذي رأيت فيه «تأيق يعشى الى نور كريم» وبررت ذلك بأنه يدعو إلى نقد شامل ومفتوح، وأنه جاء بكل تجربته في الدراسة والجدل ليناقش حزبه وقيادة حزبه. تُرى كيف تنظر إلى النقد الذي وجهه الخاتم عدلان ـ صاحب التجربة والدراسة في الجدل ـ للشيخ الترابي حيث يرى الخاتم أن التفكير المنفلت من عقاله يضع الترابي علي رأس المتطرفين الغُلاة، وأن الترابي يرى في حكمه الخاص حكم الله، وأن مسيرته خلال أربعين سنة كانت المسيرة الدموية المدفوعة ظعائنها بالحُداة الكاذبين. بل ذهب الخاتم معدداً ما أطلق عليه الآليات الترابية لاختطاف الدين بل قال الخاتم إن الترابي حرك الزعماء السياسيين كالدمى في جريمة حل الحزب الشيوعي ودحر الديمقراطية الثانية؟

    ـ أنا قرأت طبعا هذه المقالات وذهبت إليه في صحيفة الشرق الأوسط، وطلبت منه نسخة حتى أعمل على نقدها لأنني رأيت فيها خلطاً وأنا كنت أتهم الخاتم منذ أن كان طالباً في الثانوي بأنه فُرّغ من قبل الحزب الشيوعي ليتابع مسار الحركة الإسلامية الفكري، ولا سيما فكر الترابي وفي نقده الأخير ـ مقال الثلاثاء، بصحيفة الأضواء ـ اعتمد على كتاب السياسة والحكم للدكتور الترابي الذي صدر عام 2004م، وهذا الكتاب يستحق هذا النوع من القراءات، أنا الآن لست بصدد أن أجيب على كل ما كتب الخاتم عدلان لكن ما كتبه يستحق أن يُنظر فيه وأن يرد عليه وأنا سأقوم بهذا الأمر، طبعاً للأسف الشديد بعد لقائي بالخاتم هو ذهب إلى أمريكا واكتشف المرض، وبعد ذلك لم يعش طويلاً. في تجربة الحزب الشيوعي شيء أفضل من تجربة الحركة الإسلامية، الشيوعيون بعد أن تجاوزوا الصدمة الأولى ـ إعدام القيادات ـ بدأوا ينخرطون في نقدهم للماركسية، وكذلك عندما انهارت الماركسية أعملوا سلاح النقد، لكن الإسلاميين حتى الآن باستثناء مقالات التجاني عبد القادر والردود حولها لم تصدر دراسة يشترك فيها عدد من الناس كل يعبر عن رأيه. لجنة رأب الصدع نفسها حاولت أن تعمل تقييما للتجربة ولكنه كان تقييم لجنة لكي تقدم ورقة لمؤتمر، أما الكتاب الذي أصدره عبد الرحيم عمر محي الدين فهو من نوع الكتب التي تعنى بالحقائق أكثر من تحليلها، وفي هذا الجانب الكتاب فيه رصد للكثير من الحقائق والمقابلات وهو يعين على التحليل وفهم المواقف، وأنا كنت أدعو إلى أن تصدر آراء من مختلف أطراف الصراع داخل الحركة الإسلامية، ولكن كما تعلم الصراع ما يزال ماثلاً وهذه واحدة من المشاكل أن المؤتمر الوطني والشعبي لم يتخلصا جيداً من أجواء 1998 ـ 1999م. ? اذاً كيف تُقيّم حرب المقالات الناقدة التي ابتدرها التجاني عبد القادر وردود ومقالات الشيخ السنوسي وأمين حسن عمر، والمحبوب وغازي صلاح الدين؟ ـ هذا أمر جيد، خاصة وأنها قد صدرت في كتاب، طبعا كثير من الناس سيغضب على التجاني عبد القادر وما كتب، وقد لا يتفقون معه وأنا شخصيا لا أتفق معه وأرى في كتابه الكثير من التناقضات لكن على أية حال هو كتب ولكن كتابه كذلك يحتاج إلى قراءة وفي الكتاب نفسه مقالات لامين حسن عمر وللسنوسي، وهذا جيد وكان ينبغي كذلك لأمين والسنوسي أن يواصلا في النقاش مع التجاني ولكن لا يزال هنالك انفعال من جانب أمين والسنوسي في ردهما على التجاني لم يكن رداً موضوعياً هادئاً، ولكنه جيد في بعض جوانبه. ومن ناحية التجاني عبد القادر هنالك مرارة تقرأ في السطور وأنا أقول هذا الكلام لأنه مهم لاننا قضينا فترة طويلة في الحركة، وان نبدو في العمر أصغر بكثير من جيل الترابي أو علي الحاج أو السنوسي ولكن قضينا سنوات طويلة جدا في الحركة الاسلامية، وجاءت اجيال من بعدنا ينبغي ان تفهم ما دار بصورة موضوعية لنؤسس تجربة راشدة ومعافاة.

    إضاءة مهمة جداً: مقالات المحبوب عبد السلام «العبرة والاعتبار في الحزب الذي كان»، نشرت بصحيفة الانقاذ الوطني في التسعينات، ولكن الزميل وجدي الكردي اعاد نشرها في صحيفة الاضواء عام 2004م.

    *عندما سألك الزميل عبد الواحد ابراهيم عن ان كثيرا من الحركات العقائدية تحمل فشلها عند استلام السلطة إلى قصور في التطبيق ودلل لك بما يقوله بعض الاسلاميين السودانيين ولكنك هربت مباشرة إلى استدعاء التجربة الماركسية وقلت ان ذلك يصلح في الفكر الماركسي؟

    - لا أذكر حقيقةً اجابتي عن هذا السؤال بالضبط ولكن اقول ان القصور لم يكن في التطبيق فقط ولكن في الاساس كان في التنظير، فمثلاً في مجال الاقتصاد الاسلامي نحن أسسنا بنوكا اسلامية كبنوك لأن البنك ينجح بنجاح استثماراته وارباحه والودائع التي فيه. نجحنا على هذا المستوى ولكن فلسفة الاقتصاد الاسلامي التي تؤسس لبنك يرعى العلاقات بين الناس وان يحفظ التكافل الاجتماعي وان يرعى الفقراء ويطور مفهوم الزكاة نفسه، هذه المسائل لم تجد نصيباً من التنظير، وكذلك الحكم الاتحادي وجذور المجتمع السوداني ومكوناته لم تُدرس جيداً لذلك نحن تورطنا في مشكلة دارفور مبكراً ، وكما قال الترابي عندما تمرد بولاد كان ينبغي أن نقرأ ان ذلك التمرد مثل بوادر الأزمة ولكننا لم نقرأ ذلك جيداً فعلى مستوى التنظير كان عندنا نقص وعلى مستوى التطبيق كان عندنا اخطاء ، وانا قلت ان ذلك يصلح للماركسية لأنها فكرة جاءت مكتملة لواقع أوروبي بتفاصيله، ولكن الاسلام كتاب وحي صالح لكل زمان ومكان وهنالك تجربة عملية وهي السُنة فالسُنة هي التطبيق العملي في تقديم النموذج في التجربة الاسلامية ولذلك العبارة فعلاً هي أصلح للماركسية لأن الماركسية حاولت ان تقرأ الواقع وتنظر للواقع القائم أمامها، لكن بالنسبة للاسلام فهذا مجهود أمة تشترك فيه كل الأمة.

    باعتباره مشروعاً ربانياً؟

    - لا، أصوله هي الربانية لذلك في الاسلام اذا اصاب المجتهد فله اجران وان اخطأ له أجر واحد، وهذا يعني ضرورة ان تجتهد اولاً لتنال أجرين ولكن احتمال الخطأ دائماً موجود، وكما قلت لك في الاصول التي تحدث فيها الترابي، الترابي عبر عن ذلك جيداً عندما قال ان الاجتهاد في الاسلام هو تفاعل النص مع الواقع ومع عقل المجتهد والواقع كما تعلم نسبي وكذلك عقل المجتهد، ولكن النص ليس نسبياً وهذا بالتالي تفاعل دقيق ومركب مما يصعب ان تقول ان النظرية كانت مكتملة وعندما جئنا الى الواقع نقصت النظرية، ولكن النظرية الماركسية مكتملة حتى في نظر ماركس لأنها اجابت عن الاسئلة الاساسية في تاريخ البشرية وقرأت المستقبل على ضوء ما حدث في التاريخ واعتبرت ما سيحدث في المستقبل حتميا.

    *قُلتم انكم طرحتم في الحركة الاسلامية في 1987م ميثاق السودان وقلتم ان الوطن يؤسس على المواطنة - وهذا طرح علماني - وليس على الشريعة، ولكن سرعان ما انقلبتم على ذلك في 1989م وبدأتم مشروعكم الحضاري المتواصل مع السماء ورغم اعتراضك على هذه العبارة (المتواصل مع السماء) إلا انني اصر عليها، يا أخي يوسف عبد الفتاح كان في بداية الانقاذ يظن نفسه عمر بن الخطاب عندما قال «من اراد ان تثكله أمه و...»

    - مقاطعاً: انت قلتها: «يظن نفسه»!

    وهذا ايضاً ما تظنونه في مشروعكم الحضاري؟ *

    - يعني كانت هنالك بعض التعبيرات ايامنا في الجامعة كانت تشير الى هذا المعنى في الاتجاه الاسلامي والمعنى هو اننا نصدر عن نص إلهي ولكن ليس بالضرورة اننا في كل مواقفنا نطابق النص الإلهي لأننا حتى في فهمنا للنص الإلهي قد نُخطئ وقد لا نفهم النص في ضوء النصوص الاخرى وقد لا نفهم كل النصوص وقد لا نجتهد جيداً في فهم واقعنا لأن واقعنا الاقتصادي المعاصر معقد جداً، قد لا تجد شخصا أو اثنين في الحركة الاسلامية يفهمون جيداً معنى الاقتصاد البحت وهذا مهم جداً لحزب يدعى ان له رسالة وله فلسفة.

    *هل كانت الوثيقة «ميثاق السودان» تُعبر عما تطلقون عليه «التدافع في الواقع» خاصة وانك ضربت مثلاً بالاحزاب الاسلامية في تركيا وتونس والاحزاب التي اضطرت الى تغيير عقيدتها بعقيدة علمانية حتى تشق طريقها في السياسة فهل هذا من ذاك، وهل هذا ينطبق على ما ذهبتم إليه بعد المفاصلة من انكم لا تُريدون تطبيق الشريعة قسراً انما الشعب هو مصدر التشريع؟

    - حزبنا كان في محادة شديدة جداً مع الحركة الشعبية ومع التجمع الوطني الذي كان يوالي الحركة الشعبية الى حد ما، فميثاق السودان جاء بعد ثلاث سنوات من تجربة التعددية في فترة الحكم الانتقالي، لذلك قيادة الحزب كانت ترى في ذلك الوقت ضرورة ان تطرح طرحاً يلائم حزبا يتقدم نحو استلام السلطة، هذا الحزب سيحكم كل السودان وسيفاوض الحركة الشعبية ويحتاج في ذلك ليس الى تبرير أو خطوة انتهازية بل الى اجتهاد اصولي، واعتقد ان ميثاق السودان وقفة جيدة اعاد فيها د. الترابي الحركة الاسلامية الى اصول افكاره التي شوهتها قليلاً تجربة الصراع الحزبي ، واصبحنا كأننا مُعادين للجنوب في ان ينال نصيبه من السلطة والثروة وبهذا المعنى كان هذا الميثاق مهم جداً، وكان السؤال المطروح من مفكرين اسلاميين حتى من خارج السودان مثل محمد فتحي عثمان قال انتم موجودون في وطن مركب فيه اديان وثقافات وعناصر مختلفة وينبغي عليكم في السودان ان تقدموا تنظيرا حول وطن مركب ومعقد وكان ميثاق السودان يستند على التجربة الاولى السابقة لنزول القرآن في المدينة حيث حدد الرسول«صلى الله عليه وسلم» ميثاقا لمكونات المدينة القبلية والدينية، واليهود بتفصيلاتهم ومعاقلهم «لهم ما لنا وعليهم ما علينا» ، ومن الوضح انه من الممكن تأسيس دولة فيها غالبية مسلمة على فكرة المواطنة حيث يجد كل شخص حقه، وكلمة علمانية ينبغي ان تفهم جيداً فهي ليست كلمة واحدة ولها تعاريف مختلفة وتجارب مختلفة خاصة اذا اننا ننظر إليها في اطار الفكر الفرنسي. *علمانيات؟

