|
مراحل صراع دارفور المسلح...
|
مرت دارفور عبر تاريخها الطويل بكثير من المتغيرات السياسية والاجتماعية منذ ممالك الداجو والتنجر والفور القديمة ثم الثورة المهدية ودورها المحورى فى انجاح تلك الثورة التى انتظمت السودان جميعه , اسهمت قبائل دارفور ذات الاصول العربية فى كل مراحل تطورالاقليم وكان دورها ايجابيا مما ادى الى امتزاجها مع كل القبائل الموجودة فى محيطه وعاشت وتعايشت معها زماناً من الانسجام التام والتماسك فى النسيج الاجتماعى بفضل نظام الادارة الاهلية المميز الذى كان سائداً فيها منذ امد بعيد وتطور هذا النظام فى حقبة الحكم الانجليزى حيث شهد تحسن كبير مما حدا بالانجليز للاعتماد عليه وجعله سلطة ذات اولوية , وكانت مميزة فى ادائها وفيها شئ من الاستقلالية برغم وجودها فى ظل نظام استعمارى متحكم , خرج الاستعمار من السودان وكانت الادارة الاهلية محافظة على تميزها وتماسكها منذ عهد زعيم التحرر الوطنى اسماعيل الازهرى مروراً بفترة الديقراطية الثانية ثم فترة حكم مايو بقيادة المشير نميرى الذى ارتكب خطا فادحا بحلها ثم ما لبث ان رجع اليها ثانية ولكن بعد ان انفرط عقد النظام والامن فى الاقليم واستغل ذوى الدوافع الاجرامية والنفوس الضعيفة ذلك الوضع و تلك اللحظة كانت بداية الظهور للجماعات المسلحة وعصابات النهب والسلب وايضاً ظهرت اطماع بعض القبائل فى اخرى وسالت الارض دماً وما زالت .
عرفت دارفور السلاح منذ قيام الجبهة الوطنية فى السبعينيات من القرن الماضى وذلك لانضمام اعداد كبيرة من سكان اقصى شمال الاقليم اليها وذلك لكثرة تواجدهم بالجماهيرية الليبية بدواعى الاغتراب و لوجود مركز تلك الجبهة هنالك , حيث تم تسليح تلك الجماعات التى اطلق عليهم النميرى اسم (المرتزقة) و بعد فشل محاولتهم الدخول الى العاصمة الخرطوم وتغيير نظام الحكم فيها اصبح من الطبيعى انتشارهم فى خلاء وفيافى دارفور البعيدة عن رقابة مركز الدولة الذى كان مشغولاً بصراعاته الخاصة , فى نفس تلك الحقبة الزمنية شهدت تشاد المجاورة لاقليم دافور صراعات عنيفة لفصائل مسلحة مناهضة للسلطة تشبه جماعات التكتل القبلى الناشطة عسكرياً الان فى الاقليم وذلك حدى بالمواطنين الى امتلاك السلاح فى القرى والفرقان واخذت القبائل العزة بالاثم , تحاربت القبائل فى بعضها افريقيها وعربيها فى حروب قبلية طاحنة استمرت طيلة الفترة الممتدة من ذلك الزمان والى يومنا هذا اذ لم يمر عام الا وتسمع عن اصطدام قبلى بين قبيلتين واكثر , من الاخطاء التى ارتكبتها حكومات المركز التى تعاقبت على حكم السودان منذ الاستقلال دعمها ومساندتها لجيوش متمردة ومناهضة لحكومات دول مجاورة مما ادى الى زيادة وتيرة اشتعال النيران بضراوة شديدة , واقليمى دارفور وشرق السودان شاهدان على ذلك بفتح اراضيهما لجيوش اجنبية ومساندة حكومتى افورقى ودبى اللذين على سدة الحكم الان , ومما يؤسف له ان هذه الحكومات السودانية وبعد دعمها لهذه التمردات المجاورة لم تجنى منها سوى المزيد من عدم الاستقرار فى اطراف الدولة , اما فى فترة الديمقراطية الثالثة كانت هنالك قوات المتمرد ابن عمر التشادى الذى سمح له النظام انذاك بالتواجد داخل اراضى دارفور , فوجود قواته داخل الاقليم ساعد فى امتلاك بعض القبائل للسلاح مما اجج الفتنة القبلية والصراع الاثنى وكانت اشهر صوره تتمثل فى حرب طويلة ومدمرة بين قبيلتى الفور و بعض من القبائل العربية والتى اودت بحياة الكثير من البشر من الطرفين وفى نفس الحقبة ظهرت عصابات قطاع الطرق التى استعصى على تلك الحكومة حسمها وقد ابادت هذه العصابات عدد كبير من سكان القرى والارياف وكان قوام تلك العصابات مجموعة سكانية اتى معظمها من اقصى شمال الاقليم حيث الطبيعة القاسية والصحراء الجرداء و شح الموارد فزادت الطين بلة اذ كان الفرد الدارفورى المسكين لا يامن شر هذه العصابات فى حله وترحاله فكان يقتل فى ابخس الاشياء التى كان يمتلكها اثناء تسفاره , كانت تصطاده ايدى هؤلاء المجرمين سواء كان راكباً لدابة او عربة وشاحنة كان ذلك النظام الديمقراطى الائتلافى فى اشد ايام ضعفه نسبة لسؤ مقصد الحليف المؤتلف معه - الجبهة الاسلامية - التى كانت تكيد ليلاً وعندما يصبح اليوم التالى تستقبل حليفها بضحكة ثعالبية ماكرة الى ان فاجات الجميع بانقلاب يونيو 89 الذى ارخ لمرحلة جديدة فى تاريخ شبه الدولة السودانية حيث تسلم مقاليد الامور دعاة الاسلمة والنزعات العنصرية .