    - نعم، هنالك علمانيات، وفي اطار الفكر الفرنسي يمكن ان ترى علمانية كاملة وكانت هذه هي المشاكل التي تواجه السودان في ظل حركة تحمل السلاح في الجنوب وتقاتل وفي ظل كذلك حركات اقليمية تستشعر التهميش وان لم تكن تستشعر المجانية الثقافية والدينية بينها وبين الشمال فميثاق السودان هو تجربة ممتازة وليدة تلك الايام وهو وجد تمثلاته في الرسوم الدستور الرابع ثم المرسوم الدستوري الحادي عشر والثاني عشر التي تحدثت عن تقسيم السودان الى 26 ولاية ثم جاءت اتفاقية الخرطوم للسلام مع رياك مشار ولام اكول، وكاربينو كوانين. وميثاق السودان لم يجد تمثلاته في تجربة الجهاد التي اشرت إليه كتجربة إليها وانها توصل الارض مباشرة بالسماء، وكذلك لا تجد تمثلاتها في الشعور الذي عبرت عنه من ان بعض الناس يظنون انفسهم عمر بن الخطاب واستعملوا لغة الاسلام الاول «من أراد ان تثكله أمه» كما كان يقول يوسف عبد الفتاح في تلك الأيام، هذه الروح التي اعترت الانقاذ الاولى كانت متعلقة بمناخ التعبئة والمواجهة مع الآخرين، عندما جاءت الانقاذ كان الناس شرسين جداً في مواجهتها ومقاومتها عبر الاضرابات والحركات العسكرية السريعة وبالطبع كان لهؤلاء المقاومين قراءة سليمة انهم اذا تركوا هذا المشروع للأيام سيقوى بالمقابل اصحاب المشروع هبّوا لحمايته لأن نهاية المشروع تعني نهايتهم لذلك نشأت اجواء التعبئة وهي نشأت كذلك مع حرب الجنوب واجواء التعبئة هذه تمنع النظر الموضوعي خاصة في ما يتعلق بالعلاقة مع الآخر، واتمنى ان لا نعود لأجواء التعبئة بهذا المعنى التي تلغي الآخر واتمنى ان محكمة اوكامبو هذه لا تخرجنا عن موضوعيتنا في تأملها، اتمنى مهما احتدمت الظروف ان لا نعود لاجواء التعبئة التي تلغي الآخر، انا قرأت تصريحا ـ اتمنى الا يكون صحيحا ـ لاحد المسؤولين في المؤتمر الوطني يقول: «اوكامبو واذياله في الداخل» وهذه عبارة خطيرة جدا في مثل هذه الظروف التي نحتاج فيها الى كل من في الداخل وهم ليسوا اذيالا طبعا وانما حركات وطنية.

    *عقدت مقارنة بائسة بين المفكر الاسلامي انطونيو غرامشي وسيد قطب في «الانتلجينسيا الاسلامية المتوالية يوم الزحف» عندما قلت ان غرامشي جسد مبادئ سيد قطب وهي بائسة لان المفكر الماركسي عمل على حرية وتحرير الفكر بما في ذلك الفكر الماركسي وكان على النقيض من النموذج السوفيتي وعمل على محاربة الطغاة، بينما اسس سيد قطب للطغيان والعنف حتى افرز فكره وكتاباته معظم الجماعات التكفيرية؟

    ـ هذا كلام صحيح وخطأ، صحيح لانك عندما تقرأ «في ظلال القرآن» وانا هنا اختلف مع كثيرين في الحركة الاسلامية لانني اسمع عبارات واضحة من سيد قطب وهم يطالبونني بتأويلها فأرد عليهم بأنني لا أأول الا القرآن ولكن سيد قطب يقول كلاما واضحا فهو يقول مثلا «اذا دعوت الى الشريعة في مجتمع جاهلي فانت تستنبت البذور في الهواء» وهذه المجتمعات التي امامنا اليوم هي مجتمعات جاهلية والوظيفة التي امام الحركة الاسلامية هي دعوتها الى الاسلام، وهذا واضح جدا في «في ظلال القرآن» النسخة المنتشرة الآن وليست الاولى التي اعاد سيد قطب تحريرها في السجن وفعلا سيد قطب قال هذا الكلام واذا اردت ان تؤسس لفكر تكفيري من «في ظلال القرآن» فهذا ممكن، ممكن جدا ان تجد نصوصه واضحة جدا لسيد قطب تؤسس لذلك، لكن المقارنة التي عقدتها مع غرامشي هي فقط في موقفه من الافكار وسيد قطب قبل ان يكتب الظلال، كتب رسالة جيدة جدا هي عبارة عن خطاب لاخته سماه «افراح الروح» قال فيه «افكارنا تظل ميتة حتى اذا متنا في سبيلها دبت فيها الحياة، تظل عرائس من شموع حتى اذا ضحينا في سبيلها اصبحت حية ونابضة.. الخ»، غرامشي يرى نفس هذا الموضوع، طبعا في عهد غرامشي كان هنالك عدد كبير جدا من المفكرين الذين يجلسون في المكتبات وبعيدين عن الناس كانوا اقرب الى الآلهة ينزلون الوحي للناس وهم بعيدون عن مواقعهم فغرامشي كان ضد هذا الموقف، هذا هو الربط الذي ربطته بين سيد قطب وغرامشي، سيد قطب يحتاج الى شخص مثل غرامشي يأخذ الافكار الايجابية فيه ويغذي بها الحركات الاسلامية، مثلا نحن منذ المرحلة الثانوية كنا نفهم ان «معالم في الطريق» كتاب خطر جدا لو فهمه الانسان على وجه الدقة، ولكنه كتاب مفيد جدا لو اردت ان تعبئ شخصا وجدت فيه علامات التراخي والوهن تجاه المشروع الاسلامي كان كتابا تعبويا جدا لان سيد قطب تحدث عن اسلام لا يعرف الا نوعين من المجتمعات، مجتمعا جاهليا ومجتمعا اسلاميا.



    *قلت ان قضية الحرية ظلت مطروحة وانها طرحت في الاجتهاد المعاصر وان د. الترابي في مسألة الردة حاول ان يؤسس لفكرة «لا اكراه في الدين». ولكن الترابي نفسه كان وراء اعدام المفكر الشهيد محمود محمد طه بتهمة الردة وبشهادة عديد من الاسلاميين امثال الشهيد محمد طه محمد احمد ود. حسن مكي الذي رأى ان الحكم في قضية محمود كان سياسيا وان الترابي كان «يغير» من محمود وكان «لا بد من قتله»؟

    ـ والله ليس صحيحا، اطلاقا ليس صحيحا، لو قرأت كتاب «الفجر الكاذب» لمنصور خالد قال انه والنميري سألا الترابي عن موضوع محمود محمد طه فقال الترابي ان محمود محمد طه شخص غريب الاطوار، واذكر تماما اننا كنا منفعلين جدا بالفكر الجمهوري وكنا ندخل في مجادلة يومية مع الفكر الجمهوري تبدأ من التاسعة صباحا حتى الثانية ظهرا وقوفا على ارجلنا في ساحة الجامعة وكان هذا الامر ـ حسب عمرنا وتجربتنا ـ يهمنا جدا وكنا كلما ذهبنا الى الترابي وحدثناه عن الجمهوريين وكذا يقول لنا اذا قرأتم ملل ونحل الاسلام ستجدون دائما شخصا مثل محمود محمد طه. لكن كنا كثير جدا انا شخصيا كنت كثير جدا ما اجادل الشيخ الترابي حول خطر الفكر الجمهوري وكان يصر ان الفكر الجمهوري ليس خطرا وكان يقول لي ان الفكر الجمهوري مثل الحشرة التي تتواجد دائما لكنها تعيش ثلاثة ايام لتموت، واذا ذهب محمود محمد طه سيظهر مفكر آخر يحمل آراء غريبة في الاسلام. والغريب طبعا ان موضوع المرتد ردة فكرية بحتة جاءت في اجابة عن سؤال تقدمت به الاستاذة اسماء محمود محمد طه وقالت للترابي ان القرن العشرين هو الذي ضغطك وجعلك تخرج على الشريعة باسم تحكيم الشريعة، وقال لها الترابي ان المرتد ردة فكرية بحتة لا يقتل وفي اليوم التالي اصدر الجمهوريون كتابا قالوا فيه ان الترابي يخرج على الشريعة باسم تحكيم الشريعة واعتبروا هذا خروجا على الشريعة، بالمقابل كان المرحوم محمد طه محمد أحمد كذلك كان مجادلا عنيدا في حلقات الفكر الجمهوري ومحمد طه كان يتبنى الرأي الذي يقول اذا اعدم محمود محمد طه لن يحدث اي شيء، لن يفيض النيل ولن تتزلزل الخرطوم ، وكان هذا نقاشه مع الاخ دالي في تلك الايام، لكن الترابي كان بعيدا جدا عن الحوار، واذكر اننا كنا في جريدة الوان عندما اعدم محمود محمد طه، والوان كانت تصدر في ظل الحكم المايوي ، وسألنا الاخ مهدي ابراهيم عن اعدام محمود محمد طه وكانت اجراءات المحكمة على وشك ان تذهب في هذا الاتجاه، ومهدي ابراهيم تحدث الينا داخل مباني الجريدة في رسالة تنظيمية واضحة ان الحركة ليست مع هذا الحكم وعلى الناس ان تتعامل معه كحكم قضائي فقط. وسألناه عن كيف نعلق علي ذلك؟ فقال: ليس بالضرورة التعليق على اي حكم تصدره المحاكم بمعنى ان علينا ان نلتزم الصمت حيال ذلك لان الاجواء كانت محتدمة لان النميري كان يريد ان يعدم محمود محمد طه ونحن كنا بعضا من حكم النميري، موجودين في اطار المصالحة الوطنية وبالمقابل كانت جمعيات حقوق الانسان الغربية وليدة في ذلك الوقت وتتحدث عن هذه الجريمة.. والخ. ونحن لم نتحدث ويمكنك ان تقول اننا صمتنا، اما ان يكون الترابي وراء اعدام محمود محمد طه فهذا خطأ لان رأي الترابي ان لا يعدم اي شخص يعبر عن افكاره، وهذا لم يكن رأي النميري وكذلك لم يكن رأي القضاة الذين ينتمي بعضهم للحركة الاسلامية، وبعضهم لا ينتمي الى الحركة الاسلامية، القاضي الذي حكم وهو المكاشف طه الكباشي لم يكن من الحركة الاسلامية ولكن كان هنالك حاج نور وكان عضوا في الحركة الاسلامية وكان يؤمن ويعتقد بغير اجتهاد الترابي، فحاج نور كان يرى ان محمود مرتد وينبغي ان يقتل هذا لم يكن رأي د.الترابي ، وتركت القضية في اطار القضاء، ولكن يمكن ان تحاسبنا وتلومنا على اننا لم نعبر عن رأينا في ذلك الوقت بالرفض، ولكن قطعاً فان الرأي الرسمي للحركة الاسلامية الذي تم تبليغه لنا عبر الاخ مهدي ابراهيم ان الحركة الاسلامية لا تؤيد هذا الاعدام ولا تدافع عنه ولا تقف معه، ولكن لم نعبر عن ذلك في جريدة ألوان.

    *ذكرت ان محمود محمد طه كان له نظرية أخرى بخلاف الترابي في استنباط الاحكام ويؤسس على جانب يسمى بالادعاء الكبير، ادعاء نبوة جديدة وعندما سألك عبد الواحد ابراهيم هل هذا رأي سياسي اجبت بانه فكري وان محمود محمد طه خارج اطار الفكر الاسلامي السني ويدخل في اطار الفكري الاسلامي الفلسفي، وان تجديد محمود قائم في مجال اخر غير الذي طرحه الترابي. انت لم تضيء هذه النقطة جيدا ، كذلك ذكرت في احدى الندوات ان الجمهوريين يلجأون الى استنطاق النص القرآني وتحدثت عن تفريقهم بين القرآن المكي والمدني؟

    - الفكر الجمهوري لم يقرأ جيداً، ولو تمت قراءته جيداً لفهم، محمود محمد طه عنده جانب يعجب كثيرا من الناس خاصة الصحافيين وهذا بجانب ان محمود محمد طه يعتقد ان هنالك مشكلات جاءت من تطور الانسان وتطور الحضارة البشرية حتى بلغت افق القرن العشرين ، وايضا اجتهاده في مجال المرأة ومجال الحدود يعني يمكن جدا ان تناقشه فتقبله او ترفضه، ولكن محمود يؤسس لهذه الاجتهادات على اصول فلسفية، اهم اصل هو ان الشخص الذي يقدم هذه الاجتهادات ليس شخصاً عادياً، في هذا الجانب يعود محمود محمد طه من ثقافته الماركسية وثقافته في الفكر الفرويدي ـ (فرويد) ـ وثقافته في الفكر الاقتصادي الرأسمالي يعود ليصبح شخصا يتبنى بالكامل الفكر الغنوصي الصوفي الذي تحدث عنه ابن عربي وابن سينا ـ نظرية الانسان الكامل ـ وانا كتبت الى الطيب صالح، وكان يقول لي ان محمود محمد طه بامكانه ان يركز على الاجتهاد الفكري ولا يذهب الى مسألة ترك الصلاة. وقلت له ان محمود محمد طه لا يدعو الى ترك الصلاة ولكن له رأي في الصلاة ذات الحركات، فقال لي هذا هو الموضوع. وفعلا هذا هو الموضوع، فمحمود محمد طه يعتقد انه شخص اعطاه الله الفهم عن القرآن وأذن له في الكلام، وانه شخص ينبغي ان يلقب بارفع ألقاب العصر وهو لقب الاستاذ وهو شخص استثنائي بهذا المعنى، واذا كان هنالك شخص أُعطي نص وشخص اخر أُعطي فهم النص في اطار بيئة متقدمة بما لا يقاس عن البيئة التي جاء فيها النص الاول فهو متقدم على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي جاء بالقرآن، هذا بالنسبة لي كان واضحا جدا في اطار الفكر الجمهوري. المسألة الثانية هي بموجب هذه السلطة الروحية التي منعته من الصلاة ذات الحركات واعطته صفات الانسان الكامل الموجودة في الفكر الفلسفي الغى محمود النص الديني، نص القرآن المدني الغاه من المصحف بمعنى انه لا يهتدي به بل بالقرآن المكي، وكما قال الترابي لم تكن مكة عقيدة بغير شريعة لم تكن توحيدا فقط ، ولكن اذا قرأت سورة صغيرة «المغيرات صبحا» وهذه نزلت في اول مكة، وواضح انها تتحدث عن جهاد مقبل، الزكاة موجودة في سور المدينة، الشورى نفسها جاءت في سورة الشورى وهي مكية كل القيم والمعاني التي تجسدت في شعائر ومكتوبات وفروض في المدينة كانت موجودة في مكة، لم تكن مكة عقيدة بغير شريعة كما كان يريد الفكر الجمهوري ان يقول فهذا من ناحية اصولية، واذكر جيدا ان الجمهوريين في اركان نقاش الجامعة لم يكونوا يحبون ان نناقش الفلسفة واصول الفكر بل كانوا يحبون ان نناقش المواقف السياسية، وطبعا كان لهم باع طويل جدا في نقد المواقف السياسية للحركة الاسلامية في تحالفها مع النميري.. والخ. وصلاح احمد ابراهيم كان يسمي محمود محمد طه وجماعته بالمايويين من منازلهم، ويعتقد ان محمود محمد طه يؤيد مايو وهو لا ينال منها شيئا، ومحمود ايد مايو حتى في ضرب الانصار في الجزيرة ابا وكان موقفا غريبا جدا من مفكر يحترم حقوق الانسان فهذه هي الاضاءة المهمة وهي اذا اردنا ان نؤسس حركة اسلامية معاصرة سنقرأ القرآن كما جاء كاملاً، سنهتدي بالسنة والسيرة، ونقرأ واقعنا في القرن العشرين بكل تفاصيله وحيثياته ونحاول ان نصل لاجتهاد سيكون هنالك قدر من الصواب وقدر من الخطأ ويجيء بعدنا من يصوب ما اخطأنا فيه في اطار تجربة بشرية عادية ليس فيها شخص أتاه الله الفهم عن القرآن واذن له في الكلام.
    ش
                  

12-13-2008, 07:32 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين اخوان السودان ..!!11.... (Re: الكيك)

    06:45:45 PM

    هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!

    فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. والحكومة تحتضر



    سالم أحمد سالم/باريس
    [email protected]

    عشرون عاما فعلت فيها الحكومة السودانية الراهنة الأفاعيل بالشعب السوداني من أجل البقاء في الحكم وفرض نفسها كأمر واقع تخضع له الأعناق وتعنُ لها الوجوه استسلاما.. من تلك الأفاعيل على سبيل المثال:

    - الاستيلاء على الحكم بالقوة العسكرية المزجاة بالخديعة

    - الإعدامات الدموية التي طالت العسكريين والمدنيين، وقتل الأنفس البريئة بدون حق أو فساد في الأرض

    - التعذيب والاغتيالات في بيوت الأشباح وامتهان كرامة الرجال

    - الاغتصاب والتشفّي والإرهاب الاجتماعي واستباحة البيوت من غير أبوابها وترويع النساء والأطفال وانتزاع الأبرياء من نومهم وانتزاع الاعترافات المكذوبة تحت القهر وإحضار البنات والزوجات والمحارم والتهديد باغتصابهن أمام أعين الأزواج والإخوة وأولياء الأمر

    - السجون النائية التي تنعدم فيها أدنى مقومات الحياة والآدمية، والمحاكمات الجائرة ومحاكم التفتيش التي تفتقر إلى مخافة الله وتفتقد إلى ما دون الحد الأدنى من درجات العدالة الوضعية

    - اعتقال مئات آلاف المواطنين بدون محاكمات ولمدد طويلة وممارسة أقصى صنوف الإرهاب الاجتماعي غير المسبوق

    - استغلال الدين استغلالا تعافه نفس الكافر بالله

    - قتل الآلاف من الأبرياء في قراهم وتشريد الملايين إلى حظائر الموت داخل وخارج البلاد

    - تشريد الملايين من الكفاءات الوطنية في كل قطاعات المهن

    - التهجير القسري لما يقارب 7 مليون مواطن إلى خارج حدود الوطن ومطاردة النخب بواسطة أجهزة مخابرات السفارات ووفود المخابرات بغية إعادة تشريدهم بفصلهم عن وظائفهم خارج السودان بالتقارير الكيدية إلى مواقع عملهم أو عن طريق الرشوة وشراء الذمم

    - كتم أنفاس المجتمعات وتكميم الأفواه وتحريم الحريات المكفولة في محكم التنزيل، ومحق حقوق الإنسان المكفولة بقول الله وبالشرعة الدولية

    - فرض الرقابة المسبقة على الصحف وانتزاع الآراء بنيّة التدمير ومنع الصدور

    - السطو على النقابات والاتحادات المهنية والعمالية والطلابية ونشر عصابات الصبية المسلحة

    - إخراج الرأسمالية التقليدية والتجار عن الأسواق وفرض الضرائب التعجيزية وسوق التجار إلى الإفلاس ومحاكمتهم بقوانين تم تصميمها للحيف

    - تجويع وتركيع وترويع المجتمعات السودانية واحتكار السلع الضرورية للحياة والعلاج

    - احتكار المال ورؤوس الأموال والسيطرة الكاملة على حركة تداول المال والاستثمار

    - تفريغ الجيش والشرطة من الكفاءات الوطنية

    - تقديم الولاء على الكفاءة وحشو مرافق الحكومة بغير المؤهلين، وما نتج عن ذلك من انحطاط الأداء وتفشي المحسوبية والرشوة والفساد في جميع مرافق وإدارات في البلاد



    عشرون عاما من صنوف البشاعة إلى غيرها من الفظاظة والفظائع التي تعيي عن الحصر، والتي طالت بشكل مباشر ومأساوي قرابة 25 مليون مواطن سوداني علاوة على البقية من الأطفال وكبار السن الذين تضرروا حتى الموت بالتجويع والحصار الاقتصادي والوظيفي والإهمال وانعدام الدواء والعلاج والتغاضي عن انتشار الأوبئة. لكن رغم أنف كل أفاعيل الحكومة الراهنة، لم "تبرد" السلطة لهذه الحكومة إلى يوم الناس هذا. عشرون عاما فشلت خلالها الحكومة أن تفرض نفسها كأمر واقع تتقبله المجتمعات السودانية وترضى به حكما دائما. تجربة عشرين عاما أضحت تؤكد أن مائة عام أخرى لم تعد كافية أن تنتزع عن المجتمعات السودانية نظرتها إلى الحكومة الراهنة بأنها مجرد حكومة مؤقتة، حيث تتطلع المجتمعات السودانية اليوم إلى مرحلة ما بعد هذه الحكومة!

    الحقائق السابقة تضعنا أمام ظاهرتين ينبغي دراستهما، أو على الأقل أن نضعهما دائما نصب أعيننا. ذلك أن دراسة هاتين الظاهرتين قد تؤشر إلى الدرب المفضي إلى مرحلة ما بعد الحالة الشمولية الراهنة، وهي مرحلة لم تعد بعيدة وقد بدت أشراطها. والظاهرتان هما:

    أولا: ظاهرة الإسراف في العنف والقتل والإرهاب الاجتماعي غير المسبوق الذي تمارسه الحكومة السودانية الراهنة. وتقترن هذه الظاهرة بسؤال محوري حول لماذا باشرت الجماعة الانقلابية بممارسة أقصى درجات العنف من أول صباح سطت فيه على البلاد.

    ثانيا: ظاهرة صمود المجتمعات السودانية ورفضها قبول الحكومة الراهنة وغيرها من الحكومات الدكتاتورية كأمر واقع ودائم. وسوف نتبين من السياق أن المجتمعات السودانية تتميز بهذه الخاصية عن سائر مجتمعات المنطقة التي قبلت الدكتاتورية وأذعنت لها.

    المشهد العام:

    حقيقتان متلازمتان: الحقيقة الأولى هي فشل الحكومة الراهنة في فرض نفسها كحكم دائم، والحقيقة الثانية هي نظرة الشعب السوداني لهذه الحكومة كحالة مؤقتة. هاتان الحقيقتان تجعلان الجماعة الحاكمة تحكم متوجسة من الشعب، يتغشاها النعاس فلا تقدر على النوم، قلقلة مضطربة تطاردها الكوابيس لا تعرف للطمأنينة طعما، كلما انقضى يوم من عمرها يباعد بينها وبين حلمها القديم في أن يقر لها الحكم والسلطان. وبين هاتين الحقيقتين المتلازمتين، تبدو لنا صورة الحكومة وقد باعدت بين ساقيها راكبة على ظهر أسد، فلا هي نجحت في تدجينه وترويضه حتى تمتطيه إلى الأبد، ولا هي تريد أن تهبط طوعا عن ظهر هذا الأسد "المتحرّك" حتى لا تفقد لذّة الجلوس على ظهره إشباعا لشهوة الحكم .. ولا هي تريد أن تهبط عن ظهره مخافة أن يلتهمها، ولا هي تدري متى سوف يسقطها الأسد من على ظهره .. أكلها أو عافتها نفسه!