مع ظهور النظام الانقاذى ولقلة مؤيديه وشعبيته اعتمد على الاقليات والجهويات والقبليات فى سبيل توطيد حكمه فاعتمد على كوادره والذين ينتمون الى هذه الاقليات غير ذات العمق التاريخى الضارب فى العراقة و القدم ففى دارفور تجاوزت قبائل كبيرة مثل الفور والرزيقات والهبانية والتعايشة وذلك نسبة لارتباطهم التاريخى باحزاب مثل الامة والاتحادى الديمقراطى فاختارت الجبهة الانتقاء الجهوى والقبلى كاساس لاعتلاء كثير من الناس لكراسى السلطة ومن تلك القبائل البرقو والزغاوة والبرنو فكانوا دعامتها الاساسية مما جعل المرحوم بولاد يثور ضد نفس النظام الذى ضحى بثمانية اعوام من حياته داعية الى مبادئه فى حرم جامعة الخرطوم وكلية الهندسة – خرج بولاد ثائراً على ذوى قرباه تنظيمياً وجبهوياً للظلم الذى حاق به منهم وذلك بتولى ثعلب الغرب د.على الحاج لامر دارفور والسودان بدلاً عنه وهو الرجل (بولاد) سليل سلطنات الفور والتنجر العريقة , اعتمد بولاد على جيش الحركة الشعبية فى تمرده على حكومة الانقاذ و يعتبر ذلك من اكبرالاخطاء التى ارتكبها والتى ادت الى واد الثورة فى مهدها , وذلك لما لقبائل التماس مع قبائل جنوب السودان من ثارات واحتكاكات قديمة , ولو كان اعتماده على جيش من سكان الاقليم لكان حاله غير ما ال اليه , لقد ارتكبت قواته عند دخولها اراض جنوب دارفور اغتصاب لاموال قبائل البقارة وقتل للرعاة مما ادى الى تجاوب الرعاة مع الحملة التى قادها الوالى انذاك الطبيب الطيب سيخة و ثارت ثورة ابناء حيماد وعطية نتاج تلك الاستفزازات وبعدها امتطى الفرسان صهوات جيادهم (القدر بنات سعدان) التى يحلوا لهم اطلاق ذلك الاسم عليها فشتت شمل تلك الكتلة البولادية واخيراً سلمه احد ابناء جلدته الى جيش الطيب سيخة مقابل مكافئة مادية قيمتها 500.000 جنيه سودانى والتى بعدها لم نسمع لذلك الرجل عن اثر , بعدها اصبح المجال فسيحا للدكتور البرناوى ليمارس فلسفته الادارية فى تقسيم السودان الى 26 ولاية على الاساس القبلى ولقد تم له ذلك بالتنسيق مع كوادر الاقليات فى اقاليم السودان كلها.
شهدت فترة ما بعد بولاد استقراراً نسبياً فى امن الاقليم الى ان فوجئنا للمرة الثانية بالاعلان عن الجهوية الكبرى وذلك فى 12/12/1999 حيث الانشقاق بين الانقاذيين وبعدها وجدنا السواد الاعظم من كوادر هذه الاقليات مغردين خارج سرب الانقاذ من بعد ما قدموا لها من اموال شعب دارفور وارواح ابنائه ما قدموا , وجاءوا ليسردوا لنا كيف ان اولاد البحر قد ازاقوهم مر العزاب والمعاناة والظلم وكشفوا لنا الكثير عن خبايا ذلك التنظيم الشائه الذى حير الناس بالعبانيته ومتاجرته بايات الله , رغووا وازبدوا والفوا ما يسمى الكتاب الاسود فقلنا لهم يكفينا سواداً الوان وجوهكم الكالحة هذه ان تزيحوها عنا وعن قضايا الشعب المغلوب على امره وان حواء السودانية والدارفورية قادرة على انجاب من يستطيع ان يرد الضيم عنها غيركم , فابوا الا ان يشعلوها حرباً اخرى موغلة فى القبلنة والعنصرة ومما يؤسف له انهم استطاعوا ان يسحبوا معهم بعض ممن يدعون التقدمية والحداثة والعلمانية الى حلبة الصراع القبلى وهذا يؤكد عدم استراتيجية فكر الكادر السياسى لدينا ومزاجية تفكيره وخضوعه للعنصر والقبيلة مهما تقدم فى الفكر.
اسـماعيــــــــــل عبــــــــد الله [email protected] 00971504233928
|
|
|
|
|
|