    مدرسة العنف:

    سؤالان يطرحان نفسيهما بإلحاح في هذا السياق:

    السؤال الأول: لماذا بادرت الحكومة بالإسراف في التعذيب والعنف والقتل من أول يوم من عمرها؟

    السؤال الثاني: من أين جيء بهؤلاء الذين قاموا بارتكاب هذه الفظائع التي تتنافى مع السلوك العام للمجتمعات السودانية؟

    الإجابة تتطلب العودة إلى الاستعدادات التي سبقت تنفيذ الانقلاب العسكري. هنا نأخذ البيّنة على الجماعة الانقلابية من أفواه أركان هذه الحكومة عندما قالوا أنهم قبل تنفيذهم الانقلاب قد قاموا بدراسة وافية لجميع تجارب الحكم في السودان، وأنهم استفادوا تحديدا من تجارب الحكومتين العسكريتين الأولى والثانية. نبدأ بالبديهيات كالعادة ونقرر أن الجماعة الانقلابية، من حيث أنها جماعة تخطط لتنفيذ انقلاب عسكري، فقد كان من البديهي أن تحصر دراستها في تجربة الحكومتين العسكريتين الأولى والثانية لتفادي أسباب انهيار تينك الحكومتين. وأما البديهية الثانية فإن الجماعة الانقلابية لابد قد توصلت من دراساتها، دون أن يحتاج الأمر إلى عناء أو ذكاء، أن المجتمعات السودانية سوف لن تقبل بها أو بغيرها حكما عسكريا دكتاتوريا دائما، وأن رفض المجتمعات السودانية للدكتاتوريات ولو بعد حين هو السبب الأساسي الذي أدى إلى انهيار الحكومتين العسكريتين، حكومة 17 نوفمبر وحكومة مايو 1. وعليه فقد كان الهدف النهائي من تلك الدراسات المسبقة هو استنباط وتطبيق الوسائل التي تضمن بها الجماعة الانقلابية التغلب على معضلة رفض المجتمعات السودانية للأحكام الدكتاتورية العسكرية، وبالتالي الاستمرار في حكم دائم بعد نجاح الانقلاب العسكري.

    المعرفة المسبقة برفض المجتمعات السودانية للأحكام الدكتاتورية كانت كافية أن تكبح جماح أي عاقل عن ارتكاب حماقة الانقلاب العسكري، ومن ثم الانصراف إلى العمل السياسي سعيا للوصول إلى الحكم عبر الآليات والوسائل الديموقراطية. إلا أن مسألة الإمساك بالسلطة تظل هدفا استراتيجيا عند جميع التيارات والجماعات السياسية المسماة بالإسلامية السلفية منها وغير السلفية بصرف النظر عن وسيلة الوصول. وبما أن هذه التيارات والجماعات تعلم سلفا أنها لن تتمكن من الوصول إلى الحكم عبر الآليات الديموقراطية، فإن الوصول إلى الحكم عبر الانقلابات العسكرية صار بندا أساسيا في أجندة جميع التيارات المسماة بالإسلامية. منذ صدر الإسلام وضحت الرغبة الجامحة إلى السلطة عند هذه الجماعات التي تتخذ الدين وليجة إلى الحكم، ونجد استغلال الآلة العسكرية اشد وضوحا في التاريخ القريب منذ منتصف القرن الماضي في سائر الأقطار ذات الغالبية المسلمة مثل محاولاتهم احتواء الحكم في بداية سلطة مع جمال عبد الناصر، الأمر الذي انتهى إلى تفجر الصراع. واستيقظت المطامع "الإخوانية" في حكم مصر مع أنور السادات، وهو أيضا حكم عسكري عندما حاول السادات الاستفادة منهم ي معادلة الوضع مع خصومه، وعندما انفتح الصراع اغتالوه. والجدير بالملاحظة أن إسرائيل كانت المستفيد الرئيسي من اغتيالهم لأنور السادات!

    وفق عقيدة الوصول إلى الحكم عن طريق الجيش لم تتورع الجبهة السياسية الإسلامية عن تنفيذ الانقلاب العسكري. زد على ذلك أن انهيار الحكومة العسكرية الثانية (مايو 1) قد سبب خسارة فادحة للجبهة السياسية الإسلامية، حيث حققت "الجبهة" مكاسب عظيمة أثناء تحالفها مع الحكومة العسكرية الثانية. وزد فوق ذلك أن الانقلاب العسكري للجبهة السياسية الإسلامية كان قد تم الإعداد له في أثناء حكومة مايو العسكرية في صيغة "انقلاب قصر" يطيح رئيس الحكومة العسكرية وأطقمه ليحل حسن الترابي أو أحد ضباطه مكان الرئيس المخلوع. وزد قبل ذلك أن جماعة الأخوان سبق أن أيدت حكومة 17 نوفمبر العسكرية وغازلتها غزلا مكشوفا لإشراكها في الحكم.

    لم يعد من جدال أن الوصول إلى الحكم عبر انقلابات عسكرية يظل ومنذ عهود سياسية بعيدة من ثوابت أجندة الجبهة السياسية الإسلامية كغيرها من أخواتها في العالم. ولا غرابة ولا شك أنها ظلت تتحين الفرص وتدبر لانقلابها العسكري الأخير منذ سنوات بعيدة وكانت عازمة على تنفيذه والسيطرة المفردة على الحكم. هذه الحقائق تدحض مزاعم مصطفى عثمان إسماعيل أحد رموز الحكومة عندما قال أن الجبهة "كانت مضطرة لتنفيذ الانقلاب العسكري .. الانقلاب العسكري غير محلل، واستخدامنا له كان استثناء" وهو قول يقع بين الكذب ومحاولة تزوير حقائق التاريخ لأن الانقلاب كما بينا جرى الإعداد له منذ سنوات بعيدة ولم يكن أمرا طارئا. على أن الوشيجة المفيدة في كلام مصطفى عثمان هي قوله: (.. نحن ندفع الآن جزءاً من الثمن، ويكون العلاج برد الأمر لأهله .. للشعب) مصطفى عثمان يسجل اعترافا صريحا بالفشل ويعطي الدليل القاطع بأن الجبهة السياسية الإسلامية قد فشلت فشلا تاما في حمل الشعب السوداني على القبول بها كحكم دائم، وأن كل الفظائع والجرائم التي ارتكبتها "الجبهة" طيلة السنوات الماضية لم تفلح في إرغام أنف المجتمعات السودانية أو تبديل نظرة الشعب لها كحكومة مؤقتة. لذلك لا ينبغي أن نقرأ عبارات مصطفى عثمان بأنها مجرد إدانة متأخرة للانقلاب العسكري فحسب، لكنه يتبلّغ كلماته مغموسة في الندم على ارتكاب حماقة الانقلاب العسكري. ويزيد مصطفى عثمان في التأكيد على ما ذهبنا إليه بقوله: «الآن نريد أن نرد السلطة إلى الشعب، وله أن يعيدنا إلى السلطة انتخابيا، إن أراد ذلك» عبارة تنضح بكل مرارة الهزيمة، ودليل قاطع أن رد الأمر للشعب لم يكن طوعا بل كرها بعد الفشل الكبير والخسائر الفادحة والورطة المحدقة التي منيت بها حكومته وجبهته .. ومع ذلك كل القرائن تدفع للشك في نية الحكومة على إعادة الحق المغتصب إلى أهله (راجع مقالاتي تحت عنوان "الديموقراطية طوعا أو كرها" جريدة الأيام السودانية 2005- 2006)

    نعود إلى ما نحن بصدده بالقول أن الجماعة الانقلابية قد وضعت خطة الانقضاض العسكري على السلطة مقرونة بالوسائل اللازمة التي كانت تظن أنها تضمن لها الاستمرار في الحكم بصورة نهائية لا ينازعها عليها أحد. وهنا نحن نعود إلى سؤالنا عن ماهية الفوائد التي حصدتها الجماعة الانقلابية من دراستها لتجارب الأحكام العسكرية التي سبقتها؟ سوف نرى.

    كما هو معروف فقد مرت على السودان من قبل حكومتان عسكريتان شموليتان حاولتا وفشلتا في أن تكونا الأمر الواقع الحاكم. فقد كانت الحكومة العسكرية الأولى، حكومة 17 نوفمبر العسكرية. كانت الوسيلة الرئيسية التي اتبعتها تلك الحكومة من أجل الفوز بقبول المجتمعات السودانية هي أنها قامت بتنفيذ سلسلة من المشاريع الاقتصادية الكبرى من أجل أن تطرح نفسها كبديل أفضل عن الأحزاب. ولما لم تشفع لها المشاريع كبديل عن الحريات، لجأت الحكومة العسكرية الأولى إلى استخدام العنف المسلح كآخر وسيلة لديها لكبح الثورة الشعبية والاستمرار في الحكم بالقوة والعنف. لكن لم يعصمها العنف وأطاح بها الشعب السوداني في ثورة أكتوبر الشعبية 1964. ثم كانت الحكومة العسكرية الثانية (مايو 1) وهنا نجد أن الوسيلة التي اتبعتها تلك الحكومة لنيل القبول الشعبي قد تمثلت في طرحها، في بداية أمرها، فكرا اشتراكيا يتوافق مع أشواق الجماهير في العدالة الاجتماعية كنقيض للمنهاج الطائفي الأناني. لكن سرعان ما اكتشف الشعب أن اشتراكية (مايو 1) لم تكن إلا مجرد شعار خال عن المحتوى والبرنامج وأن رأسها خواء، فكانت بداية الرفض الشعبي. ولمواجهة الرفض الشعبي المتنامي، رمت الحكومة العسكرية الثانية (مايو 1) جانبا كل شعاراتها الاشتراكية ونزعت عن نفسها أكذوبة التنمية وكشرت في وجه الشعب عن أنياب مدججة بالسلاح ونشرت أجهزة مخابراتها المحلية المهجنّة بالمصرية والأميريكية وزادت عليها تحالفا مع الجبهة السياسية الإسلامية التي لم تتورع عن تسخير الدين وسيلة للتكسب السياسي حتى بلغ بهم المدى أن نصبوا رئيس الحكومة إماما وخلعوا عليه لقب مجدد المائة! فزاد التحالف في كراهية الشعب للحكومة فكانت قيامتها.

    لم يكن من الصعب على مدبري الانقلاب العسكري للحكومة الراهنة أن يدركوا من دراسة تجارب الحكومتين العسكريتين الأتي:

    أولا: أن العنف هو الوسيلة الوحيدة لاستمرار أي حكم شمولي، وأن حكومتهم العسكرية المنتظرة مهما قدمت فإن الشعب سوف لن يقبل بها كحكومة دائمة. وبذلك اعتمدت الجبهة السياسية الإسلامية العنف كوسيلة وحيدة للاستمرار في الحكم في حال نجاح الانقلاب.

    ثانيا: أن الحكومتين العسكريتين، حكومة 17 نوفمبر وحكومة (مايو 1) قد لجأتا إلى استخدام العنف كآخر وسيلة من وسائل الاستمرار في الحكم. وعليه فإن تأخيرهما استخدام العنف قد أفقد العنف فاعليته. كذلك لم يكن من الصعب على الجماعة الانقلابية أن تدرك بدراسة أو بدون دراسة أن أنفة الشعب السوداني ورفضه الطبيعي للأحكام الشمولية يظل سببا مباشرا لانهيار الحكومات الدكتاتورية. وعليه قررت الجماعة المدبرة للانقلاب أن تبادر ومن أول لحظة بممارسة أقصى درجات العنف والقتل والتعذيب والتشريد بغية إكساب العنف الفاعلية المطلوبة وبذر الخوف في نفس الشعب، ومن ثم كسر أنفة المجتمعات السودانية واستئصال عزتها واعتزازها وتحويها إلى قطيع تسهل قيادته بعصا ذات شعبتين هما الرعب والتخويف.

    هذه المعطيات تفسر هوس العنف وموجة الإعدامات ونشر عناصر المخابرات وفرق الموت وبيوت الأشباح والسجون وحالات التعذيب وامتهان الكرامة التي تعرضت لها الرموز الاجتماعية والنقابية والعسكرية وفئات عريضة من الشعب منذ اليوم الأول لنجاح الانقلاب العسكري. وقد تكاملت أساليب العنف والقتل مع سياسة الحصار الاقتصادي والتجويع باحتكار السلع الضرورية التي مهدت بها الجماعة الانقلابية قبل تنفيذ الانقلاب العسكري. وبذلك وقعت المجتمعات السودانية بين كماشتي الرعب والتجويع.

    أئمة العذاب وجنوده

    وإذا كانت الحكومة الراهنة قد مارست كل هذه الأصناف من العنف الوحشي، فلابد من وجود عناصر بشرية قامت بتنفيذ قائمة الفظائع والأعمال الوحشية التي أوردناها في مقدمة هذا السياق. لكن لابد أن نكون قد لاحظنا أن ارتكاب مثل هذه الفظائع يعد أمرا شاذا وغريبا عن الأخلاقيات التي تسود المجتمعات السودانية التي تميزت بالتسامح وعدم الفجور في الخصومة والبعد التام عن ارتكاب جرائم التعذيب وجرائم القتل الممنهج أو القتل على الهوية السياسية أو الدينية أو القبلية الذي يسود في كثير من الأقطار العربية والأفريقية. وهنا أيضا نجد أنفسنا نعيد طرح نفس السؤال الذي سبق أن طرحه الأديب الطيب صالح: (من أين أتى هؤلاء) الذين يعذبون ويغتالون دون أن تهتز عندهم عضلة حياء أو شعرة إنسانية؟ ونزيد من عندنا مجموعة أخرى من التساؤلات حول الطبيعة النفسية للعناصر التي قامت بتنفيذ هذه الأعمال الوحشية على مجتمع هي جزء منه، وأن نتساءل أيضا عن التنشئة ونوع التدريب الذي تلقته هذه العناصر فاستأصل آدميتها ونشّأها على عنف غير مسبوق تمارسه ضد مجتمع تمتّ إليه بصلات الرحم وأواصر القربى .. ضد مجتمع وهب هذه العناصر دفء الأسرة وأنفق على تعليمها من مسغبته؟ وفي ذات السياق لابد أن نقوم بالبحث عن القيادات التي أشرفت على تدريب هذه العناصر وتلك التي زينت لها ارتكاب هذه الفظائع وحفلات التعذيب والطقوس الدموية المقدسة بدم بارد .. يجلس بعدها أعضاء فرق الموت والتعذيب يحتسون أكواب الشاي ويثرثرون عن نوع العشاء ..

    البحث يعود بنا إلى منتصف ستينات القرن الماضي بعد نجاح ثورة أكتوبر الشعبية، عندما برزت لأول مرة في أوساط المدارس السودانية مجموعات صغيرة من الطلاب تتسم بالعنف والشراسة. كانت تلك المجموعات على صغرها لا تتورع عن مهاجمة الندوات التي يعقدها أقرانهم من الطلاب والتعرض بشراسة قاتلة لمظاهرات الطلاب بالطوب والحجارة والعصي والسكاكين، ومهاجمة وتدمير الندوات السياسية الطلابية والمعارض والحفلات الطلابية. كانت الظاهرة غريبة على الحياة الطلابية وعلى الحركة الاجتماعية بصفة عامة، لذلك لم يهتم أحد بتلك الظاهرة. وربما ظن البعض آنذاك أنها ظاهرة وقتية سرعان ما تنقشع. أما الأحزاب التقليدية الطائفية فقد أغمضت عين المسؤولية وفتحت عين رضا مع نصف ابتسامة طالما أن عنف جماعات "الجبهة" يستهدف الشعب من غير المنتمين للأحزاب الطائفية وخارج خيامها. وعندما نعيد النظر في الأوضاع الاجتماعية آنذاك نتأكد أن العنف كان يشكل حالة استثنائية مناقضة للسلوك الاجتماعي العام، وأن استخدام العنف كان ينحصر في فئتين: الفئة الأولى هي البوليس والقوات النظامية، والفئة الأخرى كانت طائفة الأنصار. عنف الشرطة كان يقتصر على تفريق تظاهرات الطلاب والعمال والموظفين باستخدام الهراوات والغاز المسيل للدموع كأقصى درجات العنف. ومن شواهد الرفض الاجتماعي السوداني للعنف أنه عندما استخدمت الشرطة الرصاص داخل الحرم الجامعي إبان ثورة أكتوبر وقع ذلك الفعل موقع الجريمة الفادحة مما أدى إلى استفحال الثورة الشعبية وانهيار الحكومة العسكرية. أما أتباع طائفة الأنصار فقد كانوا يوظفون العنف في قمع الخصوم السياسيين وإرهاب المجتمع. على أن طائفة الأنصار قد تخلت إلى حد بعيد عن العنف بسبب تغيّر الأجيال وانتشار الوعي. مقابل ذلك نجد أن باقي الفئات الاجتماعية الأخرى من طلاب وعمال وموظفين قد ورثوا عن الحركة الوطنية أسلوب التظاهرات والإضرابات الخالية من أساليب العنف أو من تدمير المنشآت الوطنية والممتلكات العامة.

    على أن مجموعات العنف الطلابي تكاثرت وانتشرت بدلا عن أن تنحسر كما كان متوقعا لها. وانتشرت جماعات الإخوان المسلمين تمارس العنف داخل المدارس والجامعات والمعاهد .. إلى تلك الحكايات المعروفة من دفن السيخ والعصي والسكاكين ومهاجمة الفئات الطلابية الأخرى بأساليب عنف دموي وارتكابهم جرائم جنائية لم تكن معروفة وقتئذ في الأوساط الدراسية والاجتماعية في السودان. تلك كانت البداية. لكن الغريب حقا أن الفئات الطلابية الأخرى أحجمت عن مبادلة طلاب وجماعات الأخوان العنف بعنف مضاد، ولو حدث ذلك ربما خفف من استفحال الظاهرة، التي انتهت إلى عملية السطو المسلح على كامل السلطة في البلاد وما أعقب ذلك من قتل وتعذيب وعنف.

    بكل تأكيد لم يكن تنامي جماعات العنف الطلابي عملا عفويا، بل تم بصورة مبرمجة متصاعدة وتحت إشراف مباشر من الزعيم أو الزعامات التي تولت تأهيل وتدريب جماعات العنف الطلابي وتحريضهم على العنف. ولما كان الدين هو وسيلة السيطرة الروحية على أولئك الفتية، فقد تم تشريطهم بأن العنف هو جهاد في سبيل الله. لذلك تم تسمية فيالق العنف الطلابي بالجهادية. العثور على الزعيم أو الزعامات التي قادت أولئك الفتية وسيطرت عليهم لا يحتاج إلى طويل بحث. فقد ظل حسن الترابي هو الزعيم المطلق لجماعات الإسلام السياسي وبالتالي الزعيم الروحي والعرّاب الأخلاقي لكل ما تستبطنه جماعاته من فيالق العنف منذ ستينات القرن الماضي إلى يوم الناس هذا. قد يبدو حسن الترابي للوهلة الأولى في زي السياسي أو المفكر أو الزعيم الديني ليّن الجوانب الذي يكثر من الابتسام. لكن دوره في تفريخ العنف وتغذيته تجعل حقيقة حسن الترابي تناقض هذه التمظهرات. وكما قلت في تحليل مطول سابق، فقد سبق أن سعى حسن الترابي حثيثا في بدايات حركاته نحو مراميه السياسية إلى قيادة جموع الأنصار، لكنه فشل في ذلك بسبب الموقف الصارم الذي اتخذه الصادق المهدي. ثم قام حسن الترابي في سلسلة من الانقلابات العنيفة بإقصاء جميع الزعامات التاريخية لما كان يعرف بجبهة الميثاق وتوج نفسه زعيما أوحدا للحركة السياسية الإسلامية. وقد استخدم الترابي أسلوبا ماكرا في انقلاباته على شيوخ جبهة الميثاق، حيث أدخل الترابي إلى عضوية الجماعة مجموعة كبيرة من تلاميذه في الجامعة ثم استخدمهم كأغلبية ميكانيكية في إقصاء منافسيه من الشيوخ. وهكذا وفجأة أصبح الترابي الشيخ والزعيم الأوحد مع فارق كبير في العمر بينه وبين مجموعة الشباب الذين دفع ببعضهم إلى مستوى القيادة. واضح أن الترابي آنذاك أنه بتلك التركيبة (شيخ وتلاميذ) سوف يضمن الولاء الأعمى من الحواريين الشباب .. لكنه نسي أن الشباب سوف يكبرون في يوم من الأيام!

    وفي ذات سياق العنف بالغدر نجد إن حسن الترابي هو الذي تزعم عملية طرد النواب الشيوعيون من البرلمان علما أنه دخل البرلمان بأصوات الحزب الشيوعي! كل هذه الأعمال وإن بدت كنشاط سياسي إلا أنها تستبطن قدرا ملحوظا من العنف الذي انعكست آثاره السالبة على مجرى العلاقات بين التكوينات السياسية وعلى أوجه الحياة السياسية والاجتماعية في السودان. وتتأكد قرينة العنف في شخصية حسن الترابي من حقيقة أن أعلى معدلات العنف والتعذيب والإعدامات ومخازي بيوت الأشباح قد تمت خلال الفترة التي أحكم فيها حسن الترابي سيطرته على الحكومة العسكرية الراهنة. ثم إن الدور المباشر الذي لعبه حسن الترابي في جريمة اغتيال المفكر محمود محمد طه تكشف مدى العنف المتجرد الذي تنطوي عليه ابتسامات حسن الترابي .. إلى غير ذلك من الحوادث والنماذج التي يصعب حصرها هنا والتي تتوج حسن الترابي امبراطورا لمملكة العنف في التاريخ السوداني المعاصر .. الذي يروج للعنف عنيف والذي يحرض على القتل قاتل ..

    من زيادة الكلام أن نقول أن الجماعات التي نفذت قائمة الفظائع المذكورة هي ذات الكوادر التي ربّاها حسن الترابي في كنفه واشرف على "تثقيفها" وتدريبها داخل وخارج السودان، حتى قادها أخيرا إلى تنفيذ الانقلاب العسكري كأرقى مدارج العنف الذي تجسد في قائمة الفظائع التي ورد ذكرها. وبديهي أن الكوادر الأولى استنسخت كوادر جديدة على نسقها، ومن هذا الخليط تكونت فرق الموت والتعذيب التي يطلق عليها الرأي العام السوداني "جلاوزة الإنقاذ"

    العنف الذي تتعرض له المجتمعات السودانية يكاد يكون نسخة عن العنف والتقتيل الذي تعرض له الشعب الإيراني بعد استيلاء آيات الله والملالي على السلطة في إيران تحت زعامة الخميني. وإذا جمعنا عناصر: 1 استغلال الدين، 2 الاستيلاء على السلطة بالقوة بواسطة فئة محددة من المجتمع، 3 ارتفاع معدلات العنف ضد المدنيين، 4 محاولة إخضاع المجتمعات بالإكراه والعنف، 5 المساعدات التي منحتها حكومة إيران للحكومة السودانية، 6 في معطى نقل الخبرات، فإن استيلاء آيات الله على الحكم في إيران سبق انقلاب الجبهة في السودان، 7 الزيارات المكوكية التي كان يقوم بها حسن الترابي إلى طهران والحوزات الدينية في إيران قبل وبعد نجاح الانقلاب العسكري في الخرطوم، 8 التطابق في الممارسات والتشابه في الاسمين بين "حرس الثورة" في إيران وبين "أجهزة أمن النظام" في الخرطوم، عندما نضع هذه العناصر الثمانية إلى جوار بعضها البعض نستطيع أن نقرأ كل ما سبق ذكره بالاتساق مع العلاقة الوطيدة بين حسن الترابي وبين آيات الله في إيران، وبالتالي العلاقة العميقة بين حكومة الخرطوم الراهنة وبين الحكومة الإيرانية. فبعد فترة قصيرة من نجاح الانقلاب في الخرطوم، انتشر أفراد الحرس الثوري الإيراني في مدن وأقاليم السودان المختلفة وفي كل المرافق الحيوية في البلاد يشاهدهم المارة في شوارع الخرطوم. لم تكن زيارات سياحية! فخلال تلك الحقبة لعبت الحكومة الإيرانية دورا أساسيا في تثبيت أركان حكومة الخرطوم الانقلابية عن طريق نقل الخبرات الإيرانية في مجالات التخابر وإحكام السيطرة وتأمين السلطة ونقل تجارب ردع الخصوم على غرار التنكيل الذي تعرضت لها جماعة "مجاهدي خلق" وغيرها على أيدي الحرس الثوري الإيراني ... الذي استخدم نفس الأساليب والأطقم التي كان يستخدمها جهاز السافاك، أو جهاز مخابرات شاه إيران. كما زودت الحكومة الإيرانية حكومة "الجبهة" الانقلابية بالأسلحة والمعدات العسكرية وأجهزة التخابر والنفط والمال. باختصار فإن الدعم الإيراني قام بأول وأخطر عملية "تمكين" للحكومة الانقلابية في الخرطوم.

    الملاحظة المهمة للغاية أن المذهب الشيعي بصفة عامة يحجر بشكل مبدئي مناصرة أي جماعات أو حكومة سنية. وهنا نطرح السؤال الأهم: هل خرقت الحكومة الإيرانية هذا الموقف المبدئي العقدي مع أنها قامت عليه؟ أم أن هنالك روابط أو دوافع عقدية دينية مذهبية بررت للحكومة الإيرانية تثبيت أركان حكومة الخرطوم؟ سنحاول أن نتبين بصيصا من الإجابة في الخطاب الديني السياسي للترابي عندما يقول وهو في أوج مجده الحكومي: (إن الظواهر الدينية الصادقة كلها إنما تصدر عن حرية الإنسان الموصولة بروح من الله. ومهما قدرنا سنن ظهورها واندفاعها فإنها تكسب مدداً من طلاقة المعاني الإلهية، ومن ثم قد تتجاوز محاولات الحساب والضبط فتأتى من حيث لا يحتسب الإنسان وتستعصي على الاحتواء والمغالبة) حسن الترابي أورد هذه العبارة في معرض دفاعه عن الأخطاء والممارسات التي ارتكبتها الحكومة السودانية الراهنة أثناء فترة سيطرته عليها. بهذه العبارة يبرر الترابي أخطاء وفظائع حكومته باعتبار أنها صادرة من روح الله ومن طلاقة المعاني الإلهية. لذلك، وحسب قوله يستحيل ضبطها أو منعها! هذا القول فيه تنزيه صريح للأخطاء بل للجرائم التي ارتكبتها حكومته لأنه يعتبر أن أفعالهم ترجمة لإرادة إلهية غالبة يريدها الله ويرضى عنها! وبذلك يرفع الترابي تلك الأفعال فوق مستوى المساءلة أو العقاب في الدنيا والآخرة! وتنزيه الفعل هو تنزيه لفاعل الفعل ورفعه فوق المساءلة وبالتالي فوق مصاف البشر. بهذه الكلمات الصريحة يرى حسن الترابي أنه هو وجنوده وأطقم حكومته فوق مستوى المساءلة في الدنيا والآخرة عما ارتكبوه، وهو تعليل وترفيع يتماهى مع مقام "الإمام المعصوم" الذي مدّده حسن الترابي ليصبح مقام الجماعة المعصومة!

    على مدى سنوات طويلة قال حسن الترابي الكثير وقدم الكثير من التفاسير الخاصة به التي استنهض بها مخيلة العنف وفعل العنف بلوغا لمقاصده السياسية حتى جلس بين أتباعه في موقع "ولاية الفقيه" على مدى نصف قرن. بكل تأكيد لا نريد أن نحاكم حسن الترابي فكريا ولا دينيا. فقد قال القاضي ابن سريج أثناء محاكمة أبو موسى الحلاج ما معناه أن الناس يستطيعون الحكم في العلاقة بين الناس ولا يستطيعون الحكم في علاقة الإنسان بربّه، ثم اعتزل المحكمة. كما لا نريد أن نعقد لحسن الترابي محكمة في عقيدته على غرار المحكمة التي عقدها حسن الترابي نفسه للشيخ محمود محمد طه وعلقه بها على حبل مشنقة سجن كوبر .. أو محاكم الترابي التي قطع فيها أيدي المعوزين وتمزيقهم من خلاف في زمن جاوزت مسغبة السودانيين ما وقع للمسلمين في "عام الرمادة" ذلك العام المجاعة الذي عطل فيه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب كل الحدود. لكن القول يقع مقام فرض العين عندما يستغل الدين السمح المتسامح في تربية المجتمعات على العنف والقتل ونشر فرق الموت والتعذيب وخلق صفوية دينية ما أنزل الله بها من سلطان من أجل المطمح الشخصي وعرض هذه الدنيا الفانية. أما ذكرنا لإيران، فلسنا في معرض مفاضلة أو مقاربة دينية، وحري بنا وبكل شخص أن يوقر الدين أو المذهبية التي يرضاها كل شعب لنفسه كل ضمن حدوده وأدب نفسه. ما يهمنا هنا أن الحكومة الإيرانية قد تدخلت بصورة سافرة وغير عادلة في الشأن السوداني عندما أمدت هذه الحكومة بالسلاح والأجهزة والخبرات والتدريب الاستخباري، وفي ذلك تغليب غير عادل لفئة على باقي فئات المجتمعات السودانية وإمداد الفئة الباغية بكل أسلحة مقومات الحكم الاستبدادي على الشعب وليس للدفاع عن السودان ضد عدو خارجي.

    خطاب الترابي الديني يشكّل أهم وأخطر العناصر في التشكيل النفسي وإحكام السيطرة على جماعات العنف التي تزعمها. الخطورة أنه زين لأتباعه من الفتية أن أعمال العنف التي يرتكبونها تحمل صكا من البراءة مختوما من السماء، وأنهم ينفذون إرادة ربانية "تستعصي على الاحتواء والمغالبة" وهكذا يخيل للجماعة أنهم "رساليون" فتجدهم يعيشون منعزلون داخل ذواتهم وداخل جماعتهم، ويحرصون على تمييز أنفسهم في المظهر والمأكل والسلوك. وبسبب هذه التربية اتسعت الشقة بينهم وبين مجتمعاتهم حيث يتملكهم شعور عارم أنهم الخير المطلق وغيرهم الشر المطلق فيرون ما حولهم من أفراد المجتمع مجرد بؤر من الزنادقة والمارقين. وفي نهاية المطاف مات عندهم الحس بآدمية مجتمعاتهم. لذلك يمارسون القتل وأقصى درجات التعذيب دون واعز أخلاقي أو تأنيب من ضمير قد تم استئصاله سلفا بما يشبه الختان الفرعوني. من هذه التنشئة يا أستاذ الطيب صالح "أتى هؤلاء" الذين قتلوا الناس وعذبوهم في السودان في بيوت الأشباح وغيابات السجون.

    الحالة المرادفة التاريخ المعاصر نجدها أيضا في الجزائر، حيث تقوم الجماعات السلفية المسلحة بنصب الكمائن والحواجز المسلحة ومهاجمة القرى الآمنة لقتل النساء والعزل والأبرياء. وبلغت جماعات الجزائر أقصى درجات التجرد عن الآدمية بمهاجمة مدارس الأطفال وإبادة الأطفال بالأسلحة الرشاشة داخل فصول الدراسة على فهم أنهم أبناء الكفّار! .. إلى غير ذلك من العمليات الدامية. والملاحظ في الحالة الجزائرية أن المجموعة التي ترتكب الجريمة تكون عادة من بين نفس سكان الحي أو القرية التي يقع عليها الاعتداء، فالقتل يتم عن معرفة مسبقة بالضحايا في تجسيد لأقصى حالات الفظاظة أن تقتل جارك بلا سبب أو تقتل إنسانا تعرفه حق المعرفة ودون أن يقتل نفسا أو يفسد في الأرض. جماعات العنف الدموي في السودان لم تصل بعد إلى إبادة أطفال المدارس بالرصاص الحي، إلا أنهم عذبوا واغتالوا في بيوت الأشباح والمعتقلات الكثير من الذين يعرفونهم حق المعرفة من زملاء الدراسة الذين لازموهم سنوات طويلة (الدكتور علي فضل) أو من زاملوهم كأساتذة في الجامعات والقوات المسلحة ومواقع العمل الأحرى. وليس ببعيد عمليات التصفية الدموية التي طالت المصلين في بيوت الله وأودت بحياة عشرات المصلين، ثم الحادث الدموي في دار نقابة الفنانين السودانيين. تلك الحوادث جزء من أداء الحكومة السودانية وإن تم بعضها على أيدي عناصر غير سودانية لأن هذه الجماعات تعترف فقط بآصرة الجماعة ولا تعترف أبدا بالجنسيات .. من السودان إلى أفغانستان ومن اليمن إلى طهران ومن الرباط إلى أفغانستان!

    لقد شهد التاريخ الإسلامي الكثير من الجماعات الباطنية المماثلة التي ارتكبت الاغتيالات وأبادت المدنيين من المسلمين تحت وطأة سيطرة الزعيم الباطني الذي يزيّن لأتباعه صفويتهم ودونية غيرهم. ودون إغراق في هذا الجانب الذي لسنا بصدده تفصيلا، فإن الجماعة الباطنية عادة ما تتكون بواحدة من طريقتين. إما أن يعمل صاحب الفكرة على استقطاب ودعوة بعض النفر الذين يحس أن لديهم استعدادا لتقبل فكرته وزعامته. في هذه الحالة يكون عدد الجماعة محدودا. والطريقة الثانية أن يتمكن صاحب الفكرة من اختراق خلية اجتماعية عادة ما تكون جماعة سياسية أو دينية، ومن ثم يقوم بالسيطرة على الجماعة وتوجيهها وفق نزعته وهم لا يشعرون بالتحول البطيء الذي جرى للجماعة. هذه الطريقة يمكن تعريفها بحالة "الاختراق والاحتواء" تماما مثل الفيروس الذي يدخل الخلية الحية فتتصرف الخلية حسب الإشارات الصادرة عن الفيروس. وبما أن إشارات الفيروس خاطئة فإنها تدفع الخلية إلى نمو غير متوافق فتكون غريبة عن بقية الخلايا وتنتهي إلى تدمير نفسها وتدمير باقي الخلايا الحية. وعلى غرار غرابة الخلية المصابة بالفيروس، تبدو الجماعة الباطنية غريبة ومختلفة في سلوكها وأفاعيلها عن السلوك العام لمجتمعات البلاد بحكم أن الجماعة تقدم على ممارسات تستنكرها الأخلاقيات السائدة مثل إزهاق أرواح الأبرياء والتعذيب بلا إحساس بالجرم. المهم أن هذا النوع من التكوين الباطني "الاختراق والاحتواء" يكون أشد خطرا لأنه يتخفّى تحت جلد الجماعة ويلبس لونها ويسيطر على عضويتها ويتصرف باسم الجماعة ويتخذ دورها وموقعها في الحياة الدينية والاجتماعية والسياسية ويصعب على الناس تمميزه. بمعنى أن الفكر الباطني يقع في الجماعة موقع العقل من الجسد، فتتصرف الأيدي والأرجل والأطراف وكل حركة الجسد حسب التعليمات التي يصدرها المخ أو العقل المدبّر الذي يسخر كل شيء من أجل بلوغ أهدافه الباطنة

    في هدي الملاحظات الواردة فوق، لابد أن نطرح الأسئلة: هل تحكم السودان اليوم جماعة باطنية؟ وهل تمكنت جماعة باطنية من اختراق الحركة السياسية الإسلامية في السودان والسيطرة عليها، أم أن تكوين هذه الحركة من أساسه كان تكوينا باطنيا؟ بغض النظر عن أي إجابة قطعية عن أي من هذه الأسئلة، فإن الواقع على الأرض يشير من نفسه إلى جملة حقائق غير قابلة للنفض. فقد بادرت الحكومة الراهنة وقبل كل شيء إلى كسر أنفة وإرغام أنف المجتمعات السودانية عن طريق العنف والقتل والإذلال والتشريد والسجون والتجويع وبقية القائمة الطويلة من الأفاعيل التي ذكرناها فوق، وهي أفاعيل بل جرائم ليست نابعة بالتأكيد عن السلوك الاجتماعي العام في السودان.

    إن التجارب المريرة التي عرفها الشعب السوداني على يد جلاوزة الحكومة السودانية الراهنة تؤكد بجلاء أن خطة الحكومة في الاستيلاء على الحكم والاستمرار فيه قامت على شقين متكاملين:

    الشق الأول: ممارسة أقصى درجات الإرهاب والعنف وتقتيل المعارضين وفرض حالة من الإرهاب والخوف، إي حرق الأرض اجتماعيا وسياسيا وأخلاقيا وكسر أنفة المجتمعات السودانية كخطوة تمهيدية للشق الثاني.

    الشق الثاني: استئصال كامل للقيم والمكونات الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية التي تتشكل منها المجتمعات السودانية. وقد تجسدت هذه السياسة في عمليات التصفيات الوظيفية وعمليات التشريد التي طالت قرابة ثمانين بالمائة من القوى الاجتماعية العاملة في مختلف الوظائف والمهن والتخصصات، وفي الأثناء تقوم الجماعة الانقلابية بعملية إزالة واستبدال بتعيين العناصر الموالية للجماعة الانقلابية إضافة للعناصر المنتفعة والانتهازية وغير المؤهلة. وهكذا تستولي الجماعة الانقلابية على الشعب والبلاد وتضمن لنفسها حكما دائما لا ينازعها عليه أحد ...

    ورغم أن سيناريو استئصال شعب بأكمله والاستيلاء عليه وعلى كل السودان بواسطة فئة قليلة هي افتراض أبعد عن احتمالات أفلام الخيال، إلا أن الممارسات والفظائع تؤكد أن الجماعة الانقلابية كانت فعلا عازمة على عملية تدجين اجتماعي وإحلال سلوك بديل و"تمكين" نفسها بحكم دائم. هذا النمط من التفكير لا يصدر إلا عن عقل يلغي حقائق التاريخ والجغرافيا والمنطق، وهذه من خصائص العقل والفكر الباطني. ولذلك فشل الجماعة في السيطرة على قطر بأكمله طيلة حقب التاريخ، وإن نجحت جزئيا فإلى حين قصير لأنهم يراودون المستحيل ويسيرون في اتجاه معاكس لسنن الكون. ولأن الأمور تؤخذ بخواتيمها، فإن قرائن اليوم تقف برهانا على فشل محاولات الجماعة الانقلابية برغم كل ما سفكته من دماء الأبرياء وما أزهقته من أرواح الأطفال .. فقد رفضت المجتمعات السودانية رفضا قاطعا الحكم الدائم للجبهة السياسية الإسلامية ..

    ظاهرة الرفض الشعبي

    هنالك العديد من الخصائص التي تمكّن المجتمعات السودانية من رفض أزلية الحكومة الراهنة ولفظ غيرها من الحكومات الدكتاتورية الشمولية. لكن هنالك خاصية أساسية حاضنة للخصائص الأخرى وهي خاصية التنوّع وما أفرزه التنوع من مواثيق اجتماعية. فالسودان يتميز عن أقطار المنطقة بمزايا التنوع السكاني الإثني والثقافي والجغرافي والاقتصادي مثلما تتنوع فيه مصادر الثروات الطبيعية. وحتى قبل رسم حدود السودان الجغرافية الحالية، فقد دخل التنوع الاجتماعي السوداني في علاقات وتبادلات وتداخلات أفرزت بمرور القرون عقدا اجتماعيا غير مكتوب يحفظ التنوع ويخلق نوعا من تبادل المنافع والتكامل السلعي في أزمنة الرخاء والقحط، علاوة على التداخل السكاني غير المخل. هذا الوضع خلق بدوره نوعا من الترابط الأمني بين المجتمعات السودانية بما يشبه اتفاقات الدفاع المشترك ومعاهدات عدم الاعتداء، طبعا عدا احتكاكات التماس الطبيعية بين هذه المجتمعات، وهي احتكاكات ناتجة عن الحيوية الاجتماعية أكثر من كونها اعتداءات. وقد أفرزت التجارب الآليات اللازمة المعالجة واحتواء هذه الاحتكاكات مثل احتكاكات الرعاة والمزارعين.

    والأهم من ذلك أن حيوية التنوع الاجتماعي السوداني قد أفرزت على مدار مئات إن لم يكن منذ آلاف السنوات ديموقراطية اجتماعية راقية ومتقدمة نستطيع نضعها تحت مصطلح "الديموقراطية الاجتماعية السودانية" أصبحت هذه الديموقراطية الخاصة جزء من التركيبة السلوكية للمجتمعات السودانية، وأضحت آلية حاكمة للعلاقات بين المجتمعات ومكونا أصيلا من المكونات النفسية عند الفرد. ونستطيع أن نرى هذه الديموقراطية متجسدة بوضوح داخل العلاقات الأسرية وعلاقات العمل حيث يستطيع كل فرد أن يدلي برأيه .. طبعا باستثناء بعض الحالات القليلة. "الديموقراطية الاجتماعية السودانية" هي التي تكفل الرأي وحق القبول والرفض وهي الآلية المعتمدة في إدارة الحوار، ومنها تبلورت عند الشخصية السودانية سمات الاعتزاز والرفض التلقائي للقهر، وهي سمات عجزت الحكومة الراهنة عن كسرها أو إرغام أنفها. لذلك عندما يحدث ما يجافي صيغ هذه العقود الاجتماعية بطغيان عنصر أو قبيلة أو فئة عسكرية أو مدنية على باقي الفئات، نجد كل هذه المواثيق الاجتماعية والأعراف الديموقراطية تستيقظ وتكون فاعلة فيكون الرفض الاجتماعي (حكومة عبد الله التعايشي، حكومة 17 نوفمبر، حكومة مايو 1 والآن حكومة مايو 2 المسماة بحكومة الإنقاذ) ولمجمل هذه الخصائص والمعطيات لم يكن في قيد الإمكان وليس في قيد الممكن أن يطغى عنصر على عرق أو إقليم على آخر أو فئة اجتماعية عسكرية أو سياسية على باقي الفئات. وإذا عمينا عن كل برهان نستطيع أن نرى أن الحروب تتكاثر في السودان في أزمنة الأحكام الشمولية الدكتاتورية، وتنحسر نوعا في الفترات المسماة بالديموقراطية برغم علل تلك الفترات. لقد ثبت بشكل قاطع استحالة استئصال الحالة الديموقراطية أو قمعها أو تبديلها. ولذلك تظل الديموقراطية قدرا محتوما على الشعب السوداني لا بديل لها ولا محيد عنها وما غيرها استثناء لابد له أن يزول. ولعل من أقوى البراهين على الرفض الاجتماعي للحكومة الراهنة وعلى تغلغل الديموقراطية في أنسجة المجتمعات السودانية أن الجيل الجديد الذي نشأ في حضن عذابات هذه الحكومة هو المناهض الرئيسي للحكومة وأكثر الفئات الاجتماعية تطلعا إلى مرحلة ما بعد هذه الحكومة! إنه لأمر محبط لهذه الحكومة كون أنها فشلت في احتواء وتدجين الكبار وفشلت أيضا في تربية جيل يدين لها بالطاعة! وغني عن القول أن هذا الجيل الجديد سوف يلعب دورا حاسما في تغيير هذه الحكومة سواء عبر صناديق الانتخابات أو بالمقاومة الشعبية .. أي الأجلين أقرب!

    وختامها !

    صحيح أن سياسة "المباغتة بالعنف والإرهاب الاجتماعي والحصار المعيشي والتجويع" قد لعبت دورا مؤثرا في استمرار الحكومة الراهنة على مدى عقدين من الزمان، لكنها كما ذكرنا لم تجعل من الحكومة أمرا واقعا يقبله الشعب. فقد سقطت ورقة العنف مثلما سقطت من قبل ورقة الدين. فالرفض الاجتماعي جعل من العنف والتعذيب الذي تمارسه الحكومة السودانية الراهنة مجرد وسائل اصطناعية للبقاء مثلها مثل أجهزة التنفس الصناعي والضغط وجهاز تنظيم ضربات القلب التي توضع لمريض يحتضر. إن كل يوم يمر لا يضيف عمرا جديدا للحكومة الراهنة بل يقترب بها من يوم إعلان وفاتها. وهنا يكمن الفرق بين حكومة تعيش حياة اصطناعية مؤقتة تستمد استمراريتها، ولا أقول حياتها، من أجهزة العنف والمخابرات، وبين حكومة تتنفس هواء طبيعيا وتعيش حياة طبيعية ضمن المناخات الطبيعية الديموقراطية لتداول إدارة البلاد. الأفق مغلق أمام الحكومة الراهنة إلا من خيارين:

    - إما الرضوخ لمرحلة تحول ديموقراطي حقيقي، بما يعني رفع كل أجهزة العنف والمخابرات والرقابة رفعة واحدة لا رجعة فيها وتنفيذ كل ما ورد في اتفاقات نيفاشا والرضوخ التام للدستور الانتقالي وسيادة القانون. إن الانتخابات الحرة تتطلب "مرحلة ديموقراطية" حرة تسبق الانتخابات ولا تقل عن عامين. لذلك يقتضي هذا الخيار أن تكف الحكومة عن الأعيب حمل الشعب مكبلا ووضعه مباشرة أمام الانتخابات بدون مرحلة ديموقراطية أو حريات.

    - أو أن تعود الحكومة إلى المربع الأول بتكثيف العنف والتعذيب والاعتقالات وقائمة أفاعيلها الواردة في مقدمة السرد .. وسوف لن يغنيها ذلك من الأجل المحتوم شيئا، بل يقربها منه لأن العنف الآن سوف يولد عنفا مضادا يأتي الحكومة من حيث لا تحتسب وفي ميقات معلوم لا يعلمه إلا الله الواحد الأحد القهار.

    سالم أحمد سالم

    باريس

    21 نوفمبر 2008
                  

12-14-2008, 04:52 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين اخوان السودان ..!!11.... (Re: الكيك)

    العدد رقم: 1107 2008-12-13

    بين قوسين
    يا راجل!

    عبد الرحمن الزومة
    كُتب في: 2008-12-13




    قرأت ابان عطلة العيد المقابلة الصحفية التى أجرتها صحيفة (أخبار اليوم) الموقرة مع الأستاذ عبد الله حسن أحمد والمقابلة كانت من نوع (بعيداً عن السياسة) وهى أمور درجت الصحف على القيام بها في فترة الأعياد كنوع من الخروج على المألوف اليومى المعتاد و في نفس الوقت كنوع من تسليط الأضواء على (الوجه الآخر) للزعماء السياسيين الذين يزحمون صفحات الصحف بمواقفهم وآرائهم السياسية طيلة أيام السنة. كان الأستاذ عبد الله يتحدث عن زعيم حزبه السيد حسن الترابى. ومن حق الأستاذ عبد الله بطبيعة الحال أن يتحدث ما شاء له الحديث عن (شيخه) و زعيم حزبه وأن (يجمل) وجهه ويبيض صورته فذلك أمر مشروع ومقبول طالما اتبع الموضوعية و اعتمد على الوقائع المعاشة والحقائق المشاهدة. كنت كلما قرأت سطراً مما تفضل به الأستاذ عبد الله ازداد استغرابى لما يرد وعندما وصلت الى نهاية المقال لم أملك إلا أن أصيح (يا راجل) وذلك على طريقة المقدم التلفزيونى الشهير الأستاذ محمد سليمان وهى العبارة التى كلفته (وظيفته) المرموقة في عهد (النميرى) و لكنها على أيه حال صارت مثلاً.
    حاول الأستاذ عبد الله أن يرسم لنا الترابى على انه إنسان مفعم بـ (المشاعر الانسانية) وأنه يهتم بالناس ويسأل عن أحوالهم وأنه متواضع وأنه إنسان (مسامح) الى أقصى درجة! حقيقة لقد تساءلت بينى وبين نفسى :ما دام الرجل على هذه الشاكلة فكيف (أضعناه) من بين أيدينا وكيف خرج من بين صفوفنا! يا لنا من (أغبياء)! أنا أعتقد أن الصورة التى رسمها الأستاذ عبد الله لزعيم حزبه هى أقرب الى الصورة (الذهنية) التى يتمنى الأستاذ عبد الله أن يكون الترابى عليها! ولكن قربها وبعدها من الواقع فهذا أمر آخر. اذ المعروف عن الرجل أنه لا يهتم كثيراً بالأمور الانسانية بل انه يدوس عليها في (سادية) غريبة. في آخر اجتماع رأسه الترابى للمكتب القيادى والذى طرح فيه اقتراحه بايداع مسودة (التعديلات الدستورية) الى البرلمان (ترجاه) كل الأعضاء و(توسلوا) اليه بكل قيمة سامية و رابطة عميقة وبكل (المشاعر الانسانية) ان يرجئ تلك الخطوة (يرجئها فقط) لأنها ستشق الجماعة في ذلك الوقت الحرج. وبلغت (المشاعر الانسانية) ذروتها عندما انفجرت الشيخة (الحديدية) البروفيسورة سعاد الفاتح في (بكاء) حار حرك (دموع) الرجال وأشجانهم وهى تقول له : (يا أخى حسن) لماذا تريد أن تشمت بنا الأعداء! و غادرت الاجتماع وهى (تكفكف) دموعها الغالية!حينها (تيقن) الحضور أن دموع الشيخة قد حسمت المسألة وأن الرجل سيتراجع عن موقفه! لكنه قال بعد خروج الشيخة سعاد: الموافقون على الاقتراح يرفعون أيديهم!
    ولقد رفعوها بالفعل في مؤتمر (العشرة آلاف) عضو الذين صوتوا بما يشبه الاجماع على (طرده) من منصب الأمين العام! أما صورة الرجل (المسامح) فهى مغايرة تماماً لما عليه الرجل. تذكرون أصحاب مذكرة العشرة؟ يقال انه (حاربهم) بمعنى لا يسلم عليهم ومنع دخولهم الى بيته في أيامه الأخيرة وقبل أن يفصلوه. ثم ان كل المشكلة الآن بينه وبين المؤتمر الوطنى أنه (لم يسامح) قط ولم ينس ما فعلوه به, وهى أمور شهد عليها كل الناس ومن آخر ما ذكرها هو صهره السيد الصادق المهدى الذى قال ان مواقف الترابى نابعة من حالة (غضب) ومن قبل شهد بها الراحل جون قرنق حين سألوه كيف تصالح الترابى عقب زيارة الأخير له في جوبا عارضاً عليه (الصلح), قال قرنق :الترابى جاءنى (غاضباً) فلماذا (أفش) له غضبه! يا أستاذ عبد الله ان الغضب والتسامح لا يركبان في (مركب) واحدة فاختر لصاحبك أوصافاً أخرى تناسبه وتنطبق عليه!.


    السودانى
                  

12-15-2008, 06:54 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين اخوان السودان ..!!11.... (Re: الكيك)

    الترابي

    للقبس الكويتية ..

    5/10/2008

    «يستحيل ألا يكون الرئيس السوداني على علم بالممارسات اللاإنسانية في دارفور»
    الترابي لـ القبس: لا صبغة سياسية في التهم الموجهة للبشير


    الدوحة ــ القبس:
    أبدى الدكتور حسن الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي المعارض في السودان عتبه على الدول العربية، قائلا إن العرب لم يبدوا أي اهتمام في السابق بالنساء اللواتي اغتصبن في دارفور رغم أنهن نساء عربيات مسلمات، كما أنهم لم يهتموا بالقرى التي احترقت هناك ولا بمئات الآلاف الذين شردوا جراء الحرب ولا بتعطل موارد الرزق للأهالي وخراب محاصيلهم، لكن عندما تعلق الأمر بالرئيس عمر البشير وأصبح متهما.. تحركوا.
    وقال الترابي في مقابلة مع "القبس" خلال زيارته الدوحة أخيرا "إن الجميع يريد حل المشكلة الآن من أجل شخص، إلا أننا نحن نريد حلها من أجل شعب درافور".
    وأضاف أن محكمة الجنايات الدولية توجه التهم إلى أشخاص لا إلى دول، لأن توجيه التهم إلى الدول من اختصاص المحكمة الدولية، كما أن المسلمين ليست لديهم حصانة لأحد منهم، لا للرئيس ولا للخليفة ولا للأمير، فالجميع سواسية أمام القانون.
    وعما إذا كانت هناك خشية من أن تستخدم الاتهامات الموجهة إلى البشير لأغراض سياسية، قال الترابي إن كل قانون يمكن أن يستخدم لأغراض سياسية، بما في ذلك في السودان، فالسودانيون يتدخلون لإجبار القضاة على أمر ما، ومن يعاكس الحكومة يودع في السجون، لكنه أضاف مستدركا: لا يعني هذا أن القضاء السوداني غير مستقل، فعدم استقلالية القضاء ليس بسبب عيب فيه، بل بسبب تدخلات الحكومة.
    شبهات ذات قيمة
    وأوضح الترابي أنه منذ عام 2005 حينما أحيلت القضية الى أوكامبو وحتى اليوم، تمكن من جمع بيانات واسعة "ولا يستطيع أحد أن يقول إن هذه الشهادات لا قيمة لها، فيجب أن ننتظر حتى تعلن في المحكمة، وعندئذ يستطيع القانوني أن يحكم ما اذا كانت البيانات كافية".
    ورأى أن الادعاء بحق البشير ليس فيه أي صبغة سياسية، وخصوصا أنه تم اختيار أوكامبو من قبل 108 دول أعضاء في الأمم المتحدة، بعد أن ترشح عدة قانونيين في العالم لهذا المنصب.
    حرق القرى
    وعما إذا كان يعتقد أن الرئيس السوداني هو من أمر بحرق القرى في دارفور أو أن الجرائم تم ارتكابها بواسطة عناصر في الجيش والأمن، أجاب الترابي بأنه عندما كان في السلطة لم يكن أحد يملك حصانة، أما الآن فحتى ضباط الأمن والجيش لهم حصانة، فلا أحد يستطيع أن يحاسب الرئيس، لكن لماذا لا تستطيع أن تحاسب الرئيس؟ لماذا فرح الجميع وصفق وهلل حينما اقتادوا كارادزيتش الى المحكمة الدولية في لاهاي؟.. هل لأنه غير مسلم؟! فالإسلام يقول "النفس بالنفس"، واذا ارتكبت جناية على النفس مهما كانت، فيجب أن يحاسب، فلماذا هذا التناقض في مواقفنا؟ علما أن التهم الموجهة للبشير أخطر بدرجات من تهم كارادزيتش وذنبه أكبر؟
    إنه يعلم
    وعبّر الترابي عن اعتقاده بأن من غير الممكن ألا يكون البشير على علم بالمخالفات اللاإنسانية التي ارتكبت في دارفور، قائلا: اذا كان هنالك قوات تابعة للقائد وتقوم بأمور مخالفة فعليه محاسبتهم على الأقل.
    وبشأن الاتهام الذي وجّهه نائب الرئيس علي عثمان طه مباشرة للإسلاميين في السودان، وفيه أن أيديهم ملطخة بدماء اهل دارفور وأنهم السبب في تأجيج نيران الصراع، قال الترابي إن علي عثمان طه "ساذج"، وتساءل: متى اندلعت أزمة دارفور؟.. دارفور كانت تحت الاحتلال الانكليزي، ثم خضعت للعثمانيين واحتلت، ولم نكن نحن في الوجود اصلا، ثورة دارفور كانت حاضرة في اكتوبر ضد حكم الفريق ابراهيم عبود، وكان فيها جناح عسكري، فهذه الازمة قديمة جدا، فكيف يقول علي عثمان هذا الكلام؟
    دور الجامعة العربية
    وبشأن دور الجامعة العربية في أزمة دارفور، قال الترابي إن الجامعة العربية فشلت في السودان كما فشلت في العراق ولبنان والصحراء الغربية واليمن، وحتى لو اعتدي على دولة عربية، فلن يكون بإمكان الجامعة فعل شيء وستقف عاجزة.
    وشدد الترابي على أن حزب المؤتمر الشعبي ليس لديه جناح عسكري، وقال: البشير نفسه كان جناحنا العسكري، ولو كان لدينا نزعة عسكرية لكنا استبدلنا بالبشير غيره مباشرة حينما أحسسنا أنه يحاول الانقلاب علينا، لكنه غدر بنا وتسلم السلطة واحتل دورنا واستولى على الشركات التي لم يؤسسها.
    وذكر أنه يحاور جميع الحركات المسلحة في السودان، قائلا: أحاور الجميع وحتى أميركا والغرب. وقال الترابي ان الصلح بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم وحزب المؤتمر الشعبي لا يمكن أن يتم إلا إذا تغير نظام الحكم وأصبح ديموقراطيا منتخبا من قبل الشعب، لافتا إلى ان السودان "قارة لا يمكن ان تُحكم بالقوة".
                  

12-23-2008, 10:31 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين اخوان السودان ..!!11.... (Re: الكيك)


    المعارضة السودانية تطالب البشير بالاستقالة لتجنب سيناريو العراق


    المؤتمر الشعبي السوداني يدعو الرئيس الى تقديم مصلحة الوطن على المصلحة الشخصية والحزبية.

    ميدل ايست اونلاين


    الخرطوم ـ دعا قيادي في حزب المؤتمر الشعبي المعارض في السودان الرئيس عمر البشير وقادة المؤتمر الوطني إلى تقديم مصلحة السودان على المصلحة الشخصية أو الحزبية والإقدام على خطوات سياسية جادة لتحقيق الوفاق الوطني على نحو يجنب السودان المصير العراقي.

    وحذر أمين عام حزب المؤتمر الشعبي المعارض في السودان الدكتور بشير آدم رحمة من أن إصرار حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان على رفض التعاطي مع استحقاقات محكمة الجنايات الدولية منذر بمخاطر لا قبل للسودان بها، وقال: "إذا أصر المؤتمر الوطني على اللغة التي نسمعها في خطابات الرئيس عمر البشير من أنه لن يسلم "كديسا"، فإذا كانت هذه هي السياسة فالأمثلة أمامنا كثيرة، وأعتقد أن لله جنودا يسلطها على من يشاء، وهذه أسميها بسنن الله التي تسري على فرعون وصدام غيرهما ممن يستخف بقومه، لذلك ندعو المؤتمر الوطني إلى أن ينظر لمصلحة الوطن وليس لمصلحته الحزبية الخاصة، ونصيحتنا إليه أن يتعض بما حصل في إسرائيل والهند التي يستقيل فيها المسؤولون لأخطاء ارتكبوها، فلماذا نصر نحن بعد موت الآلاف وتشريد مئات الآلاف في دارفور على استمرار الرئيس البشير، فلماذا لا يتنحى الرئيس أو يستقيل ويكون حكومة قومية ويدعو لإجراء انتخابات، بعد أن حكم السودان لمدة عشرين عاما، وهي أطول فترة حكم فيها رئيس سوداني، لا سيما وأن البترول أسعاره انخفضت ولم تعد لديه الموارد لمواجهة العالم، بهذا التصرف يكون البشير بطلا كسوار الذهب، وإذا حاولت المحكمة الدولية القبض عليه سيجد السودان كله معه"، على حد تعبيره.

    وشكك رحمة في جدية المؤتمر الوطني لإنهاء الأزمة في دارفور، وأكد أن الحلول المطروحة منه لحل أزمة دارفور لا تزال حزبية ولم ترق إلى مستوى القضية بشكل عام، وقال: "بعد اتهام مدعي محكمة الجنايات الدولية للرئيس البشير شخصيا أصبحت هنالك جدية لدى المؤتمر الوطني لحل قضية دارفور، لأنهم شعروا أن الأمر قد وصل إلى قمة السلطة، ولا بد من التعامل بصورة جادة لحل قضية دارفور، ولكن للأسف الشديد فإن الحلول المطروحة من المؤتمر الوطني هي حلول حزبية لمصلحة المؤتمر الوطني على حساب المصلحة القومية، لذلك أشك في أن يصل المؤتمر الوطني بسياساته الحالية لحل أزمة دارفور، ذلك أن قضية دارفور ليست بمعزل عن القضية الوطنية المتمثلة في الحريات والديمقراطية والفيدرالية الحقيقية، والالتزام بما ورد في اتفاقية نيفاشا مع الحركة الشعبية والتعامل بجدية مع المجتمع الدولي".

    واستبعد رحمة امكانية التوصل إلى حل لأزمة دارفور إذا تم استثناء أي فصيل من فصائل دارفور، ولا سيما حركة العدل والمساواة، وقال: "الحوار ضروري مع كل فصائل دارفور، وخصوصا العدل والمساواة التي وصلت إلى عاصمة البلاد لأول مرة في التاريخ، ولا بد أن يمتد الحوار ليشمل الجميع بما في ذلك المكونات العربية، وإذا تعذر ذلك مع بعض القادة الرافضين فعلى الوسطاء وعلى قادة المجتمع المدني والمنظمات الأهلية أن يصلوا إلى الرافضين حتى يكون الحل شاملا، وإذا كان كذلك فإنه سيرضي الجميع، أما إن كان حزبيا فإنه لن يحل الأزمة"، كما قال.

    وأشار رحمة إلى أن اتفاق التراضي الموقع بين المؤتمر الوطني وحزب الأمة قد فشل، وقال: "لقد تحدث السيد الصادق المهدي عن أن صقورا في المؤتمر الوطني وفي المعارضة أفشلت اتفاق التراضي الموقع بين حزبي المؤتمر الوطني والأمة، ونحن كنا نبهنا إلى ذلك وقلنا بأنه اتفاق "نيء"، وأنه يحتاج إلى العودة إلى النار لينضج، وقد حذرنا حزب الأمة من أن المؤتمر الوطني يريد إضاعفه وإضعاف المعارضة لا أكثر ولا أقل"، على حد تعبيره. (قدس برس)
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de